عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
*البسيط في تفسير معاني وغريب القرآن*
قوله تعالى
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ): النحل: 98
*قوله ( فإذا قرأت القرآن )*: الخطاب له_ صلوات الله وسلامه عليه_ ولجميع أمته؛ ومنه قوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ). ونظيره في التنزيل كثير. وسيأتي مفصلا ( إن شاء الله ).
*قوله ( فاستعذ بالله )*: أي إذا أردت أن تقرأ؛ حتى تقرأه على استعاذة؛ والمعنى: قبل أن تأخذ في القراءة فاستعذ بالله. فالكلام ليس على ظاهره.
وهذا كقولك: إذا أحرمت فاغتسل. يعني فاغتسل قبل الإحرام.
ونظير ذلك ما جاء في الحديث مرفوعا: [ يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك] (1) أنظر إلى تخريجه أدناه فهيه فوائد ( أحسب ).
والشاهد قوله: "إذا أكلت فقل: بسم الله": يعني إذا أردت أن تأكل؛ لأنه لا يجوز الأكل قبل التسمية إذا كان ذاكرا؛ فليس معناه على ظاهره؛ أنه يسمي بعد الأكل.
ومنه أيضا ما قاله أنس: كان إذا دخل الخلاء قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) متفق عليه.
: أي إذا أراد أن يدخل الخلاء؛ يعني قبل تحقق دخوله؛ حتى يدخل متحصنا بالذكر.
ومن ذلك
حديث ابن عباس مرفوعا: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره». رواه البخاري.
فقوله ( إذا أتى أهله ): أي إذا أراد أن يأتي فليسم؛ وليس معناه بعد الإتيان.
وعليه فقوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ): أي إذا أردت.
قاله الزركشي، والسيوطي.
وزاد السيوطي: قراءته.
قال النحاس: المعنى وإذا أردت أن تقرأ.
قال معمر بن المثنى: مقدّم ومؤخّر، لأن الاستعاذة قبل القراءة.
قال الزجاج: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ليس معناه استعذ بالله بعد أن تقرأ، لأن الاستعاذة أمر بها قبل الابتداء.
قال الألوسي: أي إذا أردت قراءة القرآن فاسأله عز جاره أن يعيذك من وساوس الشيطان الرجيم كيلا يوسوسك في القراءة.
قال الطحاوي في أحكام القرآن: أي إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم حتى تقرأه على استعاذة قد كانت منك.
قال الجصاص: معناه: إذا قرأت فقدم الاستعاذة قبل القراءة، وحقيقة معناه: إذا أردت القراءة فاستعذ.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة ): قال النحاس، وأبو بكر بن العربي: المعنى إذا أردتم القيام الى الصلاة.
قال الزجاج: فالهيئة قبل الصلاة، والمعنى إذا أردتم ذلك فافعلوا.
قال الزركشي في البرهان: إذا أردتم لأن الإرادة سبب القيام.
وقوله ( إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ): أي إذا أردتم طلاقهن.
قال الكيا الهراسي، والجصاص: ومعناه: إذا أردتم الطلاق وقاربتم أن تطلقوا فطلقوا للعدة.
وقوله ( وإن حكمت فاحكم بينهم ): قال الزركشي: أي أردت الحكم، ومثله ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس ).
وقوله ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ): أي إذا أردتم أن تسألوهن.
قال الكيا الهراسي: ليس المراد به أن يسألا من وراء حجاب بعد سؤال متقدم.
وقوله ( إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ): أي إذا أردتم مناجاة الرسول.
قال البقاعي: أردتم أن تناجوا.
قال صديق حسن خان: والمعنى إذا أردتم مساررة الرسول في أمر من أموركم.
وقوله ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ): قال الكيا الهراسي: وليس المراد به العدل بعد القول، لكن قبله يعزم على أن لا يقول إلا عدلا.
وقوله ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ): قال الزركشي: أي أراد.
ومثله ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ): فقوله ( فبلغن أجلهن ): أي قاربن على انتهاء عدة الطلاق؛ فلكم الإمساك بالرجعة؛ وإلا لبانت منه.
قال الكيا الهراسي: أجمع العلماء على أن المراد ببلوغ الأجل مقاربة البلوغ، ولذكر بلوغ الأجل؛ والمراد به مقاربته دون انقضائه.
قلت: لأنه لو انقضى الأجل لبانت منه. وتفصيله في موطنه.
*قوله ( الرجيم )*: أي المرجوم؛ المبعد المطرود من كل خير.
فالرجيم: فعيل بمعنى مفعول؛ كجريح، وقتيل، وذبيحة، بمعنى مجروح، ومقتول، ومذبوحة.
ونظيره في التنزيل كثير؛ ومنه قوله تعالى ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ): الرقيم: أي المرقوم؛ بمعنى: المكتوب؛ فهو فعيل بمعنى مفعول.
