يوسف محمد مازي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد، فهذا ملخص بحث مصغر متواضع أردت من مشايخي وأساتذتي أن يقوموه
[align=center]معالم منهج الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواءالبيان في إيضاح القرآن بالقرآن.[/align]
إعداد: ذ.يوسف مازي
الحمد لله المحمود في عليائه، والحمد لله حمدا يليق بعظمته وكبريائه، والحمد لله على آلائه ونعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأسأله المزيد من فضله وعطائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيره من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم لقائه.
أما بعد: فهذا ملخص يفيد من أراد أن يطلع على التفسير المبارك . تفسير شيخنا العالم النحرير محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى رحمة واسعة. جعلته كالنافذة لمن أراد أن يطل من خلالها على أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن...
فأقول وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به . إن المؤلف رحمه صدر تفسيره كما هي عادة من تصدى لتفسير كتاب الله تعالى بمقدمة ذكر فيها أنواع البيان المعتمدة في تفسيره رحمه الله، ومثل لها ، وأفصح رحمه الله على المقصد العام من وراء تأليف هذا التفسير. ففي المقدمة .
المقدمة:
* ذكر رحمه الله في مقدمته للكتاب أنواعا عديدة لتفسير القرآن بالقرآن: تزيد على عشرين نوعا.
* وفي الكتاب أنواع أخرى من بيان القرآن بالقرآن. لم يذكرها المؤلف في الترجمة خوف الإطالة.
المقصد العام من التأليف:
1 - إعادة الأمة إلى دينها الحق، وعقيدتها الخالصة. كما أراد الله لها، في ضوء ما جاء في القرآن الكريم.
2 - بيان الأحكام الفقهية المتعلقة بالآيات المفسرة.
3 - بيان القرآن بالقرآن.
وبعد الاطلاع على هذه المقدمة يمكن تحديد بعض معالم منهجه رحمه الله فيما يلي:
بعض معالم منهجه رحمه الله:
• الإعتماد على القرآن في بيان آيات كتاب الله تعالى .
• الاعتماد على السنة في فصل الخلاف والنزاع.
• الاعتماد على القراءات السبعية دون القراءات الشواذ .
• الاستئناس بالقراءات الشاذة للاستشهاد للصحيحة.
• التعريج على بعض الفوائد الأصولية.
• التعريج على بعض الفوائد اللغوية والإستشهاد لها بالشعر العربي.
• خدمته قضايا التفسير: [وأرجو من الله العليم الحكيم أن يكون الشيخ قد حاز الفضل المبين في حديث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : » مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ «
• أصل وقعد للمنهج الرئيس في تفسيره.
• بين الصواب في كثير من المسائل الخلافية.
• اعتماده تفسير القرآن بالقرآن بشكل واضح جلي. والذي هو أصل تفسيره وجوهره.
• اهتم رحمه الله بإيضاح القرآن بالقرآن وركز عليه حتى غدا تفسيره المبارك علما عليه، ومصبوغا به، ميزه ذلك عن بقية التفاسير لاسيما المعاصرة منها.
وبعدما اطلعنا على تفسير شيخنا رحمه الله تعالى. وتكونت لدينا نظرة كلية عن هذا المؤَلف المبارك. ارتأينا أن نقدم الهيكلة العامة له على شكل خطاطة إجمالية، تكون مقربة لأقسامه الكبرى، ومحاوره الفرعية. ومقدمة لمواده بشكل مقتضب مختصر. وهذا تفصيل ماجاء فيها.
اولا التفسير بالمأثور
أ- تفسير القرآن بالقرآن
1- ايضاح إطلاقات الكلمة القرآنية
كان يعمد رحمه الله إلى ذكر الكلمة القرآنية، ثم بعد ذلك يحصر عدد إطلاقاتها في القرآن الكريم، ثم يبين معاني تلك الإطلاقات، مع ذكر الآيات القرآنية المتعلقة بكل إطلاق، مثل: الهدى والإنذار والضلال والأمة والفتنة والمحصنات...
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ من سورة النمل الآية 46.
فتطلق الفتنة على:
• الإحراق بالنار: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ سورة الذاريات الآية 13
• الاختبار: وهذا هو أكثرها استعمالا كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ سورة الأنبياء 35
• نتيجة الاختبار: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ سورة البقرة 193.
• الحجة ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ سورة الأنعام 23 .
وبمثل هذا يتبين لنا أنه كان رحمه الله، يركز على ذكر كل ما جاء في القرآن الكريم، من الآيات المتعلقة بتلك الكلمة القرآنية المراد بيانها وحصر إطلاقها في ضوء القرآن الكريم.
2- إيضاح الآية القرآنية
تارة يفسر الآية بالآية، وفي الغالب يفسر الآية بالآيات العديدة.
أ - تفسير الآية بالآية: وهذا قليل إذا ما قورن بغيره من بيان القرآن بالقرآن
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ سورة آل عمران الآية 52
بين رحمه الله الحكمة من ذكر قصة الحواريين: التي هي تأسي أمة محمد بهم في نصرة الله ودينه : قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ الصف الآية14
ب - تفسير الآية بالآيات: ذكر منه رحمه الله الشيء الكثير.وما ذلك إلا لأن: جمع الآيات العديدة، ذات الموضوع الواحد في الموضع نفسه، وتناوله وجمع جزئياته في مكان واحد حسب ترتيب معيّن. يساهم في تكوين رؤى عامة حول موضوعات كتاب الله تعالى ، أوالموضوعات التي تناولها المفسرون بشكل مجزء في تفاسيره .من أجل استنباط الهدايات القرآنية بجمع آيات عدة، كلها ترمي إلى توضيح المراد من الآية من مختلف جوانبها .
كما أن هذه العملية تؤدي إلى تيسير عملية التفسير، و توضيح المعنى المراد، وترسيخه في الأذهان..وازالة أي غموض يكتنف تفسير آيات القرآن الكريم :
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ التوبة الآية13.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار هموا بإخراج الرسول من مكة. وصرح في مواضع أخرى بأنهم أخرجوه بالفعل: في قوله تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ الممتحنةالآية:1
وقوله تعالى: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ محمد الآية 13 وقوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ الأنفال الآية 30 و قوله تعالى: وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً الإسراء الآية76.
وكان رحمه الله يجمع الآيات في نسيج واحد رائع وفي سياق جميل بديع مترابط، ما أن يقرأه القارئ إلا تتشكل في مخيلته الصورة الحقيقية للمعنى المراد، ويتحصل لديه جملة عناصر لذلك الموضوع المراد بيانه.
3- بيان الإجمال
أورد المؤلف رحمه الله أنواعا كثيرة من بيان الإجمال أورد منها ما يلي:
• الإجمال بسبب الاشتراك:
مثاله: كلمة العتيق في قوله تعالى: البيت العتيق . فإنه يشترك في معناها الكريم و القديم و عتق الله له من الجبابرة. وقد وضح رحمه الله هذا المجمل الذي اختلف فيه أهل العلم بقوله: " فاعلم انه قد دلت آية من كتاب الله على أن العتيق: القديم الأول في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . آل عمران الآية:96 . مع أن المعنيين الآخرين كلاهما حق".
• الإجمال بسبب الابهام:
مثاله: قوله تعالى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ البقرة الآية:40 : فعهدهم هو لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ المائدة الآية:12و وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ آل عمران الآية:186. أما عهده تعالى فهو لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ .
• الإجمال بسبب الاحتمال:
مثاله: قوله تعالى إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ النحل الآية:100.فالضمير المجرور بالباء هنا يحتمل أن يرجع إلى الله أو إلى الشيطان. لكن المؤلف رحمه الله بين أن الضمير يعود إلى الشيطان مستندا إلى قوله تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ يـس الآية:60.
وهذا لايتم إلا بطاعته- إبليس لعنه الله- في المعاصي وفي خطواته وكل ما يأمر به.
4- ظاهر الآية القرآنية
تكلم رحمه الله بالتفصيل عن ظاهر القرآن، وبين الحق فيه.
بقوله رحمه الله : "والتحقيق الذي لا شك فيه، وهو الذي كان عليه أصحاب رسول الله وعامة علماء المسلمين، أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله، وسنة رسول الله في حال من الأحوال بوجه من الوجوه حتى يقوم دليل شرعي صحيح صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح."
* وقد عدل رحمه الله عن ظاهر النص في بعض الآيات لوجود دليل شرعي صحيح صارف.
* كما تضمن هذا الكتاب المبارك نوعا آخر من أنواع البيان وهو أن: يكون الظاهر المتبادر من الآية بحسب الوضع اللغوي، غير مراد بدليل قرآني آخر على أن المراد غيره.
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ البقرة اية :48: الظاهر عدم قبولها مطلقا. قال رحمه الله : " لكن في مواضع أخرى يتبين أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض. يقول تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الأنبياء اية:28و إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر َالزمر الآية:7 و يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً طـه الآية:109
5- الإحالة القرآنية
قال رحمه الله:" ومن أنواع البيان المذكورة في هذا الكتاب المبارك أن يحيل تعالى على شيء ذكر في آية أخرى، فإنا نبين الآية المحال عليها".
وبذلك يعطي رحمه الله للآية وضوحا أكثر مما لو ذكرت بمفردها.
مثالها : قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ النحل الآية:118.
قال رحمه الله: " هذا المحرم عليهم المقصوص عليه من قبل المحال عليه هنا هو المذكور في الأنعام بقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ الأنعام الآية 146.
6- تجزئة الآية القرآنية
من منهجه رحمه الله: تجزيء الآية القرآنية، وتقسيمها إلى مقاطع عدة، أو عناصر ثم يبين كل ذلك بالقرآن الكريم على سبيل التفصيل:
مثالها : قوله تعالى الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً الفرقان الآية :2
قال رحمه الله : "وقد أثنى جل وعلا، على نفسه في هذه الآية الكريمة بخمسة أمور، هي أدلة قاطعة على عظمته واستحقاقه وحده تعالى لإخلاص العبادة له".
الأول: أنه هو الذي له ملك السموات والأرض وذلك في قوله تعالى أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ البقرة الآية 107
الثاني: انه لم يتخذ ولدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. وذلك في قوله تعالى : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً الجن الآية:3
الثالث: أنه لا شريك له في ملكه وذلك في قوله تعالى : يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ غافر الآية :16
الرابع: أنه هو خالق كل شيء.
الخامس أنه قدر كل شيء خلقه تقديرا: وذلك في قوله تعالى إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ القمر الآية :49 .
وكان رحمه الله يعتمد التفصيل المطول. ليعطي للآية المفسرة الوضوح التام من مختلف جوانبها ولجميع عناصرها المجزأة إليها.
ويلاحظ المطلع على هذا التفسير المبارك أن المؤلف رحمه الله ركز على هذا النوع من البيان واهتم به، وحاول إبرازه عند كل فرصة تتاح له بشرط تناسبها مع هذا اللون من البيان القرآني.
7- مفهوم المخالفة القرآني
• اعتمد المفسر رحمه الله على مفهوم المخالفة وذكره في العديد من مواضع تفسيره.
• كان رحمه الله يتكلم عن الآية وما يتعلق بها ثم يقول بعدها: " ويفهم من مفهوم المخالفة في الآية أن.. لأن مفهوم قوله... "
ومن أمثلته قوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ الحج الآية:8
تكلم رحمه الله أثناء تفسيره للآية عن الجدل المذموم الذي يكون بغير علم ويصدر في الغالب من الكفار. قال رحمه الله: ..." واعلم انه يفهم من دليل خطاب هذه الآية الكريمة - أعني مفهوم مخالفتها - أن من يجادل بعلم على ضوء هدي كتاب منير، كهذا القرآن العظيم ليحق الحق ويبطل الباطل بتلك المجادلة الحسنة، أن ذلك سائغ محمود. لأن مفهوم قوله تعالى : بِغَيْرِ عِلْمٍ أنه إن كان بعلم فالأمر بخلاف ذلك ، وليس في ذلك اتباع للشيطان.
8- التفسير الموضوعي القرآني
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم وهو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر.
• وقد كان المؤلف رحمه الله يجمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد فيرتبها وينظمها ويربط بينها ليشكل منها موضوعا متكاملا، ثم يعمد إلى تفسير تلك الآيات على ضوء ذلك الترتيب والتنسيق.
