عبدالرحمن الشهري
المشرف العام
- إنضم
- 29/03/2003
- المشاركات
- 19,331
- مستوى التفاعل
- 136
- النقاط
- 63
- الإقامة
- الرياض
- الموقع الالكتروني
- www.amshehri.com
توطئة:
مما لا شك فيه أن التنزيل العظيم أقر بوضوح لا لبس فيه أن الناس مصدرهم من أصل واحد، كما حاول الوقوف أمام دعائم مزعومة من طرف الفكر القبلي والإقليمي التعصبي وذلك حين نزوله، سواء عند العرب أو عند من هم في جوارهم من امبراطوريات وأقوام غير عربية. وبالتالي رفض أن يكون أساساً مثل هذه الدعائم عماداً للمجتمع المنشود، بل يجعل من المستحيل أن يقوم عماد بنيان الأمة الجديدة على تلك الأسس التي هي من عزاء الجاهلية، ذلك لأن ما يهدف إليه القرآن في نظرته الشمولية للناس هو تكوينه أمة مفتوحة، وأن مايهدف إليه ذلك العزاء الجاهلي هو إطار مغلق.
والمتتبع منا لنصوص القرآن العظيم، يجد الكثير من آياته لا تقيم أي اعتبار للدعائم الواهية، سواء أكانت تمت بصلة إلى رابطة العرق أم إلى رابطة المصالح والمنافع، أو إلى كل ما يمت بصلة إلى عنصر (الأنا) والذي يصب كله في فضاء ضيق الأفق، هذا ناهيك عما يترتب عن هذا كله من تشتت للشمل وزرع لروح الحقد والتفرقة في أرجاء المعمورة كلها. وعليه فإن القرآن العظيم ليعد بحق أول فاتحة تأسيسية لمفهوم الأمة بمعناها الجديد، ذات الأفق الواسع والمتساوي والقائم على وحدة المستقبل والعقيدة، فهو أول ما انطلق إلى الوجود، انطلق بدعوته الإنسانية الشاملة والرافضة للقبلية والعشائرية فكان خطابه للإنسان من غير النظر إلى زمانه ومكانه.
غير أن الذي يهمنا هنا أكثر، هو أن القرآن العظيم بدأ يستقطب الفكرة الجديدة في تكوين الأمة، رافضاً كل ما سواها بأساليبه الإعجازية، فكان له منطقه الخاص في حل الإشكال القائم حين ذاك، وهذا ما سنقف عنده في معرض حديثنا عن مفهوم الأمة ودلالتها من خلال مفسري القرآن العظيم.
ومن هذا المنطلق نجد بوجه عام، وخاصة لدى أهل التفسير في تراثنا الإسلامي، أنهم واجهوا صعوبات مختلفة شبيهة من جوانب عديدة بتلك الصعوبات التي واجهها الدارسون للمفهوم ذاته أثناء دراستهم الوضعية منذ العصور الوسطى وحتى عصرنا الحاضر، ومن بين تلك الصعوبات التي واجهها أهل التفسير حين تبيينهم لمفهوم الأمة في القرآن العظيم، هو خلو الخطاب القرآني ذاته من أي تعريف لغوي أو اصطلاحي لدلالة لفظ (الأمة) بصيغة صريحة.
غير أن أهل التفسير من جهة أخرى، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الأمر، إذ نراهم في كثير من تفاسيرهم قد عالجوه بطريقة التأويل، وما زاد في إشكالية الأمر كذلك، هو ورود هذا المصطلح (الأمة) في القرآن العظيم بصيغ متعددة وبعدد قد بلغ أربعاً وستين مرة.
وقبل البدء في تفصيل ذلك، نود أن نشير إلى أننا لا ننوي من خلال مقالنا هذا أن نقف عند كل ألفاظ (الأمة) الواردة في آي القرآن العظيم، وإنما آثرنا أن نبين مفهوم الأمة عند المفسرين التراثيين من خلال نماذج تواتر الاستشهاد بها عادة في مثل هذه الدراسات([1])؛ كما آثرنا من جهة أخرى أن نقترب من مختلف التفاسير من حيث أنواعها، فاتخذنا من التفاسير بالمأثور نماذج، كما اتخذنا من التفاسير بالرأي والاجتهاد نماذج أخرى، وحاولنا في الأخير أن نطرق باب التفسير الصوفي لنرى ما مفهوم الأمة عند القوم من أهل التصوف والعرفان.
تصور الأمة عند أهل التفسير بالمأثور
إن المتأمل في مختلف التفاسير بالمأثور، يجد أن تفسير ابن جرير الطبري يأتي على رأس التفاسير التي تحوي في أغلبها على مميزات وخصائص هذا النوع من التفسير، إذ أنه من المعروف لدينا أن التفسير بالمأثور سواء أكان متواتراً أم غير متواتر "يشمل المنقول عن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، والمنقول عن النبي(e) والمنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم، والمنقول عن التابعين رحمهم الله، وعلى هذه الأنواع الأربعة يدور التفسير بالمأثور"([2]). وهذا أحسبه متوافراً في تفسير ابن جرير الطبري ثم يلي هذا المفسر المشهور، ابن كثير، وهو الآخر لا يقل تفسيره أهمية عن سابقه، لذلك آثرنا أن نتخذهما نموذجاً للتفسير بالمأثور.
يقول تعالى ذكره: ]ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم[([3]).
يذهب الطبري إلى أن لفظ الأمة الوارد في هذه الآية يعني الجماعة المتفقة على دين واحد، هذا مع أنه يقبل تفسير لفظ الأمة في آيات أخر بمعنى الجماعة على وجه الإطلاق، سواء أكانوا من الناس أم للصنف من الناس، وفي ذلك يقول: "وأصل الأمة الجماعة تجتمع علىدين واحد، ثم يكتفى بالخبر عن الأمة من الخبر عن الدين لدلالتها عليه"([4]).
غير أن الطبري من جهة أخرى نلفيه يورد قولاً مأثوراً يفيد أن المراد بقوله تعالى: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ ـ الآية"، أنهما عنيا بذلك العرب، ويؤكد ما ذهب إليه بأثر حدثه به أحدهم، وذلك بإسناد منه قال فيه: "حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد قال: حدثنا أسباط عن السديّ: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ يعنيان العرب"([5])، في حين نجده يعقب في آخر تفسيره لهذه الآية قائلاً: "وأما الأمة في هذا الموضع، فإنه يعني بها الجماعة من الناس"([6])، وكأنه بتعقيبه هذا يأخذ المعنى من قوله تعالى: ]ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون[.([7])
هذا وقد نلفى إسماعيل بن كثير يرد على ما أورده ابن جرير الطبري، إذ يذهب إلى أن تخصيص السدّي في قصده من قوله تعالى: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ أنهم العرب، هذا لا ينفي من عداهم فقال في ذلك "والسياق إنما هو في العرب، ولهذا قال بعده: ]ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم[ الآية، والمراد بذلك محمد e، وقد بعث فيهم كما قال تعالى: ]هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم[، ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأٍسود لقولـه تعالى: ]قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً[، وغير ذلك من الأدلة القاطعة"([8]).
وعن تأويل ابن جرير الطبري لقوله تعالى: ]تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون[([9])، فهو يرى في الأمة التي خلت، المقصود بها هو نبي الله إبراهيم وأبناؤه إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، وولدهم([10]). ثم يفصل ذلك بقوله: "أن الله تعالى يقول لليهود والنصارى: يا معشر اليهود والنصارى، دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله، ولا تنحلوهم كفر اليهودية والنصرانية، فتضيفونها إليهم أمة، فإنهم أمة،.. ثم يستطرد بالحديث، إلى أن يقول: ويعني بالأمة في هذا الوضع: الجماعة والقرن من الناس"([11]). وفي قوله تعالى: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا[([12])، يقول الطبري: "كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلكم أمة وسطا... إلى أن يقول: وقد بينا أن الأمة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم"([13]).
غير أن الطبري في شأن هذه الآية، لم نلفه يقف كثيراً عند لفظ الأمة كما عهدناه، بقدر ما وقف وفصل كثيراً، هذه المرة في لفظ (الوسط)، إذ نراه يذكر في شأن هذا اللفظ بأن الله تعالى وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا ربهم وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها([14]). وكان قبل هذا قد توقف عند المدلول اللغوي لهذا اللفظ وأورد العديد من دلالاته. ومن ذلك نذكر على سبيل المثال قوله: "وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار، يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه" ([15]) وفي آخر تفسيره لهذه الآية، يؤكد القول بأن الوسط هو العدل، ذاهباً إلى ذلك مستشهداً بالأثر الذي حدثه به سلم بن جنادة([16]) ويعقوب بن إبراهيم، أنهما قالا: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، عن النبي e قوله: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[، قال: عدولا([17]).
ولتأكيد ذلك، ودائماً في هذا الشأن، نلفي ابن كثير المفسر يورد حديثاً رواه عن الإمام أحمد في مسنده يقول فيه: "وحدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله e: يدعى نوح يوم القيامة، فيقال لـه: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. قال فذلك قوله: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[، قال: "والوسط: العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم"([18]).
وفي شأن قوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[، الآية:"([19])، فإن كلاً من الطبري و ابن كثير يذهبان إلى أن أهل التأويل قد اختلفوا في معنى لفظ (الأمة)، الوارد في الآية، كما اختلفوا في معنى لفظ (الناس) الموصوفين، بأنهم كانوا أمة واحدة، وفي ذلك يؤكد الطبري بالاستناد إلى قول بعضهم: "هم الذين كانوا بين آدم ونوح وهم عشرة قرون، كلهم كانوا على شريعة الحق، فاختلفوا بعد ذلك"([20]). ثم يؤيد مذهبه هذا بقوله: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن داود قال: حدثنا همام بن منبه عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله ]كان الناس أمة واحدة فاختلفوا[.. فتأويل (الأمة) على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، الدين.. فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء: كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"([21]).
ولكون ما ذهب إليه الطبري هو عينه ماذهب إليه ابن كثير في هذا الشأن، فإننا نلفيه يعلل مذهبه بقوله: "ولهذا قال تعالى: ]وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[ ـ الآية". أي من بعد ما قامت الحجج عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض"([22]).
كما نجد الطبري يقدم تأويلاً آخر، مستنداً فيه على أثر حدثه به محمد بن عمرو فحواه: "... كان الناس أمة واحدة" قال آدم"([23])، وهو يؤكد هذا القول معللاً إياه، بكون أن الله تعالى سماه بذلك لأنه ـ أي آدم عليه السلام ـ سبب لاجتماع الأشتات من الناس على ما دعاهم إليه من اختلاف الخير، فلما كان آدم عليه السلام سبباً لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سماه بذلك أمة.
غير أن الطبري ما فتئ يورد قولاً آخر يقول بخلاف ذلك كله، إذ ذهب إلى أن القصد من قوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة[، أي كانوا على دين واحد، فبعث الله النبيين. والطبري في هذا نراه يميل إلى هذا القول الأخير، إذ أنه يشفعه بالحديث الذي سمعه من محمد بن سعيد الذي حدثه به أباه عن عمه عن أبيه عن جده، عن ابن عباس قوله: "كان الناس أمة واحدة"، قال: كان ديناً واحداً، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"([24])، وهو الأمر نفسه الذي نجد الطبري يطمئن إليه في ختام تفسيره لهذه الآية بدليل الأقوال والأحاديث التي قدمها والتي وصلت حد الاستطراد، والتي جميعها تصب في كون المراد بالأمة هنا: الدين الواحد الذي على ملة آدم عليه السلام.
أما عن الآية التي نجد أهل التفسير بالمأثور اختلفوا فيها كثيراً من حيث دلالتها اللغوية أو التأويلية فلعلها قوله تعالى: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله[ ـ الآية"([25]). إذ لم نجد آية أخرى تحوي لفظ (الأمة) قد استأثرتهم بالعناية بها أكثر من هذه الآية. ولعل الطبري من الذين ذهبوا فيها كل مذهب، وقد يرجع ذلك عنده بالخصوص لاعتماده أكثر على عنصر الإخبار وإيراد الأحاديث والأقوال، دون أي ترجيح يمكن أن نعتبره ترجيحاً نابعاً من رؤيته الاجتهادية الخاصة، مقارنة بغيره ـ ولو بشيء من الاجتهاد ـ عند أهل التفسير بالرأي.
