أحمد العمراني
New member
مفهوم أصول التفسير من خلال كتاب
" دراسات في أصول التفسير "
للدكتور محسن عبد الحميد.
" دراسات في أصول التفسير "
للدكتور محسن عبد الحميد.
تقديم:
كثيرة هي العلوم التي تحتاج إلى تحديد مصطلحاتها تحديدا علميا ممنهجا، بغية التوصل إلى فهمها بعمق ووعي كاملين، خاصة العلوم الاسلامية التي من بينها " علم التفسير ".
هذا العلم الذي رغم الاهتمام الذي حظي به منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الآن، لم تضبط مصطلحاته ضبطا كليا ومحكما، بل لا يزال هناك خلط في بعض مصطلحاته، خلط يظهر جليا في التداخل الحاصل بينها، وفي الصعوبات التي يجدها القارئ والباحث عند التحقق منها.
وسيهتم هذا العرض بتقديم بعض التوضيحات حول مصطلح واحد مرتبط ارتباطا تاما بهذا العلم، ألا وهو مصطلح أصول التفسير .
1- تحديد المفهوم لغة واصطلاحا: أصول التفسير مركب تركيبا إضافيا (أصول) وهو مضاف و(التفسير) مضاف إليه، ولتحديد هذا المركب يتعين تحديد المضاف بحكم معرفتنا للمضاف إليه لسبق دراسته وتوفر تعاريفه .
أ-الأصول لغة: الأصول جمع أصل، قال ابن فارس:" الهمزة والصاد واللام ثلاثة أصول يتباعد بعضها من بعض، أحذها أساس الشيء"[1]، وهو المقصود. وجاء في تاج العروس"... أصل الشيء ما يستند وجود ذلك الشيء إليه..." وقال:" أصل كل شيء قاعدته" وقال غيره: " الأصل ما ينبغي عليه غيره "[2]. وقال ابن منظور:" الأصل أسفل كل شيء ".[3]
من هذه المعاني اللغوية نستخلص أن الأصل عبارة عما يفتقر إليه، فهو الأساس والقاعدة وما يبني عليه غيره.
2- الأصول اصطلاحا: أما في الاصطلاح فيطلق (الأصل) كما ورد في الكليات على: "الراجح بالنسبة للمرجوح، وعلى القانون والقاعدة المناسبة المنطبقة على الجزئيات، وعلى الدليل بالنسبة للمدلول، وعلى ما ينبني عليه غيره، وعلى المحتاج إليه، وعلى ماهو الأولى..".[4]
كما يطلق الأصل على الكتاب الذي يرجع إليه المؤلف والمصدر الذي يعتمد في تأليفه.[5]
في ضوء هذه التعاريف يتضح أن مصطلح "أصل" تتداخل فيه مصطلحات أخرى كالقواعد والمصدر والوجهان والدليل.
فالأصول إذن هي القواعد الكلية العامة المعتمدة، قال أبوهلال: " وحقيقة أصل الشيء ما كان عليه معتمده ".[6]
وإذا كانت الأصول هي المعتمدة، فهي بالضرورة يحتاج إليها ولا يقوم أي شيء عليها وهي الراجحة إذا وقع الترجيح بينها وبين غيرها.
وكل هذه المعاني توضح أن الأصول عبارة عن قواعد عامة جامعة ومانعة.
بناء على كل من التعاريف ، يطرح سؤال، وهو ماذا نعني بأصول التفسير ؟.[7]
تحديد مفهوم اصول التفسير : أصول التفسير عبارة عن القواعد العامة التي ينبني عليها التفسير ويعتمدها، وعلم أصول التفسير هو العلم الذي يبين المناهج التي انتهجها وسار عليها المفسرون الأوائل في استنباط الأسرار القرآنية عند تعاملهم مع كتاب الله. فهو إذن مجموعة من القواعد والأصول العامة الذي تبين للمفسر طرق الاستنباط، وتكشف له مراتب الحجج والأدلة من آياته الكريمة بحسب الطاقة البشرية.[8]
ويقسم الدكتور محسن عبد الحميد أصول التفسير إلى ثلاثة: أصول لغوية، وأصول نقلية، وأصول عقلية .