• ومن الملاحظ أن الشيخ اهتم به وأبرزه بوضوح.
ومن أمثلته : قوله تعالى اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ البقرة الآية:256
• الموضوع الولاية: ذكر لها عناصر عدة انطلاقا من آيات أخر فتطرق رحمه الله إلى :
• ولاية الله للمؤمنين وولاية الرسول للمؤمنين.
• ولاية المؤمنين للمؤمنين.
• ولاية الله للرسول .
• الكفار لا مولى لهم.
• ثمار الولاية الصادقة.
9- دفع إيهام الاضطراب
والمراد به إزالة التعارض الظاهري بين الآيات القرآنية الكريمة ومحاولة الجمع بينها.
• اعتنى المفسر رحمه الله بهذا الموضوع عناية خاصة. وزادت عنايته به بتأليف رسالة قيمة في بابها أسماها : "دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب"
ومن أمثلة التعارض الظاهري: قوله تعالى إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً الكهف الآية:57
بعد أن فسر رحمه الله هذه الآية حدد وجه التعارض الظاهري بينها وبين ما جاء في آيات أخرى من أن الله تعالى يعذب أهل الكفر.بقوله رحمه الله : " فما وجه تعذيبهم على شيء لا يستطيعون العدول عنه والانصراف إلى غيره فهم على ذلك مجبورون.
...تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم. كالختم والطبع والغشاوة والأكنة ونحو ذلك، إنما جعلها عليهم جزاء وفاقا. لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم... فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً النساء الآية:155"
ب- تفسير القرآن بالسنة
يقصد الشيخ رحمه الله بالسنة في هذا الباب: السنة المرادفة للحديث.
قال رحمه الله تعالى: " واعلم أن مما التزمنا في هذا الكتاب المبارك، أنه إن كان للآية الكريمة، مبيـﱠن من القرآن غير واف بالمقصود من تمام البيان فإنا نتمم البيان من السنة".
لكن هذا النوع من البيان لم يكن هو الأساس والعمدة عند الشيخ في تفسيره. وقد بين رحمه الله أيضا ما لم يكن له بيان في القرآن أصلا بالسنة. إلا أن ذلك قليل ونادر.
ويمكن لنا أن نجمل هذا النوع في نقطتين أساسيتين:
* الإيضاح والبيان بالسنة مباشرة: وفي هذه النقطة يكون البيان بالسنة من صلب التفسير وأصله.
* الإيضاح والبيان بالسنة ضمن موضوعات عديدة مختلفة من فقه وعقيدة وأصول... وقد توسع فيه المؤلف رحمه الله كثيرا.
- معالم منهجه فيه.
• بيان الكلمة القرآنية بالسنة
• إيضاح الآية القرآنية بالسنة
• الترجيح بالسنة
• إزالة التعارض الظاهري
• نقده للحديث.
1- بيان الكلمة القرآنية بالسنة
• اعتمده رحمه الله، وركز عليه كثيرا وذكره في مواضع عديدة خاصة عندما تتكرر معه الكلمة القرآنية المفسرة نفسها .
• اعتمد رحمه الله هذا البيان بالسنة عند تفسيره للآيات التي يتوقف بيانها على معرفة الكلمة القرآنية، والتي يدور عليها المعنى غالبا، او يكثر ذكرها في القرآن، وتحتمل معاني كثيرة بحسب موضعها، ولا يوجد لها بيان واف من القرآن.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ الأنعام الآية:82. قال رحمه الله :"المراد بالظلم هنا الشرك كما ثبت عن النبي في صحيح البخاري وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه".
وقد أشار رحمه الله فقط إلى طرف الحديث الذي استدل به.
• كذلك عند تفسيره لقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان الآية:13 اعتمد على البيان بالسنة نفسها.
والحديث الذي استدل به هو: "حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ »" .
2- إيضاح الآية بالسنة.
من معالم منهجه فيه أنه رحمه الله :
• اعتنى عناية فائقة ببيان الآيات القرآنية بالسنة.
• كان له منهج متميز في هذا النوع من البيان.
• لا يلجأ لذلك إلا إذا كان البيان بالقرآن غير كاف ولا مستوف
* بيان الآية بالحديث تبعا:
• كان رحمه الله يعتمد في تفسيره للقرآن الكريم أولا على البيان بالقرآن، ثم يتبع ذلك بالبيان بالسنة النبوية.
• وهذا النوع هو الغالب في تفسيره رحمه الله.
مثاله : قوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ آل عمران الآية:97. بين رحمه في مواضع متعددة من القرآن معنى الآية، وذكر هذه الآيات المبينة ثم قال: "وثبت في صحيح مسلم رحمه الله من حديث أَبِي ذَرٍّ عن النَّبِيِّ فِيمَا رَوَى عَن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ »"
فيكون سوقه للحديث في مثل هذا النوع تبعا لا ابتداء.
* بيان الآية بالحديث ابتداء:
• إذا لم يجد رحمه الله في القرآن شيئا من التفسير، عمد إلى البيان بالسنة ابتداء وتأسيسا.
ومن أمثلته قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الحجر الآية:87
قال رحمه الله: ''ذكر -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة أنه آتى نبيه سبعا من المثاني والقرآن العظيم، ولم يبين هنا المراد بذلك..." إلى أن قال : " فاعلم أن النبي بين في الحديث الصحيح أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم في هذه الآية الكريمة هو فاتحة الكتاب." ثم ذكر حديث أبي سعيد بن المعلى الذي في البخاري كاملا: « قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِي لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ ».
* ذكره للأحاديث الموافقة للآية تأكيدا.
اعتمد رحمه الله هذا النوع ليؤكد ما جاء في القرآن العظيم موافقة .
مثال : قوله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ... النور الآية: 30.
• قال رحمه الله " وهذا الذي دلت عليه الآيتان من الزجر عن النظر إلى ما لا يحل. جاء موضحا في أحاديث كثيرة منها: ما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري « رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ » ''
* زيادة البيان بالحديث
• يعتمد رحمه الله على السنة في بيان أحكام زائدة عن الذي جاء في الآية الموضحة.
مثالها ذلك : قوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ النساء الآية: 25
بين رحمه الحكم المسكوت عنه في هذه الآية. وهو حكم الأمة غير المحصنة: الذي لا فرق بينها وبين المحصنة فيه. ثم جاء بالسنة المبينة فقال: " فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث« أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ قَالَ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ » .
وهكذا كان رحمه الله يبين بالسنة المطهرة أحكاما زائدة لم تبين في القرآن الكريم.
3- الترجيح بالسنة
في هذه النقطة بالذات بذل رحمه الله عصارة علمه، وقوة فهمه، ودقة استنباطه، وعمق ملاحظاته.. فتجده رحمه الله، يرجح في أغلب المواضع التفسيرية بين الأقوال المتباينة. وقد اعتمد في ذلك على مرجحات عدة.. من بينها السنة المطهرة.
وتميزمنهجه رحمه الله بابتعاده عن التعصب المذهبي، والتزامه بقوة الدليل في الأقوال، دون النظر إلى صاحبها أوقائلها كما صرح بذلك في المقدمة.
قال رحمه الله: "... إذا بينا قرءانا بقرآن في مسألة يخالفنا فيها غيرنا، ويدﱠعي أن مذهبه المخالف لنا يدل عليه قرآن أيضا، فإنا نبين بالسنة الصحيحة صحة بياننا، وبطلان بيانه. فيكون استدلالنا بكتاب وسنة".
مثال ذلك : قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة الآية:5
ذكر رحمه أدلة الرافضة الذين ذهبوا إلى أن الواجب هو مسح الأرجل ، ثم ثنى بأدلة جمهور المسلمين الذين قالوا بأن الواجب هو غسلهما. وبعد تحرير القول في هذه المسألة رجح رحمه الله القول بغسلهما وذكر الحديث المرجح لهذا القول على غيره: وهو حديث« عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا » وقال بعده رحمه الله:" وهذا لا يكون إلا في ترك أمر واجب مطلوب".
ومن الأمثلة أيضا: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الحج الآية:1 فرجح رحمه الله القول بأن المقصود من هذه الآية هو واقعة يوم القيامة بعد القيام من القبور، وذكر لذلك مايكفي من الأدلة.
4- إزالة التعارض الظاهري بين النصوص:
ازال رحمه الله التعارض الظاهري بين الآيات القرآنية بعضها مع بعض من ناحية. وبين الآية القرآنية والسنة من ناحية أخرى بأساليب عدة وطرق مختلفة سنمثل لكل واحد منها.
1. التعارض بين الآيات القرآنية:
ومن أمثلته : قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ العنكبوت الآية:13. فهي معارضة بقوله تعالى: وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ الأنعام الآية:164.
ولرفع هذا التعارض فإنه رحمه الله جمع بين النصوص جمعا شافيا كافيا فقال رحمه الله مدحضا لشبه من ظن تعارض الآيتين السابقتين "هو أن رؤساء الضلال وقادته تحملوا وزرين أحدهما وزر ضلالهم في أنفسهم والثاني وزر اضلالهم غيرهم. ثم استدل بحديث نبوي شريف من صحيح مسلم وهو حديث: « عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَؤُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.. »
2.التعارض بين الآية والسنة:ومن أمثلته :
قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام الآية:164.
فهذه الآية معارضة بقوله عليه الصلاة والسلام :
«إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ولإزالة هذا التعارض حمل رحمه الله الحديث على أمرين:
1 - أن يوصي بالنوح عليه: فيكون تعذيبه بسبب إيصائه بالمنكر .
2 - أن يهمل نهيهم قبل موته: فيكون تعذيبه بسبب تفريط منه.
5- نقده للحديث:
قال رحمه الله: " قد تضمن هذا الكتاب أمورا زائدة على ذلك ". أي على البيان بالقرآن. وفعلا فالمطالع للتفسير يظن أنه يطالع في كتب الحديث وعلومه، خصوصا في بعض المواضع . فتجد الشيخ رحمه الله كثير الاعتماد على ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما.
وقد جعل رحمه الله من البيان بالسنة هذا الموضوع:
* لأن السنة المطهرة لا يمكن لها أن تنفصل أو يفصل عنها هذا الجانب من علوم السنة- نقد النصوص الحديثية - .
*وكذلك تجنبا لما وقع فيه بعض المفسرين من إعمالهم لهذه الدراسة في غير محلها .
وتناول رحمه الله هذا الجانب من زاويتين:
الأولى نقد المتن: وهو قليل جدا، إلا في نقده لبعض متون الروايات الإسرائيلية عندما تخالف بعض أصول الشريعة الإسلامية، أو في بعض الأحاديث النادرة.
الثانية نقد السند: وقد توسع فيه رحمه الله وأفاد به.
معالم منهجه في هذا النوع من البيان:
ا.الاهتمام بالإسناد:
حاول رحمه الله في الغالب ذكر رجال السند وما يشير إلى ذلك حتى من الصحيحين.
مثال ذلك : قوله تعالى: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً {71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً مريم الآية:71
استدل رحمه الله على أن الورد معناه الدخول بأدلة عدة منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما...»
قال رحمه الله : الظاهر أن الإسناد المذكور لا يقل عن درجة الحسن لأن :
طبقته الأولى: سليمان بن حرب وهو ثقة إمام حافظ مشهور.
وطبقته الثانية:أبو صالح أو أبو سلمة غالب بن سليمان العتكي الجهضمي الخراساني وهو ثقة.
وطبقته الثالثة:كثير بن زياد أبو سهل البرساني وهو ثقة.
وطبقته الرابعة:أبو سمية وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
ثم قال بعده رحمه الله: "وبتوثيق أبي سمية المذكور تتضح صحة الحديث".
ب .تعدد طرق الحديث:
نجده رحمه الله يذكر للحديث الواحد الطرق العديدة التي تفيد في تقويته. وقد ُيعنى بسوق الأسانيد للطرق العديدة للحديث. حتى ولو كان في الصحيحين أو في أحدهما.
ومثال هذا النوع: قوله تعالى وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ المائدة الآية:5 فذكر للاستدلال على وجوب غسل الأرجل في الوضوء، لا مسحهما، حديث مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: « رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مَرَّ بِقَوْمٍ يَتَوَضَّئُونَ مِنْ مَطْهَرَةٍ فَقَالَ أَحْسِنُوا الْوُضُوءَ يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار » ثم ذكر له طرقا عدة: عن أبي هريرة وعن عائشة وعن عبد الله بن حارث بن جزء الزبيدي وعن جابر وعن معيقيب وعن أبي أمامة رضوان الله عليهم جميعا.
