منى محمد أحمد
New member
- إنضم
- 04/05/2010
- المشاركات
- 21
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
التدبر لغة .
التدبر اصطلاحًا .
آيات التدبر في القرآن .
الألفاظ المستعملة في القرآن المقاربة لمعنى التدبر
مجالات التدبر
ـ فهم المعنى .
ـ استنباط الأحكام والفوائد .
ـ الاستدلال لقضية معينة .
ـ تنزيل الآية على الواقع .
مراحل عمل المسلم في القرآن
ـ مرحلة القراءة .
ـ مرحلة فهم المعنى ( التفسير ) ( عقلية ) .
ـ مرحلة التدبر ( يدخل فيها جميع أنواع الاستنباطات ) ( عقلية ) .
ـ مرحلة التأثر ( وجدانية ) .
ـ مرحلة العمل به ( حركية ).
مستويات التدبر للسور ولآيات
إن مستويات التدبر في السور والآيات مما لا خدَ له ، وسأذكر من ذلك أمثلة :
ـ النظر في الاسم النبوي للسورة ، وعلاقته بمقصودها أو موضوعها .
ـ استخراج موضوعات السور ة.
ـ استخراج مقصد السورة .
ـ تقسيم السورة إلى وحدات موضوعية والربط بينها .
ـ النظر في تناسب الآيات والمقاطع .
ـ النظر في خواتم الآيات وعلاقته بموضوع الآية وارتباط ما بعدها بما قبلها ، وعلاقتها بالمقطع .
ـ تثوير الاستنباط من الآيات ، وتنويعه على الطريقة السعدية والعثيمينية .
ـ ربط موضوعات القرآن بعضها ببعض ، ثم ربطها بالسنة النبوية على طريفة ابن كثير في الاستشهاد بالأحاديث في المواطن المناسبة لها من الآيات .
ـ الأخذ بعلم الوجوه والنظائر والاستفادة منه ، وهو مجال رحب من مجالات التدبر .
ـ تفعيل البحث الموضوعي في موضوعات القرآن بطريقة صحيحة من غير إغراق في التنظيرات والأساليب الإنشائية .
ـ تدلُّ مادة» دَبَرَ « على آخرِ الشَّيءِ .
والتَّدبُّرُ : النَّظرُ في أدبارِ الشَّيء ، والتفكيرُ في عاقبتِه .
وقد استُعملَ في كلِّ تأمُّلٍ يقعُ من الإنسانِ في حقيقةِ الشَّيءِ أو أجزائه أو سوابقِه أو لواحقه أو أعقابه ( ) .
وجاءَ على صيغةِ التَّفعُّلِ ، ليدلُّ على تكلُّفِ الفعلِ ، وحصولِه بعد جُهْدٍ ، والتَّدبُّرُ : حصولِ النَّظرِ في الأمرِ المُتَدَبَّرِ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ .
وقد جاءَ الأمرُ بتدبُّرِ القرآنِ في أربعةِ مواضعَ من القرآنِ ، والعجيبُ أنَّ آيتينِ نزلتْ في سياقِ المنافقينَ ، وهما قوله تعالى : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا[ ] النِّساء : 82 [ ، وقوله تعالى : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلَى قُلُوبٍ أقْفَالُهَا[ ] محمد : 24 [ .
وجاءت آيتانِ في سياقِ الكفَّارِ ، وهما قوله تعالى : ]أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَولَ أمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأتِ أبَاءهُمُ الأوَّلِينَ[ ] المؤمنون : 68 [ ، وقوله تعالى : ]كتابٌ أنْزَلْنَاهُ إلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه وَلِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألْبَابِ[ ] ص : 29 [ .
وتحتملُ آيةُ سورةِ ص أن يكون المؤمنونَ داخلونَ في الأمرِ بالتَّدبُّرِ ، ويشهدُ له قراءةُ من قرأ : ]لِتَدَبَّرُوا آياتِهِ[ بالتَّاء( ) ، بمعنى : لتتدبَّره أنت يا محمد واتباعُك( ) .
وليس نزولُ الآيةِ في سياق غيرِ المؤمنينَ يعني أنَّ المؤمنينَ لا يُطلبُ منهم التَّدبُّرُ ، بل هم مأمورونَ به ، وداخلونَ في الخطابِ من بابٍ أولى ؛ لأنَّهم أهلُ الانتفاعِ بتدبُّرِ القرآنِ ، وإنَّما المرادُ هنا بيانُ من نزلت بشأنه الآياتُ ، دون بيان صحَّةِ دخولِ المؤمنينَ في الخطابِ ، واللهُ أعلمُ .
