حسن الحسن محمد
New member
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من ولاه.
أما بعد،
خلق الله تعالى النفس البشرية وأمدّها بكل ما يؤهلُّها لمعرفة باريها ويُيسِّر لها توحيده وعبادته سبحانه وتعالى؛ ومما أمدها به نعمتي العقل والعاطفة، قال الدكتور دراز: "وفي النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير، وقوة وجدان، وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها..."(1) ، ولهذا كان حري بالمسلم الاعتناء بكل ما يغذيهما ويقويهما.
ولقد أمر الله تعالى المسلمين في كتابه العزيز بالتدبر والتفكر والاتعاظ والتذكر في عدد من الآيات، فقال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ)(2) ، وقال تعالى: (إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(3) .
ومَن تدبّر هذه الصفات التي أمر بها اللهُ تعالى وجدَها تندرج تحت قسمين: صفات عقلية نحوُ التفكر والتعقل، وصفات عاطفية مثلُ الاتعاظ والتذكر.
وإن إقناعَ العقل وإمتاعَ العاطفة أسلوب انفرد به القرآن، فإنّ من تأمَّل كلام البلغاء وجد أن كلامهم يدور بين السعي الحثيث الناقص إلى إقناع العقل وهذا يظهر في كلام الحكماء، وبين السعي إلى إمتاع العاطفة وهذا يتجلى في كلام الأدباء.
بينما القرآن جاء بكل واحدة منهما في أكمل صورة وأبهى حلة، بل جمع بينهما في أسلوب واحد، ومن تدبر القرآن وقف على ذلك بأم عينيه، قال الدكتور نور الدين عنتر: "وأما أسلوبا واحدا يتجه اتجاها واحدا ويجمع في يديك هذين الطرفين معًا....فذلك ما لا تظفر به في كلام بشر..."(4) .
ولإقناع العقل في القرآن صُور، من أبرزها الاستدلال بالعقل على عدد من الأمور الغيبية، وهذا والله لهو ذروة الإعجاز البياني للقرآن، فانظر إلى الاستدلال العقلي على إثبات البعث في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾(5) ، فأنت ترى أن الله استدل ببداءة الخلق التي لا ينكرها أحد على قدرته على إعادته، إذ الإعادة أهون من الابتداء.
ومن أبرز الصور لإمتاع العاطفة في القرآن جمعُه بين الترغيب والترهيب، كما هو بارز في حديث القرآن عن الجنة وأهلها ونعيمها، وعن النار وأهلها وعذابها، ليكونَ بشارةً للمؤمنين، ويكونَ نذارةً للكافرين، واقرأ أخي القارئ إن شئتَ سورة الواقعة، فإنك ستقف على متعةٍ تلذ لها الأنفس في وصف ما أعده الله للسابقين ولأصحاب اليمين، وفي المقابل ستقف على متعة من نوع آخر، متعة حمد الله على نعمة الهداية حينما تقرأ ما أعده الله لأصحاب الشمال.
وأما قمة الإعجاز البياني للقرآن أن تجده يجمع بين الإقناع والإمتاع في موضع واحد، وانظر كمثال على ذلك إلى سورة الغاشية، فهي على ثلاثة مقاطع:
- المقطع الأول في تصوير حال الكافرين يوم الدين من خشوع الأبصار، وتصوير ما ينتظرهم من العذاب المهين.
- والمقطع الثاني في تصوير حال المؤمنين وما أعده الله لهم من النعيم الجزيل.
وكلا المقطعين فيهما من المتعة العاطفية ما فيهما لأولي القلوب السليمة.
- وأما المقطع الثالث ففي التوجه إلى العقل بالتفكر في الإبل والسماء وغيرها، ليحصل للجميع بذلك التذكرة والانتفاع بها، إن هم أذعنوا للحق وتيقنوا أنهم إلى ربهم راجعون.
فاحرص أخي القارئ عند تلاوة القرآن وتدبره استحضارَ هذا الأسلوب الفريد، ليستمتع قلبك ويتنور عقلك، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
(1) النبأ العظيم، ص 113.
(2) سورة النساء: 82.
(3) سورة ق: 73.
(4) علوم القرآن الكريم، ص 213.
(5) سورة الروم: 27.
