أحمد أمحرزي علوي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم الاجتهاد عند ابن العربي وضوابطه ومظاهره
الدكتور أحمد أمحرزي علوي
كلية الاداب مراكش المملكة المغربية
مقدمة:
إن من سعادة الأمة أن يكون لديها من العلماء وأهل الفكر والنظر طائفة مهتمة يختص عملها بتنوير عقول الناس بالمعارف الحقة، وتحليتها بالعلوم الصافية بكمال الدقة، لا ينون في تبيين طرق السعادة وموادها، ولا يألون جهدا في السلوك بهم في جوادها، ذلك أنه إذا لم يكن في الناس معلم حكيم، قصرت العقول عن درك ما ينبغي لها دركه من التقويم، وانقطعت دون الكفاية مما يلزم لسد ضرورات الحياة الأولى، والاستعداد لما يكون في الأخرى .
وإذا كان الذين ينيرون الطريق أمام المسلمين ويبلغون عن رب العالمين ورسوله الأمين، إنما يقومون بفرض الكفاية عن الأمة، فقد قرر إمام الحرمين الجويني وغيره من علماء الإسلام أن ثواب فرض الكفاية أفضل من ثواب فرض العين لأن القيام به يسد مسد الأمة ويرفع عنها الحرج .
وإن من أنفس ما يصرف فيه الوقت، وترقى الى معرفته الهمم، وتشرئب إليه النفوس، وتتطلع إليه العقول، علم الشريعة الإسلامية وفقهها، إذ به قوام حياة الأمة أفرادا وجماعات، وبفضله تحقق الأمة مفهوم الخيرية التي اختصت بها في قوله تعالى:) كنتم خير أمة أخرجت للناس( وقوله r : ( من يرد الله بن خيرا يفقهه في الدين) وفقه الدين هو الادراك الشامل والمحكم لنصوص الشرع، وتنزيلها على الواقع والنوازل والأحداث، بما يحقق مصالح المكلفين، ويقيم العدل الذي لأجله قامت السماوات والأرض .
وقد قال ابن الجوزي رحمه الله :" أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر الى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه علم أنه أفضل العلوم… وأنه عز الدنيا والآخرة ".
ومن رحمة الله بهذه الأمة، أنه لم يحصرها في نصوص معينة،بل أرشدها إلى إلحاق الفرع بأصله، والنظير بنظيره، على مر العصور والأزمان، وجعل ذلك من أوجب الواجبات وآكد القربات، ورتب عليه الأجر في الدنيا والآخرة قال
صلى الله عليه وسلم:( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران" وقيل عشرة أجور" وإذا أخطأ فله أجر واحد).
يقول ابن القيم رحمه الله:" إن شريعة الله كاملة، مطابقة للعقل والحق والعدل، فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلته وأسفر صبحه بأي طريق كان، فذلك من شرع الله ودينه، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، ولكن بين أن مقصوده إقامة الحق والعدل بأي طريق كان ".
ومن ثم يعتبر فقه المجتمع و البصر بالواقع موازيا لفقه النص، وبدون فقه المحل ومعرفة الاستطاعة بشكل علمي وموضوعي وتقدير الزمان والمكان فسوف تستمر المجازفات وهدر الطاقات والعبث بالأحكام الشرعية ولو عن حسن نية، فلا يمكن أن يسمى فقيها حامل النصوص فقط لأن فقه أبعاد التكليف قسيم فقه النص ومكمل له فلا فقه لنص بلا فقه لمحله، ومحل النص هو النزول الى الميدان وإبصار الواقع الذي عليه الناس ومعرفة مشكلاتهم ومعاناتهم واستطاعتهم و معرفة أعرافهم وعاداتهم وما يعرض لهم من نوازل وقضايا وما هي النصوص التي تنزل عليهم في واقعهم في مرحلة معينة وما يؤجل من التكاليف لتوفير الاستطاعة. وهذا ما اصطلح عليه ابن القيم رحمه الله بصحة الفهم وحسن القصد حين قال: وصحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما.
ولا يتحقق حسن القصد الا بنوعين من الفهم، أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتى يحيط به علما. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يضيف أحدهما على الآخر، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتبصر فيه الى معرفة حكم الله ورسوله.
وبمقدار فقه الواقع وبحجم استيعابه وبمقدار إبصار أسرار النصوص ومقاصدها ينجح المجتهد والمفكر في تحقيق أغراض الدين ومقاصده وتدبير الدنيا وتنميتها فالدين كما يقول الشاطبي ما وضع الا لمصالح العباد في العاجل والآجل معا. وإن من الذين أغنوا الفقه الإسلامي ،وكانت لهم القدم الراسخة في الاجتهاد والقدح المعلى في الاستنباط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي المعافري ت 543هـ وذلك من خلال نظرته للاجتهاد وضوابطه ومظاهره عنده.
المطلب الأول: حقيقة الاجتهاد عند العربي
عرف أبو بكربن العربي الاجتهاد بقوله:"هو بذل الجهد واستنفاذ الوسع في طلب الصواب"(1) وهذا تعريف دقيق ينطوي على أمور وهي:
1ـ إن المراد ببذل الجهد وأستفراغ الوسع هو القدرة وحصوله الملكة على توظيف الأدلة الشرعية، ومراعاة قوتها في استنباط الأحكام الشرعية، وهي التي أشار إليها ابن العربي في المحصول بقوله:" إذا نزلت نازلة فعلى المجتهد أربعة فروض: أن يطلبها في كتاب الله عز وجل، وقد عد العلماء آيات الله الأحكامية فوجدوها خمسمائة آية وقد يزيد عليها بحسب تبحر الناظر وسعة علمه، فإن لم يجدها فعليه أن يطلبها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدها فعليه أن يطلبها في مسائل الصحابة وقضايا التابعين إجماعا واختلافا، وما ضل من اقتفى آثارهم واقتدى، فإن لم يجدها عندهم متفقا عليها أو لم يجدها أصلا فعليه فبما اختلفوا فيه، وفيما لم يسمعه أن يرده إلى أصل من هذه الأصول الثلاثة المتقدمة، إما بتعليل وإما بشبه وإما بدليل، هذا إن كانت من مسائل الخلاف، وإن كان منشأ الاختلاف فيها أو مدار إشكالها من مثار لفظ، فعليه أن يطلبها في لغة العرب فإن وجده واضحا بنى عليه وإن وجده مشكلا كشفه وإما بآية وإما بحديث وإما بتعليل يظهر به كون أحد الوجهين أقوى من الآخر وإما بشبه يقوي أحد الاحتمالين ويرجح الوجهين. (2)
فاستفراغ الوسع في تحصيل الأدلة والاعتناء ببسطها يكسب ملكة معالجة النوازل وطلب أحكامها من مظانها يقول ابن العربي:" وينبغي أن يعتني ببسط الأدلة وإيضاح سبل النظر، وتحصيل مقدمات الاجتهاد، وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد، فإذا عرضت النازلة أتيت من بابها ونشدت في مظانها والله يفتح صوابها.((3)
2-إن بذل الوسع والجهد في استنطاق النصوص الشرعية إنما هو في حق العلماء القادرين عليه للكشف عن حكم الله تعالى في كل عصر وفي كل نازلة بالنظر فيما لا نص فيه (4) ويخرج بهذا عمل المقلد والمقصر والعاجز فإنه لا يعد اجتهادا معتبرا.(5)
3-إن التعبير باستفراغ الوسع دليل على أن المجتهد لا يقف دون النظر من أول وهلة، بل عليه أن يستعمل النظر، ويبحث عن الحكم لأية مسألة تعرض عليه بمختلف مسالك البحث، فالمجتهد يتميزعن غيره من الناس بأنه يلحظ القول من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستنطقه من كل وجه يراه صالحا للاستنطاق، ويعدي معناه أوعلته إلى ما لا نص فيه، وإن لم يتبين له وجه للتعدية قصر الحكم على محله خاصة، ولم يلحق به سواه.(6)
4-إن المراد بطلب الصواب هو الرجحان الظن لا غير، لأن حكم الله تعالى قد يصادفه المجتهد وقد لا يصادفه كما أن الأشبه من الأصلين قد لا يتوصل إليه، وذلك لعدة عوائق تعوق النظر، وما يمكن الوصول إليه في الاجتهاد هو الإنتهاء إلى درجة يغلب على الظن فيها أن ذلك هو المطلوب والصواب في النازلة موضوع الاجتهاد. وأن ذلك هو نظير ما وقع البيان من الله فيه. يقول ابن العربي:" وهذا هو الصحيح لأن حكم الله قد خفي علينا ،وإلا شبه قد لا يوصل إليه لعائق في النظر، فأما الانتهاء إلى درجة يغلب على الظن فيها المظنون فهو ممكن.(7)
واعتقد أن هذا صحيح، ذلك أن الاجتهاد لا يلجأ إليه إلا عند عدم ورود نص قاطع، وحين يغيب النص الفاصل تزدحم الظنون، وتكثر الاحتمالات وتتنوع التقديرات غير المتناهية، والمخرج من ذلك كله هو ترجيح بعض الظنون والاحتمالات على البعض الآخر، وتقرير الأحكام بناء على ذلك، وهذا التقرير يكون قائما على غلبة الظن، والمبني على غلبة الظن ظني، والمجتهد غير مطالب بأكثر من هذا عقلا وشرعا.(8)
5-إذا كان الاجتهاد هو معرفة وجه الصواب في المسألة وموقع الحجة فيها، وأن ذلك مبني على غلبة الظن فأنه يتركب على هذا أمور ثلاثة:
الأول: إن كل مجتهد مصيب، وهذه مسألة خلافية بين العلماء(9) والذي اختاره ابن العربي وصححه أن كل مجتهد مصيب واستدل لذلك بأدلة منها:
*قوله تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"(10) فالتفرق المنهي عنه يحتمل أمورا منها: ترك التخطئة في الفروع والتبري فيها، وليمضي كل أحد إلى اجتهاده، فإن الكل بحبل الله معتصم وبدليله عامل وقد قال صلى الله عليه وسلم:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"(11) فمنهم من حضرت العصر فأخرها حتى بلغ بني قريظة أخذا بظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال لم يرد هذا منا وإنما أراد الاستعجال، فلم يعنف النبي عليه الصلاة والسلام أحدا منهم ،والحكمة في ذلك أن الاختلاف والتفرق المنهي عنه ،إنما هو المؤدي إلى الفتنة والتعصب وتشتيت الجماعة، وأما الاختلاف في الفروع فهو من محاسن الشريعة قال النبي عليه السلام:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أجتهد فأخطأ فله أجر واحد"(12) وروي "أن له إن أصاب عشرة أجور".(13)
*قوله تعالى:" ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" (14) فأثنى الله على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده، وآتى الكل حكما وعلما. دليل على أن أقوال المجتهدين حق وأن كل مجتهد مصيب"(15)
*إن التحليل والتحريم ليسا بصفات للمحللات ولا للمحرمات، وإنما هي عبارة عن قول الشارع فيما شرع، وعن قول المفتي فيما أفتى، وذلك كالنبوة ليست بصفة ذاتية للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي عبارة عن مكاشفته بالوحي، فإذا أدى الناظر به النظر إلى تحليل عين لم يتعلق بالعين من ذلك وصف، وتعين عليه العمل بما أدى إليه اجتهاده ونظره، وإن نظر آخر فأداه نظره إلى تحريم، عمل أيضا على مقتضى اجتهاده ولم يتعلق بالعين من قوله شيء.(16)
وابن العربي إذ يقرر هذه الحقيقة ،يرى أن القائلين بها هم العلماء(17)، وأن القائلين بأن الحق إنما ه في قول بعضهم هم الضعفاء الجاهلون بالطريقة، وأن عمدتهم فيما ذهبوا إليه لا تستحق أن تسمع.(18)
الثاني: إذا كان كل مجتهد مصيبا في اجتهاده فإن ذلك إنما هو في المسائل الشرعية التي لا قاطع فيها والتي لم يرد بها نص، أما المسائل الشرعية المقطوع بها والتي ورد بها النص فليس كل مجتهد فيها بمصيب، بل الحق فيها واحد، فالموافق له مصيب والمخطئ باجتهاده مخطئ، إذ لا اجتهاد مع النص(19).
