مع آخر نسخ في سورة البقرة:

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
53
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1



مع آخر نسخ في سورة البقرة:


من المعلوم أن من صور نسخ القرآن بالقرآن نسخ الآية 284 بالآية 286 من سورة البقرة، وقد ثبت هذا النسخ في الصحيحين:
- فقد روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة قال * لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! < لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير > ! قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها ! < آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير > ! فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل ! < لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا > ! قال نعم ! < ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا > ! قال نعم ! < ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به > ! قال نعم ! < واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين > ! قال نعم."-ص مسلم-.
- و روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } قَالَ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. –ص البخاري-.
لكن سمعت شريطا ضمن سلسلة الهدى والنور للعلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى بين فيه أن نسخ الآية إنما هو بالحديث وليس بالآية، والحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به"، وأما الآية فبين أنها ليست بناسخة لأن قوله تعالى:"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت": كما تشمل عمل الجوارح فكذلك تشمل عمل القلب، فالكسب كسبان كسب جوارح وكسب قلب، وأشار إلى قول شيخ الإسلام أن العمل ينقسم إلى عمل قلب وعمل جوارح، وبالتالي فالآية ليست ناسخة لأنها نصت أن العبد عليه ما اكتسب ومن اكتسابه عمله القلبي، بخلاف الحديث فهو نص في عدم المواخذة.
لكن وقفت على كلام للعلامة الألباني رحمه الله تعالى في جواب على بعض الأسئلة، بين فيه أن النسخ بالآية، وجاء الحديث مقررا ومؤكدا لهذا النسخ: وهذا نص كلامه رحمه الله تعالى:
"لما نزلت هذه الآية جاءت طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهتمين بحكم هذه الآية؛ لأنه في الحقيقة إذا تصورتموها أي: لو بقي حكمها لما نجا من الحساب والعذاب إلا القليل من العباد؛ لأن الله عز وجل يقول: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } [البقرة:284]، فكم وكم من وساوس تدور في أذهان الناس وتستقر في صدورهم، ثم الله عز وجل في هذه الآية سيحاسبهم عليها، فكبر وعظم هذا الحكم على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فجاءوا جثياً وجلسوا على الركب وقالوا: ( يا رسول الله! هانحن أُمرنا بالصلاة وصلينا، وبالصوم فصمنا، وبسائر الأحكام فقمنا، أما أن يحاسبنا الله عز وجل على ما في صدورنا فهذا مما لا طاقة لنا به، فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدون أن تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } [البقرة:93]؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فأخذوا يقولونها بألسنتهم حتى ذلت وخضعت لها قلوبهم، فأنزل الله عز وجل الآية الناسخة لهذا الحكم الشديد: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت } [البقرة:286] ) أي: علمت، فرفعت المؤاخذة على ما في النفوس، هذه المؤاخذة التي ذكرت في الآية السابقة، ثم جاء حديث الرسول عليه السلام مؤكداً لاستقرار الحكم على عدم المؤاخذة بما في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ) فما في النفوس لا مؤاخذة عليه." اهــــــــــ.-دروس للشيح الالباني-.

ولا ريب أن النسخ كان بالآية وربما جاء هذا الحديث مؤكدا لهذا النسخ ومقررا له، لكن يبقى السؤال، ما السر في اختلاف نظر الإمام الألباني رحمه الله تعالى في هذه المسألة، هل قال بالأول وهو أن النسخ إنما وقع بالحديث، ثم تبين له فيما بعد أن النسخ إنما هو بالآية وأن الحديث جاء مؤكدا له، أم على العكس؟
أرجو الإفادة.
 
لا إشكال في معنى الآية أخي الكريم ، فالله يحاسب الإنسان على عمل قلبه وهذا ظاهر في كثير من القرآن الكريم ، وهذا كله لا يخرج عن قوله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)..
ولو ضربت على هذا مثالاً فإن التفكير والهم بمعصية كالزنا ، فهذا إثم ومعصية يحاسب عليه صاحبه (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم) (إن بعض الظن إثم) ، وهذا إثمه يختلف عن إثم الفعل ومواقعة الذنب.

ومن أمثلة أعمال القلوب: الاستعانة (إياك نعبد وإياك نستعين) ، والخشية (فلا تخشوهم واخشوني) ، الحب (والذين آمنوا أشد حباً لله) ، الكراهية (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) ، الإنكار (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة) ، الاستكبار (وهم مستكبرون) ، الخشوع (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) ، القسوة (ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) ، سلامة القلب (إلا من أتى الله بقلب سليم) ، الإنابة (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) ، الإسلام وهو التسليم لله (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لله رب العالمين) ، الإيمان (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، مرض القلب (في قلبوهم مرض فزادهم الله مرضاً) ، العقل والعمى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، الريب (وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) ، الذكر (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة) ، الظن (إن بعض الظن إثم) ، التقوى (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) ، وغيرها هذا كثير.
وحسبك في هذا أن العمل يبدأ من حال القلب..