والآياتُ الآمرةُ بالتَّدبُّرِ منها ما جاءَ على شيءٍ مخصوصٍ ؛ كقوله تعالى : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا[ ] النِّساء : 82 [ .
ومنها ما جاءَ مطلَقًا بالتَّدبُّرِ العامِّ ؛ كقوله تعالى : ]كتابٌ أنْزَلْنَاهُ إلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه وَلِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألْبَابِ[ ] ص : 29 [ .
والأصلُ أنَّ مرحلةَ التَّدبُّرِ تأتي بعدَ الفَهْمِ ، إذ لا يُمكنُ أن يُطلبَ منك تدبُّرُ كلامٍ لا تعقِلُه ، وهذا يعني انَّه لا يوجدُ في القرآنِ ما لا يُفهَمُ معناهُ مطلقًا ، وأنَّ التَّدبُّرَ يكونُ فيما يتعلَّقُ بالتَّفسيرِ ؛ أي أنَّه يتعلَّقُ بالمعنى المعلومِ .
ولربطِ هذا المبحثِ بسابقه يمكن تقسيمُ مستويات التَّدبُّرِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
القسمُ الأوَّلُ : أن يكونَ التَّدبُّرُ لمعرفةِ المعنى المرادِ بالآيةِ ، وقد يتعلَّقُ الأمرُ بآيةٍ تكونُ متشابهةً على المتدبِّرِ فيتطلَّبُ المعنى الصَّحيحَ لها ، فتطلُّبُه هذا تدبُّرٌ ، وهذا يعني أنَّ التَّدبُّرَ يتعلَّقُ بالمعنى ، وفي الغالب يكونُ هذا في فهم المتشابهِ النِّسبيِّ الذي قد يخفى .
وأمثلةِ هذا القسمِ كثيرةٌ ، منها ما يقعُ من بحثِ آيةٍ مشكلةٍ ، ومنها نقاشاتُ المفسِّرينَ التي يظهرُ فيها ترجيحُهم لوجهٍ من وجوهِ التَّفسيرِ ، وغيرَها مما يحتاجُ إلى اختيارٍ من أجلِ البيانِ ، واللهُ أعلمُ .
القسم الثَّاني : أن تكونَ الآيةُ ظاهرةَ المعنى لا تحتاجُ إلى تفسيرٍ ، أو تكونَ قد تبيَّن المعنى الصحيحُ لها للمتدبِّرِ ـ أي : بعد تفسيرِها ـ فيتدبَّرُ ما تحتويه من وجوه الاستنباطاتِ والفوائد ، وهو تدبُّرٌ لاستخراجِ الحِكَمِ والأحكامِ والآدابِ وغيرِها مما يستنبطُه المستنبطُ ، وهذا يعني أنَّ الاستنباطات نتيجةٌ للتَّدبُّرِ .
ومن أمثلةِ هذا القسم من التَّدبُّرِ ، ما ذكره ابن القيِّمِ ( ت : 751 ) في كتابه " زاد المهاجر " من تفسير قصَّةِ إبراهيم u في سورة الذَّارياتِ ، قال : » فصل في : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ[ ] النساء : 82 ، محمد : 24 [ .
فان قلتَ : إنَّك قد أشرْتَ إلى مقامٍ عظيمٍ ، فافتحْ لي بابَه واكشفْ لي حجابَه ، وكيف تَدَبُّرُ القرانِ وتَفَهُّمُهُ والإشرافُ على عجائبه وكنوزه ؟! وهذه تفاسيرُ الأئمَّةِ بأيدينا ، فهل في البيانِ غيرُ ما ذكروه ؟
قلتُ : سأضرب لك أمثالاً تَحْتَذِي عليها ، وتجعلها إمَامًا لك في هذا المقصدِ .
قال اللهُ تعالى : ]هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ إذْ دَخَلُوا عَلَيهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَومٌ مٌنْكَرُونَ فَرَاغَ إلَى أهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إلَيهِمْ قَالَ ألاَ تَأكُلُونَ فَأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ فَأقْبَلَتِ امْرَأتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إنَّهُ هُو الحَكِيمُ العَلِيمٍ[ ] الذاريات : 24 ـ 30 [ .
