عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
قوله تعالى
( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [68] كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [69] ) التوبة
قوله «وعد الله المنافقين والمنافقات»: ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺴﺎﺗﺮﻳﻦ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎﺩﻫﻢ.
قاله البقاعي.
ﺳﺌﻞ ﺣﺬﻳﻔﺔ- رضي الله عنه؛ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ؟ ﻗﺎﻝ: ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻒ ﺍﻟﺈﺳﻠﺎﻡ ﻭﻟﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ.
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.
قوله «والكفار»: ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻋﻨﺎﺩﻫﻢ.
قاله البقاعي.
قال السمرقندي: الوعد يكون بالخير، ويكون بالشر إذا قيد به، والوعيد لا يكون إلا بالشر.
قال البقاعي: ﻭﺳﺎﻗﻪ ﺑﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﺗﻬﻜﻤﺎ ﺑﻬﻢ ﻭﺇﺑﻠﺎﻏﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺀﺗﻬﻢ.
قوله «نار جهنم خالدين»: جزاءً وعقابا.
قاله السيوطي.
قوله «خالدين فيها»: لا يموتون.
قوله «هي حسبهم»: ﻋﻘﺎﺑﺎ ﻭﺟﺰﺍﺀ؛ ﻭﻓﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻢ ﻋﻘﺎﺑﻬﺎ ﻭﻋﺬﺍﺑﻬﺎ.
قاله أبو السعود.
وقال صديق حسن خان: ﺃﻱ ﻛﺎﻓﻴﻬﻢ ﺟﺰﺍﺀ ﻭﻋﻘﺎﺑﺎ ﻟﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻋﺬﺍﺑﻬﺎ.
قلت ( عبدالرحيم ): وفيه دليل على عظم ما اقترفوا من الجرم والاستهزاء والأذية؛ لله ورسوله وأهل الإيمان؛ لشدة تمكنهم وقربهم من المسلمين؛ توعدهم بدركة أسفل من الكفار؛ لأن أذى الكفار كان ظاهرا ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ).
انتهى
قال الزمخشري: فإن قلت: لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر؟ قلت لأنه مثله في الكفر، وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله ومداجاتهم ( مداراتهم ).
وقال الزمخشري _ في موضع آخر _: وسماهم المنافقين، وكانوا أخبث الكفرة وأبغضهم إليه وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليسا، وبالشرك استهزاء وخداعا. ولذلك أنزل فيهم ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار).
قوله تعالى ( هي حسبهم ): قال السمرقندي: تكفيهم النار جزاء لكفرهم.
قال ابن عطية: ﺃﻱ ﻛﺎﻓﻴﺘﻬﻢ ﻭﻛﺎﻓﻴﺔ ﺟﺮﻣﻬﻢ ﻭﻛﻔﺮﻫﻢ ﻧﻜﺎﻟﺎ ﻭﺟﺰﺍﺀ.
قال الزجاج: أي كفاية ذنوبهم كما تقول: عذبتك حسب فعلك، وحسب فلان ما نزل به، أي ذلك على قدر فعله.
قال البقاعي: ﺃﻱ ﻛﺎﻓﻴﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ، ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻗﺪ ﻳﺘﺠﻮﺯ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺑﻌﺪﻩ ﻓﺮﺝ قال الله ( ولعنهم الله ).
قوله «ولعنهم الله»: أبعدهم عن رحمته.
قاله ابن عطية، والسمعاني، والإيجي الشافعي، والسيوطي.
قال أبو السعود: ﺃﻱ ﺃﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺃﻫﺎﻧﻬﻢ ﻭﻓﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺎﺳﻢ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺈﻳﺬﺍﻥ ﺑﺸﺪﺓ ﺍﻟﺴﺨﻂ ﻣﺎﻟﺎ ﻳﺨﻔﻰ.
