معجم معاني كلمات القرآن وحروفه

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Amara
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Amara

New member
إنضم
03/02/2009
المشاركات
576
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

أردت أن أشارككم هذه المرة بمعجم معاني كلمات القرآن وحروفه.. لمؤلفه أخي الحبيب الحسن محمد ماديك.. وإنما أضعه بين أيديكم للإفادة والإستفادة والأخذ بصحيحه وتصحيح خطئه.. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل..

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، وبعد :
فقد اجتهدت لأجعل من كتابي هذا ـ معجم معاني حروف وكلمات القرآن ـ أداة تعين متدبري القرآن على الاستفادة منه أكثر من ذي قبل بما سيتيح لهم من البيان والتوضيح حول معاني كل كلمة وكل حرف وكل ضمير وكل مضمر مما استقرأته واستنبطته بالتدبر والتتبع ـ والله أعلم بالصواب ـ وسيتبين متدبر القرآن أن كل كلمة من كلمات القرآن فعلا كانت أو اسما تتقلب معانيها كلما أسندت إلى الله أو إلى الرب أو إلى المكلفين فإن أسندت أكثر زادت معانيها وهكذا اختلف مدلول كلمة "عَلَّمَ " لاختلاف السياق إذ أسندت إلى المخلوق وإلى الله في قوله ﴿تعلّمومنهن مما علّمكم الله ﴾ وأسندت إلى الله في قوله ﴿ واتقوا الله ويعلّمكم الله ﴾ وأسندت إلى الرب في قوله ﴿ ذلكما مما علّمني ربي﴾ ، فالإنسان يعلّم الجوارح بالترويض والله يعلّم الإنسان بأدوات الكسب السمع والبصر والفؤاد وكذلك يعلّم الله المتقين في الكتاب المنزل ما يتقون به غضبه وعذابه ، وعلّم رب العالمين ملائكته وأنبياءه ورسله تعليما خارقا معجزا لا يقدر أحد على مثله لنفسه.
ويقع اليوم عند ربنا على ألف سنة مما سني أهل الأرض، وتقع أيام الله على التي دمّر فيها المكذبين بالرسل بالآيات نوح وهود وصالح وشعيب وموسى وهارون.
وبدأت باسم الله ربنا قبل إيراد الحروف والكلمات حسب ترتيبها الأبجدي والله المستعان.
الله عز وجل:
إن العبد لحقيق بدراية افتقاره وأنه ليس قائما على نفسه ليشكر فاطر السماوات والأرض على نعمه الظاهرة والباطنة وإذ خلقه فجعله شيئا مذكورا ولم يكن، وفضّله على كثير من العالمين كالجن والأنعام والدوابّ والطير ...
هو الله لا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء، لم يلد، ولو يولد، وهو على كل شيء وعد به قدير ، وبكل شيء من الغيب عليم، فعّال لما يريد، اصطفى من بني آدم رسلا وأنبياء فأنزل عليهم الكتاب والميزان ليحكم بين الناس بالحق وليهتدوا إلى صراط مستقيم ووعد بإعدام الكون وبإعادة نشأته مرة أخرى وبالبعث بعد الموت والحساب والجزاء بالنار أو الجنة.
ويعني أن ليس كمثله شيء أن قدرة كل ذي قدرة من الخلق ليست كقدرة الله وهكذا لا يماثل علمه علم عليم ولا قوته قوة قوي وهو السميع البصير، ولن يبلغ غيره من خلقه مثل أسمائه الحسنى، رغم ثبوت الرحمة والقوة والسمع والبصر والخلق في المخلوقات ولا يجحده إلا المغفلون كما لا يتأوّل أسماء الله وصفاته إلا المعطلون بما ألحدوا، وأما قولنا "ليس مثله شيء" فيعني أن ليس شيء مثله ويشمل الذات والصفات ولا يقول به إلا المشبّهون بما أشركوا .
وإن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن اسم ﴿الله﴾ حيث ورد ذكره في الكتاب المنزل فإنما :
ـ لبيان عبادة وتكليف من الله المعبود يسع جميع المخاطبين به الطاعة والعصيان .
ـ أو لبيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين.
ـ أو لبيان أثر الإيمان والطاعة على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان أثر الكفر والمعصية على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان الحساب والجزاء في الآخرة.
فأما بيان ما كلف الله به من العبادة فكما في قوله ﴿اعبدوا الله﴾ وقوله ﴿اتقوا الله﴾.
وأما بيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين وأعانهم بها ليعبدوه فكما في قوله ﴿فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له﴾ العنكبوت، من قول إبراهيم يعني اسألوا الله أن يرزقكم لتقوى أجسامكم على الطاعة والعبادة، وقوله ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ الذاريات، يعني أن الله يرزق الإنس والجن ليتمكنوا بالرزق والقوت من العبادة وقوله ﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا وشربوا من رزق الله﴾ البقرة، وقوله ﴿وكفّلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هـذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ آل عمران.
وأما أثر الطاعة على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿ويزيد الله الذين اهتدوا هدى﴾ مريم، وقوله ﴿هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين﴾ يونس، فكانت نجاتهم بسبب أثر طاعتهم في دعوتهم الله مخلصين له الدين.
وأما بيان أثر المعصية على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم﴾ البقرة، أي بسبب كفرهم وإعراضهم عن النذير عوقبوا بذلك ، وقوله ﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب﴾ الأنفال، والمعنى أنهم بسبب كفرهم بنعم الله التي أنعم عليهم بها ليعبدوه ويطيعوه عذبهم في الدنيا .
وأما بيان الحساب بعد البعث فكما في قوله ﴿ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب﴾ النور، وقوله ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾ النور.
وأما بيان الجزاء فكما في قوله ﴿فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين﴾ المائدة، وقوله ﴿ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ فصلت.
إن قوله ﴿باسم الله﴾ حيث وقع في الكتاب فإنما هو للدلالة على عبادة وتكليف من الله يجب أن يقوم به المكلف العابد مستعينا ومبتدئا باسم الله الذي شرع له ذلك الفعل ومخلصا له فيه من غير إشراك معه وكما بدأ طاعته بإعلان أنها باسم الله المعبود الذي شرعها له، وهكذا ركب نوح ومن معه في السفينة كما في قوله ﴿وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها﴾ هود، فأطاع أمر الله حين أوحي إليه قوله ﴿قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن﴾ هود.
ولم يحل من الذبائح والصيد البري إلا ما ذكر اسم الله عليه كما في المائدة أربعة الأنعام وثلاثة الحج ، ويعني حرف الأنعام ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق﴾ أن إزهاق الحياة في الطير والدواب إنما يجب أن يكون باسم الله الذي شرع لنا أكلها لنحيى ونقوى على العبادة، أما ما لم يذكر اسم الله عليه منها فتجرد من هذا القصد والنية فهو فسق خرج به الإنسان عن الوحي الذي جاء به النبيون وعن مقتضى العبودية إلى المعصية والعبث فحرم على المسلمين أكله، ولئن كان النهي عن الأكل من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكي منها بـإنهار دمه وذكر اسم الله عليه فما ظنك بقتل الصحيح من الطير والأنعام عبثا وما ظنك بقتل الإنسان إذا لم يكن من المكلف به طاعة لله ورسوله.
إن الذي يقول "باسم الله" قبل طعامه وشرابه المباح قد أطاع الله في تكليفه ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾ الأعراف.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويأكل الخنزير والميتة والدم غير مضطر فقد افترى على الله كذبا وادعى أن الله قد شرع ذلك.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويطأ زوجته قد أطاع الله في قوله ﴿وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين﴾ النساء، فهي كلمة الله التي استحللنا بها فروج النساء .
وإن الذي يقول "باسم الله" ويزني قد افترى على الله وادعى أن الله شرع له الزنا وكلّفه به وما أشبهه بسلفه من القرامطة الذين كانوا يقرأون القرآن لابتداء الليالي الحمراء فإذا سكت القارئ أطفئت المصابيح ووقع كل رجل على من تقع يده عليها ولو كانت أخته أو أمه كما سنّه عليِّ ابن الفضل الجدني القرمطي في آخر القرن الثالث الهجري في اليمن.
إن قوله ﴿باسم الله الرحمن الرحيم﴾ ليعني أن قائلها ككاتبها يشهد على نفسه ويقر بأنه يبتدئ فعلا هو من تكليف الله تماما كما تعني رسالة سليمان إلى ملكة سبإ والملإ معها من قومها ﴿إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين﴾ النمل، أن سليمان رسول الله إلى الناس وأن كتابه هذا هو من رسالته إليهم وهم أعم من بني إسرائيل فزيادة التكليف بقدر زيادة التمكين.
رب : تضمن تفصيل الكتاب المنزل ورودها في وصف بعض الناس وأكثر ما وردت وصفا لله الواحد القهار
أما ورودها في وصف ولي النعمة من البشر ففي قوله : ﴿وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك﴾ يوسف، ﴿فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله﴾، وأما في وصف ما يتصوره الناس من معبوداتهم ففي قوله ﴿فلما رأى كوكبا قال هذا ربي﴾، ﴿فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي﴾، ﴿فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي﴾.
وأما قول يوسف مخاطبا امراة العزيز ﴿معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ فيتجلى فيه أن ربه قد آتاه من قبل حكما وعلما، إذ لم تفهم امرأة العزيز غير استحيائه من خيانة زوجها المنعم عليه، غير أن كلام الصديق يوسف صريح في إقراره واستشعاره نعم ربه الخالق عليه بإبعاده عن كيد إخوته وإيوائه في بيت عزيز مصر، وبقرينة إضافة نفسه إلى ربه على غير نسق خطابه صاحب السجن ورسول الملِكِ إذ أضاف كلا منهما إلى الملِك وحرِيٌ بغيره من العوام في مثل حاله أن يقول لصاحب السجن اذكرني عند ربي الملك ليخرجني من السجن.
ووردت في وصف الله غير مقترنة في السياق بمربوب في قوله ﴿بلدة طيبة ورب غفور﴾ سبأ وقوله ﴿سلام قولا من رب رحيم﴾ في يس.
واقترنت في السياق بالمربوبات التالية : العرش العظيم، العالمين، كل شيء، السماوات والأرض وما بينهما، السماوات السبع ، السماء والأرض، رب المشرق والمغرب وما بينهما، المشارق والمغارب، المشرق والمغرب ، المشرقين، المغربين، هذه البلدة التي حرّمها، هذا البيت، العزة، الشعرى، الفلق، موسى وهارون، الناس، وآباؤهم الأولون، وبضمائر يأتي تفصيلها في مادة المضمرات.
وأضاف النبيون والرسل والمتضرعون خفية أنفسهم إلى ربهم فابتدأ كل منهم مناجاته الخفية بقوله : ربِّ، بحذف حرف النداء إلا في قوله ﴿وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا﴾ في الفرقان، ثبتت فيه ياء النداء لأن الرسول سيسمع المكلفين شكواه إلى ربه أنهم اتخذوا القرآن مهجورا فلم يتدبروه ليهتدوا به للتي هي أقوم وإلى الرشد.
وتضمن تفصيل الكتاب المنزل تأصيلا عجيبا من أصول التفسير في سياق خطاب الله نبيا أو رسولا مضيفا ربوبيته إليه لتنبيهه إلى وعده بنصره كما في قوله ﴿يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك﴾ هود ﴿قالوا يا لوط إنا رسل ربك﴾ هود ﴿وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى﴾ ﴿ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا﴾ الأنبياء ﴿ولئن جاء نصر من ربك﴾وبينته في تأصيلي الجديد للتفسير.
ولا تسل عن الخفة من المرسل إليهم وهم يخاطبون رسلهم بإضافة الرب إلى الرسول المخاطب كما في قوله ﴿قالوا ادع لنا ربك﴾، ﴿فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هـهنا قاعدون﴾، ﴿هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ﴾، ﴿ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك﴾، ﴿وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك﴾
وإن اسم ﴿رب العالمين﴾ حيث ورد ذكره في الكتاب المنزل فإنما:
ـ ليقوم به أمر أو فعل خارق يعجز العالمون عن مثله وإيقاعه كما يعجزون عن دفعه.
ـ أو لبيان نعمه التي لا كسب للمخلوق فيها وما يجب له من العبادة والشكر.
ـ أو لاستعانته ليهب لنا في الدنيا ما لا نبلغه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر.
وأما بيان أن كل فعل أو أمر أسند إلى ربنا فإنما هو أمر خارق يعجز العالمون عن مثله فكما في قوله ﴿قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر﴾ الإسراء ، من قول موسى في وصف الآيات المعجزة التي أرسله ربه بها وكما في قوله ﴿قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم﴾ فصلت، ولا يخفى أن عاقلا من العالمين لا يستطيع ادعاء مثل هذا.
وأما بيان أمر ربنا الذي يعجز العالمون عن دفعه فكما في قوله ﴿يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾ هود، من قول رسل ربنا من الملائكة الذين أرسلوا بعذاب قوم لوط وكما في قوله ﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر﴾ القمر .
وأما بيان نعم ربنا التي لا كسب للمخلوق فيها فكما في قوله ﴿ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله﴾ الإسراء.
وأما بيان ما يجب لربنا من العبادة والشكر على نعمه فكما في قوله ﴿ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون﴾ الزخرف ، وقوله ﴿لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور﴾ سبأ، وقوله ﴿يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم﴾ البقرة .
وأما بيان ما يجب علينا من استعانته ليهب لنا في الدنيا والآخرة من نعمه ويصرف عنا من الضر والكرب ما لا نستطيعه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر القليل فكما في دعاء النبيين وضراعتهم ربهم حيث وقعت في القرآن كما في قوله ﴿وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم﴾ الأنبياء .
ويأتي بيان الفرق بين كل ما أضيف أو أسند إلى الله وإلى ربنا في مواضعه من المعجم.

