بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ فهذه محاولة مني للتنويه بمصطلح شائع عند القراء، قصدت بها إثارة النقاش مع أساتذتي أعضاء الملتقى الأفاضل، للخروج بضابط محدد لهذا المصطلح الهام.الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعد تتبعي للمعاجم اللغوية المشهورة وجدت أن لفظ الأداء لا يخرج عن المعنين التاليين:
قال الجوهري: «أَدَّى دَيْنه تأديَةً أي: قضاه، والاسم: الأداء»(1). وقال ابن سيده: «أَدَّى الشَّيْءَ: أَوْصَله، والاسمُ: الأَداءُ»(2).
والتعريف الاصطلاحي(3) للأداء لا ينبغي أن يبتعد عن هذين المعنيين كثيرا، ورغم أني لم أستطع العثور على تعريف القدماء له مع حثيث بحث، إلا أنني حاولت تلمس طريقه من خلال بعض اللفتات المبثوثة في الكتب.
وأقدم ما وقفت عليه قولُ الإمام ابن مجاهد رحمه الله: «فمن حملة القرآن: المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات، العارف باللغات ومعاني الكلمات، البصير بعيب القراءات، المنتقد للآثار... ومنهم من يعرب ولا يلحن، ولا علم له بغير ذلك... ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، ليس عنده إلا الأداء لما تعلم؛ لا يعرف الإعراب ولا غيره...» (4).
ومعنى الأداء عنده هو الإبلاغ المتقدم ذكره، يعني أن حامل القرآن هذا يبلغ ما سمعه من شيوخه إلى غيره، سواء أكان هذا الإبلاغ بقراءته عليه أم بسماعه منه.
وكان الإمام الداني كثير الإيراد لهذا المصطلح في كتبه، لكن دون أن يعرفه، إلا أنه أتى في المنبهة بما يشبه القرينة، فقال:
الفصل بالتسمية المختارُ*** إذ كثرت في ذلك الأخبار
أريدُ في الأداء أو في العرض*** ولا أريد في صلاة الفرضِ(5)
فهو - كما ترى - فرق بين الأداء والعرض كما هو ظاهر العبارة، وهذا سنحتاجه بعد إن شاء الله.أريدُ في الأداء أو في العرض*** ولا أريد في صلاة الفرضِ(5)
ثم وجدت الشيخ أبا شامة يقول شارحا قول الإمام الشاطبي:
وَفي الرَّاءِ عَنْ وَرْشٍ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ*** مَذَاهِبُ شَذَّتْ فِي الأَدَاءِ تَوَقُّلاَ(6)
«ولفظة الأداء كثيرة الاستعمال بين القراء، ويعنون بها تأديةَ القراءِ القراءةَ إلينا بالنقل عمن قبلهم»(7)، وهذا أيضا عام في قراءة الشيخ على تلميذه، وسماع الشيخ منه.ثم جاء العلامة الجعبري في شرح نفس بيت الشاطبية، فاختصر ذلك في قوله: «و(في الأداء): في النقل»(8).
وقد يطلقون الأداء ويريدون به التجويد نفسه، قال العلامة مرتضى الزبيدي: «ويقالُ: هو حَسَن الأداءِ إذا كانَ حَسَن إخْراج الحُرُوفِ مِن مَخارِجِها»(9). وهذا ما يفهم من قول الإمام ابن أبي مريم: «فإن حسن الأداء فرض في القراءة»(10).
وأترك المجال لأساتذتنا الكرام لمناقشة هذا الموضوع، والخروج بحد جامع مانع لمصطلح الأداء.
..........................................................
(1) الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية): (أدا).
(2) المحكم والمحيط الأعظم: (أدي). وانظر لسان العرب: (أدا).
(3) أي: اصطلاح القراء، واصطلاح المحدثين قريب منه. أما في اصطلاح الفقهاء فقد قال الجرجاني في التعريفات 29: «الأداء هو تسليم العين الثابت في الذمة بالسبب الموجب - كالوقت للصلاة، والشهر للصوم - إلى من يستحق ذلك الواجب، وعبارة عن إتيان عينِ الواجب في الوقت».
(4) كتاب السبعة في القراءات: 45.
(5) الأرجوزة المنبهة: 207.
(6) حرز الأماني ووجه التهاني: 28.
(7) إبراز المعاني من حرز الأماني: 253.
(8) كنز المعاني في شرح حرز الأماني ووجه التهاني: 2/901.
(9) تاج العروس من جواهر القاموس: (أدى).
(10) الكتاب الموضَح في وجوه القراءات وعللها: 1/156.