مقاصد السور : حلقات للمدارسة (3): ( سورة الحشر ، ومناسبتها لهذا العصر)

إنضم
18/04/2003
المشاركات
116
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بالتأمل في اسم السورة وافتتاحيتها وخاتمتها ، وآياتها وموضوعاتها يظهر – والله أعلم - أن مقصدها :

(( بيان قدرة الله وقوته في توهين الكافرين والمنافقين وإظهار خزيهم وتفرقهم ، في مقابل تعظيم شأن المؤمنين وإظهار ترابطهم وتناصرهم ، تقوية لقلوب المؤمنين وتوهيناً للكافرين والمنافقين )) .

فهي تقوي في قلب المؤمن - حين يقرؤها بتدبر - الإيمان بالله تعالى واليقين به والثقة بقدرته في توهين كيد الكافرين والمنافقين ، وتُطِلعه على أسرار تأييد الله للمؤمنين ، وأنه تعالى معهم حين يكون شأنهم كالمهاجرين والأنصار في نصرة دينه والصدق مع الله ، والترابط والمحبة فيما بينهم وصفاء قلوبهم من الغل والحسد .

وما أعظم مناسبتها في هذا الوقت الذي نعيشه وتعيشه الأمة في محنتها مع اليهود ، إذ فيها بعث لليقين والثقة بالله وموعوده في توهين كيد اليهود والمنافقين، وإظهار شأن المؤمنين الصادقين المتناصرين
ويبرز هذا الغرض في السورة من وجوه :
1- افتتاحية السورة واختتامها بالتسبيح والتعظيم لله تعالى وإظهار عزته وحكمته في تصريف الأمور ، وتأمل كيف ختمت الآية الأولى والأخيرة بقوله { وهو العزيز الحكيم } إشارة للغرض الذي بنيت عليه السورة ولذلك جاءت الآية الثانية مباشرة في بيان صورة من قدرته في قوله { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم..} .
2- ذكر حال اليهود وأنصارهم المنافقين : فذكر أولاً حادثة يهود بني النظير وما كان من شأنهم في توهين أمرهم وخزيهم في قوله{ فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } وقوله { وليخزي الفاسقين} . وذكر أيضاً حال قوم سابقين من اليهود وهم بنو قينقاع في قوله {كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم}، وذكر أيضاً قبل ذلك بيان حال المنافقين المناصرين لليهود وبيان جبنهم { لئن أخرجتم لا يخرجون معكم ولئن قوتلتم لاينصرونكم ولئن نصروكم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ....} الآيات .
3- ذكر حال المهاجرين والأنصار ومن بعدهم ، وبيان عظم شأنهم في نصرة الدين وصدقهم وقوة ترابطهم ، مقابل ذكر حال اليهود وأنصارهم المنافقين . في قوله { للفقراء المهاجرين ... } { والذين تبؤوا الدار والإيمان } { والذين جاؤا من بعدهم ...} ، إشارة لأسباب تأييد الله لهم وتحفيزاً للمؤمنين في الاقتداء بهم .
4- تذكير المؤمنين ووعظهم باليوم الآخر ، تحذيراً من الغفلة ومشابهة أهل الكتاب والمنافقين الذين نسو الله فأنساهم أنفسهم .
5- بيان الفرق بين الفريقين ( لايستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } وهي كالنتيجة للفريقين ، ولذلك قال في ختامها { أصحاب الجنة هم الفائزون }
6- ذكر عظمة القرآن في كونه سبباً لتصدع الجبال من خشية الله ، وهو إشعار للمؤمنين والكافرين بأن هذا القرآن الذي بين لهم قدرة الله تعالى وأظهر عاقبة الفريقين حري بأن يكون موقظاً لهم ومحركاً لقلوبهم .
7- ختم السورة بأسماء الله تعالى ، التي تضاعف قوة الإيمان بالله في النفوس وتوثق اليقين به تعالى . وهو المقصود من السورة . والله أعلم .

