معنى الأداء عند القراء

ايت عمران

New member
إنضم
17/03/2008
المشاركات
1,470
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.​
أما بعد؛ فهذه محاولة مني للتنويه بمصطلح شائع عند القراء، قصدت بها إثارة النقاش مع أساتذتي أعضاء الملتقى الأفاضل، للخروج بضابط محدد لهذا المصطلح الهام.
بعد تتبعي للمعاجم اللغوية المشهورة وجدت أن لفظ الأداء لا يخرج عن المعنين التاليين:
قال الجوهري: «أَدَّى دَيْنه تأديَةً أي: قضاه، والاسم: الأداء»(1). وقال ابن سيده: «أَدَّى الشَّيْءَ: أَوْصَله، والاسمُ: الأَداءُ»(2).
والتعريف الاصطلاحي(3) للأداء لا ينبغي أن يبتعد عن هذين المعنيين كثيرا، ورغم أني لم أستطع العثور على تعريف القدماء له مع حثيث بحث، إلا أنني حاولت تلمس طريقه من خلال بعض اللفتات المبثوثة في الكتب.
وأقدم ما وقفت عليه قولُ الإمام ابن مجاهد رحمه الله: «فمن حملة القرآن: المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات، العارف باللغات ومعاني الكلمات، البصير بعيب القراءات، المنتقد للآثار... ومنهم من يعرب ولا يلحن، ولا علم له بغير ذلك... ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، ليس عنده إلا الأداء لما تعلم؛ لا يعرف الإعراب ولا غيره...» (4).
ومعنى الأداء عنده هو الإبلاغ المتقدم ذكره، يعني أن حامل القرآن هذا يبلغ ما سمعه من شيوخه إلى غيره، سواء أكان هذا الإبلاغ بقراءته عليه أم بسماعه منه.
وكان الإمام الداني كثير الإيراد لهذا المصطلح في كتبه، لكن دون أن يعرفه، إلا أنه أتى في المنبهة بما يشبه القرينة، فقال:
الفصل بالتسمية المختارُ*** إذ كثرت في ذلك الأخبار
أريدُ في الأداء أو في العرض*** ولا أريد في صلاة الفرضِ(5)
فهو - كما ترى - فرق بين الأداء والعرض كما هو ظاهر العبارة، وهذا سنحتاجه بعد إن شاء الله.
ثم وجدت الشيخ أبا شامة يقول شارحا قول الإمام الشاطبي:
وَفي الرَّاءِ عَنْ وَرْشٍ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ*** مَذَاهِبُ شَذَّتْ فِي الأَدَاءِ تَوَقُّلاَ(6)
«ولفظة الأداء كثيرة الاستعمال بين القراء، ويعنون بها تأديةَ القراءِ القراءةَ إلينا بالنقل عمن قبلهم»(7)، وهذا أيضا عام في قراءة الشيخ على تلميذه، وسماع الشيخ منه.
ثم جاء العلامة الجعبري في شرح نفس بيت الشاطبية، فاختصر ذلك في قوله: «و(في الأداء): في النقل»(8).
وقد يطلقون الأداء ويريدون به التجويد نفسه، قال العلامة مرتضى الزبيدي: «ويقالُ: هو حَسَن الأداءِ إذا كانَ حَسَن إخْراج الحُرُوفِ مِن مَخارِجِها»(9). وهذا ما يفهم من قول الإمام ابن أبي مريم: «فإن حسن الأداء فرض في القراءة»(10).
وأترك المجال لأساتذتنا الكرام لمناقشة هذا الموضوع، والخروج بحد جامع مانع لمصطلح الأداء.
..........................................................
(1) الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية): (أدا).
(2) المحكم والمحيط الأعظم: (أدي). وانظر لسان العرب: (أدا).
(3) أي: اصطلاح القراء، واصطلاح المحدثين قريب منه. أما في اصطلاح الفقهاء فقد قال الجرجاني في التعريفات 29: «الأداء هو تسليم العين الثابت في الذمة بالسبب الموجب - كالوقت للصلاة، والشهر للصوم - إلى من يستحق ذلك الواجب، وعبارة عن إتيان عينِ الواجب في الوقت».
(4) كتاب السبعة في القراءات: 45.
(5) الأرجوزة المنبهة: 207.
(6) حرز الأماني ووجه التهاني: 28.
(7) إبراز المعاني من حرز الأماني: 253.
(8) كنز المعاني في شرح حرز الأماني ووجه التهاني: 2/901.
(9) تاج العروس من جواهر القاموس: (أدى).
(10) الكتاب الموضَح في وجوه القراءات وعللها: 1/156.
 