والقول بأن هذا تشديد فإن هذا لا يستقيم مع عدل الله وحكمته في التكليف ، ولا يستقيم نسخ الحكم أو الآية مع وجود الكثير من الآيات التي تؤيد وتؤكد الحساب على عمل القلب ، ولا يستقيم أيضاً القول بأن حديثاً ينسخ عشرات الآيات السابقة ، لكن ينبغي أن يفهم هذا الحديث في ضوء كون حديث النفس لا يكون إثماً كإثم مواقعة الذنب ، لكنه كعمل قلبي يظل إثماً لا شك ، ولو كان الإثمان متماثلين لما نجا أحد حقاً..
وذكرت حديث سبب النزول ويظهر أن هذا غير صحيح ، فأبو هريرة أسلم في السنة السابعة وسورة البقرة نزلت في أول العهد المدني.. والله أعلم وهناك احتمال آخر أن هذه الآيات نزلت توضيحاً للبس في فهم أصحاب الرسول لا نسخاً ، فتكون الواقعة صحيحة لكن تفسيرها غير صحيح..

أما الآية (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) فلا تنسخ الآيات السابقة لها ، لأن هذه الآية تقرر أصلاً في التشريعات والتكليفات وهو عدم التكليف بفوق الوسع ، وهذا ظاهر في كثير من القرآن الكريم (فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه) ، (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
وهذا ذكرته في مجمل كلامك:
وأشار إلى قول شيخ الإسلام أن العمل ينقسم إلى عمل قلب وعمل جوارح، وبالتالي فالآية ليست ناسخة لأنها نصت أن العبد عليه ما اكتسب ومن اكتسابه عمله القلبي، بخلاف الحديث فهو نص في عدم المواخذة.

والأصل أن الله عز وجل رؤوف بالعباد ، وأنه يقبل التوب ويغفر الذنوب جميعاً.. وأنه يجزي المحسن بأحسن عمله والمسيء على إسائته ، ما يبدل القول لديه وما هو بظلام للعبيد ، فمن تاب واستغفر وكان محسناً فهو من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومن تذكر وعد الله عز وجل بالمغفرة اطمئن قلبه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)..

والله أعلم والحمد لله رب العالمين
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

جزاى الله الأخ عمر والأخت الباحث على تعلقيهما، وكلامي موجه للأخت الباحثة:
أستوقفتني في كلامك عدة مسائل أحببت التعليق عليها:

الوقفة الأولى: قولك:"فإن التفكير والهم بمعصية كالزنا ، فهذا إثم ومعصية يحاسب عليه صاحب"اهـــ: هذا الإطلاق منك لا وجه له من الصحة، فالهم بالمعصية لا يلزم أن يكون معصية، فقد يهم الإنسان بمعصية ما ثم يتركها، فهل يقال لمثل هذا إنك آثم بمجرد همك؟ اعلمي أختاه أنه بتركه لما هم الإقدام عليه من معصية الله قد يكون حسنة تكتب له في ميزانه، وذلك إذا كان الدافع له على تركه لتلك المعصية التي هم بالقيام بها خوفه من الله تعالى وتعظيمه له سبحانه، كمن هم بالزنا -عياذا بالله- لكنه تذكر عظمة الله والوقوف بين يديه فانزجر وتراجع، فهذا تكتب له حسنة.
ولا بد هنا من التذكير بحديث صح عن النبي الكريم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم:عن أبي هريرة أن رسول الله قال :"يقول الله : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وإن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها اكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة." -متفق عليه-.
وفي رواية أخرى: "قال الله إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي." -أي من خوفي-.

