ناصر عبد الغفور
Member
بسم1
مع آخر نسخ في سورة البقرة:
مع آخر نسخ في سورة البقرة:
من المعلوم أن من صور نسخ القرآن بالقرآن نسخ الآية 284 بالآية 286 من سورة البقرة، وقد ثبت هذا النسخ في الصحيحين:
- فقد روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة قال * لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! < لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير > ! قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها ! < آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير > ! فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل ! < لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا > ! قال نعم ! < ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا > ! قال نعم ! < ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به > ! قال نعم ! < واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين > ! قال نعم."-ص مسلم-.
- و روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } قَالَ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. –ص البخاري-.
لكن سمعت شريطا ضمن سلسلة الهدى والنور للعلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى بين فيه أن نسخ الآية إنما هو بالحديث وليس بالآية، والحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به"، وأما الآية فبين أنها ليست بناسخة لأن قوله تعالى:"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت": كما تشمل عمل الجوارح فكذلك تشمل عمل القلب، فالكسب كسبان كسب جوارح وكسب قلب، وأشار إلى قول شيخ الإسلام أن العمل ينقسم إلى عمل قلب وعمل جوارح، وبالتالي فالآية ليست ناسخة لأنها نصت أن العبد عليه ما اكتسب ومن اكتسابه عمله القلبي، بخلاف الحديث فهو نص في عدم المواخذة.
لكن وقفت على كلام للعلامة الألباني رحمه الله تعالى في جواب على بعض الأسئلة، بين فيه أن النسخ بالآية، وجاء الحديث مقررا ومؤكدا لهذا النسخ: وهذا نص كلامه رحمه الله تعالى:
"لما نزلت هذه الآية جاءت طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهتمين بحكم هذه الآية؛ لأنه في الحقيقة إذا تصورتموها أي: لو بقي حكمها لما نجا من الحساب والعذاب إلا القليل من العباد؛ لأن الله عز وجل يقول: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } [البقرة:284]، فكم وكم من وساوس تدور في أذهان الناس وتستقر في صدورهم، ثم الله عز وجل في هذه الآية سيحاسبهم عليها، فكبر وعظم هذا الحكم على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فجاءوا جثياً وجلسوا على الركب وقالوا: ( يا رسول الله! هانحن أُمرنا بالصلاة وصلينا، وبالصوم فصمنا، وبسائر الأحكام فقمنا، أما أن يحاسبنا الله عز وجل على ما في صدورنا فهذا مما لا طاقة لنا به، فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدون أن تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } [البقرة:93]؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فأخذوا يقولونها بألسنتهم حتى ذلت وخضعت لها قلوبهم، فأنزل الله عز وجل الآية الناسخة لهذا الحكم الشديد: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت } [البقرة:286] ) أي: علمت، فرفعت المؤاخذة على ما في النفوس، هذه المؤاخذة التي ذكرت في الآية السابقة، ثم جاء حديث الرسول عليه السلام مؤكداً لاستقرار الحكم على عدم المؤاخذة بما في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ) فما في النفوس لا مؤاخذة عليه." اهــــــــــ.-دروس للشيح الالباني-.
ولا ريب أن النسخ كان بالآية وربما جاء هذا الحديث مؤكدا لهذا النسخ ومقررا له، لكن يبقى السؤال، ما السر في اختلاف نظر الإمام الألباني رحمه الله تعالى في هذه المسألة، هل قال بالأول وهو أن النسخ إنما وقع بالحديث، ثم تبين له فيما بعد أن النسخ إنما هو بالآية وأن الحديث جاء مؤكدا له، أم على العكس؟
أرجو الإفادة.