وفقك الله أخي الحبيب على إثارة هذا الموضوع, وقد تكلم عنه فضيلة الشيخ أ.د. إبراهيم بن سعيد الدوسري في كتابه: (إبراز المعاني بالأداء القرآني) فعقد فصلا عن مفهوم الأداء القرآني, ومما جاء فيه:
أصل الأداء في اللغة الإيصال.
والمتبصِّر في وجوه أداء القرآن يلحظ أنها تنبثق من هذا الأصل وتؤول إليه, ذلك أن الأداء في مصطلح القراء هو النقل, وأورد قول أبي شامة المتقدم ثم قال: وعملية الأداء ترتكز على أركان ثلاثة: المنقول والناقل والمنقول إليه, وفصَّل القول في هذه الثلاثة, وأختصرها فيما يلي:
المنقول: هو القرآن الكريم وما يتصل به من وجوه اختلاف القراءات وتجويد التلاوة... والمنقول من القرآن يصدق على ماجاء متواترا, وعلى ما جاء صحيحاً مستفيضاً متلقى بالقبول كمراتب المد الزائد على القدر المشترك, وهذا وأمثاله ملحق بالقراءة المتواترة حكما, وهو الذي اصطلح العلماء على تسميته في هذا السياق (بالأداء) قال الحافظ ابن الجزري: (فإنه إذا ثبت شيئا من القراءات من قبيل الأداء لم يكن متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم كتقسيم وقف حمزة وهشام وأنواع تسهيله فإنه وإن تواتر تخفيف الهمز في الوقف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتواتر أنه وقف على موضع بخمسين وجها, ولا بعشرين, ولا بنحو ذلك, وإنما إن صح شيء منها فوجه, والباقي لا شك أنه من قبيل الأداء).
ويطلق الأداء أيضا على تجويد القراءة, وهو المهارة في إخراج الحروف وتوفية صفاتها, ولهذا يُقال (هو حَسَنُ الأداء إذا كان حسن إخراج الحروف من مخارجها) [تاج العروس للزيدي]... إلى أن قال:
فالحاصل أن الأداء يطلق على تأدية حروف القرآن وكيفياتها المستفيضة وتجويدها, ولا بد من التوكيد على أن تلك التأدية لا تنحصر على أصوات الألفاظ, بل تشمل الهيئات الأدائية كالإشمام في بعض صوره والسكت ونحوها مما نقل من وجوه الأداء فذلك من أهم ما عني به في نقل القرآن الكريم.
الناقل: اصطلح العلماء على إطلاق (أهل الأداء) على أئمة نقل القرآن الكريم وقراءاته وذوي الرواية والدراية في التلاوة, يُلحظ هذا في عباراتهم, ومن ذلك قول الشاطبي رحمه الله : (تخيره أهل الأداء معللا) قال أبو شامة عند شرح هذه العبارة: (وأهل الأداء القراء) وعبّر الجعبري بـ(نقلة الأئمة.. وحذاق الناقلين).
المنقول إليه: وهو المؤدَّى إليه, ولما له من أثر في تحقيق عملية الأداء سماعاً وامتثالا كان مؤديا, قال تعالى: (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم* أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين) قال أبو منصور الأزهري (ت 370هـ) بعد أن ساق المعنى الظاهر للآية: "قلت وفيه وجه آخر, وهو أن يكون (أدوا إلي) بمعنى: استمعوا إلي, كأنه يقول أدوا إلي سمعكم أبلغكم رسالة ربكم).
والمنقول إليه يمثل المحطة الأخيرة لعملية الأداء, وهو لا يعمل عمله على الوجه الأكمل إلا إذا وصل اللفظ إلى السمع في أحسن صورة من النطق.
ومن أراد الاستزادة فليطلع على الكتاب فسيجد فيه فوائد كثيرة.
 