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
حرف الهمزة

حرف الهمزة

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

أبّا: مفردة في قوله ﴿ وفاكهة وأبًّا متاعا لكم ولأنعامكم ﴾ عبس، عطفها على الفاكهة للدلالة على المغايرة وقد تقع على الكلإ والمرعى ليتمتع بها الأنعام كما متّع الإنسان بالفاكهة والله أعلم.
أبدا: تأكّد بها الْخُلد والْمُكث في نعيمِ أو عذابِ اليوم الآخر، ولا إشكال في خلودِ أو مُكْثِ أهلِ الجنة فيها ولا في تأكيده بـ" الأبد " ، وقد تأكّد بـ"الأبد" خلود الكفار الذين لعنهم الله وأعدّ لهم سعيرا في حرف الأحزاب وخلود الذين كفروا وظلموا ولم يهتدوا إلا إلى طريق جهنم كما في حرف النساء، وكذا من يعْصِ اللهَ ورسوله وسيجزى نار جهنم كما في حرف الجن، ولا إشكال في الثلاثة لأن جهنم إنما يدخلها الكفار والمنافقون وهم مخلدون فيها أبدا لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها، وسيصبح غيرهما من اللابثين أحقابا في عذابٍ دون جهنم هم والحجارة وقودا لنار جهنم لأن الله حرّم على الجنة المشركين.
ووردت في سياق خطاب وتكليف النبي والمؤمنين لتأكيده وأنه لا نسخ يتلوه كنهيه عن الصلاة في مسجد الضرار وعن الصلاة على المنافقين.
ووردت في كلام المكلفين لتأكيد موقف يموتون عليه لا يزحزحهم عنه شيء كظهور العداوة والبغضاء أبدا بين إبراهيم والذين آمنوا معه وبين المشركين، وكإصرار الذين نافقوا على نصرة إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب، وكتخلف الذين فسقوا من بني إسرائيل عن دخول القرية المقدسة، وكحرص المشركين وأهل الكتاب على الحياة.
ومِن فِقْهِ فتية آمنوا بربهم أن علموا أن من عاد في ملة المشركين لن يفلح أبدا، وفي مقابلهم قلّ فقهُ صاحب الجنتين فحسب أن نعمته لن تبيد أبدا.
وإن قوله ﴿ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا﴾ في الأحزاب لمن المثاني مع قوله ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم﴾ في الأحزاب ولا يخفى تحريم نكاح الأمهات تحريما أبديا.
إبراهيم : اسم علم على النبيّ الذي اتخذه الله خليلا وجعله نبيا صدّيقا، وكلّف من جاء بعده باتباع ملته، ولم يَتَبَيَّنْ خواص الأمة دلالتها، وبينْتُها في مادة الملة، وقد آتاه ربه فضلا عريضا معلوما في القرآن والحديث النبوي، ولقد كان رسولا بالآيات إلى الملك الذي حاجّه وقومِه فكذبوه ورموه في النار فنجّاه الله منها وجعلهم الأسفلين أي عذّبوا في الدنيا بعذاب ماحق كما هو مفصل في سور التوبة والحج والعنكبوت وغيرها، وبعد هجرته إلى الشام أصبح نبيا، ومن كرامته أن كلّمَتِ الملائكةُ بالبشارة جهرةً زوجتَه أمَّ إسحاق، وقد رغب المفسرون وغيرهم عن دراية كلماتٍ ابتلاه ربُّه بها فأتمَّهن وأنه وفّـــــى وأن جعله إماما للناس وأن كلّف بذكره في الكتاب المنزل وبتلاوة نبـإه وأن ترك عليه في الآخرين سلاما عليه، رغبوا عن ذلك كله رغم تفصيله في الكتاب المنزل.
وإن الذي آتاه ربه رشده من قبل أن يحاور قومه المشركين المنكرين، ووصفه ربه بأنه من أولي الأيدي والأبصار ليستحيل في حقه الشرك باعتقاد الكوكب والقمر والشمس أربابا من دون فاطر السماوات والأرض الواحد القهار، وإنما هي الحجةُ وفصلُ الخطاب وإلزامُ الْمُحاوِرِ المنكرِ بالحجةِ البالغةِ الدامغةِ.
ولعل الأمة تتبين يوم يقع نفاذ وعد الله ـ ومن أصدق من الله قيلا وحديثا ـ ﴿وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا﴾ الإسراء، دلالة وعد الله ﴿مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا﴾ آل عمران، ومن المثاني معه قوله ﴿وهذا البلدِ الأمينِ﴾ التين، وبينته في من بيان القرآن.
أبق : وردت مفردة في حرف الصافات وهي مغاضبةٌ غاضبَها في حرف الأنبياء كلاهما في وصف يونس حين قصد الفلكَ المشحونَ فركبه ووقعت القرعةُ بين الركاب أيهم يُلْقَى في البحر لتخفيفِ حِمْلِهَا فوقع السهم عليه فالتقمه الحوت فاستغفر مسبِّحا ربه، فأكرمه وأرسله، وعجبي من التراث بم استدل على نبوته أو رسالته قبل إباقه المذكور، وفي القاموس المحيط: استخفى ثم ذهب فهو آبق اهـ مما يعني أنه لم يغاضب ربه بل غاضب بعض الناس فاستخفى منهم وأنَّى لمسلم الاستخفاء من الله، ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء بل يعلم السر والأخفى.
الإبل : يقع على الجمع لا المفرد، وردت ضمن تفصيل ثمانية أزواج الأنعام وفي التكليف في حرف الغاشية بالعجب من الإبل كيف خلقت.
أبابيل : مفردة في حرف الفيل أي فِرَقٌ متتابعةٌ ويقع على الجمع بلا مفرد، وردت في وصف أفواج الطير تحمل حجارةٍ من سِجِّيلٍ جعلت أصحابَ الفيل كعصف مأكول قبل أن يتمكنوا من دخول الحرم المكي لهدم الكعبة عام مولد محمد بن عبد الله الهاشمي الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، والقصة مما نُبِّئَ به عرضا عليه قبل إنزال سورة الفيل وكذلك دلالة خطابه في القرآن بقوله ﴿ ألم تر ﴾ بصيغة الإفراد وبينته في مادة رأى.
أب : وقع الوصف بالأب على الوالد المباشر، وقد يشمل الأم كما في قوله ﴿وورثه أبواه﴾ ، وكان آزرُ أبا إبراهيم كما في الكتاب المنزل وخاطبه بقوله ﴿يا أبت﴾ واستغفر له قبل أن يتبين له أنه عدوٌّ لله ولم يك محمدٌ أبا أحد من رجالنا لوفاة بنيه قبل سن الرجولة ولكن كان أبا نسوة معلومات.
وظهرت دلالته على ذي النطفة من مَنِيٍّ التي خلق الله منها الولد كما في قوله ﴿فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم﴾ في الأحزاب.
ووقع الوصف بالأب كذلك على الآباء الأقربين كما في قوله ﴿ كما أتمَّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق﴾ في يوسف، وعلى الأجدادِ الأُوَلِ الأبعدين كما في قوله ﴿يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة﴾ في الأعراف.
ودل قوله ﴿ملة أبيكم إبراهيم﴾ في الحج على إثبات نسبة نسب العرب في مكة يومئذ إلى إبراهيم.
وقد ورد الجمع منها وهو الآباء في بعض الأحرف بمعنى الأسلاف كما في قوله ﴿واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق﴾ إذ كان إسماعيل عمه، وكما في قوله ﴿حتى عَفَوا وَّقالوا قد مسَّ آباءَنا الضراءُ والسَّرَّاءُ﴾.
وقد وقع ذم تقليد الآباء والأسلاف في ضلالهم كما في قوله ﴿إنهم ألفَوْا آباءَهم ضالّين فهم على آثارهم يهرعون﴾ الصافات، وأوْبَق الأولادُ آباءَهم أكثرَ باتباعِهم وتقليدِهم في غير هدًى ورُشْدٍ، وحمل الآباءُ والأسلافُ الضالّون أوزارَ أنفسِهم ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم.
والعجب ممن جاءهم النبيون والرسل من قبل والذين عاصروا تنزل القرآن ولم يتبعوهم معرضين عن الهدى والبينات معهم مكتفين بتقليد الآباء والأسلاف.
وانتفع الآباء المسلمون بتربيتهم أولادَهم تربية حسنة بصلاح أولادهم كما في استغفار الذين يحملون العرش ومن حوله للذين آمنوا ﴿ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وزواجهم وذرياتهم﴾ في غافر، ومن المثاني معه قوله ﴿جناتُ عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم﴾ في الرعد.
ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل كنية لغير عدو الله أبي لهب واحترق به أهل بيته.
