عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
*الوسيط في تفسير معاني وغريب القرآن*
قوله تعالى
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) النور: (43)
*قوله {ألم تر أن الله يزجي }:* يزجي: يسوقه، ويسيره؛ برفق.
ومنه قوله ( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ): يزجي:قال النحاس: أي يسوق. وقال الجلال المحلي:يجري. وقال ابن: قتيبة: يسيرها.
*قوله {سحابا}:* إلى حيث يريد.
*قوله {ثم يؤلف بينه}:* يجمع بين قطع السحاب، وأجزاءه، ويضم بعضه إلى بعض؛ فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة.
قال الطبري: وتأليف الله السحاب: جمعه بين متفرّقها.
*قوله {ثم يجعله ركاما}:* متراكما بعضه فوق بعض.
قال القرطبي: والرَّكْمُ: جَمْعُ الشيءِ، يقال: رَكَمَ الشيءَ يَرْكُمُهُ رَكْمًا إذا جَمَعَهُ وألقى بعضَه عَلَى بعض.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ): قال البيضاوي: فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم.
قال ابن الهائم: أي يجمعه بعضه فوق بعض.
ومنه ( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ): "مركوم": قال النسفي: جمع بعضه على بعض.
*قوله {فترى الودق}:* المطر.
والودق: المطر؛ بلغة جرهم.
قاله ابن حسنون السامري، وابن الهائم.
تنبيه:
قلت ( عبدالرحيم ): وثم تنبيه؛ في هذه المقام؛ اشتهر عند البعض أنه لا يصح إطلاق المطر على الغيث.
ولعل الباعث لهم أمران:
الأول:
ما ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن؛ عند تفسيره لقوله حكاية عن المشركين ( فأمطر علينا حجارة من السماء ): قال "مجازه أن كل شيء من العذاب فهو أمطرت بالألف وإن كان من الرحمة فهو مطرت.
الثاني:
ما رواه البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ( والمعلقات ليست على شرطه )؛
حيث قال - البخاري - : قال ابن عيينة: «ما سمى الله تعالى مطرا في القرآن إلا عذابا وتسميه العرب الغيث».
وقد تعقبهما الحافظ ابن حجر في الفتح بقوله:
وقد تُعقب كلام بن عيينة بورود المطر بمعنى الغيث في القرآن في قوله تعالى إن كان بكم أذى من مطر فالمراد به هنا الغيث قطعا ومعنى التأذي به البلل الحاصل منه للثوب والرجل وغير ذلك وقال أبو عبيدة إن كان من العذاب فهو أمطرت وإن كان من الرحمة فهو مطرت وفيه نظر أيضا.
انتهى
*قوله {يخرج من خلاله}:*يعني: من وسط السحاب؛ فترى المطر يخرج من بين فرج، وفتحات السحاب.
قال مكي في الهداية: أي: من بين السحاب، والهاء من {خِلاَلِهِ} تعود على السحاب والخلال جمع خَلَلٍ.
والخلال السحاب بلغة جرهم.
قاله ابن الهائم.
*قوله {وينزل من السماء من}:* زائدة.
قاله الجلال المحلي.
وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والأزهري الهروي في تهذيب اللغة، وابن منظور في اللسان، والبغوي: صلة.
فائدة، وتنبيه:
لا فرق بين قولهم "صلة" وبين قولهم "زائدة".
لكن بعضهم يرى ذلك تأدبا؛ أن يقول: صلة؛ لأننا إذا قلنا "زائدة" أوهم أن كتاب الله فيه زيادة لا معنى لها؛ والأمر ليس كذلك؛ لأننا عندما نذكر مثل هذا، نريد البيان؛ ليظهر المعنى؛ فكتاب الله غير ذي عوج؛
ولأن الحرف الزائد له فوائد؛ منها:
مزيد تأكيد؛ أو تزيين النظم، واللفظ؛ فمثلا – والأمثلة كثيرة - قوله تعالى ( فبما نقضهم ميثاقهم ): أصله: فبنقضهم ميثاقهم.
ومنه (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ): فقوله ( من خير ): "من" زائدة من ناحية المعنى يمكن الاستغناء عنها، وحذفها لا يضر؛ لكن في الكتاب العزيز ليس كذلك؛ فهو بيان للتأكيد؛ بأن هؤلاء القوم لا يريدون أدنى خير لأهل الإسلام.
قال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: فائدة الحرف الزائد في كلام العرب إما معنوية وإما لفظية فالمعنوية تأكيد المعنى الثابت وتقويته وأما اللفظية فتزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح أو كون الكلمة أو الكلام بها يصير مستقيم الوزن أو حسن السجع أو غير ذلك ولا يجوز خلو الزيادة من اللفظية والمعنوية معا وإلا لعدت عبثا وقد تجتمع الفائدتان في حرف وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى.