فعهدي بكَ إذا قرأتَ هذه الآية ، وتطلَّعتَ إلى معناها ، وتدبَّرتها ، فإنَّما تَطْلُعُ منها على أنَّ الملائكةَ أَتَوا إبراهيمَ في صورةِ الأضيافِ يأكلونَ ويشربون ، وبشَّرُوه بغلامٍ عليمٍ ، وإنَّما امرأتُه عجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة : أن اللهَ قال ذلك ، ولم يتجاوزْ تَدَبُّرُكَ غير ذلك .
فاسمعِ الآن بعضَ ما في هذه الآيات من أنواعِ الأسرارِ ، وكم قد تضمَّنت من الثَّنَاءِ على إبراهيم ؟
وكيف جمعتِ الضِّيافةَ وحقوقَها ؟ وما تضمَّنتْ منَ الرَّدِّ على أهلِ الباطلِ من الفلاسفةِ والمعطِّلةِ .
وكيف تضمَّنتْ علمًا عظيمًا من أعلام النُّبوَّةِ ؟
وكيف تضمَّنتْ جميعَ صفاتِ الكمالِ التي رَدَّهَا إلى العلمِ والحكمةِ ؟
وكيف أشارت إلى دليلِ إمكانِ المعادِ بألطفِ إشارة وأوضحِها ، ثُمَّ أفصحتْ وقوعَه ؟
وكيف تضمَّنتْ الإخبار عن عدلِ الرِّبِّ وانتقامِه من الأممِ المكذِّبةِ ، وتضمَّنتْ ذِكْرَ الإسلامِ والإيمانِ والفرقِ بينهما ، وتضمَّنتْ بقاءَ آياتِ الرَّبِّ الدَّالَّةِ على توحيدِه وصدقِ رُسُلِهِ وعلى اليوم الآخرِ ، وتضمَّنتْ أنَّه لا ينتفعُ بهذا كلِه إلاَّ من في قلبِه خوفٌ من عذابِ الآخرةِ ، وهم المؤمنون بها ، وأمَّا من لا يخافُ الآخرةِ ولا يؤمنُ بها ، فلا ينتفعُ بتلك الآياتِ ؟ فاسمع الآن بعض تفاصيل هذه الجملةِ « ( ).
ثُمَّ بدأ يسردُ فوائدَ واستنباطاتٍ من هذه الآيات ، ولولا طولُها ، لذكرتُها .
القسم الثَّالث : ما استأثر الله بعلمه ، وهو ما يسمى بالمتشابِه الكليِّ ، وهذا لا يمكن وقوع التدبر فيه ؛ لأنَّه لا يعلمُه إلاَّ اللهُ ، كما سبقَ بيانُه ، ومن هنا فالتَّدبُّرُ لا يدخلُ في الغيبيَّاتِ التي استأثرَ اللهُ بعلمها ؛ كزمنِ وقوعِ ما اخبرَ اللهُ بوقوعِه أو كيفيَّاتِ هذه المغيَّباتِ .
وهذا القسمُ ليسَ له مثالٌ ؛ لأنَّه لا يمكنُ أن يقعَ فيه تدبُّرٌ ، واللهُ أعلمُ .
المعاني المقاربةِ للتَّدبرِ
ويقربُ من معنى التَّدبِّرِ التَّفكُّرُ والتَّذكُّرُ والنَّظرُ والتَّأملُّ والاعتبارُ والاستبصارُ ، قال ابن القيِّمِ ( ت : 751 ) : » … وهذا يسمَّى تفكُّرًا وتذكُّرًا ونظرًا وتأمُّلاً واعتبارًا وتدبُّرًا واستبصارًا ، وهذه معانٍ متقاربةٌ تجتمعُ في شيءٍ وتتفرقُ في آخر .
ويسمَّى تفكُّرًا ؛ لأنه استعمالُ الفكرةِ في ذلك ، وإحضارُه عنده .
ويسمَّى تذكُّرًا ؛ لأنَّه إحضارٌ للعلمِ الذي يجب مراعاته بعد ذهولِه وغيبتِه عنه ، ومنه قوله تعالى : ]إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فِإذَا هُمْ مُبِصِرُونَ[ ] الأعراف : 201 [ .
ويسمَّى نظرًا ؛ لأنَّه التفاتٌ بالقلبِ إلى المنظورِ فيه .
