عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
قوله تعالى
( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال [62]
قوله «وإن يريدوا أن يخدعوك»: هؤلاء الذين أجبتهم للصلح.
أمر الله نبيه إن جنح هؤلاء الكفار للصلح أن يجيبهم، واعلمه إن خشي منهم خيانة أنه كافيه، فقد أيده من قبل ( في بدر ) بنصره وبالمؤمنين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ليس له إلا ما يظهر من الناس.
قال الإيجي الشافعي: يريدون بالصلح خديعة.
قال أبو السعود العمادي: بإظهار السلم وإبطال الحرب.
قال السيوطي: بالصلح ليستعدوا لك.
وقال الواحدي، والقاسمي : بالصلح لتكف عنهم.
وزاد القاسمي: ظاهرا، وفي نيتهم الغدر.
قال البغوي: يغدروا ويمكروا بك.
وقال النسفي: يمكروا ويغدروا.
قال مكي في الهداية: أي إن يرد هؤلاء الذين أمرناك أن تجنح إلى السلم إن جنحوا لها خداعك وخيانتك.
قال الزجاج: أي إن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك، (فإن حسبك الله).
قال السمرقندي: يعني: يهود بني قريظة أرادوا أن يصالحوك لتكف عنهم، حتى إذا جاء مشركو العرب أعانوهم عليك.
قال ابن عطية: بأن يظهروا له السلم ويبطنوا الغدر والخيانة، أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، فإن حسبك الله أي كافيك ومعطيك نصرة وإظهارا، وهذا وعد محض، وأيدك معناه قواك، وبالمؤمنين يريد بالأنصار بقرينة قوله وألف بين قلوبهم الآية. انتهى
قلت ( عبدالرحيم ): قوله رحمه الله ( أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، فإن حسبك الله ): فيه من خلق اليقين ما ينبغي أن يكون عليه أهل الإيمان؛ ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم.
فليتق الله أقوام ينكثون العهد بحجج باطلة، وتأويلات فاسدة؛ انتصارا منهم لأنفسهم. من أجل عرض، فإذا كنا نهينا عن ذلك مع عدو لله، فما بالكم بأهل الإسلام.
قال الله ( ولا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ) أي: خديعة ومكرا. وقال ( فمن نكث - نقض عهده- فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ).
فتدبر ما رواه مسلم من حديث أبي الطفيل، حدثنا حذيفة بن اليمان، قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسَيْلٌ، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لَنَنْصَرِفَنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم». قال النووي في شرحه لمسلم: وفيه الوفاء بالعهد.
وأين أولئك الذين يسارعون في أهل الكفر والإلحاد من منافقي هذه الأمة، وفي كل واد فيه مدح لهم يهيمون، ويتشدقون بالثناء عليهم. أين هم من مثل هذه النصوص؟! هم العدو فاحذرهم.
فتمسكوا يا أهل الإسلام بكتاب الله وسنة رسوله، وعضوا عليهما بالنواجذ؛ ففيهما رفعتكم وعزكم، وفيهما النجاة في الدارين.
قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما أمر في الآية المتقدمة بالصلح، ذكر في هذه الآية حكما من أحكام الصلح وهو أنهم إن صالحوا على سبيل المخادعة، وجب قبول ذلك الصلح، لأن الحكم يبنى على الظاهر لأن الصلح لا يكون أقوى حالا من الإيمان، فلما بنينا أمر الإيمان عن الظاهر لا على الباطن، فههنا أولى ولذلك قال: وإن يريدوا المراد من تقدم ذكره في قوله: وإن جنحوا للسلم.
قوله « فإن حسبك اللهُ » كافيك.
قاله النحاس، ومكي، والبغوي، والقرطبي، والنسفي، والسيوطي.
وزاد البغوي ومكي، والنسفي: الله.
وزاد القرطبي: الله، أي يتولى كفايتك وحياطتك.
قال الواحدي: أي فالذي يتولى كفايتك الله.
قوله « هو الذي أيَّدك»: أي قواك.
قاله مقاتل، والزجاج، والنحاس، والواحدي، والقرطبي، والنسفي، ومكي.
وزاد مكي: بذلك على أعدائك.
قوله « بنصره»: يوم بدر.
قاله الواحدي.
قوله « وبالمؤمنين»: جميعا أو بالأنصار.
قاله النسفي.
قال أبو السعود العمادي: من المهاجرين والأنصار.
وقال السيوطي: الأنصار.
وبه مقاتل، قال الواحدي، والسمرقندي، وهو قول البغوي.
وذكره السيوطي في الدر عن: ابن عباس، والنعمان بن بشير، والسدي.
قال السمرقندي: يعني إن أرادوا إن يخدعوك، حسبك الله بالنصرة لك. هو الذي أيدك، وأعانك وقواك بنصره وبالمؤمنين، يعني: الأنصار وهم قبيلتان: الأوس والخزرج.
قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد: وهذا كله تمثل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك بل تظاهرت أقوال المفسرين أنها في الأوس والخزرج كما ذكرنا، ولو ذهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان من جميعهم من التحاب حتى تكون ألفة الأوس والخزرج جزءا من ذلك لساغ ذلك، وكل تألف في الله فتابع لذلك التألف الكائن في صدر الإسلام.
_________
المصدر:
جامع البيان للإيجي الشافعي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، غريب القرآن لابن قتيبة، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، المحرر الوجيز لابن عطية، التفسير الكبير للرازي، تفسير النسفي، الوجيز للواحدي، تفسير القرطبي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، زاد المسير لابن الجوزي، الدر المنثور للسيوطي، تفسير أبي السعود العمادي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك: 00966509006424
( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال [62]
قوله «وإن يريدوا أن يخدعوك»: هؤلاء الذين أجبتهم للصلح.
