يوسف السناري
New member
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أما بعد..
فهذه سلسلة من الإغارات التي قد هممت أن أعتلي فيها فرسا جوادا، دارعا ومستلئما بكل ما ينبغي للمغير أن يحمله في إغارته على ثغر من ثغور الحي.
قد أزمعت أمري فيها بالإغارة على كتائب الكتبية الأشرار، وأترضى فيها على الكتبية الأطهار.
ولكي تعرف أخي القارئ منهجي فأقول لك:
الكتبية عندي قسمان: أطهار أبرار، وفجار أشرار، أقول ذلك: لأن بعض الأفاضل نصحني بأن أقول بعض الأشرار، لكن أرى أن كلامي بذكر الأشرار يفهم منه أن هناك أطهارا، وهأنذا أصرح بذلك لك أخي المتابع حتى أقي نفسي الحرج.
فرضي الله عن الكتبية الأطهار، وهدى الله الكتبية الأشرار.
______
أنا والسفر المدلّل الأوّاب:
هجرني أحد الأسفار القديمة وملّني؛ لطول صحبتي له وشكاني إلى أحد جدران غرفتنا، فخرج الجدار من صمته. وقال للسِّفْر: ويحك! ألم تعلم أن صاحبك رجل أسيف ولا يتعدّى أسفه ركازَ (دفين) نفسِه؟!
لِمَ هجرته بعد طول صحبة؟
قال له: إنه يكثر من وشمي فلا تعنّ له خاطرة إلا واستطال بمداده عليَّ، كثيرٌ ظلُّه لا يجعلني أرى إلا إياه، وأنا سفرٌ رضيع أحتاج إلى رعاية أهلي وإنه يجعلني أهجرهم الليل وأكثر النهار.
فقال له الجدار: ويحك أيها الجاحد لنعم صاحبك!
ألم تكُ عند أحد الكتبية الأشرار فاستنقذك من سوء معاملته لك؟!
ألم ينفض عنك التراب ويحلّكَ بحلّة قشيبة، وقرّطك بقرطٍ مذهّبٍ يسر الناظرين، بعدما كنت بغلافك الرقيق تشكو الأرضة والمياه الآسنة، فأكرمك وأحسن نزلك؟
وجلس يعدد محاسني ومناقبي عليه.
فأزّ أزيزا حثيثًا وأجهش في البكاء بعبرة وتجمجم (كلام لا يفهم) ففهمت بعد ذلك أنه يقول لي: سامحني يا عمّاهُ سامحني يا عمّاهُ، فعانقته بغير عتاب وأنا أقول له: مرحبا بطفلي المدلّل الأوّاب، لا أذن الله ببيننا (فراقنا).
كتبتُه في سفرة إلى أحد الكتبية الأشرار
______
زيارتي لأحد الكتبية الأشرار:
مررت برواق أحد الكتبية الأشرار ذات يوم فحملتني نفسي أن أدخل بيت هذا الشرير فبينما أنا أتتَّبعُ أحدَ كتبِها راعني مجموعةُ كتب، ذاتِ لسان قديم، فما أن اقتربتُ إلا وسمعت صوتا يخرج من بينها يقول: يا عماه يا عماه. فقلتُ: -سبحان الله- سفرٌ يتكلم!
قال السفرُ: فاض الكيل وطمّ الماء وطفح. قلتُ: ولمَ؟ قال: عاهدني أن تكتم أمري فما أعلم عنك إلا خيرا ولا يأتي ذكرُك في أنديتنا وأسمارنا إلا قولنا: «رضي الله عن المغير»، «رضي الله عن المغير»، «رضي الله عن المغير» ثلاثا.
قال المغير: عاهدتُك أيها السفر الطاهر. قال السفر: إن هذا الكتبي الشرير تأتيه الناس؛ لتبيع بعض كتبها التي زهدوا فيها فما أن يراها إلا وعدّد مثالبها وعدم نفعها وعدم حفاوة الناس بها! حتى يأخذها بأقل الأثمان كما يشتري الناس ورق الصحف وصنوها. فما أن يأخذها إلا نمكث عنده سنين عددا؛ لأنه يضاعف ثمنها إلى سبعمائة ضعفها مطبِّقًا آية الزكاة والصدقة علينا، يضاهي ربنا -لا بارك الله فيه-. فما أن يسمع باغي السفر ثمنها إلا وانهال علينا بالسباب واللعان بسبب هذا الكتبي -لا كثر الله أمثاله-.
كتبه أبو عبد الرحمن في سفره إلى أحد الكتبية الأشرار.