ويسمَّى تأمُّلاً ؛ لأنه مراجعةٌ للنَّظرِ كرَّةً بعد كرَّةٍ ، حتى يتجلَّى له وينكشفَ لقلبِه .
ويُسَمَّى اعتبارًا ، وهو افتعالٌ من العبورِ ؛ لأنَّه يَعْبُرُ منه إلى غيرِه ، فَيَعْبُرُ من ذلك الذي قد فَكَّرَ فيه إلى معرفةٍ ثالثةٍ ، وهي المقصود من الاعتبار ، ولهذا يُسَمَّى عِبْرَةً ، وهي على بناءِ الحالاتِ كالجِلْسَةِ والرِّكْبَةِ والقِتْلَةِ إيذانًا بأنَّ هذا العلمَ والمعرفةَ قد صار حالاً لصاحبِه يَعْبُرُ منه إلى المقصودِ به ، وقال الله تعالى ]إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى[ ] النازعات : 26 [ ، وقال ]إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ[ ] آل عمران : 13 [ .
ويُسمَّى تدبُّرًا ؛ لأنَّه نظرَ في أدبارِ الأمورِ ، وهي أواخرُها وعواقبُها ، ومنه تدبُّرُ القول … « ( ).
الفرقُ بين التَّدبُّرِ والتَّأثُّرِ من سماعِ القرآن
يخلطُ بعضُ النَّاسِ بين التَّدبُّرِ والتَّأثُّرِ من سماعِ القرآن ، فيجعلونَ القشعريرةَ التي تصيبُ الإنسان والخشوعَ الذي يلحقُه بسببِ تأثيرِ القرآنِ عليه هو التَّدبُّرُ ، وليسَ الأمرُ كذلك .
فالتَّدبُّرُ عمليَّةٌ عقليَّةٌ تحدثُ في الذِّهنِ ، والتَّأثُّرُ انفعالٌ في الجوارحِ والقلبِ ، وقد يكونُ بسبب التَّدبُّرِ ، وقد يكونُ بسببِ روعةِ القرآنِ ونظمه ، وقد يكونُ بسبب حالِ الشَّخصِ في تلكَ اللَّحظةِ ، واللهُ أعلمُ .
الملتقى العلمي الأول لتدبر القرآن
التدبر اصطلاحًا .
آيات التدبر في القرآن .
الألفاظ المستعملة في القرآن المقاربة لمعنى التدبر
مجالات التدبر
ـ فهم المعنى .
ـ استنباط الأحكام والفوائد .
ـ الاستدلال لقضية معينة .
ـ تنزيل الآية على الواقع .
مراحل عمل المسلم في القرآن
ـ مرحلة القراءة .
ـ مرحلة فهم المعنى ( التفسير ) ( عقلية ) .
ـ مرحلة التدبر ( يدخل فيها جميع أنواع الاستنباطات ) ( عقلية ) .
ـ مرحلة التأثر ( وجدانية ) .
ـ مرحلة العمل به ( حركية ).
مستويات التدبر للسور ولآيات
إن مستويات التدبر في السور والآيات مما لا خدَ له ، وسأذكر من ذلك أمثلة :
ـ النظر في الاسم النبوي للسورة ، وعلاقته بمقصودها أو موضوعها .
ـ استخراج موضوعات السور ة.
ـ استخراج مقصد السورة .
ـ تقسيم السورة إلى وحدات موضوعية والربط بينها .
ـ النظر في تناسب الآيات والمقاطع .
ـ النظر في خواتم الآيات وعلاقته بموضوع الآية وارتباط ما بعدها بما قبلها ، وعلاقتها بالمقطع .
ـ تثوير الاستنباط من الآيات ، وتنويعه على الطريقة السعدية والعثيمينية .
ـ ربط موضوعات القرآن بعضها ببعض ، ثم ربطها بالسنة النبوية على طريفة ابن كثير في الاستشهاد بالأحاديث في المواطن المناسبة لها من الآيات .
ـ الأخذ بعلم الوجوه والنظائر والاستفادة منه ، وهو مجال رحب من مجالات التدبر .
ـ تفعيل البحث الموضوعي في موضوعات القرآن بطريقة صحيحة من غير إغراق في التنظيرات والأساليب الإنشائية .
ـ تدلُّ مادة» دَبَرَ « على آخرِ الشَّيءِ .
