مع صفوة الأمة بعد نبها

إنضم
19/09/2004
المشاركات
85
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
مع صفوة الأمة بعد نبيها

الحلقة السابعة

[هئولاء حملة ديننا من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس هذا بدون تفكير ولا روية، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه إلينا نقيا صافيا ]

الإشادة بأبي بكر

فالنبي صلى الله عليه وسلم يشيد بأبي بكر في موقف بمكانه وزمانه وأحداثه التي لا تخفى أهميته على من له عقل راجح وذهن حي وهو يحترم الحقيقة والحق معا ولو كان هذا الذي هذه مواصفاته عدوا ... هؤلاء هم الذين يتوجه إليهم الخطاب ، ويرتجى منهم أن يستفيدوا منه لهؤلاء نكتب ونرجو لمن قصر عن هذه الصفات أن يرقى إليها ليستفيد مما يُكتَب ، ويقال ويُرى...

يقول الإمام العظيم البخاري :حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة وقال لي خليفة حدثنا محمد بن سواء وكهمس بن المنهال قالا حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صعد النبي e أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله( وقال اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان( [1]

تحريم سب الصحابة

حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت ذكوان يحدث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي e لا تسبوا أصحابي فلوا أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه تابعه جرير وعبد الله بن داود وأبو معاوية ومحاضر عن الأعمش[2]

وهو عام في جميع الصحابة كما هو معلوم في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

يقول ابن حجر : وقد سبق الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر عثمان أو علي وان الإجماع انعقد بآخرة بين أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم أجمعين قال القرطبي في المفهم ما ملخصه الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة اما عند الحق واما عند الخلق والثاني لا عبرة به الا إن أوصل إلى الأول ، فإذا قلنا فلان فاضل فمعناه أن له منزلة عند الله وهذا لا توصل إليه الا بالنقل عن الرسول فإذا جاء ذلك عنه ان كان قطعيا قطعنا به أو ظنيا عملنا به وإذا لم نجد الخبر فلا خفاء انا إذا رأينا من اعانه الله على الخير ويسر له أسبابه انا نرجو حصول تلك المنزلة له لما جاء في الشريعة من ذلك قال وإذا تقرر ذلك فالمقطوع به بين أهل السنة بافضلية أبي بكر ثم عمر ثم اختلفوا فيمن بعدهما فالجمهور على تقديم عثمان وعن مالك التوقف والمسالة اجتهادية ومستندها ان هؤلاء الأربعة اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه فمنزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة والله اعلم .[3]



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري 3/2348رقم 3483. والتجريد 2/56.

[2] -المرجع نفسه 3/1343رقم 3470

[3] - الفتح 7/ 34
 
مع صفوة الأمة بعد نبيها

مع صفوة الأمة بعد نبيها

الحلقة الثامنة ترتيب الصديق عند الصحابة الكرام

مكانة الصديق عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم معلومة ؛ في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأما مكانته بين الأصحاب فنذكر هنا بعض الأمثلة أحدهما للإمام علي والثاني لأنس رضي الله عنهما وأرضاهما ليتبين مكانة الصديق عند صفوة الأمة بعد الأنبياء ، ومن لم يكفه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عاليه وسلم وصفوة الأمة قلا شيء يكفيه .

قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : حدثني الوليد بن صالح حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي عن بن أبي مليكة عن بن عباس رضي الله عنهما قال إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله e يقول كنت وأبو بكر وعمر وفعلت وأبو بكر وعمر وانطلقت وأبو بكر وعمر فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب([1][1]

لقد كان الصديق أهلا لحمل الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم رضيه الله تعالى لعلمه بما سيفعله ذلك الخليفة العظيم بالحدث الجلل الذي حدث وهو الردة والمؤامرة الرهيبة على المدينة مهبط الوحي وعاصمة الإسلام الأولى ومع أن خلافته كانت قليلة ؛كانت سنتين انشغل بها كثيرا بحروب الردة وهي مسألة طبيعية أن يبدأ بتثبيت الأمر في داخل الجزيرة قبل أن يتوجه نحو الفتوحات بتوسع إلا إنه لم يغفل رضي الله عنه عن الفتوحات خارج الجزيرة بل لقد انفرد بالرأي في إمضاء جيش أسامة إلى خارج الجزيرة العربية كما سبق .. وقد بدأ بالفتوحات التي أكملها الفاروق حيث توفي ومعركة اليرموك في اللمسات الأخيرة لخوضها ؛ تلك هي وظيفة الخلافة الإسلامية ؛ دعوة الناس إلى الله تعالى لا تتوقف ... وقد أشارت بعض الأحاديث .. إلى ذلك

في بعض الرؤى وكان في (ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر إلى عدد ما نزعه من الدلاء وإنما وصف نزعه بالعظمة إشارة إلى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات والله اعلم وقد ذكر الشافعي تفسير هذا الحديث في الأم فقال بعد أن ساقه ومعنى قوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته انتهى فجمع في كلامه ما تفرق في كلام غيره ويؤيد ذلك ما وقع في حديث بن مسعود في نحو هذه القصة فقال قال النبي e فاعبرها يا أبا بكر فقال إلي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال كذلك عبرها الملك أخرجه الطبراني لكن في إسناده أيوب بن جابر وهو ضعيف قوله وفي نزعه ضعف أي انه على مهل ورفق قوله والله يغفر له قال النووي هذا دعاء من المتكلم أي انه لا مفهوم له وقال غيره فيه إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا فانها إشارة إلى قرب وفاة النبي e قلت ويحتمل ان يكون فيه إشارة إلى ان قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه لان سببه قصر مدته فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه . قوله فاستحالت في يده غربا بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي دلوا عظيمة قوله فلم ار عبقريا بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف مفتوحة وراء مكسورة وتحتانية ثقيلة والمراد به كل شيء بلغ النهاية واصله ارض يسكنها الجن ضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم وقيل قرية يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن وسيأتي بقية ما فيه في مناقب عمر قوله يفري بفتح أوله وسكون الفاء وكسر الراء وسكون التحتانية وقوله فرية بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتانية المفتوحة وروي بسكون الراء وخطأه الخليل ومعناه يعمل عمله البالغ ووقع في حديث أبي عمر ينزع نزع عمرا قوله حتى ضرب الناس بعطن بفتح المهملتين واخره نون هو مناخ الإبل إذا شربت ثم صدرت وسيأتي في مناقب عمر بلفظ حتى روي الناس وضربوا بعطن ووقع في حديث أبي الطفيل بإسناد حسن عند البزار والطبراني ان رسول الله e قال بينا انا انزع الليلة إذ وردت علي غنم سود وعفر فجاء أبو بكر فنزع فذكره وقال في عمر فملأ الحياض وأروى الواردة وقال فيه فاولت السود العرب والعفر العجم قوله قال وهب هو بن جرير شيخ شيخه في هذا الحديث وكلامه هذا موصول بالسند المذكور وقوله يقول حتى رويت الإبل فأناخت هو مقول وهب المذكور وسيأتي شيء من مباحثه في كتاب التعبير ان شاء الله تعالى قال البيضاوي أشار بالبئر إلى الدين الذي هو منبع ماؤه حياة النفوس وتمام أمر المعاش والمعاد والنزع منه إخراج الماء وفيه إشارة إلى اشاعة امره واجراء احكامه وقوله يغفر الله له إشارة إلى ان ضعفه المراد به الرفق غير قادح فيه أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة واختلاف الكلمة إلى ان اجتمع ذلك في اخر أيامه وتكمل في زمان عمر واليه الإشارة بالقوة وقد وقع عند احمد من حديث سمرة ان رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا من السماء دليت فجاء أبو بكر فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع الحديث ففي هذا إشارة إلى بيان المراد بالنزع الضعيف والنزع القوي والله اعلم.[2][2]

و حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال متى الساعة قال وماذا أعددت لها قال لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال أنت مع من أحببت قال أنس فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت قال أنس فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم .

وقوله فأنا أحب ألنبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ... إشارة إلى المرتبة التي كان أبو بكر يتبوأها عند الصفوة فهي الثانية بعد مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم

قال الإمام النووي (قوله e للذي سأله عن الساعة: ماأعددت لها قال حب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت وفي روايات : المرء مع من أحب فيه فضل حب الله ورسوله e والصالحين وأهل الخير الأحياء والأموات ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما واجتناب نهيهما والتأدب بالآداب الشرعية ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم وقد صرح في الحديث الذي بعد هذا بذلك فقال أحب قوما ولما يلحق بهم قال اهل العربية لما نفي للماضي المستمر فيدل على نفيه في الماضي وفي الحال بخلاف لم فإنها تدل على الماضي فقط ثم انه لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه قوله ما أعددت لها كثير ضبطوه في المواضع كلها من هذه الأحاديث بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة وهما صحيحان وقوله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة)[3]

--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحيح البخاري 3/1345.

[2] الفتح 7/39

[3] شرح النووي على مسلم 16/ 186.
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء

صفوة الأمة بعد الأنبياء

الحلقة التاسعة

خير أهل الأرض

حدثنا علي حدثنا سفيان قال عمرو سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال لنا رسول الله e يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة تابعه الأعمش سمع سالما سمع جابرا ألفا وأربعمائة [1]

هذا النص يدل على أن الصديق رضي الله عنه خير أهل الأرض بعد الأنبياء مع جميع من حضر الحديبية وكان معهم ؛ وعددهم ألف وأربعمائة بل الأصحاب جميعا كما أوضحت روايات أخرى وبعض الشروح وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وهو عنهم راض وبخاصة الصديق فقد بقيت خوخة أبي بكر مفتوحة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما سدت بقيتها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في مرض موته صلى الله عليه وسلم وهذا يرد على من يرى غير هذا ...

يقول ابن حجر في شرح حديث الشجرة (هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال لما كان بالحديبية قال النبي e لا توقدوا نارا بليل فلما كان بعد ذلك قال أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية وروى مسلم أيضا من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي e يقول لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث بن عمر لكن تقدم في حديث بن عمر المذكور أن النبي e بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الأرض بل كان في البحر والثاني جواب ساقط وعكس بن التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الأمر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل النبي e أهل الشجرة عليهم وقد قدمنا الأدلة الواضحة على ثبوت نبوة الخضر في أحاديث الأنبياء وأغرب بن التين فجزم أن إلياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي وهو ضعيف أعني كونه حيا وأما كونه ليس بنبي فنفى باطل ففي القرآن العظيم وان إلياس لمن المرسلين فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي قوله ولو كنت أبصر اليوم يعني أنه كان عمى في آخر عمره قوله تابعه الأعمش سمع سالما يعني بن أبي الجعد سمع جابرا ألفا وأربعمائة أي في قوله ألفا وأربعمائة وهذه الطريق وصلها المؤلف في آخر كتاب الأشربة وساق الحديث أتم مما هنا وبين في آخره الاختلاف فيه على سالم ثم على جابر في العدد المذكور وقد بينت وجه الجمع قريبا وقيل إنما عدل الصحابي عن قوله ألف وأربعمائة إلى قوله أربع عشرة مائة للإشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى إما بالنسبة إلى القبائل وإما بالنسبة إلى الصفات قال بن دحية الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل بالتخمين وتعقب بإمكان الجمع كما تقدم .[2]

وينبغي التنبه إلى القاعدة المعروفة في تقدير الناس لسابقتهم ولما قدموه ولو فرضنا جدلا أنه حدث أخطاء للبعض فإنهم غير معصومين وغيرخاف ما ورد من الأدلة على هذا والتي منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله e كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه[3]

وهي قاعدة مدعمة بالأدلة من الكتاب والسنة وسيأتي منها شيء في الحلقات القادمة _إن شاء الله - .

وعلى كل حال فإن صفوة الأمة رضي الله عنهم أجمين مشهود لهم بالخير وحيا وعقلا وهو واضح أبلج لمن وفقه الله تعالى فهداه إلى الصواب اللهم اجعلنا وجميع المسلمين منهم .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري 4/ 1526رقم 3923

[2] - الفتح 7/ 443-444 .

[3] - المستدرك 4/ 272رقم 7617.
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 10، 11

صفوة الأمة بعد الأنبياء 10، 11

الحلقة العاشرة
مبشرون بالجنة
[الصحابة والعلماء إلى أن تقوم الساعة هم حملة ديننا ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون تفكير ولا روية، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]
وفي الحديث الصحيح الآتي بيان لبطلان ما يدعي البعض من أنه لم يبق على النهج بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بضعة منهم فأهل بدر قد بشروا بالجنة وبقي منهم عدد كبير أولهم الصديق رضي الله عنه وعن جميع الصحابة ، وأهل الحديبية كذلك وهذه الأحاديث وصلت إلينا بالطرق العلمية للنقل لا يتطرق إليها شك ... ولقد بقي جميع الأصحاب يناصرون هذا الدين حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها فتلك قبورهم في أقاصي الدنيا لم يخرجهم مال ولا جاه ولا شيء من متعلقات الدنيا الفانية ودليل صدق ذلك دخول البلاد المفتوحة الإسلام وبقائه فيهم إلى اليوم ... ولو كانوا يريدون مصالح آنية من الدنيا لانتهوا كما انتهى وينتهي أصحاب المصالح الآنية ولما بقي للإسلام بقية ...لقد ورّثوا الإسلام وبقي الإسلام القرون الطويلة المتعددة وهذا سر بقاء هذا الدين العظيم فلم تكن فتوحاته لمصالح آنية ولتطبيق رغبات أشخاص تنتهي آثارها بموتهم أو بدحرهم وخروجهم ولكنها فتوحاتأسست على تقوى من الله تعالى وإخلاص أولئك البررة الذين تشربوا تربيتهم من كتاب الله تعالى بتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وبقيت حية في جميع المراحل والعصور إلى يومنا هذا لا يضرها من خالفها أو وقف تجاهها ... يقول الإمام العظيم الإمام البخاري راويا قصة حاطب والتي كان من نتائجها الجميلة بيان فضيلة أهل بدر وكانت سببا في تعضيد القاعدة العظيمة (حق أهل السابقة ) :
حدثنا يوسف بن بهلول حدثنا بن إدريس قال حدثني حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال :
بعثني رسول الله  والزبير بن العوام وأبا مرثد الغنوي وكلنا فارس فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين قال فأدركناها تسير على جمل لها حيث قال لنا رسول الله  قال قلنا أين الكتاب الذي معك قالت ما معي كتاب فأنخنا بها فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا قال صاحباي ما نرى كتابا قال قلت لقد علمت ما كذب رسول الله  والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك قال فلما رأت الجد مني أهوت بيدها إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الكتاب قال فانطلقنا به إلى رسول الله  فقال ما حملك يا حاطب على ما صنعت قال ما بي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله وما غيرت ولا بدلت أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس من أصحابك هناك إلا وله من يدفع الله به عن أهله وماله قال صدق فلا تقولوا له الا خيرا قال فقال عمر بن الخطاب إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فأضرب عنقه قال فقال يا عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة قال فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم

شرح ابن حجر
قوله باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن أورد فيه حديث علي في قصة المرأة التي كتب معها حاطب إلى أهل مكة ومناسبته للترجمة ظاهرة في رؤية الشعر من قوله في الرواية الأخرى فأخرجته من عقاصها وهي ذوائبها المضفورة وفي التجريد من قول علي لأجردنك وقد تقدم في باب الجاسوس من وجه آخر عن علي ويأتي شرحه في تفسير سورة الممتحنة وقوله في الإسناد عن أبي عبد الرحمن هو السلمي وقوله وكان عثمانيا أي يقدم عثمان على علي في الفضل وقوله فقال لابن عطية هو حبان بكسر المهملة وبالموحدة على الصحيح كما سيأتي في استتابة المرتدين وقوله وكان علويا أي يقدم عليا في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة قال بن المنير ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية لكن لما استوى حكمهما في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل وقال بن التين أن كانت مشركة لم توافق الترجمة وأجيب بأنها كانت ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة وقوله فأخرجت من حجزتها كذا هنا بحذف المفعول وفي الأخرى فأخرجته والحجزة بضم المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد الإزار والسراويل ووقع في رواية القابسي من حزتها بحذف الجيم قيل هي لغة عامية وتقدم في باب الجاسوس أنها أخرجته من عقاصها وجمع بينهما بأنها أخرجته من حجزتها فاخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى إخراجه أو بالعكس أو بان تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته بحجزتها وهذا الاحتمال أرجح وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون معها كتابان إلى طائفتين أو المراد بالحجزة العقدة مطلقا وتكون رواية العقيصة أوضح من رواية الحجزة أو المراد بالحجزة الحبل لأن الحجز هو شد وسط يدي البعير بحبل ثم يخالف فتعقد رجلاه ثم يشد طرفاه إلى حقويه ويسمى أيضا الحجاز .








الحلقة الحادية عشرة

الخطأ وارد
ومن الذي لم يخط قط ومن له الحسنى فقط

[الصحابة والعلماء إلى أن تقوم الساعة هم حملة ديننا ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون تفكير ولا روية، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]

من المسلمات في النهج السوي الذي يتواءم مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها أن الإنسان معرض لأخطاء تعتوره في سيرته في هذه الحياة فهو مركب من جسم وروح ويحمل شهوة ورغبات ناتجة عنها ، ويمر بلحظات تتراوح بين القوة والضعف ، والصعود والهبوط ، فيعلو الإنسان بالروح إلى مصاف الملائكة ، في أوقات تتجلى فيها مرحلة الصفاء ، وتهبط إلى الأرض عندما تنتابه فيها مراحل ضعف . فكان أن تضمن المنهج مراعاة ذلك وفتح باب التوبة على مصراعيه للأوبة ومراجعة النفس ، ولا تغلق أبواب التوبة حتى تقوم الساعة ، والوقوع في الخطاء تتفق مع قاعدة التوبة وإلا لما كان لوجود التوبة معنى ؛ هذا ألمنطلق في ذهن المؤمن السوي يقيه التيه التطبيقي العملي الذي ينحرف به عن النظرة السوية إلى الأمور فيقع في مضيعات الإفراط والتفريط والتبديع والتفسيق والشطط الذي يخرج عن الجادة ؛ فالصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ليسوا معصومين من الخطأ الذي لا يسلم منه أحد ولكنه خطأ يختلف عن خطأ غيرهم ممن أتى بعدهم لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعلهم خير القرون ... ولقد كان يحدث أخطاء في عصر النبوة وكان عليه الصلاة والسلام يعالجه ويسدد ما يبدر من أصحابه لكنه لم يكفر أحدا ولم يطرد أحدا ، ولم يبغض أحدا ولم ينتقص أحدا بل ورد النهي عن تناول العاصي بما يعين عليه الشيطان بل الأمر أكبر من ذلك حيث جاء النص بميزة الخطأ والتوبة منه ولو لم يكن ذلك لذهب بمن ليسوا كذلك وأتى بقوم يخطئون ويتوبون ... والعصمة من الخطأ فيما يتعلق بالدين للأنبياء عليهم السلام - فقط – ليبقى المنهج المنطلق من الوحي معصوما وأما غيرهم فليس أحد معصوما منه ، ومن انطلق من عصمة غيرهم فإنه يبني أحكامه وتصرفاته على انحراف عن النهج السوي والفطر السوية على أن الخليفة الأول الصديق خطأه نادر في سيرته الصحيحة والمواقف المتعددة . والأخطاء الواردة على سيرته رضي الله عنه تأويلات اجتهادية متعسفة من أصحاب الأهواء لا تثبت أمام البحث العلمي . وتصيد الأخطاء باب ولوجه سهل وميسور لمن ابتلي بهذا نسأل الله أن يحفظنا والمسلمين من ذلك .
قال الحاكم فيما رواه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله { كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون } هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
(قوله كل بن آدم خطاء أي كثير الخطأ أفرد نظرا إلى لفظ الكل وفي رواية خطاؤون نظرا إلى معنى الكل قيل أراد الكل من حديث هو كل أو كل واحد
وأما الأنبياء صلوات الله عليهم فإما مخصوصون عن ذلك وإما أنهم أصحاب صغائر والأول أولى فإن ما صدر عنهم من باب ترك الأولى أو يقال الزلات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان قاله القارىء وخير الخطائين التوابون أي الرجاعون إلى الله بالتوبة من المعصية إلى الطاعة )
وقد سبق أن الخطأ الجائز على الأنبياء إن وجد لا تعلق له الوحي .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 12

صفوة الأمة بعد الأنبياء 12

الحلقة الثانية عشر

خوخة أبي بكر دلائل وإيضاحات

[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]

بالإضافة إلى عدد من الدلالات الكثيرة ؛ التي ذُكر بعضها في الحلقات السابقة ؛ والتي تدل على مكانة الصديق ، ومنزلته من النبي صلى الله عليه وسلم في عمر الإسلام منذ أن بزغ فجره بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى أن كانت التهيئة للقاء الحبيب لربه سبحانه وتعالى ...وفي هذه الحلقة نستعرض دلالة أخرى على مكانة الصديق عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فهاهو الحبيب الذي لا يمكن أن ينسى معروف أحد ؛لم ينس معروف أبي بكر وحاشاه أن ينسى فمن يرقى إلى درجته صلى الله عليه وسلم في ميادين الوفاء والمعروف إلى من أسداه كما هو شأنه في جميع الصفات الحميدة ؛ يضرب فيها أروع مثل وأوفى مكيال ؛ هاهو يذكر ذلك لصاحبه مكانته في آخر لحظة له في هذه الحياة وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لقي الله تعالى وهو راض عن صاحبه الصديق ... وقد سد كل خوخة توصل إلى بيته عليه الصلاة والسلام ، غير خوخة الصديق رضي الله عنه مما يدل على علو منزلته ومرتبته وفي هذا وأمثاله إشارة إلى استحقاقه لتولي الخلافة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم...