إن الطبري نفسه في هذه الآية، يقر بأن أهل التفسير والتأويل قداختلفوا فيها، وهنا لم يجد مناصاً من عرض آراء غيره حول دلالة لفظ الأمة في هذه الآية، ليستأثر بأحد أقوالهم في النهاية. ومن أمثلة ذلك إيراده لقول بعضهم عن شأن الأمة ها هنا: "هم الذين هاجروا مع رسول الله e من مكة إلى المدينة، خاصة من أصحاب رسول اللهe"([26]). فالطبري باختياره لهذا القول ـ وذلك بعد ما آثره بروايات أخر عن عمرو بن حماد عن أسباط عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ يقر بأن المراد بلفظ (الأمة): هم جماعة المهاجرين دون سواهم من آمن بالدعوة الإسلامية في ذلك الوقت.
والأمر نجده خلاف ذلك عند ابن كثير، إذ القصد من الأمة في هاهنا آية، هي أمة محمد e ذلك بأنهم خير الأمم... قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ]وكنتم خير أمة أخرجت للناس[ قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس ]كنتم خير أمة أخرجت للناس[، يعني خير الناس للناس، والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس"([27])
والصحيح عند ابن كثير أن لفظ الأمة في الآية، هو عام في جميع الأمة، كل قرن بحسبه. وبالرجوع إلى الطبري مرة أخرى، نجد فيما ذهب إليه من جملة أقواله المختلفة التي ذكرها: أنه لا يبتعد عما ذهب إليه ابن كثير، فالطبري يرجح من ضمن ما ذكره، الحديث المأثور المسند والمروي له، والقائل: "أن يعقوب بن إبراهيم حدثني قال: حدثنا ابن عطية، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله e يقول: ألا إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم آخرها وأكرمها عند الله"([28])
وعليه، فحسب ما ذهب إليه ابن كثير، وحسب القول الذي رجحه الطبري، تكون (الأمة) هاهنا، ذات مدلول ديني ـ وهذا خلاف ما عهدناه فيما مضى عند الطبري إذ يعتبر اللفظ مجرد جماعة من الناس ـ فهي تضم كل أتباع النبي e، سواء من أمة الدعوة أو أمة الإجابة([29]). أما ما دون هذه الآية، فإن معظم الآيات الأخرى([30]) التي تحوي لفظ الأمة، فإن الطبري وابن كثير يؤولانها بالجماعة من الناس مطلقاً من جهة، ومن جهة أخرى نلفيهما يجعلانها مرادفة للفظ (الملة)، وهنا تكون عندهما ذات مدلول ديني.
ومما سبق ذكره، وبعد تتبع نماذج من تأويلات هذين المفسرين للفظ، وخصوصاً ما ذهب إليه الطبري، فإننا نجد قد تم التركيز على اعتبار لفظ (الأمة) الوارد في معظم تلك الآيات التي قدمناها سابقاً بأنها الجماعة المتفقة على دين واحد، وملة واحدة، وبعبارة أخرى، وحسب هذين المفسرين، فإن تصور (الأمة) عندهما، إنما هو قائم عن علاقة بين الملة والدين من جهة، وبين الجماعة المطلقة من جهة أخرى .
ومن هذه العلاقة نشأ لديهما تصور وسط، هو أن الأمة معناها: الجماعة المجتمعة على دين وملة واحدة.
تصور الأمة عند أهل التفسير بالرأي
قبل أن نعرج إلى تصفح بعض تفاسير أهل الرأي والاجتهاد لمعرفة مفهوم لفظ الأمة وتصوره عندهم، لا بأس أن نشير إلى أننا سنتخذ من التفسير الكبير للفخر الرازي نموذجاً لذلك، باعتباره يحوي خصائص هذا النوع من التفسير، بالإضافة إلى بعض الوقفات عند تفسير القرطبي، غير أنه لا يفهم من عملي هذا بشأن تقسيم أهل التفسير إلى فريقين، أني أضع حدوداً بين التفسيرين، ذلك أنه من المعروف أن كل المفسرين لكتاب الله تعالى كانوا ينوون من وراء أعمالهم الجليلة، خدمة كتابه العظيم محاولين بذلك إفهامه وتقريبه لجمهور المسلمين، وعامة الناس. وعليه كان اختيارنا للتفسير بالرأي القائم على أركان المعرفة الكافية بشتى العلوم، والذي "لا يعارض نقلاً صحيحاً، ولا عقلاً سليماً، ولا علماً يقينياً ثابتاً مستقراً، مع بذل غاية التوسع في البحث والاجتهاد والمبالغة في تحري الحق والصواب، وتجريد النفس من الهوى والاستحسان بغير دليل، ومع مراقبة الله غاية المراقبة في كل ما يقول"([31]). وهذه الأركان والدعائم نحسبها موجودة في تفسير الرازي، والقرطبي.
إن الرازي في تأويله للكثير من الآيات التي تحوي لفظ (الأمة)، نجده يستعمل العقل، مبتعداً كل ما أمكن ذلك عن المنقول والروايات، لذلك نراه في كل ما يذهب إليه، يردفه بالتدليل والبرهان، جاعلاً من المنطق والعقل الطابع الذي يطبع تأويلاته وكل ذلك بالطبع في حدود ما يسمح به الشرع من استحكام العقل فيه. فهو على سبيل المثال يذهب في الآية الكريمة: ]ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ ـ الآية([32])، بالقول: "وأمة: قيل: هم أمة محمد e، بدليل قوله: وابعث فيهم رسولاً منهم"([33]).
والقرطبي في تفسيره يرى ما يراه الرازي، فهو يقول في شأن الآية الكريمة: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ ـ الآية": أي ومن ذريتنا فاجعل؛ فيقال: إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته، إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته، ولهذه الأمة؛ كما أنه يورد قولاً آخر يقول فيه: إن المراد بقوله:
]ومن ذريتنا[ العرب خاصة وذريتهما العرب، لأنهم بنو نبت بن إسماعيل أو بنو تيمن بن إسماعيل([34])... قال ابن عطية: وهذا ضعيف، لأن دعوته ظهرت في العرب وفي من آمن من غيرهم([35]).
أما في شأن قوله تعالى: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً[ ـ الآية([36])"، فإن كلاً من الرازي والقرطبي، قد وقفا مطولاً عند تأويل لفظ (وسطاً)، بما في ذلك لفظ (أمة) كذلك. وفي هذا يذكر الرازي على سبيل المثال لا الحصر مسائل كثيرة في قولـه تعالى: ]أمة وسطا[ منها قوله: واختلفوا في تفسير الوسط وذكروا أموراً: أحدهما، أن الوسط هو العدل، والدليل عليه الآية، والخبر والشعر، والنقل، والمعنى.. فهو بعدما يأتي على الأدلة الأربعة الأولى يقول في الدليل الخامس الذي هو "المعنى" بقولـه: وأما المعنى فمن وجوه: أحدهما: أن الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين، ولاشك أن طرفي الإفراط والتفريط رديئان، فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين فكان معتدلاً فاضلاً، وثانيها: إنما سمي العدل وسطاً، لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين، وثالثها: لاشك أن المراد بقوله: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[ طريقه المدح لهم لأنه لا يجوز أن يذكر الله تعالى وصفاً ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهوداً له، ثم يعطف على ذلك شهادة الرسول إلا وذلك مدح، فثبت أن المراد بقوله: "وسطاً" ما يتعلق بالمدح في باب الدين، ولا يجوز أن يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً إلا بكونهم عدولاً، فوجب أن يكون المراد من الوسط العدالة، ورابعها: أن أعدل بقاع الشيء وسطه، لأن حكمه مع سائر أطرافه على سواء وعلى اعتدال، والأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد والأوسط محمية محوطة([37]).
أما القرطبي في مسألة الوسط فيضيف قائلاً: "ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا تقصير اليهود في أنبيائهم"([38]).
أما عن معنى الأمة في قوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[ الآية: ([39])"، فإن الرازي يرى في هذه الآية مسائل ـ وذلك بعد ما يفصل في سبب إصرار أولئك الناس على الكفر ـ ومن تلك المسائل يذكر المسألة الأولى قائلاً فيها: "قال القفال: الأمة: القوم المجتمعون على الشيء الواحد يقتدي بعضهم على بعض، وهو مأخوذ من الائتمام"([40]).
هذا، وبعد تعقيبه على ما ذكر، يستأنف الحديث عن معنى الأمة في الآية ذاتها، ويورد في حديثه ذلك خمسة أقوال، لكل قول أوجه، فهو يقف عند تأويل معنى لفظ (الناس) عوض لفظ: (الأمة)، غير أن وقفته مع لفظ (الناس)، قد بين في دلالته معنى لفظ (أمة واحدة) الذي تلا لفظ (الناس)، بدليل قوله: "إن المراد من الناس ههنا أهل الكتاب ممن آمن بموسى عليه السلام، وذلك لأنا بينا أن هذه الآية متعلقة بما تقدم من قوله: "]يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة[، وذكرنا أن كثيراً من المفسرين زعموا أن تلك الآية نزلت في اليهود، فقوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة[، أي كان الذين آمنوا بموسى أمة واحدة، على دين واحد، ومذهب واحد، ثم اختلفوا بسبب البغي والحسد، فبعث الله النبيين وهم الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام، وأنزل معهم الكتاب: وهذا القول مطابق لنظم الآية، وموافق لما قبلها ولما بعدها"([41]).
وعن قوله تعالى: ]ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون[([42])، فإن القرطبي يورد قولاً واحداً في شأن لفظ (الأمة) قد اتفق به مع الرازي، والذي يقصد منه: الجماعة من العلماء دون سائر خلق الله، بينما نجد الرازي بالإضافة إلى ذلك، يفصل فيما يذهب إليه بصفته وجهاً من وجوه التعليل، إذ الوجه الذي اتفق به مع القرطبي في شأن معنى لفظ (الأمة) في الآية الكريمة، هوأن القائلين بهذا القول، قد اختلفوا على قولين: أحدهما أن فائدة كلمة (من) هي أن في القوم من لا يقدر على الدعوة ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل النساء والمرضى والعاجزين. والثاني أن هذا التكليف مختص بالعلماء، ويدل عليه وجهان، الأول: أن هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة أشياء: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ومعلوم أن الدعوة إلى الخير مشروطة بالعلم وبالخير وبالمعروف وبالمنكر. فإن الجاهل ربما عاد إلى الباطل وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر مع من يزيده إنكاره إلا تمادياً، فثبت أن هذا التكليف متوجه على العلماء، ولاشك أنهم بعض الأمة"([43]).
لقد تعمدنا الإتيان بهذا النص على الرغم من طول متنه ليتضح لنا مدى اجتهاد كل من الرازي والقرطبي، وطريقة تأويلهما للوصول إلى تأصيل المفهوم عن طريق التدليل العقلي والبرهنة المنطقية عندما تحتاج الضرورة إلى ذلك.
لكن هذا التخريج، وإن كان يبدو أقرب إلى الصحة، إلا أننا يمكن أن نعتقد بدلالة أخرى للفظ الأمة ضمن هذه الآية، إذ قد يكون المراد من ذلك: أصحاب رسول الله e، باعتبارهم كانوا قد أ خذوا العلم من عنده عليه السلام، ليبلغوه إلى الناس، وعليه يؤول [ضم الهمزة] التخريج إلى أن أصحاب رسول الله كانوا أمة مجتمعة على القيام بتعلم الدين وتبليغ رسالته.
ووجه الإجمال في هذا، أن مدلول لفظ (الأمة) ههنا، إنما القصد منه عند هذين المفسرين، هم جماعة العلماء دون سواهم من عامة الناس، وذلك للأسباب التي ذكرها الرازي، والتي نراها نحن أنها أسباب يقبلها العقل، هذا مع العلم أننا رأينا أيضاً أن أصحاب التفسير بالمأثور من قبل، قد قدموا أحاديث مأثورة تقر كلها بأن المقصود بلفظ (الأمة)، هم جماعة العلماء، أو أصحاب رسول الله الذين تعلموا منه، وعلموا من أتوا بعدهم.
