وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
لو رجعتم إلى كتاب ( تأويل مشكل القرآن ) لابن قتيبة ( ت 276 ﻫ ) رحمه الله ، ص 33 إلى 42 ، لوجدتم أكثر كلام مكي القيسي رحمه الله في هذه المسألة مستفادا منه ومبنيّا عليه . وما يرد على كلامه من إشكال واردٌ ابتداء على رأي ابن قتيبة .
وخُلاصة كلامه في ( الإبانة ) رحمه الله :
" إن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآنُ : هي لغاتٌ متفرقةٌ في القرآن ، ومعانٍ في ألفاظ تُسمعُ في القراءة ؛ مختلفةٌ في السمع متفقةٌ في المعنى ، ومختلِفةٌ في السمع وفي المعنى .
نحو تبديل كلمة في موضع أخرى وصورةُ الخطِّ متفقة أو مختلفة ؛ نحو ( يسيركم ، وينشُرُكم ) ، ونحو ( صيحة ، وزقية ) . وزيادة كلمة ونقص أخرى ، وزيادة حرف ونقص آخر ، وتغيير حركات في موضع حركات أخر ، وإسكان حركة ، وتشديد وتخفيف ، وتقديم وتأخير . وشبه ذلك مما يُسمَع ويُميَّزُ بالسمعِ ، وليس هو مما يحتوي على المعاني المستترة " .
ثم قال : " والذي يشتملُ عليه معنى القراءات أنها ترجع إلى سبعة أوجه ... " ثم عدّ الأوجه السبعة المشهورة عن ابن قتيبة .
ثم قال : " وأما ما اختلفت فيه القراءة ؛ من الإدغام والإظهار ، والمد والقصر ، وتشديد وتخفيف ، وشبه ذلك = فهو من القسم الأول ؛ لأن القراءة بما يجوز منه في العربية وروي عن أئمة وثقات = جائزةٌ في القرآن ؛ لأنه كله موافقٌ للخط .
وإلى هذه الأقسام في معاني السبعة ذهبَ جماعةٌ من العلماءِ ، وهو قولُ ابن قتيبةَ وابن شريح وغيرهما ، لكنا شرحنا ذلك من قولهم " .
وعن فائدة تعدد القراءات قال :
" كانت لغاتُ من أنزل عليهم القرآن مختلفةً ، ولسانُ كلِّ صاحب لغة لا يقدر على ردِّه إلى لغةٍ أخرى إلا بعد تكلِّف ومئونة شديدة ، فيسر الله عليهم أن أنزل كتابه على سبع لغات متفرقات في القرآن ، بمعانٍ متفقة ومختلفة ؛ ليقرأ كل قوم على لغتِهم ، على ما يسهُل عليهم من لغة غيرهم ، وعلى ما جرت به عادتهم .
فقومٌ جرت عادتُهم بالهمز وقومٌ بالتخفيف ، وقومٌ بالفتح وقومٌ بالإمالة ، وكذلك الإعرابُ واختلافه في لغاتهم ، والحركات واختلافُها في لغاتهم ، وغير ذلك " . والله أعلم .