قال الإمام البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت يعلى بن حكيم عن عكرمة عن بن عباس قال خرج رسول الله e في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر )[1]

وقال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبيد يعني بن حنين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله e جلس على المنبر فقال إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا له وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله e عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله e هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به وقال رسول الله e إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )[2]

قال النووي: قوله e عبد خيره الله بين ان يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى ابو بكر وبكى وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا هكذا هو في جميع النسخ فبكى ابو بكر وبكى معناه بكى كثيرا ثم بكى والمراد بزهرة الدنيا نعيمها وأعراضها وحدودها وشبهها بزهرة الروض وقوله فديناك دليل لجواز التفدية وقد سبق بيانه مرات وكان ابو بكر رضي الله عنه علم ان النبي e هو العبد المخير فبكى حزنا على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائما وإنما قال e إن عبدا وابهمه لينظر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق قوله e إن آمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر قال العلماء معناه أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله e في قبول ذلك وفي غيره قوله e ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام وفي رواية لكن أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا قال القاضي قيل أصل الخلة الافتقار والانقطاع فخليل الله المنقطع إليه وقيل لقصره حاجته على الله تعالى وقيل الخلة الاختصاص وقيل الاصطفاء وسمي إبراهيم خليلا لأنه والى في الله تعالى وعادى فيه وقيل سمي به لأنه تخلق بخلال حسنة وأخلاق كريمة وخلة الله تعالى له نصره وجعله إماما لمن بعده وقال بن فورك الخلة صفاء المودة بتخلل الإسرار وقيل أصلها المحبة ومعناه الإسعاف والألطاف وقيل الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله ومعنى الحديث أن حب الله تعالى لم يبق في قلبه موضعا لغيره قال القاضي وجاء في أحاديث انه e قال ألا وأنا حبيب الله فاختلف المتكلمون هل المحبة ارفع من الخلة أم الخلة ارفع أم هما سواء فقالت طائفة هما بمعنى فلا يكون الحبيب إلا خليلا ولا يكون الخليل إلا حبيبا وقيل الحبيب ارفع لأنها صفة نبينا e وقيل الخليل ارفع وقد ثبتت خلة نبينا e لله تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره واثبت محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وابنيها وغيرهم ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه هذه مباديها وأما غايتها فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث الصحيح فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره إلى آخره هذا كلام القاضي وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم سمعت خليلي e فلا يخالف هذا لان الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي e قوله e لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر الخوخة بفتح الخاء وهي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه وفيه فضيلة

وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه وفيه أن المساجد تصان عن تطرق الناس اليها...)[3]

وقال ابن حجر (وبين حديث بن عباس أيضا أن ذلك كان في مرض موته e وذلك لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فلذلك استثنى خوخته بخلاف غيره وقد قيل إن ذلك من جملة الإشارات إلى استخلافه كما سيأتي أيضا ...[4]



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري 1/ 178رقم 455 .

[2] -المرجع السابق 3/ 1417رقم 3691. . ومسلم 1/1854 رقم 2382.

[3] - سرح النووي على مسلم 15/ 150-152.

[4] - الفتح 1/ 559.
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 15

صفوة الأمة بعد الأنبياء 15

الحلقة الخامسة عشرة

البقرة والذئب المتكلمان ومدلولهما

[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]

هذه الحلقة تشير إلى منقبة عظيمة للصديق والفاروق ؛ قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى :

حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي e قال بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت لم أخلق لهذا خلقت للحراثة قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعي فقال الذئب من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم [1]

[و]حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث قال الناس سبحان الله قال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.[2]

(قوله e آمنت بذلك وهو حيث تعجب الناس من ذلك ويأتي هناك أيضا الكلام على اختلافهم في قوله يوم السبع وهل هي بضم الموحدة أو إسكانها وما معناها قال بن بطال في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلا بقوله تعالى لتركبوها فإنه لو كان ذلك دالا على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر لقوله في هذا الحديث إنما خلقت للحرث وقد اتفقوا على جواز أكلها فدل على أن المراد بالعموم المستفاد من جهة الامتنان في قوله لتركبوها والمستفاد من صيغة إنما في قوله إنما خلقت للحرث عموم مخصوص [3]

[و]قوله بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها ألا أن الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف إنا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله e وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف .[4]

هذه شهادة من لا ينطق عن الهوى شهادة للعمرين لا تزنها مثاقيل الجبال من الذهب والفظة بل لا نزنها الدنيا بما تتضمنه من متاع الحياة ؛ شهادة يفخر بها العمران وأهل الحق الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار الحق الواضح الذي لا يقف أمام رؤيته هوى ولا جهل ، ولا حسد ولا ولا ... ولا شيء من معكرات الرؤية فالحمد لله على نعمته نسأل الله ألا يسلبنا هذه النعمة ...



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري 2/818رقم 2199

[2] - المرجع نفسه رقم الحديث 3464.

[3] - الفتح 5/8 .

[4] - الفتح 7/27-28
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء16

صفوة الأمة بعد الأنبياء16

الحلقة السادسة عشرة

لأهل السابقة فضلهم

[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]

سابقة الإنسان المشرقة ينبغي أن تحسب له ، وهو مبدأ إسلامي ثابت في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام . والنصوص في هذا معلومة . والصحابة رضوان الله عليهم سابقتهم معلومة أشاد بها الله تعالى في كتابه وأشاد بها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته . والقرآن الكريم لم يمدح أحدا ثم انتكس ، أو بدل أو غير ، والذي علم الله أنه سيهلك على مجانبة الصواب ذكره بالاسم ... وهي[فضل السبق] سنة معمول بها حتى في القوانين التي لا تستند إلى وحي في تقدير صاحب السابقة ؛ وإن حدث له شيء ؛ فليس هناك أحد معصوم من الخطأ . أفيليق بالمسلم أن يعترض على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم فيما قد قُرر في الكتاب المعصوم ، والسنة المطهرة ، والسيرة العطرة ، وينقض قواعد ومبادئ أعظم ثبوتا من الجبال الرواسي ...! ويتجهم بوجهه تجاه كل الأعراف والمسلمات ...

ومن الأدلة على اعتبار السابقة مبدأ وقاعدة ثابتة قول الله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )[1]

وهي شهادة من الله للصحابة الكرام والبشارة لهم بالجنة والذين اتبعوهم من صغار الصحابة ومن سار على النهج إلى يوم الدين . [2]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري في عدد من الروايات حيث قال رحمه الله تعالى :

(حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله e أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله e فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله e فقال رسول الله e يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )[3]

وحدثني محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء سمعته يقول بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير فقال ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا الكتاب قالت لم يعطني فقلنا لتخرجن أو لأجردنك فأخرجت من حجزتها فأرسل إلى حاطب فقال لا تعجل والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حبا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن اتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق فقال ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرأه )[4]

وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق [ إلى قوله ] فقد ضل سواء السبيل ) [5]

و حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال حدثني الحسن بن محمد بن علي أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله e أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي e فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي e فقال النبي e ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي e إنه قد صدقكم فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال عمرو ونزلت فيه ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [)[6]

قال الإمام ابن حجر في الفتح :

(قوله الحسن بن محمد بن علي أي بن أبي طالب قوله حتى تأتوا روضة خاخ بمعجمتين ومن قالها بمهملة ثم جيم فقد صحف ... قوله لنلقين كذا فيه والوجه حذف التحتانية وقيل إنما اثبتت لمشاكلة لتخرجن قوله كنت امرأ من قريش أي بالحلف لقوله بعد ذلك ولم أكن من أنفسهم قوله كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم ليس هذا تناقضا بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم وقد ثبت حديث حليف القوم منهم وعبر بقوله ولم أكن من أنفسهم لإثبات المجاز قوله إنه قد صدقكم بتخفيف الدال أي قال الصدق قوله فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله e لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله e استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة فقال أليس قد شهد بدرا قال بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك قوله فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك أرشد إلى علة ترك قتله بأنه شهد بدرا فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم فأجاب بقوله وما يدريك الخ قوله لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر هكذا في أكثر الروايات بصيغة الترجي وهو من الله واقع ووقع في حديث أبي هريرة عند بن أبي شيبة بصيغة الجزم وقد تقدم بيان ذلك واضحا في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم كذا في معظم الطرق وعند الطبري من طريق معمر عن الزهري عن عروة فإني غافر لكم وهذا يدل على أن المراد بقوله غفرت أي أغفر على طريق التعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وفي مغازي بن عائذ من مرسل عروة اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلا فلو وجب على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا وقال بن الجوزي ليس هذا على الاستقبال وإنما هو على الماضي تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر قال لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر لكم ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب ولا يصح ويبطله أن القوم خافوا من العقوبة بعد حتى كان عمر يقول يا حذيفة بالله هل أنا منهم وتعقبه القرطبي بان اعملوا صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال ولم تضع العرب صيغة الأمر للماضي لا بقرينة ولا بغيرها لأنهما بمعنى الإنشاء والابتداء وقوله اعملوا ما شئتم يحمل على طلب الفعل ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي ولا يمكن أن يحمل على الإيجاب فتعين للإباحة قال وقد ظهر لي أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه وقد أظهر الله صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطلع على سيرهم انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فقد غفرت لكم أي ذنوبكم تقع مغفورة لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب وقد شهد مسطح بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع وقد تقدم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصيام في الكلام على ليلة القدر ... قوله قال عمرو هو بن دينار وهو موصول بالإسناد المذكور قوله ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء سقط أولياء لغير أبي ذر ... ) [7]

فلو فرضنا جدلا أنه حدث تغيير من الأصحاب لشفعت لهم إذا سابقتهم فكيف وهم قواعد الإسلام الصلبة التي ورثت حفظ الإسلام وإيصاله إلى مشارق الأرض ومغاربها وإلى يومنا هذا ونحن ننعم بالإسلام العظيم الذي أوصله أولائك العظماء بفضل من الله تعالى فلم يغيروا ولم يبدلوا ... ولا شك أن الصديق يدخل في السابقين الأولين من الهاجرين والأنصار وفي أهل بدر دخولا أوليا وهي مسألة أوضح من الشمس في كبد السماء لا يحجبها شيء والحمد لله على برد اليقين وصفاء الحقيقة ووضوح الحق .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - سورة التوبة الآية 100 .

[2] - أنظر : زبدة التفسير مختصر فتح القدير للإمام الشوكاني 285-286 .

[3] - صحيح البخاري 3/1095 رقم 2845 .

[4] - المرجع السابق 3/ 1120 رقم 2915 .

[5] - ,, ،، 4/ 1557 رقم 4025

[6] - المرجع السابق : 4/ 1855. 4608 .

[7] - الفتح 8/ 634-635 .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 17

صفوة الأمة بعد الأنبياء 17

من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...
الحلقة السابعة عشرة
الوزن والميزان
[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]
في هذه الحلقة سترد بعض النصوص التي تشير إلى مزية من مزايا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهي قوة إيمانه التي ترجح في الميزان على إيمان الأمة ، وهي مسألة كالمشاهدة في الحياة العملية التطبيقية للصديق ؛ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم .والأمثلة الواضحة الصحيحة تشهد على صحة قوة إيمان الصديق أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما في حياته عليه الصلاة والسلام فقد صدقه وآمن به من أول لحظة ، لم يتلكأ عليه رضوان الله تعالى؛ في أي موقف من المواقف ، وصبيحة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم صدقه وآمن بما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : إن قال ذلك فقد صدق ! فلما قيل له في ذلك ؟ قال : إني لأصدقه بأكبر من ذلك ؛ إني لأصدقه بخبر السماء ، وكذلك في صلح الحديبية رأينا كيف كان موقفه إزاء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأيه يتوافق مع رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسواها من المواقف ؛ فلم تسجل لنا النصوص أي موقف يناقض هذا ... وأما بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى فإن مواقف الصديق الصلبة في المدلهمات العظام تجلت بقوة إيمانه ، وفهمه الصحيح والدقيق للإسلام والإيمان ومتطلباتهما فوقف تلك المواقف المشرفة وواجه الفتن حتى خرج بالأمة –بفضل من الله تعالى إلى بر الآمان وقاد السفينة والأمواج هوج فخرج بها سالمة معافاه تدق أبواب فارس والروم بل وصلت إليها وبدأت تتهاوي قواها تباعا حيث واصل من حيث وانتهى الفاروق وكذا ذو النورين وأبو السبطين رضي الله عن الجميع . وبنى للأمة أسسا على ضوء بناء النبي صلى الله عليه وسلم كانت منطلقا لها تسير في في مشارق الأرض ومغاربها على ضوئها . فمن ذا الذي يفعل كأبي بكر الصديق صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورفيقه في الغار ، وملازمه في جميع غزواته وجهاده وفي الحرب والسلم ، وحامل دفة الدولة الإسلامية بعده عليه الصلاة والسلام في وقت حرج إلى الغاية ...
أولائك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع .
والنصان الآتيان يشيران إلى ذلك كما يشيران إلى عقد الخلفاء وسير الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتحددان الخلافة الراشدة بثلاثين عاما . قال الحاكم في المستدرك :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا حميد بن عياش الرملي ثنا المؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال أيكم رأى الليلة رؤيا قال فصلى ذات يوم فقال أيكم رأى رؤيا فقال رجل أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي به من السماء فوضعت في كفة ووضع أبو بكر من كفة أخرى فرجحت بأبي بكر فرفعت وترك أبو بكر مكانه فجيىء بعمر بن الخطاب فوضع في الكفة الأخرى فرجح به أبو بكر فرفع أبو بكر وجيىء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خلافة النبوة ثلاثون عاما ثم تكون ملك قال سعيد بن جمهان فقال لي سفينة أمسك سنتي أبي بكر وعشر عمر واثنتي عشرة عثمان وست علي رضي الله عنهم أجمعين وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم 1
وأخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهدي بن رستم ثنا موسى بن هارون البردي ثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله  قال أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضي الله عنه نيط برسول الله  ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند النبي  قلنا الرجل الصالح النبي  وأما ما ذكر من نوط بعضهم بعضا فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه  ولعاقبة هذا الحديث إسناد صحيح عن أبي هريرة ولم يخرجاه . 2

_______
1 - المستدرك على الصحيحين 3/75 . رقم 4438 .
2 - المرجع السابق الصفحة نفسها . رقم 4439
 
صفوة الأمة بعد نبيها 18

صفوة الأمة بعد نبيها 18

الحلقة الثامنة عشرة

إنه في النار ومدلولها

[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]

في هذه الحلقة إشارة إلى فضل الصحابة جميعا وعلى رأسهم الصديق والفاروق وذوالنورين وأبو السبطين رضي الله عنهم أجمعين ؛ حيث انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو عنهم راض ولو كان فيهم شيئ لبينه كما بين حال هذا الذي ظهر للناس شدته وتفانيه في ميدان المعركة وأعجبوا به فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار .

وهذا الحديث الذي بنيت الحلقة عليه رواه الإمام البخاري فقال :

(حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)[1]

قال في الفتح مبينا اسم الرجل وهل هو الذي ذكر في أحد أم غيره أم أن القصة متحدة والرجل مختلف يرجى من القاري أن يصبر على قراءة كلام بن حجر وإن طال فإنه مفيد وبخاصة لطالب العلم :

(قوله التقى هو والمشركون في رواية بن أبي حازم الآتية بعد قليل في بعض مغازيه ولم أقف على تعيين كونها خيبر لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه إتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته قم يا بلال فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولهذا جنح بن التين إلى التعدد ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة وأما الأولى فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وان كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت لكن جزم بن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد قال واسم الرجل قزمان الظفري وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم ثم صار إلى السيف ففعل العجائب فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال له هنيئا لك بالشهادة قال والله إني ما قاتلت على دين وإنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه قلت وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح وليس فيه تسميته وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهره يقتضي أنها غير أحد لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد بن عشرة أو إحدى عشرة على أنه قد حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن يقول غزونا إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا قوله فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم قوله وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذاالكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكان يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف ويعكر عليه ما تقدم قوله شاذة ولا فاذة الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة والهاء فيهما للمبالغة والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله وقيل المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر وقيل الشاذ الخارج والفاذ المنفرد وقيل هما بمعنى وقيل الثاني اتباع قوله فقال أي قائل وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ فقيل ووقع هنا للكشميهني فقلت فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك قوله ما أجزأ بالهمزة أي ما أغنى قوله فقال إنه من أهل النار في رواية بن أبي حازم المذكورة فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني قال قلنا يا رسول الله فلان بجزيء في القتال قال هو في النار قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن قال ذلك أخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال قوله فقال رجل من القوم أنا صاحبه في رواية بن أبي حازم لأتبعنه وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه قوله فجرح جرحا شديدا زاد في حديث أكثم فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان قال هو في النار قوله فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه في رواية بن أبي حازم فوضع نصاب سيفه في الأرض وفي حديث أكثم أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره فأتيت النبي e فقلت اشهد أنك رسول الله قوله وهو من أهل الجنة زاد في حديث أكثم تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء الله تعالى الحديث السابع حديث أبي هريرة قوله شهدنا خيبر أراد جيشها من المسلمين لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله e وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله اسهم لي وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب قوله فلما حضر القتال بالرفع والنصب قوله فقال لرجل ممن معه أي عن رجل واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شانه أي سببه ومنه قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قوله فكاد بعض الناس يرتاب في رواية معمر في الجهاد فكاد بعض الناس أن يرتاب ففيه دخول أن على خبر كاد وهو جائز مع قلته قوله قم يا فلان هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر قوله ان الله يؤيد في رواية الكشميهني ليؤيد قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها قوله بالرجل الفاجر يحتمل أن تكون اللام للعهد والمراد به قزمان المذكور ويحتمل أن تكون للجنس قوله تابعه معمر أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الإسناد وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري قوله وقال شبيب أي بن سعيد عن يونس أي بن يزيد عن بن شهاب أي الزهري بهذا الإسناد قوله شهدنا حنينا يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة حنين ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث وأوردها الذهلي في الزهريات ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الإسناد لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة قوله وقال بن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي e يعني وافق شبيبا في لفظ حنين وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث وطريق بن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة قوله وتابعه صالح يعني بن كيسان عن الزهري وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه قال قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ان بعض من شهد مع النبي e قال إن النبي e قال لرجل معه هذا من أهل النار الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية بن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن ولا في الإسناد وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد [2]

وعلى أي حال فإن سياق كلام ابن حجر حول الحديث للتدليل على جهد العلماء الربانيين في خدمة السنة سندا ومتنا ، وإلا فإن سياق الحديث في دروسنا وحلقاتنا لبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أبان اللثام عمن هلك ويهلك على غير النهج ممن صاحبه ، إما بعينه أو وصفه . والذين سكت عنهم ناجون حتى ولو لم يرد في حقهم مدح ولا ثناء فكيف بمن أثنى عليهم ومدحهم ولحق بالرفيق الأعلى وهو عنهم راض وعلى رأسهم الصديق وكبار الصحابة والذين حفظ الله بهم الإسلام فبلغوا به مشارق الأرض ومغاربها .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري 3/ 1061رقم 2970

[2] - الفتح 7/ 472
 
صفوة الأمة -بعد الأنبياء -19

صفوة الأمة -بعد الأنبياء -19

من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛فإنه ذب عن الإسلام والقرآن والسنة ؛ ولن يضيع عند الله شيء ؛ما دامت النية خالصة له سبحانه ...

