عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
قوله تعالى
( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) الأنفال [61]
قوله «وإن جنحوا»: مالوا.
قاله أبوحيان، والنحاس، والراغب، وابن الجوزي، والسيوطي، ومكي في المشكل.
قال مكي في الهداية: أي ابتدأوا وطلبوا ذلك منك، فافعل ما سألوا وتوكل على الله.
قال ابن قتيبة، وابن الهائم، والإيجي الشافعي: أي مالوا للصلح.
قال غلام ثعلب، والواحدي، والبغوي: مالوا إلى الصلح.
قال السمرقندي: إن أرادوا الصلح ومالوا إليه، فاجنح لها يعني: مل إليها وأرده يعني: صالحهم.
قال الراغب: أي: مالوا، من قولهم: جنحت السفينة، أي: مالت إلى أحد جانبيها، وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحا ثم سمي كل إثم جناحا.
والمعنى: إن جنح هؤلاء الذين أمرت أن تنبذ إليهم على سواء إلى الصلح، أي: مالوا إليه فمل إليه، إما بالدخول في الإسلام، أو بإعطاء الجزية، وإما بموادعة. قال قتادة: وهي منسوخة بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). وقال ابن عباس نسخها:
( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم). وقال عكرمة والحسن نسخها: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله)، الآية.
وقيل: إنها محكمة.
والمعنى: إن دعوك إلى الإسلام فصالحهم. قاله ابن إسحاق.
حكاه مكي في الهداية.
قوله «للسَّلْم»: الصلح.
قاله ابن الجوزي، و مكي في المشكل.
وزاد ابن الجوزي: وهذا منسوخ بآية السيف.
وقال أبو السعود: أي للصلح بوقوع الرهبة في قلوبهم بمشاهدة ما بكم من الاستعداد وإعناد العتاد.
قال السيوطي: بكسر السين وفتحها: الصلح.
قال الفراء: وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر.
قال الزجاج: السلم: الصلح والمسالمة، يقال: سِلْمٌ وسَلَمٌ وسَلَم في معنى واحد.
أي إن مالوا إلى الصلح فمل إليه.
نكتة:
قوله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ): أي ابتدأوا وطلبوا ذلك منك، فافعل ما سألوا وتوكل على الله. لأنهم دعوه إلى الصلح، وليس في القرآن موضع أمر الله فيه المؤمنين بأن يبتدئوا بالصلح، إنما أمرهم بذلك إذا بدأهم به المشركون ورغبوا فيه، فلذلك يختار الكسر في البقرة( ادخلوا في السلم كافة ) لأنا لو فتحنا لأوجبنا أن الله أمر المؤمنين أن يبدأوا.
أفاده مكي في الهداية.
قوله «فاجنح لها»: وعاهدهم.
قال البغوي: أي مل إليها وصالحهم.
قال الزمخشري: جنح له وإليه: إذا مال.
فاجنح: بفتح النون لغة تميم، وبضمها لغة قيس.
أفاده ابن عطية.
قال القاسمي: أي فمل إلى موافقتهم وصالحهم وعاهدهم، وإن قدرت على محاربتهم، لأن الموافقة أدعى لهم إلى الإيمان. ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح، ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع سنين، أجابهم إلى ذلك، مع ما اشترطوا من الشروط الأخر.
قال غلام ثعلب: أي فمل أنت أيضا إلى الصلح، لأنه قال جل وعز: (والصلح خير).
قال السيوطي: وقال ابن عباس: هذا منسوخ بآية السيف وقال مجاهد: مخصوص بأهل الكتاب إذ نزلت في بني قريظة.
قال الواحدي: فمل إليها يعني: المشركين واليهود ثم نسخ هذا بقوله: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله).
قال البغوي: روي عن قتادة والحسن: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) .
وقال السدي وابن زيد: معنى الآية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم. ولا نسخ فيها.
حكاه القرطبي.
قال الإيجي الشافعي: وفيه شيء لأن المهادنة لكثرة الأعداء ولغيرها جائزة إذا رأى الإمام.
قال الزمخشري: والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الامام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا، أو يجابوا إلى الهدنة أبدا.
قال الطبري: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخا.
وقول الله في براءة: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ )، غير ناف حكمُه حكمَ قوله.(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، لأن قوله: (وإن جنحوا للسلم)، إنما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودا أهل كتاب، وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحربَ على أخذ الجزية منهم.
وأما قوله: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) فإنما عُني به مشركو العرب من عبدة الأوثان، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم. فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنـزلت فيه. انتهى
قوله «وتوكل على الله» ثق به.
قاله الواحدي، والسيوطي.
____________
المصدر:
ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير أبي السعود، تفسير السمرقندي، الكشاف للزمخشري، المحرر الوجيز لابن عطية، الوجيز للواحدي، تفسير عبدالرزاق، تفسير الطبري، تفسير البغوي، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير القرطبي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك:00966509006424
( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) الأنفال [61]
قوله «وإن جنحوا»: مالوا.