_________
الفريسة التي دبغ إهابها:
إن لكتائب الكتبية الأشرار أمرا عجبا: ما أن يسمعوا بمكتبة رجل أراد بيعها في مشارق الأرض أو مغاربها إلا وشدوا آبالهم إليها وحملوا معهم الزاد والزواد، وكل امرئ منهم يظعن (يرحل) ظانّا أنه هو مكتشفها الأول، فما أن يذهب إلى موطن الفريسة التي قد دبغ إهابها، وذُهّب جلدها إلا ووجد كتائب الكتبية غير الأطهار يصففنَ ينتظرنَ أن يأتي الجلاء بظفر ثمين وفي نفس كل امرئ منهم لصاحبه: (ما الذي أتى بك يا لعين). (ابتسامة).
حدثني بذلك أحد الكتبية غير الأطهار.
______
مخازن الكتبية:
مخازن الكتبية وما أدراك ما مخازن الكتبية!
دائما في حياتي مع الكتب والكتبية أسعى إلى مخازنهم ففيها من الخير الكثير والكثير.
فعندي مصحف شريف (مر عليه 130سنة) حصلت عليه في إحدى مخازن المكتبات العتيقة واستنقذته من ركام الأتربة والأرضة، حسست حينها بحالة من السعادة يعجز صدري أن يبين عنها.
______
كن مع الكتبي درويشا من الدراوشة:
حينما تذهب لكتبي من الكتبية القديمة فإياك أن يلحظ منك معرفة بشؤون الطبعات ودور النشر، اجعل نفسك أجنبيا أعجميا أمامه لا يقرأنَّ في وجهك أنك تعلم ما تصفحته يداك، فكن معه درويشا من الدراوشة، أو مجذوبا من مجاذيب الصوفية.
أذكر أني كنت عند أحدهم فأسأله عن ثمن كتاب فيتبعه بقوله: «هو طبعة أولى». فأصدمه بقولي: «لا يوجد طبعة ثانية أو ثالثة أقل ثمنا» فيعرف أني طيبٌ فلا يرفع علي ثمنه.
______
منحة من الله:
أذكر أنني مرة اشتريت مخطوطة من كتبي فحل بـ 25 جنيها (4 دولار) كان يريد التخلص منها، أخذتها مع بعض الكتب القديمة وهي ما زالت عندي لا حرمني الله رؤيتها بالغدو والآصال.
____________
عصا مكتبة صبيح:
دخلت مرة على مكتبة صبيح القديمة فوجدت صاحبها واضعا عصى كبيرة بين مجموعة من الكتب فحملني الفضول على سؤاله فقال: هذه لبعض الزبائن !
فعلمت أن نظريتي صحيحة
______
فهذه سلسلة من الإغارات التي قد هممت أن أعتلي فيها فرسا جوادا، دارعا ومستلئما بكل ما ينبغي للمغير أن يحمله في إغارته على ثغر من ثغور الحي.
قد أزمعت أمري فيها بالإغارة على كتائب الكتبية الأشرار، وأترضى فيها على الكتبية الأطهار.
ولكي تعرف أخي القارئ منهجي فأقول لك:
الكتبية عندي قسمان: أطهار أبرار، وفجار أشرار، أقول ذلك: لأن بعض الأفاضل نصحني بأن أقول بعض الأشرار، لكن أرى أن كلامي بذكر الأشرار يفهم منه أن هناك أطهارا، وهأنذا أصرح بذلك لك أخي المتابع حتى أقي نفسي الحرج.
فرضي الله عن الكتبية الأطهار، وهدى الله الكتبية الأشرار.
______
أنا والسفر المدلّل الأوّاب:
هجرني أحد الأسفار القديمة وملّني؛ لطول صحبتي له وشكاني إلى أحد جدران غرفتنا، فخرج الجدار من صمته. وقال للسِّفْر: ويحك! ألم تعلم أن صاحبك رجل أسيف ولا يتعدّى أسفه ركازَ (دفين) نفسِه؟!
لِمَ هجرته بعد طول صحبة؟
قال له: إنه يكثر من وشمي فلا تعنّ له خاطرة إلا واستطال بمداده عليَّ، كثيرٌ ظلُّه لا يجعلني أرى إلا إياه، وأنا سفرٌ رضيع أحتاج إلى رعاية أهلي وإنه يجعلني أهجرهم الليل وأكثر النهار.
فقال له الجدار: ويحك أيها الجاحد لنعم صاحبك!
ألم تكُ عند أحد الكتبية الأشرار فاستنقذك من سوء معاملته لك؟!
ألم ينفض عنك التراب ويحلّكَ بحلّة قشيبة، وقرّطك بقرطٍ مذهّبٍ يسر الناظرين، بعدما كنت بغلافك الرقيق تشكو الأرضة والمياه الآسنة، فأكرمك وأحسن نزلك؟
وجلس يعدد محاسني ومناقبي عليه.