وتوسع رحمه الله في سرد الأحاديث الكثيرة بأسانيدها المتعددة. مع أنه كان يكفيه ما في الصحيحين.
ولعل الذي دعاه إلى هذا التوسع -والله أعلم-، التأكيد على إبطال شبه المخالف ورد أدلته.
ج . التخريج والحكم:
والمراد بالتخريج والحكم: الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجه منها بسنده. ثم بيان مرتبته عندما يكون الحديث أصلا في استدلاله وبيانه للآية.
وبهذا يسهل رحمه الله للقارئ التناول من تفسيره والاطمئنان إلى الأخذ منه .
ومن الأمثلة على ذلك حديث: أَبَي هُرَيْرَةَ « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ » الذي أورده رحمه الله أثناء تناوله لقوله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.. النحل الآية :115. فبعدما ذكر الحديث دلل على مصادره وقال رحمه الله بعد هذا التدليل :"والحديث صحيح كما في تخريجه بهذا الأسلوب والمنهج".
د .الاستدلال بالضعيف
اعتمد رحمه الله على الصحيح من السنة، وتجنب ذكر الضعيف في كل ما له علاقة بأصل التفسير. وما ذكره من الضعيف ففي الغالب لينبه عليه، ولم يعتمد عليه رحمه الله في تبيانه للقرآن الكريم.
أو لأنه قابل للجبر والتقوية. لكون الضعف فيه خفيفا وصالحا للجبر.
ومن الأمثلة على هذا قوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ البقرة الآية:196. ففي تفسيره لهذه الآية ذكر رحمه الله حديث: «من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص واللوص والعلوص » ليستدل به على قول من قال بأن الإحصار يكون بالمرض كذلك كما يكون من العدو .
قال المفسر رحمه الله بعد أن ذكر الحديث:" إنه ظاهر السقوط".
فيتبين للقارئ أن المؤلف رحمه الله ذكر الحديث هنا لبيان حاله لا للإستدلال به.
6 . سكوته عن الحديث
الأصل أن يتكلم المؤلف عن الأحاديث، ويبين ما فيها، ويحكم عليها كما عودنا في كثير من المواضع. لكن المؤلف رحمه الله قد يسكت عن الحديث الصحيح المقبول، أو الحديث الخفيف الضعف القابل للجبر والتقوية.
لكن سكوته هذا قليل بالنظر إلى الأحاديث التي ذكر تخريجها وحكمها. وعليه فإنه يمكن أن نقسم سكوته رحمه الله من حيث الحكم عن الأحاديث وعدمه إلى قسمين:
1 سكوته التام( أي سكوته عن السند والتخريج والحكم بالنسبة للأحاديث الصحيحة)
ومثاله قوله تعالى وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ المائدة الآية:2. قال رحمه الله بعدما بين تفسير هذه الآية: "...وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه بأن يطيع الله فيه" وساق الحديث دون تعليق فقال رحمه الله " وفي الحديث: « أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك »".
2 سكوته عن أسانيد وتخريج الأحاديث:
وأحيانا كان رحمه الله يسكت عن إسناد الحديث وتخريجه ويذكر الحكم الخاص بالحديث.
ومثال ذلك : قوله تعالى وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً مريم الآية:2. فذكر رحمه الله أثناء تفسيره للآية حديثا صحيحا في معناها« كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني...» قال رحمه الله فيه " وفي الحديث الصحيح" فذكر الحكم دون ذكر لإسناده ولا لتخريجه.
ج - تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم
أورد المؤلف رحمه الله من هذا اللون من البيان للقرآن الكريم الشيء القليل. وكان رحمه الله غالبا ما يردف أقوال الصحابة رضي الله عنهم بأقوال التابعين الذين تلقوا عن الصحابة رحم الله الجميع.
ولم يذكر رحمه الله في مقدمته، ولا في ثنايا تفسيره، أنه سيعتمد في بيانه للقرآن على أقوال الصحابة والتابعين. لكنه اعتمد على ذلك وذكره في تفسيره حتى برز منه ما يجعله قابلا للبحث والدراسة للمهتمين بذلك.
1- تفسير الكلمة القرآنية
يبين رحمه الله معنى الكلمات القرآنية التي غالبا ما يتوقف معنى الآية على إيضاحها بما جاء عن الصحابة والتابعين عندما لا يجد بيان ذلك في الكتاب والسنة.أو عندما يكون البيان بالكتاب والسنة محتاجا إلى مزيد إيضاح وبيان، وعليه فإن تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين عند المؤلف على ثلاثة أنواع:
أو أن البيان بذلك غير كاف ولا مستوف
أ . بيانه بالقول الواحد.
مثال ذلك : قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة الآية:35.
ففسر رحمه الله الوسيلة في هذه الآية بقول ابن عباس رضي الله عنهما: "الوسيلة الحاجة"، ولم يذكر غير هذا القول من أقوال الصحابة أو التابعين .
ب . بيانه بالأقوال المتفقة
ومن أمثلته : قوله تعالى وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ النمل الآية:90.
فبين رحمه الله بِالسَّيِّئَةِ بأنها: الشرك بأقوال عديدة متفقة للصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
ومن هنا نلاحظ أن معنى الآية الكريمة متوقف على معرفة معنى هذه الكلمة. وندرك أيضا أهمية هذا البيان وقيمته وقوته من الناحية التفسيرية.
ج . بيانه بالأقوال المتباينة
ومثاله: قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ الحجر الآية:75
ذكر رحمه الله لبيان معنى ِّ الْمُتَوَسِّمِينَ بعض الأقوال المختلفة للصحابة والتابعين رضي الله عنهم فقال:
" فابن عباس رضي الله عنهما قال : للناظرين. وقتادة رحمه الله قال: للمعتبرين. ومجاهد رحمه الله قال: للمتفرﱢسين".
2 - تفسيره للآية القرآنية
منهجه رحمه الله في ذلك أنه :
تارة يذكر أقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ابتداءا وتارة تبعا، بعد ذكر ما جاء في تفسير الآية من الكتاب والسنة. وفي بعض المواضع التفسيرية القليلة يذكر القول الواحد للصحابي أو التابعي. أما في الغالب فيركز رحمه الله على أقوالهم المجموعة، المتتابعة عند اتفاقهم أو اختلافهم. وأحيانا يجمع أو يرجح إذا كان الاختلاف واسعا. ولم يشذ عن المسلك هذا إلا في مواضع معدودة .
أ . بيان الآية ابتداء.
في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ الرعد الآية:12 ذكر رحمه الله هنا أقوال التابعين فقط فقال:
" فعن الحسن البصري قال:" الخوف لأهل البحر والطمع لأهل البر". وعن الضحاك قوله:" الخوف من الصواعق والطمع في الغيث". وقال قتادة: "خوفا للمسافر، يخاف أذاه ومشقته. وطمعا للمقيم، يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله ".
ب . بيان الآية تبعا:
في قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ الأنبياء الآية:35 ذكر رحمه الله ما جاء في القرآن الكريم، ثم أتبعه بما جاء عن الصحابة فقال: " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أي نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية، والهدى والضلال ".
ج . بيانه للآية بالأقوال المختلفة:
في قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ النحل الآية:97.
ذكر رحمه الله هنا تفسيرات عدة متباينة من أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا.
قال رحمه الله:" روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب. وعن علي أنه فسرها بالقناعة.وقال الضحاك هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا. وفي رواية له قال هي العمل بالطاعة والانشراح بها..."
ثم جمع رحمه الله بين هذه الأقوال بقوله: " والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله" وذكر بعض الأدلة على ذلك.
3- بيان الإجمال:
معالم منهجه في بيان الإجمال:
• اعتمد رحمه الله على أقوال الصحابة والتابعين في بيان مجمل القرآن.
• ركز المؤلف رحمه الله على هذا اللون من البيان، وبذل فيه قصارى جهده .
• كان في الغالب ما يقوي ويعضد به، البيان القرآني للقرآن أو البيان بالسنة.
مثال ذلك: في قوله تعالى: مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا الحج الآية:78. فقد وقع إجمال بسبب الاحتمال في الضمير ''هو'' على من يعود؟
ونلاحظ أن المؤلف رحمه الله رجح قول ابن عباس ومجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان.. بأن الضمير يعود على الله لا على إبراهيم. وذكر لذلك أدلة عديدة.
4 - اعتراضاته:
• كان رحمه الله مدققا ومحققا ومصوبا لا ناقلا وراويا فحسب .
• كان رحمه الله يعتمد فقط على ما وافق الكتاب والسنة ويرد ما خالفهما.
ومن أمثلة إعتراضاته رحمه الله: عند تفسيره لقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ المائدة الآية26
اعترض رحمه الله على قول الحسن البصري في تفسير الآية، من أن الرﱠجلين المذكورين فيها هما رَجلان من بني إسرائيل ورجح أنهما هابيل وقابيل. وذكر لذلك أدلة وشواهد من القرآن والعقل.
وفي قوله تعالى أيضا: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ النمل الآية: 80. قال رحمه الله " اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه، هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلمهم، وأن قول عائشة رضي الله عنها ومن تبعها أنهم لا يسمعون استدلالا بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وما جاء بمعناها من الآيات غلط منها رضي الله عنها ومن تبعها "
5 - موقفه من الإسرائيليات:
معالم منهجه فيه:
• كان رحمه الله لا يعتمد عليها في تفسيره، بل يذكرها في الغالب لينبه عليها ويبطل ما فيها من أكاذيب وأباطيل.
• غالبا ما يتعرض للإسرائيليات الواردة في تفسير آيات العقائد والقصص والأخبار.
• تارة يذكر الرواية كاملة، وتارة يقتصر على طرفها أو ما يشير إليها ثم ينقدها جملة وتفصيلا.
• يعتمد في نقده للروايات الإسرائيلية على ما قاله أهل العلم، وخاصة العلامة ابن كثير رحمه الله في تفسيره: تفسير القرآن العظيم.
ومن أمثلته : قوله تعالىوَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الحج الآية:52
ذكر رحمه الله ما جاء من رواية الشيطان الذي ألقى على لسان النبي ، تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى: ورد هذا القول بأدلة كثيرة مستفيضة.
قال رحمه الله : " اعلم أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعا، ودلالة القرآن على بطلانها، لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج ". وقال أيضا "...لا يخفى أنه باطل لا أصل له وأنه لا يليق بمقام النبوة وهو من الإسرائيليات " .
6 - موقفه من القراءات.
معالم منهجه فيه:
قال رحمه الله:
* " وقد التزمنا أن لا نبين القرآن إلا بقراءة سبعية " .
* " وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهادا للبيان بقراءة سبعية " .
* وكان رحمه الله لا يتوسع كثيرا في ذكر القراءة الشاذة، إلا بقدر ما يستفيد منها في تفسير الآيات القرآنية.
أ . عزو القراءة لصاحبها: ( اسنادها إليه )
مثال ذلك: قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ المائدة الآية:53. قال رحمه الله : " هناك ثلاث قراءات سبعيات : الأولى: يقول بلا واو مع الرفع. وبها قرأ نافع وابن كثير وابن عامر. الثانية بإثبات الواو مع رفع الفعل أيضا: يقولوا. وبها قرأ عاصم وحمزة والكسائي.
الثالثة: بإثبات الواو ونصب يقولَ عطفا فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ المائدة الآية:52. وبها قرأ عاصم وأبو عمرو.
ب . بيان القراءة وتوجيهها:
يذكر رحمه الله القراءات ويتعرض لها بالتوجيه. ليبين ما جاء في القرآن الكريم أو بعض جوانبه...من البيان.
مثاله: قوله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً الإسراء الآية:106.قال: قرأ عامة القراء: فَرَقْنَاهُ بالتخفيف، أي: بيناه وأوضحناه وفصلناه، وفرقنا فيه بين الحق والباطل. وقرأ بعض الصحابة فرﱠقناه بالتشديد أي أنزلناه مفرقا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة.
ج . الجمع بين القراءات:
عندما يكون اختلاف في القراءات، فإن المؤلف رحمه الله بما حباه الله من رسوخ في العلم يجمع بينها، ليزيل هذا الاختلاف، ويبين غايته وثمرته وأسبابه.