قال البقاعي: ﻃﺮﺩﻫﻢ ﻭﺃﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﺎ ﺃﻣﺮ ﻟﺄﺣﺪ ﻣﻌﻪ ﻓﺄﻓﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﺎ ﻓﺮﺝ ﻟﻬﻢ.
ﺛﻢ ﻧﻔﻲ ﻛﻞ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺑﻘﻮﻟﻪ: «ﻭﻟﻬﻢ»: ﺃﻱ ﺑﺎﻟﺄﻣﺮﻳﻦ.
قوله «عذاب مقيم»: دائم.
قاله السمرقندي، والبغوي، والسمعاني، والسيوطي.
قال ابن عطية: ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻣﺆﺑﺪ ﻟﺎ ﻧﻘﻠﺔ ﻟﻪ.
وقال أبو السعود: ﺃﻱ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻏﻴﺮ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺩﺍﺋﻢ ﻟﺎ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻭ ﻟﻬﻢ ﻋﺬﺍﺏ ﻣﻘﻴﻢ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺎ ﻳﻨﻔﻚ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺳﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﺐ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻢ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺑﻠﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻟﺎ ﻳﺄﻣﻨﻮﻥ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﻮﻑ ﺍﻟﻔﻀﻴﺤﺔ ﻭﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺇﻥ ﺍﻃﻠﻊ ﻋﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﻢ.
قوله «كالذين من قبلكم»: معناه: أنتم يا معشر المنافقين كالذين من قبلكم.
قاله السمعاني.
قال الواحدي: أي فعلتم كأفعال الذين من قبلكم.
قال السمرقندي: يعني صنيعكم مع نبيكم، كما صنع الأمم الخالية مع أنبيائهم عليهم السلام.
قال الضحاك: يعني: لعن المنافقين، كما لعن الذين من قبلهم من الأمم الخالية. ويقال: ولهم عذاب دائم كالذين من قبلكم.
حكاه السمرقندي.
قوله «كانوا أشد منكم قوة»: ﺑﻄﺸﺎ ﻭﻣﻨﻌﺔ.
قاله البغوي.
قوله « وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا»: ﻓﺘﻤﺘﻌﻮﺍ ﺃﻭ ﺍﻧﺘﻔﻌﻮﺍ.
قاله البغوي.
قال السمرقندي: يعني: لم ينفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا، فلا ينفعكم أموالكم ولا أولادكم أيضا.
قوله «بخلاقهم»: أي بنصيبهم في الدنيا من الآخرة.
قاله مكي في المشكل.
قال السمعاني: الخلاق: النصيب، وقيل: الحظ الوافر. ومعنى الآية: استمتعوا باتباعهم الشهوات.
قال الواحدي: رضوا بنصيبهم من الدنيا ففعلتم أنتم أيضا مثل ما فعلوا.
قال البغوي: ﺑﻨﺼﻴﺒﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﻭﺭﺿﻮﺍ ﺑﻪ ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺂﺧﺮﺓ.
قلت ( عبدالرحيم ): فيه اشارة إلى قوله تعالى في عموم الكافرين ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ): فالمنافقون من جملة الكفار، ربحوا بالإسلام في الدنيا من قسم الغنائم، وحماية دماءهم وأمولهم، ولكنهم خسروها في الآخرة قال الله ( ألا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ).
قوله «فاستمتعتم»: أيها المنافقون.
قوله «بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم »: ﻭﺳﻠﻜﺘﻢ ﺳﺒﻴﻠﻬﻢ.
قاله البغوي.
قال السمرقندي: يقول: انتفعتم أنتم بنصيبكم من الآخرة في الدنيا، كما استمتع الذين من قبلكم من الأمم الخالية.
قال السمعاني: باتباعكم الشهوات، وقيل: معنى الآية: رضوا بنصيبهم من الدنيا عن نصيبهم من الآخرة.
قوله «وخضتم»: في الباطل والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم.
قاله السيوطي.
قال الواحدي: في الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم كما خاضوا في الطعن على أنبيائهم.
ويقال: كذبتم الرسول كما كذبوا رسلهم.
