مع الكليم في القرآن الكريم (1)

إنضم
13/04/2014
المشاركات
9
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
القاهرة
مع الكليم في القرآن الكريم (1)


إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق وحده وليس معه شريك، ورزق الخلق وحده وليس معه شريك، فينبغي أن يُعبَد وحده وليس معه شريك.سبحانك... سبحانك... سبحانك، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، سبحانك لا فَهم لنا إلا ما فهمتنا إنك أنت الجواد الكريم.﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، نشهد أنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، فكشف الله به الغمة وجاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.بلغ العُلا بكماله، كشف الدُجى بجماله، حسُنَت جميع خصاله، صلوا عليه وآله، فاللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب:70-71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي الأنبياء وأحسن السنن سنة سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخير الملل ملة أبينا إبراهيم عليه السلام، وأحسن القصص القرآن، وخير ما وقر في القلب اليقين، وخير الزاد التقوى، وأشرف الحديث ذكر الله، وشر الضلالة؛ الضلالة بعد الهدى، وشر المعذرة حين يأتيك الموت، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل أكل مال اليتيم، وشر العمى عمى القلب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الأمور عَوازمُها، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.اللهَ أسألُ أن يقني وإياكم ووالدي وجميع المسلمين من النار، ومن حر النار، ومن زقوم النار، ومن حميم النار، ومن غسلين النار، ومن طعام النار، ومن شراب النار، ومن كل قولٍ أو عملٍ يُقربُنا من النار، آمين... آمين... آمين.
أحبتي في الله... أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن نقدم لأنفسنا أعمالًا صالحة تُبيض وجوهنا يوم أن نلقاه، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، رزقني الله وإياكم هذا القلب.
عباد الله...مع الكليم في القرآن الكريم اسمحوا لي أن أضع هذا العنوان موضوعًا لنا في هذه الدقائق الغالية وفي هذه الساعة المباركة ـ أسألُ اللهَ تبارك وتعالى أن يجعلها ساعة خير وبركة وأن يستخلص منَّا ما يُرضيه وأن يُجري الحقَّ على ألسنتنا وقلوبنا وأن يُبصرنا بعيوبنا وأن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أحبابي في الله.. من أين أبدأ؟! وكيف أبدأ؟ وأنا أجدُني أمام بحر لا ساحل له، أما بحر قد حوى دُررًا، بحرٌ تجد في أعماقه الياقوت والذهب واللؤلؤ، أجدُني أمام بحر القرآن لا أستطيع من أي كنوزه أغترف، فالقرآن الكريم يُقبِل عليه الظمآن فيرتوي، ويُقبِل عليه الحيران فيهتدي، ويُقبِل عليه المريض فيشفى، ويُقبِل عليه الحزين فيسعد، فالكل يجد فيه بُغيته وسَلوتَه وخلوتَه وسعادتَه فهو يَسع الجميع ويروي الجميع ويهدي الجميع ويُسعِد الجميع، فلا بد أن نُقبِلَ على بحر القرآن الكريم لكي نغترف من لآلئه وذهبه وكنوزه، فتعالوا بنا لكي نعيش ابتداءً بقلوبنا وأسماعنا وعقولنا "مع الكليم في القرآن الكريم".