أما بشأن قوله تعالى: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله[ ـ الآية([44])، فنجد القرطبي في أمر مدلول لفظ الأمة في هذه الآية، قد فصل في الكلام أكثر من كلام الرازي، ففي الوقت الذي اكتفى فيه الرازي بقوله: "والمعنى أنكم كنتم في اللوح المحفوظ خير الأمم، وأفضلهم، فاللائق بهذا أن لا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة.. وأن تكونوا منقادين مطيعن، وفي كل ما يتوجه عليكم من التكاليف"([45]).
أما القرطبي، فيورد في تفسير هذه الآية، ثلاث مسائل يمكن لأي متعرف عليها أن يستثمر منها مدلول لفظ الأمة بطريقة مباشرة لا تستدعي التخمين وإعمال الفكر. ولعل السبب في ذلك، أننا ألفينا القرطبي في ذهابه إلى تأويل هذه الآية، يذهب مذهب أهل التفسير بالمأثور، وكشاهد على ذلك، يقول القرطبي ـ وذلك دائماً في شأن الآية السالفة الذكر ـ:".. فيه ثلاث مسائل: [ونحن سنورد له مسألتين لأن المسألة الثالثة لها علاقة بتأويل الشطر الثاني من الآية الكريمة]، الأولى: روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله e يقول في قوله: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس[، قال: أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها عند الله.. وقال ابن عباس: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدراً والحديبية، وقال عمر بن الخطاب: "من فعل فعلهم كان مثلهم، وقيل: هم أمة محمد رسول الله e، يعني الصالحين منهم وأهل الفضل، وهم الشهداء على الناس يوم القيامة.. وقال الأخفش: يريد أهل أمة، أي خير أهل دين.."([46]).
وعن مدلول لفظ الأمة في قوله تعالى: ]ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات[ ـ الآية([47])، فإننا نجد كلاً من الرازي والقرطبي يتفقان في مدلولها، بذهابهما إلى القول بأن لفظ الأمة بمعنى الجماعة المتفقة على شريعة واحدة، ودين واحد لا اختلاف فيه، ولكن شاءت قدرته أن جعل الشرائع مختلفة، وذلك بقصد الابتلاء([48]).
أما عن مدلول اللفظ في قوله تعالى: ]وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون[([49])، فقد جاء بثلاثة معان عند القرطبي، وقد وافقه الرازي في معنى واحد، ذلك أن لفظ الأمة عند القرطبي، يعني أمة محمد e؛ كما يحملها معنى النفر الذين آمنوا بالدعوة الإسلامية من أهل الكتاب. هذا بالإضافة إلى معنى آخر يضيفه، وهو أن لفظ الأمة القصد منه قوم من بني إسرائيل تمسكوا بشرع موسى قبل نسخه، ولم يبدلوا ولم يقتلوا الأنبياء([50]).
ومن الأسباب التي جعلت إبراهيم عليه السلام يتصف بكونه أمة واحدة في قوله تعالى: ]إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين[([51])، نلفي الرازي يدلل ذلك بمايلي:
أولها: إنه كان أمة وحده لكماله في صفات الخير كقوله:
وليس على الله بمستكثر
أن يجمع العالم في واحد
ثانيها: قال مجاهد، كان مؤمناً وحده، والناس كلهم كانوا كفاراً، فلهذا المعنى كان وحده أمة.
ثالثها: أن يكون أمة فَعَلة، بمعنى مفعول كالرحلة والبغية، فالأمة هو الذي يؤتم به، ودليله قوله: ]إني جاعلك للناس إماما[.
رابعاً: أنه عليه السلام، هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ممتازين عمن سواهم بالتوحد والدين الحق ولما جرى مجرى السبب لحصول الأمة، سماه الله تعالى بالأمة، إطلاقاً لاسم المسبب على السبب([52]).
ومما تقدم ذكره، في شأن تصور الأمة لدى أهل التفسير بالرأي والاجتهاد، فإنهم بوجه عام، قد أوَّلوا [بفتح الواو الأولى] التأويل نفسه الذي ذهب إليه أهل التفسير بالمأثور ـ على الرغم من تلك المقاربة العقلية من لدن أهل التفسير بالرأي ـ فكانت مفاهيمهم للفظ (الأمة) من خلال ما عرضناه من آي القرآن العظيم، تدور في معظمها حول معنى الجماعة المرتبطة بدين أو ملة، سواء كان ديناً أو ملة أو شريعة مطلقاً، أو خاصاً بالدين الإسلامي؛ كما وجدنا الأمة عندهم، إما خاصة بجماعة الإجابة أو خاصة بجماعة الدعوة عموماً.
تصور الأمة عند أهل التفسير الصوفي:
مما لاشك فيه أن الذين اهتموا بالتفسير الصوفي أو ما يسمى بالتفسير الإشاري، هم المتصوفة بالمقام الأول، إذ ذهبوا في تفسيراتهم باعتماد فيوضاتهم وتباريحهم وإلهاماتهم.. فراحوا بذلك يؤَولون [بفتح الهمزة] بعض ما يتعرضون إليه من آي الذكر الحكيم، بعيداً عما يحمله اللفظ من تأويلات أقرها النقل والعقل، وذلك في الكثير من المواضع. وعلى ذلك فإن علماء الدين، فريق منهم من قبل بهذا التفسير وذلك بشروط([53]). وأنا أحسب أن تلك الشروط يمكن أن تكون قد توافرت إلى حد ما في نوع التفسير الذي اخترناه نموذجاً لهذه الدراسة، وهو تفسير القشيري، والمعروف بـ(لطائف الإشارات).
يعلق الإمام القشيري على الآية الكريمة: ]تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون[([54])، بخطابه للأمة المقصودة في الآية بقوله: حالت بينكم وبينهم حواجز من القسمة؛ فهم على الفرقة والغفلة أسسوا بنيانهم، وأنتم على الزلفة والوصلة([55]) ضربتم خيامكم وعتيق فضلنا لا يشبه طريد قهرنا"([56]).
وعن قوله تعالى: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا[ ـ الآية([57])، نترك القشيري وحده يعبر عن قصده من دلالة الأمة المراد في هذه الآية الكريمة، يقول القشيري: "فجعل هذه الأمة خيار الأمم، وجعل هذه الطائفة خيار هذه الأمة، فهم خيار الخيار فكما أن هذه الأمة شهداء على الأمم في القيامة، فهذه الطائفة هم الأًول وعليهم المدار، وهم القطب([58]) وبهم يحفظ الله جميع الأمة، وكل من قبلته قلوبهم فهو المقبول، ومن ردته قلوبهم فهو المردود، الحكم الصادق لفراستهم، والصحيح حكمهم، والصائب نظرهم، عصم جميع الأمة عن الاجتماع على الخطأ، وعصم هذه الطائفة عن الخطأ في النظر والحكم، والقبول والرد"([59]).
إن دلالة الأمة عند القشيري انطلاقاً مما ذهب إليه لهي بحق جماعة أهل الحقائق دون سواهم، إنهم أصفياء الله الداعون إلى الحق والقائمون عليه.
كما أن الأمة عنده في قوله تعالى: ]ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير[ ـ الآية([60]). هي الصفة الصافية من الأمة الإسلامية، فالأمة ههنا متمثلة في أولئك القوم الذين "قاموا بالله لله، لا تأخذهم لومة لائم، ولا تقطعهم عن الله استنامة إلى علة، وقفوا جملتهم على دلالات أمره، وقصروا أنفسهم واستغرقوا أعمارهم على تحصيل رضاه، عملوا لله، ونصحوا الدين لله، ودعوا خلق الله إلى الله، فربحت تجارتهم، وما خسرت صفقتهم"([61]).
ومن الفيوضات الصوفية التي يعطيها الإمام القشيري للفظ الأمة في قوله تعالى: ] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ ـ الآية([62])، قوله: "لما كان المصطفى صلوات الله عليه أشرف الأنبياء، كانت أمته ـ عليه السلام ـ خير الأمم، ولما كان خير الأمم كانوا أشرف الأمم، ولما كانوا أشرف الأمم، كانوا أشوق الأمم، فلما كانوا أشوق الأمم، كانت أعمارهم أقصر الأعمار، وخلقهم آخر الخلائق لئلا يطول مكثهم تحت الأرض، وما حصلت خيريتهم بكثرة صلواتهم وعباداتهم، ولكن بزيادة إقبالهم، وتخصيصه إياهم، ولقد طال المتقدمين بالباب ولكن لما خرج الإذن بالدخول تقدم المتأخرون:
وكم با سطين إلى وصلنا
أكفهم لم ينالوا نصيبا([63])
أما تصوره للأمة في قوله تعالى: ]وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون[([64])، فهي جماعة أولياء الله وأقطاب التصوف، وغياث الخلق، فلقد: "أجرى الحق ـ سبحانه ـ سنته بألا يخلي البسيطة من أهل لها هم الغياث، وبهم دوام الحق في الظهور، وفي معناه قالوا:
إذا لم يكن قطب
فمن ذا يديرها؟
فهدايتهم بالحق أنهم يدعون إلى الحق ويدلون على الحق، ويتحركون بالحق، ويسكنون للحق بالحق، وهم قائمون بالحق، يصرفهم الحق بالحق، أولئك هم غياث الخلق؛ بهم يسقون إذا قحطوا ويمطرون إذا أجدبوا، ويجابون إذا دعوا"([65]).
فمن هذا الذي عرضناه، يتضح لنا أن لفظ الأمة عند الإمام القشيري، القصد منه الطائفة أو الجماعة الخيار من هذه الأمة الإسلامية، فهو يتصور الأمة ههنا على وجه الخصوص أنهم جماعة أولياء الله تعالى المنتمون إلى ولايته، فهم جماعة الأقطاب والغياث من الذين خصهم الله بعنايته وأثبتهم في الوثاق والمحبة والتوحيد، وهم أهل الضياء، واليقين، والوصلة، والألفة، والمعتكفون على البساط، المنتظرون الدخول إلى حضرته العلية.
خاتمة:
وفي آخر هذا المقام، لا نزعم أننا قد أتينا على جميع ما قاله أهل التفسير في تراثنا الإسلامي في شأن مفهومهم للأمة، ذلك أنه من الصعوبة بمكان أن نرصد جميع ما كان يخلد في أذهانهم عن تصورهم لهذا الموضوع؛ كما أننا لا نزعم أيضاً أننا جئنا على كل الآيات التي احتوت على هذا اللفظ المقصود بالدراسة. وما فعلناه لا يعتبر إلا اجتهاداً متواضعاً حاولنا فيه قدر الإمكان جمع بعض الشتات المتناثر في تفسيراتهم التراثية.
وإن جاز لنا أن نرصد لهذا العمل من نتائج، فإننا نجملها فيما يلي:
1 ـ إن فكرة الأمة نظراً لأهميتها، أخذت معاني مختلفة عبر التراث الإسلامي، وفي جميع جوانبه: اللغوية، والدينية، والتاريخية.. وهذا على الرغم من الإشكالات التي شهدها هذا المصطلح عبر تاريخ الفكر التراثي الإسلامي.
2 ـ من خلال هذا العرض، اتضح لنا، أن النص القرآني قد احتوى على لفظ (القوم)، إلا أنه لم يستأثر عناية أهل التفسير، وقد يكون لهذا الأمر من سبب، يمكن أن نرجعه بلا شك إلى أن لفظ (القوم) ورد ضمن الخطاب القرآني معبراً عن المحدودية المحجمة والقلة، وإن كثر القوم، بينما نجد لفظ (الأمة) يدل في كثير من آي القرآن العظيم على السعة والكثرة؛ فكأننا بلفظ الأمة يدل على الرباط الروحي والمتصف بالديمومة والأزلية غير المحدودة بزمان ولا بمكان، حتى بعد فناء الدنيا، بينما لفظ (القوم) رباطه مادي ويدل على المحدودية المنقطعة بمرور الزمن واندثار المكان.
