عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
*البسيط في تفسير معاني وغريب القرآن*
قوله تعالى
( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)) الشرح
*قوله ( أَلَمْ):* استفهام تقرير.
قاله العز بن عبد السلام.
*قوله ( نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ):* أي ألم نفتح لك صدرك.
قاله غلام ثعلب، والسمعاني، والقرطبي.
قال البغوي، والواحدي(ج) : ألمنفتحونوسع ونلينلك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة.
وزاد الواحدي: هذا استفهام معناه التقرير.
قال التستري: فنلِّين لك قلبك، ونجعله وعاء للحكمة.
قال مقاتل بن سليمان: يعنى ألم نوسع لك صدرك، يعني بالإيمان...
قال السمين الحلبي في العمدة: أي وسعناه لتلقي الوحي، وألقينا عنك أعباء النبوة حتى أطقت حملها.
قال الإيجي الشافعي:أي فسحناه ونورناه ووسعناه بالنبوة والحكمة، أو إشارة إلى شق صدره في صباه، وإخراج الغل والحسد وإدخال الرأفة والرحمة، والحكاية مشهورة، والهمزة لإنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته.
قال الزجاج: أي شرحناه للإسلام.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإسلام ): شرح: قال القرطبي: فتح ووسع.
وقال الثعلبي: أي فتح الله صدره.
وقال ابن أبي زمنين: أي: وسع.
ومقاتل: يقول أفمن وسع الله قلبه للتوحيد.
ومنه ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ): قال السمعاني: أي يفتح قلبه حتى يدخل الإسلام.
وقال البغوي: أي يفتح قلبه وينوره حتى يدخل الإسلام.
ومنه ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ): قال السمرقندي، والنحاس: أي فتح صدره بالقبول.
إلا أن النحاس قال: لقبوله. وبنحوه قال ابن قتيبة.
ومنه ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ): قال الواحدي في البسيط: افتح لي صدري ووسعه لقبول الحق.
*قوله ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ ):* حططنا عنك.
قاله الجمل في مخطوطته، والواحدي(ج)، وسراج الدين النعماني، والقرطبي، وبه قال مقاتل بن سليمان.
قال السمين الحلبي في العمدة: أي أحططنا وأسقطنا. يقال: وضع الأمير عن قومه كذا، أي أسقطه.
قال البقاعي: أي حططنا وأسقطنا وأبطلنا حطا لا رجعة له ولا فيه بوجه بما لنا من العظمة.
وقيل: معناه خففنا عليك أعباء النبوة والوزر في اللغة: الحمل الثقيل.
حكاه الواحدي في الوجيز.
*قوله (وِزْرَكَ ):* ذنبك.
قاله القرطبي، ومقاتل، وسراج الدين النعماني، وغيرهم.
قال ابن كثير: بمعنى: ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ).
قال الزجاج: أي وضعنا عنك إثمك؛ أن غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
وقال الفراء: إثم الجاهلية. وبه قال ابن قتيبة.
قال العز بن عبد السلام: غفرنالكذنبك أو حططنا عنك ثقلكأو حفظناك في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك جبريل عليه السلام وأنت مطهر منها.
قال الشوكاني: والوزر: الذنب.
قال ابن فورك: الوزر: الثقل، والأوزار: الذنوب لأنها أثقال.
قال مجير الدين العليمي: وهذه الآية نظير قوله تعالى: ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية قبل النبوة وزره صحبة قومه، وأكله من ذبائحهم، ونحو هذا، وهذه كلها جرها المنشأ، وأما عبادة الأصنام، فلم يتلبس بها قط بإجماع الأمة.
قال الزجاج: وسمي الإثم وزرا لأن صاحبه قد حمل بها ثقلا.
قلت ( عبدالرحيم ): مذهب الجمهور أن الوزر هاهنا الذنب؛ كما نص عليه ابن جزي الغرناطي، وأصل الوزر الحمل، وأعظم ما يحمله الإنسان: الإثم؛
قال أبو الهلال العسكري في الفروق اللغوية: الوزر يفيد أنه يثقل صاحبه وأصله الثقل. انتهى كلامه.
قلت: فمما جاء في مجرد معنى الحمل قوله تعالى ( قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ): حملنا أوزارا من زينة القوم: قال أبو بكر الأنباري في الزاهر، و أبو بكر السجستاني في الغريب: أثقالا.
وقال ابن قتيبة: أي أحمالا من حُليّهم.
