عدنان أجانة
New member
- إنضم
- 07/03/2009
- المشاركات
- 101
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
هذا بحث ماتع في موضوع الزيادة في القرآن، التي تقع العبارة بها على لسان كثير من المعربين. وقد يذهب الوهم بالناظر إلى أنهم عنوا بالزيادة ما كان زائدا لغير معنى، وليس الأمر كذلك، ولتجلية هذا المعنى أثبت للقارئ الكريم مقالين، في هذا الباب، أولهما لأستاذنا الدكتور عبد الرحمن بودرع نشره في مقهى اللغة العربية،
وهو على هذا الرابط، أثبته هنا مع قليل من التصرف.
http://www.al-maqha.com/showthread.php?t=588
قال حفظه الله:
( قضية الزيادة لحروف المعاني
*/ المقصود في حديثنا ههنا بالزيادة في الحروف، حروف المعاني مثل حروف الجر، وأدوات الشرط والاستفهام وحروف النفي ...وليس المقصود الحروف الصرفية التي تتصل بالكلمة فتُحدثُ فيها معنى، كتاء التأنيث ونحوها.
*/ قضية الزّيادة لحروف المعاني مسألة اختلفت فيها أقوال علماء العربية :
- هل هناك مقاصد من الإتيان بهذه الحروف أو يؤتى بها لمجرد الزيادة التي يقال عنها إنّها زيادة وإقحام للحرف تأكيدا أو تحسينا أو تقوية؟
- إذا جاز القول بالزيادة لحروف المعاني فهل يصحّ أن يُقالَ إنّ في كتابِ الله حروفا زائدة ؟
أولا سميت هذه الحروفُ حروفَ معانٍ تمييزاً لها عن حروف المباني التي تتركّب منها الكلمة، من حروف المعجم التسعة والعشرين، أما حرف المعنى فهو قسيمُ الاسم والفعل، وهو يتضمن معنى وظيفيا يحدده السياق والمقام، ولا يحصل في الذّهن كامل الدّلالة إلا بذكر ما ينضمّ إليه من الأفعال والأسماء والجمل .
وللزّيادة عند النحاة أكثر من مفهوم :
1 - فقد يطلقون الحرف الزّائد على بعض الأحرف لأنها تتصل باللفظ رسماً، حتّى لا يُظنَّ أنّها جزء منه، والمثال على ذلك قول ابنِ خالويه: « بالله: جرّ بباء الصّفة، وهي زائدة، لأنك تقول: اللهِ، فتُسقطُ الباء، وحروف الزوائد في صدور الأسماء ثلاثة: اللام والكاف والباء، فالكاف للتشبيه، واللام للمِلك، والباء للاتصال و اللّصوق » [إعراب ثلاثين سورةً لابن خالويه: ص5، القاهرة، 1941، سر صناعة الإعراب، لابن جنّي:120-122 ]
2- وقد يُطلقون زيادة الحروف على ما يصل العاملَ بمعمولِه ولا يمنعه من ذلك، وإن كان المعنى لا يصحّ بدونِه، مثل "لا" في قولِه تعالى: "وحَسِبوا ألاّ تَكونَ فِتنةٌ" ، فيسمّون هذا الحرفَ زائدا
3- أمّا الزّيادة الاصطلاحيّة في حروف المعاني فهي أن يكون الحرفُ الواحدُ لمعنى مغاير لِما يُفيده من المعاني التي يتضمنها أصالةً أو استعارةً، فيصحّ التّركيبُ بوظائفه وعلاقاتِه من دون تدخّل ذلك الحرف، والسبب في هذا أن الحرف المذكور جاء ليفيد قوّةً للتّركيب، وليس المُرادُ أنّه لا معنى له أو أن دخولَه في الكلام كخروجه منه.
فالكاف مثلا معناها الأصليّ التّشبيه أو الخِطاب، وقد تستعير من اللامِ معنى السببية أو التعليل، ومن "على" معنى الاستعلاء، ومع ذلك فقد ترد لغير هذه المواضع، مثلما قال الشّاعر أوس بنُ حجرٍ:
وقَتْلى كَمِثْلِ جذوعِ النّخيلِ /// تَغَشّاهُم مُسبِلٌ مُنهمِرْ
فالكاف التي قد تفيد التشبيه، دخلت على مثل التي تفيده أصلا، ولذلك قال عنها النّحاة إنها جاءت لتوكيد التّشبيه، فأغنت عن تَكرار الجملة وأدّت وظيفةَ تحقيق المعنى، ومثلُه قولُه تعالى: "ليسَ كَمِثْلِه شيءٌ" (الشورى:11) زيدت لتوكيد نفيِ المِثْل، لأنّ زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانياً
وقيلَ : الكافُ في الآية غير زائدة وإنّما الزّائد "مثل" كما زيدت في قولِه تعالى: "فإن آمَنوا بِمثْلِ ما آمنْتُم بِه فقد اهتدَوْا" (البقرة: 137) [انظر: مغني اللبيب:237-238]
4- أطال أبو عُبيدة في ذِكر الزّائد في كتابِه [مجاز القرآن] في معرض إيضاحه لبعض الآيات الكريمة، فضاق المفسّرون بذلك وأنكروا عليه صنيعَه ، وذكر الرازي في معرض تفسيره لقوله تعالى : [ إنّ الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقَها.][البقرة:26] : " معاذ الله أن يكون في القرآن زيادة ولغو والأصح قول أبي مسلم لأن الله تعالى وصف القرآن بكونه هدى وبياناً وكونه لغواً ينافي ذلك "
وإذا كان الأمر كذلك فإن الزيادة مصطلح نحويّ وليس من اللازم أن يكون المصطلح مطابقا للدلالة المقامية، فهم يريدون به أن الحرف زائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى، ولا يصح إسقاطه لأنه لم يُؤتَ بِه للوصل بين الألفاظ في الجملة ولكن جيء به لمقاصد بيانية تُدرك بالحس العربي السليم وبسجيّة الفصاحة ، وقال الزركشي في البرهان: " سئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاط كل الحرف لا يخل بالمعنى فقال هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد لا يجدونه بإسقاط الحرف" [البرهان: 3/74]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تُراجع المراجع التالية:
إعراب ثلاثين سورةً لابن خالويه ، القاهرة، 1941، سر صناعة الإعراب، لابن جنّي
مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري
البرهان في علوم القرآن للامام بد ر الدين محمد بن عبد الله الزركشي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم لطبعة الاولى 1376 هـ - 1957 م دار أحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركاؤه
إشكاليات في البحث والنقد النحويين، د.فخر الدين قباوة، دار الملتقى، حلب، ط.1، 2004م[/)
والمقال الثاني للباحث أبي مالك العوضي وهو على الرابط التالي:
http://www.alukah.net/Counsels/CounselDetails.aspx?CounselID=517
( استفتحه بالسؤال الآتي:
هل تحدث العلماء الأوائل عن الوظيفة البلاغية للأحرف الزائدة في النظم خاصة في القران الكريم، أم أنه لم يسبق الرافعي أحد حينما تحدث عنها في كتابه الإعجاز؟
الجواب:
قولنا (الحرف الزائد) ما معناه؟ إن كان معناه الزيادة التي دخولها كخروجها، فلا معنى لذكر الوظيفة البلاغية حينئذ، وإن كان المقصود أن الحرف إنما زيد في النظم لمعنى، فحينئذ ينبغي أن لا يسمى زائدًا.