3 ـ حينما نظرنا إلى مفهوم الأمة عند أهل التفسير في تراثنا الإسلامي، وجدناهم قد واجهوا شيئاً من الصعوبات في تحديد المفهوم الكامل للمصطلح، وكان في اعتقادنا أن سبب ذلك يرجع إلى خلو الخطاب القرآني نفسه من نصوص صريحة تعرف معنى لفظ الأمة، غير أن البعض من المفسرين قد تنبهوا لهذا الإشكال، وحاولوا معالجته بطرق مختلفة باعتمادهم النقل تارة والعقل تارة أخرى، بالإضافة إلى العرفان وهذا ما عمل به المفسرون الصوفيون. لكن مثل هذا العمل منهم لم يكن صارماً في وضوحه وبالتالي لم يزيل الإبهامات والالتباسات التي تلازم استعمال ذلك اللفظ، في حين نرى ماتم الاتفاق عليه مجتمعين هو تصورهم للأمة بأنها تلك الطريقة والجماعة المتفقة على دين واحد، الأمر الذي جعلهم على هذا الحال يقدمون معنى الطريقة على معنى الجماعة في كثير من اجتهاداتهم وتأويلاتهم، بحيث تصبح تلك الجماعة متميزة ومعروفة بالطريقة التي تتبعها. بينما عند أهل التفسير الصوفي، فقد ألفينا المفهوم يأخذ منحى آخر، وهو التخصيص لا التعميم؛ فالأمة كما ألفناه عندهم هم فقط خيار الأمة الإسلامية المنتسبون إلى ولايته، والمعروفون بالأقطاب والغياث وأهل الضياء والوصلة والألفة.
قائمة المصادر والمراجع:
1 ـ القرآن الكريم: برواية ورش عن الإمام نافع.
2 ـ الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير. د.محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة القاهرة الطبعة الرابعة 1408هـ.
3 ـ التعبير الفني في القرآن. د.بكري الشيخ أمين. دار الشروق .(د.ط)، (د.ت).
4 ـ تفسير التحرير والتنوير. محمد الطاهر بن عاشور. الدار التونسية للنشر (تونس)، المؤسسة الوطنية للكتاب (الجزائر)، تونس1984، ج1، وج4.
5 ـ تفسير القرآن العظيم. عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير. تقديم: عبد القادر الأرناؤوط. دار الفيحاء، دمشق ـ دار السلام، الرياض. الطبعة الأولى 1414هـ، 1994م، ج1، وج2.
6 ـ التفسير الكبير. الفخر الرازي. دار الكتب العلمية، طهران، الطبعة الثانية (د.ت)، ج4، وج6 وج8، وج12، وج20.
7 ـ جامع البيان في تأويل القرآن. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. تحقيق: محمود شاكر ومراجعة: أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1374هـ، ج3 وج4، وج7.
8 ـ الجامع لأحكام القرآن. محمد بن أحمد القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1357هـ، 1938م، ج6.
ـ الطبعة الثانية، 1373هـ، 1954م، ج2، وج4.
ـ الطبعة الثالثة 1380 هـ، 1960م، ج7.
9 ـ الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد)، دار الكتاب المقدس في العالم العربي، سفر التكوين.
10 ـ لطائف الإشارات. القشيري. تحقيق: د.إبراهيم بسيوني، دار الكتاب العربي، بالقاهرة (د.ط) (د.ت)، ج1.
11 ـ معجم مصطلحات الصوفية، د.عبد المنعم الحفني. دار المسيرة، بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ، 1980م.
------------
([1]) ـ وذلك مثل ما في سورة البقرة، الآية: (128، 134، 143، 213)؛ وفي مثل ما في سورة آل عمران، الآية: (104، 110، 113)؛ وسورة المائدة، الآية: (48)؛ وكذلك سورة الأعراف الآية (159)؛ وسورة الأنبياء، الآية (92)؛ وسورة المؤمنون، الآية: (52).
([2]) ـ الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير. د.محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة الرابعة 1408هـ ، ص 43 ـ 44.
([3]) ـ سورة البقرة، الآية: 127.
([4]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر، ومراجعة: أحمد محمد شاكر. دار المعارف بمصر، القاهرة، الطبعة الثانية. 1374هـ، ج4، ص: 276؛ وفي المعنى نفسه نلفى صاحب تفسير التحرير والتنوير يذهب إلى أن الأمة هي اسم مشترك يطلق على معان كثيرة، والمراد منها هنا الجماعة العظيمة التي يجمعها جامع له بال من نسب أو دين أو زمان. ويقال أمة محمد مثلاً لأنهم اجتمعوا على الإيمان بنبوة محمد e، وهي بزنة فعله وهذه الزنة تدل على المفعول مثل لفظة وضحكة وقدوة. فالأمة بمعنى مأمومة اشتقت من الأم بفتح الهمزة، وهو القصد، لأن الأمة تقصدها الفرق العديدة التي تجمعها جامعة الأمة كلها؛ ينظر: تفسير التحرير والتنوير. محمد الطاهر بن عاشور. الدار التونسية للنشر (تونس)، المؤسسة الوطنية للكتاب (الجزائر). تونس 1984، ج1، ص: 721.
([5]) ـ م.س، ج3، ص: 74.
([6]) ـ م.س، ج3. ص: 74.
([7]) ـ سورة الأعراف، الآية: 159.
([8]) ـ القرآن العظيم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير. تقديم: عبد القادر الأرناؤوط، دار الفيحاء، دمشق ـ دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ، 1994م، ج2، ص: 252.
([9]) ـ سورة البقرة، الآية: 133.
([10]) ـ ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج3، ص: 100.
([11]) ـ م.س، ج3، ص: 100؛ وعن تأويل الطبري لهذه الآية، أخذ ابن كثير الرأي نفسه؛ ينظر في ذلك: تفسير القرآن العظيم. ابن كثير. ج2، ص: 255.
([12]) ـ سورة البقرة، من الآية: 142.
([13]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج3، ص: 141.
([14]) ـ ينظر: م.س، ج3، ص: 142.
([15]) ـ م.س،ج3،ص:141.
([16]) ـ هو شيخ الطبري، كثرت رواية الطبري عنه.
([17]) ـ الحديث نقله ابن كثير في تفسيره؛ ينظر: ج2، ص: 261.
([18]) ـ تفسير القرآن العظيم. ابن كثير. ج2، ص: 261.
([19]) ـ سورة البقرة، من الآية: 211.
([20]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج4، ص: 275.
([21]) ـ م.س،ج4،ص:276.
([22]) ـ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج2، ص: 338.
([23]) ـ ينظر: م.س،ج4،ص:277 ـ 278.
([24]) ـ ينظر: م.س،ج4،ص:.277 ـ 278
([25]) ـ سورة آل عمران، من الآية: 110.
([26]) ـ ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج7، ص: 100.
([27]) ـ ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج7، ص: 100.
([28]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري.ج7، ص: 120.
([29]) ـ ولعل الشيخ الطاهر بن عاشور يذهب هذا المذهب، الطبري. ج7، ص: 120.
ـ ولعل الشيخ الطاهر بن عاشور يذهب هذا المذهب، إذ يؤكد في تفسيره بأن المراد بـ(أمة)، عموم الأمم كلها من أمة الإسلام على تعاقب الأزمنة؛ ينظر: التحرير والتنوير. الطاهر بن عاشور. ج4، ص: 50.
([30]) ـ وهنا لا داعي لعرض الآيات الدالة على ذلك كلها، ولكن يمكننا الإشارة إليها فقط على سبيل المثال، وهي: الآية: 113 من سورة آل عمران، والآية: 50 من سورة المائدة، والآية: 93 من سورة النحل، والآية 91 من سورة الأنبياء، والآية: 53 من سورة المؤمنون، والآية: 22 من سورة القصص، والآية: 6 من سورة الشورى، والآية: 21 و22 من سورة الزخرف...
([31]) ـ الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير. د.محمد بن محمد أبو شهبة. ص: 82.
([32]) ـ سورة البقرة، من الآية: 127.
([33]) ـ التفسير الكبير. الفخر الرازي. دار الكتب العلمية. طهران. الطبعة الثانية. (د.ت)، ج4، صك 61.
([34]) ـ اسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ حسب مواليدهم هي: نبايوت، بكر إسماعيل، وقيدار وأدبئيل، ومبسام ومشماع، ودومة ومسا وحدار، وتيما، ويطور، ونافيش وقدمة. ينظر: الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد). دار الكتاب المقدس في العالم العربي. سفر التكوين، الإصحاح 25: 12 ـ 15.
([35]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. محمد بن أحمد القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الثانية ، 1373 هـ 1954م، ج2، ص: 136.
([36]) ـ سورة البقرة، من الآية: 142.
([37]) ـ ينظر: التفسير الكبير. الرازي. ج4، ص: 97.
([38]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي، ج2، ص: 154.
([39]) ـ سورة البقرة، من الآية: 211.
([40]) ـ التفسير الكبير. الرازي. ج6، ص: 11.
([41]) ـ م.س،ج6،ص:14 .
([42]) ـ سورة البقرة، الآية: 104.
([43]) ـ التفسير الكبير. الرازي. ج8، ص: 167؛ كما ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي، ج4، ص : 165.
([44]) ـ سورة آل عمران، من الآية: 110.
([45]) ـ التفسير الكبير. الرازي. ج8، ص: 177.
([46]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. ج4، ص: 170.
([47]) ـ سورة المائدة، من الآية: 50.
([48]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الأولى. 1357هـ، 1938م، ج6، ص: 211 كما ينظر: التفسير الكبير. الرازي. ج12، ص13.
([49]) ـ سورة الأعراف، الآية: 159.
([50]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة. الطبعة الثانية، 1380م، ج7، ص: 306.
([51]) ـ سورة النحل: الآية: 120.
([52]) ـ ينظر: التفسير الكبير. الرازي. ج20، ص: 135.
([53]) ـ من جملة تلك الشروط التي اشترطت: ألا يدعي المفسر أن ما أتى به من تأويل باطني هو وحده دون ظاهره، وأن ما أتى به لا يتعارض مع الشرع، سواء أكان نقلاً أو عقلاً، وألا يكون تفسيره منافياً لظاهر النظم القرآني، كما يجب أن يكون فيما يذهب إليه، من شاهد شرعي يؤيده؛ ينظر: التعبير الفني في القرآن. د.بكري شيخ أمين. دار الشروق، ص: 124.
([54]) ـ سورة البقرة، الآية: 133.
([55]) ـ وهو أن يرى العبد ذاته متصلة بالموجود الأحدى، وألا يتقيد بوجود نفسه، وأن يرى السالك المدد والجود من غير انقطاع حتى يبقى الموجود باقياً بالله؛ ينظر: معجم مصطلحات الصوفية. د.عبد المنعم الحفني. دار المسيرة، بيروت الطبعة الأولى، 1400 هـ، 1980م، ص: 10.
([56]) ـ لطائف الإشارات. القشيري. تحقيق: د.إبراهيم بسيوني، دار الكتاب العربي بالقاهرة، ج1، ص: 143.
([57]) ـ سورة البقرة، الآية: 142.
([58]) ـ القطب: هو موضع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان، ويسمى بالغوث أيضاً، باعتبار التجاء الملهوف إليه، ويسمى أيضاً، بقطب العالم، وقطب الأقطاب، والقطب الأكبر، وقطب الإرشاد، وقطب المدار؛ ينظر: معجم مصطلحات الصوفية. د.عبد المنعم الحفني، ص: 217 ـ 218.
([59]) ـ لطائف الإشارات. القشيري، ج1، ص: 145.
([60]) ـ سورة البقرة، من الآية: 104.
([61]) ـ لطائف الإشارات. ج1، ص: 270.
([62]) ـ سورة آل عمران، من الآية: 110.
([63]) ـ لطائف الإشارات. القشيري. ج1، ص: 282.
([64]) ـ سورة الأعراف، الآية: 182.
([65]) ـ لطائف الإشارات. القشيري. ج2، ص: 287.
