معنى النفي في قوله تعالى : (( لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله))

حمد

New member
إنضم
04/09/2008
المشاركات
747
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
قرأت هذه الفائدة في تفسير البقاعي رحمه الله فأحببت نقلها لكم :
{ لئلا يعلم } أي ليعلم علماً عظيماً يثبت مضمون خبره وينتفي ضده - بما أفاده زيادة النافي
 
الأخ حمد حياه الله لعلكم تجدون ما تريدون وزيادة من خلال هذا النقل:


قال الفخر : قال الواحدي : هذه آية مشكلة وليس للمفسرين كلام واضح في اتصالها بما قبلها .
أي: هل هي متصلة بقوله : { يؤتكم كفلين من رحمته } [ الحديد : 28 ] الآية ؟
أو متصلة { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } إلى قوله : { والله ذو الفضل غفور رحيم } [ الحديد : 27 ، 28 ] . ؟

يريد الواحدي: أن اتصال الآية بما قبلها ينبني عليه معنى قوله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله } .

فاللام في قوله : { لئلا يعلم أهل الكتاب } يحتمل أن تكون تعليلية فيكون ما بعدها معلولاً بما قبلها ، وعليه فحرف ( لا ) يجوز أن يكون زائداً للتأكيد والتقوية .
والمعلَّل هو ما يرجع إلى فضل الله لا محالة وذلك ما تضمنه قوله : { يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم } أو قوله : { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم إلى غفور رحيم } [ الحديد : 27 ، 28 ] .
وذهب جمهور المفسرين إلى جعل ( لا ) زائدة . وأن المعنى على الإِثبات ، أي: لأن يعلم ، وهو قول ابن عباس وقرأ { ليعلم } ، وقرأ أيضاً { لكي يعلم } ( وقراءته تفسير ) . وهذا قول الفرّاء والأخفش ، ودرج عليه الزمخشري في «الكشاف» وابن عطية وابن هشام في «مغني اللبيب» ، وهو بناء على أن ( لا ) قد تقع زائدة وهو ما أثبته الأخفش ، ومنه قوله تعالى : { ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني } [ طه : 92 ، 93 ] وقوله : { ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك } [ الأعراف : 12 ] وقوله : { فلا أقسم بمواقع النجوم } [ الواقعة : 75 ] ونحو ذلك وقوله : { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] على أحد تأويلات ،

والمعنى : على هذا الوجه أن المعلَّل هو تبليغ هذا الخبر إلى أهل الكتاب ليعلموا أن فضل الله أُعطيَ غيرهم فلا يتبجحوا بأنهم على فضل لا ينقص عن فضل غيرهم إذا كان لغيرهم فضل وهو الموافق لتفسير مجاهد وقتادة.

وذهب أبو مسلم الأصفهاني وتبعه جماعة إلى أن ( لا ) نافية ، وقرره الفخر بأن ضمير { يقدرون } عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به ( أي على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وأصله أن لا تقدروا ) وإذا انتفى علم أهل الكتاب بأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين لا يقدرون على شيء من فضل الله ثبت ضد ذلك في علمهم أي: كيف أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين يقدرون على فضل الله ، ويكون { يقدرون } مستعاراً لمعنى : ينالون ، وأن الفضل بيد الله ، فهو الذي فضلهم ، ويكون ذلك كناية عن انتفاء الفضل عن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ويرى ابن عاشور: أن دعوى زيادة ( لا ) لا داعي إليها ، وأن بقاءها على أصل معناها وهو النفي متعينّ ، وتجعل اللام للعاقبة ، أي أعطيناكم هذا الفضل وحرم منه أهل الكتاب ، فبقي أهل الكتاب في جهلهم وغرورهم بأن لهم الفضل المستمر ولا يحصل لهم علم بانتفاء أن يكونوا يملكون فضل الله ولا أن الله قد أعطى الفضل قوماً آخرين وحَرمَهَم إيّاه فينسون أن الفضل بيد الله ، وليس أحد يستحقه بالذات .
وبهذا الغرور استمروا على التمسك بدينهم القديم ، ومعلوم أن لام العاقبة أصلها التعليل المجازي كما علمته في تفسير قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } في سورة [ القصص : 8 ] .
وقوله : { أهل الكتاب } يجوز أن يكون صادقاً على اليهود خاصة إن جعل التعليل تعليلاً لمجموع قوله : { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } [ الحديد : 27 ] وقوله : { يؤتكم كفلين من رحمته } [ الحديد : 28 ] .
ويجوز أن يكون صادقاً على اليهود والنصارى إن جعل لام التعليل علة لقوله : { يؤتكم كفلين من رحمته } .
و ( أن ) من قوله : { أن لا يقدرون } مخفّفة من ( أنَّ ) واسمها ضمير شأن محذوف .
والمعنى : لا تكترثوا بعدم علم أهل الكتاب بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله وبأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، أي لا تكترثوا بجهلهم المركب في استمرارهم على الاغترار بأن لهم منزلة عند الله تعالى فإن الله عالم بذلك وهو خلقهم فهم لا يقلعون عنه ، وهذا مثل قوله تعالى : { ختم الله على قلوبهم } في سورة [ البقرة : 7 ] .
وجملة والله ذو الفضل العظيم } تذييل يعمّ الفضلَ الذي آتاه الله أهل الكتاب المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم وغيرَه من الفضل .

