معاني الكلام: الخبر والإنشاء

إنضم
05/05/2003
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الموقع الالكتروني
www.toislam.net
[align=justify]والمقصود بمعاني الكلام ههنا: أقسامه من حيث كونه خبراً أو إنشاءاً.
وهذا المبحث يتناوله علماء اللغة، والمعاني، والأصول، والكلام، وغيرهم.
ويَرِد كثيراً في كتب العقائد.
ويرى بعض الباحثين أن الكلام حول مفهوم الخبر والإنشاء قد نشأ مع نشأة الجدل في عصر المأمون حول فتنة القول بخلق القرآن؛ حيث بنى المعتزلة قولهم بخلق القرآن على أساس أن ما تضمنه لا يخرج عن واحد من ثلاثة: أمر، ونهي، وخبر.
وذلك مما ينفي عنه صفة القدم - بزعمهم -[1].
والحديث الآتي سيدور حول إعطاء صورة عامة ميسرة عن مفهوم الخبر والإنشاء الذي يسمى أحياناً بالطلب.
أولاً: الخبر:
أ- تعريفه: عرف الخبر بأنه: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته.
وقيل: الخبر ما يصح أن يقال لقائله: إنه صادق فيه أو كاذب؛ فإن كان مطابقاً للواقع كان قائله صادقاً، وإن كان غير مطابق للواقع كان قائله كاذباً[2].
وقال ابن فارس - رحمه الله-: (أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنه: إعلام، تقول: أخبرته، أُخْبِره، والخبر هو العلم.
وأهل النظر يقولون: الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه.
وهو إفادة المخاطب أمراً في ماض من زمان، أو مستقبل، أو دائم نحو: قام زيد، ويقوم زيد، وقائم زيد.
ثم يكون واجباً وجائزاً، وممتنعاً؛ فالواجب قولنا: النار محرقة، والجائز قولنا: لقي زيد عمراً، والممتنع قولنا: حَمَلَتْ الجَبَلُ)[3].
ب- كون الخبر مثبتاً أو منفياً: الخبر الذي يحتمل الصدق أو الكذب لذاته إما أن يكون مثبتاً مثل: قام زيد، أو منفياً مثل: ما قام زيد.
فكل واحد من المثالين يصح أن يقال لمن قاله: صدقت، أو كذبت.
وهكذا بقية المعاني تدور بين الإثبات والنفي.
ج- معنى كون الخبر يحتمل الصدق والكذب لذاته: يقول البلاغيون: إن احتمال الخبر للصدق والكذب إنما يكون بالنظر إلى مفهوم الكلام الخبريِّ ذاته دون النظر إلى المُخبر أو الواقع؛ إذ لو نظرنا عند الحكم على الخبر بالصدق أو الكذب إلى المُخبر أو الواقع لوجدنا أن من الأخبار ما هو مقطوع بصدقه لا يحتمل كذباً، وما هو مقطوع بكذبه لا يحتمل صدقاً.
فمن الأخبار المقطوع بصحتها، ولا تحتمل الكذب ألبتة: أخبار الله -عز وجل- أي كل ما يخبر الله به، وكذلك أخبار رُسله - عليهم الصلاة والسلام -.
ومما يقطع بصحته البديهيات المألوفة مثل: السماء فوقنا، والأرض تحتنا، وماء البحر مالح، وماء النهر عذب.
ومن الأخبار المقطوع بكذبها، ولا تحتمل الصدق: الأخبار المناقضة للبديهيات نحو: الجزء أكبر من الكل، والأسبوع خمسة أيام.
وكذلك الأخبار التي تتضمن حقائق معكوسة نحو: الأمانة رذيلة، والخيانة فضيلة.
ولكن هذه الأخبار المقطوع بصحتها، أو المقطوع بكذبها إذا نظرنا إليها ذاتها دون النظر إلى قائلها، أو إلى الواقع كانت محتملة للصدق والكذب شأنها في ذلك شأن سائر الأخبار[4].