المصدر :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 96 - السنة الرابعة والعشرون - كانون الأول 2004 - شوال 1425
مما لا شك فيه أن التنزيل العظيم أقر بوضوح لا لبس فيه أن الناس مصدرهم من أصل واحد، كما حاول الوقوف أمام دعائم مزعومة من طرف الفكر القبلي والإقليمي التعصبي وذلك حين نزوله، سواء عند العرب أو عند من هم في جوارهم من امبراطوريات وأقوام غير عربية. وبالتالي رفض أن يكون أساساً مثل هذه الدعائم عماداً للمجتمع المنشود، بل يجعل من المستحيل أن يقوم عماد بنيان الأمة الجديدة على تلك الأسس التي هي من عزاء الجاهلية، ذلك لأن ما يهدف إليه القرآن في نظرته الشمولية للناس هو تكوينه أمة مفتوحة، وأن مايهدف إليه ذلك العزاء الجاهلي هو إطار مغلق.
والمتتبع منا لنصوص القرآن العظيم، يجد الكثير من آياته لا تقيم أي اعتبار للدعائم الواهية، سواء أكانت تمت بصلة إلى رابطة العرق أم إلى رابطة المصالح والمنافع، أو إلى كل ما يمت بصلة إلى عنصر (الأنا) والذي يصب كله في فضاء ضيق الأفق، هذا ناهيك عما يترتب عن هذا كله من تشتت للشمل وزرع لروح الحقد والتفرقة في أرجاء المعمورة كلها. وعليه فإن القرآن العظيم ليعد بحق أول فاتحة تأسيسية لمفهوم الأمة بمعناها الجديد، ذات الأفق الواسع والمتساوي والقائم على وحدة المستقبل والعقيدة، فهو أول ما انطلق إلى الوجود، انطلق بدعوته الإنسانية الشاملة والرافضة للقبلية والعشائرية فكان خطابه للإنسان من غير النظر إلى زمانه ومكانه.
غير أن الذي يهمنا هنا أكثر، هو أن القرآن العظيم بدأ يستقطب الفكرة الجديدة في تكوين الأمة، رافضاً كل ما سواها بأساليبه الإعجازية، فكان له منطقه الخاص في حل الإشكال القائم حين ذاك، وهذا ما سنقف عنده في معرض حديثنا عن مفهوم الأمة ودلالتها من خلال مفسري القرآن العظيم.
ومن هذا المنطلق نجد بوجه عام، وخاصة لدى أهل التفسير في تراثنا الإسلامي، أنهم واجهوا صعوبات مختلفة شبيهة من جوانب عديدة بتلك الصعوبات التي واجهها الدارسون للمفهوم ذاته أثناء دراستهم الوضعية منذ العصور الوسطى وحتى عصرنا الحاضر، ومن بين تلك الصعوبات التي واجهها أهل التفسير حين تبيينهم لمفهوم الأمة في القرآن العظيم، هو خلو الخطاب القرآني ذاته من أي تعريف لغوي أو اصطلاحي لدلالة لفظ (الأمة) بصيغة صريحة.
غير أن أهل التفسير من جهة أخرى، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الأمر، إذ نراهم في كثير من تفاسيرهم قد عالجوه بطريقة التأويل، وما زاد في إشكالية الأمر كذلك، هو ورود هذا المصطلح (الأمة) في القرآن العظيم بصيغ متعددة وبعدد قد بلغ أربعاً وستين مرة.
وقبل البدء في تفصيل ذلك، نود أن نشير إلى أننا لا ننوي من خلال مقالنا هذا أن نقف عند كل ألفاظ (الأمة) الواردة في آي القرآن العظيم، وإنما آثرنا أن نبين مفهوم الأمة عند المفسرين التراثيين من خلال نماذج تواتر الاستشهاد بها عادة في مثل هذه الدراسات([1])؛ كما آثرنا من جهة أخرى أن نقترب من مختلف التفاسير من حيث أنواعها، فاتخذنا من التفاسير بالمأثور نماذج، كما اتخذنا من التفاسير بالرأي والاجتهاد نماذج أخرى، وحاولنا في الأخير أن نطرق باب التفسير الصوفي لنرى ما مفهوم الأمة عند القوم من أهل التصوف والعرفان.
تصور الأمة عند أهل التفسير بالمأثور
إن المتأمل في مختلف التفاسير بالمأثور، يجد أن تفسير ابن جرير الطبري يأتي على رأس التفاسير التي تحوي في أغلبها على مميزات وخصائص هذا النوع من التفسير، إذ أنه من المعروف لدينا أن التفسير بالمأثور سواء أكان متواتراً أم غير متواتر "يشمل المنقول عن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، والمنقول عن النبي(e) والمنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم، والمنقول عن التابعين رحمهم الله، وعلى هذه الأنواع الأربعة يدور التفسير بالمأثور"([2]). وهذا أحسبه متوافراً في تفسير ابن جرير الطبري ثم يلي هذا المفسر المشهور، ابن كثير، وهو الآخر لا يقل تفسيره أهمية عن سابقه، لذلك آثرنا أن نتخذهما نموذجاً للتفسير بالمأثور.
يقول تعالى ذكره: ]ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم[([3]).
يذهب الطبري إلى أن لفظ الأمة الوارد في هذه الآية يعني الجماعة المتفقة على دين واحد، هذا مع أنه يقبل تفسير لفظ الأمة في آيات أخر بمعنى الجماعة على وجه الإطلاق، سواء أكانوا من الناس أم للصنف من الناس، وفي ذلك يقول: "وأصل الأمة الجماعة تجتمع علىدين واحد، ثم يكتفى بالخبر عن الأمة من الخبر عن الدين لدلالتها عليه"([4]).
غير أن الطبري من جهة أخرى نلفيه يورد قولاً مأثوراً يفيد أن المراد بقوله تعالى: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ ـ الآية"، أنهما عنيا بذلك العرب، ويؤكد ما ذهب إليه بأثر حدثه به أحدهم، وذلك بإسناد منه قال فيه: "حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد قال: حدثنا أسباط عن السديّ: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ يعنيان العرب"([5])، في حين نجده يعقب في آخر تفسيره لهذه الآية قائلاً: "وأما الأمة في هذا الموضع، فإنه يعني بها الجماعة من الناس"([6])، وكأنه بتعقيبه هذا يأخذ المعنى من قوله تعالى: ]ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون[.([7])
هذا وقد نلفى إسماعيل بن كثير يرد على ما أورده ابن جرير الطبري، إذ يذهب إلى أن تخصيص السدّي في قصده من قوله تعالى: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ أنهم العرب، هذا لا ينفي من عداهم فقال في ذلك "والسياق إنما هو في العرب، ولهذا قال بعده: ]ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم[ الآية، والمراد بذلك محمد e، وقد بعث فيهم كما قال تعالى: ]هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم[، ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأٍسود لقولـه تعالى: ]قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً[، وغير ذلك من الأدلة القاطعة"([8]).
وعن تأويل ابن جرير الطبري لقوله تعالى: ]تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون[([9])، فهو يرى في الأمة التي خلت، المقصود بها هو نبي الله إبراهيم وأبناؤه إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، وولدهم([10]). ثم يفصل ذلك بقوله: "أن الله تعالى يقول لليهود والنصارى: يا معشر اليهود والنصارى، دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله، ولا تنحلوهم كفر اليهودية والنصرانية، فتضيفونها إليهم أمة، فإنهم أمة،.. ثم يستطرد بالحديث، إلى أن يقول: ويعني بالأمة في هذا الوضع: الجماعة والقرن من الناس"([11]). وفي قوله تعالى: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا[([12])، يقول الطبري: "كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلكم أمة وسطا... إلى أن يقول: وقد بينا أن الأمة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم"([13]).
غير أن الطبري في شأن هذه الآية، لم نلفه يقف كثيراً عند لفظ الأمة كما عهدناه، بقدر ما وقف وفصل كثيراً، هذه المرة في لفظ (الوسط)، إذ نراه يذكر في شأن هذا اللفظ بأن الله تعالى وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا ربهم وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها([14]). وكان قبل هذا قد توقف عند المدلول اللغوي لهذا اللفظ وأورد العديد من دلالاته. ومن ذلك نذكر على سبيل المثال قوله: "وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار، يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه" ([15]) وفي آخر تفسيره لهذه الآية، يؤكد القول بأن الوسط هو العدل، ذاهباً إلى ذلك مستشهداً بالأثر الذي حدثه به سلم بن جنادة([16]) ويعقوب بن إبراهيم، أنهما قالا: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، عن النبي e قوله: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[، قال: عدولا([17]).
ولتأكيد ذلك، ودائماً في هذا الشأن، نلفي ابن كثير المفسر يورد حديثاً رواه عن الإمام أحمد في مسنده يقول فيه: "وحدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله e: يدعى نوح يوم القيامة، فيقال لـه: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. قال فذلك قوله: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[، قال: "والوسط: العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم"([18]).
وفي شأن قوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[، الآية:"([19])، فإن كلاً من الطبري و ابن كثير يذهبان إلى أن أهل التأويل قد اختلفوا في معنى لفظ (الأمة)، الوارد في الآية، كما اختلفوا في معنى لفظ (الناس) الموصوفين، بأنهم كانوا أمة واحدة، وفي ذلك يؤكد الطبري بالاستناد إلى قول بعضهم: "هم الذين كانوا بين آدم ونوح وهم عشرة قرون، كلهم كانوا على شريعة الحق، فاختلفوا بعد ذلك"([20]). ثم يؤيد مذهبه هذا بقوله: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن داود قال: حدثنا همام بن منبه عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله ]كان الناس أمة واحدة فاختلفوا[.. فتأويل (الأمة) على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، الدين.. فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء: كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"([21]).
ولكون ما ذهب إليه الطبري هو عينه ماذهب إليه ابن كثير في هذا الشأن، فإننا نلفيه يعلل مذهبه بقوله: "ولهذا قال تعالى: ]وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[ ـ الآية". أي من بعد ما قامت الحجج عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض"([22]).
كما نجد الطبري يقدم تأويلاً آخر، مستنداً فيه على أثر حدثه به محمد بن عمرو فحواه: "... كان الناس أمة واحدة" قال آدم"([23])، وهو يؤكد هذا القول معللاً إياه، بكون أن الله تعالى سماه بذلك لأنه ـ أي آدم عليه السلام ـ سبب لاجتماع الأشتات من الناس على ما دعاهم إليه من اختلاف الخير، فلما كان آدم عليه السلام سبباً لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سماه بذلك أمة.
غير أن الطبري ما فتئ يورد قولاً آخر يقول بخلاف ذلك كله، إذ ذهب إلى أن القصد من قوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة[، أي كانوا على دين واحد، فبعث الله النبيين. والطبري في هذا نراه يميل إلى هذا القول الأخير، إذ أنه يشفعه بالحديث الذي سمعه من محمد بن سعيد الذي حدثه به أباه عن عمه عن أبيه عن جده، عن ابن عباس قوله: "كان الناس أمة واحدة"، قال: كان ديناً واحداً، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"([24])، وهو الأمر نفسه الذي نجد الطبري يطمئن إليه في ختام تفسيره لهذه الآية بدليل الأقوال والأحاديث التي قدمها والتي وصلت حد الاستطراد، والتي جميعها تصب في كون المراد بالأمة هنا: الدين الواحد الذي على ملة آدم عليه السلام.
أما عن الآية التي نجد أهل التفسير بالمأثور اختلفوا فيها كثيراً من حيث دلالتها اللغوية أو التأويلية فلعلها قوله تعالى: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله[ ـ الآية"([25]). إذ لم نجد آية أخرى تحوي لفظ (الأمة) قد استأثرتهم بالعناية بها أكثر من هذه الآية. ولعل الطبري من الذين ذهبوا فيها كل مذهب، وقد يرجع ذلك عنده بالخصوص لاعتماده أكثر على عنصر الإخبار وإيراد الأحاديث والأقوال، دون أي ترجيح يمكن أن نعتبره ترجيحاً نابعاً من رؤيته الاجتهادية الخاصة، مقارنة بغيره ـ ولو بشيء من الاجتهاد ـ عند أهل التفسير بالرأي.