ولذلك نقول: إن المسألة متعلقة بالاختلاف الاصطلاحي؛ فالقدماء يعبرون بـ(الزيادة) و(الحشو) و(الصلة) ونحو ذلك، ولكنهم لا يقصدون أن هذا اللفظ دخوله كخروجه، أو أنه زيد لغير معنى، وإنما يقصدون أنه لو حذف من السياق لم يكن الكلام ملحونًا ولا خارجًا عن قوانين العربية.
والقدماء لم يفردوا هذا المبحث بالتصنيف فيما اطلعت عليه، مع أنهم تكلموا في هذه المسألة كلاما منثورا في مواطن وروده وخاصة في القرآن الكريم.
وكان للنحويين النصيبُ الأكبر من الكلام في هذا الباب، ولكنهم قصروا كلامهم في الأعم الأغلب على الوظيفة النحوية وصحة التركيب، ولم يتعرضوا للوظيفة البلاغية إلا نادرًا.
ومع أن أكثر النحويين يوجد في كلامهم التعبيرُ بالزيادة في القرآن وكلام العرب، إلا أن مرادهم بذلك أنها زيدت لضرب من التأكيد كما قال ابن يعيش، ويعبرون بالصلة لأنها يتوصل بها إلى زنة أو إعراب لم يكن عند حذفها كما قال ابن الحاجب، أو لتزيين اللفظ واستقامته كما قال السيوطي.
وأما البلاغيون فقد تعرضوا لهذه المسألة إجمالا وتفصيلا:
أما التفصيل فقل أن ترى آية في كتاب الله عز وجل تحتمل الزيادة إلا وجدت كلاما فيها للمفسرين، وخاصة أصحاب الاتجاه النحوي والبلاغي؛ كالزمخشري وأبي حيان والسمين الحلبي والألوسي وابن عاشور.
وأما الإجمال فقد اتفقت كلمتهم أو كادت على أن الكلام البليغ يمتنع أو يندر أن يوجد فيه الزيادة المحضة التي يكون دخولها كخروجها، فإذا كان هذا من شروط الكلام البليغ فهو في القرآن أولى، ولذلك نبهوا على أن القرآن لا يحتوي على شيء زائد، ونبهوا على أن النحويين إذا ذكروا الزيادة والحشو ونحو ذلك فإن مقصودهم بذلك ضبط قوانين الإعراب، وأن حذف هذه الحروف لا يخل بالإعراب ولا يخرج الكلام عن قوانين العربية، ويبقى بعد ذلك بيان الفروق الدقيقة بين معنى الكلام بالزيادة ومعناه بغيرها، وتلك وظيفة البلاغي.
ونستعرض هنا بعض من أشار إلى ذلك من القدماء:
• ابن قتيبة (276هـ):
تعرض لهذه المسألة باختصار في (تأويل مشكل القرآن) وجعلها من باب التوكيد.
• الرماني (384هـ):
أشار إلى ذلك في كتابه الجامع كما نقله ابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة.
• الخطابي (388هـ):
تعرض لهذه المسألة في (إعجاز القرآن) وجعلها من باب الفصاحة؛ لأن ذكرها أفصح من تركها.
• ابن سنان الخفاجي (466هـ):
تعرض لهذه المسألة في (سر الفصاحة) فقال (ص 156-157): "فأما زيادة (ما) في قول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} وقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} فإن لها هنا تأثيرًا في حسن النظم وتمكينًا للكلام في النفس، وبعدًا به عن الألفاظ المبتذلة، فعلى هذا لا يكون حشوًا لا يفيد ...".
• عبد القاهر الجرجاني (471هـ):
تعرض باختصار لهذه المسألة في (أسرار البلاغة)، وخلاصة رأيه أن الزيادة المفيدة تعني انتقال الحرف من دلالته أو إيحائه الأصلي إلى دلالة أو إيحاء آخر.
• الزمخشري (538هـ):
تعرض في (الكشاف) لهذه المسألة في مواضعها، وجاء بفوائد ولطائف لا نكاد نجدها عند من سبقه؛ فهو لا يتوقف عند مجرد التوكيد كما يذكر السابقون، بل يبين الدلالة المتعلقة بكل موضع، ويربطها بالسياق، ويوضح فائدتها البلاغية.
• ابن الأثير (637هـ):
تعرض لهذه المسألة في المثل السائر فقال: "... لو سلمت أن ذلك من المجاز لأنكرت أن لفظة (ما) زائدة لا معنى لها، ولكنها وردت تفخيمًا لأمر النعمة التي لان بها رسول الله له، وهي محض الفصاحة، ولو عري الكلام منها لما كانت له تلك الفخامة وقد ورد مثلها في كلام العرب ... وإنما جاءت لفظة (ما) ههنا تفخيما لشأن صاحب تلك الشيمة وتعظيما لأمره، ولو أسقطت لما كان للكلام ههنا هذه الفخامة والجزالة، ولا يعرف ذلك إلا أهله من علماء الفصاحة والبلاغة ... ومن ذهب إلى أن في القرآن لفظا زائدا لا معنى له فإما أن يكون جاهلا بهذا القول وإما أن يكون متسمحا في دينه واعتقاده، وقول النحاة إن (ما) في هذه الآية زائدة فإنما يعنون به أنها لا تمنع ما قبلها عن العمل، كما يسمونها في موضع آخر كافة أي أنها تكف الحرف العامل عن عمله؛ كقولك إنما زيد قائم، فما قد كفت (إن) عن العمل في زيد وفي الآية لم تمنع عن العمل ألا ترى أنها لم تمنع الباء عن العمل في خفض الرحمة".
• الزركشي (745هـ):
تعرض لهذه المسألة في (البرهان) تفصيلا في باب الحروف والأدوات.
وتعرض لها إجمالا في نوع أساليب القرآن فقال: "واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين، والصلة والحشو من عبارة الكوفيين ... والأوْلى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى؛ فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى ... وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن؛ فمنهم من أنكره؛ قال الطرطوسي في العمدة: زعم المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن، والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن، وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره، فذكر كثيرا. وقال ابن الخباز في التوجيه: وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد؛ لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد. ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم وهو أفسد الطرق".