والتَّدبُّرُ : النَّظرُ في أدبارِ الشَّيء ، والتفكيرُ في عاقبتِه .
وقد استُعملَ في كلِّ تأمُّلٍ يقعُ من الإنسانِ في حقيقةِ الشَّيءِ أو أجزائه أو سوابقِه أو لواحقه أو أعقابه ( ) .
وجاءَ على صيغةِ التَّفعُّلِ ، ليدلُّ على تكلُّفِ الفعلِ ، وحصولِه بعد جُهْدٍ ، والتَّدبُّرُ : حصولِ النَّظرِ في الأمرِ المُتَدَبَّرِ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ .
وقد جاءَ الأمرُ بتدبُّرِ القرآنِ في أربعةِ مواضعَ من القرآنِ ، والعجيبُ أنَّ آيتينِ نزلتْ في سياقِ المنافقينَ ، وهما قوله تعالى : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا[ ] النِّساء : 82 [ ، وقوله تعالى : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلَى قُلُوبٍ أقْفَالُهَا[ ] محمد : 24 [ .
وجاءت آيتانِ في سياقِ الكفَّارِ ، وهما قوله تعالى : ]أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَولَ أمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأتِ أبَاءهُمُ الأوَّلِينَ[ ] المؤمنون : 68 [ ، وقوله تعالى : ]كتابٌ أنْزَلْنَاهُ إلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه وَلِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألْبَابِ[ ] ص : 29 [ .
وتحتملُ آيةُ سورةِ ص أن يكون المؤمنونَ داخلونَ في الأمرِ بالتَّدبُّرِ ، ويشهدُ له قراءةُ من قرأ : ]لِتَدَبَّرُوا آياتِهِ[ بالتَّاء( ) ، بمعنى : لتتدبَّره أنت يا محمد واتباعُك( ) .
وليس نزولُ الآيةِ في سياق غيرِ المؤمنينَ يعني أنَّ المؤمنينَ لا يُطلبُ منهم التَّدبُّرُ ، بل هم مأمورونَ به ، وداخلونَ في الخطابِ من بابٍ أولى ؛ لأنَّهم أهلُ الانتفاعِ بتدبُّرِ القرآنِ ، وإنَّما المرادُ هنا بيانُ من نزلت بشأنه الآياتُ ، دون بيان صحَّةِ دخولِ المؤمنينَ في الخطابِ ، واللهُ أعلمُ .
والآياتُ الآمرةُ بالتَّدبُّرِ منها ما جاءَ على شيءٍ مخصوصٍ ؛ كقوله تعالى : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا[ ] النِّساء : 82 [ .
ومنها ما جاءَ مطلَقًا بالتَّدبُّرِ العامِّ ؛ كقوله تعالى : ]كتابٌ أنْزَلْنَاهُ إلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه وَلِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألْبَابِ[ ] ص : 29 [ .
والأصلُ أنَّ مرحلةَ التَّدبُّرِ تأتي بعدَ الفَهْمِ ، إذ لا يُمكنُ أن يُطلبَ منك تدبُّرُ كلامٍ لا تعقِلُه ، وهذا يعني انَّه لا يوجدُ في القرآنِ ما لا يُفهَمُ معناهُ مطلقًا ، وأنَّ التَّدبُّرَ يكونُ فيما يتعلَّقُ بالتَّفسيرِ ؛ أي أنَّه يتعلَّقُ بالمعنى المعلومِ .
ولربطِ هذا المبحثِ بسابقه يمكن تقسيمُ مستويات التَّدبُّرِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
القسمُ الأوَّلُ : أن يكونَ التَّدبُّرُ لمعرفةِ المعنى المرادِ بالآيةِ ، وقد يتعلَّقُ الأمرُ بآيةٍ تكونُ متشابهةً على المتدبِّرِ فيتطلَّبُ المعنى الصَّحيحَ لها ، فتطلُّبُه هذا تدبُّرٌ ، وهذا يعني أنَّ التَّدبُّرَ يتعلَّقُ بالمعنى ، وفي الغالب يكونُ هذا في فهم المتشابهِ النِّسبيِّ الذي قد يخفى .
وأمثلةِ هذا القسمِ كثيرةٌ ، منها ما يقعُ من بحثِ آيةٍ مشكلةٍ ، ومنها نقاشاتُ المفسِّرينَ التي يظهرُ فيها ترجيحُهم لوجهٍ من وجوهِ التَّفسيرِ ، وغيرَها مما يحتاجُ إلى اختيارٍ من أجلِ البيانِ ، واللهُ أعلمُ .