إن الطبري نفسه في هذه الآية، يقر بأن أهل التفسير والتأويل قداختلفوا فيها، وهنا لم يجد مناصاً من عرض آراء غيره حول دلالة لفظ الأمة في هذه الآية، ليستأثر بأحد أقوالهم في النهاية. ومن أمثلة ذلك إيراده لقول بعضهم عن شأن الأمة ها هنا: "هم الذين هاجروا مع رسول الله e من مكة إلى المدينة، خاصة من أصحاب رسول اللهe"([26]). فالطبري باختياره لهذا القول ـ وذلك بعد ما آثره بروايات أخر عن عمرو بن حماد عن أسباط عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ يقر بأن المراد بلفظ (الأمة): هم جماعة المهاجرين دون سواهم من آمن بالدعوة الإسلامية في ذلك الوقت.
والأمر نجده خلاف ذلك عند ابن كثير، إذ القصد من الأمة في هاهنا آية، هي أمة محمد e ذلك بأنهم خير الأمم... قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ]وكنتم خير أمة أخرجت للناس[ قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس ]كنتم خير أمة أخرجت للناس[، يعني خير الناس للناس، والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس"([27])
والصحيح عند ابن كثير أن لفظ الأمة في الآية، هو عام في جميع الأمة، كل قرن بحسبه. وبالرجوع إلى الطبري مرة أخرى، نجد فيما ذهب إليه من جملة أقواله المختلفة التي ذكرها: أنه لا يبتعد عما ذهب إليه ابن كثير، فالطبري يرجح من ضمن ما ذكره، الحديث المأثور المسند والمروي له، والقائل: "أن يعقوب بن إبراهيم حدثني قال: حدثنا ابن عطية، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله e يقول: ألا إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم آخرها وأكرمها عند الله"([28])
وعليه، فحسب ما ذهب إليه ابن كثير، وحسب القول الذي رجحه الطبري، تكون (الأمة) هاهنا، ذات مدلول ديني ـ وهذا خلاف ما عهدناه فيما مضى عند الطبري إذ يعتبر اللفظ مجرد جماعة من الناس ـ فهي تضم كل أتباع النبي e، سواء من أمة الدعوة أو أمة الإجابة([29]). أما ما دون هذه الآية، فإن معظم الآيات الأخرى([30]) التي تحوي لفظ الأمة، فإن الطبري وابن كثير يؤولانها بالجماعة من الناس مطلقاً من جهة، ومن جهة أخرى نلفيهما يجعلانها مرادفة للفظ (الملة)، وهنا تكون عندهما ذات مدلول ديني.
ومما سبق ذكره، وبعد تتبع نماذج من تأويلات هذين المفسرين للفظ، وخصوصاً ما ذهب إليه الطبري، فإننا نجد قد تم التركيز على اعتبار لفظ (الأمة) الوارد في معظم تلك الآيات التي قدمناها سابقاً بأنها الجماعة المتفقة على دين واحد، وملة واحدة، وبعبارة أخرى، وحسب هذين المفسرين، فإن تصور (الأمة) عندهما، إنما هو قائم عن علاقة بين الملة والدين من جهة، وبين الجماعة المطلقة من جهة أخرى .
ومن هذه العلاقة نشأ لديهما تصور وسط، هو أن الأمة معناها: الجماعة المجتمعة على دين وملة واحدة.
تصور الأمة عند أهل التفسير بالرأي
قبل أن نعرج إلى تصفح بعض تفاسير أهل الرأي والاجتهاد لمعرفة مفهوم لفظ الأمة وتصوره عندهم، لا بأس أن نشير إلى أننا سنتخذ من التفسير الكبير للفخر الرازي نموذجاً لذلك، باعتباره يحوي خصائص هذا النوع من التفسير، بالإضافة إلى بعض الوقفات عند تفسير القرطبي، غير أنه لا يفهم من عملي هذا بشأن تقسيم أهل التفسير إلى فريقين، أني أضع حدوداً بين التفسيرين، ذلك أنه من المعروف أن كل المفسرين لكتاب الله تعالى كانوا ينوون من وراء أعمالهم الجليلة، خدمة كتابه العظيم محاولين بذلك إفهامه وتقريبه لجمهور المسلمين، وعامة الناس. وعليه كان اختيارنا للتفسير بالرأي القائم على أركان المعرفة الكافية بشتى العلوم، والذي "لا يعارض نقلاً صحيحاً، ولا عقلاً سليماً، ولا علماً يقينياً ثابتاً مستقراً، مع بذل غاية التوسع في البحث والاجتهاد والمبالغة في تحري الحق والصواب، وتجريد النفس من الهوى والاستحسان بغير دليل، ومع مراقبة الله غاية المراقبة في كل ما يقول"([31]). وهذه الأركان والدعائم نحسبها موجودة في تفسير الرازي، والقرطبي.
إن الرازي في تأويله للكثير من الآيات التي تحوي لفظ (الأمة)، نجده يستعمل العقل، مبتعداً كل ما أمكن ذلك عن المنقول والروايات، لذلك نراه في كل ما يذهب إليه، يردفه بالتدليل والبرهان، جاعلاً من المنطق والعقل الطابع الذي يطبع تأويلاته وكل ذلك بالطبع في حدود ما يسمح به الشرع من استحكام العقل فيه. فهو على سبيل المثال يذهب في الآية الكريمة: ]ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ ـ الآية([32])، بالقول: "وأمة: قيل: هم أمة محمد e، بدليل قوله: وابعث فيهم رسولاً منهم"([33]).
والقرطبي في تفسيره يرى ما يراه الرازي، فهو يقول في شأن الآية الكريمة: ]ومن ذريتنا أمة مسلمة لك[ ـ الآية": أي ومن ذريتنا فاجعل؛ فيقال: إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته، إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته، ولهذه الأمة؛ كما أنه يورد قولاً آخر يقول فيه: إن المراد بقوله:
]ومن ذريتنا[ العرب خاصة وذريتهما العرب، لأنهم بنو نبت بن إسماعيل أو بنو تيمن بن إسماعيل([34])... قال ابن عطية: وهذا ضعيف، لأن دعوته ظهرت في العرب وفي من آمن من غيرهم([35]).
أما في شأن قوله تعالى: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً[ ـ الآية([36])"، فإن كلاً من الرازي والقرطبي، قد وقفا مطولاً عند تأويل لفظ (وسطاً)، بما في ذلك لفظ (أمة) كذلك. وفي هذا يذكر الرازي على سبيل المثال لا الحصر مسائل كثيرة في قولـه تعالى: ]أمة وسطا[ منها قوله: واختلفوا في تفسير الوسط وذكروا أموراً: أحدهما، أن الوسط هو العدل، والدليل عليه الآية، والخبر والشعر، والنقل، والمعنى.. فهو بعدما يأتي على الأدلة الأربعة الأولى يقول في الدليل الخامس الذي هو "المعنى" بقولـه: وأما المعنى فمن وجوه: أحدهما: أن الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين، ولاشك أن طرفي الإفراط والتفريط رديئان، فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين فكان معتدلاً فاضلاً، وثانيها: إنما سمي العدل وسطاً، لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين، وثالثها: لاشك أن المراد بقوله: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[ طريقه المدح لهم لأنه لا يجوز أن يذكر الله تعالى وصفاً ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهوداً له، ثم يعطف على ذلك شهادة الرسول إلا وذلك مدح، فثبت أن المراد بقوله: "وسطاً" ما يتعلق بالمدح في باب الدين، ولا يجوز أن يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً إلا بكونهم عدولاً، فوجب أن يكون المراد من الوسط العدالة، ورابعها: أن أعدل بقاع الشيء وسطه، لأن حكمه مع سائر أطرافه على سواء وعلى اعتدال، والأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد والأوسط محمية محوطة([37]).
أما القرطبي في مسألة الوسط فيضيف قائلاً: "ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا تقصير اليهود في أنبيائهم"([38]).
أما عن معنى الأمة في قوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[ الآية: ([39])"، فإن الرازي يرى في هذه الآية مسائل ـ وذلك بعد ما يفصل في سبب إصرار أولئك الناس على الكفر ـ ومن تلك المسائل يذكر المسألة الأولى قائلاً فيها: "قال القفال: الأمة: القوم المجتمعون على الشيء الواحد يقتدي بعضهم على بعض، وهو مأخوذ من الائتمام"([40]).
هذا، وبعد تعقيبه على ما ذكر، يستأنف الحديث عن معنى الأمة في الآية ذاتها، ويورد في حديثه ذلك خمسة أقوال، لكل قول أوجه، فهو يقف عند تأويل معنى لفظ (الناس) عوض لفظ: (الأمة)، غير أن وقفته مع لفظ (الناس)، قد بين في دلالته معنى لفظ (أمة واحدة) الذي تلا لفظ (الناس)، بدليل قوله: "إن المراد من الناس ههنا أهل الكتاب ممن آمن بموسى عليه السلام، وذلك لأنا بينا أن هذه الآية متعلقة بما تقدم من قوله: "]يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة[، وذكرنا أن كثيراً من المفسرين زعموا أن تلك الآية نزلت في اليهود، فقوله تعالى: ]كان الناس أمة واحدة[، أي كان الذين آمنوا بموسى أمة واحدة، على دين واحد، ومذهب واحد، ثم اختلفوا بسبب البغي والحسد، فبعث الله النبيين وهم الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام، وأنزل معهم الكتاب: وهذا القول مطابق لنظم الآية، وموافق لما قبلها ولما بعدها"([41]).
وعن قوله تعالى: ]ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون[([42])، فإن القرطبي يورد قولاً واحداً في شأن لفظ (الأمة) قد اتفق به مع الرازي، والذي يقصد منه: الجماعة من العلماء دون سائر خلق الله، بينما نجد الرازي بالإضافة إلى ذلك، يفصل فيما يذهب إليه بصفته وجهاً من وجوه التعليل، إذ الوجه الذي اتفق به مع القرطبي في شأن معنى لفظ (الأمة) في الآية الكريمة، هوأن القائلين بهذا القول، قد اختلفوا على قولين: أحدهما أن فائدة كلمة (من) هي أن في القوم من لا يقدر على الدعوة ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل النساء والمرضى والعاجزين. والثاني أن هذا التكليف مختص بالعلماء، ويدل عليه وجهان، الأول: أن هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة أشياء: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ومعلوم أن الدعوة إلى الخير مشروطة بالعلم وبالخير وبالمعروف وبالمنكر. فإن الجاهل ربما عاد إلى الباطل وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر مع من يزيده إنكاره إلا تمادياً، فثبت أن هذا التكليف متوجه على العلماء، ولاشك أنهم بعض الأمة"([43]).
لقد تعمدنا الإتيان بهذا النص على الرغم من طول متنه ليتضح لنا مدى اجتهاد كل من الرازي والقرطبي، وطريقة تأويلهما للوصول إلى تأصيل المفهوم عن طريق التدليل العقلي والبرهنة المنطقية عندما تحتاج الضرورة إلى ذلك.
لكن هذا التخريج، وإن كان يبدو أقرب إلى الصحة، إلا أننا يمكن أن نعتقد بدلالة أخرى للفظ الأمة ضمن هذه الآية، إذ قد يكون المراد من ذلك: أصحاب رسول الله e، باعتبارهم كانوا قد أ خذوا العلم من عنده عليه السلام، ليبلغوه إلى الناس، وعليه يؤول [ضم الهمزة] التخريج إلى أن أصحاب رسول الله كانوا أمة مجتمعة على القيام بتعلم الدين وتبليغ رسالته.
ووجه الإجمال في هذا، أن مدلول لفظ (الأمة) ههنا، إنما القصد منه عند هذين المفسرين، هم جماعة العلماء دون سواهم من عامة الناس، وذلك للأسباب التي ذكرها الرازي، والتي نراها نحن أنها أسباب يقبلها العقل، هذا مع العلم أننا رأينا أيضاً أن أصحاب التفسير بالمأثور من قبل، قد قدموا أحاديث مأثورة تقر كلها بأن المقصود بلفظ (الأمة)، هم جماعة العلماء، أو أصحاب رسول الله الذين تعلموا منه، وعلموا من أتوا بعدهم.