ومثال ذلك : قوله تعالى حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً الكهف الآية:85.
ذكر هنا ما جاء في قراءة حَمِئَةٍ بلا ألف وحامية بالألف .فالأولى هي الطين الأسود والثانية هي العين الحارة.
ثم قال رحمه الله " ولا منافاة بين القراءتين، لأن العين المذكورة حارة وذات ماء وطين اسود فكلتا القراءتين حق...".
د - مباحث أخرى ضمن التفسير بالمأثور.
ومنه الناسخ والمنسوخ -الحروف المقطعة - أسباب النزول - الشاذ من القراءات...
ومثل هذه المباحث وغيرها، لم يتوسع فيها المؤلف رحمه الله كثيرا.
التفسير بالدراية
1 . إيراده لمسائل الفقه:
• كان رحمه الله ذا نزعة فقهية عالية، بدت في تفسيره واضحة للعيان. وكما هو معلوم فإن ذلك راجع إلى نظام الدراسة ببلده الأصلي وتأثره رحمه الله ببيئته : موريتانيا
• استوعب معظم الموضوعات الفقهية المعروفة. وقد فصل في البعض واختصر في البعض الآخر بحسب الحاجة ارتباطا بما حدده من مقاصد من وراء تأليف هذا التفسير المبارك.
• جعل رحمه الله مقصده الثاني من هذا التفسير بيان الأحكام الفقهية : قال رحمه الله: ''والثاني بيان الأحكام الفقهية في جميع الآيات المبينة بالفتح في هذا الكتاب" " ...بيان الأحكام، ذكر الأدلة، آراء العلماء، الترجيح من غير تعصب لمذهب معين.." .
أ - مدخله الفقهي للآية:
معالم منهجه فيه:
* هو من الصناعة الفنية التي اعتمدها المفسر ضمن تفسيره للآيات القرآنية.
* كان المفسر رحمه الله يستهل كلامه بقوله: تنبيه أو تنبيهان أو تنبيهات.. ثم يشرع في بيان ما فيها من أحكام فقهية .
* عند تحريره للمسائل الفقهية يستهل كلامه بقوله: مسألة أو مسائل. وأحيانا يفرع المسألة الواحدة إلى تفريعات عدة.
* يستهل كلامه تارة بذكر فروع خاصة بالمسألة الفقهية التي يتعرض لها ضمن تفسيره للآية. وفي الغالب يكون تحريره لهذه المسائل الفقهية على صيغة سؤال أو عدة أسئلة، ثم يجيب عن كل سؤال على حدة.
* وتارة يقرر المسألة الفقهية ويحددها، ثم يفصل أقوال العلماء فيها، كما أنه بعد هذا التفصيل وعند ذكره للراجح أو لخلاصة الأقوال يبدأ كلامه رحمه الله بقوله : قال مقيده ( ويقصد بذلك نفسه رحمه الله ).
ب - الفقه المقارن
• أكثر منه رحمه الله واعتمده في تفسيره عند تحريره للمسائل الفقهية.
• تجنب ذكر المذهب الذي عليه المفسر رحمه الله، إلا في بعض المواضع التي توسع في ذكر المذهب المالكي فيها ، لكن هذا التوسع لا يكون على حساب الدليل.
ومن الأمثلة على هذا : قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
• فذكر رحمه الله أقوال أهل العلم في أحكام الزنى ثم قال: " وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فهذه تفاصيل أدلتهم..." ثم قال في آخره :"...وإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة وحججهم، فاعلم أن كل طائفة منهم ترجح قولها على قول الأخرى" .
ج - الترجيح:
ومن أمثلته قوله رحمه الله في مسألة الزنى : " دليل كل منها قوي وأقربهما عندي أنه يرجم فقط، ولا يجلد مع الرجم لأمور منها..."
وفي مثال آخر يستعرض رحمه الله أقوال المذاهب ثم يقول: " وإذا عرفت مذاهب الأمة في حكم قص المحرم أظافره وما يلزمه من ذلك فاعلم أني لا أعلم لأقوالهم مستندا من النصوص..."
وقال رحمه الله في ترجيح لزوم الحلق للمحصر: " قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل هو ما ذهب إليه مالك وأصحابه من لزوم الحلق لقوله تعالى وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة الآية:195. ولما ثبت في الأحاديث الصحيحة عنه ..."
* منهجيته في الترجيح:
• يحدد رحمه الله المسألة الفقهية التي هي محل النزاع والخلاف، ثم يذكر أقوال ومذاهب العلماء فيها، ثم يثني بذكر أدلة كل فريق، ويقارن بين الأدلة ويناقشها بالنقد والتحليل، ثم بعد ذلك يعمد إلى الترجيح بحسب قوة الدليل كما ذكرنا في مسألة الزنى.
• يذكر أقوال العلماء في مسائل فقهية لا دليل لهم عليها ثم يلخص كلامهم ويقرب الراجح منها.وأما في المسائل التي لا خلاف فيها بين أهل العلم فالإعتماد فيها عند المؤلف رحمه الله على الدليل فقط .
• الترجيح بين الأقوال المختلفة في مسائل التفسير العديدة، وخصوصا في المسائل الفقهية التي جاءت أكثر وضوحا وبروزا من غيرها.
• التزم في ترجيحاته عدم التعصب مع التزام الدليل وبذل الجهد للوصول إلى الحق.
• اعتمد في ترجيحاته على الكتاب والسنة، ودلالات الأصول واللغة العربية، وعلى الأدلة العقلية المختلفة..
• ويلاحظ في ترجيحاته رحمه الله عدم التقيد بمذهب معين، بل يلتزم بما يترجح لديه بالدليل النقلي أو بالنظر العقلي في ضوء الشرع وأصوله...
ولمثل هذه الأسباب كان هذا التفسير المبارك سهل التناول خاصة في الفقه.
د - الاستدلال والاستنباط :
• يلاحظ في تفسيره رحمه الله دقة الاستدلال بالنصوص وقوة الاستباط منها لذا تجد في ثنايا هذا الكتاب إشارات لطيفة ودقائق فقهية بديعة، تؤكد على تبحر المفسر رحمه الله وقوته العلمية وفقهه العميق والدقيق.
• كان رحمه الله يستعمل ويستخدم كل قواه العلمية عند التعامل مع نصوص الوحي بالاستدلال والاستنباط.
ومن الأمثلة قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف الآية:32.
تحدث رحمه الله في تفسيره للآية عن المذهب الاشتراكي الشيوعي والأنظمة المتبنية له والدائرة في فلكه، وعن الاقتصاد وركنيه - اكتساب المال وصرفه في مصارفه - وقال بعده، " فاعلم أن كل واحد من هذين الأصلين لابد له من أمرين ضروريين : معرفة حكم الله فيه، ومعرفة الطرق الكفيلة باكتساب المال.." .
هـ - الاستدلال بالمأثور
1 - عند تعرضه رحمه الله للمسائل الفقهية ركز كثيرا على الاستدلال بالمأثور وتوسع فيه. وكأنه رحمه الله جعل شعاره فيه: لا فقه بدون نصوص من المأثور.
2 - يركز رحمه الله كثيرا على القرآن باعتباره المصدر الأول في التشريع الإسلامي. وعلى السنة باعتبارها فصلت معظم الأحكام الشرعية، ثم يسترسل بعد ذلك في ذكر أقوال الصحابة والتابعين على قدر الحاجة وبدون توسع.
3 - اعتمد في الغالب على صحيح السنة، وعلى الخصوص ما أخرج الشيخان. كما اهتم كذلك بنقد الحديث، وتوسع فيه.
4 - توسع في الصناعة الحديثية. وكان فيها دقيقا وأكثر توثيقا. وتوقف معها طويلا، خاصة عندما تكون الحاجة ماسة لذلك. فكان رحمه الله يتعرض لسند الحديث، ويتكلم عن رجاله، ويذكر الروايات والطرق العديدة له، ويذكر كل ما جاء فيه من تصحيح وتضعيف، ثم يجمع ويرجح بين الأقوال، ويعمد إلى إزالة أي تعارض إن وجد.
5 - التوسع الكبير في التعرض للمسائل الفقهية واستدلاله عليها بما جاء من نصوص السنة المطهرة.
خصائص منهجه الفقهي رحمه الله:
- الاستيعاب للمذاهب الفقهية.
- التعرض لأدلة المذاهب وأقوالهم.
- دقة المناقشة للأقوال مع ربطها بأدلتها.
- قوة الاستنباط والاستدلال.
- قوة الترجيح.
- البعد عن التعصب المذهبي.
- إعذار أصحاب الأقوال المخالفة والتأدب معهم.
- العرض المنهجي المبسط.
- التوسع في طرح المسائل الفقهية.
2 – ايراده للمسائل الأصولية:
غرضه من تناول المسائل الأصولية:
1- تسخيره مسائل أصول الفقه لخدمة مقصده العام الذي هو: بيان معاني كتاب الله تعالى وإظهار محاسنه وإزالة الإشكال عما أشكل منه .
2- ذكر المسائل الأصولية للتحقيق والتدقيق.
3- ذكرها أيضا لتقوية الدليل وما يذهب إليه من الأقوال.
4- اعتماده عليها كذلك في عملية الترجيح.
5- ذكرها أثناء الشرح والتوضيح لتعم الفائدة بها وليعلم القارئ كيف يتعامل مع النصوص.
منهجه في تناول المسائل الأصولية
* برع رحمه الله في ذكر المسائل الأصولية.
* تعرض رحمه الله إلى أمرين أساسيين في علم الأصول:
* الحكم الشرعي وأقسامه .
* مباحث علم أصول الفقه .
* التزم التحقيق والتدقيق ورد المسائل الفرعية إلى أصولها.
* ضرب الأمثلة العديدة من الكتاب والسنة.
* تجنب التخمينات الظنية الافتراضية.
* توسع في بعض المباحث الأصولية كثيرا مثل: القياس والتقليد والاجتهاد...
* التوسط في طرح بعض المسائل.
* الاختصار في مواضع قليلة نادرة.
أسلوبه فيها رحمه الله:
لأسلوبه رحمه الله في تناول المسائل الأصولية صورتان:
الصورة الأولى : مسائل أصولية من صلب التفسير متعلقة بالآية المفسرة مباشرة ومبينة لها.
الصورة الثانية : مسائل أصولية ليست من صلب التفسير لكنها ذكرت استطرادا ضمن المسائل الفقهية أو مسائل أخرى، ولا تكون متعلقة بالآية مباشرة.
مسائل أصولية من صلب التفسير:
كان رحمه الله يذكر بعض المسائل الأصولية في تفسير الآية، أو بعبارة أخرى ما للآية من دلالة على المسائل الأصولية..وهذا قليل نادر .
التمثيل للمسائل الأصولية:
اجتهد رحمه الله في إزالة وهم الكثير من الناس الذين يظنون أن المسائل الأصولية مسائل عقلية لا علاقة لها بالنقل البتة. وأن البعض من هذه المسائل مجرد من المثال والدليل، وإنما تذكر كأمثلة افتراضية بعيدة عن نصوص الوحي والواقع.
وكان رحمه الله كثيرا ما يمثل للمسائل الأصولية الفقهية، بما جاء في القرآن الكريم.
ومن الأمثلة على ذلك: مسألة" الأمر المجرد من القرائن" فذكر قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ النور الآية:63. ثم قال رحمه الله : " هذه الآية الكريمة قد استدل بها الأصوليون على أن الأمر المجرد من القرائن يقتضي الوجوب..." واستطرد في الكلام عن هذه المسألة ليخلص في الأخير إلى: " أن الأمر للوجوب ما لم يصرفه عنه صارف لأن غير الواجب لا يستوجب تركه الوعيد الشديد والتحذير" .
تحقيق المسائل الأصولية
يعمد رحمه الله إلى تحقيق المسائل الأصولية الداخلة ضمن بيان الآيات القرآنية أو المتعلقة بذلك... بشيء من التفصيل والتدقيق ليزيل ما فيها من اختلاف ويبين الحق والصواب فيها.
ومثاله: قوله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ المائدة الآية:2
تعرض رحمه الله هنا إلى ذكر مسألة أصولية وحققها وهي :" الأمر بالشيء بعد تحريمه ":
فقال رحمه الله: " الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب " .
الصورة الثانية: مسائل أصولية ضمنها كلامه عن القضايا الفقهية...