ومنه ( حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا ): أوزارها: أثقالها. قاله الصُحاري في الإبانة.
وقال أبو بكر السجستاني: أي حتى يضع أهل الحرب السلاح.
وقال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: ووضعت الحرب أوزارها: أي أثقالها من سلاح وغيره.
ومنه ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ): وزيرا: معينا؛ يحمل معي عبئ الرسالة معي؛ لذا قال بعدها "اشدد به أزري": أي قو به ظهري.
قال مكي في الهداية: أي ظهري: وقيل للظهر أزر، لأنه محل الأوزار.
قال أبو بكر الأنباري في الزاهر: إنما سمي الوزير وزيرا لأنه يتحمل أثقال الملك. والوزر معناه في اللغة: الثقل، والأوزار، الأثقال.
انتهى كلامه.
ومما جاء في معنى الإثم قوله تعالى ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ): أي لا تحمل نفس حمل أخرى؛ و إن تنادي نفسٌ مثقلةٌ ظهرُها بحمل الإثم؛ نفساً غيرَها لتحمل عنها وزرها؛ لا يحملُ منها شيء، ولو كان أقرب الناس؛ لا يحمل قريب عن قريب شيئا؛ لأنه يوم الفرار ( يوم يفر المرء من أخيه ) الآية؛ إنما الحساب والجزاء بالأعمال.
قال النحاس: الوزر في اللغة الحمل الثقيل وقيل للإثم وزر على التمثيل. انتهى كلامه.
ومنه ( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ): حمل ظلما: أي حمل شركا، وأعظمُ حملٍ يثقلُ الظهرَ؛ الشركُ بالله.
قال مقاتل، وابن أبي زمنين، والسمرقندي: شركا.
وقال الواحدي في الوجيز: خسر من أشرك بالله.
انتهى
ومنه ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ): فقوله ( وليحملن أثقالهم ): قال قتادة: أي أوزارهم. رواه الطبري.
قال البغوي: أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم،
وقوله ( وأثقالا مع أثقالهم ) أي: أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم . قاله البغوي.
ومنه ( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ): قال الزجاج: أي يحملون ثِقل ذُنوبهم.
( ساء ما يزرون ): ساء ما يحملون. قاله مقاتل بن سليمان، ويحيى بن سلام، وبه قال الزجاج.
ومنه ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ): قال الطبري: ألا ساء الإثم الذي يأثمون ، والثقل الذي يتحملون.
وقال السمرقندي: "يزرون" يحملون.
*قوله ( أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ):* أثقل ظهرك.
قاله الطبري، وسراج الدين النعماني، ومقاتل، والثعلبي، وغيرهم ، وهو قول ابن قتيبة، ومكي في الهداية، والمشكل.
وزاد الثعلبي، والطبري، ومكي: فأوهنه.
قال قتادة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم_ ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له.
رواه الطبري.
قال الإيجي: كأن الذنوب حمل يثقل الظهر.
قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي النقض بمعنى: مطلق الصوت؛ كما نص عليه في تاج العروس. وقال ابن منظور في اللسان: وأَنْقَضت العُقابُ أَي صوَّتَت.
وذكر ابن سيده في المحكم: ونقيض الرحل والأديم والوتر: صوته.
وقال الحميري في شمس العلوم: وأنقض بالدابة: إِذا ألصق لسانه بحنكة فصوّت.
قال في مختار الصحاح: و (أَنْقَضَ) الْحِمْل ظهره أثقله ومنه قوله تعالى: ( أنقض ظهرك ) وأصل (الْإِنْقَاضِ) صويت مثل النَّقْر.
قلت: فالمعنى _ والله أعلم_: وضعنا عنك إثمك؛ ما تقدم منه وما تأخر؛ وبعصمتنا لك منه؛ سيما بعد النبوة؛ الذي أثقل ظهرك؛ حتى يكاد أن يسمع لظهرك صوت من ثقله، ونقيض الرحل صوته، وفيه إشارة إلى خطر الوزر،
قال البيضاوي: الذي أنقض ظهرك الذي حمله على النقيض وهو صوت الرحل عند الانتقاض من ثقل الحمل وهو ما ثقل عليه من فرطاته قبل البعثة، أو جهله بالحكم والأحكام أو حيرته، أو تلقي الوحي أو ما كان يرى من ضلال قومه من العجز عن إرشادهم، أو من إصرارهم وتعديهم في إيذائه حين دعاهم إلى الإيمان.
