عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
*الوسيط في تفسير معاني وغريب القرآن*
قوله تعالى
( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ):
*قوله ( الْأَجْدَاث):* يعني: القبور.
واحدها: جدث؛ بلغة أهل العالية، وأهل نجد يقولون «جدف». كما في قوله ( وَفُومِهَاوَعَدَسِهَاثومها ): فومها: ثومها. في قراءة ابن مسعود.
حكاه ابن كثير. وذكره الطبري بصيغة التمريض.
ومثله ( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ): الأجداث: القبور.
و ( ينسلون): يسرعون. قاله غلام ثعلب، وغيره. وقال بيان الحق: يخرجون.
ومثله ( خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ): أي يوم يبعثون ويخرجون؛ من القبور.
*قوله ( سِرَاعًا ):* إلى المحشر.
*قوله ( نُصُب ):* صنم؛ يعني الأصنَام، يسرعون إليها أيهم يستلمها أولا.
قال الراغب الأصفهاني: وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها.
قال الفراء: قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «إلى نَصْبٍ» إلى شيء مَنْصُوب يستبقون إِلَيْه،
وقرأ زَيْد بْن ثابت: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» فكأن النُّصبَ الآلهة التي كانت تعبد من دون اللَّه؛ وكلٌّ صواب، وهو واحد، والجمع: أنصاب.
انتهى كلامه.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى؛ في ذكر المحرمات من المطعومات ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ): النصب: جمع نصاب؛ وهي الأصنام. قاله السيوطي.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
ومنه ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ): الأنصاب: قال ابن عباس: الحجارة التي كانت العرب تعبدها من دون الله، وتذبح لها.
حكاه عنه نافع بن الأزرق.
وقال السيوطي، وغيره: الأصنام.
وقال ابن قتيبة: و "النُّصُب": حجر يُنصب ويُذبح عنده، أو صنمٌ يقال له: نَصْبٌ ونُصْبٌ ونُصُب.
انتهى كلامه.
ومنه قولهم: نُصْبٌ تَذْكَارِي : يعني تِمْثَال.
( زعموا؛ لأنه ليس من الإسلام في شيء).
*قوله ( يُوفِضُونَ ):* يسرعون.
قاله معمر بن المثنى، وابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان الأندلسي، وابن الهائم، والواحدي(ج).
قال الألوسي: والمراد أنهم يخرجون مسارعين إلى الداعي يسبق بعضهم بعضا. والإسراع في السير إلى المعبودات الباطلة كان عادة للمشركين.
وذكر ابن حسنون السامري؛ أن قوله تعالى ( إلى نصب يوفضون ): يعني إِلى عَلَمٍ يُسرِعونَ. بلغة قريش.
قال الفراء، والراغب، وابن قتيبة، والطبري: و «الإيفاض»: الإسراع.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ): قال العز بن عبد السلام: أسرعتم، أو رجعتم من حيث بدأتم.
وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والإفاضة هنا: الخروج بسرعة.
انتهى كلامه.
قلت: ومن تأمل حال الحجيج؛ عند إفاضتهم ( إسراعهم ) من عرفات؛ لأدرك معنى هذه الآية، ولتذكر هول المطلع يوم النشر، والحشر؛ من مشي الناس بعجل شديد، وهمة عالية، ومنظر مهيب.
فقوله ( يُوفِضُونَ ): يسرعون؛ يمشون بعجل؛ يسرعون إسراعا دون الجري. ومنه قول رؤبة:
يمشى بنا الجدّ على أوفاض.
قال معمر بن المثنى: أي: عجلة.
قلت: ويستثنى من ذلك أكلة الربا؛ فهم يقومون كما وصفهم الله بقوله ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ).
قال ابن قتيبة في تأويل المشكل؛ في قوله ( يُوفِضُونَ ): أي يسرعون.
ثم قال - رحمه الله: إلّا أكلة الرّبا، فإنهم يقومون ويسقطون، كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ويسقط، لأنهم أكلوا الرّبا في الدنيا فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم، فهم ينهضون ويسقطون، ويريدون الإسراع فلا يقدرون.
______________
المصدر:
أنظر:
تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للفراء، تفسير الطبري، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين، تفسير الألوسي، الوجيز للواحدي، تفسير ابن كثير، توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري،.
- كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*
قوله تعالى
( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ):
*قوله ( الْأَجْدَاث):* يعني: القبور.