أما بشأن قوله تعالى: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله[ ـ الآية([44])، فنجد القرطبي في أمر مدلول لفظ الأمة في هذه الآية، قد فصل في الكلام أكثر من كلام الرازي، ففي الوقت الذي اكتفى فيه الرازي بقوله: "والمعنى أنكم كنتم في اللوح المحفوظ خير الأمم، وأفضلهم، فاللائق بهذا أن لا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة.. وأن تكونوا منقادين مطيعن، وفي كل ما يتوجه عليكم من التكاليف"([45]).
أما القرطبي، فيورد في تفسير هذه الآية، ثلاث مسائل يمكن لأي متعرف عليها أن يستثمر منها مدلول لفظ الأمة بطريقة مباشرة لا تستدعي التخمين وإعمال الفكر. ولعل السبب في ذلك، أننا ألفينا القرطبي في ذهابه إلى تأويل هذه الآية، يذهب مذهب أهل التفسير بالمأثور، وكشاهد على ذلك، يقول القرطبي ـ وذلك دائماً في شأن الآية السالفة الذكر ـ:".. فيه ثلاث مسائل: [ونحن سنورد له مسألتين لأن المسألة الثالثة لها علاقة بتأويل الشطر الثاني من الآية الكريمة]، الأولى: روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله e يقول في قوله: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس[، قال: أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها عند الله.. وقال ابن عباس: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدراً والحديبية، وقال عمر بن الخطاب: "من فعل فعلهم كان مثلهم، وقيل: هم أمة محمد رسول الله e، يعني الصالحين منهم وأهل الفضل، وهم الشهداء على الناس يوم القيامة.. وقال الأخفش: يريد أهل أمة، أي خير أهل دين.."([46]).
وعن مدلول لفظ الأمة في قوله تعالى: ]ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات[ ـ الآية([47])، فإننا نجد كلاً من الرازي والقرطبي يتفقان في مدلولها، بذهابهما إلى القول بأن لفظ الأمة بمعنى الجماعة المتفقة على شريعة واحدة، ودين واحد لا اختلاف فيه، ولكن شاءت قدرته أن جعل الشرائع مختلفة، وذلك بقصد الابتلاء([48]).
أما عن مدلول اللفظ في قوله تعالى: ]وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون[([49])، فقد جاء بثلاثة معان عند القرطبي، وقد وافقه الرازي في معنى واحد، ذلك أن لفظ الأمة عند القرطبي، يعني أمة محمد e؛ كما يحملها معنى النفر الذين آمنوا بالدعوة الإسلامية من أهل الكتاب. هذا بالإضافة إلى معنى آخر يضيفه، وهو أن لفظ الأمة القصد منه قوم من بني إسرائيل تمسكوا بشرع موسى قبل نسخه، ولم يبدلوا ولم يقتلوا الأنبياء([50]).
ومن الأسباب التي جعلت إبراهيم عليه السلام يتصف بكونه أمة واحدة في قوله تعالى: ]إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين[([51])، نلفي الرازي يدلل ذلك بمايلي:
أولها: إنه كان أمة وحده لكماله في صفات الخير كقوله:
وليس على الله بمستكثر
أن يجمع العالم في واحد
ثانيها: قال مجاهد، كان مؤمناً وحده، والناس كلهم كانوا كفاراً، فلهذا المعنى كان وحده أمة.
ثالثها: أن يكون أمة فَعَلة، بمعنى مفعول كالرحلة والبغية، فالأمة هو الذي يؤتم به، ودليله قوله: ]إني جاعلك للناس إماما[.
رابعاً: أنه عليه السلام، هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ممتازين عمن سواهم بالتوحد والدين الحق ولما جرى مجرى السبب لحصول الأمة، سماه الله تعالى بالأمة، إطلاقاً لاسم المسبب على السبب([52]).
ومما تقدم ذكره، في شأن تصور الأمة لدى أهل التفسير بالرأي والاجتهاد، فإنهم بوجه عام، قد أوَّلوا [بفتح الواو الأولى] التأويل نفسه الذي ذهب إليه أهل التفسير بالمأثور ـ على الرغم من تلك المقاربة العقلية من لدن أهل التفسير بالرأي ـ فكانت مفاهيمهم للفظ (الأمة) من خلال ما عرضناه من آي القرآن العظيم، تدور في معظمها حول معنى الجماعة المرتبطة بدين أو ملة، سواء كان ديناً أو ملة أو شريعة مطلقاً، أو خاصاً بالدين الإسلامي؛ كما وجدنا الأمة عندهم، إما خاصة بجماعة الإجابة أو خاصة بجماعة الدعوة عموماً.
تصور الأمة عند أهل التفسير الصوفي:
مما لاشك فيه أن الذين اهتموا بالتفسير الصوفي أو ما يسمى بالتفسير الإشاري، هم المتصوفة بالمقام الأول، إذ ذهبوا في تفسيراتهم باعتماد فيوضاتهم وتباريحهم وإلهاماتهم.. فراحوا بذلك يؤَولون [بفتح الهمزة] بعض ما يتعرضون إليه من آي الذكر الحكيم، بعيداً عما يحمله اللفظ من تأويلات أقرها النقل والعقل، وذلك في الكثير من المواضع. وعلى ذلك فإن علماء الدين، فريق منهم من قبل بهذا التفسير وذلك بشروط([53]). وأنا أحسب أن تلك الشروط يمكن أن تكون قد توافرت إلى حد ما في نوع التفسير الذي اخترناه نموذجاً لهذه الدراسة، وهو تفسير القشيري، والمعروف بـ(لطائف الإشارات).
يعلق الإمام القشيري على الآية الكريمة: ]تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون[([54])، بخطابه للأمة المقصودة في الآية بقوله: حالت بينكم وبينهم حواجز من القسمة؛ فهم على الفرقة والغفلة أسسوا بنيانهم، وأنتم على الزلفة والوصلة([55]) ضربتم خيامكم وعتيق فضلنا لا يشبه طريد قهرنا"([56]).
وعن قوله تعالى: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا[ ـ الآية([57])، نترك القشيري وحده يعبر عن قصده من دلالة الأمة المراد في هذه الآية الكريمة، يقول القشيري: "فجعل هذه الأمة خيار الأمم، وجعل هذه الطائفة خيار هذه الأمة، فهم خيار الخيار فكما أن هذه الأمة شهداء على الأمم في القيامة، فهذه الطائفة هم الأًول وعليهم المدار، وهم القطب([58]) وبهم يحفظ الله جميع الأمة، وكل من قبلته قلوبهم فهو المقبول، ومن ردته قلوبهم فهو المردود، الحكم الصادق لفراستهم، والصحيح حكمهم، والصائب نظرهم، عصم جميع الأمة عن الاجتماع على الخطأ، وعصم هذه الطائفة عن الخطأ في النظر والحكم، والقبول والرد"([59]).
إن دلالة الأمة عند القشيري انطلاقاً مما ذهب إليه لهي بحق جماعة أهل الحقائق دون سواهم، إنهم أصفياء الله الداعون إلى الحق والقائمون عليه.
كما أن الأمة عنده في قوله تعالى: ]ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير[ ـ الآية([60]). هي الصفة الصافية من الأمة الإسلامية، فالأمة ههنا متمثلة في أولئك القوم الذين "قاموا بالله لله، لا تأخذهم لومة لائم، ولا تقطعهم عن الله استنامة إلى علة، وقفوا جملتهم على دلالات أمره، وقصروا أنفسهم واستغرقوا أعمارهم على تحصيل رضاه، عملوا لله، ونصحوا الدين لله، ودعوا خلق الله إلى الله، فربحت تجارتهم، وما خسرت صفقتهم"([61]).
ومن الفيوضات الصوفية التي يعطيها الإمام القشيري للفظ الأمة في قوله تعالى: ] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ ـ الآية([62])، قوله: "لما كان المصطفى صلوات الله عليه أشرف الأنبياء، كانت أمته ـ عليه السلام ـ خير الأمم، ولما كان خير الأمم كانوا أشرف الأمم، ولما كانوا أشرف الأمم، كانوا أشوق الأمم، فلما كانوا أشوق الأمم، كانت أعمارهم أقصر الأعمار، وخلقهم آخر الخلائق لئلا يطول مكثهم تحت الأرض، وما حصلت خيريتهم بكثرة صلواتهم وعباداتهم، ولكن بزيادة إقبالهم، وتخصيصه إياهم، ولقد طال المتقدمين بالباب ولكن لما خرج الإذن بالدخول تقدم المتأخرون:
وكم با سطين إلى وصلنا
أكفهم لم ينالوا نصيبا([63])
أما تصوره للأمة في قوله تعالى: ]وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون[([64])، فهي جماعة أولياء الله وأقطاب التصوف، وغياث الخلق، فلقد: "أجرى الحق ـ سبحانه ـ سنته بألا يخلي البسيطة من أهل لها هم الغياث، وبهم دوام الحق في الظهور، وفي معناه قالوا:
إذا لم يكن قطب
فمن ذا يديرها؟
فهدايتهم بالحق أنهم يدعون إلى الحق ويدلون على الحق، ويتحركون بالحق، ويسكنون للحق بالحق، وهم قائمون بالحق، يصرفهم الحق بالحق، أولئك هم غياث الخلق؛ بهم يسقون إذا قحطوا ويمطرون إذا أجدبوا، ويجابون إذا دعوا"([65]).
فمن هذا الذي عرضناه، يتضح لنا أن لفظ الأمة عند الإمام القشيري، القصد منه الطائفة أو الجماعة الخيار من هذه الأمة الإسلامية، فهو يتصور الأمة ههنا على وجه الخصوص أنهم جماعة أولياء الله تعالى المنتمون إلى ولايته، فهم جماعة الأقطاب والغياث من الذين خصهم الله بعنايته وأثبتهم في الوثاق والمحبة والتوحيد، وهم أهل الضياء، واليقين، والوصلة، والألفة، والمعتكفون على البساط، المنتظرون الدخول إلى حضرته العلية.
خاتمة:
وفي آخر هذا المقام، لا نزعم أننا قد أتينا على جميع ما قاله أهل التفسير في تراثنا الإسلامي في شأن مفهومهم للأمة، ذلك أنه من الصعوبة بمكان أن نرصد جميع ما كان يخلد في أذهانهم عن تصورهم لهذا الموضوع؛ كما أننا لا نزعم أيضاً أننا جئنا على كل الآيات التي احتوت على هذا اللفظ المقصود بالدراسة. وما فعلناه لا يعتبر إلا اجتهاداً متواضعاً حاولنا فيه قدر الإمكان جمع بعض الشتات المتناثر في تفسيراتهم التراثية.
وإن جاز لنا أن نرصد لهذا العمل من نتائج، فإننا نجملها فيما يلي:
1 ـ إن فكرة الأمة نظراً لأهميتها، أخذت معاني مختلفة عبر التراث الإسلامي، وفي جميع جوانبه: اللغوية، والدينية، والتاريخية.. وهذا على الرغم من الإشكالات التي شهدها هذا المصطلح عبر تاريخ الفكر التراثي الإسلامي.
2 ـ من خلال هذا العرض، اتضح لنا، أن النص القرآني قد احتوى على لفظ (القوم)، إلا أنه لم يستأثر عناية أهل التفسير، وقد يكون لهذا الأمر من سبب، يمكن أن نرجعه بلا شك إلى أن لفظ (القوم) ورد ضمن الخطاب القرآني معبراً عن المحدودية المحجمة والقلة، وإن كثر القوم، بينما نجد لفظ (الأمة) يدل في كثير من آي القرآن العظيم على السعة والكثرة؛ فكأننا بلفظ الأمة يدل على الرباط الروحي والمتصف بالديمومة والأزلية غير المحدودة بزمان ولا بمكان، حتى بعد فناء الدنيا، بينما لفظ (القوم) رباطه مادي ويدل على المحدودية المنقطعة بمرور الزمن واندثار المكان.
