معاني وغريب القرآن

إنضم
17/08/2016
المشاركات
680
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المملكة العربية
قوله تعالى
( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)) التوبة

*قوله {ومنهم}:* يعني المنافقين.

وهذا عطف على قوله ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي )،

وقوله ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ )،

وقلوه ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ).

قال الطبري، ومكي في الهداية: والمعنى: ومن هؤلاء المنافقين.

وزاد الطبري: الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم.

قال مقاتل بن سليمان: يعني من المنافقين.

(تنبيه):

قلت ( عبدالرحيم ): قد تورط كثير من الناس قديما، وحديثا؛ في ذكر أن هذه الآيات نزلت في ثعلبة بن حاطب- رضي الله عنه -؛ وهذا باطل، وكذب غير محبوك، لنكارة متنها من جهات عدة؛ ولأن ثعلبة بن حاطب صحابي ممن شهد بدرا، وقد مات في غزوة أحد؛ بخلاف ما في القصة من أنه ذهب للنبي_ صلى الله عليه وسلم_ بالزكاة بعدما نزلت فيه هذه الآيات، وبعد موت النبي؛ دفعها إلى أبي بكر فلم يقبلها، ثم دفعها لعمر فلم يقبلها، ثم دفعها لعثمان فلم يقبلها؛ حتى مات في خلافة عثمان.

ولا يكون مثل ذلك من الخلفاء الراشدين العالمين؛ إذ لا يجوز للسلطان رد من جاء بزكاة ماله إليه، بل على الإمام أن يأخذ مال الزكاة رغما عن صاحبها؛ إن امتنع؛ وتسقط عنه. كما هو معلوم.

لقوله عليه السلام "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى" متفق عليه من حديث ابن عمر- رضي الله عنه.
ومن حقّها "الزّكاة"، كما قال الصديق الأعظم - أبو بكر رضي الله عنه - بمحضر الصحابة :" الزكاة حق المال".
وقال رضي الله عنه: واللّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدّونه إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . وأقرّه الصّحابة على ذلك .

شيء آخر: قد جاء في فضائل أهل بدر، وشمائلهم؛ مالا يخفى ؛ فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبية».

ومما يحزن، ويؤسف له؛ ما يتداوله كثير من خطباء المنابر الذين حرموا العلم؛ في شأن هذا الصحابي - رضي الله عنهم أجمعين - وخوضهم في أئمة الإسلام؛ كعادتهم؛ ينشرون في الأمة كلَ ما تقع أعينهم عليه.

قال الألباني ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة؛ حديث رقم: 1607 ):
" ويحك ياثعلبة! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه، أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لوشئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهبا لسالت ".
ضعيف جدا.

ثم قال - رحمه الله- بعدما ذكر طرقه:

قلت: وهذا حديث منكر على شهرته، وآفته عليبنيزيد هذا، وهو الألهاني متروك، ومعان لين الحديث، ومن هذا الوجه أخرجه ابنجرير وابنأبي حاتم والطبراني والبيهقي في " الدلائل " و" الشعب "، وابنمردويه كما في " تفسير ابنكثير " وغيره، وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (٣ / ١٣٥) : " سنده ضعيف ". وقال الحافظ في " تخريج الكشاف " (٤ / ٧٧ / ١٣٣) : " إسناده ضعيف جدا ".

انتهى كلامه

وينظر أيضا - للأهمية - حديث رقم ( 4081 ) من نفس السلسلة.

وكذلك قال القرطبي في تفسيره:

قلت: وثعلبة بدري أنصاري وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان؛ حسب ما يأتي بيانه في أول الممتحنة فما روي عنه غير صحيح.

انتهى كلامه

قلت: والصحيح: أننا نقول نزلت فيمن نزلت فيه من المنافقين؛ ولا ضائر في جهل أعيانهم؛ سيما وقد قال تعالى في صنف من المنافقين ( لا تعلمهم نحن نعلمهم )؛ إلا من أعلمه الله إياه بعينه. قال السعدي - عند تأويله لهذه الآية -: بأعيانهم فتعاقبهم، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم، لما للّه في ذلك من الحكمة الباهرة‏.‏

انتهى كلامه.