الحلقة التاسعة عشرة

يد ليس يكافئها إلا الله

[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]

قال تعالى -مشيدا بالصديق ومن فعل فعله- :

(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21))[1] .

قوله تعالى: "وسيجنبها" أي يكون بعيدا منها. "الأتقى" أي المتقي الخائف. قال ابن عباس: هو أبو بكر رضي اللّه عنه، يزحزح عن دخول النار. ثم وصف الأتقى فقال:"الذي يؤتي ماله يتزكى" أي يطلب أن يكون عند اللّه زاكيا، ولا يطلب بذلك رياء ولا سمعة، بل يتصدق به مبتغيا به وجه اللّه تعالى.[2]

وقال أبو عيسى الترمذي في سننه راويا شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق في سنته فقال :

حدثنا علي بن الحسن الكوفي حدثنا محبوب بن محرز القواريري عن داود بن يزيد الأزدي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ) e ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله به يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن صاحبكم خليل الله) .

قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه [3]

"والمعنى جازيناه مثلا بمثل أو أكثر . ما خلا أبا بكر ؛ أي ما عداه ؛أي إلا إياه ؛ فإن له عندنا يدا ، قيل أراد باليد النعمة ، وقد بذلها كلها إياه e وهي المال والنفس والأهل والولد . يكافيه الله أي يجازيه بها ؛ أي بتلك اليد . ما نفعني مال أبي بكر ؛ ما مصدرية ومثل مقدر أي مثل ما نفعني ماله ..." [4]

وهل يعدل شهادة الله تعالى وشهادة رسوله صلى الله عليه وسلم شهادة أحد أو هل يؤثر بها كلام أحد ؟ هذا الصديق رضي الله عنه يشيد الله سبحانه به ، في كتابه ، ويشيد به رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته ، أفيليق بالمسلم أن يقول لا ويناقض هذا ؟ اللهم غفرانك .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - سورة الليل

[2] - أنظر القرطبي في التفسير عند تفسير الآية .

[3] - سنن الترمذي 5/609رقم(3661) صححه شعيب الأرناؤوط .

[4] - تحفة الأحوذي 1/101-102.
 
صفوة الأمة -بعد الأنبياء - 20

صفوة الأمة -بعد الأنبياء - 20

الحلقة العشرون

ثقة عالية

[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]



قال الحاكم (أخبرني أحمد بن الحسن بن عبد الله ثنا محمد بن عبدوس بن كامل ثنا هناد بن السري ثنا وكيع ثنا مسعر عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وإذا حدثكم بن أم عبد فصدقوه )[1]

و(قوله اقتدوا باللذين من بعدي أي بالخليفتين اللذين يقومان من بعدي أبي بكر وعمر بدل من الذين أي لحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وفيه إشارة لأمر الخلافة قاله المناوي

قوله وفي الباب عن بن مسعود أخرجه الترمذي في مناقبه )[2]

و(قوله هذا حديث حسن وأخرجه أحمد وبن ماجه وروى سفيان الثوري هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير عن مولى الربعي الخ وصل الترمذي رواية سفيان هذه في مناقب عمار بن ياسر وأحمد في مسنده .

قوله فربما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير وربما لم يذكر فيه عن زائدة هذا بيان تدليس بن عيينة وكان لا يدلس إلا عن ثقة

قال الحافظ بن حجر في طبقات المدلسين سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام المشهور فقيه الحجاز في زمانه كان يدلس لكن لا يدلس إلا عن ثقة وادعى بن حبان بأن ذلك كان خاصا به...[3]

فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم واثقا بالشيخين الصديق والفاروق لما أمر أمته بالاقتداء بهما، ولما أقره الله على ذلك والوحي ينزل ... وفيه إشارة إلى الخلافة ، وأن الذين سيتوليا الخلافة من بعده عليه الصلاة والسلام مباشرة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما ، وهي معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وآية من آيات نبوته ومن الأدلة الداحضة للمخالف . ولا سيما أن هذه الأدلة جاءت صحيحة إما من كتاب الله أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والذي لم يكن في الصحيحين ، فإنه خضع سنده للدراسة والتمحيص من متخصصين ذوي خبرة عالية في هذا ؛ بموجب منهج علمي رقيه في السماء والحمد لله الذي تكفل بحفظ كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من التحريف .


--------------------------------------------------------------------------------

[1] -رواه الحاكم في المستدرك 3/79 رقم 4453والترمذي 5/609ؤقم 3662.

[2] - تحفة الأحوذي 10/102.

[3] - المرجع السابق الصفحة نفسها . قال الشيخ شعيب الأرناءوط حديث حسن بطرقه وشواهده .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 22

صفوة الأمة بعد الأنبياء 22

الحلقة الثانية والعشرون

شهادة أبي الحسن

[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]

هذه شهادة من أبي الحسن الخليفة الرابع للصديق رضي الله عنهم جميعا ، وقيمة هذه الشهادة أنها من الإمام علي رضي الله عنه ، والذي يبني البعض كرههم للصديق على محبتة ؛ فإذا صدقت المحبة صدق الاتباع ... وهي قاعدة قرآنية معلومة يشهد لها قوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31))[1] قال القرطبي (هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة اللّه، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، ولهذا قال: {إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشان أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب، وقال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون اللّه فابتلاهم اللّه بهذه الآية فقال: {قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه}[2] وهي قاعدة ترتاح لها النفس ، ويطمئن لها القلب ، وتمجدها الحكمة، (إن المحب لمن يحب مطيع) حتى ولو لم ترد في الوحي فكيف وقد قررها ... إن طبائع النفوس السوية تأبى الإساءة إلى العظماء الذين قدموا خيرا وعملوا خيرا ، ونفعوا غيرهم حتى ولو لم يرتبط ذلك بتأصيل من الوحي فكيف بمن ارتبط قوله وعمله بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى :

(حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا جامع بن أبي راشد حدثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله e قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما أنا إلا رجل من المسلمين[3](

( قوله حدثنا أبو يعلى هو منذر بن يعلى الكوفي الثوري وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه والإسناد كله كوفيون ومحمد بن الحنفية هو بن علي بن أبي طالب واسم الحنفية خولة بنت جعفر كما تقدم قوله قلت لأبي أي الناس خير في رواية محمد بن سوقة عن منذر عن محمد بن علي قلت لأبي يا أبتي من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو ما تعلم يا بني قلت لا قال أبو بكر أخرجه الدارقطني وفي رواية الحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيه قال سبحان الله يا بني أبو بكر وفي رواية بن جحيفة عند احمد قال لي علي يا أبا جحيفة الا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها قلت بلى قال ولم أكن أرى ان أحدا أفضل منه وقال في آخره وبعدهما آخر ثالث لم يسمه وفي رواية للدارقطني في الفضائل من طريق أبي الضحى عن أبي جحيفة وان شئتم اخبرتكم بخير الناس بعد عمر فلا أدري استحي ان يذكر نفسه أو شغله الحديث قوله وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما إنا الا رجل من المسلمين في رواية محمد بن سوقة ثم عجلت للحداثة فقلت ثم أنت يا أبتي فقال أبوك رجل من المسلمين زاد في رواية الحسن بن محمد لي ما لهم وعلي ما عليهم وهذا قاله علي تواضعا مع معرفته حين المسألة المذكورة انه خير الناس يومئذ لان ذلك كان بعد قتل عثمان وإما خشية محمد بن الحنفية أن يقول عثمان فلأن محمدا كان يعتقد أن أباه أفضل فخشي أن عليا يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار إليه في الرواية المذكورة وروى خيثمة في فضائل الصحابة من طريق عبيد بن أبي الجعد عن أبيه أن عليا قال فذكر هذا الحديث وزاد ثم قال الا أخبركم بخير أمتكم بعد عمر ثم سكت فظننا انه يعني نفسه وفي رواية عبيد خبر عن علي انه قال ذلك بعد وقعة النهروان وكانت في سنة ثمان وثلاثين وزاد في اخر حديثه أحدثنا أمورا يفعل الله فيها ما يشاء واخرج بن عساكر في ترجمة عثمان من طريق ضعيفة في هذا الحديث ان عليا قال ان الثالث ثمان ومن طريق أخرى إن أبا جحيفة قال فرجعت الموالي يقولون كنى عن عثمان والعرب تقول كنى عن نفسه وهذا يبين انه لم يصرح بأحد وقد سبق بيان الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر عثمان أو علي وان الإجماع انعقد بآخرة بين أهل السنة إن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم أجمعين قال القرطبي في المفهم ما ملخصه الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة إما عند الحق وإما عند الخلق والثاني لا عبرة به إلا أن أوصل إلى الأول فإذا قلنا فلان فاضل فمعناه أن له منزلة عند الله وهذا لا توصل إليه الا بالنقل عن الرسول فإذا جاء ذلك عنه إن كان قطعيا قطعنا به أو ظنيا عملنا به وإذا لم نجد الخبر فلا خفاء إنا إذا رأينا من أعانه الله على الخير ويسر له أسبابه إنا نرجو حصول تلك المنزلة له لما جاء في الشريعة من ذلك قال وإذا تقرر ذلك فالمقطوع به بين أهل السنة بأفضلية أبي بكر ثم عمر ثم اختلفوا فيمن بعدهما فالجمهور على تقديم عثمان وعن مالك التوقف والمسالة اجتهادية ومستندها إن هؤلاء الأربعة اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه فمنزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة والله اعلم الحديث الخامس عشر حديث عائشة في نزول اية التيمم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم والغرض منه قول أسيد بن الحضير في آخره ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر وقد تقدم هناك ذكر ألفاظ أخرى تدل على فضلهم الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد [4].



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - سورة آل عمران

[2] - تفسير القرطبي

[3] - البخاري 3/ 1342رقم 3468.

[4] 0الفتح 7/33-34 .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 23

صفوة الأمة بعد الأنبياء 23

من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛بأسلوب علمي بعيد عن التجريح ومجاراة الآخرين . ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...


الحلقة الثالثة والعشرون

بيتٌ خيرُه متعدٍ

[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]

حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت فعاتبني وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن الحضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر فقالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته ) [1]

هنا في هذا الحديث يظهر من فضائل الصديق أمور : الأمر الأول تأثيره على بيته بتربيته أهله وأولاده ؛ وهو في الغالب أن أهل المصلحين والصالحين وأولادهم يغلب عليهم الصلاح وما سوى ذلك شاذ وقليل . والأمر الثاني جريان فوائد للأمة من الله تعالى كان سببه بيت الصديق ، وهي مسألة ذات بال في اتصال الخير والحسنات لمن تسبب في الخير ، كما هو واضح من الأدلة في هذا والتي تدل على أن من دل على خير فله مثل أجر فاعله من غير أن ينقص من أجر الفاعل شيئا ، وهو يدل على كرم الله تعالى . فعلى هذا فإن كل عمل يقوم به أحد من المسلمين فإن للنبي صلى الله عليه وسلم مثل آجره ، ويأتي في المرتبة الثانية الصديق فإنه رضي الله عنه حمل مع النبي صلى الله عليه وسلم عبئ التبليغ وتوسيع دائرة الخير منذ أسلم ، وكان أول من أسلم – كما هو معروف من الرجال- حيث دخل على يده عدد من كبار الصحابة الذين كان لهم دور كبير في الإسلام ، ولقد كانت مواقف الصديق في حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى مواقف خير متعدية فهو يجني ثمرة هذا الخير إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا معه تحت لواء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم . والأمر الثالث أن أسلوب الداعية والمصلح إذا كان فيه حكمة بالإضافة إخلاص النية ينفع كثيرا ، ويؤدي دورا تربويا عظيما ... والأمر الرابع التنويه بفضل أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - البخاري 3/ 1342رقم 3469.
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 26

صفوة الأمة بعد الأنبياء 26

الحلقة السادسة والعشرون

طاعة مشروطة على أي حال

إتباعا لموضوع الحلقة السابقة- الطاعة – فإن الصديق رضي الله عنه – وهو في أعلى هرم المسئولية وفي أول خطبة له يستهل بها خلافته ويحدد منطلقات سياسته_يقول : إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فسدد وني، وإن أسأت فقوموني .أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم .

الضعيف فيكم عندي قوي حتى آخذ الحق له ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه !

وقد أورد البيهقي هذه الخطبة في السنن الكبرى فقال :

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن طاهر بن يحيى حدثني أبي ثنا محمد بن أبي خالد الفراء ثنا أبي ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال إن أكيس الكيس التقوى وأحمق الحمق الفجور ألا وإن الصدق عندي الأمانة والكذب الخيانة ألا وان القوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق والضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق ألا واني قد وليت عليكم ولست بأخيركم قال الحسن هو والله خيرهم غير مدافع ولكن المؤمن يهضم نفسه ثم قال ولوددت أنه كفاني هذا الأمر أحدكم قال الحسن صدق والله وإن أنتم أردتموني على ما كان الله يقيم نبيه من الوحي ما ذلك عندي إنما أنا بشر فراعوني فلما أصبح غدا إلى السوق فقال له عمر رضي الله عنه أين تريد قال السوق قال قد جاءك ما يشغلك عن السوق قال سبحان الله يشغلني عن عيالي قال تفرض بالمعروف قال ويح عمر إني أخاف أن لا يسعني أن آكل من هذا المال شيئا قال فانفق في سنتين وبعض أخرى ثمانية آلاف درهم فلما حضره الموت قال قد كنت قلت لعمر إني أخاف أن لا يسعني أن آكل من هذا المال شيئا فغلبني فإذا أنا مت فخدوا من مالي ثمانية آلاف درهم وردوها في بيت المال قال فلما أتى بها عمر رضي الله عنه قال رحم الله أبا بكر لقد اتعب من بعده تعبا شديدا[1]

وهذه الخطبة تحدد سياسة الصديق في قيادة الدولة بثلاثة أركان ؛ هي :

1- مفهوم الطاعة عند الصديق ؛ فهي طاعة مرتبطة بطاعة الله تعالى ، وليست طاعة مطلقة ، فإن الطاعة المطلقة للخليفة أو المسئول أيا كانت مكانته مدخل عظيم للظلم والغرور والاستهانة بالكليات الخمس ، وسد باب المراقبة الذاتية والتقويم المستمر الحي من الأمة ونسيان حق الله تعالى الذي هو صمام الأمان ، وطالما عانت الأمم من هذه الأخطار التي تطال الحاكم والمحكوم والمسئول والمسئول عليه .

2-التواضع فالصديق رضي الله عنه يحدد في خطبته أنه ليس خير الناس _ وإن كان كذلك- وهذا مدخل نفسي مهم لسد باب الغرور ؛ والذي يصم الآذان عن قبول النقد والنصيحة ممن هو مسئول عنهم ، ومن جانب آخر ؛ فإن الأمة يدفعها ذلك إلى التقويم والنصيحة ...

3- الدعوة إلى مراقبة سيره في قيادة الأمة دعوة صادقة بفقه وفهم ؛ فإن ماكان من سداد منه فليسدد ، وما كان منها غير ذلك فليقوم ... وهذه الأركان الثلاثة هي أساس كل حكم صالح نافع للراعي والرعية ...

وثمة ملحض في الخطبة في ورعه من أخذ الأجرة على انشغاله بالخلافة عن كفاية بيته وولده فقد أوصى بردها إلى بيت المال . رضي الله عنه وعن جميع الصحابه الكرام ...

فمن مثل أبي بكر الصديق بعد الأنبياء يوم أن كان مسئولا عليه ، ويوم أن أصبح مسئولا وخليفة ورضي الله عنه في الأولين والآخرين .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] -سنن البيهقي الكبرى 6/353 رقم 12788.
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 27

صفوة الأمة بعد الأنبياء 27

من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...
[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]

الحلقة السابعة والعشرون
شخصية فذة
عندما يقرر الباحث نتيجة ما فإنه يقترب من الواقع والحقيقة لكن غير الباحث وهو يقرر نتيجة ما فإنه غالبا ما يجانب الواقع والحقيقة وقوة الشخصية وضعف الشخصية من المصطلحات التي تزل فيها ألسنة وتتقول فيها بغير علم .
فما هي الشخصية القوية كما حددها النبي صلى الله عليه وسلم ومدى مطابقتها في الصديق ؟
لقد كان الصديق حييا ، هادئا ، بكاء حين يتلو كتاب الله تعالى ، رحيما ، لكنه في المواقف الحرجة والصعبة قويا ، شجاعا ، فولاذا من الحديد ، وقف تلك المواقف العظيمة عندما تردد أناس وهو يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويصدقه في أحلك الظروف وأقساها ،كليلة الإسرى والمعراج ... لم يتخلف في غزوة واحدة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كان يفتديه بنفسه ... وكان مما قاله : إن هلكنا نحن فإن الأمر يهون لكن إذا هلكت أنت يا رسول الله فمن يسد مكانك !
وبعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وقف الصديق تلك المواقف العظيمة إزاء الردة ، وذهول الناس لموت النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنفاذ جيش أسامة ، و... فهل الصديق رضي الله عنه ذا شخصية قوية ؟ !! هذه صفاته التي تجلت عمليا وتطبيقا ميدانيا ، فماذا عن تحديد الشخصية القوية من خلال النصوص الشرعية ولا شك أنها كثيرة وسأسوق أوضحها وأشدها اختصارا ؛
قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا يحيى بن يحيى وعبد الأعلى بن حماد قالا كلاهما قرأت على مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )
وفيما حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة واللفظ لقتيبة قالا حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما تعدون الرقوب فيكم قال قلنا الذي لا يولد له قال ليس ذاك بالرقوب ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئا قال فما تعدون الصرعة فيكم قال قلنا الذي لا يصرعه الرجال قال ليس بذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب)
قال النووي في شرح الحديث (وكذلك تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم وليس هو كذلك شرعا بل هو من يملك نفسه عند الغضب فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الاول )

فهذا الحديث حدد صفة الشخصية القوية وهي التي تتماسك وقت الغضب . والصفة السلبية التي نفاها النص الكريم من الشخصية القوية وهي القوة الجسمية التي بها يصرع الناس ... ووردت نصوص كثيرة تدل على هذا المعنى . وبهذا نستطيع القول أن أقوى شخصية بعد الأنبياء من الناس هي شخصية الصديق رضي الله عنه وأرضاها وثمرة هذه المعرفة أن يتمثلها المؤمن في شخصيته بعد أن تكون شخصية النبي صلى الله عليه وسلم هي التي يبتغيها المؤمن ليتمثلها في حياته ، وباختصار شديد الشخصية القوية هي شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ثم شخصية أبي بكر رضي الله عنه ، ومن أرد أن يقف على معالم تلك الشخصيتين فليتتبع السير ة النبوية والشمائل المحمدية ،وسيرة الصديق .
ومن البدهي أن الجسم القوي في الشخصية القوية ذات المواصفات في المنهج الإسلامي صفة مدح ولكن المحضور أن تكون مقوما للشحصية القوية وتنسى المقومات الأساسية ، أو أن يكون هذا الشديد لا يملك إلا هذه الصفة وهو قدرته على صرع الآخرين ...
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 28 تتمة

صفوة الأمة بعد الأنبياء 28 تتمة

صفوة الأمة بعد الأنبياء 28 تتمة
11- ومن مناقبه تصديقه المطلق للنبي صلى الله عليه وسلم حتى في ظهر الغيب وحين تتجه الجموع لتكذيبه وخذلانه ما يدل على مكانة التصديق في نفسه فإنه شهد له بتصديقه حين كذبه الناس وواساه بماله ونفسه عند ما خذله الناس ...
12- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالمغفرة ثلاثا ... وهذا ثابت في كلما سبق وفيما يأتي بنصوص صحيحة مبنى هذه الصحة على نظام علمي لا يستطيع أحد ممن يحترم العلم والعقل أن يرده ...
13- ومنها صفاء قلبه على المسلمين وسرعة إعادة الصفا إلى ما كان إذا حدث ما يؤثر عليه .
ومما يدل على ذلك ما حدث به هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن عائذ الله أبي إدريس عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالسا عند النبي  إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي  أما صاحبكم فقد غامر فسلم وقال إني كان بيني وبين بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر فقالوا لا فأتى إلى النبي  فسلم فجعل وجه النبي  يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين فقال النبي  إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها (

14- ترتيبه في حب النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث الآتي ما يظهر مكانته في الحب بين الأصحاب في سؤال عمرو بن العاص رضي الله عنه أي الناس أحب إليك فقال :عائشة قال من الرجال قال أبوها وقد جاء في سبب سؤال عمرو أنه قال لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبش في وجهي حتى ظننت أني أحب الناس إليه فسألته طمعا وتأكدا مما أجده في الناس فما يزال يذكر غيري حتى سكت خوفا لئلا أجد نفسي في مؤخرة الركب في هذا . وهو يدل على ترتيب الصديق في نفس النبي صلى الله عليه :
وما حدث به إسحاق أخبرنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي عثمان أن رسول الله  بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم
15- أنه مبشر بالجنة ومما يدل على ذلك كثير من الأدلة منها :حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه والذي رواه البخاري وغيره وقد تضمن بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لجملة من الصحابة الكرام بالجنة وأولهم الخليفة الأول الصديق رضي الله عنه وفيه – هذا الحديث – كما قال سعيد بن المسيب – تأويل مواقع قبورهم أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حيث جلس أبوبكر عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعمر عن يساره وجلس عثمان أمامه فقد كانت قبورهم كأماكنهم على البئر فأبو بكر وعمر دفنا بجانبي النبي صلى الله عليه وسلم ودفن عثمان في البقيع أمامهم وهي صورة تقريبية تدل على أن التأويل في مكانه وقد يدل أيضا على مستقبل أماكنهم في الجنة والله أعلم .
وحديث سعيد بن المسيب قال أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج فقلت لألزمن رسول الله  ولأكونن معه يومي هذا قال فجاء المسجد فسأل عن النبي  فقالوا خرج ووجه ها هنا فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله  حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله  اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله  يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله  معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي  وكشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يريد أخاه يأت به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت من هذا فقال عمر بن الخطاب فقلت على رسلك ثم جئت إلى رسول الله  فسلمت عليه فقلت هذا عمر بن الخطاب يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فجئت فقلت ادخل وبشرك رسول الله  بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله  في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر ثم رجعت فجلست فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يأت به فجاء إنسان يحرك الباب فقلت من هذا فقال عثمان بن عفان فقلت على رسلك فجئت إلى رسول الله  فأخبرته فقال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فجئته فقلت له ادخل وبشرك رسول الله  بالجنة على بلوى تصيبك فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر قال شريك قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم}
16- إشادة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر رضي الله عنه
فالنبي صلى الله عليه وسلم يشيد بأبي بكر في موقف بمكانه وزمانه وأحداثه التي لا تخفى أهميته على من له عقل راجح وذهن حي وهو يحترم الحقيقة والحق معا ولو كان هذا الذي هذه مواصفاته عدوا ... هؤلاء هم الذين يتوجه إليهم الخطاب ، ويرتجى منهم أن يستفيدوا منه لهؤلاء نكتب ونرجو لمن قصر عن هذه الصفات أن يرقى إليها ليستفيد مما يُكتَب ، ويقال ويُرى...
يقول الإمام العظيم البخاري :حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة وقال لي خليفة حدثنا محمد بن سواء وكهمس بن المنهال قالا حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صعد النبي  أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله( وقال اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان(
17- مكانة الصديق عند الأصحاب ومكانة الصديق عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم معلومة ؛ في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأما مكانته بين الأصحاب فنذكر هنا بعض الأمثلة أحدهما للإمام علي والثاني لأنس رضي الله عنهما وأرضاهما ليتبين مكانة الصديق عند صفوة الأمة بعد الأنبياء ، ومن لم يكفه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عاليه وسلم وصفوة الأمة قلا شيء يكفيه .
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : حدثني الوليد بن صالح حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي عن بن أبي مليكة عن بن عباس رضي الله عنهما قال إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله  يقول كنت وأبو بكر وعمر وفعلت وأبو بكر وعمر وانطلقت وأبو بكر وعمر فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب ي الله عنه ( )

18- خير أهل الأرض
حدثنا علي حدثنا سفيان قال عمرو سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال لنا رسول الله  يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة تابعه الأعمش سمع سالما سمع جابرا ألفا وأربعمائة
هذا النص يدل على أن الصديق رضي الله عنه خير أهل الأرض مع جميع من حضر الحديبية وكان معهم ؛ وعددهم ألف وأربعمائة بل الأصحاب جميعا كما أوضحت روايات أخرى وبعض الشروح
19- وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وهو عنهم راض وبخاصة الصديق فقد بقيت خوخة أبي بكر مفتوحة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما سدت بقيتها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في مرض موته صلى الله عليه وسلم وهذا يرد على من يرى غير هذا ...
يقول ابن حجر في شرح حديث الشجرة (هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال لما كان بالحديبية قال النبي  لا توقدوا نارا بليل فلما كان بعد ذلك قال أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية وروى مسلم أيضا من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي  يقول لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث بن عمر لكن تقدم في حديث بن عمر المذكور أن النبي  بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الأرض بل كان في البحر والثاني جواب ساقط وعكس بن التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الأمر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل النبي  أهل الشجرة عليهم وقد قدمنا الأدلة الواضحة على ثبوت نبوة الخضر في أحاديث الأنبياء وأغرب بن التين فجزم أن إلياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي وهو ضعيف أعني كونه حيا وأما كونه ليس بنبي فنفى باطل ففي القرآن العظيم وان إلياس لمن المرسلين فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي قوله ولو كنت أبصر اليوم يعني أنه كان عمى في آخر عمره قوله تابعه الأعمش سمع سالما يعني بن أبي الجعد سمع جابرا ألفا وأربعمائة أي في قوله ألفا وأربعمائة وهذه الطريق وصلها المؤلف في آخر كتاب الأشربة وساق الحديث أتم مما هنا وبين في آخره الاختلاف فيه على سالم ثم على جابر في العدد المذكور وقد بينت وجه الجمع قريبا وقيل إنما عدل الصحابي عن قوله ألف وأربعمائة إلى قوله أربع عشرة مائة للإشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى إما بالنسبة إلى القبائل وإما بالنسبة إلى الصفات قال بن دحية الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل بالتخمين وتعقب بإمكان الجمع كما تقدم .
وينبغي التنبه إلى القاعدة المعروفة في تقدير الناس لسابقتهم ولما قدموه ولو فرضنا جدلا أنه حدث أخطاء للبعض فإنهم غير معصومين وغيرخاف الأدلة على هذا والتي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله  كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

20- ومن الذي لم يخط قط ومن له الحسنى فقط
من المسلمات في النهج السوي الذي يتواءم مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها أن الإنسان معرض لأخطاء تعتوره في سيرته في هذه الحياة فهو مركب من جسم وروح ويحمل شهوة ورغبات ناتجة عنها ، ويمر بلحظات تتراوح بين القوة والضعف ، والصعود والهبوط ، فيعلو الإنسان بالروح إلى مصاف الملائكة ، في أوقات تتجلى فيها مرحلة الصفاء ، وتهبط إلى الأرض عندما تنتابه فيها مراحل ضعف . فكان أن تضمن المنهج مراعاة ذلك وفتح باب التوبة على مصراعيه للأوبة ومراجعة النفس ، ولا تغلق أبواب التوبة حتى تقوم الساعة ، والوقوع في الخطاء تتفق مع قاعدة التوبة وإلا لما كان لوجود التوبة معنى ؛ هذا ألمنطلق في ذهن المؤمن السوي يقيه التيه التطبيقي العملي الذي ينحرف به عن النظرة السوية إلى الأمور فيقع في مضيعات الإفراط والتفريط والتبديع والتفسيق والشطط الذي يخرج عن الجادة ؛ فالصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ليسوا معصومين من الخطأ الذي لا يسلم منه أحد ولكنه خطأ يختلف عن خطأ غيرهم ممن أتى بعدهم لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعلهم خير القرون ... ولقد كان يحدث أخطاء في عصر النبوة وكان عليه الصلاة والسلام يعالجه ويسدد ما يبدر من أصحابه لكنه لم يكفر أحدا ولم يطرد أحدا ، ولم يبغض أحدا ولم ينتقص أحدا بل ورد النهي عن تناول العاصي بما يعين عليه الشيطان بل الأمر أكبر من ذلك حيث جاء النص بميزة الخطأ والتوبة منه ولو لم يكن ذلك لذهب بمن ليسوا كذلك وأتى بقوم يخطئون ويتوبون ... والعصمة من الخطأ فيما يتعلق بالدين للأنبياء عليهم السلام - فقط – ليبقى المنهج المنطلق من الوحي معصوما وأما غيرهم فليس أحد معصوما منه ، ومن انطلق من عصمة غيرهم فإنه يبني أحكامه وتصرفاته على انحراف عن النهج السوي والفطر السوية على أن الخليفة الأول الصديق خطأه نادر في سيرته الصحيحة والمواقف المتعددة . والأخطاء الواردة على سيرته رضي الله عنه تأويلات اجتهادية متعسفة من أصحاب الأهواء لا تثبت أمام البحث العلمي . وتصيد الأخطاء باب ولوجه سهل وميسور لمن ابتلي بهذا نسأل الله أن يحفظنا والمسلمين من ذلك .
قال الحاكم فيما رواه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله { كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون } هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
21- منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم في عمر الإسلام منذ أن بزغ فجره بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى أن كانت التهيئة للقاء الحبيب لربه سبحانه وتعالى ... فهاهو الحبيب الذي لا يمكن أن ينسى معروف أحد ؛لم ينس معروف أبي بكر وحاشاه أن ينسى فمن يرقى إلى درجته صلى الله عليه وسلم في ميادين الوفاء والمعروف إلى من أسداه كما هو شأنه في جميع الصفات الحميدة ؛ يضرب فيها أروع مثل وأوفى مكيال ؛ هاهو يذكر ذلك لصاحبه مكانته في آخر لحظة له في هذه الحياة وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لقي الله تعالى وهو راض عن صاحبه الصديق ... وقد سد كل خوخة توصل إلى بيته عليه الصلاة والسلام ، غير خوخة الصديق رضي الله عنه مما يدل على علو منزلته ومرتبته وفي هذا وأمثاله إشارة إلى استحقاقه لتولي الخلافة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم...
قال الإمام البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت يعلى بن حكيم عن عكرمة عن بن عباس قال خرج رسول الله  في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر )
22- فقهه وسرعة فهمه وبديهته قال الإمام البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبيد يعني بن حنين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله  جلس على المنبر فقال إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا له وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله  عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله  هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به وقال رسول الله  إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )

23- موافقة رأيه لرأي النبي صلى الله عليه وسلم كما هو في وقائع كثيرة منها في صلح الحديبية ؛ عند ما كان عمر يراجع النبي صلى الله عليه وسلم ويراجع أبا بكر بعده وكل واحد وحده فيأتي رأي أبي بكر مطابقا لرأي النبي صلى الله عليه وسلم .
24- ثباته ودلائل ذلك كثيرة منها ثباته على الحق حتى توفاه الله تعالى : ومما يشير إلى ذلك قول الصديق رضي الله عنه لعروة (أمصص ببظر اللات أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال من ذا ؟قالوا أبو بكر. قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك) دلالته بينة فقد كان إيمانه رضي الله عنه قويا ارتقى إلى درجة اليقين ولهذا استبعد التخلي عن نصرة الله ورسوله صلى الله عليه في أي حال من الأحوال ؛ مهما تكن الظروف بل الأمر بالنسبة له من المستحيلات التي لا يتطرق إليه شك البتة ... وقد وفى فلم يتخلى عن ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد أن لحق في الرفيق الأعلى إلى أن لقي الله تعالى وهو قائم بما وعد به وكانت الفتوحات الإسلامية تخوض غمار المعارك مع أكبر دولتين في ذك الوقت بعد أن خمد الفتن الداخلية في حربه للردة رضي الله عنه وأرضاه ... فمن مثل الصديق –بعد الأنبياء -!وأي عقلية تلك التي تسعى لانتقاصه ! وأي ظلام يستطيع حجب الشمس في رابعة النهار ؟! اللهم ثبت على الحق من هم قائمون فيه ، ورد ضال المسلمين إليه ردا جميلا...
25- إشادة النبي صلى الله عليه وسلم بإيمان الصديق والفاروق ؛ ومما يدل على ذلك النص الآتي :
( بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها ألا أن الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف إنا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله  وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف .
هذه شهادة من لا ينطق عن الهوى شهادة للعمرين لا تزنها مثاقيل الجبال من الذهب والفظة بل لا نزنها الدنيا بما تتضمنه من متاع الحياة ؛ شهادة يفخر بها العمران وأهل الحق الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار الحق الواضح الذي لا يقف أمام رؤيته هوى ولا جهل ، ولا حسد ولا ولا ... ولا شيء من معكرات الرؤية فالحمد لله على نعمته نسأل الله ألا يسلبنا هذه النعمة ...

26- سابقة الإنسان المشرقة ينبغي أن تحسب له ، وهو مبدأ إسلامي ثابت في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام . والنصوص في هذا معلومة . والصحابة رضوان الله عليهم سابقتهم معلومة أشاد بها الله تعالى في كتابه وأشاد بها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته . والقرآن الكريم لم يمدح أحدا ثم انتكس ، أو بدل أو غير ، والذي علم الله أنه سيهلك على مجانبة الصواب ذكره بالاسم ... وهي[فضل السبق] سنة معمول بها حتى في القوانين التي لا تستند إلى وحي في تقدير صاحب السابقة ؛ وإن حدث له شيء ؛ فليس هناك أحد معصوم من الخطأ . أفيليق بالمسلم أن يعترض على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم فيما قد قُرر في الكتاب المعصوم ، والسنة المطهرة ، والسيرة العطرة ، وينقض قواعد ومبادئ أعظم ثبوتا من الجبال الرواسي ...! ويتجهم بوجهه تجاه كل الأعراف والمسلمات ...
ومن الأدلة على اعتبار السابقة مبدأ وقاعدة ثابتة قول الله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
وهي شهادة من الله للصحابة الكرام والبشارة لهم بالجنة والذين اتبعوهم من صغار الصحابة ومن سار على النهج إلى يوم الدين .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري في عدد من الروايات حيث قال رحمه الله تعالى :
(حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله  أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله  فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله  فقال رسول الله  يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله  لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )
وحدثني محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء سمعته يقول بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير فقال ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا الكتاب قالت لم يعطني فقلنا لتخرجن أو لأجردنك فأخرجت من حجزتها فأرسل إلى حاطب فقال لا تعجل والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حبا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن اتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق فقال ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرأه )
وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة  يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق  إلى قوله  فقد ضل سواء السبيل )
و حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال حدثني الحسن بن محمد بن علي أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله  أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي  فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي  فقال النبي  ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي  إنه قد صدقكم فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال عمرو ونزلت فيه  يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )

27-ومن مزايا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوة إيمانه التي ترجح في الميزان على إيمان الأمة ، وهي مسألة كالمشاهدة في الحياة العملية التطبيقية للصديق ؛ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم .والأمثلة الواضحة الصحيحة تشهد على صحة قوة إيمان الصديق أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما في حياته عليه الصلاة والسلام فقد صدقه وآمن به من أول لحظة ، لم يتلكأ عليه رضوان الله تعالى؛ في أي موقف من المواقف ، وصبيحة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم صدقه وآمن بما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : إن قال ذلك فقد صدق ! فلما قيل له في ذلك ؟ قال : إني لأصدقه بأكبر من ذلك ؛ إني لأصدقه بخبر السماء ، وكذلك في صلح الحديبية رأينا كيف كان موقفه إزاء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأيه يتوافق مع رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسواها من المواقف ؛ فلم تسجل لنا النصوص أي موقف يناقض هذا ... وأما بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى فإن مواقف الصديق الصلبة في المدلهمات العظام تجلت بقوة إيمانه ، وفهمه الصحيح والدقيق للإسلام والإيمان ومتطلباتهما فوقف تلك المواقف المشرفة وواجه الفتن حتى خرج بالأمة –بفضل من الله تعالى إلى بر الآمان وقاد السفينة والأمواج هوج فخرج بها سالمة معافاه تدق أبواب فارس والروم بل وصلت إليها وبدأت الدولتان تتهاوي قواها تباعا حيث واصل من حيث وانتهى الفاروق وكذا ذو النورين وأبو السبطين رضي الله عن الجميع . وبنى للأمة أسسا على ضوء بناء النبي صلى الله عليه وسلم كانت منطلقا لها تسير في في مشارق الأرض ومغاربها على ضوئها . فمن ذا الذي يفعل كأبي بكر الصديق صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورفيقه في الغار ، وملازمه في جميع غزواته وجهاده وفي الحرب والسلم ، وحامل دفة الدولة الإسلامية بعده عليه الصلاة والسلام في وقت حرج إلى الغاية ...
أولائك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع .
28- كفته راجحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم والنصان الآتيان يشيران إلى ذلك كما يشيران إلى عقد الخلفاء وسير الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتحددان الخلافة الراشدة بثلاثين عاما . قال الحاكم في المستدرك :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا حميد بن عياش الرملي ثنا المؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال أيكم رأى الليلة رؤيا قال فصلى ذات يوم فقال أيكم رأى رؤيا فقال رجل أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي به من السماء فوضعت في كفة ووضع أبو بكر من كفة أخرى فرجحت بأبي بكر فرفعت وترك أبو بكر مكانه فجيىء بعمر بن الخطاب فوضع في الكفة الأخرى فرجح به أبو بكر فرفع أبو بكر وجيىء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خلافة النبوة ثلاثون عاما ثم تكون ملك قال سعيد بن جمهان فقال لي سفينة أمسك سنتي أبي بكر وعشر عمر واثنتي عشرة عثمان وست علي رضي الله عنهم أجمعين وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهدي بن رستم ثنا موسى بن هارون البردي ثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله  قال أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضي الله عنه نيط برسول الله  ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند النبي  قلنا الرجل الصالح النبي  وأما ما ذكر من نوط بعضهم بعضا فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه  ولعاقبة هذا الحديث إسناد صحيح عن أبي هريرة ولم يخرجاه .

29-أمانته وخوفه من الله تعالى فيما ولي عليه حيث دعى إلى مراقبة سيره في قيادة الأمة دعوة صادقة بفقه وفهم ؛ في تسديده فيما أصاب ، وتقويمه فيما أخطأ فإن ذلك أساس كل حكم صالح نافع للراعي والرعية ...
30- وثمة ملحظ في الخطبة في ورعه من أخذ الأجرة على انشغاله بالخلافة عن كفاية بيته وولده فقد أوصى بردها إلى بيت المال . رضي الله عنه وعن جميع الصحابه الكرام ...
فمن مثل أبي بكر الصديق بعد الأنبياء يوم أن كان مسئولا عليه ، ويوم أن أصبح مسئولا وخليفة ورضي الله عنه في الأولين والآخرين .