قال الأزهري: أي أثقل ظهرك حتى سُمع نقيضه أي صوته.
قال البقاعي: أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل،...
قال الجمل في مخطوطته: أنقض الحمل ظهر الدابة: ثقل عليها فسمع صوت من تفكك عظام من الإعياء ويمسي هذا الصوت النقض ويقال علي التشبيه: أصاب فلانا هم أنقض ظهره إذا بلغ منه وبرح به.
قال الجبي في شرح غريب ألفاظ المدونة: أي أثقل ظهرك حتى قصبه يعني الذنب وإن لم يقصف الظهر فقد قصف الدين وهو أشد ولكنه مثل على شدة ثقله.
قال الراغب: والظَّهْرُ هاهنا استعارة تشبيها للذّنوب بالحمل الذي ينوء بحامله.
وذكر الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: والأصل فيه أن الظهر إذا أثقله حمله سمع له نقيض أي صوت خفي وذلك عند غاية الإثقال، فأخبر الله عز وجل أنه غفر لنبيه أوزاره التي كانت تراكمت على ظهره حتى أوقرته، وأنها لو كانت أثقالا حملت على ظهره لسمع لها نقيض أي صوت، وكل صوت لمفصل أو إصبع أو ضلع فهو نقيض، وقد أنقض ظهر فلان إذا سمع له نقيض.
انتهى
_______________
المصدر:
أنظر:
ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير ابن أبي زمنين، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير التستري، تفسير السمرقندي، الوجيز للواحدي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير السمعاني، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، مخطوطة الجمل، جامع البيان للإيجي الشافعي، اللباب لسراج الدين النعماني، فتح القدير للشوكاني، تفسير العز بن عبد السلام، تفسير ابن فورك، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، تفسير مقاتل، الإبانة في اللغة العربية لسَلَمة الصُحاري، الفروق اللغوية لأبي الهلال العسكري، لسان العرب لابن منظور، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، الزاهر في اللغة العربية لأبي بكر الأنباري، شرح غريب ألفاظ المدونة للجبي، مختار الصحاح لزين الدين الرازي، شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*
قوله تعالى
( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)) الشرح
*قوله ( أَلَمْ):* استفهام تقرير.
قاله العز بن عبد السلام.
*قوله ( نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ):* أي ألم نفتح لك صدرك.
قاله غلام ثعلب، والسمعاني، والقرطبي.
قال البغوي، والواحدي(ج) : ألمنفتحونوسع ونلينلك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة.
وزاد الواحدي: هذا استفهام معناه التقرير.
قال التستري: فنلِّين لك قلبك، ونجعله وعاء للحكمة.
قال مقاتل بن سليمان: يعنى ألم نوسع لك صدرك، يعني بالإيمان...
قال السمين الحلبي في العمدة: أي وسعناه لتلقي الوحي، وألقينا عنك أعباء النبوة حتى أطقت حملها.
قال الإيجي الشافعي:أي فسحناه ونورناه ووسعناه بالنبوة والحكمة، أو إشارة إلى شق صدره في صباه، وإخراج الغل والحسد وإدخال الرأفة والرحمة، والحكاية مشهورة، والهمزة لإنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته.
قال الزجاج: أي شرحناه للإسلام.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإسلام ): شرح: قال القرطبي: فتح ووسع.
وقال الثعلبي: أي فتح الله صدره.
وقال ابن أبي زمنين: أي: وسع.
ومقاتل: يقول أفمن وسع الله قلبه للتوحيد.
ومنه ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ): قال السمعاني: أي يفتح قلبه حتى يدخل الإسلام.
وقال البغوي: أي يفتح قلبه وينوره حتى يدخل الإسلام.
ومنه ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ): قال السمرقندي، والنحاس: أي فتح صدره بالقبول.
إلا أن النحاس قال: لقبوله. وبنحوه قال ابن قتيبة.
ومنه ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ): قال الواحدي في البسيط: افتح لي صدري ووسعه لقبول الحق.
*قوله ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ ):* حططنا عنك.
قاله الجمل في مخطوطته، والواحدي(ج)، وسراج الدين النعماني، والقرطبي، وبه قال مقاتل بن سليمان.
قال السمين الحلبي في العمدة: أي أحططنا وأسقطنا. يقال: وضع الأمير عن قومه كذا، أي أسقطه.