انتهى
*قوله {جبال}:* في السماء.
*قوله { فيها من برد}:* أي بعضه. والبرد، بفتح الراء: الماءُ الجَامِدُ ينزلُ من السَّحاب قِطَعًا صِغَارًا.
قال الأخفش: وهو فيما فسر "ينزل من السماء جبالا فيها برد.
قال ابن أبي زمنين: ينزل من تلك الجبال التي هي من برد.
قال يحيى بن سلام في تفسيره: ينزل من تلك الجبال التي هي من برد. إن في السماء جبالا من برد.
وقال الزجاج: من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد.
قال السمرقندي: يعني: من جبال في السماء.
وروى ابن أبي حاتم عن قتادة، عن كعب قال: لولا أن الجليد ينزل من السماء الرابعة ما مر بشيء إلا أهلكه.
استطراد:
تنبيه:
إنما ذكرت أثر كعب الأحبار؛ لعل المعنى من الآية يظهر؛ سيما وأن من العلماء من ذكر فيها أقوالا ثم توقف؛
وهذا بقطع النظر عن شيئين:
الأول: صحته عن كعب الأحبار.
ثانيا: إن صح عن كعب الأحبار؛ فالغيبيات لا طريق لها إلا من فيّ الذي لا ينطق عن الهوى – صلوات الله وسلامه عليه – حتى كلام الصحابي، أو تفسيره ليس بحجة- في ذاته - ، ما لم يكن من قبيل الرأي، ولم يعرف عنه الحديث بالإسرائيليات؛ وإذا كان هذا في شأن الصحابي – رضي الله عنهم أجمعين - فما ظنك بمن دونهم؛ ككعب الاحبار – رحمه الله – وقد أسلم بعد موت النبي؛ بعدما كان يهوديا (وكان خبيرا بكتب اليهود ، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة )،
فالموقف من مثل هذا، ما هو معلوم في شأن الإسرائيليات؛ لا نصدق ولا نكذب، لحديث "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
( شطر من حديث رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص)،
والعمل بهذا الحديث في اطار قوله صلى الله عليه وسلم: " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه
ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ".
( رواه أبو داو من حديث أبي نملة الأنصاري، عن أبيه، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (2800 )، صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (3644) ).
انتهى
*قوله {فيصيب به}:* بالبرَد.
*قوله {من يشاء}:* أن يصيب؛ فيهلك زروعه وأمواله.
والمعنى: فيعذّب بذلك الذي ينـزل من السماء من جبال فيها من برد، من يشاء فيهلكه، أو يهلك به زروعه وماله.
لذا كان – صلوات الله وسلامه عليه – إذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبا نافعا». رواه البخاري من حديث عائشة.
وعند الاستسقاء يقول: «اللهم حوالينا ولا علينا».
شطر من حديث متفق عليه؛ من حديث أنس بن مالك.
*قوله {ويصرفه عن من يشاء}:* أن يصرفه عنه؛ فلا يضره؛ يصرف ذلك البرَد .
*قوله {يكاد}:* يقرب.
قاله سراج الدين النعماني، والجلال المحلي، وغيرهما.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ): قال صديق حسن خان: أي يقرب.
ومنه ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ): قال البقاعي:لايقربمن أن يعرب عن معنىً من المعاني.
ومنه ( اذا اخرج يده لم يكد يراها ): قال البغوي: يعني لم يقرب ان يراها.
ومنه ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ): قال الثعلبي: أي يقرب.
ومنه{لايكادونيفقهون}: قال البقاعي: لايقربونمن أن يفهموا.
ومنه ( وقوله يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ): أي يقربون.
ومنه ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ): قال الهرري:أي: وإن الشأنيقربالذي كفروا من شدّة عداوتهم، ونظرهم إليك شزراً بعيون العداوة أن يزيلوك عن مكانك، ويزلقوا قدمك عن مكانه، أو: يهلكوك لشدة حنقهم عليك.
*قوله {سنا برقه}:* ضوء برقه؛ لمعانه؛ ضوء برق السَّحاب.
يعني: من شدة نوره.
*قوله {يذهب بالأبصار}:* الناظرة له؛ أي يخطفها من شدَّة توقُّده، وفرط الإضاءة، فالله_ سبحانه_ مخرج الماء والنار، والظلمة، والنور من شيء واحد.
_____________
المصدر:
أنظر:
التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للأخفش، تفسير ابن أبي زمنين، اللباب لسراج الدين النعماني، الكشف والبيان للثعلبي، جامع البيان للإيجي الشافعي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير القرطبي، تفسير الطبري، تفسير يحيى بن سلام، تفسير الجلالين، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، البحر المديد في تفسير القرآن، للهرري، إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.
- كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*
قوله تعالى
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) النور: (43)
*قوله {ألم تر أن الله يزجي }:* يزجي: يسوقه، ويسيره؛ برفق.
ومنه قوله ( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ): يزجي:قال النحاس: أي يسوق. وقال الجلال المحلي:يجري. وقال ابن: قتيبة: يسيرها.
*قوله {سحابا}:* إلى حيث يريد.
*قوله {ثم يؤلف بينه}:* يجمع بين قطع السحاب، وأجزاءه، ويضم بعضه إلى بعض؛ فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة.
قال الطبري: وتأليف الله السحاب: جمعه بين متفرّقها.
*قوله {ثم يجعله ركاما}:* متراكما بعضه فوق بعض.
قال القرطبي: والرَّكْمُ: جَمْعُ الشيءِ، يقال: رَكَمَ الشيءَ يَرْكُمُهُ رَكْمًا إذا جَمَعَهُ وألقى بعضَه عَلَى بعض.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ): قال البيضاوي: فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم.
قال ابن الهائم: أي يجمعه بعضه فوق بعض.
ومنه ( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ): "مركوم": قال النسفي: جمع بعضه على بعض.
*قوله {فترى الودق}:* المطر.
والودق: المطر؛ بلغة جرهم.
قاله ابن حسنون السامري، وابن الهائم.
تنبيه:
قلت ( عبدالرحيم ): وثم تنبيه؛ في هذه المقام؛ اشتهر عند البعض أنه لا يصح إطلاق المطر على الغيث.
ولعل الباعث لهم أمران:
الأول:
ما ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن؛ عند تفسيره لقوله حكاية عن المشركين ( فأمطر علينا حجارة من السماء ): قال "مجازه أن كل شيء من العذاب فهو أمطرت بالألف وإن كان من الرحمة فهو مطرت.
الثاني:
ما رواه البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ( والمعلقات ليست على شرطه )؛
حيث قال - البخاري - : قال ابن عيينة: «ما سمى الله تعالى مطرا في القرآن إلا عذابا وتسميه العرب الغيث».
وقد تعقبهما الحافظ ابن حجر في الفتح بقوله:
وقد تُعقب كلام بن عيينة بورود المطر بمعنى الغيث في القرآن في قوله تعالى إن كان بكم أذى من مطر فالمراد به هنا الغيث قطعا ومعنى التأذي به البلل الحاصل منه للثوب والرجل وغير ذلك وقال أبو عبيدة إن كان من العذاب فهو أمطرت وإن كان من الرحمة فهو مطرت وفيه نظر أيضا.
انتهى
*قوله {يخرج من خلاله}:*يعني: من وسط السحاب؛ فترى المطر يخرج من بين فرج، وفتحات السحاب.
قال مكي في الهداية: أي: من بين السحاب، والهاء من {خِلاَلِهِ} تعود على السحاب والخلال جمع خَلَلٍ.
والخلال السحاب بلغة جرهم.
قاله ابن الهائم.
*قوله {وينزل من السماء من}:* زائدة.
قاله الجلال المحلي.
وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والأزهري الهروي في تهذيب اللغة، وابن منظور في اللسان، والبغوي: صلة.
فائدة، وتنبيه:
لا فرق بين قولهم "صلة" وبين قولهم "زائدة".
لكن بعضهم يرى ذلك تأدبا؛ أن يقول: صلة؛ لأننا إذا قلنا "زائدة" أوهم أن كتاب الله فيه زيادة لا معنى لها؛ والأمر ليس كذلك؛ لأننا عندما نذكر مثل هذا، نريد البيان؛ ليظهر المعنى؛ فكتاب الله غير ذي عوج؛
ولأن الحرف الزائد له فوائد؛ منها:
مزيد تأكيد؛ أو تزيين النظم، واللفظ؛ فمثلا – والأمثلة كثيرة - قوله تعالى ( فبما نقضهم ميثاقهم ): أصله: فبنقضهم ميثاقهم.
ومنه (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ): فقوله ( من خير ): "من" زائدة من ناحية المعنى يمكن الاستغناء عنها، وحذفها لا يضر؛ لكن في الكتاب العزيز ليس كذلك؛ فهو بيان للتأكيد؛ بأن هؤلاء القوم لا يريدون أدنى خير لأهل الإسلام.
قال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: فائدة الحرف الزائد في كلام العرب إما معنوية وإما لفظية فالمعنوية تأكيد المعنى الثابت وتقويته وأما اللفظية فتزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح أو كون الكلمة أو الكلام بها يصير مستقيم الوزن أو حسن السجع أو غير ذلك ولا يجوز خلو الزيادة من اللفظية والمعنوية معا وإلا لعدت عبثا وقد تجتمع الفائدتان في حرف وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى.