د- المعاني التي يحتملها لفظ الخبر: قد يرد الكلام بلفظ الخبر، ويراد منه معانٍ أخرى.
قال ابن فارس - رحمه الله-: (والمعاني التي يحتملها لفظ الخبر كثيرة: فمنها التعجب نحو: ما أحسن زيداً، والتمني نحو: ودِدتُك عندنا، والإنكار: ما له عليَّ حق، والنفي: لا بأسَ عليك، والأمر نحو قوله - جل ثناؤه -: [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ] (البقرة: 228) والنهي نحو قوله: [لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ] (الواقعة: 79) والتعظيم نحو: سبحان الله، والدعاء نحو: عفا الله عنه، والوعد نحو قوله - جل وعز -: [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ] (فصلت: 53) والوعيد نحو قوله: [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا] (الشعراء: 227) والإنكار والتبكيت نحو قوله - جل ثناؤه -: [ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ] (الدخان: 49).
وربما كان اللفظ خبراً والمعنى شرطٌ وجزاء، نحو قوله: [إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ] (الدخان: 15).
فظاهره خبر، والمعنى: إنا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا.
ومثله [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ] (البقرة:229) المعنى: مَنْ طلقَ امرأته مرتين فليمسكها بعدهما بمعروف أو يسرحها بإحسان.
والذي ذكرنا في قوله - جل ثناؤه -: [ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ] فهو تبكيت، وقد جاء في الشعر مثله، قال شاعر يهجو جريراً:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="1,black"]
أبلغْ جريراً وأبلغ مَنْ يُبلغُه = أني الأغرُّ وأني زهرةُ اليَمَنِ[/poem]فقال جرير مبكتاً له:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="1,black"]
ألم تكن في وُسُوم قد وَسَمْتَ بها = من حَانَ موعظةٌ يا زهرة اليمنِ؟[/poem]ويكون اللفظ خبراً، والمعنى دعاء وطلب، وقد مر في الجملة.
ونحوه: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] (الفاتحة: 5) معناه: فأعنا على عبادتك.
ويقول القائل: (أستغفر الله)، والمعنى: اغْفِر.
قال الله - جل ثناؤه -: [لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ] (يوسف:92).
ويقول الشاعر:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أستغفر الله ذنباً لستُ مُحْصِيَهُ = ربَّ العبادِ إليه الوجهُ والعملُ)[5][/poem]ثانياً: الإنشاء:
الإنشاء هو قسيم الخبر، وقد يعبر عنه أحياناً بالطلبِ، والحديثُ عنه سيتناول ما يلي:
أ- تعريفه: قيل: هو الكلام الذي لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
وعلى حد تعبير البلاغيين: هو ما يستدعي مطلوباً غير حاصل في وقت الطلب.
أو - كما يقولون بعبارة أخرى -: هو ما يتأخر وجود معناه عن وجود لفظه[6].
ب- أمثلة للإنشاء: 1- قال أحد الحكماء لابنه: (يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث).
2- قال ابن عباس - رضي الله عنهما - يوصي رجلاً: (لا تتلكم بما لا يعنيك، ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعاً)[7].
ج- ما سبب كون الإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب لذاته؟: لأنه ليس لمدلول لفظه قبل النطق واقع خارجي يمكن أن يقارن به؛ فإن طابقه قيل: إنه صادق، وإن خالفه قيل: إنه كاذب.
ولمزيد من التوضيح يمكننا النظر إلى المثالين الماضيين في فقرة (ب).
ففي المثال الأول نداء وأمر، وفي المثال الثاني نهي وأمر.
وأنت لا تستطيع أن تقول لمن ينادي شخصاً، ويأمره، وينهاه: إنك صادق أو كاذب؛ لأنه لا يُعلمنا بحصول شيء أو عدم حصوله.
