مع النفس البشرية

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
توصف النفس بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها ؛ فإذا سكنت لأمر ربها وأذعنت واستسلمت وجاهدت شهواتها ، كانت النفس المطمئنة ، التي تُنادى يوم القيامة بما قال الله تعالى : ] يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [ [ الفجر : 27 ، 28 ] ؛ وهذه النفس هي الساكنة الموقنة بأن الله ربها ، فأخبتت لذلك ؛ قاله مجاهد وغيره . وقيل : هي المطمئنة بثواب الله ؛ وحقيقة الطمأنينة - كما يقول ابن القيم : السكون والاستقرار ، فهي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره ، ولم تسكن إلى سواه ، فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره ، واطمأنت إلى أمره ونهيه وخبره ، واطمأنت إلى لقائه ووعده ، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته ، واطمأنت إلى الرضا به ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ، واطمأنت إلى قضائه وقدره ، واطمأنت إلى كفايته وحسبه وضمانه ، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله ، وأن مرجعها إليه ، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين .ا.هـ .
وإذا لم يتم سكون النفس ولكنها كانت مدافعة لشهواتها ورغباتها ، ومعترضة على ما لا يجوز من تلك الشهوات والرغبات ، صارت النفساللوامة ؛ لأنها تلوم صاحبها على تقصيره في عبادة ربه Y ، قال U : ] وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [ [ القيامة : 2 ] ؛ قال الحسن البصري : إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا ، يقول : ما أردت بهذا ؟ لم فعلت هذا ؟ كان غير هذا أولى . وقال غيره : هي نفس المؤمن توقعه في الذنب ثم تلومه عليه ؛ فهذا اللوم من الإيمان ، بخلاف الشقي فإنه لا يلوم نفسه على ذنب بل يلومها وتلومه على فواته .
وأما إن مالت النفس لدواعي الشهوات ووساوس الشيطان ، فهي النفسالأمارةبالسوء ، قال الله تعالى : ] وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [ [ يوسف : 53 ] ؛ وهي المذمومة ، فإنها التي تأمر بكل سوء ، وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها ، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له ؛ ولذا كان النبي e يُعَلِّم الأمة خطبة الحاجة ، وفيها : " وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا "؛ فالشر كامن في النفس ، وهو يوجب سيئات الأعمال ، فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال ؛ وإن وفقه وأعانه نجَّاه من ذلك كله ، فنسأل الله العظيم أن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. وقد امتحن الله U الإنسان بالنفسين : الأمارة واللوامة ، كما أكرمه بالمطمئنة ؛ فهي نفس واحدة تكون أمارة ، ثم بجهادها تصير لوامة ، ثم بجهادها تكون مطمئنة ، وهو غاية كمالها وصلاحها .
فيغرق في الوهم من يظن أن صلاح المجتمع أو الدولة يمكن أن يأتي عن طريق نفوس أمارة بالسوء ؛ تُخرج أفكارًا يجب سترها ، وتتكلم عن مبادئ هي من العورات الفكرية التي ما وجدت في مجتمع إلا فسد وبَعُدَ عن جادة الطريق .
 
عودة
أعلى