والله الموفق
 
جزاك الله خيراً أخي الدكتور عبد الفتاح .
ويمكن - على تأويل ابن عاشور - أن تكون اللام للتعليل .
وتكون

بالتعريض بفِكْر أهل الكتاب ، بتوبيخهم .
 
الأخوة الكرام،

سبق للأخ المشرف العام حفظه الله أن طرح في هذا المنتدى مقالاً للشيخ بسام جرار يفسر فيه هذه الآية المشكلة. وقد وجدت من المناسب أن أعيد تنزيل المقال للفائدة.

يقول الشيخ:

آية تختم فيها سورة الحديد أشكلت على عامة أهل التفسير. والمتدبر يكتشف أنّ سبب الاستشكال يرجع إلى عدم إدراك المستشكِل للمعنى وظلالِه. وهذا الأمر يتكرر عند أهل التفسير، وهو أمر لا بد منه، وذلك لقصور العقل البشري وعدم إحاطته بمرامي كتاب الله العزيز. وهذا يعني أن تستمر مسيرة التفسير والتدبّر فلا تتوقف عند شخص أو جماعة أو عصر من العصور.

جاء في الآيتين 28 و29 من سورة الحديد:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ".

" لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ": تذهب الغالبية العظمى من أهل التفسير إلى أنّ لا في لفظة لئلا هي زائدة. وعليه يصبح المعنى: ليعلم أهل الكتاب. والقول بالزيادة غير مقبول في كتاب الله. ومن يذهب إلى القول بالزيادة يكون قد أعلن عن عجزه عن فهم المعنى. بل إنّ الفهم غير الدقيق للمعنى هو الذي يَحمل البعض على القول بالزيادة.

أما الأمثلة التي تُضرب للتدليل على وجود الزيادة في بعض ألفاظ القرآن الكريم فلا تصلح للاستدلال نظراً إلى أنّ مردّها إلى عدم الدقة في الفهم. ومن الأمثلة الشائعة التي تساق للتدليل على الزيادة في بعض الألفاظ القرآنية، قوله تعالى في سورة الأعراف، مخاطباً إبليس:" قال ما منعك ألا تسجدَ إذ أمرتك"، فـ لا هنا عندهم زائدة بدليل قوله تعالى في سورة ص:" قال يا إبليس ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيدي". والصحيح أنْ لا زيادة هنا، لأنّ عدم السجود قد يكون لمانع مع توفر الرغبة فيه. وفي مثل هذه الحالة يقال:" ما منعك؟". أي ما الشيء الذي منعك أن تسجد؟. أما إذا كان لا يريد السجود لأمر في داخله حمله على ذلك، فيقال له:" ما الذي منعك ألا تسجد؟"، أي: ما الذي حملك على أن لا تسجد؟!. وما قلناه هنا قُصد به تأكيد القول بعدم الزيادة، وليس استقصاء الفروق في المعنى.