إن من ينادي أو يأمر أو ينهى ليس لندائه، أو أمره، أو نهيه وجود خارجي قبل حصول النداء أو الأمر أو النهي؛ فكيف يحتمل كلامه الصدق أو الكذب، وذلك لا يكون إلا بمطابقة الواقع، أو عدم المطابقة.
وفي مثل هذه الأساليب لا واقع تعرض عليه مدلولاتها وتقارن به.
ومثل هذا القول ينطبق على سائر أساليب وأنواع الإنشاء الأخرى من استفهام، وتمنٍّ، وغيرها.
وعدم احتمال الأسلوب الإنشائي للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الأسلوب بغض النظر عما يستلزمه.
وإلا فإنه يستلزم خبراً يحتمل الصدق والكذب؛ فقول القائل: (يا بني تعلم) يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك التعلم، وقول القائل: (لا تتكلم) يستلزم خبراً هو: أنا طالب منك عدم التكلم، وهكذا...
ولكن ما تستلزمه الصيغة الإنشائية من الخبر ليس مقصوداً ولا منظوراً إليه.
إنما المقصود والمنظور إليه هو ذات الصيغة الإنشائية.
وبذلك يكون عدم احتمال الإنشاء للصدق والكذب إنما هو بالنظر إلى ذات الإنشاء[8].
د- أقسام الإنشاء: ينقسم الإنشاء إلى قسمين: طلبي وغير الطلبي.
- الإنشاء الطلبي: وهو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب.
وهو خمسة أنواع:
1- الأمر: وهو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام نحو قوله - تعالى -: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ] (آل عمران: 200).
وللأمر أربع صيغ تنوب كل منها مناب الأخرى في طلب أي فعل من الأفعال على وجه الاستعلاء والإلزام، وهي:
أ- فعل الأمر: كما في المثال الماضي، وكما في قوله - تعالى -: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا] (التوبة: 103).
ب- المضارع المقرون بلام الأمر: كما في قوله - تعالى -: [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ] (قريش: 3).
ج- اسم فعل الأمر: كما في قوله - تعالى -: [عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] (المائدة: 105).
د- المصدر النائب عن فعل الأمر كما في قوله - تعالى -: [وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً] (البقرة: 83).
وقوله: [فَضَرْبَ الرِّقَابِ] (محمد: 4).
2- النهي: وهو طلب الكف عن الفعل، أو الامتناع عنه على وجه الاستعلاء والإلزام.
وللنهي صيغة واحدة وهي المضارع المقرون بـ: لا الناهية الجازمة، نحو قوله -تعالى-: [وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً] (الحجرات: 12).
3- الاستفهام: وهو طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل بأداة خاصة.
وأدوات الاستفهام كثيرة منها الهمزة، وهل، نحو قوله - تعالى -: [أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ] (النازعات: 10).
وقوله: [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ] (الرحمن: 60).
4- التمني: وهو طلب أمر محبوب لا يرجى حصوله إما لكونه مستحيلاً -والإنسان كثيراً ما يحب المستحيل ويطلبه- وإما لكونه ممكناً غير مطموع في نيله.
فمثال الأول قول الشاعر:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا ليت الشباب يعود يوماً = فأخبره بما فعل المشيب[/poem]ومثال الثاني قوله - تعالى -: [يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ (79)] (القصص).
5- النداء: وهو طلب إقبال المدعو على الداعي بأحد حروف النداء.
وهذه الحروف ينوب كل حرف منها مناب الفعل (أدعو).
وهي: الهمزة، وأي، ويا، وأيا، وهيا، وآ، وآي، و وا، نحو قوله -تعالى-: [يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا] (الأحزاب: 13).
هذه هي أنواع الإنشاء الطلبي على سبيل الإجمال، ولها في كتب اللغة والبلاغة وعلم المعاني على وجه التحديد تفصيلات يطول ذكرها [9].
-الإنشاء غير الطلبي: وهو ما لا يستدعي مطلوباً.
وله أساليب وصيغ كثيرة منها: 1- صيغ المدح والذم، مثل: نعم وبئس، وحبذا ولا حبذا.