انتهى
*قوله {جبال}:* في السماء.
*قوله { فيها من برد}:* أي بعضه. والبرد، بفتح الراء: الماءُ الجَامِدُ ينزلُ من السَّحاب قِطَعًا صِغَارًا.
قال الأخفش: وهو فيما فسر "ينزل من السماء جبالا فيها برد.
قال ابن أبي زمنين: ينزل من تلك الجبال التي هي من برد.
قال يحيى بن سلام في تفسيره: ينزل من تلك الجبال التي هي من برد. إن في السماء جبالا من برد.
وقال الزجاج: من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد.
قال السمرقندي: يعني: من جبال في السماء.
وروى ابن أبي حاتم عن قتادة، عن كعب قال: لولا أن الجليد ينزل من السماء الرابعة ما مر بشيء إلا أهلكه.
استطراد:
تنبيه:
إنما ذكرت أثر كعب الأحبار؛ لعل المعنى من الآية يظهر؛ سيما وأن من العلماء من ذكر فيها أقوالا ثم توقف؛
وهذا بقطع النظر عن شيئين:
الأول: صحته عن كعب الأحبار.
ثانيا: إن صح عن كعب الأحبار؛ فالغيبيات لا طريق لها إلا من فيّ الذي لا ينطق عن الهوى – صلوات الله وسلامه عليه – حتى كلام الصحابي، أو تفسيره ليس بحجة- في ذاته - ، ما لم يكن من قبيل الرأي، ولم يعرف عنه الحديث بالإسرائيليات؛ وإذا كان هذا في شأن الصحابي – رضي الله عنهم أجمعين - فما ظنك بمن دونهم؛ ككعب الاحبار – رحمه الله – وقد أسلم بعد موت النبي؛ بعدما كان يهوديا (وكان خبيرا بكتب اليهود ، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة )،
فالموقف من مثل هذا، ما هو معلوم في شأن الإسرائيليات؛ لا نصدق ولا نكذب، لحديث "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
( شطر من حديث رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص)،
والعمل بهذا الحديث في اطار قوله صلى الله عليه وسلم: " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه
ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ".
( رواه أبو داو من حديث أبي نملة الأنصاري، عن أبيه، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (2800 )، صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (3644) ).
انتهى
*قوله {فيصيب به}:* بالبرَد.
*قوله {من يشاء}:* أن يصيب؛ فيهلك زروعه وأمواله.
والمعنى: فيعذّب بذلك الذي ينـزل من السماء من جبال فيها من برد، من يشاء فيهلكه، أو يهلك به زروعه وماله.
لذا كان – صلوات الله وسلامه عليه – إذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبا نافعا». رواه البخاري من حديث عائشة.
وعند الاستسقاء يقول: «اللهم حوالينا ولا علينا».
شطر من حديث متفق عليه؛ من حديث أنس بن مالك.
*قوله {ويصرفه عن من يشاء}:* أن يصرفه عنه؛ فلا يضره؛ يصرف ذلك البرَد .
*قوله {يكاد}:* يقرب.
قاله سراج الدين النعماني، والجلال المحلي، وغيرهما.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ): قال صديق حسن خان: أي يقرب.
ومنه ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ): قال البقاعي:لايقربمن أن يعرب عن معنىً من المعاني.
ومنه ( اذا اخرج يده لم يكد يراها ): قال البغوي: يعني لم يقرب ان يراها.
ومنه ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ): قال الثعلبي: أي يقرب.
ومنه{لايكادونيفقهون}: قال البقاعي: لايقربونمن أن يفهموا.
ومنه ( وقوله يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ): أي يقربون.
ومنه ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ): قال الهرري:أي: وإن الشأنيقربالذي كفروا من شدّة عداوتهم، ونظرهم إليك شزراً بعيون العداوة أن يزيلوك عن مكانك، ويزلقوا قدمك عن مكانه، أو: يهلكوك لشدة حنقهم عليك.
*قوله {سنا برقه}:* ضوء برقه؛ لمعانه؛ ضوء برق السَّحاب.
يعني: من شدة نوره.
*قوله {يذهب بالأبصار}:* الناظرة له؛ أي يخطفها من شدَّة توقُّده، وفرط الإضاءة، فالله_ سبحانه_ مخرج الماء والنار، والظلمة، والنور من شيء واحد.
_____________
المصدر:
أنظر:
التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري، غريب القرآن لابن قتيبة، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للأخفش، تفسير ابن أبي زمنين، اللباب لسراج الدين النعماني، الكشف والبيان للثعلبي، جامع البيان للإيجي الشافعي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، تفسير القرطبي، تفسير الطبري، تفسير يحيى بن سلام، تفسير الجلالين، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، البحر المديد في تفسير القرآن، للهرري، إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.
- كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*