مع شهر شعبان

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
شهر شعبان​
سمي كذلك ، لأن العرب كانوا في الجاهلية يعظمون رجب ولا يقاتلون فيه ، فإذا انسلخ رجب تشعبوا في الإغارة .
وأما في الإسلام فلتشعب الخير فيه ؛ فقد روى أحمد وأبو داود والنسائي عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الْأَيَّامَ يَسْرُدُ حَتَّى يُقَالَ : لَا يُفْطِرُ ، وَيُفْطِرُ الْأَيَّامَ حَتَّى لَا يَكَادَ أَنْ يَصُومَ إِلَّا يَوْمَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ ، إِنْ كَانَ فِي صِيَامِهِ ، وَإِلَّا صَامَهُمَا ، وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؛ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ ، وَتُفْطِرَ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتَهُمَا ؟ قَالَ : " أَيُّ يَوْمَيْنِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ، وَيَوْمُ الْخَمِيسِ ؛ قَالَ : " ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " ، قَالَ : قُلْتُ : وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ : " ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ ، عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " .
في الحديث من الفوائد الكثير ، منها :
1- حرص أسامة رضي الله عنه على متابعة أعمال الرسول ، ثم حرصه على الفائدة والعلم بالسؤال .
2- بيان أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام .
3- بيان العلة من دوامه على صيام الاثنين والخميس .
4- بيان العلة من كثرة صيامه في شعبان .
5- بيان فضل شعبان ، وأنه ترفع فيع الأعمال إلى رب العالمين .
6- فيه فضل الصيام ، وأن له عند الله مكانة عظيمة .
7- ذكر بعض أهل العلم أن من الحكم من كثرة الصيام في شعبان : الاستعداد لرمضان ، فالنفس إذا هيئت لعمل ما سهل عليها ، بل ذكر ابن رجب – رحمه الله – في كتابه الماتع ( لطائف المعارف ) أن صيام شعبان كالسنة الراتبة القبلية ، والستة من شوال كالراتبة البعدية . والعلم عند الله تعالى .
مَضَى رَجَبٌ وما أَحْسَنْتَ فيه ... وهَذَا شَهْرُ شعبانَ المباركْ
فيا مَنْ ضيَّعَ الأوقاتِ جَهَلاً ... بِحُرمَتِها أَفِقْ واحْذَرْ بَوَاركْ
فسوفَ تُفَارقُ اللذاتِ قَسْراً ... ويُخلي الموتُ كَرْهًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ ما استطعتَ مِنَ الخطَايا ... بتوبةِ مُخْلِصٍ واجعلْ مَدَارَكْ
على طلبِ السلامةِ من جحيمٍ ...فخيرُ ذوي الجرائمِ منْ تداركْ​
 
كان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلا
في الصحيحين عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ e ، فَقَالَتْ : كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ : قَدْ صَامَ ؛ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ : قَدْ أَفْطَرَ ؛ وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ : كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً . لفظ مسلم ، وفي رواية عنده : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ : لاَ يُفْطِرُ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ : لاَ يَصُومُ ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ ؛ ولفظ البخاري : عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَدَّثَتْهُ قَالَتْ : لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ e يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ؛ وَكَانَ يَقُولُ : " خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا " ، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ e مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا ( [1] ) .
قال النووي في ( شرح مسلم : 4 / 161 ) : وقولها : ( كان يصوم شعبان كله ، كان يصومه إلا قليلا ) الثاني تفسير للأول ، وبيان أن قولها كله أي : غالبه ، وقيل : كان يصومه كله في وقت ، ويصوم بعضه في سنة أخرى ، وقيل : كان يصوم تارة من أوله ، وتارة من آخره ، وتارة بينهما ، وما يخلي منه شيئًا بلا صيام لكن في سنين .
وقيل : في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه أعمال العباد ، وقيل غير ذلك ، فإن قيل : في الحديث الآخر أن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم ؟ فالجواب : لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه ، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه ، كسفر ومرض وغيرهما ، قال العلماء : وإنما لم يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه .ا.هـ .
هذا ، والعلم عند الله تعالى .