2- وصيغ العقود نحو: بعت، واشتريت، ووهبت، وأعتقت.
3- القسم: بالواو، أو بالباء، أو بالتاء.
4- التعجب، نحو: ما أكرمه، وأكرم به.
5- الرجاء بـ: عسى، أو اخلولق، وحرى مثل: [فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ] (المائدة: 52).
ولا يبحث علماء البلاغة في الإنشاء غير الطلبي؛ لأن أكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت إلى الإنشاء ([10]).





[1] انظر علم المعاني د. عبدالعزيز عتيق ص43.
[2] انظر علم المعاني ص48.
[3] الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها لأحمد بن فارس ص133.
[4] انظر علم المعاني ص49.
[5] الصاحبي ص133-134.
[6] انظر علم المعاني ص80.
[7] انظر معجم البلاغة العربية د. بدوي طبانة ص665.
[8] انظر البلاغة العربية ص665، وعلم المعاني ص74-75.
[9] انظر الصاحبي ص134-141، وعلم المعاني ص75-129.
[10] انظر البلاغة العربية ص480-481.[/align]
 
تعريف الخبر

تعريف الخبر

[align=justify]فضيلة الشخ محمد الحمد وفقه الله لكل خير
اهتمامك باللغة العربية وعلومها ظاهر فجزاك الله خيرًا، ونفع بك.
وحينما تناولت مسألة الخبر والإنشاء أحببت أن أثري النقاش حول تعريف الخبر، وقد كنت كتبت وريقات حول هذه المسألة، فأردت بمناسبة مقالتك أن أضيفها هنا لعل فيها ما يفيد، ولعلي أجد من يسددها ويبين صوابها من خطأها، شكر الله لك وللجميع.
----------------------
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أما بعد،
فمن المسائل التي كثر فيها الجدل عند البلاغيين تبعاً للمتكلمين والأصوليين مسألة تعريف الخبر، إذ لم يسلم تعريف من إيراد عليه، مما جعل بعضهم يرى عدم حده.
وهذه محاولة متواضعة لاختيار ضابط للخبر يعين المتعلمين على التفريق بينه والإنشاء، أسأل الله عز وجل فيها التوفيق والسداد.
---------------------
الخبر في لغة العرب يطلق ويراد به: النبأ والعلم، ذكر في اللسان: (الخَبَر: النَّبأ، والجمع: أَخْبار، وأَخابير جمع الجمع... وخَبَّرَه بكذا وأَخْبَره: نَبَّأه)(1 )، وقال ابن فارس: (أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنه إعلام، تقول: أَخْبَرتُه أُخْبِرُه، والخُبْر هو العلم)(2 ).
وفي الدراسات اللغوية المتقدمة يذكر بعض أئمة اللغة الخبر مقابل الاستفهام، وقد يسمونه استخباراً( 3)، وكأنهم يريدون بذلك أن الخبر هو: ما يصح أن يقع جواباً عن استفهام. ويصحح ذلك ما ذكره في اللسان: (الخَبَر: ما أتاك من نبأ عمن تستخبر...، واستَخْبَرَه: سأله عن الخبر، وطلب أن يخبره، ويقال: تَخَبَّرت الخبر واستَخْبَرْتُه... وتَخَبَّرت الجواب واستَخْبَرْتُه، والاستخْبَار والتَّخَبُّر: السؤال عن الخبر)(4 )
ولا يصح أن يعترض بالإجابة بالطلب في مثل قول القائل: ما قلت؟ فيجاب: اقرأ، أو يجاب: لا تقرأ، أو: هل قرأت؟، فإن الجواب جزء من الخبر، فهو مقول القول المحذوف، والتقدير: قلت: اقرأ...، ولذا قال ابن وهب: (ومن الخبر ما يبتدئ المخبر به فيُخَص باسم "الخبر"، ومنه ما يأتي به بعد سؤال فيسمى "جواباً"، كقولك: في جواب من سألك: ما رأيك في كذا؟ فتقول: رأيي كذا، وهذا يجوز أن يكون ابتداء منك فيكون خبراً، فإذا أتى بعد سؤال كان جواباً كما قلنا)( 5).