الثالث: إذا كان كل مجتهد مصيب، وأن ذلك إنما هو فيما لا نص فيه، فإنه يترتب عليه أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ومثل له ابن العربي بالاجتهاد في معرفة القبلة، فإذا اجتهد في مكة وأخطأها لزمه إعادة الصلاة لوجود النص، وإذا اجتهد في غير مكة لم يعد، لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.(20)
الرابع: ينبني على ما تقدم أن كل حكم اجتهادي أنفذ يجوز الاجتهاد فيه مرة أخرى حتى لو كان هذا الحكم حكم الصحابة، يقول ابن العربي:"إن كل حكم أنفذته الصحابة يجوز الاجتهاد فيه ثانيا وذلك فيما لم يرد فيه نص ولا انعقد عليه إجماع"(21) لأن أمر الاجتهاد مرده إلى النظر في الأدلة ومراعاة مراتبها وارتباطها باللغة، واختلاف روايات الأخبار بالزيادة والنقصان وغير ذلك من أسباب اختلاف العلماء.(22)
المطلب الثاني: أهمية الاجتهاد عند ابن العربي
تحدث ابن العربي عن أهمية الاجتهاد وضرورته في أكثر من موضع من كتبه، وعقد له فصلا في كتابه"المحصول" ونبه على اجتهاده في كثير من القضايا واعتبر أن الاجتهاد أصل الدين والشريعة، وأنه منه قامت الأحكام، وعليه عول السلف من الأمة، وبه فصل بين الحلال والحرام وأن التعويل على العلامات والأمارات التي هي معتمد الاجتهاد أصل الشريعة في المشكلات والمفزع في الأوامر والنواهي، وأنه كثيرا ما ينبني القطعي على الظني في مسائل الفقه(23) واستدل لهذه الأهمية بأدلة منها:
*ورود عدة نصوص شرعية محتملة لمعاني مختلفة وهذا يقتضي استعمال النظر والحكم بالاجتهاد استنادا إلى الأصول المنصوصة(24).
* إن الله سبحانه لم يجعل طرق الأحكام نصا يدركه الجفلى، وإنما جعله مظنونا يختص به العلماء لقوله سبحانه"يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات" ويتصرف المجتهدون في مسالك النظر فيدرك بعضهم الصواب فيؤجر عشرة أجور ويقصر آخر فيدرك أجرا واحد وتنفذ الأحكام الدنيوية على ما أراد الله تعالى(25).
*قوله تعالى:" ممن ترضون من الشهداء"(26) دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من المعاني والأحكام.(27)
*قوله تعالى: "فإن أراد فصال عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"(28)وهذا يدل على جواز الاجتهاد في أحكام الشريعة ،لأن الله تعالى جعل للوالدين التشاور والتراضي في الفطام، فيعملان على موجب اجتهادهما فيه وتترتب عليه الأحكام.(29)
*أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب الاجتهاد فعن عمر رضي الله عنه انه خطب يوم الجمعة فقال:"إني لا أدع بعدي شيئا هو أهم عندي من الكلالة وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته الكلالة، و ما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيها، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال:" يا عمر إما تكفيك آية الصيف يعني الآية التي في آخر سورة النساء" (30) فعمر كان يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم النص القاطع للعذر وهو عليه السلام يحمله على البيان الواقع مع الإطلاق الذي وكل فيه إلى الاجتهاد بالأخذ من اللغة ومقاطع القول ومرابط البيان ومفاصله، وهذا نص في جواز الاجتهاد ونص في التكلم بالرأي المستفاد عند النظر الصائب.(31)
*إقراره صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري في أخذه جعلا على الرقية ولم ينكر عليه نظره واجتهاده من غير نص ، وهذا دليل على جواز الاجتهاد.(32)
*إجتهد كثير من الصحابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم على اجتهادهم وهذا يدل على أهمية الاجتهاد ومشروعيته.(33)
*إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد ويقضي في باجتهاده فيما لم ينزل فيه وحي، وكان دينا يلزم اتباعه(34) فأرشد بذلك أمته إلى وجوب التأسي به والاجتهاد فيما لم يرد به نص.
هذه أمثلة تدل على مشروعية الاجتهاد عند ابن العربي وأهميته في معرفة الأحكام الشرعية وتنزيلها على القضايا والنوازل، وهذه الأهمية لا تنحصر في الآدميين بل تشمل الملائكة، فالاجتهاد أصل عندهم كما هو أصل عند الآدميين، ومن ثم شدد ابن العربي النكير على منكري الاجتهاد ومبطليه ودعاة التقليد ودعا عليهم بالتعاسة(35)وصرح بأن التقليد حرام في حق العلماء القادرين على النظر واستنطاق الأدلة استنطاقا صحيحا ولا يجوز لهم اللجوء إليه إلا في حالتين:
الأولى: في حالة خوف فوات وقت الصلاة، فالعالم وإن كان قادرا على النظر ولكن ضاق وقت العبادة، فاحتياطا لها جاز له أن يقلد عالما آخر لأن ما يقتحم في التقليد من الخطأ أيسر من اقتحام فوات الوقت.(36)
الثانية: في حالة نزول نازلة خفي عليه فيها وجه الدليل والنظر، فأراد أن يردد الفكر فيها والنظر حتى يقف على المطلوب، فضاق الوقت عن ذلك، جاز أن يقلد عالما آخر.
أما في غير هاتين الحالتين فلا يجوز لمجتهد أن يقلد آخر إجماعا كما حكى ذلك ابن العربي فقال "أما مع الإطلاق والاسترسال وفي كل نازلة تقع فإنه ممنوع أجماعا" (37)
فكلامه رحمه الله واضح وصريح في أن الاجتهاد حق وواجب على العالم لا يعدل عنه إلا عند الضرورة القصوى ووقت الحاجة، رعاية لمصالح الناس ودفعا للضرر عنهم، ومن هذا الباب أيضا أوجب ابن العربي على العامي والقاصر عن النظر التقليد، لأنه يعصمه من الزلل ويبعده عن الضلال، ويهديه إلى سبيل الرشاد، ويحرم عله الاجتهاد صونا لأحكام الشرع من أن يتعاطاها من لا يملك آلة الاجتهاد، ولا يعتني بالأدلة، يقول ابن العربي:"أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين وعصمة من عصمة المسلمين يلجأ إليه الجاهل المقصر عن درك النظر".(38)
المطلب الثالث: مجال الاجتهاد عند ابن العربي
إذا كان الاجتهاد عند ابن العربي واجب، فإن مجاله واسع عنده يشمل الأمور الدنيوية والدينية بما فيها أمور الآخرة خلافا لما ذهب إليه المالكية من تعلق الاجتهاد بالدنيا فقط وأستدل لذلك بأمرين:
*أولهما ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور الصحابة في الآذان من غير نص، وذلك دليل على طلب الحق في الدين من غير النصوص والظواهر(39) يقول ابن العربي عقب حديث الآذان:"وفي هذا الحديث دليل على أصل عظيم من أصول الفقه، وهو القول في الدين بالقياس والاجتهاد، إلا ترى إلى مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في الآذان ولم ينتظر في ذلك من الله وحي ولا طلب منه بيانا، وإنما أراد أن يأخذ فيه ما عند أصحابه من رأي يستنبطونه من أصول الشريعة وينتزعونه من أغراضها".(40)
*ثانيهما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، فيكون أول من رفع رأسه، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أرفع رأسه قبلي، أو كان من ممن استثنى الله."(41) قال ابن العربي:"توقف النبي صلى الله عليه وسلم في تعيين وجه سبق موسى بالإفاقة مع تطرق الاحتمال إليه ، دليل على أنه يجوز التكلم باجتهاد في غير الأحكام المعمول بها في مصالح الدنيا ونظامها من أمور الآخرة وما والاها . وقد صرح علمائنا بأن الاجتهاد إنما يكون في أحكام العمل وهذا نص في الرد عليهم.(42) والواقع أن النص الذي ذكره ابن العربي لا يدل على أي اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم بل هو إخبار عن عدم العلم ،فالاستدلال به ضعيف.
هذا هو تصور ابن العربي للاجتهاد وأهميته ومجالاته، وهو تصور عميق ودقيق يدل على فهم عميق لنصوص الشريعة وسبر أغوارها كما يدل على جرأة فائقة وقدرة على الجهر بالحق كلما لاحت بارقة، وكيف لا يكون ذلك من رجل استشعر من نفسه قدرة النظر والانفراد بالرأي ومصاولة الأقران ومزاحمة المجتهدين.
المطلب الثالث: مكانة ابن العربي بين طبقات المجتهدين
لبيان مكانة ابن العربي بين طبقات المجتهدين، ينبغي أن نبين مراتب المجتهدين حسب تصنيف علماء الأصول لنتبين المكانة التي يمكن وضع ابن العربي فيها، والتي صرح هو نفسه أنه ينتسب إليها، فالعلماء يصنفون المجتهدين أربعة أصناف:
1-المجتهد المطلق: وهو الذي يعتمد في استنباط الأحكام على الكتاب والسنة والإجماع والقياس والآثار. وله أصول يتبعها في الاستنباط دون أن يقلد أحدا من المجتهدين، وقد صرح النووي وغيره أن المجتهد المطلق يتميز بثلاث خصال:
الأولى: التصرف في الأصول والقواعد التي عليها تم بناء مجتهداته.
الثانية: تتبع الآيات والآثار بمعرفة الأحكام التي سبق الجواب فيها، واختيار بعض الأدلة المتعارضة على بعض، وبيان الراجح من محتملاته والتنبيه لمآخذ الأحكام من تلك الأدلة.