قال ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني: والرقيم: الكتاب. وهو فعيل بمعنى مفعول.
وقوله في المحرمات من المطعومات ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ ): قال ابن الهائم: المنطوحة حتى تموت؛ وهي فعيلة بمعنى مفعول.
وقوله ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ) : بحيرة: أي مبحورة؛ مشقوقة الأذن. فهي فعليلة بمعنى مفعولة؛ وهي الناقة المشقوقة الأذن. مأخوذة من البحر وهو الشق؛ شق الأذن. ومثله: الوصيلة.
قال السايس: فعيلة بمعنى مبحورة، أي مشقوقة.
قال الألوسي: هي فعيلة بمعنى مفعولة من البحر وهو الشق.
وقوله في المحرمات من النساء ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ): ربائبكم: قال أبو بكر بن العربي: واحدتها ربيبة؛ فعلية بمعنى مفعولة؛ من قولك: ربها يربها؛ إذا تولى أمرها.
قال ابن عطية في المحرر: سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبة. وربيبة: فعيلة بمعنى مفعولة.
وقوله ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ): خليفة: أي مخلوف؛ فخليفة: فعيلة، بمعنى مفعولة.
أفادته مكي في الهداية.
وقوله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة ): الوسيلة: فعيلة بمعنى مفعولة من فعل وسل يسل باب وعد.
قاله محمود الصافي.
قال الطاهر بن عاشور: والوسيلة : كالوصيلة . وفعل وسل قريب من فعل وصل ، فالوسيلة : القربة ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة ، أي متوسل بها أي اتبعوا التقرب إليه ، أي بالطاعة .
وقوله ( وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ): قال الطاهر بن عاشور: والخطيئة فعلية بمعنى مفعولة لأنها مخطوء بها أي مسلوك بها مسلك الخطأ.
مسألة:
ما صيغة الاستعاذة؟
ج: اختار نافع، وابن عامر، والكسائي: أن يقولوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السّميع العليم. واحتجوا بالآية التي نحن بصددها.
أفاده أبو العلاء الكرماني في مفاتيح الأغاني.
قال الألوسي: وكيفية الاستعاذة عند الجمهور من القراء وغيرهم "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لتظافر الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ كذلك.
سؤال:
ما يقال في قول من قال: أن الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة؟
قال الجصاص:
وقول من قال: "الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة شاذ، وإنما الاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة، قال الله تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة.
ولعله يأتي ( إن شاء الله ) مزيد بحث عند تفسير سورة النحل.
____
(1): رواه الطبراني في الدعاء (886) والحميدي في مسنده (580)، و أبو عوانة في المستخرج (8255 )، والطحاوي في شرح المشكل ( 157 ).
وأورده الألباني في الصحيحة برقم: ( 344 )؛ وعزاه إلى الطبراني في المعجم الكبير من حديث عمرو بن أبي سلمة.
قلت( عبدالرحيم ): وهو كما قال _رحمه الله_؛ وتمامه:" «فما زالت تلك طعمتي بعد" و الحديث بلفظ " بسم الله" غير مشهور عند الكثير؛ وهو نص في محل النزاع؛ أعني صيغة التسمية على الطعام.
وجاء صريحا عند أحمد ( 25733 )، والترمذي ( 1858 ) و مستدرك الحاكم ( 7087 ) من حديث أم المؤمنين عائشة مرفوعا: " إذا أكل أحدكم طعاما، فليقل بسم الله، فإن نسي في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره ".
قال الذهبي في تعليقه على الحاكم" صحيح الاسناد ولم يخرجاه".
وصححه الألباني في صحيح الترمذي بالرقم ذاته( 1858 ).
وقال الألباني _ رحمه الله_ في موطن آخر: ( في تخريج أحاديث منار السبيل ) بصدد حديث الطبراني؛
قال ما نصه:
"(تنبيه) : لفظ الحديث عند جميع الطرق: " وسم الله " إلا في رواية الطبراني من الطريق الأولى فهي بلفظ: " يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله ... ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ففيه بيان ما أطلق في الروايات الأخرى، وأن التسمية على الطعام إنما السنة فيها أن يقول باختصار: " باسم الله "انتهى.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
_____
المصدر:
التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي، أحكام القرآن للكيا الهراسي، أحكام القرآن لمحمد السايس، التفسير الكبير للرازي، تفسير ابن جزي الغرناطي، زاد المسير لابن الجوزي، البحر المحيط لأبي حيان، اللباب لسراج الدين النعماني، فتح القدير للشوكاني، الجدول في إعراب القرآن لمحمود الصافي، ، إعراب القرآن للدعاس، مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي، البرهان في علوم القرآن للزركشي، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير الألوسي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، المحرر الوجيز لابن عطية.
