كم من الأسئلة تمر بنا؛ ولو تأملنا حقيقتها لوجدنا أنها تدل على السائل واهتماماته!
والناظر إلى أسئلة الرعيل الأول يجد فيها سمو هممهم؛ ومن ذلك سؤال الْحَارِث بْن هِشَامٍ t للرَسُول r: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟
والمراد بالوحي هنا: ما يُلقى للنبي r من القرآن والأحكام.
وفي هذا السؤال دلالة على حرص الصحابة رضي الله عنهم على الاستفسار عن مسائل نزول القرآن، وأثمر لنا هذا السؤال إجابة من رسولنا r تعلّمنا هذه المسألة؛ فقال r: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". رواه البخاري
فوصف الرسول r في هذا الحديث الحالتين اللتين يأتيه بهما الوحي.
الحالة الأولى: أن يأتيه الملك بطبيعته الملكية فيسمع صوتًا شبّهه بصلصلة الجرس، والصلصلة في الأصل: صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين، فيأتي هذا الصوت بهذه القوة ليشغله عن أمور الدنيا، ويفرغ حواسه للصوت الشديد، فكان r، يعي عنه، لأنه لم يبق فى سمعه مكان لغير صوت الملك ولا فى قلبه. فما إن ينزع عنه جبريل u إلا ويكون الرسول r قد حفظ كل ما سمعه من جبريل.
ومن صفات هذه الحالة أنها الأشد على النبي r كما وصفها في هذا الحديث، وقوله "يفصم" أي: يقلع عني كرب الوحي، وهذا يدل على أنه في شدة، ويوضح شدتها ما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي r فقلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟ قال: "نعم، أسمع صلصلة ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض". قال ابن حجر: (وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات).
وفي حديث بدء الوحي في غار حراء لما جاءه الملَك فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ -أي: ما أُحسنُ القراءة-، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ –أي ضمني وعصرني والغط حبس النفس حتى بلغ مني غاية وسعي وبلغ مني الجهد مبلغه- ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}، -أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن بحول ربك وإعانته-، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي... –فدل هذا على انفعال حصل له من مجيء الملَك-.
والحالة الثانية: أن يأتي جبريل إلى النبي r في صورة رجل كدحية الكلبي أو أعرابي فيكلمه كما يكلمه البشر.
وفي الشريعة للآجري والتمهيد لابن عبد البر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي r قال: "من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبياً، وكان منهم من ينفث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبياً، وإن جبريل u يأتيني فيكلمني كما يكلم أحدكم صاحبه".
وبهذا يتبين أن السؤال عن كيفية نزول الوحي سؤال مشروع، وأن نزول جبريل بالوحي إما أن يكون بصورة ملكية أو بصورة بشرية، وأن أشد أحوال الوحي على النبي r ما كان مثل صلصلة الجرس.
والناظر إلى أسئلة الرعيل الأول يجد فيها سمو هممهم؛ ومن ذلك سؤال الْحَارِث بْن هِشَامٍ t للرَسُول r: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟
والمراد بالوحي هنا: ما يُلقى للنبي r من القرآن والأحكام.
وفي هذا السؤال دلالة على حرص الصحابة رضي الله عنهم على الاستفسار عن مسائل نزول القرآن، وأثمر لنا هذا السؤال إجابة من رسولنا r تعلّمنا هذه المسألة؛ فقال r: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". رواه البخاري
فوصف الرسول r في هذا الحديث الحالتين اللتين يأتيه بهما الوحي.
الحالة الأولى: أن يأتيه الملك بطبيعته الملكية فيسمع صوتًا شبّهه بصلصلة الجرس، والصلصلة في الأصل: صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين، فيأتي هذا الصوت بهذه القوة ليشغله عن أمور الدنيا، ويفرغ حواسه للصوت الشديد، فكان r، يعي عنه، لأنه لم يبق فى سمعه مكان لغير صوت الملك ولا فى قلبه. فما إن ينزع عنه جبريل u إلا ويكون الرسول r قد حفظ كل ما سمعه من جبريل.
ومن صفات هذه الحالة أنها الأشد على النبي r كما وصفها في هذا الحديث، وقوله "يفصم" أي: يقلع عني كرب الوحي، وهذا يدل على أنه في شدة، ويوضح شدتها ما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي r فقلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟ قال: "نعم، أسمع صلصلة ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض". قال ابن حجر: (وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات).
وفي حديث بدء الوحي في غار حراء لما جاءه الملَك فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ -أي: ما أُحسنُ القراءة-، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ –أي ضمني وعصرني والغط حبس النفس حتى بلغ مني غاية وسعي وبلغ مني الجهد مبلغه- ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}، -أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن بحول ربك وإعانته-، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي... –فدل هذا على انفعال حصل له من مجيء الملَك-.
والحالة الثانية: أن يأتي جبريل إلى النبي r في صورة رجل كدحية الكلبي أو أعرابي فيكلمه كما يكلمه البشر.
وفي الشريعة للآجري والتمهيد لابن عبد البر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي r قال: "من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبياً، وكان منهم من ينفث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبياً، وإن جبريل u يأتيني فيكلمني كما يكلم أحدكم صاحبه".
وبهذا يتبين أن السؤال عن كيفية نزول الوحي سؤال مشروع، وأن نزول جبريل بالوحي إما أن يكون بصورة ملكية أو بصورة بشرية، وأن أشد أحوال الوحي على النبي r ما كان مثل صلصلة الجرس.