وبعد أن بينا بعض ما ورد عند علمائنا السابقين في هذا الباب نأتي إلى الرافعي:
فنجده يقول (في إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 224-225): "ولما كان الأصل في نظم القرآن أن تعتبر الحروف بأصواتها وحركاتها ومواقعها من الدلالة المعنوية، استحال أن يقع في تركيبه ما يسوغ الحكم في كلمة زائدة أو حرف مضطرب أو ما يجري مجرى الحشو والاعتراض، أو ما يقال فيه إنه تغوث واستراحة كما تجد من كل ذلك في أساليب البلغاء، بل نزلت كلماته منازلها على ما استقرت عليه طبيعة البلاغة، وما قد يشبه أن يكون من هذا النحو الذي تمكنت به مفردات النظام الشمسي وارتبطت به سائر أجزاء المخلوقات صفة متقابلة بحيث لو نزعت كلمة منه أو أزيلت عن وجهها، ثم أدير لسان العرب كله على أحسن منها في تأليفها وموقعها وسدادها لم يتهيأ ذلك ولا اتسعت له اللغة بكلمة واحدة".
وإلى الآن فليس في كلام الرافعي جديد عما سطره القدماء.
ويقول بعد ذلك (ص 231-232):
"ثم الكلمات التي يظن أنها زائدة في القرآن كما يقول النحاة، فإن فيه من ذلك أحرفا: كقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} وقوله {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} فإن النحاة يقولون إن (ما) في الآية الأولى و(أن) في الثانية زائدتان، أي في الإعراب، فيظن من لا بصر له أنهما كذلك في النظم ويقيس عليه، مع أن في هذه الزيادة لونا من التصوير لو هو حذف من الكلام لذهب بكثير من حسنه وروعته، فإن المراد بالآية الأولى تصوير لين النبي صلى الله عليه وسلم لقومه وإن ذلك رحمة من الله، فجاء هذا المد في (ما) وصفا لفظيا يؤكد معنى اللين ويفخمه، وفوق ذلك فإن لهجة النطق به تشعر بانعطاف وعناية لا يبتدأ هذا المعنى بأحسن منهما في بلاغة السياق، ثم كان الفصل بين الباء الجارة ومجرورها (وهو لفظ رحمة) مما يلفت النفس إلى تدبر المعنى وينبه الفكر على قيمة الرحمة فيه، وذلك كله طبعي في بلاغة الآية كما ترى.
والمراد بالثانية تصوير الفصل الذي كان بين قيام البشير بقميص يوسف وبين مجيئه لبعد ما كان بين يوسف وأبيه عليهما السلام وأن ذلك كأنه كان منتظرا بقلق واضطراب تؤكدهما وتصف الطرب لمقدمه واستقراره غنةُ هذه النون في الكلمة الفاصلة وهي (أن) في قوله (أن جاء).
وعلى هذا يجري كل ما ظن أنه في القرآن مزيد: فإن اعتبار الزيادة فيه وإقرارها بمعناها، إنما هو نقص يجل القرآن عنه، وليس يقول بذلك إلا رجل يعتسف الكلام ويقضي فيه بغير علمه أو بعلم غيره.. فما في القرآن حرف واحد إلا ومعه رأي يسنح في البلاغة، من جهة نظمه، أو دلالته، أو وجه اختياره، بحيث يستحيل البتة أن يكون فيه موضع قلق أو حرف نافر أو جهة غير محكمة أو شيء مما تنفذ في نقده الصنعة الإنسانية من أي أبواب الكلام إن وسعها منه باب. ولكنك واجد في الناس من ينقبض ذرعه ويقصر به علمه ولا يدع مع ذلك أن يقدم على الأمر لا يعرف من أين مُطَّلعه ومأتاه فيمضي القول على ما خيل؛ ويفتي بما اختال، ولا يمنعه تقصيره من أن يستطيل به ولا استطالته من أن يكابر عليها، ولا مكابرته من اللجاج فيها، فيخطئ صواب القول إن قال، ثم يخطئ الثانية في تصويب خطئه إن احتج، وما في الخطإ جهة ثالثة إلا أن يصر على الخطإ))
فهذا كل ما قاله الرافعي، وهو في مجمله ليس ببعيد عن كلام البلاغيين في هذه المسألة، فقد أخذ جل كلامه من ابن الأثير وابن سنان الخفاجي وغيرهما، كما ذكر د. فتحي عبد القادر في كتابه بلاغة القرآن في أدب الرافعي (ص 217).
ولكن الجديد الذي لم يُسبق إليه الرافعي -كما ذكرت د. هيفاء عثمان عباس- هو إضافته الرائدة لأثر الحرف الصوتي في إقامة المعنى، ومن ثم الحكم للحرف بالأصالة، فإن مثل هذا لا تلتقطه إلا أذن شديدة الإحساس بالصوت بالغة الدقة في استيعاب إشاراته وجرسه وأحواله.
ولا يفوتنا أن نشير إلى بعض الفوائد التي يذكرها العلماء للحروف الموسومة بالزيادة، فمنها:
1- التأكيد. 2- تنصيص العموم.
3- التقليل. 4- الجرس الصوتي.
5- إفادة الفصل الزمني. 6- الفصاحة.
... إلى غير ذلك من الفوائد التي تعرف من السياق.
والله تعالى أعلم.
وللتوسع في هذه المسألة ينظر:
1- زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسرارها البلاغية في القرآن الكريم، دكتوراه، د. هيفاء عثمان عباس فدا.
2- الزيادة في القرآن الكريم، ماجستير، الباحثة: سهير إبراهيم أحمد سيف.
3- وينظر هنا ما كتبه علي النجدي ناصف:
- alukah.net/articles.
- alukah.net/articles.
انتهى. )
وعبارة الزركشي المشار إليها في البرهان هي قوله: ص 381 ج1في سياق حديثه عما ينبغي للمفسر مراعاته.