فأزّ أزيزا حثيثًا وأجهش في البكاء بعبرة وتجمجم (كلام لا يفهم) ففهمت بعد ذلك أنه يقول لي: سامحني يا عمّاهُ سامحني يا عمّاهُ، فعانقته بغير عتاب وأنا أقول له: مرحبا بطفلي المدلّل الأوّاب، لا أذن الله ببيننا (فراقنا).
كتبتُه في سفرة إلى أحد الكتبية الأشرار
______
زيارتي لأحد الكتبية الأشرار:
مررت برواق أحد الكتبية الأشرار ذات يوم فحملتني نفسي أن أدخل بيت هذا الشرير فبينما أنا أتتَّبعُ أحدَ كتبِها راعني مجموعةُ كتب، ذاتِ لسان قديم، فما أن اقتربتُ إلا وسمعت صوتا يخرج من بينها يقول: يا عماه يا عماه. فقلتُ: -سبحان الله- سفرٌ يتكلم!
قال السفرُ: فاض الكيل وطمّ الماء وطفح. قلتُ: ولمَ؟ قال: عاهدني أن تكتم أمري فما أعلم عنك إلا خيرا ولا يأتي ذكرُك في أنديتنا وأسمارنا إلا قولنا: «رضي الله عن المغير»، «رضي الله عن المغير»، «رضي الله عن المغير» ثلاثا.
قال المغير: عاهدتُك أيها السفر الطاهر. قال السفر: إن هذا الكتبي الشرير تأتيه الناس؛ لتبيع بعض كتبها التي زهدوا فيها فما أن يراها إلا وعدّد مثالبها وعدم نفعها وعدم حفاوة الناس بها! حتى يأخذها بأقل الأثمان كما يشتري الناس ورق الصحف وصنوها. فما أن يأخذها إلا نمكث عنده سنين عددا؛ لأنه يضاعف ثمنها إلى سبعمائة ضعفها مطبِّقًا آية الزكاة والصدقة علينا، يضاهي ربنا -لا بارك الله فيه-. فما أن يسمع باغي السفر ثمنها إلا وانهال علينا بالسباب واللعان بسبب هذا الكتبي -لا كثر الله أمثاله-.
كتبه أبو عبد الرحمن في سفره إلى أحد الكتبية الأشرار.
_________
الفريسة التي دبغ إهابها:
إن لكتائب الكتبية الأشرار أمرا عجبا: ما أن يسمعوا بمكتبة رجل أراد بيعها في مشارق الأرض أو مغاربها إلا وشدوا آبالهم إليها وحملوا معهم الزاد والزواد، وكل امرئ منهم يظعن (يرحل) ظانّا أنه هو مكتشفها الأول، فما أن يذهب إلى موطن الفريسة التي قد دبغ إهابها، وذُهّب جلدها إلا ووجد كتائب الكتبية غير الأطهار يصففنَ ينتظرنَ أن يأتي الجلاء بظفر ثمين وفي نفس كل امرئ منهم لصاحبه: (ما الذي أتى بك يا لعين). (ابتسامة).
حدثني بذلك أحد الكتبية غير الأطهار.
______
مخازن الكتبية:
مخازن الكتبية وما أدراك ما مخازن الكتبية!
دائما في حياتي مع الكتب والكتبية أسعى إلى مخازنهم ففيها من الخير الكثير والكثير.
فعندي مصحف شريف (مر عليه 130سنة) حصلت عليه في إحدى مخازن المكتبات العتيقة واستنقذته من ركام الأتربة والأرضة، حسست حينها بحالة من السعادة يعجز صدري أن يبين عنها.
______
كن مع الكتبي درويشا من الدراوشة:
حينما تذهب لكتبي من الكتبية القديمة فإياك أن يلحظ منك معرفة بشؤون الطبعات ودور النشر، اجعل نفسك أجنبيا أعجميا أمامه لا يقرأنَّ في وجهك أنك تعلم ما تصفحته يداك، فكن معه درويشا من الدراوشة، أو مجذوبا من مجاذيب الصوفية.
أذكر أني كنت عند أحدهم فأسأله عن ثمن كتاب فيتبعه بقوله: «هو طبعة أولى». فأصدمه بقولي: «لا يوجد طبعة ثانية أو ثالثة أقل ثمنا» فيعرف أني طيبٌ فلا يرفع علي ثمنه.
______
منحة من الله:
أذكر أنني مرة اشتريت مخطوطة من كتبي فحل بـ 25 جنيها (4 دولار) كان يريد التخلص منها، أخذتها مع بعض الكتب القديمة وهي ما زالت عندي لا حرمني الله رؤيتها بالغدو والآصال.
____________
عصا مكتبة صبيح:
دخلت مرة على مكتبة صبيح القديمة فوجدت صاحبها واضعا عصى كبيرة بين مجموعة من الكتب فحملني الفضول على سؤاله فقال: هذه لبعض الزبائن !
فعلمت أن نظريتي صحيحة
______