قاله أبوحيان، والنحاس، والراغب، وابن الجوزي، والسيوطي، ومكي في المشكل.
قال مكي في الهداية: أي ابتدأوا وطلبوا ذلك منك، فافعل ما سألوا وتوكل على الله.
قال ابن قتيبة، وابن الهائم، والإيجي الشافعي: أي مالوا للصلح.
قال غلام ثعلب، والواحدي، والبغوي: مالوا إلى الصلح.
قال السمرقندي: إن أرادوا الصلح ومالوا إليه، فاجنح لها يعني: مل إليها وأرده يعني: صالحهم.
قال الراغب: أي: مالوا، من قولهم: جنحت السفينة، أي: مالت إلى أحد جانبيها، وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحا ثم سمي كل إثم جناحا.
والمعنى: إن جنح هؤلاء الذين أمرت أن تنبذ إليهم على سواء إلى الصلح، أي: مالوا إليه فمل إليه، إما بالدخول في الإسلام، أو بإعطاء الجزية، وإما بموادعة. قال قتادة: وهي منسوخة بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). وقال ابن عباس نسخها:
( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم). وقال عكرمة والحسن نسخها: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله)، الآية.
وقيل: إنها محكمة.
والمعنى: إن دعوك إلى الإسلام فصالحهم. قاله ابن إسحاق.
حكاه مكي في الهداية.
قوله «للسَّلْم»: الصلح.
قاله ابن الجوزي، و مكي في المشكل.
وزاد ابن الجوزي: وهذا منسوخ بآية السيف.
وقال أبو السعود: أي للصلح بوقوع الرهبة في قلوبهم بمشاهدة ما بكم من الاستعداد وإعناد العتاد.
قال السيوطي: بكسر السين وفتحها: الصلح.
قال الفراء: وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر.
قال الزجاج: السلم: الصلح والمسالمة، يقال: سِلْمٌ وسَلَمٌ وسَلَم في معنى واحد.
أي إن مالوا إلى الصلح فمل إليه.
نكتة:
قوله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ): أي ابتدأوا وطلبوا ذلك منك، فافعل ما سألوا وتوكل على الله. لأنهم دعوه إلى الصلح، وليس في القرآن موضع أمر الله فيه المؤمنين بأن يبتدئوا بالصلح، إنما أمرهم بذلك إذا بدأهم به المشركون ورغبوا فيه، فلذلك يختار الكسر في البقرة( ادخلوا في السلم كافة ) لأنا لو فتحنا لأوجبنا أن الله أمر المؤمنين أن يبدأوا.
أفاده مكي في الهداية.
قوله «فاجنح لها»: وعاهدهم.
قال البغوي: أي مل إليها وصالحهم.
قال الزمخشري: جنح له وإليه: إذا مال.
فاجنح: بفتح النون لغة تميم، وبضمها لغة قيس.
أفاده ابن عطية.
قال القاسمي: أي فمل إلى موافقتهم وصالحهم وعاهدهم، وإن قدرت على محاربتهم، لأن الموافقة أدعى لهم إلى الإيمان. ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح، ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع سنين، أجابهم إلى ذلك، مع ما اشترطوا من الشروط الأخر.
قال غلام ثعلب: أي فمل أنت أيضا إلى الصلح، لأنه قال جل وعز: (والصلح خير).
قال السيوطي: وقال ابن عباس: هذا منسوخ بآية السيف وقال مجاهد: مخصوص بأهل الكتاب إذ نزلت في بني قريظة.
قال الواحدي: فمل إليها يعني: المشركين واليهود ثم نسخ هذا بقوله: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله).
قال البغوي: روي عن قتادة والحسن: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) .
وقال السدي وابن زيد: معنى الآية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم. ولا نسخ فيها.
حكاه القرطبي.
قال الإيجي الشافعي: وفيه شيء لأن المهادنة لكثرة الأعداء ولغيرها جائزة إذا رأى الإمام.
قال الزمخشري: والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الامام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا، أو يجابوا إلى الهدنة أبدا.
قال الطبري: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخا.
وقول الله في براءة: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ )، غير ناف حكمُه حكمَ قوله.(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، لأن قوله: (وإن جنحوا للسلم)، إنما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودا أهل كتاب، وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحربَ على أخذ الجزية منهم.
وأما قوله: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) فإنما عُني به مشركو العرب من عبدة الأوثان، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم. فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنـزلت فيه. انتهى
قوله «وتوكل على الله» ثق به.
قاله الواحدي، والسيوطي.
____________
المصدر:
ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، غريب القرآن لابن قتيبة، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تفسير أبي السعود، تفسير السمرقندي، الكشاف للزمخشري، المحرر الوجيز لابن عطية، الوجيز للواحدي، تفسير عبدالرزاق، تفسير الطبري، تفسير البغوي، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير القرطبي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك:00966509006424