الثالث: تجنب لفظ الزائد في كتاب الله تعالى أو التكرار ولا يجوز إطلاقه إلا بتأويل كقولهم الباء زائدة ونحوه مرادهم أن الكلام لا يختل معناه بحذفها لا أنه لا فائدة فيه أصلا فإن ذلك لا يحتمل من متكلم فضلا عن كلام الحكيم
وقال ابن الخشاب في المعتمد اختلف في هذه المسألة فذهب الأكثرون إلى جواز إطلاق الزائد في القرآن نظرا إلى أنه نزل بلسان القوم ومتعارفهم وهو كثير لأن الزيادة بإزاء الحذف هذا للاختصار والتخفيف وهذا للتوكيد والتوطئة ومنهم من لا يرى الزيادة في شيء من الكلام ويقول هذه الألفاظ المحمولة على الزيادة جاءت لفوائد ومعان تخصها فلا أقضى عليها بالزيادة ونقله عن ابن درستويه قال والتحقيق أنه إن أريد بالزيادة إثبات معنى لا حاجة إليه فباطل لأنه عبث فتعين أن إلينا به حاجة لكن الحاجات إلى الأشياء قد تختلف بحسب المقاصد فليست الحاجة إلى اللفظ الذي زيد عندها ولا زيادة كالحاجة إلى الألفاظ التي رأوها مزيدة عليه وبه يرتفع الخلاف
وكثير من القدماء يسمون الزائد صلة وبعضهم يسميه مقحما ويقع ذلك في عبارة مستوية
وقال 79ج3
القسم السادس العشرون: الزيادة.
والأكثرون ينكرون إطلاق هذه العبارة في كتاب الله ويسمونه التأكيد.ومنهم من يسميه بالصلة ومنهم من يسميه المقحم.
قال ابن جنى: كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى وبابها الحروف والأفعال.
كقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}. {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} قيل: [كان] هاهنا زائدة وإلا لم يكن فيه إعجاز لأن الرجال كلهم كانوا في المهد، وانتصب [صبيا] على الحال.
وقال ابن عصفور: هي في كلامهم زيدت في وسط الكلام للتأكيد وهي مؤكدة للماضي في [قالوا].
ومنه زيادة [أصبح] قال حازم: إن كان الأمر الذي ذكر أنه فيه أصبح يكن أمسى فيه فليست زائدة وإلا فهي زائدة كقوله: أصبح العسل حلوا.
وأجاب الرماني عن قوله:{فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}فإن العادة أن من به علة تزاد عليه بالليل يرجو الفرج عند الصباح فاستعمل [أصبح] لأن الخسران جعل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج فليست زائدة.
وهو معنى قول غيره إنها تأتي للدوام واستمرار الصفة كقوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}،{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ}.
وأما قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} فهو على الأصل لظهور الصفة نهارا والمراد الدوام أيضا أي استقرت له الصفة نهاره.
واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين والصلة والحشو من عبارة الكوفيين قال سيبويه عقب قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ}: إن [ما] لغو لأنها لم تحدث شيئا.
والأوْلى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى فإن قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} معناه:[ما لنت لهم إلا رحمة]وهذا قد جمع نفيا وإثباتا ثم اختصر على هذه الإرادة وجمع فيه بين لفظي الإثبات وأداة النفي التي هي [ما].
وكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فـ[إنما] ها هنا حرف تحقيق وتمحيق إن هنا للتحقيق وما للتمحيق فاختصر والأصل:[ ما الله اثنان فصاعدا وأنه إله واحد].
وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن فمنهم من أنكره قال الطرطوسي في [العمدة]: زعم المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره فذكر كثيرا.
وقال ابن الخباز في التوجيه:وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد. ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم وهو أفسد الطرق.
وقد رد على فخر الدين الرازي قوله إن المحققين على أن المهمل لا يقع في كلام الله سبحانه فأما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} فيمكن أن تكون استفهامية للتعجب والتقدير: فبأي رحمة ؟فجعل الزائد مهملا وليس كذلك لأن الزائد ما أتى به لغرض التقوية والتوكيد والمهمل ما لم تضعه العرب وهو ضد المستعمل وليس المراد من الزيادة حيث - ذكرها النحويون - إهمال اللفظ ولا كونه لغوا فتحتاج إلى التنكب عن التعبير بها إلى غيرها فإنهم إنما سموا [ما] زائدة هنا لجواز تعدى العامل قبلها إلى ما بعدها لا لأنها ليس لها معنى.
وأما ما قاله في الآية: إنها للاستفهام التعجبي فقد انتقد عليه بأن قيل: تقديره: فبأي رحمة، دليل على أنه جعل [ما] مضافة للرحمة وأسماء الاستفهام التعجبي لا يضاف منها غير [أي] وإذا لم تصح الإضافة كان ما بعدها بدلا منها والمبدل من اسم الاستفهام يجب معه ذكر همزة الاستفهام وليست الهمزة مذكورة فدل على بطلان هذه الدعوى وسنبين في فصل زيادة الحروف الفائدة في ادخال [ما] ها هنا، فانظر هناك.
تنبيهات:.
الأول: أهل الصناعة يطلقون الزائد على وجوه: منها ما يتعلق به هنا وهو ما أقحم تأكيدا نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى حاصل بدونه دون التأكيد فبوجوده حصل فائدة التأكيد والواضع الحكيم لا يضع الشيء إلا لفائدة.
وسئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاط الحرف لا يخل بالمعنى ؟ فقال: هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد لا يجدونه بإسقاط الحرف قال ومثال ذلك مثال العارف بوزن الشعر طبعا فإذا تغير البيت بزيادة أو نقص أنكره وقال: أجد نفسي على خلاف ما أجده بإقامة الوزن فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع عند نقصانها ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقضانه.
الثاني: حق الزيادة أن تكون في الحرف وفي الأفعال كما سبق وأما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ووقع في كلام كثير من المفسرين الحكم عليها في بعض المواضع بالزيادة كقول الزمخشري في قوله تعالى :{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا}: إن اسم الجلالة مقحم ولا يتصور مخادعتهم لله تعالى.
الثالث: حقها أن تكون آخرا وحشوا وأما وقوعها أولا فلا لما فيه من التناقض إذ قضية الزيادة إمكان اطراحها وقضية التصدير الاهتمام ومن ثم ضعف قول بعضهم بزيادة لا في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}. وأبعد منه قول آخر: إنها بمعنى [إلا] والظاهر أنها ردا لكلام تقدم في إنكار البعث أي ليس الأمر كما تقولون ثم قال بعده: { أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ،وعليه فيجوز الوقف على [لا] وفيه بعد.اهـ
ومما يذكر في هذا الباب أن الجرجاني نقل في أسرار البلاغة ص 419 عن الشيخ أبي علي الفارسي (أنه كان يقول في الكلمة إذا كانت تزول عن أصلها من وجه ولا تزول من آخر :[معتد بها من وجه، غير معتد بها من وجه] كما قال في اللام من قولهم لا أبا لزيد جعلها من حيث منعت أن يتعرف الأب بزيد معتداً بها ومن حيث عارضها لام الفعل من الأب التي لا تعود إلا في الإضافة نحو أبو زيد وأبا زيد غير معتد بها وفي حكم المقحمة الزائدة . وكذلك توصف لا في قولنا مررت برجل لا طويل ولا قصير بأنها مزيدة ولكن على هذا الحد فيقال هي مزيدة غير معتد بها من حيث الإعراب ومعتد بها من حيث أوجبت نفى الطول والقصر عن الرجل ولولاها لكانا ثابتين له).