الطالب حسن تمياس (11117)
أما بعد،
خلق الله تعالى النفس البشرية وأمدّها بكل ما يؤهلُّها لمعرفة باريها ويُيسِّر لها توحيده وعبادته سبحانه وتعالى؛ ومما أمدها به نعمتي العقل والعاطفة، قال الدكتور دراز: "وفي النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير، وقوة وجدان، وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها..."(1) ، ولهذا كان حري بالمسلم الاعتناء بكل ما يغذيهما ويقويهما.
ولقد أمر الله تعالى المسلمين في كتابه العزيز بالتدبر والتفكر والاتعاظ والتذكر في عدد من الآيات، فقال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ)(2) ، وقال تعالى: (إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(3) .
ومَن تدبّر هذه الصفات التي أمر بها اللهُ تعالى وجدَها تندرج تحت قسمين: صفات عقلية نحوُ التفكر والتعقل، وصفات عاطفية مثلُ الاتعاظ والتذكر.
وإن إقناعَ العقل وإمتاعَ العاطفة أسلوب انفرد به القرآن، فإنّ من تأمَّل كلام البلغاء وجد أن كلامهم يدور بين السعي الحثيث الناقص إلى إقناع العقل وهذا يظهر في كلام الحكماء، وبين السعي إلى إمتاع العاطفة وهذا يتجلى في كلام الأدباء.
بينما القرآن جاء بكل واحدة منهما في أكمل صورة وأبهى حلة، بل جمع بينهما في أسلوب واحد، ومن تدبر القرآن وقف على ذلك بأم عينيه، قال الدكتور نور الدين عنتر: "وأما أسلوبا واحدا يتجه اتجاها واحدا ويجمع في يديك هذين الطرفين معًا....فذلك ما لا تظفر به في كلام بشر..."(4) .
ولإقناع العقل في القرآن صُور، من أبرزها الاستدلال بالعقل على عدد من الأمور الغيبية، وهذا والله لهو ذروة الإعجاز البياني للقرآن، فانظر إلى الاستدلال العقلي على إثبات البعث في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾(5) ، فأنت ترى أن الله استدل ببداءة الخلق التي لا ينكرها أحد على قدرته على إعادته، إذ الإعادة أهون من الابتداء.
ومن أبرز الصور لإمتاع العاطفة في القرآن جمعُه بين الترغيب والترهيب، كما هو بارز في حديث القرآن عن الجنة وأهلها ونعيمها، وعن النار وأهلها وعذابها، ليكونَ بشارةً للمؤمنين، ويكونَ نذارةً للكافرين، واقرأ أخي القارئ إن شئتَ سورة الواقعة، فإنك ستقف على متعةٍ تلذ لها الأنفس في وصف ما أعده الله للسابقين ولأصحاب اليمين، وفي المقابل ستقف على متعة من نوع آخر، متعة حمد الله على نعمة الهداية حينما تقرأ ما أعده الله لأصحاب الشمال.
وأما قمة الإعجاز البياني للقرآن أن تجده يجمع بين الإقناع والإمتاع في موضع واحد، وانظر كمثال على ذلك إلى سورة الغاشية، فهي على ثلاثة مقاطع:
- المقطع الأول في تصوير حال الكافرين يوم الدين من خشوع الأبصار، وتصوير ما ينتظرهم من العذاب المهين.
- والمقطع الثاني في تصوير حال المؤمنين وما أعده الله لهم من النعيم الجزيل.
وكلا المقطعين فيهما من المتعة العاطفية ما فيهما لأولي القلوب السليمة.
- وأما المقطع الثالث ففي التوجه إلى العقل بالتفكر في الإبل والسماء وغيرها، ليحصل للجميع بذلك التذكرة والانتفاع بها، إن هم أذعنوا للحق وتيقنوا أنهم إلى ربهم راجعون.
فاحرص أخي القارئ عند تلاوة القرآن وتدبره استحضارَ هذا الأسلوب الفريد، ليستمتع قلبك ويتنور عقلك، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
(1) النبأ العظيم، ص 113.
(2) سورة النساء: 82.
(3) سورة ق: 73.
(4) علوم القرآن الكريم، ص 213.
(5) سورة الروم: 27.
الطالب حسن تمياس (11117)