حكاه السمرقندي.
قوله «كالذي خاضوا»: أي كخوضهم.
قاله السيوطي.
فائدة:
قال البغوي: ﺃﻱ: ﻛﻤﺎ ﺧﺎﺿﻮﺍ. ﻭﻗﻴﻞ: ﻛﺎﻟﺬﻱ ﻳﻌﻨﻲ ﻛﺎﻟﺬﻳﻦ ﺧﺎﺿﻮﺍ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ "ﺍﻟﺬﻱ" ﺍﺳﻢ ﻧﺎﻗﺺ، ﻣﺜﻞ "ﻣﺎ" ﻭ"ﻣﻦ" ﻳﻌﺒﺮ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻧﻈﻴﺮﻩ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻛﻤﺜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻮﻗﺪ ﻧﺎﺭﺍ" ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: "ﺫﻫﺐ ﺍﻟﻠﻪﺑﻨﻮﺭﻫﻢ".
انتهى
قوله «أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة»: بطل ثواب أعمالهم فلا ثواب لهم لأنها كانت في غير إيمان.
قاله السمرقندي.
قال البغوي: ﺃﻱ ﻛﻤﺎ ﺣﺒﻄﺖ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻭﺧﺴﺮﻭﺍ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺒﻄﺖ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ﻭﺧﺴﺮﺗﻢ.
قوله تعالى ( حبطت أعمالهم ): أي بطلت.
قاله ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان، وابن الهائم، وغلام ثعلب.
وزاد غلام: وسقطت.
قوله «وأولئك هم الخاسرون»: يعني: في الآخرة.
قاله السيوطي.
قال السمعاني: معناه كما حبطت أعمالهم وخسروا كذلك حبطت أعمالكم وخسرتم.
___________
المصدر:
تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، تفسير البغوي، المحرر الوجيز لابن عطية، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، الكشاف للزمخشري، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك: 00966509006424
( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [68] كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [69] ) التوبة
قوله «وعد الله المنافقين والمنافقات»: ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺴﺎﺗﺮﻳﻦ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎﺩﻫﻢ.
قاله البقاعي.
ﺳﺌﻞ ﺣﺬﻳﻔﺔ- رضي الله عنه؛ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ؟ ﻗﺎﻝ: ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻒ ﺍﻟﺈﺳﻠﺎﻡ ﻭﻟﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ.
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.
قوله «والكفار»: ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻋﻨﺎﺩﻫﻢ.
قاله البقاعي.
قال السمرقندي: الوعد يكون بالخير، ويكون بالشر إذا قيد به، والوعيد لا يكون إلا بالشر.
قال البقاعي: ﻭﺳﺎﻗﻪ ﺑﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﺗﻬﻜﻤﺎ ﺑﻬﻢ ﻭﺇﺑﻠﺎﻏﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺀﺗﻬﻢ.
قوله «نار جهنم خالدين»: جزاءً وعقابا.
قاله السيوطي.
قوله «خالدين فيها»: لا يموتون.
قوله «هي حسبهم»: ﻋﻘﺎﺑﺎ ﻭﺟﺰﺍﺀ؛ ﻭﻓﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻢ ﻋﻘﺎﺑﻬﺎ ﻭﻋﺬﺍﺑﻬﺎ.
قاله أبو السعود.
وقال صديق حسن خان: ﺃﻱ ﻛﺎﻓﻴﻬﻢ ﺟﺰﺍﺀ ﻭﻋﻘﺎﺑﺎ ﻟﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻋﺬﺍﺑﻬﺎ.
قلت ( عبدالرحيم ): وفيه دليل على عظم ما اقترفوا من الجرم والاستهزاء والأذية؛ لله ورسوله وأهل الإيمان؛ لشدة تمكنهم وقربهم من المسلمين؛ توعدهم بدركة أسفل من الكفار؛ لأن أذى الكفار كان ظاهرا ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ).