وهو على هذا الرابط، أثبته هنا مع قليل من التصرف.
http://www.al-maqha.com/showthread.php?t=588
قال حفظه الله:
( قضية الزيادة لحروف المعاني
*/ المقصود في حديثنا ههنا بالزيادة في الحروف، حروف المعاني مثل حروف الجر، وأدوات الشرط والاستفهام وحروف النفي ...وليس المقصود الحروف الصرفية التي تتصل بالكلمة فتُحدثُ فيها معنى، كتاء التأنيث ونحوها.
*/ قضية الزّيادة لحروف المعاني مسألة اختلفت فيها أقوال علماء العربية :
- هل هناك مقاصد من الإتيان بهذه الحروف أو يؤتى بها لمجرد الزيادة التي يقال عنها إنّها زيادة وإقحام للحرف تأكيدا أو تحسينا أو تقوية؟
- إذا جاز القول بالزيادة لحروف المعاني فهل يصحّ أن يُقالَ إنّ في كتابِ الله حروفا زائدة ؟
أولا سميت هذه الحروفُ حروفَ معانٍ تمييزاً لها عن حروف المباني التي تتركّب منها الكلمة، من حروف المعجم التسعة والعشرين، أما حرف المعنى فهو قسيمُ الاسم والفعل، وهو يتضمن معنى وظيفيا يحدده السياق والمقام، ولا يحصل في الذّهن كامل الدّلالة إلا بذكر ما ينضمّ إليه من الأفعال والأسماء والجمل .
وللزّيادة عند النحاة أكثر من مفهوم :
1 - فقد يطلقون الحرف الزّائد على بعض الأحرف لأنها تتصل باللفظ رسماً، حتّى لا يُظنَّ أنّها جزء منه، والمثال على ذلك قول ابنِ خالويه: « بالله: جرّ بباء الصّفة، وهي زائدة، لأنك تقول: اللهِ، فتُسقطُ الباء، وحروف الزوائد في صدور الأسماء ثلاثة: اللام والكاف والباء، فالكاف للتشبيه، واللام للمِلك، والباء للاتصال و اللّصوق » [إعراب ثلاثين سورةً لابن خالويه: ص5، القاهرة، 1941، سر صناعة الإعراب، لابن جنّي:120-122 ]
2- وقد يُطلقون زيادة الحروف على ما يصل العاملَ بمعمولِه ولا يمنعه من ذلك، وإن كان المعنى لا يصحّ بدونِه، مثل "لا" في قولِه تعالى: "وحَسِبوا ألاّ تَكونَ فِتنةٌ" ، فيسمّون هذا الحرفَ زائدا
3- أمّا الزّيادة الاصطلاحيّة في حروف المعاني فهي أن يكون الحرفُ الواحدُ لمعنى مغاير لِما يُفيده من المعاني التي يتضمنها أصالةً أو استعارةً، فيصحّ التّركيبُ بوظائفه وعلاقاتِه من دون تدخّل ذلك الحرف، والسبب في هذا أن الحرف المذكور جاء ليفيد قوّةً للتّركيب، وليس المُرادُ أنّه لا معنى له أو أن دخولَه في الكلام كخروجه منه.
فالكاف مثلا معناها الأصليّ التّشبيه أو الخِطاب، وقد تستعير من اللامِ معنى السببية أو التعليل، ومن "على" معنى الاستعلاء، ومع ذلك فقد ترد لغير هذه المواضع، مثلما قال الشّاعر أوس بنُ حجرٍ:
وقَتْلى كَمِثْلِ جذوعِ النّخيلِ /// تَغَشّاهُم مُسبِلٌ مُنهمِرْ
فالكاف التي قد تفيد التشبيه، دخلت على مثل التي تفيده أصلا، ولذلك قال عنها النّحاة إنها جاءت لتوكيد التّشبيه، فأغنت عن تَكرار الجملة وأدّت وظيفةَ تحقيق المعنى، ومثلُه قولُه تعالى: "ليسَ كَمِثْلِه شيءٌ" (الشورى:11) زيدت لتوكيد نفيِ المِثْل، لأنّ زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانياً
وقيلَ : الكافُ في الآية غير زائدة وإنّما الزّائد "مثل" كما زيدت في قولِه تعالى: "فإن آمَنوا بِمثْلِ ما آمنْتُم بِه فقد اهتدَوْا" (البقرة: 137) [انظر: مغني اللبيب:237-238]
4- أطال أبو عُبيدة في ذِكر الزّائد في كتابِه [مجاز القرآن] في معرض إيضاحه لبعض الآيات الكريمة، فضاق المفسّرون بذلك وأنكروا عليه صنيعَه ، وذكر الرازي في معرض تفسيره لقوله تعالى : [ إنّ الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقَها.][البقرة:26] : " معاذ الله أن يكون في القرآن زيادة ولغو والأصح قول أبي مسلم لأن الله تعالى وصف القرآن بكونه هدى وبياناً وكونه لغواً ينافي ذلك "
وإذا كان الأمر كذلك فإن الزيادة مصطلح نحويّ وليس من اللازم أن يكون المصطلح مطابقا للدلالة المقامية، فهم يريدون به أن الحرف زائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى، ولا يصح إسقاطه لأنه لم يُؤتَ بِه للوصل بين الألفاظ في الجملة ولكن جيء به لمقاصد بيانية تُدرك بالحس العربي السليم وبسجيّة الفصاحة ، وقال الزركشي في البرهان: " سئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاط كل الحرف لا يخل بالمعنى فقال هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد لا يجدونه بإسقاط الحرف" [البرهان: 3/74]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تُراجع المراجع التالية:
إعراب ثلاثين سورةً لابن خالويه ، القاهرة، 1941، سر صناعة الإعراب، لابن جنّي
مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري
البرهان في علوم القرآن للامام بد ر الدين محمد بن عبد الله الزركشي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم لطبعة الاولى 1376 هـ - 1957 م دار أحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركاؤه
إشكاليات في البحث والنقد النحويين، د.فخر الدين قباوة، دار الملتقى، حلب، ط.1، 2004م[/)
والمقال الثاني للباحث أبي مالك العوضي وهو على الرابط التالي:
http://www.alukah.net/Counsels/CounselDetails.aspx?CounselID=517
( استفتحه بالسؤال الآتي:
هل تحدث العلماء الأوائل عن الوظيفة البلاغية للأحرف الزائدة في النظم خاصة في القران الكريم، أم أنه لم يسبق الرافعي أحد حينما تحدث عنها في كتابه الإعجاز؟
الجواب:
قولنا (الحرف الزائد) ما معناه؟ إن كان معناه الزيادة التي دخولها كخروجها، فلا معنى لذكر الوظيفة البلاغية حينئذ، وإن كان المقصود أن الحرف إنما زيد في النظم لمعنى، فحينئذ ينبغي أن لا يسمى زائدًا.