أبى : كلمة الإباء أسندت إلى الله في قوله ﴿ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ﴾ براءة 32 : ويعني أن الله وعد أن يتم نوره وهو كتابه المنزل، رغم جهود جنود إبليس لطمسه واللغو فيه بالباطل وزخرف القول، ويومئذ يكون الدين كله على الأرض لله العزيز الحكيم.
وأسندت إلى إبليس وإلى الناس وإلى السماوات والأرض والجبال، واجتمعت مسندة إلى المخلوق على سلوك زائد درجتين على الامتناع النفسي أي هو ثالث درجات الامتناع ويأتي تعبير اللسان بالامتناع في المرتبة الثانية بعد امتناع النفس، وكان تنقيص إبليس من آدم أن خلق من تراب هو إباؤه أن يسجد وهو أكثر من امتناعه بترك السجود وأكثر من قوله لو قال بلسانه لا يسجد ودل إباء إبليس وإباء الناس على اعتماد سلوك المعصية بدل الطاعة وللمتأمل استنباط السلوك العِوَجِ من أصحاب القرية وحصل به إباؤهم عن قرى واستضافة موسى والخضر.
وأما قوله ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها﴾ في الأحزاب، فلا معصية في إبائهن بل عرض رب العالمين عليهن حمل الأمانة عرضَ اختيار لا تكليفٍ لا يسع المكلف بعده غير الطاعة أو العصيان، وأظهرت السماوات والأرض والجبال كثيرا من الضعف والغفلة والشفقة خوفا تضييع الأمانة.
أتى : على العموم بالقصر تفيد معاني المرور الخفيف والمفاجأة والمباغتة خلافا لفعل المجيء الذي يفيد العلم والانتظار والترقب والثقل .
وإن اقترنت بعمل المكلفين أفادت اقتران العمل بالنية والإصرار والتعمد كما في قوله ﴿فإن أتين بفاحشة مبينة﴾ النساء، ﴿أتأتون الفاحشة﴾، ﴿يفرحون بما أتوا﴾ آل عمران، ﴿فأتت به قومها تحمله﴾.
وما كان ثقيلا على يوسف إحضار أخيه إليه، ولم يسبق إلى النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قبل القرآن عِلْمٌ بحديث موسى وحديث فرعون والجنود ولا بحديث ضيف إبراهيم ولا بحديث الغاشية، وخفّ على قوم لوط ما يأتون من الفاحشة بالذكران عامة وبالرجال خاصة، وخفّ على مريم قدومُها على قومها وهي تحمل عيسى إذ قد علمت بالوحي وبتكليم عيسى إياها ما انتفى به الثقلُ وخشيةُ العار ﴿ فأتت به قومها تحمله ﴾، وخفّ على المحصنات غير الراشدات ما يأتينه من الفاحشة المبينة وكان سليمان وجنوده قد أتوا على وادي النمل، والعرب الذين عاصروا نزول القرآن قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء، وبنو إسرائيل بعد تجاوزهم البحر أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، وأتى على كل إنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، وكانت وجهة سليمان وجنودِه غير وادي النمل فمروا عليه مرورا خفيفا وكانت وجهة العرب يومئذ إلى الشام في رحلة الصيف فمروا بديار قوم لوط مرورا خفيفا كمرور بني إسرائيل على عبدة الأصنام.
وخفّ على المكذبين الأولين العذاب في الدنيا الذي أنذرهم به نوح وهود وصالح وسائر الرسل بالآيات فسألوهم أن يأتوهم بالعذاب إن كانوا صادقين وكذلك خلفهم من مشركي قريش قالوا ﴿اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم﴾ الأنفال.
وخفّت على المشركين الذين عاصروا تنزل القرآن وعد الله بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء فحرصوا على التعجيل بها وأن تأتيهم الملائكة وأن يأتيهم بآية كما أرسل الأولون، وسيأتي الناس أفواجا إلى المحشر يوم ينفخ في الصور فجأة فيأتي بهم الله أين ما كانوا.
وعجبي ممن درس القرآن كيف لا يشمّر في انتظار موعودات هي من الغيب في القرآن ستأتي فجأة ولكأنّ القول الثقيل قد خفّ على الناس فأهملوه وغفلوا عنه، ومن ذلك الغيب أن نبّأ الله آدمَ بوعده ﴿قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾ البقرة ومن المثاني معه قوله ﴿قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ في طـه، وكذلك نبّأ الله جميعَ النبيين بعد آدم بوعده ﴿ يا بني آدم إما يأتينّكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾ الأعراف، ونبّـأ الله في القرآن بالنبوتين خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ويعني أن الهدى من الله لا يأتي البشرية إلا فجأة ومن حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون كما في صريح القرآن ﴿يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون﴾ في يس، وقوله ﴿اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم﴾ بداية سورة الأنبياء، وقوله ﴿وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين﴾ الشعراء.
ومنه وعد الله أن يأتي بأمره كما في قوله ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ ومن المثاني معه ﴿فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره﴾ البقرة، وقوله ﴿فتربصوا حتى يأتي الله بأمره﴾ براءة، وقوله ﴿وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون﴾ غافر.
ومنه وعد الله أن يأتي بآيات خارقة للتخويف والقضاء كما في قوله ﴿وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين﴾ في الأنعام ويـس، ومن المثاني معه ﴿يوم يأتي بعض آيات ربك﴾ الأنعام، ﴿قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين﴾ الملك، ﴿وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب﴾ الرعد، ﴿فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين﴾ الدخان.
ومنه وعد الله أن تأتي البينة منه كما في قوله ﴿ م يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة﴾.
ومنه وعد الله بأن يأتي بعذاب في الدنيا يستأصل المكذبين كما في قوله ﴿قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة﴾ الأنعام، ﴿قل أرأيتكم عن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة﴾ الأنعام، ﴿قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا﴾ يونس، ﴿هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك﴾ النحل، ﴿ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم﴾ الحج، ﴿ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله﴾ الرعد، ﴿أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون﴾ الأعراف، ﴿ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون﴾ هود، ﴿وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا﴾ إبراهيم، ﴿إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا﴾ الكهف.
وقوله ﴿وأنيبوا على ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون﴾ الزمر، ومن المثاني معه ﴿أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون﴾ النحل، ﴿فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ الشعراء، ﴿أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون﴾ يوسف.
وقوله ﴿فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون﴾ الأنعام، ومن المثاني معه ﴿فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون﴾ الشعراء.
وقوله ﴿أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون﴾ الأنبياء، ومن المثاني معه ﴿أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها﴾ الرعد، وكذلك ﴿ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خاسئين﴾.
وفجأة سيأتي الله بالفتح وبقوم آخرين ﴿يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم﴾ المائدة.