2- أقسام الأصول:
أ- الأصول اللغوية: هي القواعد الكلية اللغوية التي استمدها علماء الأصول مما تقرر عند أئمة اللغة العربية في دلالة الألفاظ والأساليب على المعاني.
ولأن القرآن نزل بلغة العرب كان لابد لفهمه من مراعاة مقتضى الأساليب في اللغة العربية، ومراعاة أخيلتها ومصطلحاتها وقواعدها.
فبدون معرفة اللغة العربية وموضوعاتها، يحجب تفسير شيء من كلام الله، بل لا يجوز البتة كما روي عن التابعي مجاهد بن جبر رحمه الله، حيث قال:" لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عالما بلغات العرب "[9].
بل إن التقصير فقط في المعرفة باللغة قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، كما جرى للباطنية الذين غالوا في تفاسيرهم حتى اعتبرت مذمومة. قال الشاطبي:" فالذين أخذوا (تفسير القرآن) على التفريط قصروا في فهم اللسان الذي جاء به وهو العربية، فما قاموا في تفهم معانيه، ولا قعدوا كما تقدم عن الباطنية وغيرها".[10]
ومعرفة اللغة لا تتم إلا بالاطلاع على علومها؛ من علم النحو والبلاغة بأنواعها، وعلم التصريف والاشتقاق، وكذا الاطلاع الجيد على شعر العرب وأدبهم".[11]
ولقد وجد الأصوليون أن لعلاقة اللفظ بالمعنى عدة اعتبارات، فنظموا بحوثهم اللفظية على أساسها، فكانت أربعة تقسيمات درجوا عليها جميعا وهي كالتالي:[12]
-باعتبار وضع اللفظ للمعنى، ويشمل هذا القسم: العام والخاص، الأمر والنهي، المطلق والمقيد، والمشترك والمؤول...
-باعتبار دلالة اللفظ على المعنى، ويدرس هذا القسم: عبارة النص، إشارة النص، دلالة النص، اقتضاء النص (عند الحنفية) المنطوق والمفهوم، مفهوم المخالفة (عند الشافعية).
-في ظهور المعنى وخفائه ويهتم هذا القسم ب: ظهور المعنى الظاهر، النص والمفسر والمحكم..، وخفاء المعنى: الخفي، والمشكل والمجمل والمتشابه. ويهتم كذلك بالبيان وأنواعه.
-استعمال اللفظ في المعنى، ويتناول الحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، وحروف المعاني.
هذه بإذن نظرة موجزة عن الأصول اللغوية التي تندرج في القسم الأول من أصول التفسير، وهي قواعد كلية يُتوصل بها إلى فهم مراد الله، وهي ذاتها التي يستعملها الأصوليون في استنباط الأحكام.
ب- الأصول النقلية: وقد حددها الدكتور محسن عبد الحميد في ثلاثة: القرآن، والسنة، وتفسير الصحابة.
*القرآن الكريم: وهو من الأصول النقلية الأولى التي يُعتمد عليها في التفسير، بحيث إن تفسير القرآن بالقرآن يقتضي ضرورة النظر فيه أولا، والتعامل معه قبل أي مرحلة أخرى، ليتم فهم مراد الله كما جاء عن الله. هذا ما يسمى بتفسير القرآن بالقرآن. ومن ذلك:
-شرح ما جاء موجزا بما جاء مفصلا .
-حمل المجمل على المبين..
-حمل المطلق على المقيد.
- حمل العام على الخاص.
-جمع ما يتوهم أنه مختلف .
-حمل بعض القراءات على غيرها (سواء اختلفت معها في اللفظ واتفقت في المعنى) او اختلفت معها بالزيادة والنقصان).
-معرفة الآيات الناسخة والمنسوخة.
- تفسير إشكال معين والبحث في القرآن عن إيجاد جواب له.