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك — الإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
قوله تعالى
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ): النحل: 98
*قوله ( فإذا قرأت القرآن )*: الخطاب له_ صلوات الله وسلامه عليه_ ولجميع أمته؛ ومنه قوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ). ونظيره في التنزيل كثير. وسيأتي مفصلا ( إن شاء الله ).
*قوله ( فاستعذ بالله )*: أي إذا أردت أن تقرأ؛ حتى تقرأه على استعاذة؛ والمعنى: قبل أن تأخذ في القراءة فاستعذ بالله. فالكلام ليس على ظاهره.
وهذا كقولك: إذا أحرمت فاغتسل. يعني فاغتسل قبل الإحرام.
ونظير ذلك ما جاء في الحديث مرفوعا: [ يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك] (1) أنظر إلى تخريجه أدناه فهيه فوائد ( أحسب ).
والشاهد قوله: "إذا أكلت فقل: بسم الله": يعني إذا أردت أن تأكل؛ لأنه لا يجوز الأكل قبل التسمية إذا كان ذاكرا؛ فليس معناه على ظاهره؛ أنه يسمي بعد الأكل.
ومنه أيضا ما قاله أنس: كان إذا دخل الخلاء قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) متفق عليه.
: أي إذا أراد أن يدخل الخلاء؛ يعني قبل تحقق دخوله؛ حتى يدخل متحصنا بالذكر.
ومن ذلك
حديث ابن عباس مرفوعا: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره». رواه البخاري.
فقوله ( إذا أتى أهله ): أي إذا أراد أن يأتي فليسم؛ وليس معناه بعد الإتيان.
وعليه فقوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ): أي إذا أردت.
قاله الزركشي، والسيوطي.
وزاد السيوطي: قراءته.
قال النحاس: المعنى وإذا أردت أن تقرأ.
قال معمر بن المثنى: مقدّم ومؤخّر، لأن الاستعاذة قبل القراءة.
قال الزجاج: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ليس معناه استعذ بالله بعد أن تقرأ، لأن الاستعاذة أمر بها قبل الابتداء.
قال الألوسي: أي إذا أردت قراءة القرآن فاسأله عز جاره أن يعيذك من وساوس الشيطان الرجيم كيلا يوسوسك في القراءة.
قال الطحاوي في أحكام القرآن: أي إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم حتى تقرأه على استعاذة قد كانت منك.
قال الجصاص: معناه: إذا قرأت فقدم الاستعاذة قبل القراءة، وحقيقة معناه: إذا أردت القراءة فاستعذ.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة ): قال النحاس، وأبو بكر بن العربي: المعنى إذا أردتم القيام الى الصلاة.
قال الزجاج: فالهيئة قبل الصلاة، والمعنى إذا أردتم ذلك فافعلوا.
قال الزركشي في البرهان: إذا أردتم لأن الإرادة سبب القيام.
وقوله ( إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ): أي إذا أردتم طلاقهن.
قال الكيا الهراسي، والجصاص: ومعناه: إذا أردتم الطلاق وقاربتم أن تطلقوا فطلقوا للعدة.
وقوله ( وإن حكمت فاحكم بينهم ): قال الزركشي: أي أردت الحكم، ومثله ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس ).
وقوله ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ): أي إذا أردتم أن تسألوهن.
قال الكيا الهراسي: ليس المراد به أن يسألا من وراء حجاب بعد سؤال متقدم.
وقوله ( إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ): أي إذا أردتم مناجاة الرسول.
قال البقاعي: أردتم أن تناجوا.
قال صديق حسن خان: والمعنى إذا أردتم مساررة الرسول في أمر من أموركم.
وقوله ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ): قال الكيا الهراسي: وليس المراد به العدل بعد القول، لكن قبله يعزم على أن لا يقول إلا عدلا.
وقوله ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ): قال الزركشي: أي أراد.
ومثله ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ): فقوله ( فبلغن أجلهن ): أي قاربن على انتهاء عدة الطلاق؛ فلكم الإمساك بالرجعة؛ وإلا لبانت منه.
قال الكيا الهراسي: أجمع العلماء على أن المراد ببلوغ الأجل مقاربة البلوغ، ولذكر بلوغ الأجل؛ والمراد به مقاربته دون انقضائه.
قلت: لأنه لو انقضى الأجل لبانت منه. وتفصيله في موطنه.
*قوله ( الرجيم )*: أي المرجوم؛ المبعد المطرود من كل خير.
فالرجيم: فعيل بمعنى مفعول؛ كجريح، وقتيل، وذبيحة، بمعنى مجروح، ومقتول، ومذبوحة.
ونظيره في التنزيل كثير؛ ومنه قوله تعالى ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ): الرقيم: أي المرقوم؛ بمعنى: المكتوب؛ فهو فعيل بمعنى مفعول.