قال البقاعي: أي حططنا وأسقطنا وأبطلنا حطا لا رجعة له ولا فيه بوجه بما لنا من العظمة.
وقيل: معناه خففنا عليك أعباء النبوة والوزر في اللغة: الحمل الثقيل.
حكاه الواحدي في الوجيز.
*قوله (وِزْرَكَ ):* ذنبك.
قاله القرطبي، ومقاتل، وسراج الدين النعماني، وغيرهم.
قال ابن كثير: بمعنى: ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ).
قال الزجاج: أي وضعنا عنك إثمك؛ أن غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
وقال الفراء: إثم الجاهلية. وبه قال ابن قتيبة.
قال العز بن عبد السلام: غفرنالكذنبك أو حططنا عنك ثقلكأو حفظناك في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك جبريل عليه السلام وأنت مطهر منها.
قال الشوكاني: والوزر: الذنب.
قال ابن فورك: الوزر: الثقل، والأوزار: الذنوب لأنها أثقال.
قال مجير الدين العليمي: وهذه الآية نظير قوله تعالى: ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية قبل النبوة وزره صحبة قومه، وأكله من ذبائحهم، ونحو هذا، وهذه كلها جرها المنشأ، وأما عبادة الأصنام، فلم يتلبس بها قط بإجماع الأمة.
قال الزجاج: وسمي الإثم وزرا لأن صاحبه قد حمل بها ثقلا.
قلت ( عبدالرحيم ): مذهب الجمهور أن الوزر هاهنا الذنب؛ كما نص عليه ابن جزي الغرناطي، وأصل الوزر الحمل، وأعظم ما يحمله الإنسان: الإثم؛
قال أبو الهلال العسكري في الفروق اللغوية: الوزر يفيد أنه يثقل صاحبه وأصله الثقل. انتهى كلامه.
قلت: فمما جاء في مجرد معنى الحمل قوله تعالى ( قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ): حملنا أوزارا من زينة القوم: قال أبو بكر الأنباري في الزاهر، و أبو بكر السجستاني في الغريب: أثقالا.
وقال ابن قتيبة: أي أحمالا من حُليّهم.
ومنه ( حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا ): أوزارها: أثقالها. قاله الصُحاري في الإبانة.
وقال أبو بكر السجستاني: أي حتى يضع أهل الحرب السلاح.
وقال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: ووضعت الحرب أوزارها: أي أثقالها من سلاح وغيره.
ومنه ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ): وزيرا: معينا؛ يحمل معي عبئ الرسالة معي؛ لذا قال بعدها "اشدد به أزري": أي قو به ظهري.
قال مكي في الهداية: أي ظهري: وقيل للظهر أزر، لأنه محل الأوزار.
قال أبو بكر الأنباري في الزاهر: إنما سمي الوزير وزيرا لأنه يتحمل أثقال الملك. والوزر معناه في اللغة: الثقل، والأوزار، الأثقال.
انتهى كلامه.
ومما جاء في معنى الإثم قوله تعالى ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ): أي لا تحمل نفس حمل أخرى؛ و إن تنادي نفسٌ مثقلةٌ ظهرُها بحمل الإثم؛ نفساً غيرَها لتحمل عنها وزرها؛ لا يحملُ منها شيء، ولو كان أقرب الناس؛ لا يحمل قريب عن قريب شيئا؛ لأنه يوم الفرار ( يوم يفر المرء من أخيه ) الآية؛ إنما الحساب والجزاء بالأعمال.
قال النحاس: الوزر في اللغة الحمل الثقيل وقيل للإثم وزر على التمثيل. انتهى كلامه.
ومنه ( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ): حمل ظلما: أي حمل شركا، وأعظمُ حملٍ يثقلُ الظهرَ؛ الشركُ بالله.
قال مقاتل، وابن أبي زمنين، والسمرقندي: شركا.
وقال الواحدي في الوجيز: خسر من أشرك بالله.
انتهى
ومنه ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ): فقوله ( وليحملن أثقالهم ): قال قتادة: أي أوزارهم. رواه الطبري.
قال البغوي: أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم،
وقوله ( وأثقالا مع أثقالهم ) أي: أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم . قاله البغوي.
ومنه ( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ): قال الزجاج: أي يحملون ثِقل ذُنوبهم.
( ساء ما يزرون ): ساء ما يحملون. قاله مقاتل بن سليمان، ويحيى بن سلام، وبه قال الزجاج.