لقد كان ذا عقل راجح ، وأعتذر من قصور تعبيري عن أعظم شخصية بعد الأنبياء سائلا الله تعالى أن يعفو عني فيما قصرت وأن يحفظ مكانة هذا القائد العظيم في نفوس المسلمين ، وأن يخرس ألسنا تنال منه ، وقلوبا مريضة تحمل الحقد عليه ... وأختم بأبيات ذكرت الصديق في ثناياها
للأديب موسى بن بهيج الأندلسي على لسان أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم حيث قال :

مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبتـي""ومُحَمَّدٌ فـي حِجْـره رَبَّانـي؟
وأذختُ عن أبوي ديـنَ محمـدٍ""وهُما على الإسلامِ مُصطَحِبانـيِ
وأبي أقـامَ الدِّيـن بَعْـدَ مُحمـدٍ""فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِنانـي
والفَخرُ فخري والخلافةُ في أبي""حَسبي بهـذا مَفْخَـراً وكَفانـي
وأنا ابْنَةُ الصِّديقِ صاحبِ أحمـدٍ""وحَبيبهِ فـي السِّـرِّ والإعـلانِ
نصـرَ النبـيَّ بمالـهِ وفِعالـه""وخُروجهِ مَعَـهُ مـن الأوطـانِ
ثانيه في الغارِِ الذي سَدَّ الكُـوَى""بِردائـهِ أكـرِم بِـهِ مـنْ ثـانِ
وجفا الغِنى حتى تَخلـل بالعبـا""زُهـداُ وأذعن أيَّمـا إذعـانِ
وتخللتْ مَعَـهُ ملائكـةُ السمـا""وأتتهُ بُشـرى الـهِ بالرضـوانِ
وهو الذي لم يخشَ لَومـةً لائـمٍ""في قتلِ أهلِ البَغْـيِ والعُـدوانِ
قتلَ الأُلى مَنَعوا الزكاة بكُفْرهـم"" وأذل أهـلَ الكُفـر والطُّغيـانِ
سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابـةَ للهدى""هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ
واللهِ ما استبَقُوا لنيـلِ فضيلـةٍ""مَثلَ استباقِ الخيل يـومَ رهـانِ
إلا وطارَ أبـي إلـي عليائِهـا""فمكانُـه منهـا أجـلُّ مـكـانِ
ويـلٌ لِعبـدٍ خـانَ آلَ مُحمـدٍ"" بعَـداوةِ الأزواجِ والأخـتـانِ
طُُوبى لمن والى جماعةَ صحبـهِ""ويكون مِـن أحبابـه الحسنـانِ
بينَ الصحابـةِ والقرابـةِ أُلْفَـةٌ"" لا تستحيلُ بنزغَـةِ الشيطـانِ
هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلاً""هل يستوي كَفٌ بغيـر بَنـانِ؟
حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي""وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ مـن الأضغـانِ
حُبُّ البتولِ وبعلها لـم يختلِـفْ""مِن مِلَّـة الإسـلامِ فيـه اثنـانِ
أكـرم بأربعـةٍ أئمـةِ شرعنـا""فهُـمُ لبيـتِ الديـنِ كالأركـانِ
نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمـةٍ""فبناؤهـا مـن أثبـتِ البُنيـانِ
اللهُ ألـفَ بـيـن وُدِّ قلوبـهـم""ليغيـظَ كُـلَّ مُنافـق طـعـانِ
رُحماء بينهمُ صفـت أخلاقُهُـمْ""وخلـت قُلُوبهـمُ مـن الشنـآن
فدُخولهـم بيـن الأحبـة كُلفـةٌ""وسبابهم سبـبٌ إلـي الحرمـان
جمع الإلهُ المسلمين علـى أبـي""واستُبدلوا مـن خوفهـم بأمـان
وإذا أراد اللهُ نُصـرة عـبـده""من ذا يُطيقُ لـهُ علـى خـذلانِ
من حبني فليجتنب مـن سبنـي""إن كانَ صان محبتي ورعانـي
وإذا محبي قـد ألـظَّ بمُبغضـي""فكلاهما في البُغـض مُستويـانِ
إنـي لطيبـةُ خُلقـتُ لطـيـب""ونساءُ أحمـدَ أطيـبُ النِّسـوان
إني لأمُ المؤمنيـن فمـن أبـى""حُبي فسوف يبُـوءُ بالخسـران
اللهُ حببـنـي لِقـلـبِ نبـيـه""وإلي الصراطِ المستقيـمِ هدانـي
واللهُ يُكـرمُ مـن أراد كرامتـي""ويُهين ربي مـن أراد هوانـي
والله أسألُـهُ زيــادة فضـلـه""وحَمِدْتُـهُ شمـراً لِمـا أولانـي
يا من يلوذُ بأهل بيـت مُحمـد"" يرجو بذلك رحمـةَ الرحمـان
صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُـدْ""عنَّـا فتُسلـب حُلـت الإيمـان
إني لصادقـة المقـالِ كريمـةٌ""أي والـذي ذلـتْ لـه الثقـلانِ
خُذها إليكَ فإنما هـي روضـةٌ""محفوفـة بالـروح والريحـان
صلَّى الإلهُ علـى النبـي وآلـه""فبهـمْ تُشـمُّ أزهـرُ البُسـتـانِ

في الحلقة الآتية –إن شاء الله – بداية الحديث عن الفاروق رضي الله عنه .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء تتمة 28و29

صفوة الأمة بعد الأنبياء تتمة 28و29

صفوة الأمة بعد الأنبياء تتمة 28 والحلقة29
25- إشادة النبي صلى الله عليه وسلم بإيمان الصديق والفاروق ؛ ومما يدل على ذلك النص الآتي :
( بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها ألا أن الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف إنا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله  وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف .
هذه شهادة من لا ينطق عن الهوى شهادة للعمرين لا تزنها مثاقيل الجبال من الذهب والفظة بل لا نزنها الدنيا بما تتضمنه من متاع الحياة ؛ شهادة يفخر بها العمران وأهل الحق الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار الحق الواضح الذي لا يقف أمام رؤيته هوى ولا جهل ، ولا حسد ولا ولا ... ولا شيء من معكرات الرؤية فالحمد لله على نعمته نسأل الله ألا يسلبنا هذه النعمة ...

26- سابقة الإنسان المشرقة ينبغي أن تحسب له ، وهو مبدأ إسلامي ثابت في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام . والنصوص في هذا معلومة . والصحابة رضوان الله عليهم سابقتهم معلومة أشاد بها الله تعالى في كتابه وأشاد بها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته . والقرآن الكريم لم يمدح أحدا ثم انتكس ، أو بدل أو غير ، والذي علم الله أنه سيهلك على مجانبة الصواب ذكره بالاسم ... وهي[فضل السبق] سنة معمول بها حتى في القوانين التي لا تستند إلى وحي في تقدير صاحب السابقة ؛ وإن حدث له شيء ؛ فليس هناك أحد معصوم من الخطأ . أفيليق بالمسلم أن يعترض على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم فيما قد قُرر في الكتاب المعصوم ، والسنة المطهرة ، والسيرة العطرة ، وينقض قواعد ومبادئ أعظم ثبوتا من الجبال الرواسي ...! ويتجهم بوجهه تجاه كل الأعراف والمسلمات ...
ومن الأدلة على اعتبار السابقة مبدأ وقاعدة ثابتة قول الله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
وهي شهادة من الله للصحابة الكرام والبشارة لهم بالجنة والذين اتبعوهم من صغار الصحابة ومن سار على النهج إلى يوم الدين .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري في عدد من الروايات حيث قال رحمه الله تعالى :
(حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله  أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله  فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله  فقال رسول الله  يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله  لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )
وحدثني محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء سمعته يقول بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير فقال ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا الكتاب قالت لم يعطني فقلنا لتخرجن أو لأجردنك فأخرجت من حجزتها فأرسل إلى حاطب فقال لا تعجل والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حبا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن اتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق فقال ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرأه )
وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة  يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق  إلى قوله  فقد ضل سواء السبيل )
و حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال حدثني الحسن بن محمد بن علي أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله  أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي  فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي  فقال النبي  ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي  إنه قد صدقكم فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال عمرو ونزلت فيه  يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )

27-ومن مزايا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوة إيمانه التي ترجح في الميزان على إيمان الأمة ، وهي مسألة كالمشاهدة في الحياة العملية التطبيقية للصديق ؛ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم .والأمثلة الواضحة الصحيحة تشهد على صحة قوة إيمان الصديق أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما في حياته عليه الصلاة والسلام فقد صدقه وآمن به من أول لحظة ، لم يتلكأ عليه رضوان الله تعالى؛ في أي موقف من المواقف ، وصبيحة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم صدقه وآمن بما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : إن قال ذلك فقد صدق ! فلما قيل له في ذلك ؟ قال : إني لأصدقه بأكبر من ذلك ؛ إني لأصدقه بخبر السماء ، وكذلك في صلح الحديبية رأينا كيف كان موقفه إزاء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأيه يتوافق مع رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسواها من المواقف ؛ فلم تسجل لنا النصوص أي موقف يناقض هذا ... وأما بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى فإن مواقف الصديق الصلبة في المدلهمات العظام تجلت بقوة إيمانه ، وفهمه الصحيح والدقيق للإسلام والإيمان ومتطلباتهما فوقف تلك المواقف المشرفة وواجه الفتن حتى خرج بالأمة –بفضل من الله تعالى إلى بر الآمان وقاد السفينة والأمواج هوج فخرج بها سالمة معافاه تدق أبواب فارس والروم بل وصلت إليها وبدأت الدولتان تتهاوي قواها تباعا حيث واصل من حيث وانتهى الفاروق وكذا ذو النورين وأبو السبطين رضي الله عن الجميع . وبنى للأمة أسسا على ضوء بناء النبي صلى الله عليه وسلم كانت منطلقا لها تسير في في مشارق الأرض ومغاربها على ضوئها . فمن ذا الذي يفعل كأبي بكر الصديق صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورفيقه في الغار ، وملازمه في جميع غزواته وجهاده وفي الحرب والسلم ، وحامل دفة الدولة الإسلامية بعده عليه الصلاة والسلام في وقت حرج إلى الغاية ...
أولائك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع .
28- كفته راجحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم والنصان الآتيان يشيران إلى ذلك كما يشيران إلى عقد الخلفاء وسير الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتحددان الخلافة الراشدة بثلاثين عاما . قال الحاكم في المستدرك :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا حميد بن عياش الرملي ثنا المؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال أيكم رأى الليلة رؤيا قال فصلى ذات يوم فقال أيكم رأى رؤيا فقال رجل أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي به من السماء فوضعت في كفة ووضع أبو بكر من كفة أخرى فرجحت بأبي بكر فرفعت وترك أبو بكر مكانه فجيىء بعمر بن الخطاب فوضع في الكفة الأخرى فرجح به أبو بكر فرفع أبو بكر وجيىء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خلافة النبوة ثلاثون عاما ثم تكون ملك قال سعيد بن جمهان فقال لي سفينة أمسك سنتي أبي بكر وعشر عمر واثنتي عشرة عثمان وست علي رضي الله عنهم أجمعين وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهدي بن رستم ثنا موسى بن هارون البردي ثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله  قال أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضي الله عنه نيط برسول الله  ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند النبي  قلنا الرجل الصالح النبي  وأما ما ذكر من نوط بعضهم بعضا فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه  ولعاقبة هذا الحديث إسناد صحيح عن أبي هريرة ولم يخرجاه .

29-أمانته وخوفه من الله تعالى فيما ولي عليه حيث دعى إلى مراقبة سيره في قيادة الأمة دعوة صادقة بفقه وفهم ؛ في تسديده فيما أصاب ، وتقويمه فيما أخطأ فإن ذلك أساس كل حكم صالح نافع للراعي والرعية ...
30- وثمة ملحظ في الخطبة في ورعه من أخذ الأجرة على انشغاله بالخلافة عن كفاية بيته وولده فقد أوصى بردها إلى بيت المال . رضي الله عنه وعن جميع الصحابه الكرام ...
فمن مثل أبي بكر الصديق بعد الأنبياء يوم أن كان مسئولا عليه ، ويوم أن أصبح مسئولا وخليفة ورضي الله عنه في الأولين والآخرين .

لقد كان ذا عقل راجح ، وأعتذر من قصور تعبيري عن أعظم شخصية بعد الأنبياء سائلا الله تعالى أن يعفو عني فيما قصرت وأن يحفظ مكانة هذا القائد العظيم في نفوس المسلمين ، وأن يخرس ألسنا تنال منه ، وقلوبا مريضة تحمل الحقد عليه ... وأختم بأبيات ذكرت الصديق في ثناياها
للأديب موسى بن بهيج الأندلسي على لسان أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم حيث قال :

مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبتـي""ومُحَمَّدٌ فـي حِجْـره رَبَّانـي؟
وأذختُ عن أبوي ديـنَ محمـدٍ""وهُما على الإسلامِ مُصطَحِبانـيِ
وأبي أقـامَ الدِّيـن بَعْـدَ مُحمـدٍ""فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِنانـي
والفَخرُ فخري والخلافةُ في أبي""حَسبي بهـذا مَفْخَـراً وكَفانـي
وأنا ابْنَةُ الصِّديقِ صاحبِ أحمـدٍ""وحَبيبهِ فـي السِّـرِّ والإعـلانِ
نصـرَ النبـيَّ بمالـهِ وفِعالـه""وخُروجهِ مَعَـهُ مـن الأوطـانِ
ثانيه في الغارِِ الذي سَدَّ الكُـوَى""بِردائـهِ أكـرِم بِـهِ مـنْ ثـانِ
وجفا الغِنى حتى تَخلـل بالعبـا""زُهـداُ وأذعن أيَّمـا إذعـانِ
وتخللتْ مَعَـهُ ملائكـةُ السمـا""وأتتهُ بُشـرى الـهِ بالرضـوانِ
وهو الذي لم يخشَ لَومـةً لائـمٍ""في قتلِ أهلِ البَغْـيِ والعُـدوانِ
قتلَ الأُلى مَنَعوا الزكاة بكُفْرهـم"" وأذل أهـلَ الكُفـر والطُّغيـانِ
سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابـةَ للهدى""هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ
واللهِ ما استبَقُوا لنيـلِ فضيلـةٍ""مَثلَ استباقِ الخيل يـومَ رهـانِ
إلا وطارَ أبـي إلـي عليائِهـا""فمكانُـه منهـا أجـلُّ مـكـانِ
ويـلٌ لِعبـدٍ خـانَ آلَ مُحمـدٍ"" بعَـداوةِ الأزواجِ والأخـتـانِ
طُُوبى لمن والى جماعةَ صحبـهِ""ويكون مِـن أحبابـه الحسنـانِ
بينَ الصحابـةِ والقرابـةِ أُلْفَـةٌ"" لا تستحيلُ بنزغَـةِ الشيطـانِ
هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلاً""هل يستوي كَفٌ بغيـر بَنـانِ؟
حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي""وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ مـن الأضغـانِ
حُبُّ البتولِ وبعلها لـم يختلِـفْ""مِن مِلَّـة الإسـلامِ فيـه اثنـانِ
أكـرم بأربعـةٍ أئمـةِ شرعنـا""فهُـمُ لبيـتِ الديـنِ كالأركـانِ
نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمـةٍ""فبناؤهـا مـن أثبـتِ البُنيـانِ
اللهُ ألـفَ بـيـن وُدِّ قلوبـهـم""ليغيـظَ كُـلَّ مُنافـق طـعـانِ
رُحماء بينهمُ صفـت أخلاقُهُـمْ""وخلـت قُلُوبهـمُ مـن الشنـآن
فدُخولهـم بيـن الأحبـة كُلفـةٌ""وسبابهم سبـبٌ إلـي الحرمـان
جمع الإلهُ المسلمين علـى أبـي""واستُبدلوا مـن خوفهـم بأمـان
وإذا أراد اللهُ نُصـرة عـبـده""من ذا يُطيقُ لـهُ علـى خـذلانِ
من حبني فليجتنب مـن سبنـي""إن كانَ صان محبتي ورعانـي
وإذا محبي قـد ألـظَّ بمُبغضـي""فكلاهما في البُغـض مُستويـانِ
إنـي لطيبـةُ خُلقـتُ لطـيـب""ونساءُ أحمـدَ أطيـبُ النِّسـوان
إني لأمُ المؤمنيـن فمـن أبـى""حُبي فسوف يبُـوءُ بالخسـران
اللهُ حببـنـي لِقـلـبِ نبـيـه""وإلي الصراطِ المستقيـمِ هدانـي
واللهُ يُكـرمُ مـن أراد كرامتـي""ويُهين ربي مـن أراد هوانـي
والله أسألُـهُ زيــادة فضـلـه""وحَمِدْتُـهُ شمـراً لِمـا أولانـي
يا من يلوذُ بأهل بيـت مُحمـد"" يرجو بذلك رحمـةَ الرحمـان
صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُـدْ""عنَّـا فتُسلـب حُلـت الإيمـان
إني لصادقـة المقـالِ كريمـةٌ""أي والـذي ذلـتْ لـه الثقـلانِ
خُذها إليكَ فإنما هـي روضـةٌ""محفوفـة بالـروح والريحـان
صلَّى الإلهُ علـى النبـي وآلـه""فبهـمْ تُشـمُّ أزهـرُ البُسـتـانِ

في الحلقة الآتية –إن شاء الله – بداية الحديث عن الفاروق رضي الله عنه .



من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات إلى الكم الذي تستطيع عليه ؛ لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...

[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]
(ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره )
( إن يكن من أمتي محدث –ملهم-فعمر )

الحلقة التاسعة والعشرون
هنيئا قصرالجنة أبا حفص
المقصود من الكتابة هنا إبراز مكانة الصحابة الكرام في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ؛ عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا فلن أعرض للناحية التاريخية السردية فليعذرني القارئ في هذا فهذا له مكانه المخصص له ... وفي هذه الحلقة التي تعتبر الأولى فيما يتعلق بأمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه أبدأها من الجنة حيث القصر المنيف المعد له ، وهي بشارة له من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه القصة مروية في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى فما ذا عسى أن يقال عن مبشر بالجنة من أصدق من وطئ الثرى ، وأفضل من أظلته السماء ؛ من النبي صلى الله عليه وسلم ، ألا يجزيه الله بالجنة وهو الكريم سبحانه ... هذا الرجل الذي أعجز الكتبة أن يحيطوا بسيرته وأعماله العظيمة ، لقد كتب الكثير عن أمير المؤمنين عمر ومن الكتابات رسائل ماجستير ودكتوراه فلم يغطوا إلا جوانب من سيرته العملية رضي الله عنه ... كُتب عنه في المجالات السياسية ، والاقتصادية ، وفي المجالات العسكرية و... فلم يُوفى حقه رضي الله عنه ... إنني أشبه الذي يحاول التطاول على جانب الفاروق كالقزم الذي لا يتجاوز طوله بضع سنتيمترات وهو يريد أن يمسك الشمس ويحجبها بيده المكسحة المشلولة ! عليك أن تتملى هذا المشهد في المشبه والمشبه به ليظهر لك الأمر . ولله الأمر من قبل ومن بعد (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) .
يقول الإمام البخاري في صحيحة رحمه الله تعالى :
حدثنا حجاج بن منهال حدثنا عبد العزيز بن الماجشون حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا فقال هذا بلال ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن هذا فقالوا لعمر فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار )
جمع هذا الحديث العظيم ثلاثة من الصحابة الكرام المبشرين بالجنة ، وكلهم من كبار الصحابة الذين لهم سابقة وفضل ، ومواقف عظيمة ليست بخافية على المطلع بل على أي من المسلمين سابقا ولاحقا ، ومن لا يعرف بلالا مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب المواقف التي تدل على ثبات كالجبال الرواسي . ومن لا يعرف أم سليم أم أنس ابن مالك صاحبة الموقف العظيمة أليست من جعلت الإسلام مهر زواجها بأبي طلحة ؛ فأسلم وتزوجها ... أما الفاروق فهو أعظم من أن يخفى على أحد من المسلمين ومن غيرهم ...
يقول ابن حجر في الفتح : (قوله حدثنا عبد العزيز بن الماجشون كذا لأبي ذر وسقط لفظ بن من رواية غيره وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده قوله: حدثنا محمد بن المنكدر هكذا رواه الأكثر عن بن الماجشون ورواه صالح بن مالك عنه عن حميد عن أنس أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين ؛ ويؤيده اقتصاره في حديث حميد على قصة القصر فقط وقد أخرجه الترمذي والنسائي وبن حبان من وجه آخر عن حميد كذلك . قوله رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة هي أم سليم ؛ والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمص كان بعينها . واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك وقيل هو اسمها ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام . وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة .وجوز بن التين أن يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة . وقوله رأيتني بضم المثناة والضمير من المتكلم ؛ وهو من خصائص افعال القلوب . قوله وسمعت خشفة بفتح المعجمتين والفاء أي حركة وزنا ومعنى . ووقع لأحمد : سمعت خشفا يعني صوتا . قال أبو عبيد الخشفة الصوت ليس بالشديد . قيل وأصله صوت دبيب الحية . ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم . قوله فقلت من هذا فقال هذا بلال . وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث أبي هريرة مطولا .وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به، وتقدم بعض الكلام عليه في صفة الجنة ؛ حيث أورد هناك من حديث أبي هريرة قوله ورأيت قصرا بفنائه جارية في حديث أبي هريرة الذي بعده تتوضأ إلى جانب قصر ، وفي حديث أنس عند الترمذي قصر من ذهب والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد جانب الدار . قوله فقلت لمن هذا فقال في رواية الكشميهني فقالوا والظاهر أن المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة ، وقد افرد هذه القصة في النكاح وفي التعبير من وجه آخر عن بن المنكدر . قوله فذكرت غيرتك في الرواية التي في النكاح فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك . ووقع في رواية بن عيينة عن بن المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الأخيرة دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا يسمع فيه ضوضاء فقلت لمن هذا فقيل لعمر ، والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد ، ووقع في حديث أبي هريرة أن عمر بكى . ويأتي في النكاح بلفظ فبكى عمر وهو في المجلس . وقوله بابي وأمي أي أفديك بهما . وقوله أعليك أغار معدود من القلب ؛ والأصل أعليها أغار منك قال ابن بطال فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه ، قال وبكاء عمر يحتمل أن يكون سرورا ، ويحتمل أن يكون تشوقا أو خشوعا ، ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة فقال عمر وهل رفعني الله إلا بك ؟ وهل هداني الله الا بك ؟ رويناه في فوائد عبد العزيز الحربي من هذا الوجه . وهي زيادة غريبة . الحديث الثاني حديث أبي هريرة في المعنى ذكره مقتصرا على قصة رؤيا المرأة إلى جانب القصر وزاد فيه قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا وفيه ما كان عليه النبي  من مراعاة الصحبة . وفيه فضيلة ظاهرة لعمر وقوله فيه تتوضأ يحتمل أن يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لأن الرؤيا وقعت في زمن التكليف والجنة وان كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر.
قوله تتوضأ إلى جانب قصر إنها تتوضأ خارجة منه ، أو هو على غير الحقيقة ، ورؤيا المنام لا تحمل دائما على الحقيقة. بل تحتمل التأويل؛ فيكون معنى كونها تتوضأ أنها تحافظ في الدنيا على العبادة ، أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لأجل الوضاءة على مدلوله اللغوي ، وفيه بعد . وأغرب بن قتيبة وتبعه الخطابي فزعم أن قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ وإنما الصواب امرأة شوهاء ولم يستند في هذه الدعوى إلا إلى استبعاد أن يقع في الجنة وضوء ؛ لأنه لا عمل فيها وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ ثم اخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ، ونقله عن أبي عبيدة وإنما تكون حسناء إذا وصفت بها الفرس قال الجوهري فرس شوهاء صفة محمودة والشوهاء الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به بن الأعرابي وغيره ، وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي لكن نسبه إلى بن قتيبة فقط قال بن قتيبة بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل إن الشوهاء تطلق على القبيحة والحسناء قال القرطبي والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لان الجنة منزهة عن الأوساخ والأقذار وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير باب الوضوء في المنام فبطل ما تخيله الخطابي وفي الحديث فضيلة الرميصاء ... وبلال رضي الله عن الجميع ...
___________
- الفتح 7/27-28
- سورة التوبة الآية 100 .
- أنظر : زبدة التفسير مختصر فتح القدير للإمام الشوكاني 285-286 .
- صحيح البخاري 3/1095 رقم 2845 .
- المرجع السابق 3/ 1120 رقم 2915 .
- المرجع السابق 4/ 1557 رقم 4025
- المرجع السابق : 4/ 1855. 4608 .
- المستدرك على الصحيحين 3/75 . رقم 4438 .
- المرجع السابق الصفحة نفسها . رقم 4439
- هذه الأبيات منقولة من أحد المواقع ذهب عني اسمه .
- صحيح البخاري 3/1346. رقم 3476 .
- الفتح 7/ 44- 46 بتصرف يسير .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 30