وقد اختلف البلاغيون ومعهم علماء الأصول في حد الخبر، وأطنبوا في الكلام على ذلك ومناقشتة، ناهجين في كثير منه منهجاً فلسفياً وكلامياً، كما يقول الدكتور درويش الجندي: (انتهى الأمر إلى البلاغيين ففصلوا الكلام في هذا الموضوع تفصيلاً فيه كثير من العقم والجمود وجفاف الفلسفة والمنطق والنحو)( 6).
وقد جمع السبكي أبرز ما قيل في حد الخبر عند قول الخطيب القزويني في التلخيص: (الكلام إما خبر أو إنشاء؛ لأنه إن كان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه فخبر، وإلا فإنشاء)( 7)، قال السبكي في شرحه: (وقد خرج من تقسيم المصنف حد الإنشاء والخبر على رأيه، فالإنشاء مالم يكن لنسبته خارج تطابقه، والخبر ما لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه.
وقد اختلف الناس في حد الخبر.
فقيل: لا يحد؛ لعسره، وقيل: لأنه ضروري؛ لأن قولنا: زيد موجود مثلاً ضروري، وإذا كان الأخص ضرورياً فالأعم كذلك؛ لأن الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة. وأجيب بأن الحصول غير التصور...
وذهب الأكثرون إلى أنه يحد.
فقال القاضي أبو بكر والمعتزلة: الخبر: الكلام الذي يدخله الصدق والخبر.
فأورد عليه أنه يستلزم اجتماعهما في كل خبر، وخبر الله تعالى لا يكون إلا صادقاً، وأن كل خبر لا يجتمع عليه الصدق والكذب. وأجاب عنه القاضي بأنه صح دخوله لغة.
وأورد عليه أنه دور؛ لأن الصدق الموافق للخبر، والكذب نقيضه، فتعريفه به دور.
وقيل: الذي يدخله التصديق أو التكذيب.
فورد عليه سؤال الدور، واستعمال "أو" في الحدود. وجواب الثاني: أن الترديد في أقسام الحدود لا في الحد. وقال السكاكي: إن صاحب هذا الحد ما زاد على أن وسع الدائرة. قلت: بل زاد لأنه سلم عن السؤال الأول.
وقال أبو الحسين البصري: كلام يفيد بنفسه نسبة.
وقال: بنفسه؛ ليخرج نحو: قائم، فإن الكلمة عنده كلام، وهي تفيد نسبة مع الموضوع.
وأورد عليه نحو: قم، فإنه يدخل في الحد؛ لأن القيام منسوب، والطلب منسوب.
وقيل: الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفياً أو إثباتاً. بعد أن قال هذا القائل: إن الكلام المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة.
فورد عليه نحو قولنا: غلام زيد، فإنه كلام عنده، وهو يقتضي إضافة أمر إلى أمر، وهذا القريب من حد أبي الحسين.
وقيل: القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أوالإثبات.
وأورد عليه السكاكي نحو قولنا: ما لا يعلم بوجه من الوجوه لا يثبت ولا ينفى، فإنه يلزم أن لا يكون خبراً. قلت: وجوابه أن غير المعلوم بوجه من الوجوه معلوم ببعض الوجوه، وهو ما وقع به جعله محكوماً عليه في هذه القضية. وأورد عليه أيضاً ما ورد على الأول فيلزم أن يكون خبراً وليس كذلك)(8 ).
وقد اختصر السبكي عرض الأقوال وما أورد عليها وجوابات الاعتراضات، وإلا ستجد في كتب الأصوليين من الإسهاب والإطالة والجدل الكلامي ما جعل ابن بدران يقول: (وقد أطنب الأصوليون في هذه المسألة وعلماء البلاغة بما لا يأتي بكثير نفع)(9 ).