الثالثة: الكلام في المسائل التي لم يسبق بالجواب فيها أحد من تلك الأدلة(43) وقد نشأ هذا الاجتهاد في عصر الصحابة والتابعين، وأستمر بعده إلى أئمة المذاهب، فكان كل مجتهد يتحرى الصواب دون تقيد برأي مجتهد آخر وغير ملزم أحدا برأيه.(44)
وعن هذا الاجتهاد نشأت المذاهب الفقهيه الباقية والمندثرة، وجملتها أربعة عشر مذهبا لرأبعه عشر إماما من أهل السنة والجماعة، غير أنه قد كتب لبعضها الانتشار والبقاء بسبب علماء من أتباعها دونوها كالمذاهب الأربعة المشهورة، وكالمذهب الظاهري الذي دونه ابن حزم في كتابه المحلى، وكبعض المذاهب الشيعية مثل مذهب الزيدية ومذهب جعفر الصادق، ولم يكتب البقاء لبعضها الآخر لأنها لم تدون كمذهب الحسن البصري والأوزاعي وسفيان الثوري والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبن جرير الطبري(45) وقد صرح النووي أن الاجتهاد المطلق فقد من رأس المائة الأربعة فلم يمكن وجوده.(46)
2- المجتهد المنتسب: وهو الذي ينتسب إلى إمام من أئمة الاجتهاد المطلق، لكن له القدرة على النظر والاستنباط من نصوص الكتاب والسنة رأسا أخذا بأصول الإمام الذي انتسب إليه مقلدا له فيها ومخالفا له في الفروع، وإن انتهى إلى نتائج مشابهة في الجملة لما وصل إليه الإمام.(47) يقول ولي الله الدهلوي موضحا هاته الرتبة:" أن يكون أكبر همه معرفة المسائل التي قد أجاب فيها المجتهدون من قبل من أدلتها التفصيلية ونقدها وتنقيح أخذها وترجيح بضعها على بعض وهذا أمر جليل لا يتم له إلا بإمام يتأسى به قد كفي معرفة فرش المسائل وإيراد الدلائل في كل باب باب، فيستعين به في ذلك ثم يستقل بالنقد والترجيح.... ولابد لهذا المقتضي أن يستحسن شيئا مما سبق إليه إمامه ويستدرك عليه شيئا، فإن كان استدراكه أقل من موافقته عد من أصحاب الوجوه في المذهب، وإن كان أكثر لم يعد تفرده وجها في المذهب ،وكان مع ذلك منتسبا إلى صاحب المذهب في الجملة ممتازا عمن يتأسى بإمام آخر في كثير من أصول مذهبه وفروعه. ويوجد لمثل هذا بعض مجتهدات لم يسبق بالجواب فيها، إذ الوقائع متتالية والباب مفتوح فيأخذها من الكتاب والسنة وآثار السلف من غير اعتماد على إمام، ولكنها قليلة بالنسبة إلى ما سبق بالجواب فيه ،وهذا هو المجتهد المطلق المنتسب"(48)، وهذا هو الذي قال عنه الإمام النووي إنه باق إلى أن تأتي أشراط الساعة الكبرى ولا يجوز انقطاعه شرعا لأنه فرض كفاية، ومتى قصر أهل عصر حتى تركوه أثموا كلهم وعصوا بأسرهم.(49)
ومن هؤلاء المجتهدين المنتسبين ابن القاسم وابن وهب في المذهب المالكي وأبو يوسف ومحمد وزفر في المذهب الحنفي، والمزني والبويطي في المذهب الشافعي وابن تيمية في المذهب الحنبلي وغيرهم ممن اعتبرت أقوالهم واتبعت آراؤهم وعمل على وفقها.(50)
3-المجتهد في المذهب: وهو الذي يفتي بأقوال إمامه إن كان لإمامه قول فيما يعرض عليه من قضايا ،فإن لم يكن لإمامه قول اجتهد وأفتى على مذهبه وخرجها من أقواله وعلى منواله لأنه يكون ملما بأصول ذلك المذهب وفروعه(51)، ومن هؤلاء الطحاوي والكرخي والسرخسي من الحنفيه ، أما في المذهب المالكي فقد بلغوا من الكثرة حدا يصعب تعدادهم ومنهم أبن أبي زيد القيرواني وأبن رشد الجد والمازري واللخمي وأبن حبيب وغيرهم، وهم الذين حرروا فروع المذهب وأوضحوا أصوله وقعدوا قواعده، وأنموا مسائله، ودونوا فيه الدواوين العظام التي زخرت بالأحكام الفرعية في كل باب من أبواب الفقه عبادات ومعاملات، بحيث أصبحت أقوال صاحب المذهب لا تمثل إلا قدرا يسيرا إذا ما قورنت بما أضافوه.
4-المجتهد المرجح أو مجتهد الفتيا :ّوهو المتبحر في مذهب إمامه والمتمكن من ترجيح قول على آخر ووجه من وجوه الأصحاب على آخر، فاجتهاده محدود في تخير الأقوال وتخير الروايات وهو في الحقيقة مقلد بيد أن له تفسيرا في المذهب ونشاطا عقليا وله نوع اجتهاد بالترجيح الذي يتولاه.(52)
والمتأمل في اجتهادات ابن العربي وترجيحاته الفقهية والأصولية يتبين أن الرتبة التي ينبغي أن يضاف إليها هي رتبة المجتهد المنتسب، فهو متقيد بمنهج الإمام، ملتزم به في التخريج ،حر في استنطاق الأصول وعرض المسائل والنوازل عليها وتقرير أحكامها، وهي المرتبة التي وصف نفسه بها ونسبه إليها غير واحد من المحققين يقول ابن العربي :"وهل أنا إلا ناظر من النظار أدين بالاختيار وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل"(53) ويقول أيضا :" نحن نقول ذلك في تفريع مذهب مالك على أحد القولين في التزام المذهب بالتخريج لا على أنها فتوى نازلة تعمل عليها المسائل حتى إذا جاء سائل عرضت المسألة على الدليل الأصل لا على التخريج المذهبي".(54)
وقد وصف نفسه بالاجتهاد في غير موضع من كتبه فقد ساق اختلاف الفقهاء في الأصناف التي تجب فيها الزكاة وأدلة كل واحد ثم قال:" وقد آن تحديد النظر فيها كما يلزم كل مجتهد"(55) وقال عند الحديث عن مقدار حد الشرب :"وقد كنت في ولايتي أجلد ثمانين بالاجتهاد" .(56)
وقد سلم له بالاجتهاد عدد من المحققين كشمس الدين الذهبي الذي وصفه بالاجتهاد المطلق وأقره على ذلك جلال الدين السيوطي وأبو إسحاق الاسفرايني وولي الله الدهلوي(57) وغيرهم ممن نصوا على أنه من المحققين ومن أهل اليقين في العلوم(58) واعتبر الحجوي الثعالبي كتابه "أحكام القرآن" من الكتب التي تعين على الاجتهاد جدا.(59) وإن ذلك ليشهد له بوضوح وجلاء مجموع اختياراته، وتوجهاته الدقيقة لكثير من المسائل التي صرح أنه لم يسبق إليها ولم يزاحم عليها ولم يتضمنها كتاب غير كتبه وأنها ظلت مقفلة حتى كشفها الله له بفضله وكرمه، وأنها ظلت مقفلة إلى أن فتحها الله له.
وأسوق بعضها لبيان أهميتها وقدرة ابن العربي على الاستدلال والاستنباط وأحقيتة بالاعتزاز والافتخار.
*ذهب إلى أن الإيلاء لا يرتفع إلا بالرجوع، والرجوع لا يحصل إلا بالمباشرة لا بالقول فقال:" والرجوع لا يكون إلا عن مرجوع عنه، وقد تقدم منه يمين واعتقاد، فأما اليمين فيكون الرجوع عنها بالكفارة لأنها لا تحلها، وأما الاعتقاد فيكون الرجوع عنه بالفعل،لأن اعتقاده مستتر لا يظهر إلا بما يكشف عنه م فعل يتبين به كحل اليمين بالكفارة أو إتيان ما امتنع منه، فأما مجرد قوله رجعت فلا يعد فيئا، وإذ ثبت هذا التحقيق فلا معنى بعده لقول إبراهيم النخعي وأبي قلابة : إن الفيء قوله رجعت. أما أنه تبقى هناك نكتة وهي أن يحلف فيقول : والله لقد رجعت. فهل تنحل اليمن التي قبلها أم لا؟ قلنا لا يكون فيئا لأن هذه اليمين توجب كفارة أخرى في الذمة، وتجتمع مع اليمين الأول ولا يرفع الشئ إلا بما يضاده وهذا تحقيق بالغ".(60)
*قوله :"اختلف علماؤنا في دم الحيض فقال بعضهم هو كسائر الدماء يعفى عن قليله ومنهم من قال: قليله و كثيره سواء في التحريم، وهو قول ابن القاسم ورواه ابن وهب عن مالك. وجه الأول عموم قوله تعالى(أو دما مسفوحا)(61) وهذا يتناول القليل دون الكثير، ووجه الثاني قوله تعالى(قل هو أذى)(62) وهذا يعم القليل والكثير، ويترجح هذا العموم على الآخر بأنه عموم في خصوص عين،وذلك الأول هو عموم في خصوص حال، وحال المعين أرجح من حال الحال، وهذا من غريب فنون الترجيح وهذا ما لم نسبق إليه ولم نزاحم عليه".(63)
*قال ردا على الشافعي الذي يرى أن الإيتاء للمكاتب واجب :"ولو أن الشافعي حين قال إن الإيتاء يقول إن الكتابة واجبة لكان تركيبا حسنا، لكنه قال إن الكتابة لا تلزم والإيتاء يجب، فجعل الأصل غير واجب والفرع واجب وهذا لا نظير له، والدليل على أنه غير واجب أنه لو كان واجبا غير مقدر كما قال الشافعي لكان المال في أصل الكتابة مجهولا والعقد بالعوض المجهول لا يجوز شرعا" (64) وهذا من دقة فهمه للنصوص وتوجيهاته الدقيقة والعميقة لها.(65)
وفي معرض كلامه عن اختلاف العلماء في وجه تفضيل السمع على البصر قال:" ويحتمل أن يكون قدم السمع لأن كلام الله نسمعه قبل النظر إليه، فكان تقديمه من أجل تقديم المعرفة بمتعلقاتها، وهذا كلام بديع لم أسبق إليه من عالم والحمد لله".(66)
ومن القضايا التي انفرد بها في باب الأصول:
1-التخصيص بالقواعد العامة: يرى ابن العربي أن التخصيص بالقواعد العامة أولى من التخصيص بالقياس ومثل لذلك بتخصيص الحلي من عموم أحكام الربا ،فالحلي كان عينا في أصله وأخرجه القصد والصناعة إلى باب العروض فتغير حكم الشرع في إيجاب الزكاة فيه نظرا لخروجه عن الذهب والفضة بالتغير في الهيئة والمقصد وهذا من باب القواعد العامة .والقاعدة العامة هنا هي قاعدة المصالح والمقاصد قال ابن العربي:"إن الربا وإن كان منصوصا عليه في ذاته وهي الزيادة فإنه عام في الأحوال والمحال ،والعموم يتخصص بالقياس فكيف بالقواعد المؤسسة العامة." وهذا من دقائقه رحمه الله .
