معنى "العالمين" في آية تفضيل بني إسرائيل.

إنضم
20/04/2003
المشاركات
567
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة : 47]

ما نوع "ال" في الآية؟
أهي للاستغراق؟ فيكون التفضيل على كل الناس. .
أم هي للعهد الحضوري؟ فيكون التفضيل على عالمي زمانهم فقط...
التفسير المشهور على الثاني...
والذين قالوا بعموم العالمين اضطروا إلى تخصيص التفضيل - كي لا يكون تعارض بين آيات التنزيل وشواهد الحديث ،على اعتبار أن منها ما هو نص في الخيرية المطلقة لأمة القرآن...-
قال ابن كثير:
|"وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَفْضِيلٌ بِنَوْعٍ مَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَلَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُمْ مُطْلَقًا، حَكَاهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ فُضِّلُوا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ لِاشْتِمَالِ أُمَّتِهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُمْ، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَفِيهِ نظر؛ لأن (الْعَالَمِينَ) عام يشتمل مَنْ قَبْلَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ قَبْلَهُمْ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَمُحَمَّدٌ بَعْدَهُمْ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ والمرسلين ."
وتعليل ابن كثيرهو أيضا فيه نظر!
كأنه يرى- رحمه الله - أن العالمين مطلقا دالة على العموم...وهذا غير مسلم ،وإنما يستفاد العموم من القرائن..كأن تضاف "العالمون" ألى الربوبية أو تتعلق بصفات الله وأفعاله:
- فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام : 45]
- وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران : 97]
- أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت : 10]
وفي التنزيل موارد كثيرة لكلمة "عالمين" لا تدل على العموم قطعا، منها:
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان : 1]
فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون نذيرا للأمم التي بادت قبل مبعثه..
ومنها:
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام : 86]
فهؤلاء الرسل الكرام المذكورون ليسوا من أولي العزم، فلا عموم للعالمين .
ولعل الأشبه أن تكون "ال" للعهد الحضوري، والأسلم أن يقال أنها تصلح للاستغراق والعهد معا فتأتي بعدها القرائن لترجح أحد المعنيين.
ومقتضيات البلاغة ترجح العهد الحضوري..لأن مقام الامتنان يقتضي التفضيل على معينين مشهودين لاسيما أذا كان هؤلاء المشهودون ممن يعظمهم الناس....فاليهودي لا يأخذه الزهو إذا فضل على من لا يعرف، أو على من هم بظهر الغيب، فلا يعنيه أن يفضل على "الاسكيمو" أو "الهنود الحمر" ولكن يعنيه أن يفضل على "الأشوري" أو "البابلي"...
وكلما كانت المفاضلة حضورية كانت أبلغ...
(كان في درب ثلاثة حلاقين متنافسين فكتب أحدهما على لافتة محله "هنا أفضل حلاق في البلد"...رد عليه الثاني فكتب "هنا أقضل حلاق في العالم" ورد عليهما الثالث فكتب "هنا أفضل حلاق في الدرب"!)
فالبلاغة – إذن- في صف تفسير الجمهور....
من هم العالمون الذين فضل عليهم بنو أسرائيل؟
إذا رجعنا إلى التاريخ القديم وبسطنا الخارطة الجغرافية لوجدنا أن بني إسرائيل استقروا في بادية الشام..في وسط مثلث حضاري ضخم:
1- في الزاوية الشرقية من المثلث حضارة بلاد الرافدين (سومر وآشور وبابل).
2- في الزاوية الشمالية حضارة اليونان والروم.
3- في الزاوية الغربية حضارة مصر.
هذه أم حضارات الدنيا وجذور كل ما تأسس بعدها..ما زالت آثارها المادية شاخصة إلى يومنا هذا فضلا عن آثارها المعنوية...
فلبلاد الرافدين علم الفلك والحساب وفن الكتابة...
ولليونان العلوم العقلية وتدبيرسياسة المدن....
وللمصريين الهندسة والعمران....
فما حجم بني اسرائيل أمام هذه القامات الحضارية؟
هم مجرد جماعة بدوية رعوية رصيدهم الحضاري صفر...
التمدد في الأرض بالغزو والفتوح ......صفر
تشييد المدن ورفع الصروح.........صفر
الانتاج العقلي والفني........صفر
لكن الله العظيم شاء أمرا آخر....
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة : 20]
ما هذا الذي آتاهم الله ولم يؤته أحدا من العالمين....؟
نلخصه في كلمة واحدة:
" الحقيقة"

كشف الله لهم" الحقيقة" التي لم – ولن- يصل إليها العالمون....
كشف الله لهم الحقيقة مجانا وتفضلا، ومنع العالمين منها ،وهم من هم في النبوغ العقلي، ورياضة الذهن، والتأمل الفلسفي..!!!
وإذا كان لا بد من المقارنة فلنقارن بين صورة الرب عند هؤلاء البدو الرعاة ،وبين صورة الرب في "المعجزة اليونانية"
- زعموا-
كبيرأربابهم يسمى (زيوس)...وهو أعظم آلهتهم وأشدهم قوة...لكنه مراهق كبير !
يقضي معظم أوقاته متحرشا بالنساء الخالدات والفانيات...ويحاول الانفلات من مراقبة زوجه (هيرا) ذات الغيرة الشديدة وهي العالمة بنزوات بعلها...ومرة مسخ إحدى عشيقاته بقرة كيلا يفتضح أمره أمام "هيرا" ...لكن "هيرا" أصرت على أن تأخذ البقرة وتضعها في حديقتها....فاستجاب لها مضطرا....وكان هذا الرب العظيم يحول نفسه إلى ثور فيدخل الى الحديقة لينزو عن البقرة (يو)!!!
هذا هو كبير "الأولمب" وعظيم الخالدين في "المعجزة اليونانية"...
نستحي أن نقارن هذا المراهق بصورة الرب عند بني اسرائيل حتى بعد التزوير والتحريف والتنقيص.....
لكن بني اسرائيل بطرت وما شكرت، وكفرت وما آمنت، واستعلت على ربهم وأنبيائه...فانتقم الله منهم بحكمة وعلم...(وكأن الله قال لهم أرأيتم هؤلاء الذين فضلتكم عليهم لأسلطنهم عليكم يتلقفونكم بالتنكيل والاضطهاد....)
1- سلط عليهم من الغرب ءال فرعون.
2- سلط عليهم من الشرق نبوخذنصر حاصرهم في اورشليم ثم اخذهم أسارى إلى بابل ( في ما يعرف بالسبي البابلي)
3- سلط عليهم من الشمال القيصر تيتوس الروماني فهدم اورشليم على رؤوسهم....
وبعد ذا وذاك تبقى" إن عدتم عدنا" سنة الله ماضية فيهم إلى قيام الساعة !
 
عودة
أعلى