والملاحظ أن هذه الأقوال التي تناولها الأصوليون ومن بعدهم البلاغيون بالبحث والجدل لم تنفك عن منهج المتكلمين –وكثير من الأصوليين والبلاغيين منهم- في ضبط الحدود بالجمع والمنع وغيرها مما لا يسلم معه كثير من التعريفات، حتى اضطر بعضهم إلى ترك حد الشيء لعسره، وأظن أن العسر في المنهج الكلامي لا في الأشياء التي يراد تعريفها، والذين قالوا بعدم حد الخبر لضرورته، ربما قال بعضهم ذلك تخلصاً من العسر الذي يشعر بالعقم في المنهج، وإلا فإن المقصود بالتعريف -وخاصة ما كان مفهوماً في الذهن- التوضيح والتقريب والتنبيه، وقد قال الإيجي: (الخبر تصوره ضروري في الأصح، وتعريفاته تنبيهات، فإن التعريف قد لا يراد به إحداث تصور، بل الالتفات إلى تصور حاصل في الذهن، ليتميز من بين تلك التصورات، فيعلم أنه المراد، وكذلك الطلب بأقسامه، فإن كلا يميز بينها ويورد كلا في موضعه، ويجيب عنه بما يطابقه، حتى الصبيان ومن لا يتأتى منه النظر)(10 ).
والأولى في مثل هذا الاختلاف أن ينظر في تعريف الخبر إلى أوصافه فيعرف بأخصها الذي يميزه عن غيره، وبما أنه من ضروب القول فإنه يشترك معها في كثير من الأوصاف كعموم الإسناد والإفادة، إلا أنه ينفرد عنها بجواز وقوعه جواباً للاستفهام أو الاستخبار كما يعبر عنه بعض أهل اللغة، وبوصفه بالصدق والكذب، وهذا الأخير هو أخص أوصافه، وقد ذكر عبد القاهر الجرجاني أن العقلاء (جعلوا من خاص وصفه أنه يحتمل الصدق والكذب)(11 )، وقال ابن وهب: (وليس في صنوف القول وفنونه ما يقع فيه الصدق والكذب غير الخبر والجواب؛ إلا أن "الصدق والكذب" يستعملان في الخبر، ويستعمل مكانهما في الجواب: "الخطأ والصواب"، والمعنى واحد وإن فرق اللفظ بينهما، وكذلك يستعمل في الاعتقاد في موضع "الصدق والكذب" : "الحق والباطل"، والمعنى قريب)(12 ).
ولذا فإن كثيراً من علماء البلاغة وغيرهم وخاصة المتأخرين منهم يرتضي تعريف الخبر بهذا الوصف اللازم له، أي أن الخبر عندهم: ما يحتمل الصدق والكذب.
وقد سبق في كلام السبكي ما أورد على هذا التعريف بهذا اللفظ، إذ ليس كل خبر يحتمل الصدق والكذب، بل من الأخبار ما لا يحتمل أحدهما، خاصة خبر الله عز وجل وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هما صدق لا يحتملان الكذب ألبتة.
إلا أن البلاغيين تخلصاً من هذا الإيراد قيدوا الصدق والكذب بالنظر إلى ذات الخبر لا إلى قائله.
قال السيوطي: (الكلام إما خبر أو إنشاء لا ثالث لهما؛ لأنه إما أن يحتمل الصدق والكذب، أو لا، والأول الخبر، والثاني الإنشاء، وبعضهم يقيد الأول بقوله: لذاته؛ ليخرج الخبر المقطوع بصدقه، كخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن سكت عن هذا القيد قال: الخبر من حيث هو يحتملهما وإن خرج بعض أفراده لأمر خارج عنه، ألا ترى أن قول الإنسان مثلاً: "زيد قائم" يحتملهما وإن كان السامع يقطع بصدقه لمشاهدته له قائماً)(13 ).