2-التخصيص بالحكمة:فكما يجوز التخصيص عند ابن العربي بالقواعد العامة يجوز التخصيص بالحكمة ومثل له بقتل الجماعة بالواحد فقال ردا على الإمام أحمد في أن الجماعة لاتقتل بالواحد لقوله تعالى:"النفس بالنفس," وهذا العموم مخصص بالحكمة التي من أجلها كتب القصاص وهي صيانة الأنفس عن القتل وإراقة الدماء ،وهذه الحكمة يدب أن تراعى في جميع أصناف القتل فرديا كان أو جماعيا ،وإبطال هذه الحكمة يترتب عليه التذرع إلى سفك الدماء عن طريق القتل الجماعي ،فتعين التخصيص بالحكمة ردعا للأعداء وحسما للداء.
3-تخصيص العموم بالعموم:وهو من أغرب أنواع التخصيص عند ابن العربي، والعمدة لديه في ذلك هو أن الله تعالى حجب في الميراث الأم من الثلث إلى السدس بالولد الواحد وبالجمع من الإخوة ،وقد اختلف في العدد الحاجب فذهب جملة من الصحابة إلى أن الحجب يتم باثنين فأكثر ، وذهب ابن عباس إلى أن الحجب لا يتم إلا بما فوق الإثنين ،والاختلاف راجع في أساسه إلى الاختلاف في أقل عدد يطلق عليه لفظ الجمع،ويرى ابن العربي أن هذا تخصيص للعموم بالعموم فقول الله تعالى:"فإن كان له إخوة"(67) يقتضي بإطلاقه ثلاثة لأنه هو المتيقن في الجمع ،وضم الواحد إلى الآخر يعد جمعا أيضا لغة وهو عموم معارض للعموم الأول فترك أحد الجمعين بالآخر، وهو تخصيص له،ذلك لأن حظ الأم ينقطع بالواحد في طريق البنوة ،فوجب أن ينقطع بالإثنين في طريق الأخوة ،فإذا كان الواحد في البنوة يقينا وكان الثلاثة في الأخوة يقينا وكان الإثنان في موضع الاحتمال وجب اعتبارهما عن طريق النظر."
4-درج كثير من الأصوليين على الحديث عن المطلق والمقيد ضمن ما يخصص به العام أو يتصل به ،وهذا الذي مال إليه المعاصرون كأديب صالح وغيره ،غير أن أبا إسحاق الشيرازي في كتابه "التبصرة في أصول الفقه" أفرد له مسائل مستقلة .غير أن ما تميز به ابن العربي هو أنه أخرج هذا المبحث من باب العموم وأدرجه في باب التأويل منبها على أنه ليس من العموم وإن جرت عادة العلماء على إيراده فيه.
4-ومن دقائق ابن العربي وتأصيلاته ماسطره عند حديثه عن الفرض أو الواجب فقرر أن الفرضية تنافي الأجرة ، فما هو فرض أو واجب على المكلف لايستحق على إنجازه أجرا دنيويا ،لأن الفرضية تتنافى مع الأجرة لاسيما إذا كان هذا الفرض غير معين فيعتبر ما يأخذه القائم به حقا لا أجرا يقول:" إن الذي يأكله الخلفاء والولاة والفقهاء ليس بأجرة ،وإنما هو حق جعله الله لهم لنازلهم ومنتابهم وإلا فالذي يفعلونه فرض عليهم ، فكيف تجب الأجرة لهم وهو فرض عليهم ،والفرضية تنافي الأجرة لاسيما إذا كان عملا غير معين كعمل الخلفاء والقضاة والمفتين والسعاة والمعلمين. فهذه نظرة دقيقة بقدر ما تحمل كل فرد مسؤوليته الشرعية ،تعلي اعتباره وكرامته الاجتماعية ، وهي النظرة التي يجب أن يؤسس عليها التشريع الاجتماعي ،وعلى ضوئها يتعين النظر إلى كافة القائمين بالوظائف الكفائية في الأمة.
وادعاء ابن العربي الانفراد وإن لم يسلم له في بعض الاجتهادات فقد سلم له في أكثرها،(68) ونقلها عنه كثير من المحققين، كما اعتمدت أقواله وآراؤه واجتهاداته، ونقلت عنه وتداولها الناس في حياته وبعد وفاته، وما ذهب إليه الدهلوي من أن ابن العربي وأبن عبد البر واضطرابها من المجتهدين المنتسبين لاتعد أقوالهم وجها في المذهب فغير صحيح، فإن أقواله معدودة من وجوه المذهب المالكي معمول بها معتمدة حتى ولو أنفرد بها.
ومن الذين نقلوا عنه تلميذه ابن الفرس الغرناطي ت 597هـ في أحكام القرآن صفحات: 28-109-312-513 والقرافي في الفروق والذخيرة(69) وابن جزي في التسهيل 1/6 وفي القوانين الفقهية صفحات119-176-435 والونشريسي في المعيار 2/9-9/69-209-10/48-50-107-176-11/83-84-98-175-176-182-183-12/40-92-93-122-141 . والرهوني في حاشيته 13.12.5/3 والشيخ كنون في حاشيته 3/5 وابن هلال في نوازله 8 ملزمة 29، والوزاني في النوازل الصغرى 1/ 1/258-325-327 ، وميارة على ابن عاشر: 1/ 211-217-222-224-239-245-280-299 والطالب بن الحاج في حاشيته 1/ 245- والعلمي في نوازله 2/246-387-388-والدردير في الشرح الكبير 1/407-4/353- والدسوقي في حاشيته 4/353 وابن الحاج العبدري في المدخل: 1/ 110-114-4/25-28-171-212-218-310- والخرشي على خليل 2/222، والزرقاني في شرحه للموطأ 1/190 والقرطبي في تفسيره 1/ 93-110-123-140-152-(70) ونقل عنه ابن القيم في زاد المعاد 2/437.442 وابن سيد الناس في كتابه النفح الشذي في شرح الترمذي 1/191-340-344-377-387-399- والنووي في المجموع 3/134، والمطيعي في تكملة المجموع 17/359.425، وابن حجر في الفتح 2/184-184-431-3/297-10/339 (71) والشاطبي في الموافقات وغيرها 4/150.151 وابن الجزري في النشر 1/35 والزركشي في البرهان1/36 والسيوطي في حاشيته على النسائي 5/215 وفي الإتقان 2/22.91 والسندي في حاشيته على النسائي 5/215 وفي شرحه للترمذي 1/4- 5 والصنعاني في سبل السلام 3/337، والشوكاني في نيل الأوطار،3/13.14.311.276 و 5/266 و9/179.
فهذه قلة من كثرة ممن نقلوا أقوال ابن العربي واحتفوا بها وشهدوا لصاحبها بالرسوخ في العلم والملكة العالية في الاستنباط، ورحم الله تلميذ ابن العربي الفتح بن خاقان إذ قال مادحا شيخه:" علم الأعلام الطاهر الأثواب، الباهر الألباب، والذي أنسى ذكاء اياس (72)، وترك التقليد للقياس، وأنتج الفرع من الأصل، وغدا في يد الإسلام أمضى من النصل، سقى الله به الأندلس بعدما أجدبت من المعارف ومد عليها الظل الوارف، فكساها رونق نبله، وسقاها ريق وبله" (73)
وكتبه الدكتور :أحمد أمحرزي علوي
كلية الآداب مراكش
الهوامش
-المحصول ص 333
2-نفسه ص285-286 والعارضة 6/75
3- أنظر العارضة 7/ 82
4-نفسه 6/75
5-أنظر القبس 3/895 والعارضة 6/75
6-العارضة 6/75
7-المحصول ص 336
8-أبو بكر بن العربي أصوليا ص467
9- أنظر إحكام الفصول للباجي ص622 والتبصرة للشيرازي ص498.
10-سورة آل عمران الآية 103
11-أخرجه البخاري 5/60-61 ومسلم 3/1391
12-أخرجه البخاري 8/510 ومسلم 3/1342 والنسائي 8/614 والبيهقي 10/118
13-أحكام القرآن 1/291 و292 –الأحكام لصغرى 1/196
14-سورة الأنبياء الآية 79
15-أحكام القرآن 3/1270
16-المحصول ص336-و342 والعارضة 2/144
17-المحصول ص336
18-نفسه ص338
19-العارضة 2/146و8/244 أحكام القرآن 2/383
20-العارضة 1/146و12/98
21-أحكام القرآن2/683و العارضة 13/230
22-أحكام القرآن 1/348 والقبس 1/81
23-القبس 1/134و341 و3/956 والمسالك ورقة 65
24-العارضة 1/311و6/12
25-أحكام القرآن 1/521
26-سورة البقرة الآية 282
27-أحكام القرآن 1/254
28-سورة البقرة الآية 233
29-أحكام القرآن 1/205
30-أخرجه البخاري1/70وومسلم1/194
31-أحكام القرآن 1/348
32-العارضة 8/220
33-العارضة 6/75 و8/220 أحكام القرآن 1/291
34-أحكام القرآن 1/282و3/1267و4/1769 والعارضة 5/194 12/99
35-العارضة 12/112
36-المحصول ص349- القبس3/875-أحكام القرآن2/708 إحكام الفصول للباجي ص635
37-أحكام القرآن2/708والقبس 3/875
38-أحكام القرآن 2/707
39-العارضة 1/311 والقبس 1/193
40-القبس 1/194 والمسالك ورقة 169
41-أخرجه الترمذي 5/348/-وابن ماجة 2/571
42-العارضة 2/123و124
43-الفكر السامي2/437-الإنصاف في أسباب الاختلافص80- 81
44-تاريخ التشريع الإسلامي للخضري بك ص116
45-المدخل الفقهي ص259وفلسفة التشريع الإسلامي ص204
46-الفكر السامي 2/452 والإنصاف في بيان اسباب الاختلافص74
47-الفكر السامي 2/438
48-الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف ص70-71وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد ص26
49-الإنصاف ص74والفكر السامي 2/452
50-الموافقات 4/82والفكر السامي 2/438
51-الفكر السامي 2/438والإنصافص71
52-الفكر السامي2/438
53-العواصم 2/74
54-أحكام القرآن 3/1212
55-نفسه 2/759
56-العارضة 6/223
57-أنظر سير أعلام النبلاء 20/201 وتذكرة الحفاظ4/1296والرد على من أخلد إلى الارض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرضي الله عنه92 والتبصير في الدين ص 12والإنصاف في بيان أسباب الاختلاف ص84وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد ص26-والأصول العامة للفقه المقارن ص592
58-أنظر الإتقان 2/22وشذرات الذهب 4/141
59-الفكر السامي 2/442
60-أحكام القرآن 1/179
61-سورة الأنعام الآية 145
62- سورة البقرة الآية 222
63-أحكام القرآن 1/162
64-نفسه 3/1384
65-أنظر العارضة 5/171 و172 وأحكام القرآن 1/64و2/627 –749
66-العارضة 12/284
67-أنظر فتح الباري 10/602
68-أنظر القرفي وأثره في الفقه الإسلامي ص197و239
69-يعتبر القرطبي أكثر العلماء نقلا عن ابن العربي فجل مادته الفقهية قائمة عليه
70-نقل ابن حجر عن ابن العربي الشيء الكثير وانتقده في مواطن عدة خاصة ما يتعلق بالإجماع.
71-إشارة إلى إياس بن معاوية يضرب به المثل في الفطنة والذكاء ت 122هـأنظر سير أعلام النبلاء 5/155
72-مطمح الأنفس ص297 .