أخي الحبيب، أيها المتأمل في كتاب ربك، المتدبر لآياته، حينما تتأمل أكثر وأكثر تجد أن القرآن كثيرًا ما يتحدث عن قصة سيدنا موسى عليه السلام لدرجة أن موسى عليه السلام ذكر اسمه في القرآن أكثر من مائة وعشرين مرة، لماذا؟! لأن قصة موسى عليه السلام بكل ما فيها من تفاصيل هي هي تشابه تمامًا ما حدث مع نبي الله الخليل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده أمته، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما كَثُرَ الإيذاء عليه وعلى أصحابه من قِبل المشركين قال: «رحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من ذلك فصبر»، يعزي نفسه ويسلي نفسه، بسرد قصة أخيه موسى عليه السلام، والقرآن الكريم، حينما يتحدث عن موسى عليه السلام تجد أنه تارة يبدأ بسورة تحكي عن ميلاده وشبابه وزواجه ورحلته خارج مصر، وسورة أخرى تحكي عن موسى وهو واقف ذليل لربه فقير لمولاه أمام جبل المناجاة، وسورة أخرى تحكي عن موسى وسبب بعثته إلى فرعون الطاغية، وسورة أخرى بل وسور أخرى تحكي عن بني إسرائيل مع موسى عليه السلام وكيف كانوا لا يعظمونه، وكيف كانوا يؤذونه أيما إيذاء، ولكن أجد نفسي كريشةٍ في مهب الريح، وأنا أتحدث اليوم عن كليم الله موسى، أجد نفسي كريشة في فلاه، يُقلبها الهواء يمنةً ويسرة، كيف أبدأ والقرآن العظيم، وضع لنا منهاجًا في قصصه الرائعة، لا يحكي لنا كثير تفاصيل، وإنما يركز ويهتم بحقائق الأمور والدروس والعبر كما قال رب البشر سبحانه وتعالى:﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ﴾ [يوسف: 111] فتعالوا بنا سريعًا نبدأ بالسورة التي بدأت بميلاد موسى عليه السلام، هي السورة الوحيدة في القرآن التي تكلمت عن الكليم وميلاده عليه السلام ألا وهي "سورة القصص"، سمَّاها ربنا سورة القصص، وسورة القصص هي سورة مكية نزلت في مكة والمسلمون قلة مستضعفة مضطهدين ومعذبين ومكذبين ومعتقلين أتت هذه السورة لكي تضع الموازين الحقيقية لمعنى القُوى والقِيم، أتت هذه السورة لكي تقرر بأن هناك قوة واحدة في هذا الوجود هي قوة ربنا المعبود سبحانه وتعالى وعز وجل، أتت هذه السورة لكي تقرر بأن هناك قيمة واحدة في الحياة، ألا وهي قيمة الإيمان بالله جل في علاه، فأي قوة تريد أن تتحدى قوة الله، إذا كانت قوة الله معك، فلا خوف عليك، ولا حزن عليك، وإذا كانت قوة الله عليك، فلا أمن لك، ولا أمان لك ولا استقرار لك، ولا طمأنينة لك، ولو ساندتك جميع القُوى البشرية، مِنْ شرقها إلى غربها، إذا كانت قوة الله تبارك وتعالى مع أحد، فليس هناك أي أحد يستطيع أن يبطش بك، أتت هذه السورة ونزلت لكي تحكي لنا أن قوة الله غالبة ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21]، هي السورة الوحيدة التي حينما تتأمل فيها تجد أن حلقات قصة سيدنا موسى دائمًا تتكلم عن مواجهة موسى مع فرعون، عن الحجج، عن البراهين، عن الصدع بالحق، أما هذه السورة في بدايتها تكلمت عن الظروف التي وُلد فيها موسى عليه السلام، ظروف قاسية، ذبح، واضطهاد، وتعذيب، وتنكيل، واعتقال، إلى آخره، فلقد وُلِدَ سيدنا موسى عليه السلام، في جوٍ اختلطت فيه القيم، وُلِدَ في مصر، في عصر رجل من طين، قال لشعب مصر: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، بل زاد الأمر بهتانًا وضلالًا، قال: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38] لا إله إلا الله، ماذا كان موقف الشعوب؟ ماذا فعل شعب مصر؟ حينما سمع هذا الكلام، -ربكم الأعلى-وما علمت لكم من إله غيري- ماذا فعلوا؟! ما موقف الشعب حين إذ؟!! سجَّل ربنا تبارك وتعالى طاعتهم للطغيان، ورضاهم بالذل والهوان، فقال سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ﴾ [الزخرف: 54] أطاعوا أمره، رضوا بأن يكون هو ربهم، وهو إلههم، وهو صنمهم، رضوا بذلك، فاستخف قومه فأطاعوه، لماذا أطاعوه يا الله؟!! لماذا؟ لأنهم ليسوا مؤمنين، نحوا شريعة رب العالمين، لم يرضوا بحكم الدين في الدنيا، فَسَقُوا عن أمر ربهم وعصوا رسله، فوصفهم ربنا: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [النمل: 12] خرجوا عن طاعة ربهم ومولاهم وعن طاعة نبيهم، فسبب الطاعة الطغيان، أنهم فاسقين، ثم يسجل ربنا تبارك وتعالى قولًا عنيفًا ومخيفًا لأي شعب يُصفق للباطل، ويُصفق للطواغيت، اسمع يقول ربنا: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [الزخرف: 55]يا الله!! ـ آسفونا يعني أغضبونا ـ لم يقل ربنا: فلما أغضبنا فرعون، لا، انظر إلى حديث القرآن، تكلم عن الشعب، عن الجماهير، عن الناس، لماذا؟ هم الذين أخذوا بأيديهم إلى الهلاك، وإلى الهوان، وإلى الذل وإلى الدَّعة، ﴿ فلما آسفونا ﴾أغضبوا الله بانتهاك حُرماته، والرضا بأن تُنتهك حُرمات المسلمين عيانًا بيانًا، أغضبوا الله، فلما آسفونا، ماذا فعلت يا الله؟!! ﴿ انتقمنا منهمفأغرقناهم أجمعين، الساكت مع الراضي، مع الفاعل، مَنْ هُم الذين أنجيتهم يا الله؟!! مَنْ هم؟!! الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، فمِن المفترض حينما يقول لكم: أنا ربكم الأعلى، تُحاسبوه وتناقشوه وتردوه إلى صوابه، من أين جئتم أنتم قبل فرعون، مَنْ الذي خلقكم؟!! ومَنْ الذي رزقكم ويرزقكم إلى الآن ويرزقكم إلى أن تموتون؟!! مَنْ؟!! إنه الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.فَوُلِدَ سيدنا موسى عليه السلام في هذه الظروف القاسية الصعبة المملوءة بالدماء والأشلاء، فيحكي لنا ربنا عز وجل هذا السياق العجيب:﴿ طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [القصص: 1، 2] ليس أي أحد سيحكي، ليس هناك أي أحد يتكلم، إن المتحدث هو الله، إن المتكلم هو الله، يقول لك: ﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، الحق واضح، والباطل واضح، الكتاب بَيَّن كل شيء، هنا نور، هنا ظلمات، هنا هدى، هنا ضلال، كتاب مبين، مبين لأنه يتوافق مع الفطرة، مبين لأنه يتوافق مع العقل، مبين لأنه كلام رب العالمين كلام واضح.﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [القصص: 2، 3] لن نحكي كل شيء، سنذكر الدروس والعبر التي تأخذ منها الدرس وتستفيد وتعتبر وتتعظ ﴿ مِنَ ﴾للتبعيض (﴿ نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ﴾الذي سوف ينتفع بهذا القصص هو المؤمن الذي معه من الإيمان ما يجعله يقبل قول الله لأنك حينما تلتقي بأناس آخرين تقول لهم: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم يجادل ويناقش، وهو ربنا يقول: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36] فسبحان الملك، ﴿ نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون ﴾تلاوة، السورة اسمها القصص، لم يقل ربنا: نقص عليك من نبأ موسى وفرعون، وإنما قال: ﴿ نتلو عليك ﴾يعني أن هذه القصة تتلوها مثل القرآن في كل مكان وزمان، ستتكرر مع كل الفراعين وكل الطواغيت، فالمطلوب منك أن تتلوها ليل نهار في كل زمان ومكان، اتلوها، كرَّرها، حتى يستوعب الناس الدرس، ﴿ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [القصص: 3] كما في سورة يوسف عليه السلام: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7] لم يقل للسامعين لا، وإنما لمن يريد أن يفهم، الذي يريد أن يعرف الحق من الباطل، الذي يسأل ويستفسر، ويريد أن يعرف الحقيقة، ليس مغمضًا عينيه، ويسير وراء