ولذلك نقول: إن المسألة متعلقة بالاختلاف الاصطلاحي؛ فالقدماء يعبرون بـ(الزيادة) و(الحشو) و(الصلة) ونحو ذلك، ولكنهم لا يقصدون أن هذا اللفظ دخوله كخروجه، أو أنه زيد لغير معنى، وإنما يقصدون أنه لو حذف من السياق لم يكن الكلام ملحونًا ولا خارجًا عن قوانين العربية.
والقدماء لم يفردوا هذا المبحث بالتصنيف فيما اطلعت عليه، مع أنهم تكلموا في هذه المسألة كلاما منثورا في مواطن وروده وخاصة في القرآن الكريم.
وكان للنحويين النصيبُ الأكبر من الكلام في هذا الباب، ولكنهم قصروا كلامهم في الأعم الأغلب على الوظيفة النحوية وصحة التركيب، ولم يتعرضوا للوظيفة البلاغية إلا نادرًا.
ومع أن أكثر النحويين يوجد في كلامهم التعبيرُ بالزيادة في القرآن وكلام العرب، إلا أن مرادهم بذلك أنها زيدت لضرب من التأكيد كما قال ابن يعيش، ويعبرون بالصلة لأنها يتوصل بها إلى زنة أو إعراب لم يكن عند حذفها كما قال ابن الحاجب، أو لتزيين اللفظ واستقامته كما قال السيوطي.
وأما البلاغيون فقد تعرضوا لهذه المسألة إجمالا وتفصيلا:
أما التفصيل فقل أن ترى آية في كتاب الله عز وجل تحتمل الزيادة إلا وجدت كلاما فيها للمفسرين، وخاصة أصحاب الاتجاه النحوي والبلاغي؛ كالزمخشري وأبي حيان والسمين الحلبي والألوسي وابن عاشور.
وأما الإجمال فقد اتفقت كلمتهم أو كادت على أن الكلام البليغ يمتنع أو يندر أن يوجد فيه الزيادة المحضة التي يكون دخولها كخروجها، فإذا كان هذا من شروط الكلام البليغ فهو في القرآن أولى، ولذلك نبهوا على أن القرآن لا يحتوي على شيء زائد، ونبهوا على أن النحويين إذا ذكروا الزيادة والحشو ونحو ذلك فإن مقصودهم بذلك ضبط قوانين الإعراب، وأن حذف هذه الحروف لا يخل بالإعراب ولا يخرج الكلام عن قوانين العربية، ويبقى بعد ذلك بيان الفروق الدقيقة بين معنى الكلام بالزيادة ومعناه بغيرها، وتلك وظيفة البلاغي.
ونستعرض هنا بعض من أشار إلى ذلك من القدماء:
• ابن قتيبة (276هـ):
تعرض لهذه المسألة باختصار في (تأويل مشكل القرآن) وجعلها من باب التوكيد.
• الرماني (384هـ):
أشار إلى ذلك في كتابه الجامع كما نقله ابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة.
• الخطابي (388هـ):
تعرض لهذه المسألة في (إعجاز القرآن) وجعلها من باب الفصاحة؛ لأن ذكرها أفصح من تركها.
• ابن سنان الخفاجي (466هـ):
تعرض لهذه المسألة في (سر الفصاحة) فقال (ص 156-157): "فأما زيادة (ما) في قول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} وقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} فإن لها هنا تأثيرًا في حسن النظم وتمكينًا للكلام في النفس، وبعدًا به عن الألفاظ المبتذلة، فعلى هذا لا يكون حشوًا لا يفيد ...".
• عبد القاهر الجرجاني (471هـ):
تعرض باختصار لهذه المسألة في (أسرار البلاغة)، وخلاصة رأيه أن الزيادة المفيدة تعني انتقال الحرف من دلالته أو إيحائه الأصلي إلى دلالة أو إيحاء آخر.
• الزمخشري (538هـ):
تعرض في (الكشاف) لهذه المسألة في مواضعها، وجاء بفوائد ولطائف لا نكاد نجدها عند من سبقه؛ فهو لا يتوقف عند مجرد التوكيد كما يذكر السابقون، بل يبين الدلالة المتعلقة بكل موضع، ويربطها بالسياق، ويوضح فائدتها البلاغية.
• ابن الأثير (637هـ):
تعرض لهذه المسألة في المثل السائر فقال: "... لو سلمت أن ذلك من المجاز لأنكرت أن لفظة (ما) زائدة لا معنى لها، ولكنها وردت تفخيمًا لأمر النعمة التي لان بها رسول الله له، وهي محض الفصاحة، ولو عري الكلام منها لما كانت له تلك الفخامة وقد ورد مثلها في كلام العرب ... وإنما جاءت لفظة (ما) ههنا تفخيما لشأن صاحب تلك الشيمة وتعظيما لأمره، ولو أسقطت لما كان للكلام ههنا هذه الفخامة والجزالة، ولا يعرف ذلك إلا أهله من علماء الفصاحة والبلاغة ... ومن ذهب إلى أن في القرآن لفظا زائدا لا معنى له فإما أن يكون جاهلا بهذا القول وإما أن يكون متسمحا في دينه واعتقاده، وقول النحاة إن (ما) في هذه الآية زائدة فإنما يعنون به أنها لا تمنع ما قبلها عن العمل، كما يسمونها في موضع آخر كافة أي أنها تكف الحرف العامل عن عمله؛ كقولك إنما زيد قائم، فما قد كفت (إن) عن العمل في زيد وفي الآية لم تمنع عن العمل ألا ترى أنها لم تمنع الباء عن العمل في خفض الرحمة".
• الزركشي (745هـ):
تعرض لهذه المسألة في (البرهان) تفصيلا في باب الحروف والأدوات.
وتعرض لها إجمالا في نوع أساليب القرآن فقال: "واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين، والصلة والحشو من عبارة الكوفيين ... والأوْلى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى؛ فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى ... وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن؛ فمنهم من أنكره؛ قال الطرطوسي في العمدة: زعم المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن، والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن، وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره، فذكر كثيرا. وقال ابن الخباز في التوجيه: وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد؛ لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد. ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم وهو أفسد الطرق".