مفهوم الاجتهاد عند ابن العربي وضوابطه ومظاهره
الدكتور أحمد أمحرزي علوي
كلية الاداب مراكش المملكة المغربية
مقدمة:
إن من سعادة الأمة أن يكون لديها من العلماء وأهل الفكر والنظر طائفة مهتمة يختص عملها بتنوير عقول الناس بالمعارف الحقة، وتحليتها بالعلوم الصافية بكمال الدقة، لا ينون في تبيين طرق السعادة وموادها، ولا يألون جهدا في السلوك بهم في جوادها، ذلك أنه إذا لم يكن في الناس معلم حكيم، قصرت العقول عن درك ما ينبغي لها دركه من التقويم، وانقطعت دون الكفاية مما يلزم لسد ضرورات الحياة الأولى، والاستعداد لما يكون في الأخرى .
وإذا كان الذين ينيرون الطريق أمام المسلمين ويبلغون عن رب العالمين ورسوله الأمين، إنما يقومون بفرض الكفاية عن الأمة، فقد قرر إمام الحرمين الجويني وغيره من علماء الإسلام أن ثواب فرض الكفاية أفضل من ثواب فرض العين لأن القيام به يسد مسد الأمة ويرفع عنها الحرج .
وإن من أنفس ما يصرف فيه الوقت، وترقى الى معرفته الهمم، وتشرئب إليه النفوس، وتتطلع إليه العقول، علم الشريعة الإسلامية وفقهها، إذ به قوام حياة الأمة أفرادا وجماعات، وبفضله تحقق الأمة مفهوم الخيرية التي اختصت بها في قوله تعالى:) كنتم خير أمة أخرجت للناس( وقوله r : ( من يرد الله بن خيرا يفقهه في الدين) وفقه الدين هو الادراك الشامل والمحكم لنصوص الشرع، وتنزيلها على الواقع والنوازل والأحداث، بما يحقق مصالح المكلفين، ويقيم العدل الذي لأجله قامت السماوات والأرض .
وقد قال ابن الجوزي رحمه الله :" أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر الى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه علم أنه أفضل العلوم… وأنه عز الدنيا والآخرة ".
ومن رحمة الله بهذه الأمة، أنه لم يحصرها في نصوص معينة،بل أرشدها إلى إلحاق الفرع بأصله، والنظير بنظيره، على مر العصور والأزمان، وجعل ذلك من أوجب الواجبات وآكد القربات، ورتب عليه الأجر في الدنيا والآخرة قال
صلى الله عليه وسلم:( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران" وقيل عشرة أجور" وإذا أخطأ فله أجر واحد).
يقول ابن القيم رحمه الله:" إن شريعة الله كاملة، مطابقة للعقل والحق والعدل، فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلته وأسفر صبحه بأي طريق كان، فذلك من شرع الله ودينه، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، ولكن بين أن مقصوده إقامة الحق والعدل بأي طريق كان ".
ومن ثم يعتبر فقه المجتمع و البصر بالواقع موازيا لفقه النص، وبدون فقه المحل ومعرفة الاستطاعة بشكل علمي وموضوعي وتقدير الزمان والمكان فسوف تستمر المجازفات وهدر الطاقات والعبث بالأحكام الشرعية ولو عن حسن نية، فلا يمكن أن يسمى فقيها حامل النصوص فقط لأن فقه أبعاد التكليف قسيم فقه النص ومكمل له فلا فقه لنص بلا فقه لمحله، ومحل النص هو النزول الى الميدان وإبصار الواقع الذي عليه الناس ومعرفة مشكلاتهم ومعاناتهم واستطاعتهم و معرفة أعرافهم وعاداتهم وما يعرض لهم من نوازل وقضايا وما هي النصوص التي تنزل عليهم في واقعهم في مرحلة معينة وما يؤجل من التكاليف لتوفير الاستطاعة. وهذا ما اصطلح عليه ابن القيم رحمه الله بصحة الفهم وحسن القصد حين قال: وصحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما.
ولا يتحقق حسن القصد الا بنوعين من الفهم، أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتى يحيط به علما. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يضيف أحدهما على الآخر، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتبصر فيه الى معرفة حكم الله ورسوله.
وبمقدار فقه الواقع وبحجم استيعابه وبمقدار إبصار أسرار النصوص ومقاصدها ينجح المجتهد والمفكر في تحقيق أغراض الدين ومقاصده وتدبير الدنيا وتنميتها فالدين كما يقول الشاطبي ما وضع الا لمصالح العباد في العاجل والآجل معا. وإن من الذين أغنوا الفقه الإسلامي ،وكانت لهم القدم الراسخة في الاجتهاد والقدح المعلى في الاستنباط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي المعافري ت 543هـ وذلك من خلال نظرته للاجتهاد وضوابطه ومظاهره عنده.
المطلب الأول: حقيقة الاجتهاد عند العربي
عرف أبو بكربن العربي الاجتهاد بقوله:"هو بذل الجهد واستنفاذ الوسع في طلب الصواب"(1) وهذا تعريف دقيق ينطوي على أمور وهي:
1ـ إن المراد ببذل الجهد وأستفراغ الوسع هو القدرة وحصوله الملكة على توظيف الأدلة الشرعية، ومراعاة قوتها في استنباط الأحكام الشرعية، وهي التي أشار إليها ابن العربي في المحصول بقوله:" إذا نزلت نازلة فعلى المجتهد أربعة فروض: أن يطلبها في كتاب الله عز وجل، وقد عد العلماء آيات الله الأحكامية فوجدوها خمسمائة آية وقد يزيد عليها بحسب تبحر الناظر وسعة علمه، فإن لم يجدها فعليه أن يطلبها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدها فعليه أن يطلبها في مسائل الصحابة وقضايا التابعين إجماعا واختلافا، وما ضل من اقتفى آثارهم واقتدى، فإن لم يجدها عندهم متفقا عليها أو لم يجدها أصلا فعليه فبما اختلفوا فيه، وفيما لم يسمعه أن يرده إلى أصل من هذه الأصول الثلاثة المتقدمة، إما بتعليل وإما بشبه وإما بدليل، هذا إن كانت من مسائل الخلاف، وإن كان منشأ الاختلاف فيها أو مدار إشكالها من مثار لفظ، فعليه أن يطلبها في لغة العرب فإن وجده واضحا بنى عليه وإن وجده مشكلا كشفه وإما بآية وإما بحديث وإما بتعليل يظهر به كون أحد الوجهين أقوى من الآخر وإما بشبه يقوي أحد الاحتمالين ويرجح الوجهين. (2)
فاستفراغ الوسع في تحصيل الأدلة والاعتناء ببسطها يكسب ملكة معالجة النوازل وطلب أحكامها من مظانها يقول ابن العربي:" وينبغي أن يعتني ببسط الأدلة وإيضاح سبل النظر، وتحصيل مقدمات الاجتهاد، وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد، فإذا عرضت النازلة أتيت من بابها ونشدت في مظانها والله يفتح صوابها.((3)
2-إن بذل الوسع والجهد في استنطاق النصوص الشرعية إنما هو في حق العلماء القادرين عليه للكشف عن حكم الله تعالى في كل عصر وفي كل نازلة بالنظر فيما لا نص فيه (4) ويخرج بهذا عمل المقلد والمقصر والعاجز فإنه لا يعد اجتهادا معتبرا.(5)
3-إن التعبير باستفراغ الوسع دليل على أن المجتهد لا يقف دون النظر من أول وهلة، بل عليه أن يستعمل النظر، ويبحث عن الحكم لأية مسألة تعرض عليه بمختلف مسالك البحث، فالمجتهد يتميزعن غيره من الناس بأنه يلحظ القول من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستنطقه من كل وجه يراه صالحا للاستنطاق، ويعدي معناه أوعلته إلى ما لا نص فيه، وإن لم يتبين له وجه للتعدية قصر الحكم على محله خاصة، ولم يلحق به سواه.(6)
4-إن المراد بطلب الصواب هو الرجحان الظن لا غير، لأن حكم الله تعالى قد يصادفه المجتهد وقد لا يصادفه كما أن الأشبه من الأصلين قد لا يتوصل إليه، وذلك لعدة عوائق تعوق النظر، وما يمكن الوصول إليه في الاجتهاد هو الإنتهاء إلى درجة يغلب على الظن فيها أن ذلك هو المطلوب والصواب في النازلة موضوع الاجتهاد. وأن ذلك هو نظير ما وقع البيان من الله فيه. يقول ابن العربي:" وهذا هو الصحيح لأن حكم الله قد خفي علينا ،وإلا شبه قد لا يوصل إليه لعائق في النظر، فأما الانتهاء إلى درجة يغلب على الظن فيها المظنون فهو ممكن.(7)
واعتقد أن هذا صحيح، ذلك أن الاجتهاد لا يلجأ إليه إلا عند عدم ورود نص قاطع، وحين يغيب النص الفاصل تزدحم الظنون، وتكثر الاحتمالات وتتنوع التقديرات غير المتناهية، والمخرج من ذلك كله هو ترجيح بعض الظنون والاحتمالات على البعض الآخر، وتقرير الأحكام بناء على ذلك، وهذا التقرير يكون قائما على غلبة الظن، والمبني على غلبة الظن ظني، والمجتهد غير مطالب بأكثر من هذا عقلا وشرعا.(8)
5-إذا كان الاجتهاد هو معرفة وجه الصواب في المسألة وموقع الحجة فيها، وأن ذلك مبني على غلبة الظن فأنه يتركب على هذا أمور ثلاثة:
الأول: إن كل مجتهد مصيب، وهذه مسألة خلافية بين العلماء(9) والذي اختاره ابن العربي وصححه أن كل مجتهد مصيب واستدل لذلك بأدلة منها:
*قوله تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"(10) فالتفرق المنهي عنه يحتمل أمورا منها: ترك التخطئة في الفروع والتبري فيها، وليمضي كل أحد إلى اجتهاده، فإن الكل بحبل الله معتصم وبدليله عامل وقد قال صلى الله عليه وسلم:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"(11) فمنهم من حضرت العصر فأخرها حتى بلغ بني قريظة أخذا بظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال لم يرد هذا منا وإنما أراد الاستعجال، فلم يعنف النبي عليه الصلاة والسلام أحدا منهم ،والحكمة في ذلك أن الاختلاف والتفرق المنهي عنه ،إنما هو المؤدي إلى الفتنة والتعصب وتشتيت الجماعة، وأما الاختلاف في الفروع فهو من محاسن الشريعة قال النبي عليه السلام:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أجتهد فأخطأ فله أجر واحد"(12) وروي "أن له إن أصاب عشرة أجور".(13)
*قوله تعالى:" ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" (14) فأثنى الله على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده، وآتى الكل حكما وعلما. دليل على أن أقوال المجتهدين حق وأن كل مجتهد مصيب"(15)
*إن التحليل والتحريم ليسا بصفات للمحللات ولا للمحرمات، وإنما هي عبارة عن قول الشارع فيما شرع، وعن قول المفتي فيما أفتى، وذلك كالنبوة ليست بصفة ذاتية للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي عبارة عن مكاشفته بالوحي، فإذا أدى الناظر به النظر إلى تحليل عين لم يتعلق بالعين من ذلك وصف، وتعين عليه العمل بما أدى إليه اجتهاده ونظره، وإن نظر آخر فأداه نظره إلى تحريم، عمل أيضا على مقتضى اجتهاده ولم يتعلق بالعين من قوله شيء.(16)
وابن العربي إذ يقرر هذه الحقيقة ،يرى أن القائلين بها هم العلماء(17)، وأن القائلين بأن الحق إنما ه في قول بعضهم هم الضعفاء الجاهلون بالطريقة، وأن عمدتهم فيما ذهبوا إليه لا تستحق أن تسمع.(18)
الثاني: إذا كان كل مجتهد مصيبا في اجتهاده فإن ذلك إنما هو في المسائل الشرعية التي لا قاطع فيها والتي لم يرد بها نص، أما المسائل الشرعية المقطوع بها والتي ورد بها النص فليس كل مجتهد فيها بمصيب، بل الحق فيها واحد، فالموافق له مصيب والمخطئ باجتهاده مخطئ، إذ لا اجتهاد مع النص(19).