( نأمل مشاركة الأخوة الأعضاء فيما لديهم من تأملات وتعقيبات حول مقصد السورة )
 
أشكرك يا أبا عبدالله على هذه السلسلة الموفقة ، وأسأل الله أن يوفقك لإتمامها، وأن يسددك في فهمها .
إضافة إلى ما تفضلتم به مما يؤيد ما ظهر لكم في مقصد السورة ، قوله تعالى إشارة إلى استبعاد المؤمنين لهزيمة اليهود والقدرة على إخراجهم بقوله :(ما ظننتم أن يخرجوا) لشدةِ تمكن اليهود في المدينة، ومَنَعَةِ حصونهم التي يتحصنون بها . وهذا أدخل اليأس في قلوب بعض المسلمين من القدرة على إخراجهم منها .
وقوله أيضاً عن اليهود (وظنوا أنهم مانعتهم حصونُهم من الله) وهذا فيه إشارة إلى شدة اعتداد اليهود بما هم فيه من القوة والحصون، والأسباب التي ترجح كفتهم في تلك المنازلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه .
ولكن النتجية والعاقبة هي ما أشرتم إليه من قدرة الله على توهين هذه الأسباب المادية (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب) وبقية القصة معروفة .

ومناسبة هذه المسألة في زماننا ظاهرة في معركتنا مع اليهود ، فكثير من المسلمين في كل مكان حالهم كما قال الله (ما ظننتم أن يخرجوا) . ففي يد اليهود مفاتيح مجلس الأمن، ولديهم من العتاد ما يدمر المنطقة - كما سمعتُ أحدهم يوماً - ثلاث مرات ، بل سمتُ أحد المحللين الاستراتيجين - كما يوصفون في القنوات - يقول : إن لدى الولايات المتحدة ما يدمر الكرة الأرضية خمسين مرة ، في عبارات مماثلة توهن عزيمة المؤمنين ولا أظن لها رصيداً من الواقع ، فإسرائيل في معركتها غير المتكافئة الأخيرة قد استنفدت نسبة كبيرة من عتادها، مما اضطرها لطلب المدد من إسرائيل الكبرى مما يدل على كذب الدعاية للجيش الصهيوني .

وفي المقابل ظن اليهود أنهم مانعتهم حصونهم وأسلحتهم وقواعدهم من الله ، ولكن نتيجة الصواريخ اليدوية والحجارة قد فتك بهم أمنياً واقتصادياً ونفسياً بشكل تظهر آثاره ولله الحمد ، والنصر آتٍ بإذن الله .
 
شكر الله لك أبا عبد الله .
وما ذكرته معنى عظيم ، وهو أمر ظاهر الارتباط بالمقصد .
والحق أن هذا المعنى هو مانعيشه اليوم من تعظيم قوة اليهود وأنصارهم من الغرب .
ولعل من أعظم نتائج هذه المعركة غير المتكافئة ، أنها أزالت من نفوسنا عقدة الوهم والوهن ، الوهم بأن اليهود قوة لاتقهر ، والوهن بأننا نعيش في رحمة الأمم المتحدة ومنظماتها ، لقد قال لي أحد الأخوة بعد انتهاء الأحداث : كنت أعتقد بأننا لايمكن أن نقهر اليهود وهم بهذه القوة ، بيدهم السلاح النووي ، والتأييد العالمي ، وبعد هذه الأحداث تلاشى هذا الظن في نفسي وعلمت أننا أمة يمكن أن نقر اليهود بإيماننا واستحضرت قول الله تعالى { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين }
حقاً إن هذه الحداث غيرت مفاهيم ومعتقدات في نفوس الأمة بل العالم كله .
وحقاً إن كتاب الله معين لاينضب من الهدي الرباني الذي يبني في نفوسنا اليقين بربنا وبقدرته وقوته . فما أعظم هذه السورة - سورة الحشر - وهي تجدد لنا هذا المعنى في هذا الوقت ، وكأنها نزل في ظل الأحداث .
 
بارك الله فيكم ونفعــــــنا بعلمكم 000
 
عودة
أعلى