قوله تعالى
( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
قوله تعالى
( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
قوله تعالى
( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة: 60
قلت ( عبدالرحيم ):
هذه الآية تبين لك أصنافا ثمانية؛ لا تاسع لهم؛ تصرف لهم وحدهم الزكاة؛ لا تتعد إلى غيرهم؛ فمن تعداها غيرهم فقد تعدى وأساء وظلم، ولم تقبل منه.
فكما أن الله تولى قسمة المواريث بنفسه - جل شأنه - فكذا تولى قسمة الزكاة.
قال في البسيط: وإنماسمى الله الأصناف الثمانية إعلاماً منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها.
ولن أتناول هذه الأصناف على طريقة الفقهاء مخافة الإطالة. وقد نبه على هذا قبلي ابن الهائم_ رحمه الله_ في التبيان؛ حيث قال: واختلاف الفقهاء في تفسير أكثرها مقرر في كتب الفقه، فلا نطيل به. انتهى كلامه.
قوله «إنما»: أداة حصر؛ فهي محصورة على الأصناف الثمانية التالية الذكر، لا تتعداهم بحال.
قوله «الصدقات»: الزكوات مصروفة.
قاله السيوطي.
قال الطبري: يقول - تعالى ذكره - : ما الصدقات إلا للفقراء والمساكين ، ومن سماهم الله جل ثناؤه.
قلت ( عبدالرحيم ): معنى الصدقات في الآية الكريمة " الزكوات الواجبة " وليس المراد صدقة التطوع؛ إذ الصدقة في الشرع أعم مما علق في ذهن البعض؛ وإنما سميت الزكاة صدقة: لصدق مؤديها.
قوله «للفقراء»: وهم المتعففون عن السؤال.
قاله الواحدي في الوجيز.
قلت ( عبدالرحيم ): نظيره قوله تعالى ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) إلى قوله (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا )، وسيأتي مزيد كلام.
قال السيوطي: الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم.
قال مكي في المشكل: للضعفاء الذين لهم البُلغَة من العيش.
قال ابن قتيبة: وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلغة من العيش.
قوله «والمساكين»: الذين يسألون ويطوفون على الناس.
قاله الواحدي في الوجيز.
قال السيوطي: الذين لا يجدون ما يكفيهم.
قال أبو بكر السجستاني، ومكي: المساكين الذين لا شيء لهم.
قال الفراء: الطوّافين على الأبواب.
وقال الشافعي: الفقراء: الزمنى الضعاف الذي لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة التي لا تقع حرفته من حاجتهم موقعًا، والمساكين: السؤال ممن لهم حرفة تقع موقعًا ولا تغنيه وعياله، فالفقير أشدهما حالاً عند الشافعي وإلى هذا ذهب جماعة.
قاله الواحدي في البسيط.
قال مجاهد، وعكرمة، والزهري، وجابر بن زيد: الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل.
حكاه مكي في الهداية.
قال الطبري: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: " الفقير "، هو ذو الفقر أو الحاجة، ومع حاجته يتعفّف عن مسألة الناس والتذلل لهم، في هذا الموضع، و " المسكين " هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم.
انتهى
قلت ( عبدالرحيم ): فلا يشترط فيمن يدفع له الزكاة أن يكون معدوما صفرا؛ كما يتوهمه بعض من أوتي مالا كثيرا، ولم يؤت شيئا من العلم؛ يشترط عنده أن يكون المرء صفرا؛
وهنا يظهر ثمرة العلم، فقد يملك الرجل وفي الوقت عينه يستحق الزكاة؛ كالمحجور عليه لإفلاس؛ فهو يملك ولكن له غرماء لهم أكثر مما عنده، وكمن له كسب ونحوه و لكن لا يكفيه. قال ابن قتيبة: وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلغة من العيش.
انتهى
قوله «والعاملين عليها»: العمال على الصدقة.
قاله أبو بكر السجستاني.
قال مكي في الهداية: هم السعادة في قبضها من أهلها، يعطون عليها، أغنياء كانوا أو فقراء.
قال السيوطي: من جابٍ وقاسمٍ وكاتبٍ وحاشرٍ.
قال مكي في المشكل: أي عمال الصدقة وهم السّعاة الجباة.
قال الماوردي في النكت: وليس الإمام من العاملين عليها ولا والي الإقليم.
قلت ( عبدالرحيم ): والمراد "بالعاملين عليها" من جعلهم السلطان عمالا عليها؛ وعليه فالوكيل ليس منهم؛ فإن كان فقيرا أخذ لفقره؛ لا لكونه من العاملين عليها.