الثالث: إذا كان كل مجتهد مصيب، وأن ذلك إنما هو فيما لا نص فيه، فإنه يترتب عليه أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ومثل له ابن العربي بالاجتهاد في معرفة القبلة، فإذا اجتهد في مكة وأخطأها لزمه إعادة الصلاة لوجود النص، وإذا اجتهد في غير مكة لم يعد، لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.(20)
الرابع: ينبني على ما تقدم أن كل حكم اجتهادي أنفذ يجوز الاجتهاد فيه مرة أخرى حتى لو كان هذا الحكم حكم الصحابة، يقول ابن العربي:"إن كل حكم أنفذته الصحابة يجوز الاجتهاد فيه ثانيا وذلك فيما لم يرد فيه نص ولا انعقد عليه إجماع"(21) لأن أمر الاجتهاد مرده إلى النظر في الأدلة ومراعاة مراتبها وارتباطها باللغة، واختلاف روايات الأخبار بالزيادة والنقصان وغير ذلك من أسباب اختلاف العلماء.(22)
المطلب الثاني: أهمية الاجتهاد عند ابن العربي
تحدث ابن العربي عن أهمية الاجتهاد وضرورته في أكثر من موضع من كتبه، وعقد له فصلا في كتابه"المحصول" ونبه على اجتهاده في كثير من القضايا واعتبر أن الاجتهاد أصل الدين والشريعة، وأنه منه قامت الأحكام، وعليه عول السلف من الأمة، وبه فصل بين الحلال والحرام وأن التعويل على العلامات والأمارات التي هي معتمد الاجتهاد أصل الشريعة في المشكلات والمفزع في الأوامر والنواهي، وأنه كثيرا ما ينبني القطعي على الظني في مسائل الفقه(23) واستدل لهذه الأهمية بأدلة منها:
*ورود عدة نصوص شرعية محتملة لمعاني مختلفة وهذا يقتضي استعمال النظر والحكم بالاجتهاد استنادا إلى الأصول المنصوصة(24).
* إن الله سبحانه لم يجعل طرق الأحكام نصا يدركه الجفلى، وإنما جعله مظنونا يختص به العلماء لقوله سبحانه"يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات" ويتصرف المجتهدون في مسالك النظر فيدرك بعضهم الصواب فيؤجر عشرة أجور ويقصر آخر فيدرك أجرا واحد وتنفذ الأحكام الدنيوية على ما أراد الله تعالى(25).
*قوله تعالى:" ممن ترضون من الشهداء"(26) دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من المعاني والأحكام.(27)
*قوله تعالى: "فإن أراد فصال عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"(28)وهذا يدل على جواز الاجتهاد في أحكام الشريعة ،لأن الله تعالى جعل للوالدين التشاور والتراضي في الفطام، فيعملان على موجب اجتهادهما فيه وتترتب عليه الأحكام.(29)
*أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب الاجتهاد فعن عمر رضي الله عنه انه خطب يوم الجمعة فقال:"إني لا أدع بعدي شيئا هو أهم عندي من الكلالة وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته الكلالة، و ما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيها، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال:" يا عمر إما تكفيك آية الصيف يعني الآية التي في آخر سورة النساء" (30) فعمر كان يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم النص القاطع للعذر وهو عليه السلام يحمله على البيان الواقع مع الإطلاق الذي وكل فيه إلى الاجتهاد بالأخذ من اللغة ومقاطع القول ومرابط البيان ومفاصله، وهذا نص في جواز الاجتهاد ونص في التكلم بالرأي المستفاد عند النظر الصائب.(31)
*إقراره صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري في أخذه جعلا على الرقية ولم ينكر عليه نظره واجتهاده من غير نص ، وهذا دليل على جواز الاجتهاد.(32)
*إجتهد كثير من الصحابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم على اجتهادهم وهذا يدل على أهمية الاجتهاد ومشروعيته.(33)
*إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد ويقضي في باجتهاده فيما لم ينزل فيه وحي، وكان دينا يلزم اتباعه(34) فأرشد بذلك أمته إلى وجوب التأسي به والاجتهاد فيما لم يرد به نص.
هذه أمثلة تدل على مشروعية الاجتهاد عند ابن العربي وأهميته في معرفة الأحكام الشرعية وتنزيلها على القضايا والنوازل، وهذه الأهمية لا تنحصر في الآدميين بل تشمل الملائكة، فالاجتهاد أصل عندهم كما هو أصل عند الآدميين، ومن ثم شدد ابن العربي النكير على منكري الاجتهاد ومبطليه ودعاة التقليد ودعا عليهم بالتعاسة(35)وصرح بأن التقليد حرام في حق العلماء القادرين على النظر واستنطاق الأدلة استنطاقا صحيحا ولا يجوز لهم اللجوء إليه إلا في حالتين:
الأولى: في حالة خوف فوات وقت الصلاة، فالعالم وإن كان قادرا على النظر ولكن ضاق وقت العبادة، فاحتياطا لها جاز له أن يقلد عالما آخر لأن ما يقتحم في التقليد من الخطأ أيسر من اقتحام فوات الوقت.(36)
الثانية: في حالة نزول نازلة خفي عليه فيها وجه الدليل والنظر، فأراد أن يردد الفكر فيها والنظر حتى يقف على المطلوب، فضاق الوقت عن ذلك، جاز أن يقلد عالما آخر.
أما في غير هاتين الحالتين فلا يجوز لمجتهد أن يقلد آخر إجماعا كما حكى ذلك ابن العربي فقال "أما مع الإطلاق والاسترسال وفي كل نازلة تقع فإنه ممنوع أجماعا" (37)
فكلامه رحمه الله واضح وصريح في أن الاجتهاد حق وواجب على العالم لا يعدل عنه إلا عند الضرورة القصوى ووقت الحاجة، رعاية لمصالح الناس ودفعا للضرر عنهم، ومن هذا الباب أيضا أوجب ابن العربي على العامي والقاصر عن النظر التقليد، لأنه يعصمه من الزلل ويبعده عن الضلال، ويهديه إلى سبيل الرشاد، ويحرم عله الاجتهاد صونا لأحكام الشرع من أن يتعاطاها من لا يملك آلة الاجتهاد، ولا يعتني بالأدلة، يقول ابن العربي:"أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين وعصمة من عصمة المسلمين يلجأ إليه الجاهل المقصر عن درك النظر".(38)
المطلب الثالث: مجال الاجتهاد عند ابن العربي
إذا كان الاجتهاد عند ابن العربي واجب، فإن مجاله واسع عنده يشمل الأمور الدنيوية والدينية بما فيها أمور الآخرة خلافا لما ذهب إليه المالكية من تعلق الاجتهاد بالدنيا فقط وأستدل لذلك بأمرين:
*أولهما ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور الصحابة في الآذان من غير نص، وذلك دليل على طلب الحق في الدين من غير النصوص والظواهر(39) يقول ابن العربي عقب حديث الآذان:"وفي هذا الحديث دليل على أصل عظيم من أصول الفقه، وهو القول في الدين بالقياس والاجتهاد، إلا ترى إلى مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في الآذان ولم ينتظر في ذلك من الله وحي ولا طلب منه بيانا، وإنما أراد أن يأخذ فيه ما عند أصحابه من رأي يستنبطونه من أصول الشريعة وينتزعونه من أغراضها".(40)
*ثانيهما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، فيكون أول من رفع رأسه، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أرفع رأسه قبلي، أو كان من ممن استثنى الله."(41) قال ابن العربي:"توقف النبي صلى الله عليه وسلم في تعيين وجه سبق موسى بالإفاقة مع تطرق الاحتمال إليه ، دليل على أنه يجوز التكلم باجتهاد في غير الأحكام المعمول بها في مصالح الدنيا ونظامها من أمور الآخرة وما والاها . وقد صرح علمائنا بأن الاجتهاد إنما يكون في أحكام العمل وهذا نص في الرد عليهم.(42) والواقع أن النص الذي ذكره ابن العربي لا يدل على أي اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم بل هو إخبار عن عدم العلم ،فالاستدلال به ضعيف.
هذا هو تصور ابن العربي للاجتهاد وأهميته ومجالاته، وهو تصور عميق ودقيق يدل على فهم عميق لنصوص الشريعة وسبر أغوارها كما يدل على جرأة فائقة وقدرة على الجهر بالحق كلما لاحت بارقة، وكيف لا يكون ذلك من رجل استشعر من نفسه قدرة النظر والانفراد بالرأي ومصاولة الأقران ومزاحمة المجتهدين.
المطلب الثالث: مكانة ابن العربي بين طبقات المجتهدين
لبيان مكانة ابن العربي بين طبقات المجتهدين، ينبغي أن نبين مراتب المجتهدين حسب تصنيف علماء الأصول لنتبين المكانة التي يمكن وضع ابن العربي فيها، والتي صرح هو نفسه أنه ينتسب إليها، فالعلماء يصنفون المجتهدين أربعة أصناف:
1-المجتهد المطلق: وهو الذي يعتمد في استنباط الأحكام على الكتاب والسنة والإجماع والقياس والآثار. وله أصول يتبعها في الاستنباط دون أن يقلد أحدا من المجتهدين، وقد صرح النووي وغيره أن المجتهد المطلق يتميز بثلاث خصال:
الأولى: التصرف في الأصول والقواعد التي عليها تم بناء مجتهداته.
الثانية: تتبع الآيات والآثار بمعرفة الأحكام التي سبق الجواب فيها، واختيار بعض الأدلة المتعارضة على بعض، وبيان الراجح من محتملاته والتنبيه لمآخذ الأحكام من تلك الأدلة.