• توسع فيها رحمه الله وذكر منها الشيء الكثير.
• كان رحمه الله غالبا ما يذكر ذلك لترجيح وتقوية ما يذهب إليه أو لتحقيق تلك المسائل الأصولية والخروج من الخلاف والنزاع، وترجيح ما يراه حقا وصوابا حسب دلالة الأدلة وقوتها.
مثال ذلك: قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ المومنون الآية:5
رجح رحمه الله في آية إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ المومنون الآية:6 جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين في التسري بهما معا.
• كان يناقش رحمه الله المسائل الفقهية بأسلوب أصولي واضح ورزين يزيل الاعترضات، ويرجح القوي منها حسب الصناعة الأصولية.
3 - منهجه في إيراد مسائل العقيدة
• اعتمد رحمه الله النقل والرواية في ذكره ونقاشه لمسائل العقيدة.
• أوجز الكلام في غالب المسائل العقدية ما عدا مبحث الأسماء والصفات.
• كان يتوقف عند كل موضع من القرآن الكريم يتعرض لجانب العقائد خاصة المسائل التي لها علاقة مباشرة بالواقع المعاصر.
• التزم منهج أهل السنة والجماعة فناصره وانتصر له .
• كان رحمه الله يقرر المسألة العقدية التي دلت عليها الآية، ثم يوضح الحق والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة في تلك المسألة مع ذكر الأدلة من النقل والعقل، وبعدها يتعرض للمذاهب المخالفة والشبهات الواردة فيرد عليها ويبطلها ويدحضها في نقاش وحوار هادئ رزين وبأدب عال.
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله : " أما في العقيدة فقد بلورها منطقا ودليلا، ثم لخصها في محاضرة آيات الأسماء والصفات، ثم بسطها ووضحها إيضاحا شافيا في أخريات حياته...".
أ - الأسماء والصفات
• فصل في مسألة الأسماء والصفات وتوسع فيها وأطال الكلام حولها في مواضع عدة من تفسيره.
• ذكر في هذا الجانب: مسألة التأويل ومسألة ظاهر القرآن.
فعند تفسيره لقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ آل عمران الآية:7 ذكر الإطلاقات للتأويل وحالاته الثلاث.
وفي قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا محمد الآية: 24 رد على من قال: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، وبين الحق في هذه المسألة فقال رحمه الله : " لا يجوز العدول عن ظاهر الكتاب ولا سنة رسول الله في حال من الأحوال وبوجه من الوجوه حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح..."
وبين بحق بطلان قول من ادعى أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها لا تليق بالله تعالى: لأنه من باب تشبيه صفات الله بصفات خلقه.
ب - الشفاعة
• لم يتوسع كثيرا في مناقشة ما يتعلق بها.
• بين أهم عناصرها باختصار.
فعند تفسيره لقوله تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ البقرة الآية:47
بين رحمه الله: أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار والتي هي بدون إذن رب السموات والأرض وكذلك استثنى رحمه الله شفاعته لعمه أبي طالب التي هي: شفاعة تخفيف .
وقسمها رحمه الله إلى: شفاعة لأهل الإيمان- شفاعة تخفيف- شفاعة ممتنعة- شفاعة بإذن الله.
ج - رؤية الله سبحانه وتعالى:
اختصر رحمه الله الحديث عن رؤية الله تعالى اختصارا موفيا بالغرض.
مثاله : قوله تعالى قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي الأعراف الآية:142 بين رحمه الله أن:
- الرؤية المنفية هي الرؤية في الدنيا.
- ثم رد قول المعتزلة النافين لرؤية الله تعالى في الآخرة بالأبصار.
د - الولاء والبراء:
• ركز رحمه الله على هذه المسألة وحقق القول فيها، وبين مذهب أهل السنة والجماعة.
• تكلم عن مسألة الولاء والبراء في واقعنا المعاصر دون الخروج عن إطار إعادة الأمة إلى دينها الحق وعقيدتها الخالصة.
• بين رحمه الله : * الولاء الحق .
* ثمرة الولاء الحق.
هـ - زيادة الإيمان ونقصانه:
رجح رحمه الله مذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بزيادة الإيمان ونقصانه أثناء تفسيره قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الأنفال الآية:2
و - إنكار البداء على الله عز وجل:
رد قول اليهود والمشركين بإنكار النسخ في قوله تعالى : وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ النحل الآية:101 .
4 - مسائل اللغة:
معالم منهجه فيه:
• قوته اللغوية وبراعته فيها واستيعابه لمختلف جوانبها.
• مباحث لغوية قوية وذات قوة علمية فائقة.
• براعة عالية في صياغة المسائل اللغوية ومناقشتها بأسلوب علمي.
• تسخير اللغة لبيان بعض الجوانب التفسيرية للقرآن.
• التعرض لبعض التحقيقات اللغوية.
• مناقشة اللغويين في كثير من المسائل.
• مجيئه بفوائد لغوية علمية نادرة.
أ – الصرف:
تعرض لهذا الباب في مواضع عدة، وبين فيه ما يتعلق بصياغة الكلمة وأصلها في ضوء قواعد هذا العلم . فركز على الاشتقاق من حيث بيان أصل الكلمة وأوزانها واشتقاقاتها، كما تعرض لبعض ما يلحق الكلمات من التغييرات بالزيادة أو بالنقص. مع التحقيق أيضا في بعض المسائل الصرفية.
* معالم منهجه في الاشتقاق:
- توقف مع الكلمات القرآنية مبينا أصلها ومصدرها ووزنها واشتقاقاتها...
مثال ذلك: كلمة موئلا في قوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً الكهف للآية:58
وكذلك كلمة جهنم في قوله تعالى: وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ التوبة الآية:81.
- لم يطل الكلام حول الاشتقاق، لكنه حقق الغرض من إيراده في تفسيره رحمه الله .
ب - النحو:
• ركز كثيرا على المسائل النحوية وتوقف معها في مواضع عدة .
• لم يطل الكلام فيها بحيث يستطرد في اختلافات النحويين.
• كان يكتفي بما عليه الاتفاق أو ما ترجح عنده أو ما اشتهر من الأقوال في المسألة.
1.الحروف:
مثال تطرقه لحرف لو في قوله تعالى وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ البقرة الآية:95
2.الفعل:
توسع قليلا في قضايا الفعل وما يتعلق به.
مثاله : " وإما نرينك " تطرق فيها إلى الفعل المضارع بعد إن الشرطية المدغمة في ما الزائدة لتوكيد الشرط المقترن بنون التوكيد الثقيلة وذلك في قوله تعالى: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ يونس الآية:46
3.الإعراب:
كان رحمه الله لا يتوسع كثيرا في إعراب الكلمات. ويقتصر فيه على الجوانب المهمة التي تساعد على بيان كتاب الله تعالى .
ج - البلاغة:
التزم الاختصار الشديد وعدم التوسع في ذكر مسائل البلاغة وأقسامها.
1. المعاني:
أمثلته : قال رحمه الله في قوله تعالى: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة الآية:5 وقد تقرر في المعاني في مبحث القصر أن تقديم المعمول من صيغ الحصر" .
وقال في قوله تعالى رحمه الله " لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ النحل الآية:55 وقد تقرر في فن المعاني في مبحث الإنشاء -والأمر منه- أن من المعاني التي تأتي لها صيغة إفعل التهديد.
2 . البيان:
قال رحمه الله في قوله تعالى: " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ يونس الآية:24 التشبيه في الآيات المذكورة عند البلاغيين من التشبيه المركب التمثيلي ..."
وفي قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ الحج الآية:3
قال رحمه الله : " وكلام البلاغيين في ذلك : بأن فيه استعارة عنادية وتقسيم العنادية إلى تهكمية وتلميحية..."
3 . المجاز:
من أبرز القضايا التي عالجها المفسر وناقشها المجاز حيث كان له فيه توجه خاص، وألف فيه رسالة مستقلة سماها: منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز .
• كان كلامه في ذلك مختصرا إلا أنه بين مذهبه فيه.
• ذهابه إلى أنه لا يجوز إطلاق المجاز في القرآن مطلقا. قال رحمه الله: " والذي ندين الله به ويلزم قبوله كل منصف محقق أنه لا يجوز إطلاق المجاز في القرآن مطلقا على كلا القولين.
• الرد على بعض الشبهات الواردة في مسألة الأسماء والصفات.
4 . البديع
• تعرض لهذا الجانب في مواطن قليلة نادرة من تفسيره رحمه الله.
مثاله : قوله تعالى الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف الآية:104 قال رحمه الله: " ...الجناس المسمى عند أهل البديع: تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فرقا بين الكلمتين..." .
د - المفردات اللغوية:
• توقف رحمه الله كثيرا مع المفردات القرآنية موضحا معانيها.
• كان يختصر تارة وأحيانا يتوسع بحسب المقام والحاجة. وغالبا ما كان كلامه في ذلك كله وسطا بين التطويل الممل والاختصار المخل.
مثال ذلك توقفه رحمه الله مع كلمة أساطير وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين.
• بهذا البيان كان يعطي للآية المفسرة سهولة في فهمها وسلاسة في إدراك معناها.
منهجه في التعامل مع المصادر والنقل منها
كان رحمه الله يتعامل مع المصادر بمنهجية خاصة حيث كان رحمه الله:
• في الغالب يذكر المصدر وصاحبه صراحة.
• يسند النص المنقول لصاحبه.
• يبين بداية النص المنقول ونهايته.
• أحيانا يقتصر على ذكر المصدر فقط أو المؤلف لا غير.
• تارة ينقل من غير تصرف، وأحيانا يتصرف ولا يشير لذلك.
• يوجه معاني بعض الآيات وينقل بعض المسائل اللغوية - البحر المحيط لأبي حيان مثلا- .
• واعتمد رحمه الله أساسا في النقل من كتب التفسير ثلاث مراجع تعتبر من أحسن ما ألف في بابها :
1- تفسير ابن جرير الطبري-من الكتب التي اعتمد عليها كثيرا-.
2 - تفسير القرطبي: وهو من مراجعه رحمه الله في تفسير آيات الأحكام والمسائل الفقهية.
3- الدر المنثور للسيوطي: وهو مما اعتمده في الروايات المسندة.
التزامه رحمه الله بمنهج إيضاح القرآن بالقرآن
وتطابق العنوان مع مضمون التفسير.
في المقدمة:
• تركيزه على تفسير القرآن بالقرآن.
• إرجاع الأمة إلى كتابها.
• بيان الأحكام الفقهية.
• ذكر الأدلة من السنة وسبره لأسانيدها.
• التعرض للمسائل الأصولية واللغوية من (صرف، نحو، شعر إلخ...).
نتائج هذا البحث:
• التفسير حافل ببيان القرآن بالقرآن.
• بذل المؤلف رحمه الله قصارى جهده في جمعه وتحريره.
• جعل بيان القرآن بالقرآن عمدة لتفسيره وأساسا لمنهجه.
• اهتم بالمأثور والمعقول من التفسير إلا أن تركيزه على المأثور وعلى التفسير بالقرآن كان أكثر من غيره.
• لم يذكر أنه سيقتصر فقط على تفسير القرآن بالقرآن بل صرح بخلافه: أنه رحمه الله سيلتزم بالتفسير بالمأثور والمعقول معا، مع تحقيق الهداية المطلوبة بهذا الكتاب المبين.
• لم يقصد رحمه الله بتسمية الكتاب أن تكون منهجا يلتزم به.
• جاءت تسمية الكتاب على سبيل التغليب. وفي القاعدة: الحكم للغالب.
• جعل التسمية تشرفا بهذا اللون من التفسير الذي أعطاه حيزا كبيرا من حجم تفسيره.
• حاول جهده واستطاعته الالتزام بما قصد إليه من وراء تفسيره القرآن بالقرآن.
• حاول رحمه الله جاهدا أن يضع الأسس والمرتكزات لهذا الأسلوب البديع من ألوان التفسير، وأن يقدمه في أكمل صورة بحسب استطاعته.
• أتم مقاصد التفسير الأخرى التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال، وإلا كان الإخلال بالتفسير وقواعده واقعا مؤلفه المبارك...
• جمع نفائس التفسير وفضائله التي تشد طالب العلم إليها وتبصره بما فيها.
• تفسيره رحمه الله جامع بين المأثور والمعقول.