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

آتَى: بالمد: أسندت إلى الله ربنا وأسندت وإلى الرسول وإلى المكلّفين وإلى ذوات الثمار والزرع.
أما إسنادها إلى ذوات الثمر والزرع فهو بمعنى أثمرت وكذلك وقع على مفعول واحد كما في قوله ﴿كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا﴾ الكهف، وقوله ﴿فآتت أكلها ضعفين﴾ البقرة.
أما إسنادها إلى المكلفين فإن كان بمعنى الإعطاء وكذلك وقع على مفعولين كما في قوله ﴿فآتوهن أجورهن فريضة﴾ النساء، وقوله ﴿فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن بالمعروف﴾ الطلاق، وقوله ﴿والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم﴾ النساء، وقوله ﴿وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكينَ وابنَ السبيل﴾ البقرة، وقوله ﴿فلما آتوه موثقهم﴾ يوسف.
وإن كان بمعنى التطهر بالتقرب إلى الله بالطاعات وقع الفعل على مفعول واحد كما في قوله ﴿وآتى الزكاة﴾ ولا يتأتى قصر هذه الزكاة على الفريضة الواجبة في ذوات النصاب من الأموال كما بينته في مادة الزكاة.
وأما إسنادها إلى الرسول ففي قوله ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ الحشر، ويعني تكليف المسلمين بالاقتصار على ما أحلّ لهم الرسول من الأموال وبتحريم ما حرّم عليهم الرسول، وقد آتى الله ورسوله من المال بعض المنافقين الذين عاصروا تنزل القرآن وكذلك بعد تنزل القرآن سيؤتيهم الله ورسوله من المال.
وأما إسناده إلى الله عز وجلّ فيقع على الابتلاء بالتكليف ويقع على أثر الطاعة والجزاء عليها.
فمن الأول تكليف الله المطلِّق بإيواء مطلَّقته وأن ينفق عليها مما آتاه الله من المال والرزق حتى تضع حملها وأن ينفق عليها كذلك مدة الرضاع.
وقد آتى الله ابتلاء منه قارون أموالا وكنوزا وزينة وكلّفه موسى أن يبغي به الدار الآخرة، ولا خير في الأموال التي آتاها الله المنافقين ابتلاء منه ويبخلون بها بل هي شر لهم، وآتى الله من فضله المنافقين أموالا تمتعوا بها فما رضوا بل بخلوا وتولوا وهم معرضون عن الشكر والطاعة.
وقد آتى الله الملك والتمكين الذي حاجّ إبراهيم في ربه، ولا يلتبس هذا الإيتاء من الله بالملك الذي آتاه الله عبده داوود إذ هو من أثر الطاعة والجزاء على الصبر على الطاعة وبقرينة إيتاء داوود الحكمة وتخصيصه بعلم، ولا يلتبس بالملك الذي آتاه ربنا يوسف في قوله ﴿رب قد آتيتني من الملك﴾ إذ ما آتاه رب العالمين من التمكين عبدا من عباده فهو خارق معجز لا يقدرون على مثله كالذي أتاه رب العالمين ذا القرنين كما في قوله ﴿إنا مكّنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا﴾ الكهف.
وقد آتى الله نبيّين ورِبيّين معهم ثواب الدنيا وهو النصر وحسن ثواب الآخرة وهو المغفرة ورضوانه وجناته بسبب أثر الطاعة والصبر على القتال في سبيل الله، وكذلك آتى اللهُ الذين قتلوا في سبيل الله كرامة أن فضّلوا على الأموات بالإحياء عند ربهم يرزقون في البرزخ بسبب أثر الطاعة والصبر على القتال في سبيل الله حتى قتِلوا بصيغة التجهيل أي قتلهم غيرهم.
ووقع إسناد الإيتاء إلى ربنا في سياق ما أنعم به على أهل الجنة من نعيم لم يكونوا ببالغيه بعملهم ولا جهدهم القاصر لولا عفو الله ومغفرته.
ووقع إسناد الإيتاء إلى ربنا للدلالة على النعمة والآية الخارقة المعجزة التي لا يقدر المكلَّف على مثلها لنفسه ولا كرامة في هذا الإيتاء كما في قوله ﴿فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما﴾ الأعراف، وقوله ﴿وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا﴾ الإسراء، وقوله ﴿وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين﴾ الحجر، وقوله ﴿سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب﴾ البقرة، وقوله ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها﴾ الأعراف، في وصف السامري الدجال رأى تسع آيات بينات جاء بها موسى ورأى كيف أغرق الله فرعون وجنوده وكيف أنجى بني إسرائيل ومنهم السامري نفسه، وانسلخ من هذا كله واتبع هواه ، وآتى ربنا من الكنوز عدوه قارون وآتى عدوه فرعون زينة وأموالا في الحياة الدنيا ولا كرامة في هذا الإيتاء.
إن قوله ﴿ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر﴾ الجاثية، لمن المثاني مع قوله ﴿وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين﴾ المائدة، ويعني حرف الجاثية أن بني إسرائيل هم أول من جعل فيهم كتاب الله يتدارسونه وليحكم بينهم وجعل فيهم أنبياء نبّأوهم مما سيكون ومضى النبيون وبقيت نبوتهم معلومة بعدهم وآتاهم نعما ظاهرة حرم منها غيرهم كما هي دلالة التفضيل الذي يعني أن الذي فضله الله قد أعطاه ما حرم منه غيره، ومن النعم التي فُضِّلوا بها على العالمين تلكم الموصوفة في حرف المائدة أن جعل فيهم أنبياء وجعلهم ملوكا أي جعل فيهم ملوكا وهم طالوت وداوود وسليمان وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ومنه البينات من الأمر وهي الفرقان الذي كان مع موسى وسائر أنبيائهم فلا يلتبس في ظلهم الباطل بالحق.
ولا يعني حرف الجاثية أن كل واحد من بني إسرائيل كان نبيا، كما لم يكن جميع ذرّيّات وإخوان وآباء المعدودون في سورة الأنعام أنبياء، ولا يعني قوله ﴿وجعلكم ملوكا﴾ أن كل واحد منهم كان ملكا وإنما يعني أن قد جعل في بني إسرائيل ملوك كداود وسليمان.
إن بني إسرائيل منهم شرار الخلق كالسامري الدجال المنتظر كما بينت في مادته ومادة الآيات، والذين قَتَلوا النبيّين والذين حاولوا قتل عيسى ومنهم الذين قالوا ﴿يد الله مغلولة﴾ والذين قالوا ﴿إن الله فقير ونحن أغنياء﴾ ـ سبحانه وتعالى ـ والذين لعنهم الله وغضب عليهم وعذّبهم بذنوبهم وجعل منهم القردة والخنازير والذين عبدوا الطاغوت والذين قالوا عزير ابن الله ـ سبحانه وتعالى ـ والذين قالوا المسيح ابن الله، سبحان الله وتعالى عما يشركون.
وآتى ربنا حكما وعلما وحجة لمن اصطفاهم للرسالة قبل أن يرسلهم مثل لوط ويوسف وموسى وداوود وسليمان.
وكذلك حيث وقع قوله ﴿آتيناه رحمة﴾ وقوله ﴿آتاني رحمة﴾ حيث وقعت تسمية الفعل مسندا إلى الله وإلى ربنا ووقوعه على المصطفين الأخيار ظاهر.

دلالة قوله ﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾
إن من تفصيل الكتاب أن الذين أوتوا الكتاب هم بنوا إسرائيل بعد أنبيائهم لأن أول كتاب نزل من عند الله للناس هو التوراة ومثلهم هذه الأمة بعد مُضِيِّ نبيها الأمي، فالذين تلقّوُا الكتابَ من النبيين هم الذين أوتوا الكتاب بالتجهيل كما في قوله ﴿وما تفرَقَ الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البيّنة﴾ البينة، وقوله ﴿ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ما ذا قال آنفا﴾ الأنعام، ولا يخفى تفرّقُ بني إسرائيل لما جاءهم عيسى بالبيّنات ولا يخفى من تفصيل الكتاب المنزل أن الذين أوتوا العلم هم خيار الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وكان المنافقون يسألونهم عن دلالات الكتاب المنزل لم يفقهوا منه شيئا رغم سماعهم تلاوته من في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإن قوله ﴿وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾ الشورى ليقع على هذه العرب أورثوا ـ بالتجهيل ـ الكتاب بعد بني إسرائيل الذي تفرقوا فيه، وإنما يقع الوصف بالتسمية في حرف غافر ﴿ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب﴾ على أنبياء بني إسرائيل بعد موسى أورثهم ربهم علم التوراة وبيانها وتفصيلها، وفصلت حرف فاطر في مادة ورث.
أما الرسل فهم الموصوفون بـــ﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ بالتسمية بإسناد الفعل إلى النون والألف للدلالة على أنه من ربوبية الله التي سخّر بها جبريل وغيره من الرسل من الملائكة إلى الرسل من الناس الذين تنزل الكتاب والوحي على قلوبهم فعلموا تفصيله وبيانه تعلّما خارقا لا يقدر على إيقاعه غير رب العالمين.
وإن جميع الموصوفين بـــــــ ﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ بالتسمية هم الرسل كما في قوله ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب﴾ حيث وقعت وكذلك هارون في حرف الصافات وكذلك عيسى في قوله ﴿وآتيناه الإنجيل﴾ في المائدة والحديد، وكذلك يحيى كما في قوله ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا﴾ مريم، فقوله ﴿خذ الكتاب﴾ من المثاني مع قوله ﴿آتيناه الكتاب﴾ الموصوف بها غيره من الرسل، وهكذا عطف عليها قوله ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ أي آتيناه الكتاب والحكم، وكذّبت قوم نوح والأحزاب من بعدهم وما بلغوا معشار ما آتى ربنا رسلهم من العلم.
وأما قول عيسى ﴿إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا﴾ مريم، ومن المثاني معه قوله ﴿ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله﴾ عمران، وقوله ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة﴾ عمران، في قراءة الجماعة أي غير المدنيين من العشرة فإنما أسند فعل الإيتاء إلى الله لأنه في سياق التكليف ولذلك قال عيسى في حرف مريم ﴿إني عبد الله﴾ وقال ﴿وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي﴾ وكان من تفصيل الكتاب في حرف أول عمران قوله ﴿ولكن كونوا ربانيين﴾ ومن تفصيل الكتاب في حرف ثاني عمران قوله ﴿لتؤمننّ به ولتنصرنّه﴾.
وإن من هداية القرآن إلى الرشد وإلى التي هي أقوم قوله :
ـ ﴿وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به﴾ العنكبوت
ـ ﴿الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون﴾ به البقرة
ـ ﴿الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾ البقرة ـ الأنعام
ـ ﴿والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك﴾ الرعد
ـ ﴿والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق﴾ الأنعام
ـ ﴿ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلون وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتُكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا على ذلكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ﴾ آل عمران
ـ ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذًا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما﴾ النساء
وبينته في مادة الكتاب والصحف وآمن وأرسل.
ومن هداية القرآن للتي هي أقوم وإلى الرشد أن قد وعد الله في الكتاب المنزل:
1. أنه يؤتي الحكمة من يشاء
2. أنه يؤتي ملكه من يشاء
3. أن الفضل بيد الله وسيؤتيه من يشاء وأنه سيؤتي كل ذي فضل فضله
فهنيئا لمن سيؤتيه الله الحكمة فالملك فالفضل ـ وإنه لمن بني إسماعيل ومن آل محمد كما فصلته في مادة آل ـ كما هي دلالة قوله ﴿لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ الحديد.
وهنيئا للمؤمنين في آخر الأمة سيؤتيهم الله كفلين من رحمته.
ولا يزال خواص الأمة في قصور عن تبيّن دلالات كل من سبع من المثاني والقرآن العظيم والكتاب والحكمة حتى يقع نفاذ الوعد في الكتاب المنزل ﴿والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم يؤت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذّكر إلا أولوا الألباب﴾ البقرة ، وكذلك يتذكر أولوا الألباب يوم يأتي تأويل الآيات المحكمات أم الكتاب والآيات المتشابهات.
وفي يوم الحسرة إذ قضي الأمر ووقع القضاء قبل انقضاء الدنيا يوم يقول كن فيكون قوله الحق سيتبين العالمون كلهم إيقاع وعد الله في الكتاب المنزل ﴿قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ آل عمران، وبينته في مادة هدى وقضى وكان وفي الأسماء الحسنى وغيرها.
وسيطمع الكارهون قضاء الله أن يؤتى كل منهم صحفا منشّرة.
إن قوله ﴿ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾ المائدة، ليعني أن القرآن مسابقة كلف الله المكلفين بتدبره وأيهم يسبق إلى تبيّن الهدى والرشد منه وهيهات أن يحصي معانيه كلها مكلف كما أخبر العليم الخبير ﴿علم أن لن تحصوه﴾ المزمل.
وقبل نفاذ الوعد من الله ﴿ثم إن علينا بيانه﴾ القيامة سيقع الكرب وهو الطوفان يغرق الأرض كلها وينجّي الله الناسَ من ظلمات البر والبحر ومن كل كرب وضر وهم يركبون في الفلك يدعونه ليكشف الضر والكرب لا يشرك منهم أحد يومئذ فإذا أنجاهم إذا هم يشركرون ويكفرون بما آتاهم ربهم من البينات في الكتاب المنزل وكما في الأنعام والنحل والعنكبوت والروم.
وسيزيد الله الذين اهتدوا هدًى ويؤتيهم تقواهم
وبينت حسنة الدنيا وحسنة الآخرة المكلف بطلب إيتائهما من ربنا في مادة حسنة.
ووعد ربنا على ألسنة رسله وفي الكتاب المنزل أن سيؤتينا نصرا منه بعد استضعاف يتحملونه ولا طاقة لهم به ويتذكرون به أصحاب الأخدود كما في قوله ﴿ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك﴾ آل عمران، وقوله ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب﴾ البقرة.
والمكلفون يوم القيامة أربعة أصناف السابقون المقربون ولا حساب عليهم ثم أصحاب اليمين يؤتى كل منهم كتابه بيمينه ليحاسب حسابا يسيرا ثم صاحب الشمال يؤتى كتابه بشماله ويحاسب حسابا عسيرا وأشقى منه يؤتى كتابه وراء ظهره.