انتهى
قال الزمخشري: فإن قلت: لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر؟ قلت لأنه مثله في الكفر، وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله ومداجاتهم ( مداراتهم ).
وقال الزمخشري _ في موضع آخر _: وسماهم المنافقين، وكانوا أخبث الكفرة وأبغضهم إليه وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليسا، وبالشرك استهزاء وخداعا. ولذلك أنزل فيهم ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار).
قوله تعالى ( هي حسبهم ): قال السمرقندي: تكفيهم النار جزاء لكفرهم.
قال ابن عطية: ﺃﻱ ﻛﺎﻓﻴﺘﻬﻢ ﻭﻛﺎﻓﻴﺔ ﺟﺮﻣﻬﻢ ﻭﻛﻔﺮﻫﻢ ﻧﻜﺎﻟﺎ ﻭﺟﺰﺍﺀ.
قال الزجاج: أي كفاية ذنوبهم كما تقول: عذبتك حسب فعلك، وحسب فلان ما نزل به، أي ذلك على قدر فعله.
قال البقاعي: ﺃﻱ ﻛﺎﻓﻴﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ، ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻗﺪ ﻳﺘﺠﻮﺯ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺑﻌﺪﻩ ﻓﺮﺝ قال الله ( ولعنهم الله ).
قوله «ولعنهم الله»: أبعدهم عن رحمته.
قاله ابن عطية، والسمعاني، والإيجي الشافعي، والسيوطي.
قال أبو السعود: ﺃﻱ ﺃﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺃﻫﺎﻧﻬﻢ ﻭﻓﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺎﺳﻢ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺈﻳﺬﺍﻥ ﺑﺸﺪﺓ ﺍﻟﺴﺨﻂ ﻣﺎﻟﺎ ﻳﺨﻔﻰ.
قال البقاعي: ﻃﺮﺩﻫﻢ ﻭﺃﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﺎ ﺃﻣﺮ ﻟﺄﺣﺪ ﻣﻌﻪ ﻓﺄﻓﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﺎ ﻓﺮﺝ ﻟﻬﻢ.
ﺛﻢ ﻧﻔﻲ ﻛﻞ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺑﻘﻮﻟﻪ: «ﻭﻟﻬﻢ»: ﺃﻱ ﺑﺎﻟﺄﻣﺮﻳﻦ.
قوله «عذاب مقيم»: دائم.
قاله السمرقندي، والبغوي، والسمعاني، والسيوطي.
قال ابن عطية: ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻣﺆﺑﺪ ﻟﺎ ﻧﻘﻠﺔ ﻟﻪ.
وقال أبو السعود: ﺃﻱ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻏﻴﺮ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺩﺍﺋﻢ ﻟﺎ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻭ ﻟﻬﻢ ﻋﺬﺍﺏ ﻣﻘﻴﻢ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺎ ﻳﻨﻔﻚ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺳﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﺐ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻢ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺑﻠﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻟﺎ ﻳﺄﻣﻨﻮﻥ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﻮﻑ ﺍﻟﻔﻀﻴﺤﺔ ﻭﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺇﻥ ﺍﻃﻠﻊ ﻋﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﻢ.
قوله «كالذين من قبلكم»: معناه: أنتم يا معشر المنافقين كالذين من قبلكم.
قاله السمعاني.
قال الواحدي: أي فعلتم كأفعال الذين من قبلكم.
قال السمرقندي: يعني صنيعكم مع نبيكم، كما صنع الأمم الخالية مع أنبيائهم عليهم السلام.
قال الضحاك: يعني: لعن المنافقين، كما لعن الذين من قبلهم من الأمم الخالية. ويقال: ولهم عذاب دائم كالذين من قبلكم.
حكاه السمرقندي.
قوله «كانوا أشد منكم قوة»: ﺑﻄﺸﺎ ﻭﻣﻨﻌﺔ.
قاله البغوي.
قوله « وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا»: ﻓﺘﻤﺘﻌﻮﺍ ﺃﻭ ﺍﻧﺘﻔﻌﻮﺍ.