صفوة الأمة بعد الأنبياء 30

صفوة الأمة بعد الأنبياء 30
من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات إلى الكم الذي تستطيع عليه ؛ لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...



[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]



(ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره ياعمر )

( إن يكن من أمتي محدث –ملهم-فعمر )

النبي صلى الله عليه وسلم

الحلقة الثلاثون

شهادة غالية

عظيم أن يشهد عالم ثقة ثبت لأحد لكن أعظم من ذلك أن تكون الشهادة صادرة عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، وماذا يضير الفاروق أن لا يشهد له الثقلان افتراضا ، ثم ماذا لو ثلبه الجميع أيضره ذلك وقد شهد له الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى ؟

مسكين من يتطاول على العظماء ، فإنه يعرض نفسه للسخرية والاحتقار فأين الثرى من الثريا ... إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده . نعوذ بالله من الجهد المهدور ، والتصرف المحظور.

نص الشهادة الغالية

قال الإمام البخاري : حدثني محمد بن الصلت أبو جعفر الكوفي حدثنا بن المبارك عن يونس عن الزهري قال أخبرني حمزة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر فقالوا يا رسول الله فما أولته قال العلم}[1]

سبقت الإشارة إلى معنى الحديث وتعبير الرؤيا عند ذكره في مناقب الصديق رضي الله عنه .

) قوله حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر هو الأسيدي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وله شيخ آخر يقال له محمد بن الصلت؛ يكنى أبا يعلى وهو بصري وأبو جعفر أكبر من أبي يعلى واقدم سماعا قوله شربت يعني اللبن كذا أورده مختصرا وسيأتي في التعبير عن عبدان عن بن المبارك بلفظ بينا انا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه أي من ذلك اللبن قوله حتى انظر إلى الري في رواية عبدان حتى إني ويجوز فتح همزة أني وكسرها ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه مرئيا وأما قوله انظر فانما اتي به بصيغة المضارعة والأصل انه ماض استحضارا لصورة الحال وقوله انظر يؤيد ان قوله أرى في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم والري بكسر الراء ويجوز فتحها. قوله يجري أي اللبن أو الري وهو حال قوله في ظفري أو أظفاري شك من الراوي وفي رواية عبدان من أظفاري ولم يشك وكذا في رواية عقيل في العلم لكن قال في اظفاري قوله ثم ناولت عمر في رواية عبدان ثم ناولت فضلي يعني عمر وفي رواية عقيل في العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قوله قالوا فما اولته أي عبرته قال العلم بالنصب أي اولته العلم وبالرفع أي المؤول به هو العلم ووقع في جزء الحسين بن عرفة من وجه آخر عن ن عمر قال فقالوا هذا العلم الذي آتاكه الله حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة فأخذها عمر قال أصبتم وإسناده ضعيف فإن كان محفوظا احتمل ان يكون بعضهم أول وبعضهم سأل ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سببا للصلاح فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي الحديث فضيلة عمر وان الرؤيا من شأنها الاتحمل على ظاهرها وان كانت رؤيا الأنبياء من الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره وسيأتي تقرير ذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله e واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فان مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا)[2]

لقد فُسر العلم هنا بأنه سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله e [3] وقد طال عهد الفاروق رضي الله عنه إضافة إلى حسن سياسته فكثرت الفتوحات ، بخلاف الصديق فإن عهده كان قصيرا ، وهذا تعليل جيد لمغزى تعبير الرؤيا [4] على أن الأسس التي انطلقت منها الفتوحات وسواها من الإصلاحات ... قد أسسها النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصديق رضي الله عنه .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري 3/1346 رقم3478.

[2] - الفتح 7/46

[3] - أنظر المرجع السابق

[4] - " "" ""
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 31

صفوة الأمة بعد الأنبياء 31

من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات إلى الكم الذي تستطيع عليه ؛ لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...



[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]

( إيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك) النبي صلى الله عليه وسلم

الحلقة الواحدة والثلاثون

قوة برحمة وحكمة تساوي قيادة راشدة

المنهج المبني على كتاب الله وسنة نبيه ، وما انبثق منهما يساوي قيادة وإدارة راشدة ،

لقد كان الفاروق رضي الله عنه يتمتع بهذا ؛ ولقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ، فالحديث الذي معنا يوضح صفة القوة بخوف الشيطان منه وكذلك النساء ، هذه القوة لو كانت خالية من الرحمة والحكمة والمنهج الراشد لما كانت قيادته موفقة لكن ثمة صفات الحكمة والعلم بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسياسة الناس بهما ، وكونه مهيأ لأن يصلح أن يكون محدثا لولا أنه لانبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم . هذه الصفات مهمة لمن يقود الناس قوة وحزم ، ورحمة وحكمة وتحرٍ للحق من دوحتي الوحي ، وما تفرع عنهما ... وبدون هذا تكون القيادة والإدارة غير موفقة ولا مسددة ... يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى :

حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن بن شهاب أخبرني عبد الحميد أن محمد بن سعد أخبره أن أباه قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن أبي شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك .[1]

قوله استأذن عمر على رسول الله e وعنده نسوة من قريش هن من أزواجه ويحتمل أن يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله يستكثرنه يؤيد الأول والمراد أنهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وزعم الداودي أن المراد أنهن يكثرن الكلام عنده وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم انهن يطلبن النفقة قوله عالية بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال وقوله أصواتهن على صوته قال بن التين يحتمل أن يكون ذلك قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك طبعهن انتهى وقال غيره يحتمل أن يكون الرفع حصل من مجموعهن لا أن كل واحدة منهن كان صوتها أرفع من صوته وفيه نظر .قيل ويحتمل أن يكون فيهن جهيرة أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه أو كن في حال المخاصمة فلم يتعمدن أو وثقن بعفوه ويحتمل في الخلوة ما لا يحتمل في غيرها. قوله أضحك الله سنك لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن قوله أتهبنني من الهيبة أي توقرنني . ..

قوله أيها يا بن الخطاب قال أهل اللغة أيها بالفتح والتنوين معناها لاتبتدئنا بحديث وبغير تنوين كف من حديث عهدناه وايه بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين زدنا مما حدثتنا ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين وحكى بن التين انه وقع له بغير تنوين وقال معناه كف عن لومهن وقال الطيبي الأمر بتوقير رسول الله e مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه فكان قوله e ايه استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه ولذلك عقبه بقوله والذي نفسي بيده الخ فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله والله اعلم .

قوله فجا أي طريقا واسعا وقوله قط تاكيد للنفي قوله إلا سلك فجا غير فجك ؛ فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي ان الشيطان لا سبيل له عليه لا إن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته فان قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ أن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه وهذا دال على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف . والحق المحض وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه . وقال عياض يحتمل ان يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان والأول أولى انتهى [2]


يقول أحد المختصين في علم الإدارة عن بعض سمات إدارة عمر [3] (تعد إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه للمنجزات الكبيرة التي حققها بروعة وعظمة المواقف -رغم إقبال الدنيا بفتنتها من مال وجاه، وزيادة رقعة الأرض، وكثرة الوافدين إلى دين الله تبارك وتعالى- نموذجا للدراسة والتنقيب والبحث.

وربما اتسم معظم ما كُتب عن الفاروق بأنه كان تاريخيا مهتما بالسرد دون التحليل، وحين النظر إلى هذا التاريخ بمنظار الإدارة ومبادئها وعلومها وفنونها، نجد الفاروق يستند في إدارته إلى مجموعة من الأسس.. فلنتأملها.

1 - الوضوح والدقة:

الإدارة ليست سلطة يتولاها شخص يصبح بموجبها الآمر الناهي، وليست وسيلة بناء مجد شخصي وتحقيق غرض ذاتي، إنما هي مسئولية ينوء بحملها من لهم قوة وعزم... هكذا يفهمها عمر رضي الله عنه، حيث يقول في أول خطبة "أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمرَ انتظار موافقة الحساب...".

ويضيف: "ولن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خُلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة له وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي وأتقدم". ويقول: "أنا مسئول عن أمانتي، لا أكِلُه إلى أحد إلا الأمناء وأهل النصح منكم، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله".


ومن التحليل الأولي لكلمات عمر يتضح:

1 - الكفاءة والقدرة من العناصر الملازمة لمن يتحمل المسئولية.

2 - تحقيق الأهداف منسجمة مع الجهد واتجاهات العمل لدى المسئولين.

3 - التعاون والمشورة من عوامل تحقيق الأهداف.

4 - العمل تكليف وليس تشريفا وبذلك لا يؤدي لتغير أخلاق المسئول.

5 - توزيع الصلاحيات لا يعفي من تحمل المسئوليات.

.. هذه المبادئ الإدارية لم يطلقها عمر شعارا بل واقعا حيا التزم بها في كافة جوانب سنوات خلافته الراشدة.

2 - تحديد الأهداف والتزامه بتحقيقها:

والأهداف مؤشرات تضيء الطريق أمام تحمل المسئولية، وتساعد على تحقيقها بأقل وقت وجهد وتكاليف.. وتلك حقيقة يدركها عمر منذ اليوم الأول؛ لذا حدد أهداف إدارته، فيقول في أول خطبة له: "ولكم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم عليَّ ألا أجتبي شيئا من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله وأسد ثغوركم، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك ولا أجمركم في ثغوركم، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم؛ فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم".

.. يقرر الفاروق عمر رضي الله عنه أهداف الدولة التي يلتزم بها ويحددها بشكل دقيق: عدم إرهاق كاهل الأمة ماليا، وحسن تصريف الأموال، والعمل على تحسين مستوى المعيشة، وحماية الدولة من الاعتداء الخارجي، وتحقيق الاطمئنان النفسي، والرعاية الاجتماعية. وقد كان عمر خير من التزم بتحقيق هذه الأهداف على الوجه الأكمل.

3 - شروط نجاح العمل:

روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل...". هذه القواعد الثلاثة الهامة التي أقرها عمر رضي الله عنه التزمها في كافة أعبائه الإدارية، فما أجل عملا إلى غير وقته، وحزم كل أمره حتى اعتقد البعض مركزية القيادة في منهج عمر.

والأمانة كانت العنصر الأساسي في مراحل إدارته للدولة، فكانت خشية الله نصب عينيه، فالتزم التقوى في رعيته.

4 - تحديد الأسلوب الملائم لكل فرد:

من العوامل المساعدة على اتخاذ القرار المناسب فهم خصائص الأفراد والجماعات الذين يشملهم القرار، وفي ممارسة الفاروق لهذا الأساس في إدارته اعتماد معيارين للتمييز بين الأفراد:

أ - الأسبقية في اعتناق الإسلام وممارسة شعائره.

ب - السمات الخاصة بالإنسان.

وقد ورد عنه في ذلك قوله: "لي رأي في هذا المال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه". وقد فضّل في العطاء بني هاشم والذين حضروا بدرا.. وقد فضل أسامة بن زيد في العطاء على ولده عبد الله لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة وأبيه.

ولم يكن هذا التفضيل في مجال المال فحسب بل كان في مجال الشورى والرأي ومجال الاستقبالات وقضاء الحاجات. وقد ذكر عمر رضي الله عنه في قيادته للعرب قوله: "إنما مثل العرب مثل جمل أَنِف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده، فأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق". وقد التزم عمر هذا المنهج أولا مع ولاته فحملهم على الحق، فكان لا يتردد في التحقيق معهم ومعاقبة المسيء.

ولم يكن الفاروق متساهلا في الحق حتى في المواقف البسيطة؛ لأن الخطأ البسيط يولد خطأ كبيرا، والتاريخ حافل بالروايات حول بأس عمر وشدته في سبيل إقرار الحق، ولعل منها حادثة جبلة بن الأيهم، وهي دليل صادق على ذلك، كما كان يميز بين الأفراد في مواقفهم الخاصة وتاريخهم الفردي.


5 - إدراك دور القدوة:

من أبرز مشاكل الإدارة المعاصرة غياب النموذج أو القدوة.. وقد كان اهتمام الفاروق بتطبيق القدوة الصالحة والنموذج الأمثل لذلك يقول: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا".

ثم حدد علاقته بخزينة الدولة وهي أكثر الجوانب حساسية في العمل الإداري فقال: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلتها من مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف".

وقد التزم ذلك بدقة متناهية فلا ينال من بيت مال المسلمين زيادة عن راتبه إلا إقراضا، وقد ساعده ذلك على إلزام ولاته بهذا المنهج القويم.

ولم يكن يمارس هذا المنهج في المال فحسب بل في كافة شئون الحياة، وليس أدل على ذلك من حادية السمن في عام الرمادة.. وقد كان نموذجا لأهله في ذلك فقرر القاعدة الذهبية "من استعمل رجلا لمودة أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".

6 - نشر الوعي بين الجمهور حول الأهداف والصلاحيات:

لكي يحدث التفاعل في العملية الإدارية لا بد أن تحقق درجة من الوعي لدى الجمهور.. ويتحقق ذلك الوعي بالمعرفة الواضحة بأهداف المؤسسة والتحديد الدقيق لصلاحيات بمسئوليات أعضاء الهيئة الإدارية؛ تحسبا لاستغلال عدم وضوح رؤية الجمهور بالاستغلال السيئ للصلاحيات والمسئوليات.

ولقد أدرك الفاروق عمر رضي الله عنه أهمية هذا الأساس.. ورغم محدودية وسائل الإعلام في عهد الراشد فإن العزيمة والصدق والأمانة ساهمت في نشر الوعي المطلوب.

فقال: "أيها الناس إني ما أرسل إليكم عمالا ليضربوكم ولا ليأخذوا أموالكم، وإنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه...". ثم خاطب الولاة قائلا: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".


كما قال أيضا: "أيما عامل لي ظلم أحدا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته". وكذلك توضيحه للجمهور أسباب عزله لخالد بن الوليد عن قيادة الجيش تجنبا للفتنة كان يصب في ذات المنهج القويم. ولم تقتصر هذه التوعية على مجال دون آخر بل توعية لكافة المجالات المالية والعسكرية والاجتماعية.

تلك هي أهم الأسس التي قامت عليها إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه كان ينفذها رضي الله عنه كمن يقرأ من كتاب فغرس المفاهيم الأولى للإدارة الحقة القائمة على الأمانة والمسئولية والتقوى والقوة معا. وحيث إن الإدارة عمل متواصل يبدأ بتحديد الهدف وينتهي بتحقيقه؛ فقد كان الفاروق خير من مارس الإدارة.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - البخاري 3/ 1347. رقم 3480 .

[2] - الفتح 7/47-48 بتصرف

[3] - د. محمد إبراهيم المدهون : إسلام أون لاين
 
صفوة المة بعد الأنبياء 32

صفوة المة بعد الأنبياء 32

من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات إلى الكم الذي تستطيع عليه ؛ لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...



[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ] .

( إيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك)

النبي صلى الله عليه وسلم



الحلقة الثانية والثلاثون

مكانة مرموقة

حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس قال قال عبد الله ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر [1]

لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وخشي على مستقبل الإسلام دعا –مضطرا – أن ينصره بأحد العمرين : عمر بن الخطاب أوعمرو بن هشام(أبو جهل) لقوتهما وجلدهما ، فاختار الله عمر بن الخطاب لما علمه الله سبحانه وتعالى فيه ... وللأثر قصة طويلة تحكي إسلام عمر ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها أصحاب السير لمن أراد أن يستزيد لكن صاحب الفتح أشار إليها إشارة خفيفة في أثناء شرحه للأثر حيث قال :

(قوله حدثنا يحيى بن سعيد القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية بن عيينة عن إسماعيل كما سيأتي في باب إسلام عمر التصريح بذلك قوله ما زلنا أعزة منذ اسلم عمر أي لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر الله وروى بن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن مسعود كان إسلام عمر عزا وهجرته نصرا وإمارته رحمة والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى اسلم عمر وقد ورد سبب إسلامه مطولا فيما أخرجه الدارقطني من طريق القاسم بن عثمان عن أنس قال خرج عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة فذكر قصة دخول عمر على أخته وإنكاره إسلامها وإسلام زوجها سعيد بن زيد وقراءته سورة طه ورغبته في الإسلام فخرج خباب فقال أبشر يا عمر فاني أرجو أن تكون دعوة رسول الله e لك قال اللهم أعز الإسلام بعمر أو بعمرو بن هشام . وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث بن عباس وفي آخره فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء فخرجنا في صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر فنظرت قريش إلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها وأخرجه البزار من طريق اسلم مولى عمر عن عمر مطولا وروى بن أبي خيثمة من حديث عمر نفسه قال لقد رأيتني وما اسلم مع رسول الله e إلا تسعة وثلاثون رجلا فكملتهم أربعين فأظهر الله دينه واعز الإسلام وروى البزار نحوه من حديث بن عباس وقال فيه فنزل جبريل فقال يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وفي فضائل الصحابة لخيثمة من طريق أبي وائل عن بن مسعود قال قال رسول الله e اللهم أيد الإسلام بعمر ومن حديث علي مثله بلفظ أعز وفي حديث عائشة مثله أخرجه الحاكم بإسناد صحيح وأخرجه الترمذي من حديث بن عمر بلفظ اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بابي جهل أو بعمر قال فكان أحبهما إليه عمر قال الترمذي حسن صحيح قلت وصححه بن حبان أيضا وفي إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال لكن له شاهد من حديث بن عباس أخرجه الترمذي أيضا ومن حديث أنس كما قدمته في القصة المطولة ومن طريق اسلم مولى عمر عن عمر عن خباب وله شاهد مرسل أخرجه بن سعد من طريق سعيد بن المسيب والإسناد صحيح إليه وروى بن سعد أيضا من حديث صهيب قال لما اسلم عمر قال المشركون انتصف القوم منا وروى البزار والطبراني من حديث بن عباس نحوه [2])

إنه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لنصرة الإسلام ، واختيار الله تعالى له ، استجابة لدعوة نبيه ، تلك مكانة الفاروق من أول يوم هداه الله إلى الإسلام ، وهذه شهادة ابن أم عبد ، أحد علماء الصحابة الكبار ، وأحد العبادلة ... ما يدل على شجاعته التي سخرها لنصرة دين الله منذ أن أسلم وحتى لقي الله تعالى ؛ فرضي الله عن عمر الفاروق حيا وميتا ، وحشرنا معه والصحابة الكرام رضوان الله على الجميع ...