القسم الثَّاني : أن تكونَ الآيةُ ظاهرةَ المعنى لا تحتاجُ إلى تفسيرٍ ، أو تكونَ قد تبيَّن المعنى الصحيحُ لها للمتدبِّرِ ـ أي : بعد تفسيرِها ـ فيتدبَّرُ ما تحتويه من وجوه الاستنباطاتِ والفوائد ، وهو تدبُّرٌ لاستخراجِ الحِكَمِ والأحكامِ والآدابِ وغيرِها مما يستنبطُه المستنبطُ ، وهذا يعني أنَّ الاستنباطات نتيجةٌ للتَّدبُّرِ .
ومن أمثلةِ هذا القسم من التَّدبُّرِ ، ما ذكره ابن القيِّمِ ( ت : 751 ) في كتابه " زاد المهاجر " من تفسير قصَّةِ إبراهيم u في سورة الذَّارياتِ ، قال : » فصل في : ]أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ[ ] النساء : 82 ، محمد : 24 [ .
فان قلتَ : إنَّك قد أشرْتَ إلى مقامٍ عظيمٍ ، فافتحْ لي بابَه واكشفْ لي حجابَه ، وكيف تَدَبُّرُ القرانِ وتَفَهُّمُهُ والإشرافُ على عجائبه وكنوزه ؟! وهذه تفاسيرُ الأئمَّةِ بأيدينا ، فهل في البيانِ غيرُ ما ذكروه ؟
قلتُ : سأضرب لك أمثالاً تَحْتَذِي عليها ، وتجعلها إمَامًا لك في هذا المقصدِ .
قال اللهُ تعالى : ]هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ إذْ دَخَلُوا عَلَيهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَومٌ مٌنْكَرُونَ فَرَاغَ إلَى أهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إلَيهِمْ قَالَ ألاَ تَأكُلُونَ فَأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ فَأقْبَلَتِ امْرَأتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إنَّهُ هُو الحَكِيمُ العَلِيمٍ[ ] الذاريات : 24 ـ 30 [ .
فعهدي بكَ إذا قرأتَ هذه الآية ، وتطلَّعتَ إلى معناها ، وتدبَّرتها ، فإنَّما تَطْلُعُ منها على أنَّ الملائكةَ أَتَوا إبراهيمَ في صورةِ الأضيافِ يأكلونَ ويشربون ، وبشَّرُوه بغلامٍ عليمٍ ، وإنَّما امرأتُه عجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة : أن اللهَ قال ذلك ، ولم يتجاوزْ تَدَبُّرُكَ غير ذلك .
فاسمعِ الآن بعضَ ما في هذه الآيات من أنواعِ الأسرارِ ، وكم قد تضمَّنت من الثَّنَاءِ على إبراهيم ؟
وكيف جمعتِ الضِّيافةَ وحقوقَها ؟ وما تضمَّنتْ منَ الرَّدِّ على أهلِ الباطلِ من الفلاسفةِ والمعطِّلةِ .
وكيف تضمَّنتْ علمًا عظيمًا من أعلام النُّبوَّةِ ؟
وكيف تضمَّنتْ جميعَ صفاتِ الكمالِ التي رَدَّهَا إلى العلمِ والحكمةِ ؟
وكيف أشارت إلى دليلِ إمكانِ المعادِ بألطفِ إشارة وأوضحِها ، ثُمَّ أفصحتْ وقوعَه ؟
وكيف تضمَّنتْ الإخبار عن عدلِ الرِّبِّ وانتقامِه من الأممِ المكذِّبةِ ، وتضمَّنتْ ذِكْرَ الإسلامِ والإيمانِ والفرقِ بينهما ، وتضمَّنتْ بقاءَ آياتِ الرَّبِّ الدَّالَّةِ على توحيدِه وصدقِ رُسُلِهِ وعلى اليوم الآخرِ ، وتضمَّنتْ أنَّه لا ينتفعُ بهذا كلِه إلاَّ من في قلبِه خوفٌ من عذابِ الآخرةِ ، وهم المؤمنون بها ، وأمَّا من لا يخافُ الآخرةِ ولا يؤمنُ بها ، فلا ينتفعُ بتلك الآياتِ ؟ فاسمع الآن بعض تفاصيل هذه الجملةِ « ( ).