قاله البغوي.
قال السمرقندي: يعني: لم ينفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا، فلا ينفعكم أموالكم ولا أولادكم أيضا.
قوله «بخلاقهم»: أي بنصيبهم في الدنيا من الآخرة.
قاله مكي في المشكل.
قال السمعاني: الخلاق: النصيب، وقيل: الحظ الوافر. ومعنى الآية: استمتعوا باتباعهم الشهوات.
قال الواحدي: رضوا بنصيبهم من الدنيا ففعلتم أنتم أيضا مثل ما فعلوا.
قال البغوي: ﺑﻨﺼﻴﺒﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﻭﺭﺿﻮﺍ ﺑﻪ ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺂﺧﺮﺓ.
قلت ( عبدالرحيم ): فيه اشارة إلى قوله تعالى في عموم الكافرين ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ): فالمنافقون من جملة الكفار، ربحوا بالإسلام في الدنيا من قسم الغنائم، وحماية دماءهم وأمولهم، ولكنهم خسروها في الآخرة قال الله ( ألا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ).
قوله «فاستمتعتم»: أيها المنافقون.
قوله «بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم »: ﻭﺳﻠﻜﺘﻢ ﺳﺒﻴﻠﻬﻢ.
قاله البغوي.
قال السمرقندي: يقول: انتفعتم أنتم بنصيبكم من الآخرة في الدنيا، كما استمتع الذين من قبلكم من الأمم الخالية.
قال السمعاني: باتباعكم الشهوات، وقيل: معنى الآية: رضوا بنصيبهم من الدنيا عن نصيبهم من الآخرة.
قوله «وخضتم»: في الباطل والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم.
قاله السيوطي.
قال الواحدي: في الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم كما خاضوا في الطعن على أنبيائهم.
ويقال: كذبتم الرسول كما كذبوا رسلهم.
حكاه السمرقندي.
قوله «كالذي خاضوا»: أي كخوضهم.
قاله السيوطي.
فائدة:
قال البغوي: ﺃﻱ: ﻛﻤﺎ ﺧﺎﺿﻮﺍ. ﻭﻗﻴﻞ: ﻛﺎﻟﺬﻱ ﻳﻌﻨﻲ ﻛﺎﻟﺬﻳﻦ ﺧﺎﺿﻮﺍ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ "ﺍﻟﺬﻱ" ﺍﺳﻢ ﻧﺎﻗﺺ، ﻣﺜﻞ "ﻣﺎ" ﻭ"ﻣﻦ" ﻳﻌﺒﺮ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻧﻈﻴﺮﻩ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻛﻤﺜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻮﻗﺪ ﻧﺎﺭﺍ" ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: "ﺫﻫﺐ ﺍﻟﻠﻪﺑﻨﻮﺭﻫﻢ".
انتهى
قوله «أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة»: بطل ثواب أعمالهم فلا ثواب لهم لأنها كانت في غير إيمان.
قاله السمرقندي.
قال البغوي: ﺃﻱ ﻛﻤﺎ ﺣﺒﻄﺖ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻭﺧﺴﺮﻭﺍ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺒﻄﺖ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ﻭﺧﺴﺮﺗﻢ.
قوله تعالى ( حبطت أعمالهم ): أي بطلت.
قاله ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان، وابن الهائم، وغلام ثعلب.
وزاد غلام: وسقطت.
قوله «وأولئك هم الخاسرون»: يعني: في الآخرة.
قاله السيوطي.
قال السمعاني: معناه كما حبطت أعمالهم وخسروا كذلك حبطت أعمالكم وخسرتم.
___________
المصدر:
تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، تفسير ابن أبي حاتم، تفسير السمرقندي، تفسير البغوي، المحرر الوجيز لابن عطية، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، الكشاف للزمخشري، الوجيز للواحدي، تفسير السمعاني، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير أبي السعود، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك: 00966509006424