شكر الله لكم أبا أسامة لفت النظر إلى هذا الكتاب الذي لم أطلع عليه رغم أنكم كنتم نوهتم به قديما هنا
وأرجو أن أجده في إحدى مكتبات المدينة النبوية لأكمل منه ما يتعلق بالموضوع.​
 
السلام عليكم
هل هناك فرق بين التلاوة والأداء
بارك الله فيكم
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
السلام عليكم
هل هناك فرق بين التلاوة والأداء
بارك الله فيكم
وعليكم السلام ورحمة الله
فرق بينهما الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد بن الجزري في الحواشي المفهمة فقال:
"والفرق بين التلاوة والأداء والقراءة:
أن التلاوة: قراءة القرآن متتابعا، كالأدوار والدراسة والأوراد الموظفة.
والأداء: الأخذ عن الشيوخ.
والقراءة: أعم؛ يطلق على التلاوة والأداء، والله أعلم".
وتعقبه الشيخ التاذفي في الفوائد السرية بقوله: "والحق أن الأداء: القراءة بحضرة الشيوخ عقيب الأخذ من أفواههم، لا الأخذ نفسه"
وبالنظر لما أسلفته أعلاه يظهر أن تعريف الشيخ ابن الناظم - ومن تبعه - للأداء بأنه الأخذ عن الشيوخ، ليس له ما يعضده؛ لا من اللغة، ولا من كلام الأقدمين، لأن الأداء فعلُ مَن يُبَلغ لغيره، لا فعل من يأخذ عن غيره، وقد قَدَّمت الإشارة إلى أن ظاهر عبارة الداني في المنبهة التفريق بين الأداء والعرض.
كما أن تقييد الشيخ التاذفي، الأداءَ بالقراءة في حضرة الشيوخ لا يظهر لي وجهه، فقد يؤدي المؤدي بحضرة شيوخه، وقد يؤدي بحضرة تلامذته في حلق التعليم.
والله أعلم، وبارك الله فيكم.
 

وبالنظر لما أسلفته أعلاه يظهر أن تعريف الشيخ ابن الناظم - ومن تبعه - للأداء بأنه الأخذ عن الشيوخ، ليس له ما يعضده؛ لا من اللغة، ولا من كلام الأقدمين، لأن الأداء فعلُ مَن يُبَلغ لغيره، لا فعل من يأخذ عن غيره، وقد قَدَّمت الإشارة إلى أن ظاهر عبارة الداني في المنبهة التفريق بين الأداء والعرض.
استعمل الإمام ابن الجزري لفظ (الأداء) على أنه الأخذ عن الشيوخ في عدة مواضع في غاية النهاية، فمن ذلك:
في ترجمة (الحسين بن محمد بن حبش بن حمدان):
"روى القاضي أبو العلاء الواسطي هذه الرواية عن أبي علي بن حبش عن أبي القاسم بن شاذان أداء وتلاوة ورواها غيره عن ابن حبش سماعا ورواية".
وفي ترجمة (خلف بن هشام البزار):
"وروى رواية قتيبة عنه فيما ثبت عندنا من طريق ابن شنبوذ والمطوعي أداء وسماعاً".
فمن ما سبق يظهر أن هذه اللفظة تستعمل في الأخذ عن الشيوخ، وهي نوع من أنواع الرواية، ولعل السبب في هذه التسمية أن المتلقِّي يؤدي القراءة على شيخه، فسميت أداءً من هذه الناحية، وهي تقابل السماع من الشيخ، والله أعلم.
إلا أن المعنى الأوضح لكلمة (أداءً) أن ينقل المتلقي ما تلقاه ويؤديه إلى غيره، وفي الحديث:
(نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها).
والله تعالى أعلم.
 