واحدها: جدث؛ بلغة أهل العالية، وأهل نجد يقولون «جدف». كما في قوله ( وَفُومِهَاوَعَدَسِهَاثومها ): فومها: ثومها. في قراءة ابن مسعود.
حكاه ابن كثير. وذكره الطبري بصيغة التمريض.
ومثله ( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ): الأجداث: القبور.
و ( ينسلون): يسرعون. قاله غلام ثعلب، وغيره. وقال بيان الحق: يخرجون.
ومثله ( خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ): أي يوم يبعثون ويخرجون؛ من القبور.
*قوله ( سِرَاعًا ):* إلى المحشر.
*قوله ( نُصُب ):* صنم؛ يعني الأصنَام، يسرعون إليها أيهم يستلمها أولا.
قال الراغب الأصفهاني: وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها.
قال الفراء: قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «إلى نَصْبٍ» إلى شيء مَنْصُوب يستبقون إِلَيْه،
وقرأ زَيْد بْن ثابت: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» فكأن النُّصبَ الآلهة التي كانت تعبد من دون اللَّه؛ وكلٌّ صواب، وهو واحد، والجمع: أنصاب.
انتهى كلامه.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى؛ في ذكر المحرمات من المطعومات ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ): النصب: جمع نصاب؛ وهي الأصنام. قاله السيوطي.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
ومنه ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ): الأنصاب: قال ابن عباس: الحجارة التي كانت العرب تعبدها من دون الله، وتذبح لها.
حكاه عنه نافع بن الأزرق.
وقال السيوطي، وغيره: الأصنام.
وقال ابن قتيبة: و "النُّصُب": حجر يُنصب ويُذبح عنده، أو صنمٌ يقال له: نَصْبٌ ونُصْبٌ ونُصُب.
انتهى كلامه.
ومنه قولهم: نُصْبٌ تَذْكَارِي : يعني تِمْثَال.
( زعموا؛ لأنه ليس من الإسلام في شيء).
*قوله ( يُوفِضُونَ ):* يسرعون.
قاله معمر بن المثنى، وابن قتيبة، وأبو بكر السجستاني، وأبو حيان الأندلسي، وابن الهائم، والواحدي(ج).
قال الألوسي: والمراد أنهم يخرجون مسارعين إلى الداعي يسبق بعضهم بعضا. والإسراع في السير إلى المعبودات الباطلة كان عادة للمشركين.
وذكر ابن حسنون السامري؛ أن قوله تعالى ( إلى نصب يوفضون ): يعني إِلى عَلَمٍ يُسرِعونَ. بلغة قريش.
قال الفراء، والراغب، وابن قتيبة، والطبري: و «الإيفاض»: الإسراع.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ): قال العز بن عبد السلام: أسرعتم، أو رجعتم من حيث بدأتم.
وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والإفاضة هنا: الخروج بسرعة.
انتهى كلامه.
قلت: ومن تأمل حال الحجيج؛ عند إفاضتهم ( إسراعهم ) من عرفات؛ لأدرك معنى هذه الآية، ولتذكر هول المطلع يوم النشر، والحشر؛ من مشي الناس بعجل شديد، وهمة عالية، ومنظر مهيب.
فقوله ( يُوفِضُونَ ): يسرعون؛ يمشون بعجل؛ يسرعون إسراعا دون الجري. ومنه قول رؤبة:
يمشى بنا الجدّ على أوفاض.
قال معمر بن المثنى: أي: عجلة.
قلت: ويستثنى من ذلك أكلة الربا؛ فهم يقومون كما وصفهم الله بقوله ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ).
قال ابن قتيبة في تأويل المشكل؛ في قوله ( يُوفِضُونَ ): أي يسرعون.
ثم قال - رحمه الله: إلّا أكلة الرّبا، فإنهم يقومون ويسقطون، كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ويسقط، لأنهم أكلوا الرّبا في الدنيا فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم، فهم ينهضون ويسقطون، ويريدون الإسراع فلا يقدرون.
______________
المصدر:
أنظر:
تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري بسنده لابن عباس، مسائل نافع بن الأزرق لعبدالله بن عباس، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للفراء، تفسير الطبري، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين، تفسير الألوسي، الوجيز للواحدي، تفسير ابن كثير، توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري،.
- كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*