خصائص تفسير أضواء البيان:
• تفسير خاص على منهج مختص به وهو تفسير ما أجمل من الآيات أيا كان سبب الإجمال
• المرجع الضخم الذي يعد مدرسة كاملة تتحدث عن نفسها
• يظهر أثر التفسير بالمأثور فيه
• يتميز بغلبة طابع التفسير بالمأثور مع اشتماله على التفسير بالرأي.
• أصل رحمه الله لمسالك مبتكرة لخدمة التفسير وألف في بعض منها كتبا مثل: (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب - آداب البحث والمناظرة - المنطق - الأصول..)
• انفراده بهذا اللون من التفسير كما وكيفا...
• خلوه من الإسرائيليات تماما.
• التنبيه على الموضوع والضعيف من الحديث.
• اسناد الأدلة عند الاستدلال بها.
• عدم التركيز على الغرائب الباطلة في التفسير.
• الترجيح بين الأقوال المتباينة.
• الموضوعية والجدية في إعادة الأمة إلى كتاب ربها.
• الاهتمام بالنافع المفيد وتجنب كل تعقيد.
• الإبداع في التفسير وقد نفع وأجاد رحمه الله في هذا بابه وجاء بالجديد المفيد.
• التزامه بمنهجه العام الذي تصدى إليه في المقدمة.
• تحليه رحمه الله بأخلاقيات المفسر من : تواضع وأدب ودفاع عن الأئمة الأعلام...
• التحامل على بعض أهل العلم من المتأخرين ممن لم يرتض آراءهم.
• التوسع في الفقه وأدلته.
• وأخيرا فالكتاب يعتبر حلقة وصل بين التفاسير المتقدمة والمعاصرة.
المؤاخذات
كل ما يمكن أن يؤاخذ على هذا التفسير المبارك:
• استطراده في بعض قضايا التفسير المتمثلة في: المسائل الفقهية والأصولية والحديثية.
• تعرضه لمسائل عديدة بالبحث والدراسة لم تكن من صلب منهجه الذي التزمه في تفسيره.
• تركه لآيات عديدة بدون تفسير ولا بيان وهذا في معظم السور.
• عدم عرضه لأدلة المخالفين بكيفية وافية في بعض المواضع.
• سوقه لأسانيد الصحيحين، تطويل غير لازم.
• كان الأولى تسميت هذا الكتاب : بأضواء البيان في إيضاح القرآن .
وهذه المؤاخذات، وإن كانت تؤثر على مدى التزام المفسر رحمه الله بمنهجه، إلا أنها لا تخرم القاعدة ولا تسقط المنهج بكامله. لأن استطراده رحمه الله كان في موضوعات هي من صلب منهجه، وهي على كلٍ موضوعات محدودة مقارنة بحجم التفسير. تعرﱠض لها بحسب الحاجة والضرورة.
وبالتالي يمكننا أن نقول: إن المؤلف رحمه الله التزم بمنهجه العام الذي حدده إلى حد كبير.
هذا وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد، فهذا ملخص بحث مصغر متواضع أردت من مشايخي وأساتذتي أن يقوموه
[align=center]معالم منهج الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواءالبيان في إيضاح القرآن بالقرآن.[/align]
إعداد: ذ.يوسف مازي
الحمد لله المحمود في عليائه، والحمد لله حمدا يليق بعظمته وكبريائه، والحمد لله على آلائه ونعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأسأله المزيد من فضله وعطائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيره من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم لقائه.
أما بعد: فهذا ملخص يفيد من أراد أن يطلع على التفسير المبارك . تفسير شيخنا العالم النحرير محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى رحمة واسعة. جعلته كالنافذة لمن أراد أن يطل من خلالها على أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن...
فأقول وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به . إن المؤلف رحمه صدر تفسيره كما هي عادة من تصدى لتفسير كتاب الله تعالى بمقدمة ذكر فيها أنواع البيان المعتمدة في تفسيره رحمه الله، ومثل لها ، وأفصح رحمه الله على المقصد العام من وراء تأليف هذا التفسير. ففي المقدمة .
المقدمة:
* ذكر رحمه الله في مقدمته للكتاب أنواعا عديدة لتفسير القرآن بالقرآن: تزيد على عشرين نوعا.
* وفي الكتاب أنواع أخرى من بيان القرآن بالقرآن. لم يذكرها المؤلف في الترجمة خوف الإطالة.
المقصد العام من التأليف:
1 - إعادة الأمة إلى دينها الحق، وعقيدتها الخالصة. كما أراد الله لها، في ضوء ما جاء في القرآن الكريم.
2 - بيان الأحكام الفقهية المتعلقة بالآيات المفسرة.
3 - بيان القرآن بالقرآن.
وبعد الاطلاع على هذه المقدمة يمكن تحديد بعض معالم منهجه رحمه الله فيما يلي:
بعض معالم منهجه رحمه الله:
• الإعتماد على القرآن في بيان آيات كتاب الله تعالى .
• الاعتماد على السنة في فصل الخلاف والنزاع.
• الاعتماد على القراءات السبعية دون القراءات الشواذ .
• الاستئناس بالقراءات الشاذة للاستشهاد للصحيحة.
• التعريج على بعض الفوائد الأصولية.
• التعريج على بعض الفوائد اللغوية والإستشهاد لها بالشعر العربي.
• خدمته قضايا التفسير: [وأرجو من الله العليم الحكيم أن يكون الشيخ قد حاز الفضل المبين في حديث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : » مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ «
• أصل وقعد للمنهج الرئيس في تفسيره.
• بين الصواب في كثير من المسائل الخلافية.
• اعتماده تفسير القرآن بالقرآن بشكل واضح جلي. والذي هو أصل تفسيره وجوهره.
• اهتم رحمه الله بإيضاح القرآن بالقرآن وركز عليه حتى غدا تفسيره المبارك علما عليه، ومصبوغا به، ميزه ذلك عن بقية التفاسير لاسيما المعاصرة منها.
وبعدما اطلعنا على تفسير شيخنا رحمه الله تعالى. وتكونت لدينا نظرة كلية عن هذا المؤَلف المبارك. ارتأينا أن نقدم الهيكلة العامة له على شكل خطاطة إجمالية، تكون مقربة لأقسامه الكبرى، ومحاوره الفرعية. ومقدمة لمواده بشكل مقتضب مختصر. وهذا تفصيل ماجاء فيها.
اولا التفسير بالمأثور
أ- تفسير القرآن بالقرآن
1- ايضاح إطلاقات الكلمة القرآنية
كان يعمد رحمه الله إلى ذكر الكلمة القرآنية، ثم بعد ذلك يحصر عدد إطلاقاتها في القرآن الكريم، ثم يبين معاني تلك الإطلاقات، مع ذكر الآيات القرآنية المتعلقة بكل إطلاق، مثل: الهدى والإنذار والضلال والأمة والفتنة والمحصنات...
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ من سورة النمل الآية 46.
فتطلق الفتنة على:
• الإحراق بالنار: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ سورة الذاريات الآية 13
• الاختبار: وهذا هو أكثرها استعمالا كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ سورة الأنبياء 35
• نتيجة الاختبار: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ سورة البقرة 193.
• الحجة ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ سورة الأنعام 23 .
وبمثل هذا يتبين لنا أنه كان رحمه الله، يركز على ذكر كل ما جاء في القرآن الكريم، من الآيات المتعلقة بتلك الكلمة القرآنية المراد بيانها وحصر إطلاقها في ضوء القرآن الكريم.
2- إيضاح الآية القرآنية
تارة يفسر الآية بالآية، وفي الغالب يفسر الآية بالآيات العديدة.
أ - تفسير الآية بالآية: وهذا قليل إذا ما قورن بغيره من بيان القرآن بالقرآن
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ سورة آل عمران الآية 52
بين رحمه الله الحكمة من ذكر قصة الحواريين: التي هي تأسي أمة محمد بهم في نصرة الله ودينه : قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ الصف الآية14
ب - تفسير الآية بالآيات: ذكر منه رحمه الله الشيء الكثير.وما ذلك إلا لأن: جمع الآيات العديدة، ذات الموضوع الواحد في الموضع نفسه، وتناوله وجمع جزئياته في مكان واحد حسب ترتيب معيّن. يساهم في تكوين رؤى عامة حول موضوعات كتاب الله تعالى ، أوالموضوعات التي تناولها المفسرون بشكل مجزء في تفاسيره .من أجل استنباط الهدايات القرآنية بجمع آيات عدة، كلها ترمي إلى توضيح المراد من الآية من مختلف جوانبها .
كما أن هذه العملية تؤدي إلى تيسير عملية التفسير، و توضيح المعنى المراد، وترسيخه في الأذهان..وازالة أي غموض يكتنف تفسير آيات القرآن الكريم :
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ التوبة الآية13.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار هموا بإخراج الرسول من مكة. وصرح في مواضع أخرى بأنهم أخرجوه بالفعل: في قوله تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ الممتحنةالآية:1
وقوله تعالى: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ محمد الآية 13 وقوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ الأنفال الآية 30 و قوله تعالى: وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً الإسراء الآية76.
وكان رحمه الله يجمع الآيات في نسيج واحد رائع وفي سياق جميل بديع مترابط، ما أن يقرأه القارئ إلا تتشكل في مخيلته الصورة الحقيقية للمعنى المراد، ويتحصل لديه جملة عناصر لذلك الموضوع المراد بيانه.
3- بيان الإجمال
أورد المؤلف رحمه الله أنواعا كثيرة من بيان الإجمال أورد منها ما يلي:
• الإجمال بسبب الاشتراك:
مثاله: كلمة العتيق في قوله تعالى: البيت العتيق . فإنه يشترك في معناها الكريم و القديم و عتق الله له من الجبابرة. وقد وضح رحمه الله هذا المجمل الذي اختلف فيه أهل العلم بقوله: " فاعلم انه قد دلت آية من كتاب الله على أن العتيق: القديم الأول في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . آل عمران الآية:96 . مع أن المعنيين الآخرين كلاهما حق".
• الإجمال بسبب الابهام:
مثاله: قوله تعالى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ البقرة الآية:40 : فعهدهم هو لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ المائدة الآية:12و وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ آل عمران الآية:186. أما عهده تعالى فهو لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ .
• الإجمال بسبب الاحتمال:
مثاله: قوله تعالى إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ النحل الآية:100.فالضمير المجرور بالباء هنا يحتمل أن يرجع إلى الله أو إلى الشيطان. لكن المؤلف رحمه الله بين أن الضمير يعود إلى الشيطان مستندا إلى قوله تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ يـس الآية:60.
وهذا لايتم إلا بطاعته- إبليس لعنه الله- في المعاصي وفي خطواته وكل ما يأمر به.
4- ظاهر الآية القرآنية
تكلم رحمه الله بالتفصيل عن ظاهر القرآن، وبين الحق فيه.
بقوله رحمه الله : "والتحقيق الذي لا شك فيه، وهو الذي كان عليه أصحاب رسول الله وعامة علماء المسلمين، أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله، وسنة رسول الله في حال من الأحوال بوجه من الوجوه حتى يقوم دليل شرعي صحيح صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح."
* وقد عدل رحمه الله عن ظاهر النص في بعض الآيات لوجود دليل شرعي صحيح صارف.
* كما تضمن هذا الكتاب المبارك نوعا آخر من أنواع البيان وهو أن: يكون الظاهر المتبادر من الآية بحسب الوضع اللغوي، غير مراد بدليل قرآني آخر على أن المراد غيره.
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ البقرة اية :48: الظاهر عدم قبولها مطلقا. قال رحمه الله : " لكن في مواضع أخرى يتبين أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض. يقول تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الأنبياء اية:28و إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر َالزمر الآية:7 و يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً طـه الآية:109
5- الإحالة القرآنية
قال رحمه الله:" ومن أنواع البيان المذكورة في هذا الكتاب المبارك أن يحيل تعالى على شيء ذكر في آية أخرى، فإنا نبين الآية المحال عليها".
وبذلك يعطي رحمه الله للآية وضوحا أكثر مما لو ذكرت بمفردها.
مثالها : قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ النحل الآية:118.
قال رحمه الله: " هذا المحرم عليهم المقصوص عليه من قبل المحال عليه هنا هو المذكور في الأنعام بقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ الأنعام الآية 146.