ثُمَّ بدأ يسردُ فوائدَ واستنباطاتٍ من هذه الآيات ، ولولا طولُها ، لذكرتُها .
القسم الثَّالث : ما استأثر الله بعلمه ، وهو ما يسمى بالمتشابِه الكليِّ ، وهذا لا يمكن وقوع التدبر فيه ؛ لأنَّه لا يعلمُه إلاَّ اللهُ ، كما سبقَ بيانُه ، ومن هنا فالتَّدبُّرُ لا يدخلُ في الغيبيَّاتِ التي استأثرَ اللهُ بعلمها ؛ كزمنِ وقوعِ ما اخبرَ اللهُ بوقوعِه أو كيفيَّاتِ هذه المغيَّباتِ .
وهذا القسمُ ليسَ له مثالٌ ؛ لأنَّه لا يمكنُ أن يقعَ فيه تدبُّرٌ ، واللهُ أعلمُ .
المعاني المقاربةِ للتَّدبرِ
ويقربُ من معنى التَّدبِّرِ التَّفكُّرُ والتَّذكُّرُ والنَّظرُ والتَّأملُّ والاعتبارُ والاستبصارُ ، قال ابن القيِّمِ ( ت : 751 ) : » … وهذا يسمَّى تفكُّرًا وتذكُّرًا ونظرًا وتأمُّلاً واعتبارًا وتدبُّرًا واستبصارًا ، وهذه معانٍ متقاربةٌ تجتمعُ في شيءٍ وتتفرقُ في آخر .
ويسمَّى تفكُّرًا ؛ لأنه استعمالُ الفكرةِ في ذلك ، وإحضارُه عنده .
ويسمَّى تذكُّرًا ؛ لأنَّه إحضارٌ للعلمِ الذي يجب مراعاته بعد ذهولِه وغيبتِه عنه ، ومنه قوله تعالى : ]إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فِإذَا هُمْ مُبِصِرُونَ[ ] الأعراف : 201 [ .
ويسمَّى نظرًا ؛ لأنَّه التفاتٌ بالقلبِ إلى المنظورِ فيه .
ويسمَّى تأمُّلاً ؛ لأنه مراجعةٌ للنَّظرِ كرَّةً بعد كرَّةٍ ، حتى يتجلَّى له وينكشفَ لقلبِه .
ويُسَمَّى اعتبارًا ، وهو افتعالٌ من العبورِ ؛ لأنَّه يَعْبُرُ منه إلى غيرِه ، فَيَعْبُرُ من ذلك الذي قد فَكَّرَ فيه إلى معرفةٍ ثالثةٍ ، وهي المقصود من الاعتبار ، ولهذا يُسَمَّى عِبْرَةً ، وهي على بناءِ الحالاتِ كالجِلْسَةِ والرِّكْبَةِ والقِتْلَةِ إيذانًا بأنَّ هذا العلمَ والمعرفةَ قد صار حالاً لصاحبِه يَعْبُرُ منه إلى المقصودِ به ، وقال الله تعالى ]إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى[ ] النازعات : 26 [ ، وقال ]إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ[ ] آل عمران : 13 [ .
ويُسمَّى تدبُّرًا ؛ لأنَّه نظرَ في أدبارِ الأمورِ ، وهي أواخرُها وعواقبُها ، ومنه تدبُّرُ القول … « ( ).
الفرقُ بين التَّدبُّرِ والتَّأثُّرِ من سماعِ القرآن
يخلطُ بعضُ النَّاسِ بين التَّدبُّرِ والتَّأثُّرِ من سماعِ القرآن ، فيجعلونَ القشعريرةَ التي تصيبُ الإنسان والخشوعَ الذي يلحقُه بسببِ تأثيرِ القرآنِ عليه هو التَّدبُّرُ ، وليسَ الأمرُ كذلك .
فالتَّدبُّرُ عمليَّةٌ عقليَّةٌ تحدثُ في الذِّهنِ ، والتَّأثُّرُ انفعالٌ في الجوارحِ والقلبِ ، وقد يكونُ بسبب التَّدبُّرِ ، وقد يكونُ بسببِ روعةِ القرآنِ ونظمه ، وقد يكونُ بسبب حالِ الشَّخصِ في تلكَ اللَّحظةِ ، واللهُ أعلمُ .
الملتقى العلمي الأول لتدبر القرآن