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

أثاثا: وهو ما يحتاجه الإنسان لاستقراره في الأرض من لباس وفراش وخيام ومحفظة زاده، وتضمنت سورة النحل من نعم الله التي لن يحصيها المكلفون قوله ﴿والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين﴾، وقد نبّأ الله آدم أن للإنسان في الأرض مستقرا ومتاعا إلى حين، ومن النعم بالأنعام المنزلة للإنسان أن يأكل منها ويشرب ألبانها ويتخذ من جلودها بيوتا خفيفة تصلح للإقامة وتخف في الترحال ويتخذ من أصوافها وأوبارها وأشعارها ما يحتاجه من لبوس وفراش ومحافظ، ونبّأ في حرف النحل أن الإنعام بالأنعام مستمرٌّ ما استقرَّ الإنسان في الأرض أي إلى انقضاء الحياة الدنيا.
وكان المكذبون من قوم نوح والأحزاب من بعدهم أحسن أثاثا ورئيا من المشركين الذين عاصروا تنزل القرآن فهلا اعتبروا.

أثر: تتجلى دلالتها اللغوية الحسية في تكليف هذه الأمة بالسير في الأرض للاعتبار من عاقبة الأمم المكذبة قبلهم وكانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فكذبوهم فعذّبهم الله في الدنيا عذابا محقهم أجمعين وكانوا قد تركوا في الأرض آثارا كما هو مفصل في حرف الروم وحرفي غافر.
وترك السجود في جباه الساجدين سِيمَا وأثرا معلوما، واستدل موسى وفتاه على حيث اتخذ الحوت سبيله في البحر سربا بتتبع آثارهما يقُصَانها قصصا، ولم يك ساحل مجمع البحرين صخريا بل رمليا يظهر فيه موضع القدمين ولعل الجو كان هادئا أو قريب عهد بالمطر مما يبقي أثر المشي كما هو يتأتى تتبعه.
وتراءى الملَكُ الرسولُ للسامري في صورة راجل أو راكب يمشي على الأرض فقبض قبضة من أثر مشيه.
ولكأنَ سادةَ قريش في بداية البعثة النبوية كانوا يسمعون القرآن فيولّون مدبرين كأنهم حمر مستنفرة فرّتْ من قسورةٍ، ولكأن النبي الأميّ لفرط حرصه على إسلامهم يجري بقوة خلفهم جريا يكاد يزهق النفس.
ولا يخفى أثر رحمة الله بإنزال المطر إذ تَحيى به الأرضُ بعد موتها فتنبتُ حدائقَ ذات بهجة ومرعى.
وأما دلالتها المعنوية ففي قوله:
ـ ﴿ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم﴾ الحديد
ــ ﴿وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم﴾ المائدة
ـ ﴿قال هم أولاء على أثري﴾ طـــــه
ـ ﴿إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم﴾ يـــــس
ـ ﴿إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون﴾ الصافات
ـ ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ الزخرف
ويعني حرف الحديد والمائدة أن الرسل عبر التاريخ كانوا يقتفون آثار الرسل قبلهم وكذا عيسى ابن مريم اقتفى أثر الرسل قبله أي هم أبناء علّات دينهم واحد كما في قوله ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـه إلا أنا فاعبدون﴾ الأنبياء.
ويعني حرف طــه أن موسى حسب قومه مستمسكين بعبادة ربهم في غيابه كأنما يتّبعون أثره.
وإن من عجيب أمر موسى الوجيه عند ربه الذي كلّمه ربه بقوله ﴿يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين﴾ القصص، لم يزل خائفا وجلا وهو يناجي ربه من قبل في المرة الأولى حين تجاوز جوابه ﴿هي عصاي﴾ إلى ما بعده بقوله ﴿أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى﴾، وهنا في المرة الثانية وهو يناجي ربه بعد هلاك فرعون قال له ربه ﴿وما أعجلك عن قومك يا موسى﴾ فأجاب بقوله ﴿هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى﴾ وكان الجزء الأول في المناجاة الثانية كالجزء الثاني من المناجاة الأولى تتجلى فيهما خشية وإشفاق وخوف المصطفى موسى من ربه الكبير المتعال.
ويعني حرف الصافات أن الله يجزي بشجرة الزقوم والماء الحميم وبالجحيم المقلدين آباءهم في ضلالهم بما يعطّلون أدوات العلم فلا يعقلون بها.
ويعني حرفا الزخرف أن التقليد وحده هو الذي منع المقلدين من اتباع الرسل بما يعتقدونه بغير علم من العصمة المطلقة في الآباء وأنهم على هدى.
ويعني حرف يـــس أن المكلف يوم الجزاء سيجزى خيرا بآثار عمله الحسن كالذي علّم القرآن وأنفق في أوجه الخير والبر نفقة لا تنقطع بموته، وسيجزى سوءا بآثار عمله السيء كالذي شغل الناس عن القرآن بمؤلفاته العريضة وكالذي أنشأ مراكز للرقص واللهو والفجور ولم تنقطع بموته.
وخسِرَ في سَقَرَ من فكّر وقدّر فوصف القرآن بقوله ﴿إن هذا إلا سحر يؤثرُ إن هذا إلا قول البشر﴾ المدثر، معلنا أن القرآن مما أُثِرَ من سِحر الأولين وتناقله السحرة خلفا عن سلف.
ويعني قوله ﴿ايتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين﴾ الأحقاف، أن الكتاب المنزل من عند الله وهو التوراة والإنجيل كل منهما بينة وحجة لمن استمسك به في سلوك أو قول أو تصور فإن عجز المشركون عن الإتيان بكتاب منزل من عند الله قبل القرآن يصدقهم فليأتوا بأثارة من علم أي قليل مما أثر عن النبيين والرسل قبل.

آثر: الرباعي معدّاة بحرف الجر ظاهرا أو مقدرا
تعني أن المكلف قد قارن بين شيئين فاختار منهما ما اعتبره كبقية مفقود عزيز، وهكذا أعلن السحرة أنهم لن يؤثروا فرعون على ما جاءهم به موسى من البيّنات والهدى، وامتدح الله إيثار الأنصار على أنفسهم المهاجرين إليهم رغم الخصاصة وضيق ذات اليد يومئذ، كالذين يطعمون الطعام على حبه يؤثرون به لوجه الله مسكينا ويتيما وأسيرا، وعلم إخوة يوسف أن الله قد آثر عليهم يوسف رغم حرصهم من قبل أن يفضلوه، فهنيئا لهم إذعانهم إلى الحق وأن الله يخلق ما يشاء ويختار.
ولا عوج في دلالة قوله ﴿فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى﴾ النازعات، ولا يخفى طغيانه في الميزان باختياره الحياة الدنيا القصيرة الفانية بعد مقارنتها بالدار الآخرة.
وتضمنت الصحف الأولى صحف إبراهيم الذي وفّى وصحف موسى الذي أحسن أن الآخرة خير وأبقى من الحياة الدنيا التي يؤثرها الأشقى الذي يتجنب الذكرى.

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

أثل: مفردة وردت في سورة سبإ وعطفت على ﴿خمطٍ﴾ في قوله ﴿وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل﴾ ولا أدري ما الأثل ولعل أهل اليمن والجزيرة أعلم به ووقوعه على ذوات الشوك ليس بغريب لدلالة الخمط على الثمار المرة في سياق العقوبة على دعائهم بالشر على أنفسهم.