6- تجزئة الآية القرآنية
من منهجه رحمه الله: تجزيء الآية القرآنية، وتقسيمها إلى مقاطع عدة، أو عناصر ثم يبين كل ذلك بالقرآن الكريم على سبيل التفصيل:
مثالها : قوله تعالى الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً الفرقان الآية :2
قال رحمه الله : "وقد أثنى جل وعلا، على نفسه في هذه الآية الكريمة بخمسة أمور، هي أدلة قاطعة على عظمته واستحقاقه وحده تعالى لإخلاص العبادة له".
الأول: أنه هو الذي له ملك السموات والأرض وذلك في قوله تعالى أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ البقرة الآية 107
الثاني: انه لم يتخذ ولدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. وذلك في قوله تعالى : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً الجن الآية:3
الثالث: أنه لا شريك له في ملكه وذلك في قوله تعالى : يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ غافر الآية :16
الرابع: أنه هو خالق كل شيء.
الخامس أنه قدر كل شيء خلقه تقديرا: وذلك في قوله تعالى إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ القمر الآية :49 .
وكان رحمه الله يعتمد التفصيل المطول. ليعطي للآية المفسرة الوضوح التام من مختلف جوانبها ولجميع عناصرها المجزأة إليها.
ويلاحظ المطلع على هذا التفسير المبارك أن المؤلف رحمه الله ركز على هذا النوع من البيان واهتم به، وحاول إبرازه عند كل فرصة تتاح له بشرط تناسبها مع هذا اللون من البيان القرآني.
7- مفهوم المخالفة القرآني
• اعتمد المفسر رحمه الله على مفهوم المخالفة وذكره في العديد من مواضع تفسيره.
• كان رحمه الله يتكلم عن الآية وما يتعلق بها ثم يقول بعدها: " ويفهم من مفهوم المخالفة في الآية أن.. لأن مفهوم قوله... "
ومن أمثلته قوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ الحج الآية:8
تكلم رحمه الله أثناء تفسيره للآية عن الجدل المذموم الذي يكون بغير علم ويصدر في الغالب من الكفار. قال رحمه الله: ..." واعلم انه يفهم من دليل خطاب هذه الآية الكريمة - أعني مفهوم مخالفتها - أن من يجادل بعلم على ضوء هدي كتاب منير، كهذا القرآن العظيم ليحق الحق ويبطل الباطل بتلك المجادلة الحسنة، أن ذلك سائغ محمود. لأن مفهوم قوله تعالى : بِغَيْرِ عِلْمٍ أنه إن كان بعلم فالأمر بخلاف ذلك ، وليس في ذلك اتباع للشيطان.
8- التفسير الموضوعي القرآني
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم وهو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر.
• وقد كان المؤلف رحمه الله يجمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد فيرتبها وينظمها ويربط بينها ليشكل منها موضوعا متكاملا، ثم يعمد إلى تفسير تلك الآيات على ضوء ذلك الترتيب والتنسيق.
• ومن الملاحظ أن الشيخ اهتم به وأبرزه بوضوح.
ومن أمثلته : قوله تعالى اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ البقرة الآية:256
• الموضوع الولاية: ذكر لها عناصر عدة انطلاقا من آيات أخر فتطرق رحمه الله إلى :
• ولاية الله للمؤمنين وولاية الرسول للمؤمنين.
• ولاية المؤمنين للمؤمنين.
• ولاية الله للرسول .
• الكفار لا مولى لهم.
• ثمار الولاية الصادقة.
9- دفع إيهام الاضطراب
والمراد به إزالة التعارض الظاهري بين الآيات القرآنية الكريمة ومحاولة الجمع بينها.
• اعتنى المفسر رحمه الله بهذا الموضوع عناية خاصة. وزادت عنايته به بتأليف رسالة قيمة في بابها أسماها : "دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب"
ومن أمثلة التعارض الظاهري: قوله تعالى إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً الكهف الآية:57
بعد أن فسر رحمه الله هذه الآية حدد وجه التعارض الظاهري بينها وبين ما جاء في آيات أخرى من أن الله تعالى يعذب أهل الكفر.بقوله رحمه الله : " فما وجه تعذيبهم على شيء لا يستطيعون العدول عنه والانصراف إلى غيره فهم على ذلك مجبورون.
...تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم. كالختم والطبع والغشاوة والأكنة ونحو ذلك، إنما جعلها عليهم جزاء وفاقا. لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم... فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً النساء الآية:155"
ب- تفسير القرآن بالسنة
يقصد الشيخ رحمه الله بالسنة في هذا الباب: السنة المرادفة للحديث.
قال رحمه الله تعالى: " واعلم أن مما التزمنا في هذا الكتاب المبارك، أنه إن كان للآية الكريمة، مبيـﱠن من القرآن غير واف بالمقصود من تمام البيان فإنا نتمم البيان من السنة".
لكن هذا النوع من البيان لم يكن هو الأساس والعمدة عند الشيخ في تفسيره. وقد بين رحمه الله أيضا ما لم يكن له بيان في القرآن أصلا بالسنة. إلا أن ذلك قليل ونادر.
ويمكن لنا أن نجمل هذا النوع في نقطتين أساسيتين:
* الإيضاح والبيان بالسنة مباشرة: وفي هذه النقطة يكون البيان بالسنة من صلب التفسير وأصله.
* الإيضاح والبيان بالسنة ضمن موضوعات عديدة مختلفة من فقه وعقيدة وأصول... وقد توسع فيه المؤلف رحمه الله كثيرا.
- معالم منهجه فيه.
• بيان الكلمة القرآنية بالسنة
• إيضاح الآية القرآنية بالسنة
• الترجيح بالسنة
• إزالة التعارض الظاهري
• نقده للحديث.
1- بيان الكلمة القرآنية بالسنة
• اعتمده رحمه الله، وركز عليه كثيرا وذكره في مواضع عديدة خاصة عندما تتكرر معه الكلمة القرآنية المفسرة نفسها .
• اعتمد رحمه الله هذا البيان بالسنة عند تفسيره للآيات التي يتوقف بيانها على معرفة الكلمة القرآنية، والتي يدور عليها المعنى غالبا، او يكثر ذكرها في القرآن، وتحتمل معاني كثيرة بحسب موضعها، ولا يوجد لها بيان واف من القرآن.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ الأنعام الآية:82. قال رحمه الله :"المراد بالظلم هنا الشرك كما ثبت عن النبي في صحيح البخاري وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه".
وقد أشار رحمه الله فقط إلى طرف الحديث الذي استدل به.
• كذلك عند تفسيره لقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان الآية:13 اعتمد على البيان بالسنة نفسها.
والحديث الذي استدل به هو: "حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ »" .
2- إيضاح الآية بالسنة.
من معالم منهجه فيه أنه رحمه الله :
• اعتنى عناية فائقة ببيان الآيات القرآنية بالسنة.
• كان له منهج متميز في هذا النوع من البيان.
• لا يلجأ لذلك إلا إذا كان البيان بالقرآن غير كاف ولا مستوف
* بيان الآية بالحديث تبعا:
• كان رحمه الله يعتمد في تفسيره للقرآن الكريم أولا على البيان بالقرآن، ثم يتبع ذلك بالبيان بالسنة النبوية.
• وهذا النوع هو الغالب في تفسيره رحمه الله.
مثاله : قوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ آل عمران الآية:97. بين رحمه في مواضع متعددة من القرآن معنى الآية، وذكر هذه الآيات المبينة ثم قال: "وثبت في صحيح مسلم رحمه الله من حديث أَبِي ذَرٍّ عن النَّبِيِّ فِيمَا رَوَى عَن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ »"
فيكون سوقه للحديث في مثل هذا النوع تبعا لا ابتداء.
* بيان الآية بالحديث ابتداء:
• إذا لم يجد رحمه الله في القرآن شيئا من التفسير، عمد إلى البيان بالسنة ابتداء وتأسيسا.
ومن أمثلته قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الحجر الآية:87
قال رحمه الله: ''ذكر -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة أنه آتى نبيه سبعا من المثاني والقرآن العظيم، ولم يبين هنا المراد بذلك..." إلى أن قال : " فاعلم أن النبي بين في الحديث الصحيح أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم في هذه الآية الكريمة هو فاتحة الكتاب." ثم ذكر حديث أبي سعيد بن المعلى الذي في البخاري كاملا: « قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِي لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ ».
* ذكره للأحاديث الموافقة للآية تأكيدا.
اعتمد رحمه الله هذا النوع ليؤكد ما جاء في القرآن العظيم موافقة .
مثال : قوله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ... النور الآية: 30.
• قال رحمه الله " وهذا الذي دلت عليه الآيتان من الزجر عن النظر إلى ما لا يحل. جاء موضحا في أحاديث كثيرة منها: ما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري « رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ » ''
* زيادة البيان بالحديث
• يعتمد رحمه الله على السنة في بيان أحكام زائدة عن الذي جاء في الآية الموضحة.
مثالها ذلك : قوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ النساء الآية: 25
بين رحمه الحكم المسكوت عنه في هذه الآية. وهو حكم الأمة غير المحصنة: الذي لا فرق بينها وبين المحصنة فيه. ثم جاء بالسنة المبينة فقال: " فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث« أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ قَالَ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ » .
وهكذا كان رحمه الله يبين بالسنة المطهرة أحكاما زائدة لم تبين في القرآن الكريم.
3- الترجيح بالسنة
في هذه النقطة بالذات بذل رحمه الله عصارة علمه، وقوة فهمه، ودقة استنباطه، وعمق ملاحظاته.. فتجده رحمه الله، يرجح في أغلب المواضع التفسيرية بين الأقوال المتباينة. وقد اعتمد في ذلك على مرجحات عدة.. من بينها السنة المطهرة.
وتميزمنهجه رحمه الله بابتعاده عن التعصب المذهبي، والتزامه بقوة الدليل في الأقوال، دون النظر إلى صاحبها أوقائلها كما صرح بذلك في المقدمة.
قال رحمه الله: "... إذا بينا قرءانا بقرآن في مسألة يخالفنا فيها غيرنا، ويدﱠعي أن مذهبه المخالف لنا يدل عليه قرآن أيضا، فإنا نبين بالسنة الصحيحة صحة بياننا، وبطلان بيانه. فيكون استدلالنا بكتاب وسنة".
مثال ذلك : قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة الآية:5
ذكر رحمه أدلة الرافضة الذين ذهبوا إلى أن الواجب هو مسح الأرجل ، ثم ثنى بأدلة جمهور المسلمين الذين قالوا بأن الواجب هو غسلهما. وبعد تحرير القول في هذه المسألة رجح رحمه الله القول بغسلهما وذكر الحديث المرجح لهذا القول على غيره: وهو حديث« عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا » وقال بعده رحمه الله:" وهذا لا يكون إلا في ترك أمر واجب مطلوب".
ومن الأمثلة أيضا: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الحج الآية:1 فرجح رحمه الله القول بأن المقصود من هذه الآية هو واقعة يوم القيامة بعد القيام من القبور، وذكر لذلك مايكفي من الأدلة.
4- إزالة التعارض الظاهري بين النصوص:
ازال رحمه الله التعارض الظاهري بين الآيات القرآنية بعضها مع بعض من ناحية. وبين الآية القرآنية والسنة من ناحية أخرى بأساليب عدة وطرق مختلفة سنمثل لكل واحد منها.
1. التعارض بين الآيات القرآنية:
ومن أمثلته : قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ العنكبوت الآية:13. فهي معارضة بقوله تعالى: وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ الأنعام الآية:164.
ولرفع هذا التعارض فإنه رحمه الله جمع بين النصوص جمعا شافيا كافيا فقال رحمه الله مدحضا لشبه من ظن تعارض الآيتين السابقتين "هو أن رؤساء الضلال وقادته تحملوا وزرين أحدهما وزر ضلالهم في أنفسهم والثاني وزر اضلالهم غيرهم. ثم استدل بحديث نبوي شريف من صحيح مسلم وهو حديث: « عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَؤُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.. »
2.التعارض بين الآية والسنة:ومن أمثلته :
قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام الآية:164.
فهذه الآية معارضة بقوله عليه الصلاة والسلام :
«إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ولإزالة هذا التعارض حمل رحمه الله الحديث على أمرين:
1 - أن يوصي بالنوح عليه: فيكون تعذيبه بسبب إيصائه بالمنكر .