بالرجوع إلى السياق نجد أنّ الآية 25 من سورة الحديد تتحدث عن إرسال الرسل وإنزال الكتب من أجل أن يقوم الناس بالقسط. وأنّ إنزال الحديد كان من أجل منفعة الناس، ومن أجل أن تكون القوة الماديّة معززة لقوة الفكرة الحقّة. ثم تتحدث الآية 26 عن إرسال إبراهيم ونوح، عليهما السلام، وجَعل النبوّة والكتاب المنزّل في ذريتهما، فكان المآل أن انحرف الناس بعد هدى فأصبح أكثرهم فاسقين. ثم تتحدث الآية 27 عن إرسال عيسى، عليه السلام، وما آل إليه أتباعه بعد حين فأصبح أكثرهم فاسقين.

أما الآية 27 فهي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ".

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ": ظنّ البعض أنّ الكفل هو النصيب السّيّئ، وهذا غير صحيح بدلالة هذه الآية. وظنّ آخرون أنّ الكفل هو النصيب، وأنّ السياق هو الذي يحدد إن كان سيئة أو حسنة. والصحيح أنّ الكفل هو النصيب المكفول أي المضمون حصوله، سواء أكان في عالم السيّئة أم في عالم الحسنة. وعليه نقول:

كأنّ المعنى: إن اتّقيتم الله وآمنتم برسوله يؤتكم ضمانتين فيهما رحمة، ويجعل لكم نوراً تستعينون به في سيركم إلى الله، ويغفر لكم. الضمانة الأولى من شأنها أن تمنع أهل الكتاب من أن يدركوا حقيقة عجزهم عن نيل فضل الله أو منعه أن يصل إلى أهل الإيمان:" لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ": فجهل أهل الكتاب بحقيقة عجزهم هذا مطلوب؛ لأنّهم لو أدركوا أنهم لا يقدرون على منع فضل الله والاستئثار به، لتوقفوا عن الكيد لأهل الحق لإحساسهم بعدم جدوى ذلك. وهذا يعني أنه قد تمّ تحييد عامل مهم من عوامل تسريع ظهور الفكرة الإسلاميّة ومن ثَمّ سيادتها بين الناس. فما يقوم به الغرب، مثلاً، من حملات تبشيريّة ودراسات استشراقيّة وحملات تشكيكيّة وهجمات سياسية وعسكرية... كل ذلك له دور كبير في تسريع الوعي وتسريع عودة المسلمين إلى دينهم الحق. ومن يرصد الواقع يجد أنّ المكر الغربي اليوم لا يصل إلى أهدافه، ويجد أنّ الهجمة الغربيّة تأتي بنتائج معاكسة. أما هم ففي حيرة من أمرهم لأنه لا يعلمون أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، ولا يعلمون أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

فهم إذن يجهلون حقيقة عجزهم، ويجهلون حقيقة أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وفي ذلك ضمانة ثانية أنّ فضل الله ورحمته ستصيب من اتقى وآمن. وعليه يكون المعنى: إذا اتقيتم الله وآمنتم برسوله يؤتكم نصيبين مكفولين هما من رحمته سبحانه؛ ضمانة ينتج عنها عدم قدرة أهل الكتاب على معرفة حقيقة عجزهم عن منع فضل الله أن يناله المؤمنون. وضمانة ينتج عنها جهل أهل الكتاب بحقيقة أنّ الفضل كله بيد الله، وأنه لا بد أن يناله أهل التقوى والإيمان. كيف لا، والتقوى والإيمان الحق هما من فضل الله تعالى. وإصرار أهل الكتاب على شركهم وفسوقهم وظلمهم دليل صارخ على عدم قدرتهم على نيل الفضل الرباني وبالتالي هم أعجز من أن يمنعوه عن غيرهم، وهم يحاولون دائماً أن يفعلوا ذلك، لأنهم لا يدركون حقيقة عجزهم.
 
عودة
أعلى