وسيأتي الكلام فيها ( إن شاء الله ).

وعلى فرض ثبوت خبر ثعلبة؛ فالمراد ثعلبة بن أبي حاطب؛ وهو غير ثعلبة بن حاطب الصحابي البدري ( بدون زيادة أبي ).

وقد نوه على هذا الحافظ ابن حجر( الإصابة في معرفة الصحابة ) حيث قال:

ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بنعمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري. ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق في البدريين، وكذا ذكره ابن الكلبي، وزاد أنه قتل بأحد.

ثم قال - الحافظ - في الترجمة التي تليها:

ثعلبة بن حاطب:
أو ابن أبي حاطب الأنصاري.
ذكر ابن إسحاق فيمن بنى مسجد الضرار.
وروى الباوردي وابن السكن وابن شاهين وغيرهم في ترجمة الذي قبله من طريق معان بن رفاعة، عن علي بنزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة - أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه..».
فذكر الحديث بطوله في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له وكثرة ماله ومنعه الصدقة، ونزول قوله تعالى: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ...
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يقبض منه الصدقة ولا أبو بكر ولا عمر، وأنه مات في خلافة عثمان.
وفي كون صاحب هذه القصة- إن صح الخبر ولا أظنه يصح- هو البدري المذكور قبله- نظر، وقد تأكدت المغايرة بينهما يقول ابن الكلبي: إن البدري استشهد بأحد، ويقوي ذلك أيضا أن ابن مردويه روى في تفسيره من طريق عطية عن ابن عباس في الآية المذكورة.
قال: وذلك أن رجلا يقال له ثعلبة بن أبي حاطب من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال: لئن آتانا من فضله. الآية. فذكر القصة بطولها، فقال: إنه ثعلبة بن أبي حاطب. والبدري اتفقوا على أنه ثعلبة بن حاطب،
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية.
وحكى عن ربه أنه قال لأهل بدر: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقا في قلبه، وينزل فيه ما نزل؟ فالظاهر أنه غيره. والله أعلم.
انتهى كلامه

قلت ( عبدالرحيم ): ومن أجود ما وقفت عليه ما رواه الطبري عن عبدالرحمن بن زيد؛ حيث قال في قوله: " {ومنهممنعاهد الله لئن آتانامنفضله} الآية، قال:هؤلاءصنفمنالمنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا به، فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقا إلى يوم يلقونه، ليس لهممنه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حينمنعه التوبة "
*قوله {من عاهد الله}:* المعاهدة: معاقدة بعزيمة تتحقق بذكر الله، نحو: علي عهد الله لأفعلن كذا.
قاله الواحدي في البسيط.

*قوله {لئن آتانا}:* هي لام قسم أي والله لئن.
قاله صديق حسن خان.

*قوله {من فضله}:* أي المال.
قاله النسفي.

قال ابن أبي زمنين: فَأَوْسَعَ علينا من الرزق.

قال الطبري: لئن أعطانا الله من فضله، ورزقنا مالا ووسَّع علينا من عنده.

*قوله {لنصدقن}:* يعني الصدقة.
قاله السيوطي.

قال الزجاج: الأصل: لنتصدقن، ولكن التاء أدغمت في الصاد لقربها منها.

قال الطاهر بن عاشور: فأدغم للتخفيف .

والمعنى: لنخرجن، ولنعطين الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربُّنا.

قلت ( عبدالرحيم ): والمراد بالصدقة؛ في هذا المقام " كل مال واجب إنفاقه؛ كالزكاة"، سيما، وقد سبق وبينت أن الصدقة في الشرع أعم من الاصطلاح، قال تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها... ) الآية. فسمى الزكوات صدقات.

ولأن المتصدق المتطوع؛ أمير نفسه؛ فلا يترتب مثل هذا الوعيد المنصوص عليه في الآية التي بعدها؛ على مطلق الصدقة؛ فأفاد أن المَعْنِي أنه المال الواجب؛ كالزكاة.

