معاني وغريب القرآن

إنضم
17/08/2016
المشاركات
680
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المملكة العربية
قوله تعالى
( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الحديد (4)

هذه الآية؛ عظيمة الشأن جليلة القدر؛ وصف الله فيها نفسه بصفات؛ فلا تلقه إلا بقلب سليم؛ مؤمنا بها على مراد الله، ومراد أعلم الخلق بربه_ صلوات الله وسلامه عليه _ و كما اعتقد صحبه_ رضي الله عنهم _ ومن تبعهم بإحسان، وأجمع عليه سلف الأمة.

وبصدد هذه الآية سأشير إلى شيء من موضوعها؛ مبينا عقيدة الصحابة_ رضي الله عنهم _وأتباعهم بإحسان من سلف هذه الامة؛ ولن استطرد كثيرا، وعسى أن يأتي في حينه ( إن شاء الله )؛ *في كتابي تفسير معاني وغريب القرآن*.

فهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه، ورسله صادقون مصدقون؛ بخلاف الذين يقولون عليه مالا يعلمون. ولهذا قال الله سبحانه ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين ).
أنظر العقيدة الواسطية.

قوله *( ثم استوى على العرش )*: علا، واستقر استقرار يليق بعظمته؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

قال أبو عبيدة: علا عليه.

قال ابن قتيبة: أي استقر.

قال عبيد الله السجزيّ الوائلي البكري ( 444 هـ ): وقد سئل مالك بن أنس رحمة الله عليه عن هذه المسألة فأجاب: "بأن الاستواء غير مجهول، والكيفية غير معقولة، الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى ): وقال عبد الله بن المبارك ومن تابعه من أهل العلم وهم كثير: إن معنى استوى على العرش: استقر وهو قول القتيبي وقال غير هؤلاء: استوى أي ظهر. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: استوى بمعنى علا.

قال ابن قتيبةفي ( تأويل مختلف الحديث ): ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه، لعلموا أن الله تعالى هو العلي، وهو الأعلى، وهو بالمكان الرفيع، وإن القلوب عند الذكر تسمو نحوه، والأيدي ترفع بالدعاء إليه.
ومن العلو يرجى الفرج، ويتوقع النصر، وينزل الرزق.

قوله *( يعلم ما يلج في الأرض )*: أي يعلم ما يدخل فيها؛ من ماء وبذر، وكائن؛ حي أو ميت.

ومنه قوله تعالى ( حتى يلج الجمل ): قال ابن قتيبة: أي يدخل البعير.

قوله *( وما يخرج منها )*: من زرع وغيره.
قاله الزجاج.

قال صديق حسن خان: من نبات ومعادن وغيرها.

قوله *( وما ينزل من السماء )*: إلى الأرض من شيء قط؛ من ماء، وثلج، وملك، وقضاء وقدر.

قال نجم الدين النيسابوري: من الأقضية والأقدار.

قوله *( وما يعرج فيها )*: أي ما يصعد إليها من أعمال العباد، وما يعرج من الملائكة.
قاله الزجاج.

قال صديق حسن خان: أي يصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد والدعوات.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله ( تعرج الملائكة والروح إليه ): أي تصعد.
وفيه دليل أن الله في السماء؛ كما هو مقرر في الكتاب العزيز، والسنة المتواترة، وفي فطرة من صلحت فطرته من دنس البدعة؛

فهو سبحانه في السماء؛ أي علا السماء، وقد تواترت بذلك النصوص؛ من الوحيين، وأجمع عليه السلف:

فمن ذلك قوله ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فهي تمور ).

قال ابن بطة: أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أن الله على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه.
حكاه الذهبي في العلو.

ومن ذلك الرفع والصعود إليه ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ).

وقال النبي: يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل. شطر من حديث رواه مسلم من حديث عبدالله بن قيس.

وقال تعالى ( إني متوفيك ورافعك إلي )،

وقوله وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه)،

قال موفق الدين ابن قدامة: فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتوارترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أم مفتون (بتقليده) واتباعه على ضلالته. انتهى كلامه

وقوله ( وهو العلي العظيم )،
وقوله ( سبح اسم ربك الأعلى )،
وقوله ( وهو القاهر فوق عباده )،
وقوله ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )،
وقوله ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)،
وقوله ( إنا نحن نزلنا الذكر )،

وفي الحديث؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ عُرِجَ بِي، حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ»
شطر من حديث متفق عليه من حديث أنس عن أبي ذر_ رضي الله عنهما.

ولما رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ وفيه: قال _ النبي صلى الله عليه وسلم _ للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة».

ومن ذلك ما تواتر عنه_ صلوات الله وسلامه عليه_ من رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث . وهذا إثبات للعلو بالفعل .

قال أبو بكر الصديق؛ عند موت النبي: ومن كان يعبد الله الذي في السماء فإن الله حي لايموت. أورده أحمد فريد في الثمرات الزكية.
انتهى

قوله *( وهو معكم أينما كنتم )*: معية علم وإحاطة؛ ليس مختلطا بالخلق.

قال مرعي بن يوسف الكرمي: فإنه يقال ما زلنا نسير والقمر والنجم معنا؛ وإن كان فوق رأسك فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه.

قال ابن جرير الطبري: يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع.

وقال ابن كثير: أي رقيب عليكم ، شهيد على أعمالكم حيث أنتم ، وأين كنتم ، من بر أو بحر ، في ليل أو نهار ، في البيوت أو القفار ، الجميع في علمه على السواء ، وتحت بصره وسمعه ، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم.

قال صديق حسن خان: بقدرته وسلطانه وعلمه عموماً، وبفضله ورحمته خصوصاً، فليس ينفك أحد من تعليق علم الله تعالى وقدرته بهأينماكان من أرض أو سماء، بر أو بحر، وقيل هومعكمبالحفظ والحراسة، قال ابن عباس: عالم بكم، وهذا تمثيل للإحاطة بما يصدر منهم،أينماداروا في الأرض من بر وبحر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (شرح حديث النزول) : لفظ المعية في سورة الحديد والمجادلة، في آيتيهما، ثبت تفسيره عن السلف بالعلم. وقالوا:
هو معهم بعلمه. وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم أحد يعتدّ بقوله.وهومأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية: هو على العرش وعلمه معهم، وهكذا عمن ذكر معه.
حكاه القاسمي في محاسن التأويل.

قال ابن عبدالبر:أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل؛ قالوا في تأويل قوله ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ): هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.
حكاه الذهبي في العلو.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية: وليس معنى قوله: ( وهو معكم ) أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه، اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان. وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكل هذا الكلام الذي ذكره الله ـ من أنه فوق العرش وأنه معنا ـ حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة؛ مثل أن يظن أن ظاهر قوله: ( في السماء )، أن السماء تظله أو تقله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان؛ فإن الله قد وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يمسك السموات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض؛ إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.
انتهى

المصدر:
غريب القران لابن قتيبة، غريب القران لابي بكر السجستاني، التبيان لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، مختلف الحديث لابن قتيبة، سالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت، العلو للذهبي، العقيدة الواسطية، إثبات صفة العلو لأبي محمد موفق الدين ابن قدامة المقدسي، مجموع الفتاوى لابن تيمية.

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل عبدالرحمن آل حمودة المصري.
للاشتراك 00966509006424
 
عودة
أعلى