ومعنى هذا أن أبلغ كلام أنشئ علم البلاغة لتلمس إعجازه لا يدخل في هذا التعريف، أو يدخل في هذا التعريف من حيث هو كلام من جنس سائر الكلام، لا من حيث هو قرآن تكلم به أصدق القائلين، وقد اكتسب القرآن الصدق من المتكلِّم به عز وجل، لا من مجرد تطابقه مع الواقع، وهكذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذا ناقش بعض الباحثين هذا القيد غير مسلمين بالتعريف، ومن هؤلاء الدكتور منير سلطان حيث قال: (ما معنى الجملة التي تحتوي على معلومة تحتمل الصدق والكذب لذاتها بغض النظر عن قائلها؟ كيف يكون المتكلم صادقاً والخبر الذي يلقيه كاذباً، أو العكس؟! كيف؟!(14 )
لقد وجدوا أمامهم القرآن الكريم والحديث الشريف والمسلمات من الأحكام، فماذا يقولون فيها؟ إن جملة "بغض النظر عن قائلها" لا توقعهم في الحرج، ثم أرادوا أن يريحوا أنفسهم فأخرجوا القرآن الكريم والحديث الشريف والمسلمات من القاعدة، وقالوا: هذا الأخبار علم مسبقاً أنها صادقة. ونسوا أن القاعدة التي تعجز عن احتواء القرآن الكريم قاعدة عابثة)(15 ) إلا أن الدكتور منير لم يقدم تعريفاً بديلاً عما نقده.
ويرى الدكتور ناصر الخنين أنه (لو لم يكن من هذا القيد الذي أثبتوه إلا سوء الأدب مع كلام الله تعالى وكلام رسوله –عليه الصلاة والسلام-؛ إذ جعلوا كلامهما –المقطوع بصدقه- يحتمل الكذب والصدق مع أن مصدره أصدق القائلين…
فضلاً على أن في هذا المنهج جرأة على كلام الله تعالى من حيث ترك نسبته إليه بدعوى أن ذلك على سبيل الجدل والافتراض والزعم بأنه يحتمل الصدق والكذب حتى يدخل في تعريف الخبر…
فليس من الأدب شرعاً ولا عرفاً أن نفترض في كلام الله أنه منقطع عن قائله أو أنه كلام عادي يحتمل الصدق والكذب كغيره من كلام البشر، ذلك تمحل نهينا عنه شرعاً، وهو منهج يوناني الأصل، اعتزالي النشأة، منطقي الفكرة، مباين للفطرة التي جبل عليها لسان العرب وبيانهم المشرق)(16 ).
وارتضى الدكتور الخنين أن يعرف الخبر بأنه: (ما تركب من جملة أو أكثر، وأفاد فائدة مباشرة أو ضمنية) وعرف الإنشاء بأنه (ما سوى الخبر مما أفاد طلباً أو قسيمه)(17 ).
إلا أن هذا التعريف يرد عليه أنه لا يضع حداً فاصلاً بين الخبر والإنشاء، إذ أن من أنواع الإنشاء التي ذكرها ما يصدق عليه التعريف، فالتعجب مثلاً في قولك: ما أحسن خلق محمد؛ جملة تفيد المخاطب أن محمداً بلغ غاية في حسن الخلق، والمدح في قولك: نعم الرجل محمد؛ جملة تفيد المخاطب مدح محمد، وكذا في الذم، أو في غيرها.
كما أن هذا التعريف يحصر الخبر في فائدتين حيث قال بعد التعريف: (والفائدة المباشرة هي ما يسميه البلغاء: فائدة الخبر، والفائدة الضمنية هي ما يسمونه: لازم الفائدة) والخبر لا يأتي لهاتين الفائدتين وإن كانتا أصليتين عند البلاغيين بالنسبة للفوائد الأخرى، ولذا فما لا ينطبق عليه التعريف فهو من الدلالات المجازية أو خروج الخبر عن مقتضى الظاهر؛ لأن الغرض فيه غير حقيقي.