انتهى
قوله «والمؤلفة قلوبهم»: قال السيوطي: ليسلموا أو يثبت إسلامهم أو يسلم نظراؤهم أو يذبوا عن المسلمين أقسام، الأول والأخير لا يعطيان اليوم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه لعز الإسلام بخلاف الآخرين فيعطيان على الأصح.
قاله السيوطي.
قلت ( عبدالرحيم ): فقول السيوطي_ رحمه الله _ من أجود ما وقفت عليه، وأحسب أنه أصوب من غيره؛ فقد قيل هذا خاص قبل أن يعز الإسلام، وأنه في الذين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألفهم على الإسلام؛ كما قال أبو بكر السجستاني، وابن قتيبة، ومكي.
فالأصوب _ والله أعلم_ أن من أسلم من الكفار يدخل في المؤلفة قلوبهم؛ تثبيتا له على الإسلام. قال الزهري: ( والمؤلفة قلوبهم ): من أسلم من يهود أو نصراني، غنيا كان أو فقيرا.
قال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سدُّ خَلَّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته. فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يُعطاه الغني والفقير, لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونةً للدين. وذلك كما يعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل الله, فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا، للغزو، لا لسدّ خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم، يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء, استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام وطلبَ تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم, بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله. فلا حجة لمحتجّ بأن يقول: " لا يتألف اليوم على الإسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم "، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت.
قال مكي في الهداية: وقال ابن حنبل، وغيره: ( والمؤلفة قلوبهم ) في كل زمان.
قوله «وفي»: فك.
قاله السيوطي.
قوله «الرقاب»: أي في فك الرقاب، وهم المكاتبون.
قاله أبو بكر السجستاني.
قال ابن قتيبة: أي المكاتبين؛ أراد فك الرِّقاب من الرِّق.
قال الزجاج: كأنْ يُعَاوِنَ المكَاتبَ حتَى يفكً رقبتَه.
قال الواحدي في البسيط: وسهم الرقاب موضوع في المكاتبين ليعتقوا به، وهذا مذهب الشافعي والليث بن سعد.
ومذهب مالك وأحمد وإسحاق: أنه موضوع لعتق الرقاب يشترى به عبيد فيعتقون.
قلت ( عبدالرحيم ): وهذا من محاسن هذه الشريعة المباركة؛ فالعبد المُكاتِب الذي يشترى نفسه من سيده بمال مؤجل في الذمة من أجل حريته؛ جعلته الشريعة مصرفا من مصارف الزكاة ليتخلص من الرق؛ بخلاف من كره أن يعان بها المكاتبين،
فالشريعة تتشوف إلى عتق الرقاب، ولا ترغب في الرق؛ ألا ترى إلى قول الله الكريم ( فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات وأن تصبروا خير لكم ): أي من لم يستطع أن ينكح الحرة فله أن ينكح الأمة؛ على أن ترك نكاح الامة خير من فعله؛ وهذا هو الشاهد من قوله تعالى ( وأن تصبروا خير لكم ) لأنكم إن تزوجتموهن كان أولادكم عبيدا رقيقا؛ لأن الولد يتبع أمه في الحرية و الرق؛ كل هذا لأن الشريعة لا ترغب في الرق،
بل ضيقت منابعه؛ فقد جعلت بعض الكفارات بابا للعتق؛ ككفارة القتل الخطأ، وكفارة الظهار، والوقاع في نهار رمضان.
قال السيوطي: "وَأَنْ تَصْبِرُوا" عَنْ نكاح المملوكات "خَيْر لَكُمْ" لئلا يصير الولد رقيقا. وقال مكي: وقال الحسن، والزهري، وابن زيد، والشافعي: معنى ( وفي الرقاب )، يعني المكاتبين. والمعنى على هذا: وفي فك الرقاب، وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري.
انتهى
قوله «والغارمين»: أهل الدَّين إن استدانوا لغير معصية أو تابوا وليس لهم وفاء أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء.
قاله السيوطي.
قال ابن قتيبة: من عليه الدين ولا يجد قضاء.
قال مكي: من عليه الدين ولا شيء له.
قال الفراء: أصحاب الدَّيْن الَّذِين ركبهم فِي غير إفساد.
قلت (عبدالرحيم ): ولعل الصواب_ إن شاء الله _ أن الغارمين أعم من ذلك؛ إي ليسوا فقط من عليهم دين؛ وإنما يدخل في ذلك من غرم لدفع شر عن خصمين لإصلاح بين أو دين؛ سيما عند التشاح، أو نحو ذلك؛ فهذا يعطى من الزكاة وإن كان غنيا واجدا؛ كما سلف من قول السيوطي.