--------------------------------------------------------------------------------

[1] - البخاري 3/ 1348رقم 2481.

[2] - الفتح 7/48 .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 33

صفوة الأمة بعد الأنبياء 33

صفوة الأمة بعد الأنبياء 33
الحلقة الثالثة والثلاثون

شهادة وثناء

حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله حدثنا عمر بن سعيد عن بن أبي مليكه أنه سمع بن عباس يقول : وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبي طالب فترحم على عمر وقال ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقي الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت إني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .[1]

العين وهو وهم الحديث السابع حديث بن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس بنون وفاء أي أحاطوا به من جميع جوانبه والأكناف النواحي قوله وضع عمر على سريره تقدم في آخر مناقب أبي بكر بلفظ إني لواقف مع قوم وقد وضع عمر على سريره أي لما مات وهي جملة حالية من عمر قوله فلم يرعني أي لم يفزعني والمراد انه رآه بغتة قوله إلا رجل اخذ بوزن فاعل وفي رواية الكشميهني اخذ بلفظ الفعل الماضي قوله فترحم على عمر تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فقال يرحمك الله قوله أحب يجوز نصبه ورفعه واني يجوز فيه الفتح والكسر وفي هذا الكلام أن عليا كان لا يعتقدان لأحد عملا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر وقد اخرج بن أبي شيبة ومسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو هذا الكلام وسنده صحيح وهو شاهد جيد...[2]

ثناء أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وشهادته لهما وزن ومعنى ، لأنهما صادرتين من شخصية يُعادى عمر وسواه من الصحابة بادعاء حبه ... وهما رد عليهم ، وحجر تلقم في كل فم يتطاول على أي من الصحابة ؛ وبخاصة الكبار منهم .

وهذا من باب المجارات والتنزل وإلا فإن الجبال الشم لا يصل إليها مخلفات قابعة في حضيض القيعان ... نحمدك اللهم على العافية ، ونسألك شكرا عليها يوازي جبال الدنيا ووديانها ، وإن كان ذلك لا يبلغ شكر نعمتك .



-----------------------------------

[1] - البخاري 3/1348 رقم 3482.

[2] - الفتح 7/48 . بتصرف يسير
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 34

صفوة الأمة بعد الأنبياء 34

صفوة الأمة بعد الأنبياء34
الحلقة الرابعة والثلاثون
شهادة غالية من المعصوم
من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...
[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ] .
( إيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك)
النبي صلى الله عليه وس
حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة وقال لي خليفة حدثنا محمد بن سواء وكهمس بن المنهال قالا حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه برجله وقال :{ اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان }
(قوله فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فانما عليك نبي وصديق وشهيدان فتكون أو في حديث الباب بمعنى الواو ويكون لفظ شهيد للجنس ووقع لبعضهم بلفظ نبي وصديق أو شهيد فقيل أو بمعنى الواو وقيل تغيير الأسلوب للإشعار بمغايرة الحال لان صفتي النبوة والصديقية كانتا حاصلتين حينئذ بخلاف صفة الشهادة فانها لم تكن وقعت حينئذ )
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم سابقة بأن الفاروق رضي الله عنه سيختم له بالشهادة في سبيل الله تعالى وكفى بها شهادة ، وفي أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، وقد تحققت النبوءة .
وهي تتويج لحياة ملئت بالفتوحات والأعمال العظيمة في الدولة الإسلامية ،فرضي الله عن أمير المؤمنين الفاروق وعن جميع الصحابة .
_______
- البخاري (مرجع سابق ) 3/ 1338 رقم 3483.
- الفتح 7/49 .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 35

صفوة الأمة بعد الأنبياء 35

صفوة الأمة بعد الأنبياء 35

الحلقة الخامسة والثلاثون

جدٌ وجود

( إيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك)

النبي صلى الله عليه وسلم



من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...

[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ] .

{ حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني بن وهب قال حدثني عمر هو بن محمد أن زيد بن أسلم حدثه عن أبيه قال سألني بن عمر عن بعض شأنه يعني عمر فأخبرته فقال ما رأيت أحدا قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجد وأجود حتى انتهى من عمر بن الخطاب }[1]

(حدثني عمر هو بن محمد ووقع في رواية حرملة عن بن وهب حدثني عمر بن محمد بن زيد أي بن عبد الله بن عمر . قوله سألني بن عمر عن بعض شانه يعني عمر يريد أن بن عمر سأل أسلم مولى عمر عن بعض شأن عمر . قوله فقال ما رأيت ؛ هو مقول بن عمر .قوله أجد بفتح الجيم والتشديد أفعل من جد إذا اجتهد وأجودأفعل من الجود . قوله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون المراد بالبعدية في الصفات ولا يتعرض فيه للزمان فيتناول زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده فيشكل بابي بكر الصديق وبغيره من الصحابة ممن كان يتصف بالجود المفرط أو بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكل بابي بكر الصديق أيضا ويمكن تأويله بزمان خلافته وأجود أفعل من الجود أي لم يكن أحد أجد منه في الأمور ولا أجود بالأموال وهو محمول على وقت مخصوص وهو مدة خلافته ليخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من ذلك قوله حتى انتهى أي إلى آخر عمره وهذا بناء على أن فاعل انتهى عمر وقائل ذلك بن عمر ويحتمل أن يكون فاعل انتهى بن عمر أي انتهى في الإنصاف بعد أجد وأجود حتى فرغ مما عنده وقائل ذلك نافع والله اعلم .)[2]

فهذه شهادة وثناء من عدول الناس بعد الأنبياء تشهد بجود الخليفة الراشد أبي حفص وجده رضي الله عنه وأرضاه لا يصل إليه أحد عدا النبي صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه .

وهاتان صفتان مهمتان للقائد الفذ الذي يقود بكفاءة ومهارة .



-----------------------------------------------

[1] - البخاري 3/1348 رقم 3484 .

[2] - الفتح 7/49
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 37

صفوة الأمة بعد الأنبياء 37

صفوة الأمة بعد الأنبياء 37

الحلقة السابعة والثلاثون

الخليفة الملهم

حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر زاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي e لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر[1]

وله عن أبي هريرة كذا قال أصحاب إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة وخالفهم بن وهب فقال عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن عائشة قال أبو مسعود لا اعلم أحدا تابع بن وهب على هذا والمعروف عن إبراهيم بن سعد أنه عن أبي هريرة لا عن عائشة وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن إبراهيم بن سعد يعني كما ذكره المصنف معلقا هنا وقال محمد بن عجلان عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة أخرجه مسلم والترمذي والنسائي قال أبو مسعود وهو مشهور عن بن عجلان فكان أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا قلت وله أصل من حديث عائشة أخرجه بن سعد من طريق بن أبي عتيق عنها وأخرجه من حديث خفاف بن إيماء انه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول اشهد انك مكلم قوله محدثون بفتح الدال جمع محدث واختلف في تاويله فقيل ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو احمد العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون ويؤيده ماثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وان لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الالهام وفسره بن التين بالتفرس ووقع في مسند الحميدي عقب حديث عائشة المحدث الملهم بالصواب الذي يلقي على فيه وعند مسلم من رواية بن وهب ملهمون وهي الإصابة بغير نبوة وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب بن عيينة محدثون يعني مفهمون وفي رواية الإسماعيلي قال إبراهيم يعني بن سعد راويه قوله محدث أي يلقي في روعه انتهى ويؤيده حديث ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه أخرجه الترمذي من حديث بن عمر وأحمد من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث بلال وأخرجه في الأوسط من حديث معاوية وفي حديث أبي ذر عند احمد وأبي داود يقول به بدل قوله وقلبه وصححه الحاكم وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر نفسه قوله زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد هو بن إبراهيم المذكور وفي روايته زيادتان إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء قوله منهم أحد في رواية الكشميهني من أحد ورواية زكريا وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وقوله وان يك في أمتي قيل لم يورد هذا القول مورد الترديد فان أمته أفضل الأمم وإذا ثبت ان ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وانما أورده مورد التاكيد كما يقول الرجل ان يكن لي صديق فإنه فلان يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء ونحوه قول الاجير ان كنت عملت لك فوفني حقي وكلاهما عالم بالعمل لكن مراد القائل ان تأخيرك حقي عمل من عنده شك في كوني عملت وقيل الحكمة فيه ان وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي واحتمل عنده e ان لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقران عن حدوث نبي ... وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وان كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله اعلم .

وقد تحقق في الفاروق ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم فنفع الله به الإسلام كثيرا واستحدث أمورا تعد بمثابة السبق على عصره وما يمكن أن يكون إضاءات للساسة اليوم منها طريقة الاستخلاف عن طريق الانتخاب من بين كوكبة مرضية عند عقلاء الأمة وإزاحة ابنه منها وما نتج عن ذلك من أساليب الانتخاب والاختيار ما يوصف بأنه غاية في الروعة والإبداع بفضل من الله ثم بحكمة عمر وحدة فراسته في اختياره لأولئك النفر الذين كانوا على مستوى المسئولية ... وهنا وصف لأسلوب الانتخاب والاختيار انقله للقارئ كما هو بعنوان أول انتخابات للرئاسة في الإسلام ** "يعد اختيار الحاكم أو الخليفة أو رئيس الدولة من الأمور الهامة التي تؤثر في مستقبل وحياة الناس، وتمثل الطريقة التي يصل بها الحاكم إلى الرئاسة مسألة هامة؛ لأنها بمثابة الشرعية التي تخول له الوصول إلى سدة الحكم، وتسيير شئون العامة. وقد شهد التاريخ الإسلامي تجربة رائعة في انتخاب الحاكم أو الخليفة حينما لا يكون هناك إجماع على شخصية بعينها، وهي الطريقة التي وصل بها سيدنا عثمان بن عفان إلى الحكم، وهي طريقة ابتدعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أجرى الله الحق على لسانه وقلبه كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد استشهد عمر رضي الله عنه وهو يؤم الناس في صلاة الصبح، حينما طعنه أبو لؤلؤة الخبيث عدة طعنات يملؤها الحقد على الإسلام والمسلمين، إلا أن عمر وهو على مشارف الموت لم يترك الأمة تموج بالاختلافات والاضطرابات التي لا تتحملها أمة تنتشر جيوشها على مشارف حدود الدولة الإسلامية تواجه الأعداء المتربصين، وترفع لواء الجهاد في سبيل الله، فاقترح على المسلمين بإلهام من الله أن تجرى انتخابات بينهم ليتحدد من هو الخليفة الراشد الثالث في تاريخ المسلمين.

من يخوض الانتخابات؟

لم يكن من الممكن أن يترك الباب مفتوحا أمام كل من يريد التقدم بالترشح للخلافة من غير ضوابط تحول دون أن يصل إلى هذا المقام من هو دون المسئولية، أو دون رضا الناس واقتناعهم به، فكان أن اتجه فكر عمر بن الخطاب صوب العشرة المبشرين بالجنة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، الذين يعرف كل الناس قدرهم، وقد تقلد أمور المسلمين منهم اثنان (أبو بكر وعمر)، ورحل أبو عبيدة بن الجراح، وقال عمر لو أن أبا عبيدة حي لوليته أمور المسلمين، ولو سألني ربي يوم القيامة لقلت إني سمعت نبيك يقول: (لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) وقد وليت عليهم أمينهم، وبقي من العشرة سبعة عثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعيد بن زيد.

وقد حدد عمر رضي الله عنه من هؤلاء السبعة ستة ليخوضوا الانتخابات بعد أن استبعد منهم سعيد بن زيد زوج أخته فاطمة بنت الخطاب بسبب قرابته له، ورفض أن يرشح لهذا المنصب أحدا من أقاربه بمن فيهم عبد الله بن عمر الذي يشهد له المسلمون جميعا بالتقوى والورع والفقه، قائلا: بحسب آل الخطاب أن يحاسب منهم واحد.

الرئيس المؤقت

أمر عمر بن الخطاب أن يصلي صهيب الرومي رضي الله عنه بالمسلمين، أثناء الفترة الانتقالية التي تجرى فيها الانتخابات، وهو اختيار حكيم موفق من عمر لأنه ليس لصهيب مطمع في الخلافة، فهو ليس عربيا ولا قرشيا، ولئلا يكون صلاة أحد الستة المرشحين للخلافة بالمسلمين ترشيحا منه بالخلافة، أو نوعا من أنواع الترجيح له.

مدة الانتخابات

حدد عمر بن الخطاب فترة الانتخابات بثلاثة أيام، وقال لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير، وهي فترة ليست بالقصيرة لأنه لو زادت على ذلك فمعنى هذا أن شقة الخلاف ستتسع، ولو نقصت عن ذلك فربما لن تكون كافية لأخذ آراء جموع المسلمين في الخليفة القادم.

مراقبة الانتخابات

لضمان الحيدة وانضباط الأمور ومنع الفوضى، أمر عمر خمسين رجلا من الأنصار ليراقبوا سير الانتخابات، وجعل عليهم الصحابي الجليل أبا طلحة الأنصاري والصحابي الجليل المقداد بن الأسود، وقال كما ذكر الطبري في تاريخه: يا أبا طلحة إن الله عز وجل أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال مثل ذلك للمقداد.

طريقة الانتخابات واختيار الخليفة

أمر عمر أن يجتمع هؤلاء الستة في أحد البيوت ومعهم عبد الله بن عمر، مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، فإذا اختاروا واحدا منهم رضوه، وإن اختار خمسة أو أربعة واحدا كان هو الخليفة، وإن تساوت الأصوات (ثلاثة أصوات لكل مرشح)، يأتي دور عبد الله بن عمر ليرجح أحد المرشحين، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر يختاروا الذي اختاره عبد الرحمن بن عوف، وقال عنه عمر بأنه مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا له، على أن يجتهدوا خلال الأيام الثلاثة في الاستماع إلى آراء المسلمين ويقومون بما يمكن تسميته باستطلاع الآراء ومشاورة جموع المسلمين، وإلا لكان يوم واحد كفيلا بأن تنجز مهمة اختيار الخليفة فيه.

هذا ما أوصى به عمر إلى المسلمين فكيف تمت أمور الانتخابات التي أوصلت عثمان إلى الحكم؟

مكان الاجتماع

اجتمع الرهط في بيت عائشة رضي الله عنها وقيل في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية، وتداولوا الأمر فيما بينهم للنظر في أخطر قضية للمسلمين بعد وفاة عمر رضي الله عنه.

الجولة الأولى من الانتخابات

في بداية الاجتماع قال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة لتضيق دائرة الانتخابات بين الثلاثة بدلا من ستة، فقال الزبير جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فأصبح المرشحون للخلافة ثلاثة (عثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف).

اختيار رئيس يدير عملية الانتخابات

وحينئذ رأى عبد الرحمن بن عوف أن يكون لعملية الانتخابات هذه رئيسا يكون الأمر إليه، ولكن من يكون هذا الأمير، هل يكون بالانتخاب هو الآخر؟ إنه على أية حال لا بد أن يكون واحدا من الستة الذين هم أهل الحل والعقد وأهل الشورى، فهدى الله عبد الرحمن بن عوف الذي وصفه عمر بأنه مسدد رشيد إلى قوله كما ذكر الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل من عثمان وعلي: أيكما يتبرأ من هذا الأمر (يتنازل عنه) فنجعله إليه (فيكون مشرفا على عملية الانتخابات) والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن بن عوف: أفتجعلونه إلي ولله علي ألا آلو عن أفضلكما؟ قالا نعم. ثم أخذ عبد الرحمن رأي الثلاثة الذين تنازلوا عن الخلافة فيمن يختارون: عثمان أم عليا، فاختار طلحة وسعد عليا، فبان له أغلبية مصغرة في مجلس الانتخابات الجزئي، ثم أخذ عبد الرحمن على عاتقه مهمة التعرف على آراء الناس، فجعل يخالط الناس في المدينة من صحابة وأمراء الجنود، وأعراب وافدين على المدينة، وشملت مشاوراته النساء في خدورهن والصبيان والعبيد في المدينة فرأى أن معظم المسلمين يقدمون عثمان ومنهم من كان يشير بعلي رضي الله عنهما، حتى أسفرت أول عملية انتخابات عن فوز عثمان بالخلافة.

إعلان النتائج

اجتمع المسلمون جميعا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد مهيب، في صلاة الفجر ينتظرون البيان الذي يحدد الخليفة القادم، وسيكون المعلن هو عبد الرحمن بن عوف الذي لم ينم في الأيام الثلاثة إلا قليلا، فلبس العمامة التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل الشورى جالسون عند المنبر، والناس كلهم آذان مصغية. يروي البخاري في صحيحه: "فلما صلى الناس الصبح، واجتمع هؤلاء الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: يا علي إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعل على نفسك سبيلا، فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون". وكان علي أول من بايع عثمان بعد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين.

________________________________________

** لرضا عبد الواجد أمين مدرس مساعد الصحافة والإعلام بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر نقلا عن إسلام أون لاين .

[1] - البخاري 3/ 1349رقم 3486.
 
صفوة الأمة ... 39

صفوة الأمة ... 39

صفوة الأمة ... 39
الحلقة التاسعة والثلاثون
قوة إيمان وغزارة علم
( إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك)
النبي صلى الله عليه وسلم
[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية
ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ] .
قوة إيمان
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثنا عقيل عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن قالا سمعنا أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {بينما راع في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها فالتفت إليه الذئب فقال له من لها يوم السبع ليس لها راع غيري فقال الناس سبحان الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أومن به وأبو بكر وعمر }وما ثم أبو بكر وعمر. 1

قد سبق شيء من شرح الحديث في ترجمة الصديق رضي الله عنه .وفي هذا لفتة إلى قوة إيمان الفاروق فإنه وإن كان الخليفة الأول قد حاز على المرتبة الأولى فإن الفاروق يأتي بعد أبي بكر ... مما يدل على مكانة الفاروق فإنه في المرتبة الثانية بعد الصديق في الفضل ومن فضائله أن الله رزقه صدق إيمان وشجاعة في دين . وفضل الله يؤتيه من يشاء ... وخير الناس من يتعدى فضله وصفاته الطيبة إلى غيره ... ومن هؤلاء الفاروق رضي الله عنه .
إنها شهادة من الذي لا ينطق عن الهوى ؛ شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يشهد للعمرين من بين سائر الناس يشهد لهما بقوة الإيمان وصدقه وعمقه والتسليم الكامل لما يقوله عليه الصلاة والسلام ...
غزارة علم
وحدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين }2

قوله رأيت الناس عرضوا علي الحديث وفيه عرض على عمر وعليه قميص اجتره أي لطوله وفي رواية بلفظ يجره .
قوله قالوا فما أولت ؟ في التعبير أن السائل عن ذلك أبو بكر ويأتي بقية شرحه هناك إن شاء الله تعالى .
وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق ، والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وإن كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله اعلم . 1
__________________
1- البخاري 3/ 1349 رقم 3487 .
2- المرجع السابق الجزء نفسه والصفحة نفسها رقم 3488 .
3- فتح الباري ، ابن حجر 7/51 . بتصرف
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 40

صفوة الأمة بعد الأنبياء 40

صفوة الأمة بعد الأنبياء 40

الحلقة الأربعون

شهادة وبشارة ورضاء من الكل ...

( إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك)

النبي صلى الله عليه وسلم

[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية

ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ] .



