مُتَّبِعَة
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا المقال المقتضب أحاول أن أصف بإلماحة سريعة قضية نزول القرآن الكريم في القرآن نفسه، وكيف تحدث القرآن عنها، وبتتبع ما ورد عن هذه القضية في آيات القرآن الكريم لوحظ الآتي:
1- نص القرآن على سبب نزوله ابتداءً، وهو هداية الخلق، فقال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بإذنِ ربِّهِم إلى صِراطِ العزيزِ الحميدِ}.
2- وثق القرآن تاريخ تشريف الأمة بنزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ومبدأ نزوله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، بتاريخ واحد هو ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، فقال جل ذكره في الشهر: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وقال في الليلة: {إنَّا أَنزَلْنَاهُ في ليلةِ القَدْرِ}، ووصف هذه الليلة فقال: {إنَّا أَنزَلْناهُ في ليلةٍ مُّبارَكةٍ}.
3- عَيَّنَ الواسطة في التنزيل، وهو جبريل عليه السلام في قوله جل وعلا: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَّبِكَ بِالْحَقِّ}، وقوله: {وإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}.
4- قرر أن نزوله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم كان مُفَرَّقًا، ثم بَيَّنَ الحكمة من ذلك، فقال عز وجل: {وقالَ الَّذِينَ كفروا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}، وقال جل ذكره: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ونَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}.
5- رَصَدَ مواقف المؤمنين والمكذبين إثر تنزل الوحي على الفور والتراخي، فقال في الفور: {وَإِذا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَأمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}، وقال: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم}، وقال عن المكذبين على التراخي: {وإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}[1]، ثم قابل قولهم بقول المتقين فورًا وتراخيًا: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا}.
6- أكد على حقيقة نزوله من خلال إعجازه في بلاغته، ومنها المغايرة في تصاريف مادة نزل المختصة آياتها بنزول القرآن الكريم، فغاير القرآن في أزمنة أفعال مادة النزول بين الماضي والحاضر، وفي أساليبها بين الغائب والمتكلم، كما غاير بين تعدي تصاريف أفعال مادة النزول بأحد حرفي الجر "على" و" إلى" وبين التعدي بنفسها، وأيضًا غاير القرآن في تراكيب مادة النزول بين الإفراد والجمع، وبين التخفيف والتضعيف، وبين البناء للمعلوم تارة وللمجهول أخرى، وهذه مغايرات واضحة لكل تالٍ متأمل، وهي تؤكد حقيقة النزول وتكثير التنزلات.
ومن مثل هذه الملاحظات وبلاغة المغايرات في الخطاب يُخْلَصُ إلى أن القرآن كلام الله حقيقةً، نزل أول ما نزل جملةً تكريمًا لهذه الأمة، ثم مفرَّقًا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة؛ لتأهيل هذه الأمة المرحومة على حمل مشعل الهداية للعالمين.
مريم النومس
الرقم الأكاديمي : 12106
----------------------------------------
[1]- وهنا ملحظ وصفي عميق الأثر والفائدة سجله القرآن: أن المكذبين حال الفور يعجزهم حضور القرآن عن مجرد التفكير في تلفيق التهمة عليه، فيأخذ بمجامع أعناقهم –لا قلوبهم– إلى حد الذهول والاختناق {نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا}، {ماذا قال آنفًا}، {ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت}، أما تلفيق التهم فهي مرحلة متراخية عن مثولهم أمام محضر القرآن وهيمنته وهيبته وسيادته العقلية، وتأتي بعد خروجهم إلى حثالتهم من الكفار والمنافقين، والله أعلم.
في هذا المقال المقتضب أحاول أن أصف بإلماحة سريعة قضية نزول القرآن الكريم في القرآن نفسه، وكيف تحدث القرآن عنها، وبتتبع ما ورد عن هذه القضية في آيات القرآن الكريم لوحظ الآتي:
1- نص القرآن على سبب نزوله ابتداءً، وهو هداية الخلق، فقال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بإذنِ ربِّهِم إلى صِراطِ العزيزِ الحميدِ}.
2- وثق القرآن تاريخ تشريف الأمة بنزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ومبدأ نزوله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، بتاريخ واحد هو ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، فقال جل ذكره في الشهر: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وقال في الليلة: {إنَّا أَنزَلْنَاهُ في ليلةِ القَدْرِ}، ووصف هذه الليلة فقال: {إنَّا أَنزَلْناهُ في ليلةٍ مُّبارَكةٍ}.
3- عَيَّنَ الواسطة في التنزيل، وهو جبريل عليه السلام في قوله جل وعلا: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَّبِكَ بِالْحَقِّ}، وقوله: {وإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}.
4- قرر أن نزوله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم كان مُفَرَّقًا، ثم بَيَّنَ الحكمة من ذلك، فقال عز وجل: {وقالَ الَّذِينَ كفروا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}، وقال جل ذكره: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ونَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}.
5- رَصَدَ مواقف المؤمنين والمكذبين إثر تنزل الوحي على الفور والتراخي، فقال في الفور: {وَإِذا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَأمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}، وقال: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم}، وقال عن المكذبين على التراخي: {وإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}[1]، ثم قابل قولهم بقول المتقين فورًا وتراخيًا: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا}.
6- أكد على حقيقة نزوله من خلال إعجازه في بلاغته، ومنها المغايرة في تصاريف مادة نزل المختصة آياتها بنزول القرآن الكريم، فغاير القرآن في أزمنة أفعال مادة النزول بين الماضي والحاضر، وفي أساليبها بين الغائب والمتكلم، كما غاير بين تعدي تصاريف أفعال مادة النزول بأحد حرفي الجر "على" و" إلى" وبين التعدي بنفسها، وأيضًا غاير القرآن في تراكيب مادة النزول بين الإفراد والجمع، وبين التخفيف والتضعيف، وبين البناء للمعلوم تارة وللمجهول أخرى، وهذه مغايرات واضحة لكل تالٍ متأمل، وهي تؤكد حقيقة النزول وتكثير التنزلات.
ومن مثل هذه الملاحظات وبلاغة المغايرات في الخطاب يُخْلَصُ إلى أن القرآن كلام الله حقيقةً، نزل أول ما نزل جملةً تكريمًا لهذه الأمة، ثم مفرَّقًا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة؛ لتأهيل هذه الأمة المرحومة على حمل مشعل الهداية للعالمين.
مريم النومس
الرقم الأكاديمي : 12106
----------------------------------------
[1]- وهنا ملحظ وصفي عميق الأثر والفائدة سجله القرآن: أن المكذبين حال الفور يعجزهم حضور القرآن عن مجرد التفكير في تلفيق التهمة عليه، فيأخذ بمجامع أعناقهم –لا قلوبهم– إلى حد الذهول والاختناق {نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا}، {ماذا قال آنفًا}، {ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت}، أما تلفيق التهم فهي مرحلة متراخية عن مثولهم أمام محضر القرآن وهيمنته وهيبته وسيادته العقلية، وتأتي بعد خروجهم إلى حثالتهم من الكفار والمنافقين، والله أعلم.