- تفسير آية في موضوع معين ( وهذا يتطلب جمع الآيات التي تشترك معها في الموضوع للوصول إلى الرأي الصحيح).[13]
وهكذا يتبين لنا أن القرآن وحدة متكاملة ومترابطة، بعضه يتمم البعض الآخر، وأنه لابد لطالب تفسيره أن يُعنى ويخوض في أسراره أولا، ثم ينطلق إلى ما وراء ذلك ثانيا.
*- السنة النبوية: تعتبر السنة النبوية الصحيحة الأصل النقلي الثاني من أصول التفسير، حيث يقول الدكتور محسن عبد الحميد:" ومن المعلوم بالضرورة عند محققي علماء الأمة من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين أن السنة تفسر القرآن".[14]فهي كما يقول الشاطبي: " تفصيل مجمله وبيان مختصره".[15]
وحجيتها مستفادة من الكتاب والسنة وآثار السلف .
قال تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾. النحل/44. وقال صلى الله عليه وسلم:" لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه المر كما أمرت به أو نطيق عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ".[16] وقال الشافعي:" وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على خاصه وعامه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه ولم يجعل هذا لأحد من خلفه غير رسوله ".[17]
وقد وقع خلاف بين العلماء حول المقدار الذي بينته السنة، أكان شاملا أم جزئيا؟. والمتأمل لأدلة الفريقين لا تخفى عليه مغالات الطرفين.
فالرسول عليه الصلاة والسلام وإن كان مأمورا بالبيان لم يؤمر ببيان الكل، بل كان يبين بعض المغيبات التي أخفاها الله على المسلمين وأطلعه عليها وأمره ببيانها لهم، كما فسر لهم بعض ما يدفع إلى الاجتهاد كبيان المجمل، وتخصيص العام، وتوضيح المشكل، وما إلى ذلك من كل ما خفي معناه والتبس المراد به.
وبحكم ارتباط السنة بالكتاب ارتباط المبيَن بالمبين، كان للسنة عدة أوجه في هذا البيان، حددها الأصوليون في ثلاثة أنواع.
قال الشافعي:" لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه: أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب، والآخر: ما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد، وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما، والثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب ".[18]
*- تفسير الصحابة: من المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم وخاصة العلماء منهم كانوا أعلم الناس بكتاب الله وبتفسيره، فبلغتهم نزل وقد عرفوها وفقهوا ألفاظها وأساليب تعبيرها بالإضافة إلى ما شاهدوا من القرائن والأحوال التي رافقت نزول الوحي مما يجعل فهمهم أدق وأتم.
من هذا اعتبر تفسير الصحابة من الأصول النقلية الثابتة التي يجب الرجوع إليها حتى لا يجانب الصواب.
وقد وقع خلاف بين العلماء حول قبول تفسير الصحابي وحجيته بحيث ذهبوا جميعا إلى قبوله إذا كان في المسائل النقلية الصرفة التي لا مجال للرأي فيها. أما إذا دخل في الاجتهاد، فإن جمهور الأصوليين ذهبوا إلى عدم اعتباره حجة في المسائل الاجتهادية[19].
يقول الزركشي: "ينظر في تفسير الصحابين فإن فسره من حيث اللغة فهم أصل اللسان فلا شك في اعتماده، وإن فسره بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك".[20].
كما يعضد ما ذهب إليه هؤلاء، ما أشار إليه ابن قيم الجوزية من وجوب اتباع أقوال الصحابة والاعتداد بها معللا ذلك بخمسة أوجه.[21]
وقال بعد شرحها بأن هناك وجها سادسا وهو: " أن يكون فُهم ما لم يرده الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأخطأ في فهمه، والمراد غير ما فهمه، وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة ".[22]
وحتى في اجتهادهم تباينت الآراء، فمن العلماء من ذهب إلى عدم الأخذ به لكون المجتهد يخطئ ويصيب، والصحابة يجتهدون.
ومنهم من ذهب إلى الأخذ به مدللا ذلك بظن سماعه له عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولأنهم إن فسروا برأيهم، فرأيهم أصوب لدرايتهم بكتاب الله.