أمر الله نبيه إن جنح هؤلاء الكفار للصلح أن يجيبهم، واعلمه إن خشي منهم خيانة أنه كافيه، فقد أيده من قبل ( في بدر ) بنصره وبالمؤمنين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ليس له إلا ما يظهر من الناس.
قال الإيجي الشافعي: يريدون بالصلح خديعة.
قال أبو السعود العمادي: بإظهار السلم وإبطال الحرب.
قال السيوطي: بالصلح ليستعدوا لك.
وقال الواحدي، والقاسمي : بالصلح لتكف عنهم.
وزاد القاسمي: ظاهرا، وفي نيتهم الغدر.
قال البغوي: يغدروا ويمكروا بك.
وقال النسفي: يمكروا ويغدروا.
قال مكي في الهداية: أي إن يرد هؤلاء الذين أمرناك أن تجنح إلى السلم إن جنحوا لها خداعك وخيانتك.
قال الزجاج: أي إن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك، (فإن حسبك الله).
قال السمرقندي: يعني: يهود بني قريظة أرادوا أن يصالحوك لتكف عنهم، حتى إذا جاء مشركو العرب أعانوهم عليك.
قال ابن عطية: بأن يظهروا له السلم ويبطنوا الغدر والخيانة، أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، فإن حسبك الله أي كافيك ومعطيك نصرة وإظهارا، وهذا وعد محض، وأيدك معناه قواك، وبالمؤمنين يريد بالأنصار بقرينة قوله وألف بين قلوبهم الآية. انتهى
قلت ( عبدالرحيم ): قوله رحمه الله ( أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، فإن حسبك الله ): فيه من خلق اليقين ما ينبغي أن يكون عليه أهل الإيمان؛ ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم.
فليتق الله أقوام ينكثون العهد بحجج باطلة، وتأويلات فاسدة؛ انتصارا منهم لأنفسهم. من أجل عرض، فإذا كنا نهينا عن ذلك مع عدو لله، فما بالكم بأهل الإسلام.
قال الله ( ولا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ) أي: خديعة ومكرا. وقال ( فمن نكث - نقض عهده- فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ).
فتدبر ما رواه مسلم من حديث أبي الطفيل، حدثنا حذيفة بن اليمان، قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسَيْلٌ، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لَنَنْصَرِفَنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم». قال النووي في شرحه لمسلم: وفيه الوفاء بالعهد.
وأين أولئك الذين يسارعون في أهل الكفر والإلحاد من منافقي هذه الأمة، وفي كل واد فيه مدح لهم يهيمون، ويتشدقون بالثناء عليهم. أين هم من مثل هذه النصوص؟! هم العدو فاحذرهم.
فتمسكوا يا أهل الإسلام بكتاب الله وسنة رسوله، وعضوا عليهما بالنواجذ؛ ففيهما رفعتكم وعزكم، وفيهما النجاة في الدارين.
قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما أمر في الآية المتقدمة بالصلح، ذكر في هذه الآية حكما من أحكام الصلح وهو أنهم إن صالحوا على سبيل المخادعة، وجب قبول ذلك الصلح، لأن الحكم يبنى على الظاهر لأن الصلح لا يكون أقوى حالا من الإيمان، فلما بنينا أمر الإيمان عن الظاهر لا على الباطن، فههنا أولى ولذلك قال: وإن يريدوا المراد من تقدم ذكره في قوله: وإن جنحوا للسلم.
قوله « فإن حسبك اللهُ » كافيك.
قاله النحاس، ومكي، والبغوي، والقرطبي، والنسفي، والسيوطي.
وزاد البغوي ومكي، والنسفي: الله.
وزاد القرطبي: الله، أي يتولى كفايتك وحياطتك.
قال الواحدي: أي فالذي يتولى كفايتك الله.
قوله « هو الذي أيَّدك»: أي قواك.
قاله مقاتل، والزجاج، والنحاس، والواحدي، والقرطبي، والنسفي، ومكي.
وزاد مكي: بذلك على أعدائك.
قوله « بنصره»: يوم بدر.
قاله الواحدي.
قوله « وبالمؤمنين»: جميعا أو بالأنصار.
قاله النسفي.
قال أبو السعود العمادي: من المهاجرين والأنصار.
وقال السيوطي: الأنصار.
وبه مقاتل، قال الواحدي، والسمرقندي، وهو قول البغوي.
وذكره السيوطي في الدر عن: ابن عباس، والنعمان بن بشير، والسدي.
قال السمرقندي: يعني إن أرادوا إن يخدعوك، حسبك الله بالنصرة لك. هو الذي أيدك، وأعانك وقواك بنصره وبالمؤمنين، يعني: الأنصار وهم قبيلتان: الأوس والخزرج.
قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد: وهذا كله تمثل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك بل تظاهرت أقوال المفسرين أنها في الأوس والخزرج كما ذكرنا، ولو ذهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان من جميعهم من التحاب حتى تكون ألفة الأوس والخزرج جزءا من ذلك لساغ ذلك، وكل تألف في الله فتابع لذلك التألف الكائن في صدر الإسلام.
_________
المصدر:
جامع البيان للإيجي الشافعي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، غريب القرآن لابن قتيبة، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، المحرر الوجيز لابن عطية، التفسير الكبير للرازي، تفسير النسفي، الوجيز للواحدي، تفسير القرطبي، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، زاد المسير لابن الجوزي، الدر المنثور للسيوطي، تفسير أبي السعود العمادي، تفسير الجلالين.
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك: 00966509006424