د. أياد مظفر الرمضاني
New member
معلومة غريبة عن الشيخ سليمان العجيلي الشهير بـ (الجمل) صاحب حاشية ( الفتوحات الإلهية) على تفسير الجلالين
ذكر الكتاني في فهرسه في أثناء ترجمته للشيخ سليمان العجيلي الشهر بـ ( الجمل) نقلا عن ابن عبد السلام الناصري الآتي: قال: ((... هذا الرجل آية الله الكبرى في خلقه، مع كونه أميا لا يحسب ولا يكتب بل ولا يطالع، ودأبه أن يأتي بمن يطالع له حصته في سائر ما يريد تدريسه من الفنون, فيسرد عليه ويحفظ هو جميع ذلك )) ويضيف قائلاً: ((... وله حاشية نفيسة على تفسير الجلالين وهي سائرة مع النصاب، فعادته أن يأتي أخ له كل يوم, مع طالب من تلامذته إلى بيته فيسردون على الشيخ التفاسير فيأمرهم بالكتب...))( الكتاني, فهرس الفهارس: 1: 300 - 301).
إن هذه المسألة المهمة والغريبة أيضا تفرد بذكرها الكتاني من بين جميع الكتب التي ترجمت للشيخ سليمان الجمل, وعلى الرغم من غرابتها إلا أنها ـ إن صحت ـ لا تقدح بعلمية هذا الشيخ الجليل في نظري, لا سيما أن هذا النص بين مقدرته على الحفظ, بل واستيعابه لما يحفظ أيضا، ومما ينبغي استحضاره هنا أن اغلب العلوم الإسلامية في الصدر الأول وصلت إلينا عن طريق الحفظ والاستظهار، حتى أن صدور العرب المسلمين كانت تعد خزائن لمختلف العلوم، وأوضح دليل على ذلك، هو القران الكريم وعلوم الحديث الشريف رواية ودراية على حد سواء.
ويرد هنا سؤال وجيه، وهو: كيف استطاع الشيخ الجمل دخول الأزهر، وهو لا يقرأ ولا يكتب ؟ خاصة إذا ما وضعنا في الحسبان الشروط التي كان يشترطها الأزهر للقبول فيه!
ويمكننا أن نجيب على هذا التساؤل: بان الأزهر نفسه كان يقبل التلاميذ كفيفي البصر, ويشترط لذلك أن يحفظوا القران الكريم بأكمله( مصطفى بيرم, تاريخ الجامع الأزهر: 59.) ولا يقف فقد البصر حائلاً ومانعاً لهم مـــن الدخول فيه( لقد كان وجود طلاب العلم كفيفي البصر أمراً معتاداً في الجامع الأزهر، حتى أن الأمير عثمان كتخدا انشأ في سنة (1148هـ) زاوية للعميان خارج الأزهر بالقرب منه، وأشترط ألا يلي مشيختها إلا كفيف، ولكن هذه الزاوية هدمت فيما بعد, ينظر: الأزهر تأريخه وتطوره: 167.)، بل إن شيخ الجمل الشيخ عطية الأجهوري كان كفيفا لا يبصر, ومع ذلك بلغ درجة كبيرة من العلم, بحيث تخرج على يديه غالب علماء عصره كما يذكر الجبرتي(الجبرتي, تاريخ عجائب الآثار: 3/128. ) أي أن عدم القراءة والكتابة كان متوفرا في طلاب الأزهر كفيفي البصر، فمن المرجح إذاً أن يكون الشيخ الجمل قد عومل معاملتهم وقبل في الأزهر بنفس الشروط التي قبل بها هؤلاء .
ومع ذلك نستغرب كيف أن الشيخ الجمل لم يتعلم القراءة والكتابة مع انه قضى معظم حياته في طلب العلم وتعليمه، وإذا صحت هذه الرواية عنه، يمكننا أن ندرك حينئذ مدى الصعوبة التي واجهها في أثناء طلبه للعلم وتأليفه للكتب وتدريسه للطلبة، وهذا يزيد من تقديرنا وإكبارنا لهذا العالم الجليل ويمنحنا فخراً انه من هذه الأمة العظيمة .
هذه وجهة نظري, وأطرح هذا الموضوع للتحقيق والمناقشة, وجزاكم الله خيراً.