أما في حالة تعارض أقوال الصحابة مع بعضهم في تفسير بعض الألفاظ أو اختلافهم في ذلك اختلاف تنوع، فإن أمكن الجمع فذاك، وإن تعذر ذلك ينظر في دليل كل واحد منهم، ويؤخذ بأقوى الأدلة في حدود ضوابط الترجيح المعروفة عند العلماء.[23]
3- الأصول العقلية: هي الأصول الثالثة من أصول التفسير وتشكل أصلا ثابتا، يعبره كل من يرغب في الوصول إلى كنه معاني الكتاب بواسطة ما وهبه الله من نعمة العقل يستعين به على الاجتهاد.
حيث إنه بواسطة هذا الأصل تدرك كثير من حقائق القرآن وتستنبط أحكامه وحكمه.
ولقد دعا القرآن إلى التدبر والتفكر، فقال تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ﴾.النساء/82.
وقال سبحانه :" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها".محمد/24.
وقال الشافعي: " إن الله جل ثناؤه من على العباد بعقولهم، فدلهم على الفرق بين المختلف، وهداهم السبيل إلى الحق نصا دلالة ".[24]
وقد اختلف العلماء حول حجية تفسير القرآن بالعقل، وانقسموا إلى قسمين أو صنفين؛ مانعين ومجيزين.
ولكن ورغم اختلافهم فللعقل قيمته ومكانته في التشريع الإسلامي شريطة أن يضبط استعماله في ظل القواعد الأصولية للتفسير المتمثلة في الأصول النقلية واللغوية السابقة ذكرها، حتى لا يضل وينحرف .
بالإضافة إلى الاطلاع على العلوم القرآنية والمباحث الأصولية الكلامية والفقهية المتعلقة بمعاني الآي، مع اجتناب إخضاع القرآن لمذاهب أو أفكار معينة بالتحريف والإهمال.[25]
من خلال ما تمت دراسته، يتبين أن مبحث أصول التفسير له أهميته في الدراسات التفسيرية ومباحث علوم القرآن، لم يوف بعد كامل ما يستحق من بحث وتنقيب، والحاجة آكد الى مثل هذه التحديدات ، وهو المعول على الباحثين والمتخصصين ، فحي على العمل ، ومن عزم فليتكل على الله .
د/ أحمد بن محمد العمراني. الجديدة المغرب.
ـــ الحواشي ــــ
[1] -مقايس اللغة لابن فارس:1/403.
[2] -تاج العروس للزبيدي: 7/206/207 .
[3] -لسان العرب مادة أصل. وتهذيب اللغة :12/240.
[4]-الكليات لأبي البقاء الكفوي:7/168.
[5]-منهج البحث الأدبي عند العربصص:79.لجودت الركابي.
[6]-الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص:133.
[7]-لم أشأ التحدث عن مصطلح التفسير من حيث اللغة والاصطلاح ، فهو معلوم عند أهل الاختصاص.
[8]-أصول التفسير لكتاب الله المنير لخالد عبد الرحمان العك:ص:7.
[9]-البرهان للزركشي :1/292.
[10]-الموافقات للشاطبي:3/409.
[11]-دراسات في أصول التفسير لمحسن عبد الحميد :ص:.23 وما بعدها...
[12]-المرجع نفسه..
[13]-التفسير والمفسرون للذهبي 1/37/41.
[14]-دراسات في أصول التفسير :117.
[15]-الموافقات : 4/12.
[16]-سنن ابي داود:2/610/4605، وصححه الألباني .
[17]-الرسالة :45.
[18]-التفسير والمفسرون:1/54.
[19]-أصول الفقه للخضري:357.
[20]-البرهان:2/172.
[21]- أعلام الموقعين لابن القيم:4/148.
[22]- أعلام الموقعين لابن القيم:4/148.
[23]-دراسات في أصول التفسير :134/136.
[24]-الرسالة :218.
[25]-دراسات في أصول تفسير القرآن الكريم :23/32.