الإثم: باطنه كتمان الحقيقة في القلب وظاهره طمس معالمها ودلائلها باللسان أو أكثر منه،ويبطئ الإثم بالآثم عن الجزاء بالحسنى على ما قدّم من خير.
ووقعت المغايرة في الكتاب المنزل بين الفواحش والإثم والبغي وتعلقت الفواحش بالفروج وتعلق البغي بالاعتداء والفساد على المستضعفين وظهرت للإثم حرمة أكبر من الفواحش.
ومن باطن الإثم طمس الحقيقة وكتمانها كما في قوله ﴿ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه﴾ البقرة وقوله ﴿ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين﴾ المائدة.
وظهر من الإثم قلب الوصية وتحريفها باللسان كما في قوله ﴿فإنما إثمه على الذين يبدلونه﴾ البقرة، وقوله ﴿فإن عثر على أنهما استحقا إثما﴾ المائدة.
وظهر منه طمس براءة البريء الغافل برميه بالفاحشة إفكا وزورا كما في قوله ﴿ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ﴾ النساء، وقوله ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ﴾ الأحزاب، وقوله ﴿لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ النور.
وكلّف الله باجتناب الظن الإثم.
وظهر منه استعمال الخمر لإثم صاحبه بطمس عقله، كذا غصب مهر الزوجة المدخول بها لطمس حقها فيه، وكذا أكل أموال الناس بالميسر أو رشوة الحكام لطمس أو غصب حقوق الغير.
ومنه ما يستفيده الأحبار والرهبان ومن شاكلهم من أموال العامة والحكام مقابل تحريف الكلم عن مواضعه في الكتاب المنزل أي الكذب في الدين ببيع الفتاوى حسب مصلحة المستفتي كما في قوله ﴿تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان﴾ البقرة، في وصف بني إسرائيل من قبل ومن المثاني معه في خطاب هذه الأمة ﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ المائدة، ومنه﴿وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان﴾ وقوله ﴿عن قولهم الإثم وأكلهم السحت﴾.
وظهر علم ابنِ آدم القتيلِ الأولِ وهو يخاطب أخاه بقوله ﴿لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدِيَ إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين﴾ ويعني أن أخاه قد أخفى في قلبه البرهان ويسعى لطمس معالمه بقتل منافسه ليستأثر، وتلكم صفات أصحاب النار الذين ستبشرهم بها الملائكة في ليلة القدر وبينته في مادة صحب.
وطمس المتكبر عبوديته وفطرته فطغى وبغى كالذي تأخذه العزة بالإثم فيتمادى يفسد في الأرض يسفك الدماء ويهلك الحرث والنسل قبل وبعد خطابه بتقوى الله، وكذلك كل أفّاك أثيم يُصِرُّ مستكبرا إذا سمع آيات الله تتلى عليه طامسا يقينه بصدق رسل الله، وكذلك كل معتد أثيم يُكَذِّبُ بآيات الله المتلوة طامسا ما فيها من البينات وما في قرارة نفسه من اليقين بها، وأملى الله بالأموال والأولاد والتمكين استدراجا للذين كفروا ليزدادوا إثما.
ومن أشرك بالله فقد افترى إثما عظيما بما طمس وستر وجحد حق الله عليه.
وإن من الإثم المبين افتراء الكذب على الله أنه زكّى خواص اليهود والنصارى ومنافقي هذه الأمة الذين يطمسون بما يتظاهرون به من الصلاح والزكاة سوء فعالهم وأقوالهم ونواياهم.
ويطمس الكهنة والدجالون الحق بما يتلقَّوْنَه من أوليائهم شياطين الإنس والجن من المخارق والكذب كما في قوله ﴿تنزل على كل أفّاك أثيم﴾ الشعراء.
ومن الإثم كبائر ودونها كما لا يخفى الفرق بين من كتم شهادة في الأموال وبين من أشرك بالله وافترى عليه.
ونهى الله عن التناجي بالإثم في قوله ﴿ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول﴾ المجادلة، وقوله ﴿فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول﴾ المجادلة، وظهر اختلاف مدلول الإثم عن العدوان ومعصية الرسول وأن الإثم هو ما يتناجى به ويتواصى المنافقون من موافقة المسلمين ظاهرا وممالأة اليهود باطنا.
وغفر الله الغفور الرحيم إثمين أحدهما أكل المضطر غير باغ ولا عاد من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله، وثانيهما المصلِحُ وصية الجانف أو الآثم، ولعل سائرَ الآثام موبقةٌ صاحبها كما في قوله ﴿ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه﴾ النساء، وقوله ﴿إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون﴾ الأنعام.
ونفْيُ الإثم أبلغ في التزكية ﴿فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى﴾ البقرة.
ووقعت المؤاخاة في الكتاب المنزل بين الآثم والكفور بِنَهْيِ اللهِ نبيّه الأمّيَ عن طاعة كل منهما في قوله ﴿ولا تطع منهم آثما أو كفورا﴾.
ووعد الله المشرك والقاتل نفسا حراما والزاني إن لم يتب ويؤمن ويعمل عملا صالحا أن يلقى أثاما ـ وهو والله أعلم ـ عذاب في قلبه يبعده عن الطمأنينة، ومن المثاني معه قوله ﴿ وقتلت نفسا فنجّيناك من الغمّ﴾ ، ذلكم الأثام كالتأثيم ولن يسمع من يدخلون الجنة فيها تأثيما يحزنهم في بواطن أنفسهم ولا لغوا يظهر أثره عليهم وكذلك شرابُهم لا تخدير فيه ولا سُكْرَ يؤثر فيهم ظاهرا باللغو دون قصد ولا يحسّون في باطن أنفسهم بتأثيم.
ووعد الله في الكتاب المنزل بعذاب صاحب الربا كما هي دلالة الإخبار بنفي حب الله في قوله ﴿والله لا يحب كل كفار أثيم﴾ الروم، وبينته في مادة حبب.
ووقع في الكتاب المنزل الوصف بالأثيم كلًّا من الأفَّاك والكَفَّار والخَوَّان والمنَّاع للخير بصيغ المبالغة.
ومن المستكبرين في الأرض بغير الحق من تراءت لهم أنفسهم أعزّ وأكرم من اتباع الحق فجحدوه في أنفسهم وطمسوه بألسنتهم وصدّوا عنه وسيجازون في النار كما في قوله ﴿إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم﴾ الدخان.

أجاج: وردت صفة للبحر الملح في سورة الفرقان وفاطر، ولعله الرائحة والطعم الغليظ كالمرارة في مقابل العذوبة في البحر العذب الفرات، وحري بالكلفين كما في سورة الواقعة شكر نعمة الماء العذب المبارك المنزل من المزن وإن يشإ الله يجعله أجاجا.

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

أَجْرٌ: هو الجزاء على العمل وهو أعم من المال إذ قد يقع الأجر على منافع ودفع ضر، وجاء على لسان بنت صالح مدين شرطان لاختيار الأجير هما القوة والأمانة، وتضمن تفصيل الكتاب المنزل أن الله لا يضيع أجر العاملين وهم أعم ممن أحسنَ عملا والله أكبر فليتعظ المؤمنون بالغيب ولا يضيّعوا أجر العاملين، ولا يشترط للأجر اتفاق طرفين كما هي دلالة قوله ﴿إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا﴾ القصص، ومن المثاني معه قوله ﴿فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا﴾ الكهف، ويعني أن لمن بدأ بالمعروف أجرا ثابتا شرعا إن شاء سأله وإن شاء تخلّى عنه، وليعذرني الفقهاء الفروعيون على تطفلي.
والأجر من الله في تفصيل الكتاب المنزل يعني الجزاء بالمغفرة والجنة في الآخرة خاصة وهكذا كان من تفصيل الكتاب قوله ﴿ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله﴾ النساء، وكذا من التشريع الفردي لا الجماعي أن من عفا عن السيئة وأصلح ما أفسدته يقع أجره على الله، وجعل الله نعيم الجنة أجرا حراما أي حجرا ﴿ على المشركين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرّتهم الحياة الدنيا﴾ الأعراف، وإن الله لا يضيع أجر المصلحين والمحسنين ومن أحسنَ عملا.
ووقع تكليف النبي الأميّ صلى الله عليه وسلم بقوله ﴿قل ما أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الله﴾ سبأ، لأن تمكينه في الأرض كان بعد الجهد والقتال كما في قوله ﴿ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوَ بعضَكم ببعضٍ﴾ القتال.
والأجر من ربنا في تفصيل الكتاب المنزل يعني حسنة في الدنيا لا يتمكن من أوتيها من مثلها لنفسه، ومنه الأجر من رب العالمين الذي أوتيه كل من نوح وهود وصالح ولوط وشعيب كما في الشعراء هو النصر الخارق بتدمير المجرمين وأن قرّت أعين الذين آمنوا معهم بأن كانت لهم عاقبة الدار، ووعد ربنا الذين يمسكون بالكتاب ويقيمون الصلاة بالتمكين لأنه لا يضيع أجر المحسنين، وقد آتى ربنا عبده إبراهيم أجره في الدنيا كما في العنكبوت ومن المثاني معه في حرف النحل ﴿وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾، وبينته في مادة الحسنة.
ووقع ليوسف تمكين خارق لا يقدر على مثله لنفسه كما في قوله ﴿كذلك مكّنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا يتقون﴾، وإنما هو أجر في الدنيا بقرينة مقارنته بأجر الآخرة، وهو من الذكر الأولين ومن المثاني معه قوله في سياق الوعد في الآخرين﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه له كن فيكون والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوّئنّهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون﴾ النحل، ويعني أن ظلما عريضا سيبتلى به المؤمنون في الدنيا قبل أن يقع القضاء من ربنا وهو قوله ﴿كن﴾ ووعد ربنا من هاجروا يومئذ في الله ليبوّئنّهم في الدنيا حسنة أي يمكن لهم في الأرض تمكينا خارقا وكالموصوف في سورة النور أن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم من قوم نوح والأحزاب من بعدهم وأن يبدّل خوفهم أمنا.
ووعد الله بالأجر العظيم أي هو أعظم مما تصوره المأجور وبينته في مادة عظم.
ووعد بالأجر الكريم أي لا يصاحبه أذى ولا مكروه وهكذا منّ الله بالمغفرة للمتقين وهم في الجنة ذات أنهار ماء غير الآسن ولبن لم يتغير طعمه وخمر لذة للشاربين وعسل مصفًى أي لا تعرض عليهم وهم في الجنة ما سبق من أعمالهم السيئة حتى لا تتأذى بها أنفسهم، وبينته في مادة كرم.
ووعد الله بالأجر الكبير للدلالة على أنه أكبر من الفتن والبلاء في الدنيا، وأكبر من الفقر والمجاعة، وأكبر من زينة الحياة والدنيا وغرور الشيطان، وأكبر من المستهزئين الساخرين من الرسل ورجال معهم يعدونهم من الأشرار فليخش المؤمنون بالغيب موافقة أولئك الساخرين.
ووعد الله النبي الأمي بأجر غير ممنون وهو الذي اصطفاه واجتباه ونبّاه وأرسله فمن يمنّ عليه في اليوم الآخر بالأجر من الله، ووعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأجر غير ممنون في اليوم الآخر إذ لا مَنَّ لأحدٍ كائنا من كان على من زحزح عن النار وأدخل الجنة.
ويعني تفصيل الكتاب المنزل أن سيوفِّي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أجورهم ويزيدهم من فضله وكذا الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا سرا وعلانية، صحة الحديث النبوي في الصحيحين: "لن يدخل أحدكم عمله الجنة".