في النصوص الآتية عدد من المناقب للفاروق رضي الله عنه ؛فشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة ، وعلى صدق إيمانه ، وابن عباس يشهد له برضا النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وحسن صحبته له ، وكذا الصديق وجميع الصحابة في غاية من الرضا عنه ... وصراحته وهو يعلن عن أحب الناس إلى نفسه ...

شهادة

حدثنا الصلت بن محمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال لما طعن عمر جعل يألم فقال له بن عباس وكأنه يجزعه يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون قال أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه قال حماد بن زيد حدثنا أيوب عن بن أبي مليكة عن بن عباس دخلت على عمر بهذا [1]

بشارة

حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو أسامة قال حدثني عثمان بن غياث حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي موسى رضي الله عنه قال كنت مع النبي e في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي e افتح له وبشره بالجنة ففتحت له فإذا أبو بكر فبشرته بما قال النبي e فحمد الله ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي e افتح له وبشره بالجنة ففتحت له فإذا هو عمر فأخبرته بما قال النبي e فحمد الله ثم استفتح رجل فقال لي افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله e فحمد الله ثم قال الله المستعان [2]

صراحة

حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني بن وهب قال أخبرني حيوة قال حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب[3]

وله أخبرني حيوة بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة هو بن شريح المصري قوله عبد الله بن هشام أي بن زهرة بن عثمان التيمي بن عم طلحة بن عبيد الله قوله كنا مع النبي e وهو اخذ بيد عمر بن الخطاب هو طرف من حديث يأتي تمامه في الإيمان والنذور وبقيته فقال له عمر يا رسول الله لانت احب الي من كل شيء الحديث وقد ذكرت شيئا من مباحثه في كتاب الإيمان وسيأتي بيان الوقت الذي قتل فيه عمر في اخر ترجمة عثمان ان شاء الله تعالى .[4]

اللهم احشرنا مع نبيك صلى الله عليه وسلم وصحبه ؛ فإنك تعلم أننا إنما أحببناهم من أجلك ، ونكتب عنهم تقربا إليك .

وصل على حبيبك وآله وصحبه ما ذكرك الذاكرون آناء الليل وأطراف النهار .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري (مرجع سابق) 3/ 1350 رقم 1489 .

[2] - المرجع نفسه والجزء والصفحة كذلك رقم 1490.

[3] - "" 2/1351 رقم 1491 .

[4] - الفتح ( مرجع سابق ) 7/52 .
 
صفوة الأمة -بعد الأنبياء -41

صفوة الأمة -بعد الأنبياء -41

صفوة الأمة -بعد الأنبياء -41
الحلقة الواحدة والأربعون

الفاروق البطل

( إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك)

النبي صلى الله عليه وسلم

[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية

ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ] .





سأنتقي بعض المواقف التي تشهد بشجاعة الفاروق رضي الله عنه ومنها:إعلان إسلامه يوم أن أسلم ؛ فقد تخير أشد أعداء الإسلام ليعلن له إسلامه ؛ وهو أبو جهل وأخبره بل انتقى شخصية عرفت بسرعة نشرها لما وصل إليها من أخبار بل صرخ بالقوم المجتمعين حول الكعبة ؛ يخبرهم بذلك واستمر يقاتلهم حتى طلعت الشمس :

حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو بن دينار سمعته قال قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره وقالوا صبأ عمر وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج فقال قد صبأ عمر فما ذاك فأنا له جار قال فرأيت الناس تصدعوا عنه فقلت من هذا قالوا العاص بن وائل .[1]

وأخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يقول حدثنا نافع عن بن عمر قال لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تعلم قريش بإسلامه فقال(أي عمر) أي أهل مكة أنشأ للحديث؟ (أي أسرع نشرا لها) فقالوا جميل بن معمر الجمحي فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره أعقل ما أرى وأسمع فأتاه فقال يا جميل إني قد أسلمت قال فوالله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدا إلى المسجد فنادى أندية قريش فقال يا معشر قريش إن بن الخطاب قد صبأ فقال عمر كذب ولكني أسلمت وآمنت بالله وصدقت رسوله فثاوروه فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم حتى فتر عمر وجلس فقاموا على رأسه فقال عمر افعلوا ما بدا لكم فوالله لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم فبينما هم كذلك قيام عليه إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص قومسي فقال ما بالكم فقالوا إن بن الخطاب قد صبأ قال : فمه امرؤ اختار دينا لنفسه أفتظنون أن بني عدي تسلم إليكم صاحبهم قال فكأنما كانوا ثوبا انكشف عنه فقلت له بعد بالمدينة يا أبت من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ فقال يا بني ذاك العاص بن وائل . [2]

قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر قال (لما أسلم أبي عمر قال أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له جميل بن معمر الجمحي . قال فغدا عليه قال عبد الله بن عمر : فعدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت ، حتى جاءه فقال له أعلمت يا جميل أني قد أسلمت : ودخلت في دين محمد ؟ قال فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعت أبي ، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش ، وهم في أنديتهم حول باب الكعبة ، ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ قال يقول عمر من خلفه كذب ولكني قد أسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم . قال وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلثمائة رجل لتركناها لكم أو لتركتموها لنا ، قال فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش ، عليه حلة حبرة وقميص موشى ، حتى وقف عليهم فقال ما شأنكم ؟ قالوا : صبأ عمر فقال فمه رجل اختار لنفسه أمرا ، فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا ؟ خلوا عن الرجل . قال فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه . قال فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ؟ فقال ذلك أي بني العاص بن وائل السهمي )

قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أنه قال يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ، جزاه الله خيرا ؟ قال يا بني ذاك العاص بن وائل لا جزاه الله خيرا .

وذكر قول عمر لجميل بن معمر الجمحي إني قد أسلمت ، وبايعت محمدا ، فصرخ جميل بأعلى صوته ألا إن عمر قد صبأ . [3]

جميل هذا هو الذي كان يقال له ذو القلبين وفيه نزلت في أحد الأقوال [4]قوله تعالى {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)}[5]

قال القرطبي : نزلت في جميل بن معمر الفهري، وكان رجلا حافظا لما يسمع. فقالت قريش: ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان. وكان يقول: لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد. فلما هزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل بن معمر، رآه أبو سفيان في العير وهو معلق إحدى نعليه في يده والأخرى في رجله؛ فقال أبو سفيان: ما حال الناس؟ قال انهزموا. قال: فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي؛ فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وقال السهيلّي: كان جميل بن معمر الجمحّي، وهو ابن معمر بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح، واسم جمح: تيم؛ وكان يدعى ذا القلبين فنزلت فيه الآية، وفيه يقول الشاعر:
وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى وطرا منها جميل بن معمر.[6]

وحدثنا عبد الله قثنا أحمد بن محمد بن أيوب قثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر أو عن بعض أهله قال قال عمر لما أسلمت تلك الليلة تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله e عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت قال قلت أبو جهل بن هشام وكان من أخوال أم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه فخرج إلي فقال مرحبا وأهلا يا بن أختي ما جاء بك قال قلت جئت أخبرك أني قد آمنت بالله ورسوله محمد e وصدقته بما جاء به قال فضرب بالباب في وجهي وقال قبحك الله وقبح ما جئت به فزعموا أن عمر بن الخطاب قال في إسلامه حين أسلم يذكر بدء إسلامه وما كان بينه وبين أخته فاطمة بنت الخطاب حين كان أمره وأمرها ما كان

الحمد لله ذي الفضل الذي وجبت

منه علينا اياد ما لها غير

وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا

صدق الحديث نبي عنده الخبر



وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى

ربي عشية قالوا قد صبا عمر



وقد ندمت على ما كان من زللي

وظلمها حين تتلى عندها السور



لما دعت ربها ذا العرش جاهدة

والدمع من عينها عجلان ينحدر



ايقنت ان الذي تدعو لخالقها

وكاد يسبقني من عبرة درر



فقلت اشهد ان الله خالقنا

وان أحمد فينا اليوم مشتهر



نبي صدق أتى بالصدق من ثقة

وافى الأمانة ما في عوده خور



من هاشم في الذرى والأنف حيث ربت

منها الذوائب والأسماع والبصر



وحيث يلجأ ذو خوف ومفتقر

وحيث يسمو إذا ما فاخرت مضر



يتلو من الله آيات منزلة

يظل يسجد منها النجم والشجر



به هدى الله قوما من ضلالتهم

وقد أعدت لهم إذ ابلسوا سقر [7]

اللهم احشرنا مع نبيك صلى الله عليه وسلم وصحبه ؛ فإنك تعلم أننا إنما أحببناهم من أجلك ، ونكتب عنهم تقربا إليك .

وصل على حبيبك وآله وصحبه ما ذكرك الذاكرون آناء الليل وأطراف النهار .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - البخاري 3/1403 . رقم 3652 .

[2] - صحيح ابن حبان 15/ 302 . رقم 6879 .

[3] - أصله في البخاري

[4] - تفسير القرطبي عند تفسير الآية

[5] - سورة الأحزاب

[6] - القرطبي ( المرجع السابق )



[7] - فضائل الصحابة 1/ 284 . رقم 375 .
 
صفوة الأمة 44

صفوة الأمة 44

صفوة الأمة 44
الحلقة الرابعة والأربعون

تهيئة علمية مستمرة
حرص الصحابة رضي الله عنهم على مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم والتعلم منه ، والتأدب بأدبه ، والتخلق بخلقه كونه المثل الأعلى في كل شأن معلوم ؛ ولهذا فقد كانوا صورة حية تقترب منه عليه الصلاة والسلام ؛ وبخاصة الألى منهم ؛ الذين هم قاعدة الإسلام الصلبة التي حفظ الله بها الإسلام بعد انتقال الحبييب صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ؛ وكان منهم بل في أعلى تلك السلسلة الذهبية -بعد أبي بكر رضي الله عن جميعهم -عمر الفاروق ؛ لقد بلغ حرصه في ذلك أن يتداول مع أخ له أنصاري إذا كان أحدهما في عمله أن يصحب الآخر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عاد التقيا ويحدثه بما سمعه واستفاده من النبي صلى الله عليه وسلم .

روى عبد الله بن عباس عن عمر قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله e ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال أثم هو ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم قال فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت طلقكن رسول الله e قالت لا أدري ثم دخلت على النبي e فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك قال لا فقلت الله أكبر) [1]

و(قوله وجار لي : هذا الجار هو عتبان بن مالك أفاده بن القسطلاني لكن لم يذكر دليله قوله في بني أمية أي ناحية بني أمية سميت البقعة باسم من نزلها. قوله أثم هو بفتح المثلثة قوله دخلت على حفصة ظاهر سياقه يوهم أنه من كلام الأنصاري وإنما الداخل على حفصة عمر وللكشميهني فدخلت على حفصة أي قال عمر فدخلت على حفصة وإنما جاء هذا من الاختصار وإلا ففي أصل الحديث بعد قوله أمر عظيم طلق رسول الله e نساءه قلت قد كنت أظن أن هذا كائن حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة يعني أم المؤمنين بنته ... وفي هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد والعمل بمراسيل الصحابة ، وفيه أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره مع أخذه بالحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذاك ... وفيه أن شرط التواتر أن يكون مستند نقلته الأمر المحسوس لا الاشاعة التي لا يدري من بدأ بها ... [2] بالعلم تبنى النفس بالفهم السليم ، وتعي رسالتها في الحياة ، ولا يستطيع أحد أن يضحك عليها ، أو يحرفها عن مسارها ؛ لقد أضيف إلى شخصية الفاروق فوق شجاعته وقوته علم بفهم وتقوى وأدب وفراسة وعدل وصراحة ؛ فكان مستحقا لأن يصل ما بدأه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ووارث الخلافة من بعده الصديق من فتوحات للأرض والنفوس معا شهد به الأعداء قبل الأصدقاء ، وليس ينكر ذلك من يحترم عقله ولو كان عدوا

إلا من عناه الشاعر الحكيم بقوله :

ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا .

أو طمست بصيرته فلا يرى الحقيقة ولو كانت كالشمس في كبد السماء ...





--------------------------------------------------------------------------------

[1] - البخاري 1/46 رقم 89 .

[2] - الفتح 1/ 185- 186 .
 
صفوة الأمة 45

صفوة الأمة 45

صفوة الأمة 45

الحلقة الخامسة والأربعون

موقفه من أهل الباطل

طالما امتشق الفاروق سلاحه عند أي خطر ضد النبي صلى الله عليه وسلم أو إساءة إلى الإسلام ، أو ما يعتبر قلة أدب وعدم تقدير لمن يستحق التقدير والتبجيل ؛ روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله e وهو يقسم قسما ؛ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم ؛ فقال يا رسول الله اعدل ! فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؛ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله e وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي e الذي نعته}[1]

قوله : لا يجاوز يحتمل أنه لكونه لا تفقهه قلوبهم ويحملونه على غير المراد به ويحتمل أن يكون المراد أن تلاوتهم لا ترتفع إلى الله. وقوله يمرقون من الدين إن كان المراد به الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج . ويحتمل أن يكون المراد بالدين الطاعة فلا يكون فيه حجة وإليه جنح الخطابي . وقوله الرمية بوزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد شيء . وقوله ينظر في نصله أي حديدة السهم ورصافه بكسر الراء ثم مهملة ثم فاء أي عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل والرصاف جمع واحده رصفة بحركات . ونضيّه بفتح النون وحكى ضمها وبكسر المعجمة بعدها تحتانية ثقيلة قد فسره في الحديث بالقدح بكسر القاف وسكون الدال أي عود السهم قبل أن يراش وينصل وقيل هو ما بين الريش والنصل قاله الخطابي قال بن فارس سمي بذلك لأنه برى حتى عاد نضوا أي هزيلا ، وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة أن النضي النصل والأول أولى . والقذذ بضم القاف ومعجمتين الأولى مفتوحة جمع قذة وهي ريش السهم يقال لكل واحدة قذة ويقال هو أشبه به من القذة بالقذة لأنها تجعل على مثال واحد وقوله آيتهم أي علامتهم . وقوله بضعة بفتح الموحدة أي قطعة لحم وقوله تدردر بدالين وراءين مهملات أي تضطرب والدردرة صوت إذا اندفع سمع له اختلاط وقوله علي حين فرقة أي زمان فرقة؛ وهو بضم الفاء أي افتراق وفي رواية الكشميهني على خير بخاء معجمة وراء أي أفضل وفرقة بكسر الفاء أي طائفة وهي رواية الإسماعيلي ...وقوله في آخر الحديث فأتى به أي بذي الخويصرة حتى نظرت إليه على نعت النبي e الذي نعته ؛ يريد ما تقدم من كونه أسود ؛ إحدى عضديه مثل ثدي المراة الخ ، قال بعض أهل اللغة النعت يختص بالمعاني كالطول والقصر والعمى والخرس والصفة بالفعل كالضرب والجروح وقال غيره النعت للشيء الخاص والصفة أعم .[2]

في الحديث : علامة ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم بوصفه الفرقة المفرقة والرجل الذي وصفه فظهر في زمن علي رضي الله عنه وتحقق من الوصف . والأمر الثاني خطورة الفهم السقيم على صاحبه وعلى وحدة الصف ، والإساءة إلى المنهج الرباني ،لكون الناس في محاكمتهم لما يصدر عن سيء الفهم ليسوا سواء ؛ وهذه واضحة تمام الوضوح في الممارسة الحالية في محاكمة الإسلام من خلال تصرفات المسلمين المقصرين أو من خلال وسائل الإعلام المضادة المغرضة التي تتعمد تشويه الإسلام ؛ فإن ضحايا هذا المسلك جماهير غفيرة .

والخوارج ومن اقترب من فكرهم يضربون الوحدة الإسلامية في الصميم ويوصلهم الفكر القاصر إلى ممارسات تنتج هدم مقاصد وكليات الإسلام العظيمة إلى أن تزهق أنفس برية وتراق دماء محرمة ، وتنتهك أعراض محترمة ، ويُهدّ أمن شامل ، وتعطل فرائض وواجبات ، وييتم أطفال ، وترمل نساء ، وتسلب أموال ... ويفسح المجال لعدو الأمة المتربص أن يلحق ضررا بالغا بالأمة ودينها وبيضتها ؛ ولا شك في تورطه للاصطياد في الماء العكر ، ولكن عند فسح المجال من داخل الأمة . وهذه قضية مقلقة بدرجة غير اعتيادية فإذا وجد مثل هؤلاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه أعظم البيان ، وأسلوبه معلوم السلامة والنجاح فكيف بغيره ... إنه مطلوب من العقلاء في الأمة علاج هذا الخلل بتعاون مسئول بين العلماء والحكام وذوي الرأي تعاونا يقضي على الفهم السقيم بالتي هي أحسن ، والحذر من وضع يفرق ولا يجمع من البعض وبخاصة الحكام ؛ ينبغي تمكين العلماء الربانيين وحكماء الناس أن يوضحوا المنهج السوي بالفهم السليم ... والحفاظ على وحدة الأمة على النهج القويم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يصلحها ويذهب فرقتها وذلها سوى ذلك .

ما الذي جرأ على النيل من أعظم إنسان سوى هذا الوضع المزري الذي جعل أمة الإسلام لا تدفع عن نفسها ولا على أغلى شيء عندها ... ؟



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - البخاؤي 3/ 1321، رقم 3414 . بتصرف

[2] - الفتح 6/ 618-619 .
 
صفوة الأمة بعد الأنبياء 46

صفوة الأمة بعد الأنبياء 46

الحلقة السادسة والأربعون

تقديم ما يحب الله ورسوله

حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن بن شهاب وقال ثعلبة بن أبي مالك إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء من نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيد فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله e التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي فقال عمر أم سليط أحق به وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله e قال عمر فإنها كانت تزفر [1]لنا القرب يوم أحد[2] فقد نظر إلى أسبقيتها وعملها للإسلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تميله العاطفة؛ عاطفة القرابة ؛ قربها من النبي صلى الله عليه وسلم كونها ابنة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما ، و قربها منه كونها زوجته ؛ وهي قاعدة منطلقة من نصوص القرآن بتقديم الأسبق مثل قول الله تعالى { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}[3]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) [4]

وقوله (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ... ) [5]

والحديث ورد ضمن قصة حاطب على النحو التالي : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله e أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله e فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله e فقال رسول الله e يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم }[6]

وهذا مبدأ راسخ في المنهج الإسلامي ، ومستقر في الفطرة ؛ في إعطاء أهل السابقة حقهم .وثمة مبدأ آخر مهم مأخوذ من ميزة البدريين بمراعاة جانب الضعف البشري ؛ فلن يسلم منه أحد ؛ وهذا يقي من تقديس الأشخاص إلى درجة العصمة ، فينتج عنه مزلق خطير ؛ لغرابة خطأ يبدر منه ممن يعتقد عصمته فينسف كل شيء من مزاياه ، وقد أوقع هذا المزلق فئاما من الناس فحرفهم عن النهج القويم وخبطوا خبط عشواء ، وعصفوا بكل ميزة للشخص ؛ بل قد يخرجونه عن دائرة الإسلام ... والموازنة بين إيجابيات المرء وسلبياته قاعدة نيرة في التعامل مع الناس على أساس أنهم غير معصومين ، وأنه يمكن وقوعهم في الخطأ ، الذي ينتج عن فهم خاطئ ، أو ضعف يعتري النفس بسبب من الأسباب ... ومغالبة العاطفة مشقة لا يغالبها كل أحد إلا من أعين من الله تعالى ، ووفق إلى قوة إيمان لا تنهزم أمام العاطفة . فإنها تصبح يسيرة وسهلة بالمجاهدة ، والصبر والمصابرة ،؛ لقد كان أمير المؤمنين أبو حفص من هذا النوع من الناس لا يقدم على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مراد أحد .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - تزفر : تخيط . أنظر البخار ري 3/ 1056 .

[2] - البخاري 4/ 1494 . رقم 3843 .

[3] - سورة التوبة

[4] - البخاري 3/ 1343 ، 3470 .

[5] - المرجع السابق 3/ 1095 ، 2845 .

[6] - المرجع نفسه
 
روى جابر بن عبد الله عن أم مبشر ، قالت : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ»
يظهر أن هذا اللفظ هو أصح من لفظ :لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا



لأن قوله تعالى : ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) ليس فيه دلالة على أن كل من بايع مؤمن ، بل الرضى كان عن المؤمنين .. والكثرة فيهم هم كذلك -رضي الله عنهم-
 
عودة
أعلى