*قوله {ولنكونن من الصالحين}:* بإخراج الصدقة.
قاله النسفي.

قال الطبري: ولنعملنّ فيها بعَمَل أهل الصلاح بأموالهم، من صلة الرحم به، وإنفاقه في سبيل الله.

قال صديق حسن خان: أي من جملة أهل الصلاح من المؤمنين القائمين بواجبات الدين التاركين لمحرماته، والصلاح ضد الفساد، والمفسد هو الذي يبخل بما يلزمه في حكم الشرع.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى عن المنافقين (ولنكونن من الصالحين ): فيه إشارة إلى أن الفساد أصل فيهم؛ برهان ذلك قوله تعالى؛ في شأنهم ( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ): وهذا دائما حالهم؛ لا ينفكون عن الإفساد في الأرض.
انتهى

*قوله {فلما آتاهم من فضله}:* أعطاهم الله المال ونالوا مناهم.
قاله النسفي.

*قوله {بخلوا به}:* منعوا حق الله ولم يفوا بالعهد.
قاله النسفي.

قال صديق حسن خان: أي لما أعطوهم ما طلبوا من الرزق لم يتصدقوا بشيء منه كما حلفوا به.

*قوله {وتولوا }:* عن طاعة الله.
قاله النسفي، والسيوطي.

قال مكي: وأدبروا عن عهدهم.

*قوله {وهم معرضون}:* مصرون على الإعراض.
قاله النسفي.

*قوله {فأعقبهم}:* الله عزو جل، بذنوبهم.
قاله مكي.

*قوله {نفاقا}:* ثابتا.
قاله السيوطي.

وقال البقاعي: متمكنا.

*قوله {في قلوبهم}:*أي بأن لا يزالوا يقولون ما لا يفعلون.
قاله البقاعي.

*قوله {إلى يوم يلقونه}:* يوم القيامة.

قاله السمعاني، والنسفي، والسيوطي.

قال مكي:أي يموتون.

قلت ( عبدالرحيم ): ونحو هذا في التنزيل كثير؛ من شؤم المعاصي؛ فلما تولوا وأعرضوا، وأخلفوا الله ما وعدوه؛ "أعقبهم نفاقا..."، ونظير ذلك قوله ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ... )،
وقوله ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم )،
وقوله ( وكلا أخذنا بذنبه )،
وقوله (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ )، وهو في القرآن كثير.

*قوله {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}:*هذا بيان عما يوجبه الكذب مع إخلاف الوعد من النفاق، فمن أخلف في المواثيق مع الله فقد تعرض للنفاق، وكان جزاؤه من الله إفساد قلبه بما يكسبه النفاق.
قاله الواحدي في البسيط.

قلت ( عبدالرحيم ): ومن هنا يأتي خطر النذر، وشأنه؛ ومع ذلك تهاون فيه من تهاون من المسلمين؛ مع أنه محرم، او مكروه؛ على خلاف قوي بين العلماء؛ يشترطون على ربهم؛ عن فرج عنهم، او شفى مريضهم؛ ليفعلن كذ وكذا؛ فلما آتاهم من فضله بخلوا به، أو يذهبون يستفتون من يخلصهم؛ ولا تحين مناص.
فالحذر الحذر من النذر، فيجب على العبد ان يعظم الرغبة في ربه، وإن حلت به المصائب العظام؛ من غير أن يشترط عليه – تبارك وتعالى – بالنذر، والعهود.

وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلمعن النذر، وقال: «إنه لا يرد شيئا، وإنمايستخرجبهمنالبخيل»
انتهى

والحمد لله أولا وآخرا.
______
المصدر:
أنظر:
معاني القرآن وإعرابه للزجاج، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير مقاتل بن سليمان، تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير النسفي، البسيط للواحدي، تفسير ابن أبي زمنين، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين، تفسير السعدي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، السلسلة الضعيفة للألباني، الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني.

- كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*
 
عودة
أعلى