ومنه ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ): قال الطبري: ألا ساء الإثم الذي يأثمون ، والثقل الذي يتحملون.
وقال السمرقندي: "يزرون" يحملون.
*قوله ( أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ):* أثقل ظهرك.
قاله الطبري، وسراج الدين النعماني، ومقاتل، والثعلبي، وغيرهم ، وهو قول ابن قتيبة، ومكي في الهداية، والمشكل.
وزاد الثعلبي، والطبري، ومكي: فأوهنه.
قال قتادة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم_ ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له.
رواه الطبري.
قال الإيجي: كأن الذنوب حمل يثقل الظهر.
قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي النقض بمعنى: مطلق الصوت؛ كما نص عليه في تاج العروس. وقال ابن منظور في اللسان: وأَنْقَضت العُقابُ أَي صوَّتَت.
وذكر ابن سيده في المحكم: ونقيض الرحل والأديم والوتر: صوته.
وقال الحميري في شمس العلوم: وأنقض بالدابة: إِذا ألصق لسانه بحنكة فصوّت.
قال في مختار الصحاح: و (أَنْقَضَ) الْحِمْل ظهره أثقله ومنه قوله تعالى: ( أنقض ظهرك ) وأصل (الْإِنْقَاضِ) صويت مثل النَّقْر.
قلت: فالمعنى _ والله أعلم_: وضعنا عنك إثمك؛ ما تقدم منه وما تأخر؛ وبعصمتنا لك منه؛ سيما بعد النبوة؛ الذي أثقل ظهرك؛ حتى يكاد أن يسمع لظهرك صوت من ثقله، ونقيض الرحل صوته، وفيه إشارة إلى خطر الوزر،
قال البيضاوي: الذي أنقض ظهرك الذي حمله على النقيض وهو صوت الرحل عند الانتقاض من ثقل الحمل وهو ما ثقل عليه من فرطاته قبل البعثة، أو جهله بالحكم والأحكام أو حيرته، أو تلقي الوحي أو ما كان يرى من ضلال قومه من العجز عن إرشادهم، أو من إصرارهم وتعديهم في إيذائه حين دعاهم إلى الإيمان.
قال الأزهري: أي أثقل ظهرك حتى سُمع نقيضه أي صوته.
قال البقاعي: أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل،...
قال الجمل في مخطوطته: أنقض الحمل ظهر الدابة: ثقل عليها فسمع صوت من تفكك عظام من الإعياء ويمسي هذا الصوت النقض ويقال علي التشبيه: أصاب فلانا هم أنقض ظهره إذا بلغ منه وبرح به.
قال الجبي في شرح غريب ألفاظ المدونة: أي أثقل ظهرك حتى قصبه يعني الذنب وإن لم يقصف الظهر فقد قصف الدين وهو أشد ولكنه مثل على شدة ثقله.
قال الراغب: والظَّهْرُ هاهنا استعارة تشبيها للذّنوب بالحمل الذي ينوء بحامله.
وذكر الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: والأصل فيه أن الظهر إذا أثقله حمله سمع له نقيض أي صوت خفي وذلك عند غاية الإثقال، فأخبر الله عز وجل أنه غفر لنبيه أوزاره التي كانت تراكمت على ظهره حتى أوقرته، وأنها لو كانت أثقالا حملت على ظهره لسمع لها نقيض أي صوت، وكل صوت لمفصل أو إصبع أو ضلع فهو نقيض، وقد أنقض ظهر فلان إذا سمع له نقيض.
انتهى
_______________
المصدر:
أنظر:
ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، التصاريف ليحيى بن سلام، تفسير ابن أبي زمنين، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للنحاس، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير التستري، تفسير السمرقندي، الوجيز للواحدي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير القرطبي، الكشف والبيان للثعلبي، تفسير السمعاني، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، مخطوطة الجمل، جامع البيان للإيجي الشافعي، اللباب لسراج الدين النعماني، فتح القدير للشوكاني، تفسير العز بن عبد السلام، تفسير ابن فورك، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، تفسير مقاتل، الإبانة في اللغة العربية لسَلَمة الصُحاري، الفروق اللغوية لأبي الهلال العسكري، لسان العرب لابن منظور، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، الزاهر في اللغة العربية لأبي بكر الأنباري، شرح غريب ألفاظ المدونة للجبي، مختار الصحاح لزين الدين الرازي، شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري، تفسير غريب القرآن لكاملة الكواري.
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*