وبعد أن بينا بعض ما ورد عند علمائنا السابقين في هذا الباب نأتي إلى الرافعي:
فنجده يقول (في إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 224-225): "ولما كان الأصل في نظم القرآن أن تعتبر الحروف بأصواتها وحركاتها ومواقعها من الدلالة المعنوية، استحال أن يقع في تركيبه ما يسوغ الحكم في كلمة زائدة أو حرف مضطرب أو ما يجري مجرى الحشو والاعتراض، أو ما يقال فيه إنه تغوث واستراحة كما تجد من كل ذلك في أساليب البلغاء، بل نزلت كلماته منازلها على ما استقرت عليه طبيعة البلاغة، وما قد يشبه أن يكون من هذا النحو الذي تمكنت به مفردات النظام الشمسي وارتبطت به سائر أجزاء المخلوقات صفة متقابلة بحيث لو نزعت كلمة منه أو أزيلت عن وجهها، ثم أدير لسان العرب كله على أحسن منها في تأليفها وموقعها وسدادها لم يتهيأ ذلك ولا اتسعت له اللغة بكلمة واحدة".
وإلى الآن فليس في كلام الرافعي جديد عما سطره القدماء.
ويقول بعد ذلك (ص 231-232):
"ثم الكلمات التي يظن أنها زائدة في القرآن كما يقول النحاة، فإن فيه من ذلك أحرفا: كقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} وقوله {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} فإن النحاة يقولون إن (ما) في الآية الأولى و(أن) في الثانية زائدتان، أي في الإعراب، فيظن من لا بصر له أنهما كذلك في النظم ويقيس عليه، مع أن في هذه الزيادة لونا من التصوير لو هو حذف من الكلام لذهب بكثير من حسنه وروعته، فإن المراد بالآية الأولى تصوير لين النبي صلى الله عليه وسلم لقومه وإن ذلك رحمة من الله، فجاء هذا المد في (ما) وصفا لفظيا يؤكد معنى اللين ويفخمه، وفوق ذلك فإن لهجة النطق به تشعر بانعطاف وعناية لا يبتدأ هذا المعنى بأحسن منهما في بلاغة السياق، ثم كان الفصل بين الباء الجارة ومجرورها (وهو لفظ رحمة) مما يلفت النفس إلى تدبر المعنى وينبه الفكر على قيمة الرحمة فيه، وذلك كله طبعي في بلاغة الآية كما ترى.
والمراد بالثانية تصوير الفصل الذي كان بين قيام البشير بقميص يوسف وبين مجيئه لبعد ما كان بين يوسف وأبيه عليهما السلام وأن ذلك كأنه كان منتظرا بقلق واضطراب تؤكدهما وتصف الطرب لمقدمه واستقراره غنةُ هذه النون في الكلمة الفاصلة وهي (أن) في قوله (أن جاء).
وعلى هذا يجري كل ما ظن أنه في القرآن مزيد: فإن اعتبار الزيادة فيه وإقرارها بمعناها، إنما هو نقص يجل القرآن عنه، وليس يقول بذلك إلا رجل يعتسف الكلام ويقضي فيه بغير علمه أو بعلم غيره.. فما في القرآن حرف واحد إلا ومعه رأي يسنح في البلاغة، من جهة نظمه، أو دلالته، أو وجه اختياره، بحيث يستحيل البتة أن يكون فيه موضع قلق أو حرف نافر أو جهة غير محكمة أو شيء مما تنفذ في نقده الصنعة الإنسانية من أي أبواب الكلام إن وسعها منه باب. ولكنك واجد في الناس من ينقبض ذرعه ويقصر به علمه ولا يدع مع ذلك أن يقدم على الأمر لا يعرف من أين مُطَّلعه ومأتاه فيمضي القول على ما خيل؛ ويفتي بما اختال، ولا يمنعه تقصيره من أن يستطيل به ولا استطالته من أن يكابر عليها، ولا مكابرته من اللجاج فيها، فيخطئ صواب القول إن قال، ثم يخطئ الثانية في تصويب خطئه إن احتج، وما في الخطإ جهة ثالثة إلا أن يصر على الخطإ))
فهذا كل ما قاله الرافعي، وهو في مجمله ليس ببعيد عن كلام البلاغيين في هذه المسألة، فقد أخذ جل كلامه من ابن الأثير وابن سنان الخفاجي وغيرهما، كما ذكر د. فتحي عبد القادر في كتابه بلاغة القرآن في أدب الرافعي (ص 217).
ولكن الجديد الذي لم يُسبق إليه الرافعي -كما ذكرت د. هيفاء عثمان عباس- هو إضافته الرائدة لأثر الحرف الصوتي في إقامة المعنى، ومن ثم الحكم للحرف بالأصالة، فإن مثل هذا لا تلتقطه إلا أذن شديدة الإحساس بالصوت بالغة الدقة في استيعاب إشاراته وجرسه وأحواله.
ولا يفوتنا أن نشير إلى بعض الفوائد التي يذكرها العلماء للحروف الموسومة بالزيادة، فمنها:
1- التأكيد. 2- تنصيص العموم.
3- التقليل. 4- الجرس الصوتي.
5- إفادة الفصل الزمني. 6- الفصاحة.
... إلى غير ذلك من الفوائد التي تعرف من السياق.
والله تعالى أعلم.
وللتوسع في هذه المسألة ينظر:
1- زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسرارها البلاغية في القرآن الكريم، دكتوراه، د. هيفاء عثمان عباس فدا.
2- الزيادة في القرآن الكريم، ماجستير، الباحثة: سهير إبراهيم أحمد سيف.
3- وينظر هنا ما كتبه علي النجدي ناصف:
- alukah.net/articles.
- alukah.net/articles.
انتهى. )
وعبارة الزركشي المشار إليها في البرهان هي قوله: ص 381 ج1في سياق حديثه عما ينبغي للمفسر مراعاته.
الثالث: تجنب لفظ الزائد في كتاب الله تعالى أو التكرار ولا يجوز إطلاقه إلا بتأويل كقولهم الباء زائدة ونحوه مرادهم أن الكلام لا يختل معناه بحذفها لا أنه لا فائدة فيه أصلا فإن ذلك لا يحتمل من متكلم فضلا عن كلام الحكيم
وقال ابن الخشاب في المعتمد اختلف في هذه المسألة فذهب الأكثرون إلى جواز إطلاق الزائد في القرآن نظرا إلى أنه نزل بلسان القوم ومتعارفهم وهو كثير لأن الزيادة بإزاء الحذف هذا للاختصار والتخفيف وهذا للتوكيد والتوطئة ومنهم من لا يرى الزيادة في شيء من الكلام ويقول هذه الألفاظ المحمولة على الزيادة جاءت لفوائد ومعان تخصها فلا أقضى عليها بالزيادة ونقله عن ابن درستويه قال والتحقيق أنه إن أريد بالزيادة إثبات معنى لا حاجة إليه فباطل لأنه عبث فتعين أن إلينا به حاجة لكن الحاجات إلى الأشياء قد تختلف بحسب المقاصد فليست الحاجة إلى اللفظ الذي زيد عندها ولا زيادة كالحاجة إلى الألفاظ التي رأوها مزيدة عليه وبه يرتفع الخلاف
وكثير من القدماء يسمون الزائد صلة وبعضهم يسميه مقحما ويقع ذلك في عبارة مستوية
وقال 79ج3
القسم السادس العشرون: الزيادة.