ومن التعريفات التي استحسنها بعض أهل العلم أن الخبر: ما يتطرق إليه التصديق أو التكذيب(18 )، قال الغزالي بعد أن ذكره: (وهو أولى من قولهم: يدخله الصدق والكذب؛ إذ الخبر الواحد لا يدخله كلاهما، بل كلام الله تعالى لا يدخله الكذب أصلاً، والخبر عن المحالات لا يدخله الصدق أصلاً)(19 ).
وذكر الشيخ ابن عثيمين في الخبر أنه: الكلام الدائر بين النفي والإثبات من قبل المتكلم، المقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل المخاطب(20 )، وهذا وصف حسن، يجمع بين بعض التعريفات التي ذكرها العلماء، ولا يرد عليه كثير إشكال، ولو اقتصر على الجزء الثاني لكان أسهل وأضبط، فيقال:
الخبر هو: الكلام الذي يقابل بالتصديق أو بالتكذيب.
وهذا ضابط سهل للمتعلمين، لأنه يضبط الخبر بأخص أوصافه الظاهرة، كما أنه لا يوقع في الحرج مع كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن "أو" في التعريف كما يظهر للتنويع ومنع الخلو، فأي كلام لا يخلو إما أن يقابل بالتصديق ومنه كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو يقابل بالتكذيب.
وعلى هذا فإن التصديق والتكذيب ليس مرده إلى مطابقة الواقع، بل يوصف الخبر بالصدق لأن قائله منزه عن الكذب كخبر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومطابقته للواقع تبع لقائله، ويوصف الخبر بالصدق لمطابقته للواقع ولو كان قائله معروفاً بالكذب كما في حديث الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه المذكور آنفاً في الحاشية.
أسأل الله التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------------------------------
(1 ) لسان العرب4/227- مادة "خ ب ر".
(2 ) الصاحبي/289.
(3 ) انظر: كتاب سيبويه1/119 و134 و135، ومعاني القرآن للفراء1/335 و2/84 و354، وقواعد الشعر لثعلب/31، وانظر: الصاحبي لابن فارس/289، والبرهان للزركشي2/425 و433.
(4 ) لسان العرب4/227- مادة "خ ب ر".
(5 ) البرهان في وجوه البيان [نقد النثر/44].
(6 ) علم المعاني/22.
(7 ) التلخيص/10، وانظر: عروس الأفراح1/174.
(8 ) عروس الأفراح1/174.
(9 ) نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر1/243.
(10 ) الفوائد الغياثية/111.
(11 ) دلائل الإعجاز/531 و533.
(12 ) البرهان في وجوه البيان [نقد النثر/45].
(13 ) شرح عقود الجمان/9.
(14 ) لا عجب أن يكون المتكلم كاذباً بل كذوباً وخبره صدق، وقد ورد ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم لشيطان في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم… فذكر الحديث، وفيه: فقال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان» أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (2311 و3275 و5010).
(15 ) بلاغة الكلمة والجملة والجمل/88 .
(16 ) النظم القرآني في آيات الجهاد/255 .
(17 ) المصدر السابق/253.
(18 ) انظر هذا التعريف في: شروح التلخيص1/174، وروضة الناظر1/347.
(19 ) المستصفى2/131، وانظر: شروح التلخيص1/174، وشرح الكوكب المنير2/289.
(20 ) تقريب التدمرية/13، وانظر: التدمرية/3.
----------------------------
وتحية طيبة للشيخ ولأهل الملتقى، ولكل من يفيدني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.[/align]
 
ألا من فرق بين الخبر والنبأ؟هل هما مترادفين تماما "نبأنى العليم الخبير " فالخبير اسم من أسماء الله .والاسم من الفعل -نبأ- ليس كذلك . فهل من اجابة ؟زادكم الله فضلا وعلما .
 
عودة
أعلى