معنى قول الزمخشري والنسفي

خلود

New member
إنضم
06/02/2005
المشاركات
49
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
السعودية
ذكر الزمخشري، والنسفي وغيرهما في تفسير قوله تعالى: "أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم" [يس: 81]
أن المعنى: مثلهم في الصغر بالإضافة إلى السموات والأرض، أو أن يعيدهم؛ لأن المعاد مثل المبتدأ وليس به
وسؤالي: ما معنى قولهم: لأن المعاد مثل المبتدأ وليس به
 
محاولة للفهم

محاولة للفهم

يقرر الزمخشري أن قوله تعالى: (يخلق مثلهم)، لها معنيان: الأول: أن الخلق بمعنى الإيجاد من عدم، على غير مثال سابق، وبدون مادة موجودة مسبقاً. وجاءت هذه الآية الكريمة في سياق إثبات القدرة الإلهية على البعث، فهذا استفهام تقريري (أو ليس ...)، فالذي تثبت له القدرة على خلق هذه الأشياء العظيمة ابتداءً من عدم قادرٌ على خلق مثلها وأصغر منها.

الثاني: أن الخلق هنا يكون بمعنى المعاد والبعث، وعلّل الزمخشري التعبير عن البعث بالخلق بقوله: (لأن المعاد مثل المبتدأ وليس به) [في بعض نسخ الكشاف: لأن المعاد مثل للمبتدأ وليس به]، والمقصود أن الإعادة تكون بخلق جسم جديد يشبه الجسم القديم وعلى مثاله، وليس بإعادة أجزاء الجسم القديم نفسه، فهي خلق لمثل الشيء في أصول ذاته وصفاته، لذلك صحّ إطلاق الخلق على الإعادة، ومعنى الآية بناء على هذا، أن القادر على خلق السموات والأرض من العدم قادر بلا شك على الإحياء بعد الإماتة.

يقول ابن عاشور:

"أي قادر على أن يخلق أمثالهم، أي أجساداً على صورهم وشَبههم لأن الأجسام المخلوقة للبعث هي أمثال الناس الذين كانوا في الدنيا مركبين من أجزائهم فإن إعادة الخلق لا يلزم أن تكون بجمع متفرق الأجسام بل يجوز كونها عن عدمها، ولعل ذلك كيفيات، فالأموات الباقية أجسادها تُبثّ فيها الحياة، والأموات الذين تفرقت أوصالهم وتفسخت يعاد تصويرها، والأجساد التي لم تبق منها باقية تعاد أجساد على صورها لتودع فيها أرواحهم، ألا ترى أن جسد الإِنسان يتغير على حالته عند الولادة ويكبر وتتغير ملامحه، ويجدّد كل يوم من الدم واللحم بقدر ما اضمحلّ وتبخّر ولا يعتبر ذلك التغير تبديلاً لذاته فهو يُحسّ بأنه هو هو والناس يميّزونه عن غيره بسبب عدم تغير الروح. وفي آيات القرآن ما يدل على هذه الأحوال للمعاد، ولذلك اختلف علماء السنّة في أن البعث عن عدم أو عن تفريق كما أشار إليه سيف الدين الآمدي في «أبْكار الأفكار» ومودعة فيها أرواحهم التي كانت تدبر أجسامهم فإن الأرواح باقية بعد فناء الأجساد".

وجدير بالذكر أن أبا حيان بعد أن ذكر قول الزمخشري، أورد عليه اعتراضاً، وهو: إن المعاد هو عين المبتدأ، ولو كان مثله لم يسم ذلك إعادة، بل يكون إنشاء مستأنفاً.

والله أعلم بالصواب
 
قد يعترض على أبي حيان رحمه الله ب "الفرق في المبني فرق في المعني ولو من وجه "فالمادتان مختلفتان :"عود" و "بدأ" 0والله أعلم0
 
أرى أن هذا اعتراض بعيد ، لا يرد على أبي حيان رحمه الله، إذ إنه يبيّن أن المعاد وهو البعث يكون بجمع أجزاء الجسم المتفرقة لا خلق جسم جديد يماثل الأول، فهو ينفي ما قاله الزمخشري حين فسر خلق المثل بالمعاد.
فلا يُفهم من قوله: (إن المعاد هو عين المبتدأ) أنه يرادف بين الكلمتين.
 
إذا علمنا أن للآية معنيين:

الأول: الذي خلق السموات والأرض قادر على خلق الناس ابتداء.
الثاني: الذي خلق السموات والأرض قادر على البعث والإعادة.

فهل يمكن القول: إن المعنى الثاني مشتمل على الأول؛ لأن في إثبات القدرة على البعث والإعادة إثبات لابتداء الخلق.
 
بل العكس ...

لأن الآية مسوقة لإثبات البعث، فالذي يخلق هذه المخلوقات العظيمة كالسموات والأرض من عدم قادر على إعادة بعثها من جديد، ففي إثبات القدرة على ابتداء الخلق إثباتٌ للقدرة على البعث والإعادة.

وهذا هو معنى الاستفهام التقريري الوارد في الآية الكريمة:

(أَوَ لَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم)

وحاولي أن تتدبري السياق الذي وردت به هذه الآية لتتضح لك المسألة أكثر.

 
نعم قولك هذا -بارك الله فيك- إنما هو على القول بأن مرجع الضمير في {مثلهم} للسموات والأرض .
وسؤالي إنما هو على القول الأظهر، وهو أن مرجع الضمير في {مثلهم} على الناس، خصوصا منكري البعث
ومعنى الآية: أوليس الذي خلق السموات والأرض في شدتها وعظمتها بقادر على أن يبعث الناس ويعيدهم .

إذ للآية ثلاثة معان:

1- أوليس الذي خلق السموات والأرض في شدتها وعظمتها بقادر على أن يخلق مثل الناس في الضعف والصغر بالإضافة إلى السموات والأرض.
فخلق السموات والأرض دليل على خلق الناس ابتداء.
2- أوليس الذي خلق السموات والأرض في شدتها وعظمتها بقادر على أن يخلق أجساد بني آدم بعد فنائها.
3- أوليس الذي خلق السموات والأرض في شدتها وعظمتها بقادر على أن يخلق مثلهم أي: يعيد السموات والأرض.

فإن قيل: إنما أثبت قدرته على إعادة مثلهم لا على إعادتهم أنفسهم، فالجواب:
المقصود بـ {مثلهم} هنا إياهم، وذلك أن مثل الشيء مساو له، فجاز أن يعبر به عن نفس الشيء. يقال: مثلك لا يفعل هذا، أي: أنت.
"زاد المسير"، ص833. و"البرهان" ج4، ص31.

والمعنى الثالث من معاني الآية رده الزركشي بقوله: "يظن بعضهم أن معناه مثل السموات والأرض، وهو فاسد لوجهين:
أحدهما: أنهم ما أنكروا إعادة السموات والأرض حتى يدل على إنكارهم إعادتهما بابتدائهما، وإنما أنكروا إعادة أنفسهم فكان الضمير راجعا إليهم ليتحقق حصول الجواب لهم، والرد عليهم.
الثاني: لتبين المراد في قوله: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير} [سورة الأحقاف:33]"
"البرهان" ج4، ص31، 32.

فهل يترجح القول الثاني على الأول؛ لأنه-الثاني- مشتمل على ما يفيده الأول؟
فإثبات البعث يدل على الابتداء؛ لأن القادر على بعث الناس وإعادتهم هو الذي ابتدأ خلقهم؟
 
عودة
أعلى