للخروج بضابط محدد لهذا المصطلح الهام.


وقد يطلقون الأداء ويريدون به التجويد نفسه
الإمام الذهبي في كتابه (معرفة القراء الكبار) أكثر من استعماله بمعنى التجويد فمن ذلك قوله:
- (الأزرق):
"لزم ورشا مدة طويلة وأتقن عنه الأداء...".
- (الحسن بن الحباب):
"من حذاق أهل الأداء".
- (عبد الرحمن بن عبدوس):
" في جلة أهل الأداء وحذاقهم".
- (القاسم بن زكريا):
"قرأ على الدوري وأبي حمدون وبرع في الأداء والمعرفة".
- (سليمان بن نجاح):
"شيخ الإقراء مسند القراء وعمدة أهل الأداء".
- (يعقوب بن يوسف الحربي):
"وكان عارفا ثقة مبرزا في الأداء والخلاف".
- (إبراهيم بن داود):
"يتحقق بعلم الأداء".
- (محمد بن عبد الله الطوسي):
"وتصدر للأداء ".
فهذه بعض النماذج، وليست على سبيل الحصر.

أما محاولة الخروج بضابط محدد لهذا المصطلح:
فالمسألة بحاجة إلى استقراء لكتب السابقين؛ لمعرفة المعاني التي استعملوا لها هذا المصطح، ومن ثَم يقال يطلق هذا المصطلح ويُقصد به كذا وكذا من المعاني، أما إن كان المقصود حصره في معنى معين، فهذا ليس من الممكن، والله تعالى أعلم.
 
شكر الله لكم أبا تميم
والغرض من طرح الموضوع هنا هو الوصول إلى كل أو جل ما قيل في معنى الأداء.
 
وعليكم السلام ورحمة الله
فرق بينهما الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد بن الجزري في الحواشي المفهمة فقال:
"والفرق بين التلاوة والأداء والقراءة:
أن التلاوة: قراءة القرآن متتابعا، كالأدوار والدراسة والأوراد الموظفة.
والأداء: الأخذ عن الشيوخ.
والقراءة: أعم؛ يطلق على التلاوة والأداء، والله أعلم".
وتعقبه الشيخ التاذفي في الفوائد السرية بقوله: "والحق أن الأداء: القراءة بحضرة الشيوخ عقيب الأخذ من أفواههم، لا الأخذ نفسه"
وبالنظر لما أسلفته أعلاه يظهر أن تعريف الشيخ ابن الناظم - ومن تبعه - للأداء بأنه الأخذ عن الشيوخ، ليس له ما يعضده؛ لا من اللغة، ولا من كلام الأقدمين، لأن الأداء فعلُ مَن يُبَلغ لغيره، لا فعل من يأخذ عن غيره، وقد قَدَّمت الإشارة إلى أن ظاهر عبارة الداني في المنبهة التفريق بين الأداء والعرض.
كما أن تقييد الشيخ التاذفي، الأداءَ بالقراءة في حضرة الشيوخ لا يظهر لي وجهه، فقد يؤدي المؤدي بحضرة شيوخه، وقد يؤدي بحضرة تلامذته في حلق التعليم.

والله أعلم، وبارك الله فيكم.
جزاكم الله خيرا أخي الحبيب على طرح هذا الموضوع اللطيف
وأتفق مع الشيخ الكريم محمد الأهدل أن الأداء قد يستعمل كذلك بمعنى الأخذ عن الشيوخ من وجه
ولعلنا نضرب مثالا ؛ فبالمثال يتضح المقال :
قول المحدثين في رواية حديث أو كتاب عن أحد شيوخهم : "أخبرنا به شيخُنا فلان بقراءتي عليه ، أو بقراءة فلان عليه ونحن نسمع"
فإذا نظرنا إلى هذه الصورة أو العلمية بالكيفية السابقة (العرض على الشيخ أو السماع عليه) من ناحية الشيخ (الناقل) وجدناها أداء ، ومن ناحية (المنقول إليه) وجدناها أخْذا وتَحَمُّلا .
والله أعلم
 
عودة
أعلى