[1] - البخاري ( 1879 ) ، ومسلم ( 1156 ) .
 
ليلة النصف من شعبان
ورد في فضلها أن الله تعالى يغفر لعباده إلا لمشرك أو مشاحن ؛ قد جاء ذلك من طرق عن أبي بكر الصديق ، وأبي هريرة ، ومعاذ ، وعائشة ، وأبي ثعلبة الخشني ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي موسى ، رضي الله عنهم .
ولفظ حديث أبي ثعلبة الخشني t : " يَطْلُعُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ؛ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ " ؛ ولفظ حديث معاذ t : " يَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ؛ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ ، إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ " .
ولا يخلو إسنادِ هذه الأحاديث من مقال ؛ ولكن قوَّاه كثير من أهل الحديث بشواهده وطرقه ؛ فأثبتوا فضل هذه الليلة ، وقال كثير منهم : هي الليلة التي يرفع فيها الأعمال إلى رب العالمين ، كما جاء في حديث أسامة t المتقدم .
ومع ثبوت الفضل ، لم يثبت أن النبي e خصها بعمل ، ولا خص يومها بعمل ، ولا صح عنه فضل لعمل مخصوص فيها وفي يومها ؛ والحديث الذي رواه ابن ماجة في ذلك لا يصح .
وقد ابتدع الناس في هذه الليلة صلاة بكيفية معينة ، وقراءة معينة ، وتسبيحات معينة ؛ وسموها الألفية ؛ وقد حكم عليها العلماء بأنها بدعة قبيحة منكرة ، ما وجدت إلا بعد أربعمائة سنة من الهجرة ، ذكر ذلك كل من كتب في البدع ، كالطرشوشي ، وابن وضاح ، وابن الجوزي ، وأبي شامة ، والسيوطي ، وغيرهم .
فلا يجوز لمسلم يتقي الله أن يصلي مثل هذه الصلاة المبتدعة ، ولا أن يحرص عليها ، بل ينكرها ، وينكر على من يفعلها .
وله أن يتقرب إلى الله تعالى بما جاء عن النبي e ، كأن يصوم الأيام الثلاثة البيض ، فيقع فيها النصف من شعبان ، ولا يخصه بصيام .
وأن يجتهد في التعرض لمغفرة الله في هذه الليلة ، بتلاوة ، وذكر ، ودعاء ، واستغفار ، وصدقة .. وغير ذلك من القربات في أيامه كلها ، دون تخصيص الليلة بشيء يظن أن له فضل ، فإن ذلك من البدع المنهي عنها .
اللهم اجعلنا متبعين لا مبتدعين ، اللهم ومن كان من أمة محمد على غير الحق وهو يظن أنه على الحق فردَّه إلى الحق ردًّا جميلا حتى يكون من أهل الحق .. آميييين .. وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
 