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

أجل: الأجل محركة بالفتح على الهمز والجيم هو نهاية المدة المعلومة وعلى المتربصة بنفسها أربعة أشهر وعشرا
إن لم تكن من أولات الأحمال أن تكتب يوم ابتدأت العدة ليبلغ الكتاب أجله المعلوم وهو انقضاء العدة، ولكأن العدة دَيْن عليها ووجبت كتابة الدَّيْن كما في قوله ﴿ ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ﴾ البقرة.
إن قوله:
ـ ﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين﴾ الحجر
ـ ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ الأعراف
ليعني أن جميع الخلق من ذرية آدم قد وقع خلقهم وتصويرهم قبل تكليف الملائكة بالسجود لآدم أي علم الله المستقدمين من بني آدم وعلم المستأخرين ويعني أنه بعد خلق آدم من طين وخلق جميع ذريته وتصويرهم قضى الله لكل منا أجلا قبل أن يستقر في الرحم ويولد ثم لكل منا أجل مسمى معلوم يموت فيه أو يقتل وهو الكتاب المؤجل لانقضاء حياته الدنيا ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها.
وقد أنزل الله لبني آدم ثمانية أزواج من الأنعام وجعل لهم فيها منافع في ألبانها ولحومها وظهورها وجلودها وأشعارها وأوبارها إلى أجل مسمى وهو المتاع إلى حين.
إن قضاء الأجل هو إتمامه وبلوغه كما هي دلالة قوله ﴿فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله﴾ القصص، وقوله ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم﴾ الأنعام، وقوله ﴿ ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى﴾ غافر.
وخفّ على المفسّرين وغيرهم وصف كل أجل بأنه مسمًّى أي معلوم معدود كما في قوله ﴿وما نؤخره إلا لأجل معدود﴾ هود، في وصف أحد الآجال المسمّاة وهو البعث لليوم الآخر.
ولا يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء وهو بكل شيء عليم ومنه كل غائبة في السماء والأرض.
وإنما هي آجال وقعت تسميتها للرسل من الملائكة وبعض الرسل من الناس كما في قوله ﴿وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا﴾ آل عمران، يعني أن ملك الموت والرسل معه يتوفون الأنفس حين موتها كتابا مؤجلا لكل نفس.
ووقعت تسمية أجل كل أمة أهلكت من قبل بعذاب مستأصل جزاء تكذيبها رسل ربها كما في قوله ﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون﴾ الحجر، وقوله ﴿ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون﴾ الفلاح، وكما في قوله ﴿إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ هود، يعني أن أجل إهلاك قوم لوط قد وقعت تسميته للرسل من الملائكة ونبّأوا به رسول رب العالمين لوطا، وكما هي دلالة قوله ﴿فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴾ هود، يعني أن أجل إهلاك ثمود قد وقعت تسميته لرسول الله صالح، وكما في نجاة كل من نوح وهود وشعيب وموسى وهارون بالوحي إليهم بأجل إهلاك المكذبين المجرمين وتكليفهم بالخروج بمن معهم من الذين آمنوا، ذلك الأجل هو أجل الله جزاء منه عاقب به في الدنيا كل أمة كذبت رسل رب العالمين بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء ووقعت تسميته للرسل بالآيات فأضحى أجلا مسمى وهو الموصوف على لسان نوح بقوله ﴿إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون﴾ نوح، أي فليؤمنوا قبله ليغفر لهم من ذنوبهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى بعد إهلاك المكذبين.
ومن المثاني معه في خطاب هذه الأمة قوله:
ـ ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ النحل
ـ ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا﴾ خاتمة فاطر
ومن المثاني كذلك في خطاب هذه الأمة قوله ﴿ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ الأعراف، وقوله ﴿لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ يونس، ولا إشكال في تعدد الأمم لأنهم ثلاثة أمم أمة التوراة وهم اليهود وأمة الإنجيل وهم النصارى وأمة القرآن وهم المسلمون ولم يقع بعد القضاء بين الفريقين في كل أمة منها.
وإن من تفصيل الكتاب المنزل في سور الرعد ولقمان وفاطر والزمر أن جريان الشمس والقمر إنما لأجل مسمّى كالشمس تجري لمستقر لها ويومئذ تتوقف ويأتي بها الله من مغربها كما أتى بها من قبل من مشرقها وتلكم من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء التي سألها المكذبون الذين عاصروا تنزل القرآن وكان جوابهم في القرآن كما في قوله ﴿فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين ﴾ يونس، وقوله ﴿وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب﴾ الرعد، وبينته في مادة الآية وغيرها.
ولقد أنذرَ وخَوَّفَ كل نبيّ من قبل قومه فتنة الدجال كما في صحيح الحديث النبوي وصريح الكتاب المنزل وبينته في مادة السامري، وكذلك رغّب كل نبي وكل رسول من قبل قومه بالإيمان إيمانا يتأهّلون به لأن يؤخرهم الله إلى أجل مسمى ولأن الكتاب المنزل مثاني أي تضمن آجالا مسماة متعددة فقد خفيت دلالته عبر التاريخ.
خفيت على المتأخرين في هذه الأمة رغم ترغيب جميع الرسل بالآيات من قبل قومهم كما في قوله ﴿قالت رسلهم أفي الله شكٌّ فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفرَ لكم من ذنوبكم ويؤخرَكم إلى أجل مسمى﴾ إبراهيم، ومنه تفصيلا ترغيب نوح في سورته قومه، وإنه لمن الذكر من الأولين في القرآن ومن المثاني معه وعْدًا في الآخرين قوله ﴿وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يُمَتّعْكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضه﴾ هود، وإنه لمن الغيب في القرآن الذي كلفنا الإيمان به ومن هداية القرآن للتي هي أقوم وإلى الرشد.
ذلك الأجل المسمى ستقع تسميته قبيل نهاية الصراع بين الفريقين وليقع نفاذ نبوة جميع النبيين من قبل ﴿إن العاقبة للمتقين﴾ في ظل خلافة على منهاج النبوة.
وهكذا كان من تفصيل الكتاب المنزل قوله ﴿ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجلٌ مسمى﴾ طــه، وإن من تأصيل الكتاب المنزل تقديم الموعود المتأخر في سياق خطاب المؤمنين بالغيب ومنه هذا الموضع تقدم ذكر كلمة سبقت من ربنا على أجل مسمى، وعلى الذين لا يعلمون دلالة كلمة سبقت من ربنا أن يتدبروا قوله:
ـ ﴿وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون﴾ يونس
ـ ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب﴾ فصلت ، هود
ـ ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾ الشورى
ـ ﴿ولقد بوأنا بني إسراءيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ يونس
ـ ﴿ولقد آتينا بني إسراءيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ الجاثية
ومن تأمل حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس علم أن كلمة قد سبقت من ربنا أن يؤخر القضاء بين المختلفين بعد إيتاء موسى التوراة إلى أجل مسمى، ولم تتضمن هـذه الأحرف تفصيل الكلمة التي سبقت من ربنا.
ومن تأمل حرف الجاثية وثاني يونس علم أن الكلمة التي سبقت من ربنا بعد اختلاف بني إسراءيل في التوراة هي وعده في الكتاب أن يؤخر القضاء بين المختلفين في الكتاب المنزل إلى يوم القيامة، وعلم أن قوله ﴿إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ في الجاثية وثاني يونس هو الكلمة التي سبقت من ربنا كما في فصلت والشورى وهود وأول يونس أي وعده الذي سبق منه ولا يخلف الله وعده.
وكان من تفصيل الكتاب أن تفصيل الوعد الذي تضمنه حرف الجاثية وثاني يونس لم يصاحبه ذكر الكلمة التي سبقت، وحيث أجمل الوعد وقعت الإشارة إلية بالكلمة التي سبقت كما في حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس.
أما قبل الأجل المسمى فليستمتع الجن بأوليائهم من الإنس وليستمتع الإنس بأوليائهم من الجن والإنس وليبلغوا الأجل الذي أجّل الله لهم وكذلك قوله ﴿ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفّوهم نصيبهم غير منقوص﴾ هود، وهو من الوعد في الآخرين ومن المثاني معه قوله ﴿ فلما كشفنا عنهم العذاب إلى أجل هم بالغوه﴾ الأعراف، وهو من الذكر من الأولين.
وأما الأجل القريب الذي يحرص المنافقون على التأخير إليه فهو الزيادة في العمر وكذلك سيتضرع الذين ظلموا إلى ربهم يوم يأتيهم العذاب وهو من الوعد في القرآن.
وإن مما نبّأ الله به في الكتاب المنزل النبي الأمي قوله:
ـ ﴿أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون﴾ الأعراف
ـ ﴿وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾ يوسف
ـ ﴿أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه﴾ الإسراء
ويعني أن البشرية ستتمكن من الطيران وبلوغ الفضاء الواسع البعيد حتى ينظروا في ملكوت السماوات كنظرهم في ملكوت الأرض وسيمرون في الفضاء بآيات متعددة في السماوات وليروْا أن الهن قادر على أن يخلق مثلهم وإنه لآية اقتراب أجل السماوات والأرض، وهو من الوعد في الآخرين ومن المثاني معه قوله على لسان إبراهيم ﴿وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء﴾ العنكبوت، وهو من نبوة إبراهيم وقد تحققت ولو لم تكن نبوة نبّأه الله بها لكان من العبث والقول بغير علم تأكيد التمكن منهم وهم في السماء.
وإنما خلق الله السماوات والأرض بالحق الذي نقيض العبث واللعب وجعل لهم أجلا لا ريب فيه هو أجل مسمى لإعدامهما وإعادة خلقهما مرة أخرى في أجل معدود هو يوم الفصل الذي أجلت مساءلة الرسل إليه والفصل والقضاء بينهم وبين قومهم كما في قوله ﴿فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين فلنقصّن عليهم بعلم وما كنا غائبين﴾ الأعراف، وقوله ﴿يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب﴾ المائدة.

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

من أجل ـ أحد ـ إحدى
من أجْل: وردت مفردة مركبة مع حرف الجر مِن في قوله ﴿من أجْلِ ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾ المائدة، أي بسبب قتل ابن آدم الأول الذي قتله شقيقه الخاسر، وتأخر التشريع الجماعي منذ تلك الحادثة حتى نزلت التوراة بعد إغراق فرعون وقيام أول مجتمع مسلم لا سلطان لغيرهم عليهم، ولم يتجاوز الناجون من سلطان الكفار والمشركين مع نوح وهود وصالح ولوط وإبراهيم وشعيب عدد أصابع اليد الواحدة أو زد عليها قليلا.

أحد: أي واحد وفرد، ودل قوله ﴿إني رأيت أحد عشر كوكبا﴾ يوسف، على عشرة كواكب وكوكب واحد زائد، ووصفت به الأنثى في قوله ﴿يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتنّ﴾ الأحزاب.