3 ـ حينما نظرنا إلى مفهوم الأمة عند أهل التفسير في تراثنا الإسلامي، وجدناهم قد واجهوا شيئاً من الصعوبات في تحديد المفهوم الكامل للمصطلح، وكان في اعتقادنا أن سبب ذلك يرجع إلى خلو الخطاب القرآني نفسه من نصوص صريحة تعرف معنى لفظ الأمة، غير أن البعض من المفسرين قد تنبهوا لهذا الإشكال، وحاولوا معالجته بطرق مختلفة باعتمادهم النقل تارة والعقل تارة أخرى، بالإضافة إلى العرفان وهذا ما عمل به المفسرون الصوفيون. لكن مثل هذا العمل منهم لم يكن صارماً في وضوحه وبالتالي لم يزيل الإبهامات والالتباسات التي تلازم استعمال ذلك اللفظ، في حين نرى ماتم الاتفاق عليه مجتمعين هو تصورهم للأمة بأنها تلك الطريقة والجماعة المتفقة على دين واحد، الأمر الذي جعلهم على هذا الحال يقدمون معنى الطريقة على معنى الجماعة في كثير من اجتهاداتهم وتأويلاتهم، بحيث تصبح تلك الجماعة متميزة ومعروفة بالطريقة التي تتبعها. بينما عند أهل التفسير الصوفي، فقد ألفينا المفهوم يأخذ منحى آخر، وهو التخصيص لا التعميم؛ فالأمة كما ألفناه عندهم هم فقط خيار الأمة الإسلامية المنتسبون إلى ولايته، والمعروفون بالأقطاب والغياث وأهل الضياء والوصلة والألفة.
قائمة المصادر والمراجع:
1 ـ القرآن الكريم: برواية ورش عن الإمام نافع.
2 ـ الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير. د.محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة القاهرة الطبعة الرابعة 1408هـ.
3 ـ التعبير الفني في القرآن. د.بكري الشيخ أمين. دار الشروق .(د.ط)، (د.ت).
4 ـ تفسير التحرير والتنوير. محمد الطاهر بن عاشور. الدار التونسية للنشر (تونس)، المؤسسة الوطنية للكتاب (الجزائر)، تونس1984، ج1، وج4.
5 ـ تفسير القرآن العظيم. عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير. تقديم: عبد القادر الأرناؤوط. دار الفيحاء، دمشق ـ دار السلام، الرياض. الطبعة الأولى 1414هـ، 1994م، ج1، وج2.
6 ـ التفسير الكبير. الفخر الرازي. دار الكتب العلمية، طهران، الطبعة الثانية (د.ت)، ج4، وج6 وج8، وج12، وج20.
7 ـ جامع البيان في تأويل القرآن. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. تحقيق: محمود شاكر ومراجعة: أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1374هـ، ج3 وج4، وج7.
8 ـ الجامع لأحكام القرآن. محمد بن أحمد القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1357هـ، 1938م، ج6.
ـ الطبعة الثانية، 1373هـ، 1954م، ج2، وج4.
ـ الطبعة الثالثة 1380 هـ، 1960م، ج7.
9 ـ الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد)، دار الكتاب المقدس في العالم العربي، سفر التكوين.
10 ـ لطائف الإشارات. القشيري. تحقيق: د.إبراهيم بسيوني، دار الكتاب العربي، بالقاهرة (د.ط) (د.ت)، ج1.
11 ـ معجم مصطلحات الصوفية، د.عبد المنعم الحفني. دار المسيرة، بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ، 1980م.
------------
([1]) ـ وذلك مثل ما في سورة البقرة، الآية: (128، 134، 143، 213)؛ وفي مثل ما في سورة آل عمران، الآية: (104، 110، 113)؛ وسورة المائدة، الآية: (48)؛ وكذلك سورة الأعراف الآية (159)؛ وسورة الأنبياء، الآية (92)؛ وسورة المؤمنون، الآية: (52).
([2]) ـ الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير. د.محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة الرابعة 1408هـ ، ص 43 ـ 44.
([3]) ـ سورة البقرة، الآية: 127.
([4]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر، ومراجعة: أحمد محمد شاكر. دار المعارف بمصر، القاهرة، الطبعة الثانية. 1374هـ، ج4، ص: 276؛ وفي المعنى نفسه نلفى صاحب تفسير التحرير والتنوير يذهب إلى أن الأمة هي اسم مشترك يطلق على معان كثيرة، والمراد منها هنا الجماعة العظيمة التي يجمعها جامع له بال من نسب أو دين أو زمان. ويقال أمة محمد مثلاً لأنهم اجتمعوا على الإيمان بنبوة محمد e، وهي بزنة فعله وهذه الزنة تدل على المفعول مثل لفظة وضحكة وقدوة. فالأمة بمعنى مأمومة اشتقت من الأم بفتح الهمزة، وهو القصد، لأن الأمة تقصدها الفرق العديدة التي تجمعها جامعة الأمة كلها؛ ينظر: تفسير التحرير والتنوير. محمد الطاهر بن عاشور. الدار التونسية للنشر (تونس)، المؤسسة الوطنية للكتاب (الجزائر). تونس 1984، ج1، ص: 721.
([5]) ـ م.س، ج3، ص: 74.
([6]) ـ م.س، ج3. ص: 74.
([7]) ـ سورة الأعراف، الآية: 159.
([8]) ـ القرآن العظيم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير. تقديم: عبد القادر الأرناؤوط، دار الفيحاء، دمشق ـ دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ، 1994م، ج2، ص: 252.
([9]) ـ سورة البقرة، الآية: 133.
([10]) ـ ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج3، ص: 100.
([11]) ـ م.س، ج3، ص: 100؛ وعن تأويل الطبري لهذه الآية، أخذ ابن كثير الرأي نفسه؛ ينظر في ذلك: تفسير القرآن العظيم. ابن كثير. ج2، ص: 255.
([12]) ـ سورة البقرة، من الآية: 142.
([13]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج3، ص: 141.
([14]) ـ ينظر: م.س، ج3، ص: 142.
([15]) ـ م.س،ج3،ص:141.
([16]) ـ هو شيخ الطبري، كثرت رواية الطبري عنه.
([17]) ـ الحديث نقله ابن كثير في تفسيره؛ ينظر: ج2، ص: 261.
([18]) ـ تفسير القرآن العظيم. ابن كثير. ج2، ص: 261.
([19]) ـ سورة البقرة، من الآية: 211.
([20]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج4، ص: 275.
([21]) ـ م.س،ج4،ص:276.
([22]) ـ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج2، ص: 338.
([23]) ـ ينظر: م.س،ج4،ص:277 ـ 278.
([24]) ـ ينظر: م.س،ج4،ص:.277 ـ 278
([25]) ـ سورة آل عمران، من الآية: 110.
([26]) ـ ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج7، ص: 100.
([27]) ـ ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري. ج7، ص: 100.
([28]) ـ جامع البيان في تأويل القرآن. الطبري.ج7، ص: 120.
([29]) ـ ولعل الشيخ الطاهر بن عاشور يذهب هذا المذهب، الطبري. ج7، ص: 120.
ـ ولعل الشيخ الطاهر بن عاشور يذهب هذا المذهب، إذ يؤكد في تفسيره بأن المراد بـ(أمة)، عموم الأمم كلها من أمة الإسلام على تعاقب الأزمنة؛ ينظر: التحرير والتنوير. الطاهر بن عاشور. ج4، ص: 50.
([30]) ـ وهنا لا داعي لعرض الآيات الدالة على ذلك كلها، ولكن يمكننا الإشارة إليها فقط على سبيل المثال، وهي: الآية: 113 من سورة آل عمران، والآية: 50 من سورة المائدة، والآية: 93 من سورة النحل، والآية 91 من سورة الأنبياء، والآية: 53 من سورة المؤمنون، والآية: 22 من سورة القصص، والآية: 6 من سورة الشورى، والآية: 21 و22 من سورة الزخرف...
([31]) ـ الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير. د.محمد بن محمد أبو شهبة. ص: 82.
([32]) ـ سورة البقرة، من الآية: 127.
([33]) ـ التفسير الكبير. الفخر الرازي. دار الكتب العلمية. طهران. الطبعة الثانية. (د.ت)، ج4، صك 61.
([34]) ـ اسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ حسب مواليدهم هي: نبايوت، بكر إسماعيل، وقيدار وأدبئيل، ومبسام ومشماع، ودومة ومسا وحدار، وتيما، ويطور، ونافيش وقدمة. ينظر: الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد). دار الكتاب المقدس في العالم العربي. سفر التكوين، الإصحاح 25: 12 ـ 15.
([35]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. محمد بن أحمد القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الثانية ، 1373 هـ 1954م، ج2، ص: 136.
([36]) ـ سورة البقرة، من الآية: 142.
([37]) ـ ينظر: التفسير الكبير. الرازي. ج4، ص: 97.
([38]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي، ج2، ص: 154.
([39]) ـ سورة البقرة، من الآية: 211.
([40]) ـ التفسير الكبير. الرازي. ج6، ص: 11.
([41]) ـ م.س،ج6،ص:14 .
([42]) ـ سورة البقرة، الآية: 104.
([43]) ـ التفسير الكبير. الرازي. ج8، ص: 167؛ كما ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي، ج4، ص : 165.
([44]) ـ سورة آل عمران، من الآية: 110.
([45]) ـ التفسير الكبير. الرازي. ج8، ص: 177.
([46]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. ج4، ص: 170.
([47]) ـ سورة المائدة، من الآية: 50.
([48]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الأولى. 1357هـ، 1938م، ج6، ص: 211 كما ينظر: التفسير الكبير. الرازي. ج12، ص13.
([49]) ـ سورة الأعراف، الآية: 159.
([50]) ـ ينظر: الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. دار الكتب المصرية بالقاهرة. الطبعة الثانية، 1380م، ج7، ص: 306.
([51]) ـ سورة النحل: الآية: 120.
([52]) ـ ينظر: التفسير الكبير. الرازي. ج20، ص: 135.
([53]) ـ من جملة تلك الشروط التي اشترطت: ألا يدعي المفسر أن ما أتى به من تأويل باطني هو وحده دون ظاهره، وأن ما أتى به لا يتعارض مع الشرع، سواء أكان نقلاً أو عقلاً، وألا يكون تفسيره منافياً لظاهر النظم القرآني، كما يجب أن يكون فيما يذهب إليه، من شاهد شرعي يؤيده؛ ينظر: التعبير الفني في القرآن. د.بكري شيخ أمين. دار الشروق، ص: 124.
([54]) ـ سورة البقرة، الآية: 133.
([55]) ـ وهو أن يرى العبد ذاته متصلة بالموجود الأحدى، وألا يتقيد بوجود نفسه، وأن يرى السالك المدد والجود من غير انقطاع حتى يبقى الموجود باقياً بالله؛ ينظر: معجم مصطلحات الصوفية. د.عبد المنعم الحفني. دار المسيرة، بيروت الطبعة الأولى، 1400 هـ، 1980م، ص: 10.
([56]) ـ لطائف الإشارات. القشيري. تحقيق: د.إبراهيم بسيوني، دار الكتاب العربي بالقاهرة، ج1، ص: 143.
([57]) ـ سورة البقرة، الآية: 142.
([58]) ـ القطب: هو موضع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان، ويسمى بالغوث أيضاً، باعتبار التجاء الملهوف إليه، ويسمى أيضاً، بقطب العالم، وقطب الأقطاب، والقطب الأكبر، وقطب الإرشاد، وقطب المدار؛ ينظر: معجم مصطلحات الصوفية. د.عبد المنعم الحفني، ص: 217 ـ 218.
([59]) ـ لطائف الإشارات. القشيري، ج1، ص: 145.
([60]) ـ سورة البقرة، من الآية: 104.
([61]) ـ لطائف الإشارات. ج1، ص: 270.
([62]) ـ سورة آل عمران، من الآية: 110.
([63]) ـ لطائف الإشارات. القشيري. ج1، ص: 282.
([64]) ـ سورة الأعراف، الآية: 182.
([65]) ـ لطائف الإشارات. القشيري. ج2، ص: 287.
المصدر :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 96 - السنة الرابعة والعشرون - كانون الأول 2004 - شوال 1425