والأكثرون ينكرون إطلاق هذه العبارة في كتاب الله ويسمونه التأكيد.ومنهم من يسميه بالصلة ومنهم من يسميه المقحم.
قال ابن جنى: كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى وبابها الحروف والأفعال.
كقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}. {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} قيل: [كان] هاهنا زائدة وإلا لم يكن فيه إعجاز لأن الرجال كلهم كانوا في المهد، وانتصب [صبيا] على الحال.
وقال ابن عصفور: هي في كلامهم زيدت في وسط الكلام للتأكيد وهي مؤكدة للماضي في [قالوا].
ومنه زيادة [أصبح] قال حازم: إن كان الأمر الذي ذكر أنه فيه أصبح يكن أمسى فيه فليست زائدة وإلا فهي زائدة كقوله: أصبح العسل حلوا.
وأجاب الرماني عن قوله:{فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}فإن العادة أن من به علة تزاد عليه بالليل يرجو الفرج عند الصباح فاستعمل [أصبح] لأن الخسران جعل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج فليست زائدة.
وهو معنى قول غيره إنها تأتي للدوام واستمرار الصفة كقوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}،{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ}.
وأما قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} فهو على الأصل لظهور الصفة نهارا والمراد الدوام أيضا أي استقرت له الصفة نهاره.
واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين والصلة والحشو من عبارة الكوفيين قال سيبويه عقب قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ}: إن [ما] لغو لأنها لم تحدث شيئا.
والأوْلى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى فإن قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} معناه:[ما لنت لهم إلا رحمة]وهذا قد جمع نفيا وإثباتا ثم اختصر على هذه الإرادة وجمع فيه بين لفظي الإثبات وأداة النفي التي هي [ما].
وكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فـ[إنما] ها هنا حرف تحقيق وتمحيق إن هنا للتحقيق وما للتمحيق فاختصر والأصل:[ ما الله اثنان فصاعدا وأنه إله واحد].
وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن فمنهم من أنكره قال الطرطوسي في [العمدة]: زعم المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره فذكر كثيرا.
وقال ابن الخباز في التوجيه:وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد. ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم وهو أفسد الطرق.
وقد رد على فخر الدين الرازي قوله إن المحققين على أن المهمل لا يقع في كلام الله سبحانه فأما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} فيمكن أن تكون استفهامية للتعجب والتقدير: فبأي رحمة ؟فجعل الزائد مهملا وليس كذلك لأن الزائد ما أتى به لغرض التقوية والتوكيد والمهمل ما لم تضعه العرب وهو ضد المستعمل وليس المراد من الزيادة حيث - ذكرها النحويون - إهمال اللفظ ولا كونه لغوا فتحتاج إلى التنكب عن التعبير بها إلى غيرها فإنهم إنما سموا [ما] زائدة هنا لجواز تعدى العامل قبلها إلى ما بعدها لا لأنها ليس لها معنى.
وأما ما قاله في الآية: إنها للاستفهام التعجبي فقد انتقد عليه بأن قيل: تقديره: فبأي رحمة، دليل على أنه جعل [ما] مضافة للرحمة وأسماء الاستفهام التعجبي لا يضاف منها غير [أي] وإذا لم تصح الإضافة كان ما بعدها بدلا منها والمبدل من اسم الاستفهام يجب معه ذكر همزة الاستفهام وليست الهمزة مذكورة فدل على بطلان هذه الدعوى وسنبين في فصل زيادة الحروف الفائدة في ادخال [ما] ها هنا، فانظر هناك.
تنبيهات:.
الأول: أهل الصناعة يطلقون الزائد على وجوه: منها ما يتعلق به هنا وهو ما أقحم تأكيدا نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى حاصل بدونه دون التأكيد فبوجوده حصل فائدة التأكيد والواضع الحكيم لا يضع الشيء إلا لفائدة.
وسئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاط الحرف لا يخل بالمعنى ؟ فقال: هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد لا يجدونه بإسقاط الحرف قال ومثال ذلك مثال العارف بوزن الشعر طبعا فإذا تغير البيت بزيادة أو نقص أنكره وقال: أجد نفسي على خلاف ما أجده بإقامة الوزن فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع عند نقصانها ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقضانه.
الثاني: حق الزيادة أن تكون في الحرف وفي الأفعال كما سبق وأما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ووقع في كلام كثير من المفسرين الحكم عليها في بعض المواضع بالزيادة كقول الزمخشري في قوله تعالى :{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا}: إن اسم الجلالة مقحم ولا يتصور مخادعتهم لله تعالى.
الثالث: حقها أن تكون آخرا وحشوا وأما وقوعها أولا فلا لما فيه من التناقض إذ قضية الزيادة إمكان اطراحها وقضية التصدير الاهتمام ومن ثم ضعف قول بعضهم بزيادة لا في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}. وأبعد منه قول آخر: إنها بمعنى [إلا] والظاهر أنها ردا لكلام تقدم في إنكار البعث أي ليس الأمر كما تقولون ثم قال بعده: { أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ،وعليه فيجوز الوقف على [لا] وفيه بعد.اهـ
ومما يذكر في هذا الباب أن الجرجاني نقل في أسرار البلاغة ص 419 عن الشيخ أبي علي الفارسي (أنه كان يقول في الكلمة إذا كانت تزول عن أصلها من وجه ولا تزول من آخر :[معتد بها من وجه، غير معتد بها من وجه] كما قال في اللام من قولهم لا أبا لزيد جعلها من حيث منعت أن يتعرف الأب بزيد معتداً بها ومن حيث عارضها لام الفعل من الأب التي لا تعود إلا في الإضافة نحو أبو زيد وأبا زيد غير معتد بها وفي حكم المقحمة الزائدة . وكذلك توصف لا في قولنا مررت برجل لا طويل ولا قصير بأنها مزيدة ولكن على هذا الحد فيقال هي مزيدة غير معتد بها من حيث الإعراب ومعتد بها من حيث أوجبت نفى الطول والقصر عن الرجل ولولاها لكانا ثابتين له).