قال ابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني: والرقيم: الكتاب. وهو فعيل بمعنى مفعول.
وقوله في المحرمات من المطعومات ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ ): قال ابن الهائم: المنطوحة حتى تموت؛ وهي فعيلة بمعنى مفعول.
وقوله ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ) : بحيرة: أي مبحورة؛ مشقوقة الأذن. فهي فعليلة بمعنى مفعولة؛ وهي الناقة المشقوقة الأذن. مأخوذة من البحر وهو الشق؛ شق الأذن. ومثله: الوصيلة.
قال السايس: فعيلة بمعنى مبحورة، أي مشقوقة.
قال الألوسي: هي فعيلة بمعنى مفعولة من البحر وهو الشق.
وقوله في المحرمات من النساء ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ): ربائبكم: قال أبو بكر بن العربي: واحدتها ربيبة؛ فعلية بمعنى مفعولة؛ من قولك: ربها يربها؛ إذا تولى أمرها.
قال ابن عطية في المحرر: سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبة. وربيبة: فعيلة بمعنى مفعولة.
وقوله ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ): خليفة: أي مخلوف؛ فخليفة: فعيلة، بمعنى مفعولة.
أفادته مكي في الهداية.
وقوله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة ): الوسيلة: فعيلة بمعنى مفعولة من فعل وسل يسل باب وعد.
قاله محمود الصافي.
قال الطاهر بن عاشور: والوسيلة : كالوصيلة . وفعل وسل قريب من فعل وصل ، فالوسيلة : القربة ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة ، أي متوسل بها أي اتبعوا التقرب إليه ، أي بالطاعة .
وقوله ( وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ): قال الطاهر بن عاشور: والخطيئة فعلية بمعنى مفعولة لأنها مخطوء بها أي مسلوك بها مسلك الخطأ.
مسألة:
ما صيغة الاستعاذة؟
ج: اختار نافع، وابن عامر، والكسائي: أن يقولوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السّميع العليم. واحتجوا بالآية التي نحن بصددها.
أفاده أبو العلاء الكرماني في مفاتيح الأغاني.
قال الألوسي: وكيفية الاستعاذة عند الجمهور من القراء وغيرهم "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لتظافر الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ كذلك.
سؤال:
ما يقال في قول من قال: أن الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة؟
قال الجصاص:
وقول من قال: "الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة شاذ، وإنما الاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة، قال الله تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة.
ولعله يأتي ( إن شاء الله ) مزيد بحث عند تفسير سورة النحل.
____
(1): رواه الطبراني في الدعاء (886) والحميدي في مسنده (580)، و أبو عوانة في المستخرج (8255 )، والطحاوي في شرح المشكل ( 157 ).
وأورده الألباني في الصحيحة برقم: ( 344 )؛ وعزاه إلى الطبراني في المعجم الكبير من حديث عمرو بن أبي سلمة.
قلت( عبدالرحيم ): وهو كما قال _رحمه الله_؛ وتمامه:" «فما زالت تلك طعمتي بعد" و الحديث بلفظ " بسم الله" غير مشهور عند الكثير؛ وهو نص في محل النزاع؛ أعني صيغة التسمية على الطعام.
وجاء صريحا عند أحمد ( 25733 )، والترمذي ( 1858 ) و مستدرك الحاكم ( 7087 ) من حديث أم المؤمنين عائشة مرفوعا: " إذا أكل أحدكم طعاما، فليقل بسم الله، فإن نسي في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره ".
قال الذهبي في تعليقه على الحاكم" صحيح الاسناد ولم يخرجاه".
وصححه الألباني في صحيح الترمذي بالرقم ذاته( 1858 ).
وقال الألباني _ رحمه الله_ في موطن آخر: ( في تخريج أحاديث منار السبيل ) بصدد حديث الطبراني؛
قال ما نصه:
"(تنبيه) : لفظ الحديث عند جميع الطرق: " وسم الله " إلا في رواية الطبراني من الطريق الأولى فهي بلفظ: " يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله ... ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ففيه بيان ما أطلق في الروايات الأخرى، وأن التسمية على الطعام إنما السنة فيها أن يقول باختصار: " باسم الله "انتهى.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
_____
المصدر:
التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي، أحكام القرآن للكيا الهراسي، أحكام القرآن لمحمد السايس، التفسير الكبير للرازي، تفسير ابن جزي الغرناطي، زاد المسير لابن الجوزي، البحر المحيط لأبي حيان، اللباب لسراج الدين النعماني، فتح القدير للشوكاني، الجدول في إعراب القرآن لمحمود الصافي، ، إعراب القرآن للدعاس، مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي، البرهان في علوم القرآن للزركشي، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير الألوسي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، المحرر الوجيز لابن عطية.
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك — الإبلاغ عن خطأ: 00966509006424