الثالثة: الكلام في المسائل التي لم يسبق بالجواب فيها أحد من تلك الأدلة(43) وقد نشأ هذا الاجتهاد في عصر الصحابة والتابعين، وأستمر بعده إلى أئمة المذاهب، فكان كل مجتهد يتحرى الصواب دون تقيد برأي مجتهد آخر وغير ملزم أحدا برأيه.(44)
وعن هذا الاجتهاد نشأت المذاهب الفقهيه الباقية والمندثرة، وجملتها أربعة عشر مذهبا لرأبعه عشر إماما من أهل السنة والجماعة، غير أنه قد كتب لبعضها الانتشار والبقاء بسبب علماء من أتباعها دونوها كالمذاهب الأربعة المشهورة، وكالمذهب الظاهري الذي دونه ابن حزم في كتابه المحلى، وكبعض المذاهب الشيعية مثل مذهب الزيدية ومذهب جعفر الصادق، ولم يكتب البقاء لبعضها الآخر لأنها لم تدون كمذهب الحسن البصري والأوزاعي وسفيان الثوري والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبن جرير الطبري(45) وقد صرح النووي أن الاجتهاد المطلق فقد من رأس المائة الأربعة فلم يمكن وجوده.(46)
2- المجتهد المنتسب: وهو الذي ينتسب إلى إمام من أئمة الاجتهاد المطلق، لكن له القدرة على النظر والاستنباط من نصوص الكتاب والسنة رأسا أخذا بأصول الإمام الذي انتسب إليه مقلدا له فيها ومخالفا له في الفروع، وإن انتهى إلى نتائج مشابهة في الجملة لما وصل إليه الإمام.(47) يقول ولي الله الدهلوي موضحا هاته الرتبة:" أن يكون أكبر همه معرفة المسائل التي قد أجاب فيها المجتهدون من قبل من أدلتها التفصيلية ونقدها وتنقيح أخذها وترجيح بضعها على بعض وهذا أمر جليل لا يتم له إلا بإمام يتأسى به قد كفي معرفة فرش المسائل وإيراد الدلائل في كل باب باب، فيستعين به في ذلك ثم يستقل بالنقد والترجيح.... ولابد لهذا المقتضي أن يستحسن شيئا مما سبق إليه إمامه ويستدرك عليه شيئا، فإن كان استدراكه أقل من موافقته عد من أصحاب الوجوه في المذهب، وإن كان أكثر لم يعد تفرده وجها في المذهب ،وكان مع ذلك منتسبا إلى صاحب المذهب في الجملة ممتازا عمن يتأسى بإمام آخر في كثير من أصول مذهبه وفروعه. ويوجد لمثل هذا بعض مجتهدات لم يسبق بالجواب فيها، إذ الوقائع متتالية والباب مفتوح فيأخذها من الكتاب والسنة وآثار السلف من غير اعتماد على إمام، ولكنها قليلة بالنسبة إلى ما سبق بالجواب فيه ،وهذا هو المجتهد المطلق المنتسب"(48)، وهذا هو الذي قال عنه الإمام النووي إنه باق إلى أن تأتي أشراط الساعة الكبرى ولا يجوز انقطاعه شرعا لأنه فرض كفاية، ومتى قصر أهل عصر حتى تركوه أثموا كلهم وعصوا بأسرهم.(49)
ومن هؤلاء المجتهدين المنتسبين ابن القاسم وابن وهب في المذهب المالكي وأبو يوسف ومحمد وزفر في المذهب الحنفي، والمزني والبويطي في المذهب الشافعي وابن تيمية في المذهب الحنبلي وغيرهم ممن اعتبرت أقوالهم واتبعت آراؤهم وعمل على وفقها.(50)
3-المجتهد في المذهب: وهو الذي يفتي بأقوال إمامه إن كان لإمامه قول فيما يعرض عليه من قضايا ،فإن لم يكن لإمامه قول اجتهد وأفتى على مذهبه وخرجها من أقواله وعلى منواله لأنه يكون ملما بأصول ذلك المذهب وفروعه(51)، ومن هؤلاء الطحاوي والكرخي والسرخسي من الحنفيه ، أما في المذهب المالكي فقد بلغوا من الكثرة حدا يصعب تعدادهم ومنهم أبن أبي زيد القيرواني وأبن رشد الجد والمازري واللخمي وأبن حبيب وغيرهم، وهم الذين حرروا فروع المذهب وأوضحوا أصوله وقعدوا قواعده، وأنموا مسائله، ودونوا فيه الدواوين العظام التي زخرت بالأحكام الفرعية في كل باب من أبواب الفقه عبادات ومعاملات، بحيث أصبحت أقوال صاحب المذهب لا تمثل إلا قدرا يسيرا إذا ما قورنت بما أضافوه.
4-المجتهد المرجح أو مجتهد الفتيا :ّوهو المتبحر في مذهب إمامه والمتمكن من ترجيح قول على آخر ووجه من وجوه الأصحاب على آخر، فاجتهاده محدود في تخير الأقوال وتخير الروايات وهو في الحقيقة مقلد بيد أن له تفسيرا في المذهب ونشاطا عقليا وله نوع اجتهاد بالترجيح الذي يتولاه.(52)
والمتأمل في اجتهادات ابن العربي وترجيحاته الفقهية والأصولية يتبين أن الرتبة التي ينبغي أن يضاف إليها هي رتبة المجتهد المنتسب، فهو متقيد بمنهج الإمام، ملتزم به في التخريج ،حر في استنطاق الأصول وعرض المسائل والنوازل عليها وتقرير أحكامها، وهي المرتبة التي وصف نفسه بها ونسبه إليها غير واحد من المحققين يقول ابن العربي :"وهل أنا إلا ناظر من النظار أدين بالاختيار وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل"(53) ويقول أيضا :" نحن نقول ذلك في تفريع مذهب مالك على أحد القولين في التزام المذهب بالتخريج لا على أنها فتوى نازلة تعمل عليها المسائل حتى إذا جاء سائل عرضت المسألة على الدليل الأصل لا على التخريج المذهبي".(54)
وقد وصف نفسه بالاجتهاد في غير موضع من كتبه فقد ساق اختلاف الفقهاء في الأصناف التي تجب فيها الزكاة وأدلة كل واحد ثم قال:" وقد آن تحديد النظر فيها كما يلزم كل مجتهد"(55) وقال عند الحديث عن مقدار حد الشرب :"وقد كنت في ولايتي أجلد ثمانين بالاجتهاد" .(56)
وقد سلم له بالاجتهاد عدد من المحققين كشمس الدين الذهبي الذي وصفه بالاجتهاد المطلق وأقره على ذلك جلال الدين السيوطي وأبو إسحاق الاسفرايني وولي الله الدهلوي(57) وغيرهم ممن نصوا على أنه من المحققين ومن أهل اليقين في العلوم(58) واعتبر الحجوي الثعالبي كتابه "أحكام القرآن" من الكتب التي تعين على الاجتهاد جدا.(59) وإن ذلك ليشهد له بوضوح وجلاء مجموع اختياراته، وتوجهاته الدقيقة لكثير من المسائل التي صرح أنه لم يسبق إليها ولم يزاحم عليها ولم يتضمنها كتاب غير كتبه وأنها ظلت مقفلة حتى كشفها الله له بفضله وكرمه، وأنها ظلت مقفلة إلى أن فتحها الله له.
وأسوق بعضها لبيان أهميتها وقدرة ابن العربي على الاستدلال والاستنباط وأحقيتة بالاعتزاز والافتخار.
*ذهب إلى أن الإيلاء لا يرتفع إلا بالرجوع، والرجوع لا يحصل إلا بالمباشرة لا بالقول فقال:" والرجوع لا يكون إلا عن مرجوع عنه، وقد تقدم منه يمين واعتقاد، فأما اليمين فيكون الرجوع عنها بالكفارة لأنها لا تحلها، وأما الاعتقاد فيكون الرجوع عنه بالفعل،لأن اعتقاده مستتر لا يظهر إلا بما يكشف عنه م فعل يتبين به كحل اليمين بالكفارة أو إتيان ما امتنع منه، فأما مجرد قوله رجعت فلا يعد فيئا، وإذ ثبت هذا التحقيق فلا معنى بعده لقول إبراهيم النخعي وأبي قلابة : إن الفيء قوله رجعت. أما أنه تبقى هناك نكتة وهي أن يحلف فيقول : والله لقد رجعت. فهل تنحل اليمن التي قبلها أم لا؟ قلنا لا يكون فيئا لأن هذه اليمين توجب كفارة أخرى في الذمة، وتجتمع مع اليمين الأول ولا يرفع الشئ إلا بما يضاده وهذا تحقيق بالغ".(60)
*قوله :"اختلف علماؤنا في دم الحيض فقال بعضهم هو كسائر الدماء يعفى عن قليله ومنهم من قال: قليله و كثيره سواء في التحريم، وهو قول ابن القاسم ورواه ابن وهب عن مالك. وجه الأول عموم قوله تعالى(أو دما مسفوحا)(61) وهذا يتناول القليل دون الكثير، ووجه الثاني قوله تعالى(قل هو أذى)(62) وهذا يعم القليل والكثير، ويترجح هذا العموم على الآخر بأنه عموم في خصوص عين،وذلك الأول هو عموم في خصوص حال، وحال المعين أرجح من حال الحال، وهذا من غريب فنون الترجيح وهذا ما لم نسبق إليه ولم نزاحم عليه".(63)
*قال ردا على الشافعي الذي يرى أن الإيتاء للمكاتب واجب :"ولو أن الشافعي حين قال إن الإيتاء يقول إن الكتابة واجبة لكان تركيبا حسنا، لكنه قال إن الكتابة لا تلزم والإيتاء يجب، فجعل الأصل غير واجب والفرع واجب وهذا لا نظير له، والدليل على أنه غير واجب أنه لو كان واجبا غير مقدر كما قال الشافعي لكان المال في أصل الكتابة مجهولا والعقد بالعوض المجهول لا يجوز شرعا" (64) وهذا من دقة فهمه للنصوص وتوجيهاته الدقيقة والعميقة لها.(65)
وفي معرض كلامه عن اختلاف العلماء في وجه تفضيل السمع على البصر قال:" ويحتمل أن يكون قدم السمع لأن كلام الله نسمعه قبل النظر إليه، فكان تقديمه من أجل تقديم المعرفة بمتعلقاتها، وهذا كلام بديع لم أسبق إليه من عالم والحمد لله".(66)
ومن القضايا التي انفرد بها في باب الأصول:
1-التخصيص بالقواعد العامة: يرى ابن العربي أن التخصيص بالقواعد العامة أولى من التخصيص بالقياس ومثل لذلك بتخصيص الحلي من عموم أحكام الربا ،فالحلي كان عينا في أصله وأخرجه القصد والصناعة إلى باب العروض فتغير حكم الشرع في إيجاب الزكاة فيه نظرا لخروجه عن الذهب والفضة بالتغير في الهيئة والمقصد وهذا من باب القواعد العامة .والقاعدة العامة هنا هي قاعدة المصالح والمقاصد قال ابن العربي:"إن الربا وإن كان منصوصا عليه في ذاته وهي الزيادة فإنه عام في الأحوال والمحال ،والعموم يتخصص بالقياس فكيف بالقواعد المؤسسة العامة." وهذا من دقائقه رحمه الله .