الطواغيت، لا، فالذي يستفيد هو الذي يسأل، فالذي يريد أن يعرف الحق، المؤمن ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ما هو النبأ يا الله؟!! ﴿ إن فرعون علا في الأرض ﴾حينما تقرأ أو تسمع كلمة ﴿ على ﴾تنظر إلى السماء، إلى سماء شامخة، وحينما تعود وتقرأ (في الأرض) تُطئطئ رأسك، لأن آخره الأرض، ﴿ علا في الأرض في الأرض لأنه سيدفن فيها، في الأرض، علا بجبروته، علا واستعلا على الناس، وقال: أنا ربكم الأعلى، ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾ [القصص: 4] أي طوائف، هم شعب ونحن شعب، هم طائفة ونحن طائفة، بل طوائف وأحزاب وجماعات، فرق تسد، وتأمل قال: ﴿ طائفة منهم ﴾، فلم يستضعفهم كلهم، إنما يوجد طائفة من الشعب الفنانين والفنانات أمثال قارون وهامان وغيرهما أمثال هؤلاء لا يُستَضعفوا ولا يُقتَّلوا ولا يُعتقلوا، فلو مسكوا أحد أبنائهم، أو هم أنفسهم بمخدرات أو مسكرات فبراءة، ويخرجوا في التو واللحظة، أما المستضعفون أصحاب الدين، الطائفة منهم من بني إسرائيل، أحفاد إبراهيم عليه السلام، يُقتَّلوا ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [القصص: 4] لماذا؟ لأنه خائف على ملكه، قيل في بعض كتب التفسير: أن ساسته وكُهَّانه وإعلامَه، قالوا له: زوال ملكك على مولود ذكر من بني إسرائيل، لو نفترض أن هذا الكلام صحيح، لا ينفع حذر من قدر، فملكك زال على هذا المولود الذكر، أما إذا كان هذا الكلام خطأ، وأنت واثق من نفسك، إذن لماذا تقتل الناس؟ لا تخف. فإذا كان كلام هذا الكاهن صحيح، فملكك زائل، فلا ينفع حذر من قدر، وإن كان هذا الكلام غير صحيح، لما أنت خائف وتقتل في الناس وفي الشباب وفي الأطفال، ﴿ يذبح أبناءهم ﴾ ويستحيي نساءهم، لماذا؟ للخدمة وليس رحمة منه، للاسترقاق، والذي يعمل هذا بماذا نسميه؟ بما نصفه؟ ﴿ إنه كان من المفسدين هذا مُفسد، أفسد الحرث والنسل، وأفسد الشركات والمصانع والزراعة والتجارة، أفسد كل شيء، أفسد عقول الناس بإعلامه وقنواته، أفسد كل شيء ﴿ إنه كان من المفسدين ﴾.هذا يُسمَّى الجو أو الظرف الذي وُلد فيه سيدنا موسى، ولد في ظرف قاسٍ.ثم تنتقل القصة لمشهد آخر، وهو أن سورة القصص هي السورة الوحيدة التي تكلمت عن قدرة الله حينما تتدخل في الصراع بين الحق والباطل، هذا الكلام غالي جدًّا ليس لأنه كلامي ولكن هذا كلام العلماء، كلام رائع، حينما يعلو الباطل ويتمادى الظلم والطغيان لدرجة أن البشر لا يستطيعون أن يقاومونه ويدفعونه، هنا تتدخل القدرة الإلهية، سيأتي المنّ والفضل من الله وحده، ما هو؟ إرادة الله، فرعون يريد، والله يريد، ولكن أي الإرادتين ستنفذ؟!! إرادة الله نافذة، ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 5] إرادة الإنسان وإرادة الرحمن ﴿ ونريد أن نمن ﴾يكون منًّا، لأنك بهذه الحال لا تنصر ولا مئات السنين، لأنك غير مؤهل، لكن سيأتي النصر، لأنك استُضعفتَ، وصبرت على الاستضعاف كثيرًا، وقُتل منك، وليس في يدك أي حيلة، فسيأتي التمكين مَنّ وفضل من الله، ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾ في الدين والدنيا ﴿ ونجعلهم الوارثين ﴾يرثوا الملك والحكم، وهنا يقول ابن القيم: إذا أردت أن تنال الإمامة في الدين فعليك بأمرين: الصبر على الاستضعاف، واليقين بنصر الله، اقرأ إن شئت في سورة السجدة: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24] فالصبر على الاستضعاف، اصبر على الاستضعاف، الصبر ليس بأن تجلس في بيتك، اصبر وعندك يقين في نصر الله القادم، ﴿ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ﴾. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، ونُكمل بعد جلسة الاستراحة.