الوقفة الثانية: قولك:"ولا يستقيم نسخ الحكم أو الآية مع وجود الكثير من الآيات التي تؤيد وتؤكد الحساب على عمل القلب"اهـــ : هذا يعني أنك تنكرين نسخ الآية، مع أن نسخها صرح به غير واحد من الصحابة الكرام، وهم أعلم ممن جاء بعدهم، وقولهم هو المقدم، لأنهم شهدوا التنزيل وعلموا أسبابه وفهموا معانيه وهم ارباب اللسان والمنطق والبيان، فالنسخ صح عن أبي هريرة كما في صحيح مسلم:"...فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله ! لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، كما ثبت القول بالنسخ عن حبر الأمة ابن عباس: فقد روى الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى بسنده عن الزهري، عن سالم: أن أباه قرأ:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فدمعت عينه، فبلغ صَنِيعه ابنَ عباس، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن! لقد صَنعَ كما صنع أصحاب رسول الله حين أنزلتْ، فنسختها الآية التي بعدها:( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا )."-جامع البيان:وقال الحاكم : "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي-كما صححه العلامة أحمد شاكر تعالى في تحقيقه لجامع البيان-.
فإذا ثبت القول بالنسخ عن الصحابة الكرام لم يجز لأحد بعدهم إنكار هذا النسخ.

الوقفة الثالثة:قولك:"لكن ينبغي أن يفهم هذا الحديث في ضوء كون حديث النفس لا يكون إثماً كإثم مواقعة الذنب ، لكنه كعمل قلبي يظل إثماً لا شك ، ولو كان الإثمان متماثلين لما نجا أحد حقاً.."اهـــ:الرد على كلامك هذا يفهم مما ذكرته في المسألة الأولى، وأضيف هنا أن الحديث خرج مخرج العموم، فكل ما حدث الإنسان به نفسه لا يحاسب عليه، حتى يتكلم أو يعمل:
"
إن الله تجاوز لأُمَّتي عمَّا لم تتكلَّم أو تعمل به، وبما حدثت به أنفسَها "-متفق عليه-: ومعلوم أن كلمة "ما" في هذا الحديث اسم موصول والأسماء الموصولة من صيغ العموم..
وفي رواية:"إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تتكلم به و ما استكرهوا عليه"-ص الجامع-.

الوقفة الرابعة: قولك:"وذكرت حديث سبب النزول ويظهر أن هذا غير صحيح ، فأبو هريرة أسلم في السنة السابعة وسورة البقرة نزلت في أول العهد المدني"اهـــ: ليس لأحد القول في أسباب النزول بمجرد الرأي والنظر، فأنت تردين سببا ثابتا من أسباب النزول، فقد ثبت ذلك في أصح الكتب بعد كتب الله تعالى، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة الحديث وفي آخره:"فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"-متفق عليه وقد سبقت الإشارة إليه-، فكيف تقولين بعد هذا :"ويظهر أن هذا غير صحيح "، اعلمي أختاه أن علم أسباب النزول من علوم القرآن العظيمة والتي ليس لأحد أن يقول فيها برأيه، فهذا الباب لا يجوز فيه:"يظهر لي" أو "يتبين لي" أو نحوها من العبارات، فمن قواعد التفسير المهمة:"القول في الأسباب موقوف على النقل والسماع": فهناك جيل واحد لا ثاني له هو الذي له أن يتكلم في هذا الباب، ألا وهو جيل الصحابة ، حتى التابعي ليس له أن يقول: أن سبب نزول آية كذا هو كذا إلا عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم.
ولعل السبب الذي جعلك تنكرين تلك السببية هو رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا ما يفهم من كلامك حيث قلت:"
فأبو هريرة أسلم في السنة السابعة وسورة البقرة نزلت في أول العهد المدني": وهذا التعليل لا يصح، فالصحابي وإن تأخر إسلامه يمكن أن يروي ما وقع قبل إسلامه، فقد يسمع الخبر ممن سبقه للإسلام بل قد يسمع الخبر مرة أخرى من النبي صلى الله عليه وسلم، وأوضح لك هذه المسألة بمثال: لعلك تعلمين حديث " بدأ الوحي" هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري في أول صحيحه-وهو الحديث الثالث- هو من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها، ولا شك أنها في بداية الوحي لم تكن موجودة بعد، ورغم ذلك فقد روت الحديث، كيف ذلك؟ الجواب: أنها سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم-.

الوقفة الخامسة:
قولك:"أما الآية (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) فلا تنسخ الآيات السابقة له"اهـــ: سبق التنبيه إلى أن القول بالنسخ ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم، فليس لنا رده، وقد فصلت الكلام في المسألة الثانية، وأذكرك بقول الحبر ابن عباس رضي الله عنهما:"فنسختها الآية التي بعدها:( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا )".
أما قولك عني:"وهذا ذكرته في مجمل كلامك": فهذا ليس قولي وإنما ذكرت كلام العلامة الألباني رحمه الله تعالى.

ومعذرة على الإسهاب، لكن ظهر لي أن الأمر يحتاج إلى ذلك.
والله أعلم وأحكم.

 
عودة
أعلى