ونزل في وصف وحدانية الله قوله ﴿قل هو الله أحد﴾ وإذ أعترف بالقصور فإنه لا تشمله الضوابط التي أصلتها من القرآن والهدي النبوي لإحصاء الأسماء الحسنى وبينتها في مادة اسم في جذر سمو.
وأما قوله ﴿أيحسب أن لن يقدر عليه أحد﴾ البلد، وقوله ﴿أيحسب أن لم يره أحد﴾ البلد، فقد يشمل قدرة ملك الموت والرسل معه، ويشمل الملائكة الحفظة الكرام الكاتبين.
وقصر علم قوم بالقرآن والهدي النبوي فمخرقوا على العامة يوهمونهم بالقرب من الله وبولايته متجاهلين أن النبي الأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقرب إلى الله وخوطب بقوله ﴿ولو تقوّلّ علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين﴾ الحاقة، وقوله ﴿قل إني لن يجيرني من الله أحد﴾ الجن.
ولا يتأتى الجمع بين قوله ﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يفقهون﴾ براءة، وبين سلوك الذين يتراءون في عصرنا الحاضر كالمجاهدين ويخطفون المشركين أو النصارى ثم يفادوهم أو يقتلوهم.
ومن القول في القرآن وسيتم نفاذه بعد حياة النبي الأمي قوله ﴿قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم﴾ آل عمران، أي سيؤتي الله رجلا واحدا من بني إسماعيل مثل ما أوتي بنو إسرائيل من الكتاب والحكمة وملكا عظيما كالذي أوتيه داوود وسليمان وبينته في مادة هدى وقضى وكان.
وبينت دلالة النهي عن التفرقة بين أحد الرسل والنبيين في مادة فرّق.
وأما قوله ﴿وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا﴾ الجن، فهو من القرآن العجب الذي يهدي إلى الرشد وآمن به النفر من الجن ومن المثاني معه ذكرا من الأولين قوله ﴿ولقد جاءكم يوسف من قبلُ بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب﴾ غافر، قاله رجل مؤمن من آل فرعون كان يكتم إيمانه وأعلنه في خطابه البليغ أمام فرعون وقومه.
إحدى: مؤنث أحد ووردت في وصف المفرد المؤنث كما في قوله ﴿قالت إحداهما﴾ القصص، ووردت في ﴿إحدى الطائفتين﴾ الأنفال، وفي ﴿فإن بغت إحداهما﴾ الحجرات، وهي إحدى الطائفتان المقتتلتان من المؤمنين، ولكأن الطائفة من الناس كالجزء الواحد.
وأما قوله ﴿إنها لإحدى الكُبَرِ﴾ المدثر، فيعني أن البشرية بعد نزول القرآن موعودة في الكتاب المنزل ذي القول الثقيل بحوادث كبيرة تشيب لها رؤوس أولي الألباب، ومن تلك الكبر عِدّة الملائكة خزنة جهنم تسعة عشر ملكا أولوا أجنحة مثنى وثلاث ورباع سيشهدون قبل انقضاء الدنيا أن القرآن ليس سحرا يؤثر وليس من قول البشر كما تصوره الذي فكّر وقدّر ونظر وعبس وبسر وأدبر واستكبر.
سيشهد خزنة جهنم في الدنيا على مرأى ومسمع من أهل الأرض كلهم يومئذ كما هي دلالة المثاني:
ـ ﴿لـكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا﴾ النساء
ـ ﴿شهد الله أنه لا إلـه إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إلـه إلا هو العزيز الحكيم﴾ آل عمران
وحسب الناس عبر التاريخ أن وعد الهس في القرآن العجب كالتسلية والمخدّر أو اللهو واللعب، وإنما هي الشهادة بين الخصمين بالقرينة مع الشاهد بتصديق يرجح صدق أحدهما، أما أحد الخصمين فهو محمد الرسول النبي الأمي وأما الثاني فالمنكرون أنه مرسل من الله بالقرآن المنزل عليه.
وعد الهل في حرف النساء أنه سيشهد بأنه أرسل محمدا بالقرآن وكذلك دلالة حرف آل عمران وبينته في مادة شهد.
ووعد الهن بأن الملائكة سيشهدون كذلك بأن القرآن منزل من الله على النبي الأميّ ﴿ليستيقنَ الذين أوتوا الكتاب ويزدادَ الذين آمنوا إيمانا ولا يرتابَ الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقولَ الذين في قلوبهم مرض والكافرون ما ذا أراد الله بهذا مثلا﴾ المدثر.
ويلزم المعترضَ إثباتُ وَهْمِ ونفْيِ شهادة أولي العلم أيضا وهم الرسل والنبيون خاصة كما بينت في مادة العلم.
وبينت تفصيل شهادة الملائكة في مادة شهد وفي مادة خزنة ومَالِكُ وفي الصحف والتلاوة.

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

يقول أخي الحبيب الحسن محمد ماديك:

أخذ: الثلاثي تفيد معاني القبض والاستيفاء والاستغراق وهكذا جاءت:
ـ بمعنى قبض بيده كما أخذ موسى الحيّة وهي تسعى قبل أن تعود عصا في سيرتها الأولى وأخذ برأس أخيه ولحيته وأخذ الألواح، وفي صلاة الخوف كُلّفت الطائفة المصلية أن تأخذ أسلحتها وأخذ إبراهيم أربعة من الطير وأخذ يونس ضغثا من العيدان الرقيقة ليبرّ بيمينه.
ـ وبمعنى استولى على المال واستوفاه كما أخذ المسلمون بعد غزوة بدر فداء من أسرى قريش وكما لا يحل للأزواج أخذ ما آتوا النساء من المهر ولو قنطارا ووعد الله في الكتاب المنزل المؤمنين أن يأخذوا مغانم كثيرة وعدا لا يزال منتظرا لم ينقض بعد كما بينت في مادة مغنم وفي الاسمين العزيز الحكيم.
ـ وبمعنى استولى أو قبض رغم أنف الطرف الآخر كما لم يأخذ يوسف إلا من وجد الصواع في وعائه وكان الملك يأخذ كل سفينة لا عيب فيها غصبا وكلّف الله النبي الأمي أن يأخذ من ذوي الأموال صدقة والله يقبل التوبة ويأخذ الصدقات وإن الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه لفقيه موفق حين قاتل مانعي الزكاة كما تأصّل ووعد الله من في قلبه خير من أسرى بدر أن يؤتيهم خيرا مما أخذ منهم من الفداء.
ـ وبمعنى التمسك والامتثال كأنك قبضت عليه فلم تضيعه وهكذا كلف الله موسى وبني إسرائيل أن يأخذوا التوراة وما آتاهم بقوة وكلّف الله يحيى أن يأخذ الكتاب بقوة وكلّف النبي الأمي أن يأخذ بالعرف، وكلّف الذين آمنوا في مرحلة الدفاع أن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم، وكلّف المؤمنين أن يأخذوا ما آتاهم الرسول من المأمورات وأن ينتهوا عما نهاهم من المنهيات، وكلّف بني آدم بأخذ زينتهم عند كل مسجد.
وكان من نفاق الذين هادوا وأسيادهم أصحاب الفلسفة المجوسية المانوية الناطقة بالتقية التمسك بما وافق أهواءهم من دين الإسلام كما في قوله ﴿وَمِنَ الذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ المائدة، ومن المثاني معه من سلوك اليهود قوله ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ الأعراف، وهو الكذب في الدين والقول على الله بغير علم ابتغاء عرض من الدنيا من الأدنى معرضين عن أجر ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ آل عمران.
ويستولي النوم والسِّنة والنعاس على أحدنا فيغيب فلا يملك لنفسه فضلا عمن سواه حفظا ولا كَلَأً وإن الله لحيّ قيوم ليس كمثله شيء ولا تأخذه سِنَةٌ ولا نومٌ.
وإن حاكما بعد نزول القرآن سيفسد في الأرض ويسفك الدماء ثم يقع خطابه بتقوى الله فلا يتوب بل تأخذه العزة بالإثم أي يمتلئ بها تستغرقه ولا تبقي منه خيرا ولا فطرة.
وفي آخر الحياة الدنيا ستأخذ الأرض زخرفها تستغرقه فلا تبقي منه شيئا وتتزين.
وعلى جماعة المسلمين الذين لا سلطان لغيرهم عليهم أن لا تأخذهم رأفة ورقة أي تحجزهم وتمنعهم من إقامة الحدّ.
وأخذ المنافقون أمرهم أي احتاطوا لأنفسهم ليسلموا من القتل بتخلفهم عن الجهاد مع النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ومثله قوله ﴿الذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ آل عمران.
ولقد أخذ الطوفان والصاعقة والرجفة وعذاب يوم الظلة المكذبين رسلهم بالآيات، وكذلك أخذهم العذاب في الدنيا فاستغرقهم فلم يفلت منهم أحد بل ماتوا جميعا.
وأخذت الصاعقة طائفة من بني إسرائيل ما قدروا حق قدره فسألوا أن يرَوُا الله جهرة ثم بعثهم ربهم بعد موتهم.
وقد أخذ الله بالذنب المكذبين من قبل فعجّل لهم من العقاب في الدنيا ما يستأصلهم به كما في قوله ﴿فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِن وَاقٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ غافر، وقوله ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الأنفال، ويعني أن كفرهم بآيات الله أي نعمه الظاهرة هو ذنبهم الذي أخذهم الله أي عاقبهم به، وإنما نزلت آيات الله المتلوة مع رسل الله أول ما نزلت في التوراة بعد هلاك فرعون، أما قوله ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ الأنفال، فيعني أن التكذيب بآيات ربنا الخارقة للتخويف والقضاء مع الرسل بها هو الذنب الذي أهلكهم به ربهم في الدنيا.
وأخذ ربنا بالذنب المكذبين من قبل في سياق انتقامه من المكذبين بتدميرهم تدميرا لا يقدرون على دفعه، كأخذه أخذة رابية الذين كذّبوا رسول ربهم وهم فرعون ومن قبله من الأحزاب كمدين وثمود وقومِ لوط وقوم هود وقوم نوح أي بعذاب زائد على مقدار ما يفنيهم أجمعين، وكذلك دلالة قوله ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ هود.
وبينت في مادة حرف التاء أن إسناد الأخذ أو غيره إلى ضمير المتكلم المفرد كإسناده إلى الله، وأن إسناده إلى النون والألف كإسناده إلى ربنا فذلكم الفرق بين دلالة قوله ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ الحج، وقوله ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ العنكبوت.
ولقد أخذ ربنا المكذبين من قبل بالعذاب الأدنى دون العذاب الأكبر كما في قوله ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ الأنعام.
ولعل العقلاء في هذه الأمة يضرعون إلى الله صادقين في صلاتهم وغيرها ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ليهديهم صراطا مستقيما وهو أقصى درجات الهداية أو يهديهم إلى صراط مستقيم كعامة المسلمين وإلا فإن الله قد عاقبهم فجعلهم من الذين لا ينتفعون بقلوبهم ولا بسمعهم وأبصارهم كما في قوله ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَـــــــهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ الأنعام.
ومن العذاب الأدنى وعدا في الآخرين قوله ﴿أَفَأَمِنَ الذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ النحل، ومثله قوله ﴿وَإِنَّ لِلذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ الطور.
ومن العذاب الأكبر وعدا في الآخرين قوله:
ـ ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ سبأ، وبينته في مادة فزع وفوت وقريب
ـ ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ الفلاح، وبينته في مادة ترف وعذاب وجأر
ـ ﴿فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ النازعات، وبينته في مادة الآخرة
وأما أخذ الميثاق ممن آتاه بالإقرار على نفسه بالوفاء بالعهد وبتحمل تبعات نقضه فقد فصلته في مادة وثق.

آخذ: الرباعي تعني تعجيل محاسبة من استحقّها بنقض ميثاق، ولقد واثق موسى معلّمَه كما في قوله ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ الكهف، ونسِيَ موسى بتأثير الدرس الأول فخشيَ محاسبة معلمه بمفارقته فقال ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ يتوسل موسى الرسولُ النبيُّ الكليمُ الوجيهُ عند الهة إلى من فاقه علما، وإن الله ليرفع بالعلم رجالا.
ولقد عفا الهُ لغو اليمين، وعجّل بالكفارة محاسبةَ المظاهر أو من اكتسب قلبه إثما بيمينه وبينته في مادة اليمين.
ولقد آخذ الله من قبلُ قرًى كانت ظالمة وجعل لعذابهم في الدنيا موعدا، واستحق المكذبون بعد نزول القرآن أن يؤاخذهم الله بظلمهم وبما كسبوا ولكن الله أخّر عنهم العذاب إلى موعد معلوم وأجل مسمى كما في المثاني:
ـ ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُوُر ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلَكِهِم مَّوْعِدًا﴾ الكهف
ـ ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ النحل
ـ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ فاطر

بقلم الحسن محمد ماديك
- يتواصل -

يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
 
عودة
أعلى