2-التخصيص بالحكمة:فكما يجوز التخصيص عند ابن العربي بالقواعد العامة يجوز التخصيص بالحكمة ومثل له بقتل الجماعة بالواحد فقال ردا على الإمام أحمد في أن الجماعة لاتقتل بالواحد لقوله تعالى:"النفس بالنفس," وهذا العموم مخصص بالحكمة التي من أجلها كتب القصاص وهي صيانة الأنفس عن القتل وإراقة الدماء ،وهذه الحكمة يدب أن تراعى في جميع أصناف القتل فرديا كان أو جماعيا ،وإبطال هذه الحكمة يترتب عليه التذرع إلى سفك الدماء عن طريق القتل الجماعي ،فتعين التخصيص بالحكمة ردعا للأعداء وحسما للداء.
3-تخصيص العموم بالعموم:وهو من أغرب أنواع التخصيص عند ابن العربي، والعمدة لديه في ذلك هو أن الله تعالى حجب في الميراث الأم من الثلث إلى السدس بالولد الواحد وبالجمع من الإخوة ،وقد اختلف في العدد الحاجب فذهب جملة من الصحابة إلى أن الحجب يتم باثنين فأكثر ، وذهب ابن عباس إلى أن الحجب لا يتم إلا بما فوق الإثنين ،والاختلاف راجع في أساسه إلى الاختلاف في أقل عدد يطلق عليه لفظ الجمع،ويرى ابن العربي أن هذا تخصيص للعموم بالعموم فقول الله تعالى:"فإن كان له إخوة"(67) يقتضي بإطلاقه ثلاثة لأنه هو المتيقن في الجمع ،وضم الواحد إلى الآخر يعد جمعا أيضا لغة وهو عموم معارض للعموم الأول فترك أحد الجمعين بالآخر، وهو تخصيص له،ذلك لأن حظ الأم ينقطع بالواحد في طريق البنوة ،فوجب أن ينقطع بالإثنين في طريق الأخوة ،فإذا كان الواحد في البنوة يقينا وكان الثلاثة في الأخوة يقينا وكان الإثنان في موضع الاحتمال وجب اعتبارهما عن طريق النظر."
4-درج كثير من الأصوليين على الحديث عن المطلق والمقيد ضمن ما يخصص به العام أو يتصل به ،وهذا الذي مال إليه المعاصرون كأديب صالح وغيره ،غير أن أبا إسحاق الشيرازي في كتابه "التبصرة في أصول الفقه" أفرد له مسائل مستقلة .غير أن ما تميز به ابن العربي هو أنه أخرج هذا المبحث من باب العموم وأدرجه في باب التأويل منبها على أنه ليس من العموم وإن جرت عادة العلماء على إيراده فيه.
4-ومن دقائق ابن العربي وتأصيلاته ماسطره عند حديثه عن الفرض أو الواجب فقرر أن الفرضية تنافي الأجرة ، فما هو فرض أو واجب على المكلف لايستحق على إنجازه أجرا دنيويا ،لأن الفرضية تتنافى مع الأجرة لاسيما إذا كان هذا الفرض غير معين فيعتبر ما يأخذه القائم به حقا لا أجرا يقول:" إن الذي يأكله الخلفاء والولاة والفقهاء ليس بأجرة ،وإنما هو حق جعله الله لهم لنازلهم ومنتابهم وإلا فالذي يفعلونه فرض عليهم ، فكيف تجب الأجرة لهم وهو فرض عليهم ،والفرضية تنافي الأجرة لاسيما إذا كان عملا غير معين كعمل الخلفاء والقضاة والمفتين والسعاة والمعلمين. فهذه نظرة دقيقة بقدر ما تحمل كل فرد مسؤوليته الشرعية ،تعلي اعتباره وكرامته الاجتماعية ، وهي النظرة التي يجب أن يؤسس عليها التشريع الاجتماعي ،وعلى ضوئها يتعين النظر إلى كافة القائمين بالوظائف الكفائية في الأمة.
وادعاء ابن العربي الانفراد وإن لم يسلم له في بعض الاجتهادات فقد سلم له في أكثرها،(68) ونقلها عنه كثير من المحققين، كما اعتمدت أقواله وآراؤه واجتهاداته، ونقلت عنه وتداولها الناس في حياته وبعد وفاته، وما ذهب إليه الدهلوي من أن ابن العربي وأبن عبد البر واضطرابها من المجتهدين المنتسبين لاتعد أقوالهم وجها في المذهب فغير صحيح، فإن أقواله معدودة من وجوه المذهب المالكي معمول بها معتمدة حتى ولو أنفرد بها.
ومن الذين نقلوا عنه تلميذه ابن الفرس الغرناطي ت 597هـ في أحكام القرآن صفحات: 28-109-312-513 والقرافي في الفروق والذخيرة(69) وابن جزي في التسهيل 1/6 وفي القوانين الفقهية صفحات119-176-435 والونشريسي في المعيار 2/9-9/69-209-10/48-50-107-176-11/83-84-98-175-176-182-183-12/40-92-93-122-141 . والرهوني في حاشيته 13.12.5/3 والشيخ كنون في حاشيته 3/5 وابن هلال في نوازله 8 ملزمة 29، والوزاني في النوازل الصغرى 1/ 1/258-325-327 ، وميارة على ابن عاشر: 1/ 211-217-222-224-239-245-280-299 والطالب بن الحاج في حاشيته 1/ 245- والعلمي في نوازله 2/246-387-388-والدردير في الشرح الكبير 1/407-4/353- والدسوقي في حاشيته 4/353 وابن الحاج العبدري في المدخل: 1/ 110-114-4/25-28-171-212-218-310- والخرشي على خليل 2/222، والزرقاني في شرحه للموطأ 1/190 والقرطبي في تفسيره 1/ 93-110-123-140-152-(70) ونقل عنه ابن القيم في زاد المعاد 2/437.442 وابن سيد الناس في كتابه النفح الشذي في شرح الترمذي 1/191-340-344-377-387-399- والنووي في المجموع 3/134، والمطيعي في تكملة المجموع 17/359.425، وابن حجر في الفتح 2/184-184-431-3/297-10/339 (71) والشاطبي في الموافقات وغيرها 4/150.151 وابن الجزري في النشر 1/35 والزركشي في البرهان1/36 والسيوطي في حاشيته على النسائي 5/215 وفي الإتقان 2/22.91 والسندي في حاشيته على النسائي 5/215 وفي شرحه للترمذي 1/4- 5 والصنعاني في سبل السلام 3/337، والشوكاني في نيل الأوطار،3/13.14.311.276 و 5/266 و9/179.
فهذه قلة من كثرة ممن نقلوا أقوال ابن العربي واحتفوا بها وشهدوا لصاحبها بالرسوخ في العلم والملكة العالية في الاستنباط، ورحم الله تلميذ ابن العربي الفتح بن خاقان إذ قال مادحا شيخه:" علم الأعلام الطاهر الأثواب، الباهر الألباب، والذي أنسى ذكاء اياس (72)، وترك التقليد للقياس، وأنتج الفرع من الأصل، وغدا في يد الإسلام أمضى من النصل، سقى الله به الأندلس بعدما أجدبت من المعارف ومد عليها الظل الوارف، فكساها رونق نبله، وسقاها ريق وبله" (73)
وكتبه الدكتور :أحمد أمحرزي علوي
كلية الآداب مراكش
الهوامش
-المحصول ص 333
2-نفسه ص285-286 والعارضة 6/75
3- أنظر العارضة 7/ 82
4-نفسه 6/75
5-أنظر القبس 3/895 والعارضة 6/75
6-العارضة 6/75
7-المحصول ص 336
8-أبو بكر بن العربي أصوليا ص467
9- أنظر إحكام الفصول للباجي ص622 والتبصرة للشيرازي ص498.
10-سورة آل عمران الآية 103
11-أخرجه البخاري 5/60-61 ومسلم 3/1391
12-أخرجه البخاري 8/510 ومسلم 3/1342 والنسائي 8/614 والبيهقي 10/118
13-أحكام القرآن 1/291 و292 –الأحكام لصغرى 1/196
14-سورة الأنبياء الآية 79
15-أحكام القرآن 3/1270
16-المحصول ص336-و342 والعارضة 2/144
17-المحصول ص336
18-نفسه ص338
19-العارضة 2/146و8/244 أحكام القرآن 2/383
20-العارضة 1/146و12/98
21-أحكام القرآن2/683و العارضة 13/230
22-أحكام القرآن 1/348 والقبس 1/81
23-القبس 1/134و341 و3/956 والمسالك ورقة 65
24-العارضة 1/311و6/12
25-أحكام القرآن 1/521
26-سورة البقرة الآية 282
27-أحكام القرآن 1/254
28-سورة البقرة الآية 233
29-أحكام القرآن 1/205
30-أخرجه البخاري1/70وومسلم1/194
31-أحكام القرآن 1/348
32-العارضة 8/220
33-العارضة 6/75 و8/220 أحكام القرآن 1/291
34-أحكام القرآن 1/282و3/1267و4/1769 والعارضة 5/194 12/99
35-العارضة 12/112
36-المحصول ص349- القبس3/875-أحكام القرآن2/708 إحكام الفصول للباجي ص635
37-أحكام القرآن2/708والقبس 3/875
38-أحكام القرآن 2/707
39-العارضة 1/311 والقبس 1/193
40-القبس 1/194 والمسالك ورقة 169
41-أخرجه الترمذي 5/348/-وابن ماجة 2/571
42-العارضة 2/123و124
43-الفكر السامي2/437-الإنصاف في أسباب الاختلافص80- 81
44-تاريخ التشريع الإسلامي للخضري بك ص116
45-المدخل الفقهي ص259وفلسفة التشريع الإسلامي ص204
46-الفكر السامي 2/452 والإنصاف في بيان اسباب الاختلافص74
47-الفكر السامي 2/438
48-الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف ص70-71وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد ص26
49-الإنصاف ص74والفكر السامي 2/452
50-الموافقات 4/82والفكر السامي 2/438
51-الفكر السامي 2/438والإنصافص71
52-الفكر السامي2/438
53-العواصم 2/74
54-أحكام القرآن 3/1212
55-نفسه 2/759
56-العارضة 6/223
57-أنظر سير أعلام النبلاء 20/201 وتذكرة الحفاظ4/1296والرد على من أخلد إلى الارض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرضي الله عنه92 والتبصير في الدين ص 12والإنصاف في بيان أسباب الاختلاف ص84وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد ص26-والأصول العامة للفقه المقارن ص592
58-أنظر الإتقان 2/22وشذرات الذهب 4/141
59-الفكر السامي 2/442
60-أحكام القرآن 1/179
61-سورة الأنعام الآية 145
62- سورة البقرة الآية 222
63-أحكام القرآن 1/162
64-نفسه 3/1384
65-أنظر العارضة 5/171 و172 وأحكام القرآن 1/64و2/627 –749
66-العارضة 12/284
67-أنظر فتح الباري 10/602
68-أنظر القرفي وأثره في الفقه الإسلامي ص197و239
69-يعتبر القرطبي أكثر العلماء نقلا عن ابن العربي فجل مادته الفقهية قائمة عليه
70-نقل ابن حجر عن ابن العربي الشيء الكثير وانتقده في مواطن عدة خاصة ما يتعلق بالإجماع.
71-إشارة إلى إياس بن معاوية يضرب به المثل في الفطنة والذكاء ت 122هـأنظر سير أعلام النبلاء 5/155
72-مطمح الأنفس ص297 .