صيام ما بعد النصف من شعبان

روى أحمد وأصحاب السنن عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e :"إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا " ؛ ولفظ الترمذي : " إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا " ( [1] ) ؛ قال الترمذي : حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ؛ ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرًا ، فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان ؛ وقد روي عن أبي هريرة عن النبي e ما يشبه قولهم ، حيث قال e : " لَا تَقَدَّمُوا شَّهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ " ، وقد دل في هذا الحديث أنما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان .ا.هـ .
قَالَ ابن رجب – رحمه الله : واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ، ثُمَّ العمل بِهِ ؛ أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد ، مِنْهُمْ : الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ، وابن عَبْد البر ؛ وتكلم فِيْهِ من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم ، وقالوا : هُوَ حَدِيْث منكر ؛ مِنْهُمْ : عَبْد الرحمن ابن مهدي ، وأحمد ، وأبو زرعة الرازي ، والأثرم ، ورده الإمام أحمد بحديث : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين " ، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين ( [2] ) .
قال ابن القيم - رحمه الله - في ( حاشيته على سنن أبي داود ) : الذين ردوا هذا الحديث لهم مأخذان ؛ أحدهما أنه لم يتابع العلاء عليه أحد ، بل انفرد به عن الناس ، وكيف لا يكون هذا معروفًا عند أصحاب أبي هريرة ، مع أنه أمر تعم به البلوى ، ويتصل به العمل ؛ والمأخذ الثاني أنهم ظنوه معارضًا لحديث عائشة وأم سلمة في صيام النبي e شعبان كله ، أو إلا قليلا منه ؛ وقوله : " إلا أن يكون لأحدكم صوم فليصمه " ، وسؤاله للرجل عن صومه سرر شعبان ؛ قالوا : وهذه الأحاديث أصح منه ؛ وربما ظن بعضهم أن هذا الحديث لم يسمعه العلاء من أبيه .
وأما المصححون له فأجابوا عن هذا بأنه ليس فيه ما يقدح في صحته ، وهو حديث على شرط مسلم ، فإن مسلمًا أخرج في صحيحه عدة أحاديث عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ؛ وتفرده به تفرد ثقة بحديث مستقل ، وله عدة نظائر في الصحيح .
قالوا : والتفرد الذي يعلل به ، هو تفرد الرجل عن الناس بوصل ما أرسلوه ، أو رفع ما وقفوه ، أو زيادة لفظة لم يذكروها ؛ وأما الثقة العدل إذا روى حديثًا وتفرد به ، لم يكن تفرده علة ، فكم قد تفرد الثقات بسنن عن النبي e عملت بها الأمة ؛ قالوا : وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان ، فلا معارضة بينهما ، وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله ، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني ، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف ، لا لعادة ولا مضافًا إلى ما قبله ، ويشهد له حديث التقدم .
وأما كون العلاء لم يسمعه من أبيه ، فهذا لم نعلم أن أحدًا علل به الحديث ، فإن العلاء قد ثبت سماعه من أبيه ؛ وفي صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه بالعنعنة غير حديث .
وقد قال ( لم يذكر بن القيم صاحب القول ، ولعله عباد بن كثير ، فقد ذكر أبو داود أنه استحلف عبد الرحمن في هذا الحديث ، لكنه لم يذكر أنه كان يطوف بالبيت ) : لقيت العلاء بن عبد الرحمن وهو يطوف ، فقلت له : برب هذا البيت ، حدثك أبوك عن أبي هريرة عن النبي e أنه قال : " إِذَا اِنْتَصَفَ شَعْبَان فَلَا تَصُومُوا" ؟ فقال : ورب هذا البيت ، سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي e فذكره .
وقال النووي في ( شرح مسلم ) : قوله e : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه " ، فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين ، لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله ، فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام ، هذا هو الصحيح في مذهبنا ؛ لهذا الحديث وللحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره : " إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان " ، فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له ؛ فإن كانت عادته صوم يوم الاثنين ونحوه ، فصادفه فصامه تطوعًا بنية ذلك جاز ، لهذا الحديث .ا.هـ .
وصفوة القول : أن الراجح صحة حديث العلاء بن عبد الرحمن لما ذكره ابن القيم - رحمه الله ؛ ويجمع بينه وبين الأحاديث الأخر ، بأنه خاص بمن لم يكن له عادة صيام ، أو أراد أن يصومه من أجل رمضان ، كما ذكر الترمذي عن بعض أهل العلم ؛ ويبقى الجواز لمن كان له عادة لقول النبي e : " إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه " ، ويؤيده حديث عائشة رضي الله عنها : كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا ... والعلم عند الله تعالى .

[1]- أحمد : 2 / 442 ، وأبو داود ( 2337 ) ، والترمذي ( 738 ) ، والنسائي في الكبرى ( 2911 ) ، وابن ماجه ( 1651 ) ، وصححه الألباني .

([2]) لطائف المعارف ص 142 .
 
عودة
أعلى