___
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ومن علينا بالإيمان وأنزل فينا القرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للأنام، تأمر بالمعروف وتنهى عن الآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق العلام الرحيم الرحمن، خلق من كل شيء زوجين ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 13] نسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على الحق والإيمان ونستنصر به جل وعلا الظلم والبغي والعدوان، ونعوذ به سبحانه وتعالى من فتنة المال والجاه والسلطان، ونتوجه إليه خاشعين صادقين أن يمن علينا بخاتمة الإحسان، قولوا: آمين.حبيبي في الله... حينما تنتقل إلى المشهد الثاني من السورة أو من القصة تجد عجبًا عجابًا، إرادة الله عزوجل نفدت، فمتى يقع هذا التمكين وهذا الإرث، ﴿ ونجعلهم الوارثين متى؟! قبل، ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 6] يحذرون من الطائفة المؤمنة المستضعفة، يا رب كيف ومتى، سؤالين! كيف ومتى سيكون هذا التمكين وهذا الإرث العظيم في الحكم، متى؟!! ﴿ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ﴾ تربية هذا الجيل، لو تذكرون في الجمعة الماضية، تكلمت عن الجيل الذليل، الذي رضي بالهوان، والله عز وجل عليهم، نحن نريد جيلًا جديدًا، جيلًا يحمل قضية الإسلام، جيل يعرف حقيقة وجوده في الحياة، لماذا خُلق؟ ولماذا وجد، وماذا يريد منه الله، أي بعد ثلاثين أربعين سنة، نعم بعد ثلاثين أربعين سنة، اعمل والله عز وجل عليه أن يخرج الثمرة في أي وقت يشاءه هو، ليست أنت، لكن عليك أن تعمل، اعمل، ﴿ وأوحينا إلى أم موسى أنأرضعيه ﴾ السورة الوحيدة التي تكلمت عن رضاعة سيدنا موسى عليه السلام، أرضعيه، هذا هو التمكين! نعم هذا هو التمكين، هذا هو بداية الإرث للأرض، ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105] نعم، لكن هم نفسهم طويل! الأسبوع الماضي 3 مارس كان الذكرى التسعين لسقوط الخلافة الإسلامية، الذكرى التسعين لسقوط الحكم بما أنزل الله، سقطت الخلافة حينما أتى هذا الشيطان عدو الله مصطفى كمال أتاتورك ومنع الحجاب، ومنع أسماء المسلمين بأن يسموا بها أمثال محمد وأحمد ومحمود، ونحى المحاكم الشرعية، وفعل الأفاعيل، كانوا يخططون لسقوط الخلافة 1942 من قبلها بسنوات، ثم بعد ذلك في 1936 حصل سايكس بيكو تقسيم الدول الإسلامية، جدك أو أبوك يقول لك: كانت مصر والسودان دولة واحدة، لم يكن هناك حدود، ثم بعد ذلك مصر لوحدها بلد والسودان بلد لوحدها، وبعد ذلك أصحبت السودان جنوب وشمال، العراق أصبحت سنة وشيعة، سوريا نفس الموضوع، والدور على مصر، لكن متى سنستيقظ، متى؟!! ابنك مسئول منك. نشتكي من حفاظ القرآن الكريم، ملايين الحفاظ، وليس هناك ثمرة، لذلك أقول لا نريد أن نحفظ القرآن فقط، لكن علينا أن نعمل بالقرآن، نعمل بهذا القرآن، كيف لابني يحفظ القرآن وهو يسب الدين ويدخن ويشتم وأخلاقه سيئة، أين روح القرآن؟! أين أثر القرآن يا أمة القرآن؟!﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ [القصص: 7] لماذا تخافين عليه وهم يقتلون المواليد الذكور، وهو خائف على ملكه، (فإذا خفت عليه) ماذا يحدث؟ شيء لا يصدق، ترميه في البحر، هي إرادة الله، الله هو الغالب، تؤمن بأن الله غالب، الله غالب، وقال العلماء: أن الغالب من أسماء الله الحسنى، الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي [القصص: 7] ارميه في نهر النيل لا تخافي (﴿ ولا تحزني ﴾ لماذا؟ (إنا ـ أي الله، والجمع للعظمة ـ رادوه إليك) سيرجع إليكِ ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7] بل من أُولي العزم من الرسل، بل سيكون كليم الله، ما هذه الوعود الربانية!! ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾ [القصص: 7] ليس الوحي وحي النبوة والرسالة والكلام، وإنما وحي الإلهام، أي ألهمناها مثل ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾ هل ربنا سيكلم النحل؟!! فهو وحي إلهام، فكما أنه يوجد وحي من الله، يوجد وحي من الشيطان ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ [الأنعام: 121]، ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7] هنا الجمال القرآني والجلال القرآني، عندما تقرأ ثاني صفحة من سورة القصص وآخر صفحة من سورة القصص، آخر صفحة ربنا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85] ـ سنردُّك يا محمد إلى مكة كما رددنا موسى إلى أُمّه أتُصدق؟!!.موسى حينما بلغ أشده مكث في مدين عشر سنوات، والرسول مكث في المدينة عشر سنوات، تشابه قدري.﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ﴾ [القصص: 8] وهنا تظهر العناية الربانية، عناية الله الذي جعل النار بردًا وسلامًا، جعل البحر لموسى ملجأً ومنامًا، وهذا سنعرفه الخطبة القادمة بمشيئة الله تعالى.الدعاء:اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم كن معنا ولا تكن علينا، اللهم انصرنا على مَن بغى علينا، اللهم خذ حقنا ممن ظلمنا، اللهم حببنا في بعضنا، واطرد الشيطان من بيننا واجعلنا إخوانًا متحابين على سرر متقابلين في جناتك جنات النعيم، اللهم حسن أخلاقنا، حتى نعطي من حرمنا، ونصل من قطعنا، ونحسن إلى من أساء إلينا، اللهم أنزل علينا السكينة وارزقنا الطمأنينة، ولا تحرمنا يا ربنا زيارة مكة والمدينة، اللهم اكتب لنا حجة وعمرة قبل الممات، اللهم كن لإخواننا في سوريا، اللهم قاتل دونهم، اللهم كن مع إخواننا في مالي وفي بورما وفي افريقيا وفي السودان وفي الصومال وفي العراق وفي شتى بلاد الإسلام يا رب العالمين، اللهم قنا في مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم خذ بيد كل من يريد الهدى، اللهم إن كان من هذه الأمة على غير الحق وهو يبحث عن الحق فرده إلى الحق ليكون من أهل الحق، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.آمين... آمين... آمين﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44].
 
عودة
أعلى