قال الشافعي: ( وهم صنفان: صنف أدانوا في مصلحتهم أو معروف أو غير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد، فيعطون في غرمهم، وصنف أدانوا في حمالات وصلاح ذات بين، ولهم عروض إن بيعت أضر بهم فيعطى هؤلاء وتوفر عروضهم، وذلك إذا كان دينهم في غير فسق ولا تبذير ولا معصية. حكاه الواحدي في البسيط.
قوله «وفي سبيل الله»: الجهاد.
قاله الفراء.
قال الزجاج: أي وللمجاهدين حَقٌ في الصدَقَةِ.
قال السمرقندي: وهم الذين يخرجون إلى الجهاد.
قال السيوطي: أي القائمين بالجهاد ممن لا فيء لهم ولو أغنياء.
قلت ( عبدالرحيم ): قوله ( وفي سبيل الله ): يشمل الغزاة أنفسهم، ويشمل الإنفاق على الغزو نفسه؛ من كل ما يعين على الجهاد.
قوله «وابن السبيل»: ابن الطريق.
وتأويله الذى قُطعَ عليه الطريق.
قاله الزجاج.
قال الواحدي، السيوطي: المنقطع في سفره.
قال أبو بكر السجستاني: الضعيف والمنقطع به وأشباه ذلك.
وقال مالك: الحاج المنقطع به هو ابن السبيل، يعطى من الزكاة.
حكاه مكي في الهداية.
قلت ( عبدالرحيم ): فكم ترى من حاجِّ منقطع؛ فينبغي أن يكون هؤلاء محل بحث وعناية؛ بصرف الزكاة لهم لعموم الآية، ولا يقتصر فقط على إطعامه. يعطى وإن كان غنيا في بلده،لطالما انقطع به الطريق.
قوله «فريضة»: قسما.
قاله يحيى بن سلام.
قال السمعاني: أي افترض الله ذلك فريضة.
قال السمرقندي: يعني: وضع الصدقات في هذه المواضع فريضة من الله، وهو مما أمر الله تعالى.
قال الواحدي: افترضها الله على الأغنياء في أموالهم.
قال الزجاج: كقولك فرض الله الصدقات لهؤلاء.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم ) إلى قوله ( فريضة من الله ): قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني قسمة المواريث لأهلها الذين ذكرهم الله في هذه الآيات.
وقوله ( فآتوهن أجورهن فريضة ): أي مهورهن واجبا عليكم؛ وذلك إذا نكحها ولو مرة واحدة.
قال ابن المنذر: تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صداقها كله.
استطراد:
قلت ( عبدالرحيم ): وليس بشرط أن ينكح؛ فلو خلا بها خلوة معتبرة، ثبت المهر كله، وعليها العدة. وبه قضى الخلفاء الراشدون، وعمل به الأئمة. كما حكى بن حنبل عنهم. ( راجع المغني ). انتهى
قوله «من الله والله عليم»: بخلقه.
قاله السيوطي.
قوله «حكيم»: في صنعه فلا يجوز صرفها لغير هؤلاء ولا منع صنف منهم إذا وجد فيقسمها الإمام عليهم على السواء وله تفضيل بعض آحاد الصنف على بعض، وأفادت اللام وجوب استغراق أفراده لكن لا يجب على صاحب المال إذا قسم لعسره بل يكفي إعطاء ثلاثة من كل صنف ولا يكفي دونها كما أفادته صيغة الجمع وبيَّنت السنة أن شرط المعطى منها الإسلام وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا.
قاله السيوطي.
فائدة:
قلت ( عبدالرحيم ): يجوز للمزكي أن يصرف زكاته كلها لصنف واحد من الأصناف شاء، قال مكي في الهداية: وأكثر الناس على أن المتصدق بزكاته يجزيه أن يضعها في أي الأصناف المذكورين شاء. هو قول: ابن عباس، والحسن، والنخعي، وعطاء، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة.
قال مالك: تجعل في أي الأصناف كانت فيه الحاجة. انتهى كلامه
قلت: كما يجوز له أن يضع زكاته لشخص واحد؛ بخلاف ما يتوهمه البعض؛ بل ربما كانت من مصلحة الزكاة أن تعطى لشخص واحد تستقيم حياته بعدها، من وفاء كافة ديونيه مثلا، فأينما كانت مصلحة للزكاة فثم. وراجع كتب الفقه إن شئت.
انتهى
_____________
المصدر:
غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير ابن المنذر، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، تفسير الطبري، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمرقندي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، النكت والعيون للماوردي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك: 00966509006424