2 - أن يهمل نهيهم قبل موته: فيكون تعذيبه بسبب تفريط منه.
5- نقده للحديث:
قال رحمه الله: " قد تضمن هذا الكتاب أمورا زائدة على ذلك ". أي على البيان بالقرآن. وفعلا فالمطالع للتفسير يظن أنه يطالع في كتب الحديث وعلومه، خصوصا في بعض المواضع . فتجد الشيخ رحمه الله كثير الاعتماد على ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما.
وقد جعل رحمه الله من البيان بالسنة هذا الموضوع:
* لأن السنة المطهرة لا يمكن لها أن تنفصل أو يفصل عنها هذا الجانب من علوم السنة- نقد النصوص الحديثية - .
*وكذلك تجنبا لما وقع فيه بعض المفسرين من إعمالهم لهذه الدراسة في غير محلها .
وتناول رحمه الله هذا الجانب من زاويتين:
الأولى نقد المتن: وهو قليل جدا، إلا في نقده لبعض متون الروايات الإسرائيلية عندما تخالف بعض أصول الشريعة الإسلامية، أو في بعض الأحاديث النادرة.
الثانية نقد السند: وقد توسع فيه رحمه الله وأفاد به.
معالم منهجه في هذا النوع من البيان:
ا.الاهتمام بالإسناد:
حاول رحمه الله في الغالب ذكر رجال السند وما يشير إلى ذلك حتى من الصحيحين.
مثال ذلك : قوله تعالى: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً {71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً مريم الآية:71
استدل رحمه الله على أن الورد معناه الدخول بأدلة عدة منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما...»
قال رحمه الله : الظاهر أن الإسناد المذكور لا يقل عن درجة الحسن لأن :
طبقته الأولى: سليمان بن حرب وهو ثقة إمام حافظ مشهور.
وطبقته الثانية:أبو صالح أو أبو سلمة غالب بن سليمان العتكي الجهضمي الخراساني وهو ثقة.
وطبقته الثالثة:كثير بن زياد أبو سهل البرساني وهو ثقة.
وطبقته الرابعة:أبو سمية وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
ثم قال بعده رحمه الله: "وبتوثيق أبي سمية المذكور تتضح صحة الحديث".
ب .تعدد طرق الحديث:
نجده رحمه الله يذكر للحديث الواحد الطرق العديدة التي تفيد في تقويته. وقد ُيعنى بسوق الأسانيد للطرق العديدة للحديث. حتى ولو كان في الصحيحين أو في أحدهما.
ومثال هذا النوع: قوله تعالى وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ المائدة الآية:5 فذكر للاستدلال على وجوب غسل الأرجل في الوضوء، لا مسحهما، حديث مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: « رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مَرَّ بِقَوْمٍ يَتَوَضَّئُونَ مِنْ مَطْهَرَةٍ فَقَالَ أَحْسِنُوا الْوُضُوءَ يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار » ثم ذكر له طرقا عدة: عن أبي هريرة وعن عائشة وعن عبد الله بن حارث بن جزء الزبيدي وعن جابر وعن معيقيب وعن أبي أمامة رضوان الله عليهم جميعا.
وتوسع رحمه الله في سرد الأحاديث الكثيرة بأسانيدها المتعددة. مع أنه كان يكفيه ما في الصحيحين.
ولعل الذي دعاه إلى هذا التوسع -والله أعلم-، التأكيد على إبطال شبه المخالف ورد أدلته.
ج . التخريج والحكم:
والمراد بالتخريج والحكم: الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجه منها بسنده. ثم بيان مرتبته عندما يكون الحديث أصلا في استدلاله وبيانه للآية.
وبهذا يسهل رحمه الله للقارئ التناول من تفسيره والاطمئنان إلى الأخذ منه .
ومن الأمثلة على ذلك حديث: أَبَي هُرَيْرَةَ « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ » الذي أورده رحمه الله أثناء تناوله لقوله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.. النحل الآية :115. فبعدما ذكر الحديث دلل على مصادره وقال رحمه الله بعد هذا التدليل :"والحديث صحيح كما في تخريجه بهذا الأسلوب والمنهج".
د .الاستدلال بالضعيف
اعتمد رحمه الله على الصحيح من السنة، وتجنب ذكر الضعيف في كل ما له علاقة بأصل التفسير. وما ذكره من الضعيف ففي الغالب لينبه عليه، ولم يعتمد عليه رحمه الله في تبيانه للقرآن الكريم.
أو لأنه قابل للجبر والتقوية. لكون الضعف فيه خفيفا وصالحا للجبر.
ومن الأمثلة على هذا قوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ البقرة الآية:196. ففي تفسيره لهذه الآية ذكر رحمه الله حديث: «من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص واللوص والعلوص » ليستدل به على قول من قال بأن الإحصار يكون بالمرض كذلك كما يكون من العدو .
قال المفسر رحمه الله بعد أن ذكر الحديث:" إنه ظاهر السقوط".
فيتبين للقارئ أن المؤلف رحمه الله ذكر الحديث هنا لبيان حاله لا للإستدلال به.
6 . سكوته عن الحديث
الأصل أن يتكلم المؤلف عن الأحاديث، ويبين ما فيها، ويحكم عليها كما عودنا في كثير من المواضع. لكن المؤلف رحمه الله قد يسكت عن الحديث الصحيح المقبول، أو الحديث الخفيف الضعف القابل للجبر والتقوية.
لكن سكوته هذا قليل بالنظر إلى الأحاديث التي ذكر تخريجها وحكمها. وعليه فإنه يمكن أن نقسم سكوته رحمه الله من حيث الحكم عن الأحاديث وعدمه إلى قسمين:
1 سكوته التام( أي سكوته عن السند والتخريج والحكم بالنسبة للأحاديث الصحيحة)
ومثاله قوله تعالى وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ المائدة الآية:2. قال رحمه الله بعدما بين تفسير هذه الآية: "...وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه بأن يطيع الله فيه" وساق الحديث دون تعليق فقال رحمه الله " وفي الحديث: « أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك »".
2 سكوته عن أسانيد وتخريج الأحاديث:
وأحيانا كان رحمه الله يسكت عن إسناد الحديث وتخريجه ويذكر الحكم الخاص بالحديث.
ومثال ذلك : قوله تعالى وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً مريم الآية:2. فذكر رحمه الله أثناء تفسيره للآية حديثا صحيحا في معناها« كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني...» قال رحمه الله فيه " وفي الحديث الصحيح" فذكر الحكم دون ذكر لإسناده ولا لتخريجه.
ج - تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم
أورد المؤلف رحمه الله من هذا اللون من البيان للقرآن الكريم الشيء القليل. وكان رحمه الله غالبا ما يردف أقوال الصحابة رضي الله عنهم بأقوال التابعين الذين تلقوا عن الصحابة رحم الله الجميع.
ولم يذكر رحمه الله في مقدمته، ولا في ثنايا تفسيره، أنه سيعتمد في بيانه للقرآن على أقوال الصحابة والتابعين. لكنه اعتمد على ذلك وذكره في تفسيره حتى برز منه ما يجعله قابلا للبحث والدراسة للمهتمين بذلك.
1- تفسير الكلمة القرآنية
يبين رحمه الله معنى الكلمات القرآنية التي غالبا ما يتوقف معنى الآية على إيضاحها بما جاء عن الصحابة والتابعين عندما لا يجد بيان ذلك في الكتاب والسنة.أو عندما يكون البيان بالكتاب والسنة محتاجا إلى مزيد إيضاح وبيان، وعليه فإن تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين عند المؤلف على ثلاثة أنواع:
أو أن البيان بذلك غير كاف ولا مستوف
أ . بيانه بالقول الواحد.
مثال ذلك : قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة الآية:35.
ففسر رحمه الله الوسيلة في هذه الآية بقول ابن عباس رضي الله عنهما: "الوسيلة الحاجة"، ولم يذكر غير هذا القول من أقوال الصحابة أو التابعين .
ب . بيانه بالأقوال المتفقة
ومن أمثلته : قوله تعالى وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ النمل الآية:90.
فبين رحمه الله بِالسَّيِّئَةِ بأنها: الشرك بأقوال عديدة متفقة للصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
ومن هنا نلاحظ أن معنى الآية الكريمة متوقف على معرفة معنى هذه الكلمة. وندرك أيضا أهمية هذا البيان وقيمته وقوته من الناحية التفسيرية.
ج . بيانه بالأقوال المتباينة
ومثاله: قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ الحجر الآية:75
ذكر رحمه الله لبيان معنى ِّ الْمُتَوَسِّمِينَ بعض الأقوال المختلفة للصحابة والتابعين رضي الله عنهم فقال:
" فابن عباس رضي الله عنهما قال : للناظرين. وقتادة رحمه الله قال: للمعتبرين. ومجاهد رحمه الله قال: للمتفرﱢسين".
2 - تفسيره للآية القرآنية
منهجه رحمه الله في ذلك أنه :
تارة يذكر أقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ابتداءا وتارة تبعا، بعد ذكر ما جاء في تفسير الآية من الكتاب والسنة. وفي بعض المواضع التفسيرية القليلة يذكر القول الواحد للصحابي أو التابعي. أما في الغالب فيركز رحمه الله على أقوالهم المجموعة، المتتابعة عند اتفاقهم أو اختلافهم. وأحيانا يجمع أو يرجح إذا كان الاختلاف واسعا. ولم يشذ عن المسلك هذا إلا في مواضع معدودة .
أ . بيان الآية ابتداء.
في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ الرعد الآية:12 ذكر رحمه الله هنا أقوال التابعين فقط فقال:
" فعن الحسن البصري قال:" الخوف لأهل البحر والطمع لأهل البر". وعن الضحاك قوله:" الخوف من الصواعق والطمع في الغيث". وقال قتادة: "خوفا للمسافر، يخاف أذاه ومشقته. وطمعا للمقيم، يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله ".
ب . بيان الآية تبعا:
في قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ الأنبياء الآية:35 ذكر رحمه الله ما جاء في القرآن الكريم، ثم أتبعه بما جاء عن الصحابة فقال: " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أي نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية، والهدى والضلال ".
ج . بيانه للآية بالأقوال المختلفة:
في قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ النحل الآية:97.
ذكر رحمه الله هنا تفسيرات عدة متباينة من أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا.
قال رحمه الله:" روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب. وعن علي أنه فسرها بالقناعة.وقال الضحاك هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا. وفي رواية له قال هي العمل بالطاعة والانشراح بها..."
ثم جمع رحمه الله بين هذه الأقوال بقوله: " والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله" وذكر بعض الأدلة على ذلك.
3- بيان الإجمال:
معالم منهجه في بيان الإجمال:
• اعتمد رحمه الله على أقوال الصحابة والتابعين في بيان مجمل القرآن.
• ركز المؤلف رحمه الله على هذا اللون من البيان، وبذل فيه قصارى جهده .
• كان في الغالب ما يقوي ويعضد به، البيان القرآني للقرآن أو البيان بالسنة.
مثال ذلك: في قوله تعالى: مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا الحج الآية:78. فقد وقع إجمال بسبب الاحتمال في الضمير ''هو'' على من يعود؟
ونلاحظ أن المؤلف رحمه الله رجح قول ابن عباس ومجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان.. بأن الضمير يعود على الله لا على إبراهيم. وذكر لذلك أدلة عديدة.
4 - اعتراضاته:
• كان رحمه الله مدققا ومحققا ومصوبا لا ناقلا وراويا فحسب .
• كان رحمه الله يعتمد فقط على ما وافق الكتاب والسنة ويرد ما خالفهما.
ومن أمثلة إعتراضاته رحمه الله: عند تفسيره لقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ المائدة الآية26
اعترض رحمه الله على قول الحسن البصري في تفسير الآية، من أن الرﱠجلين المذكورين فيها هما رَجلان من بني إسرائيل ورجح أنهما هابيل وقابيل. وذكر لذلك أدلة وشواهد من القرآن والعقل.
وفي قوله تعالى أيضا: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ النمل الآية: 80. قال رحمه الله " اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه، هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلمهم، وأن قول عائشة رضي الله عنها ومن تبعها أنهم لا يسمعون استدلالا بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وما جاء بمعناها من الآيات غلط منها رضي الله عنها ومن تبعها "
5 - موقفه من الإسرائيليات:
معالم منهجه فيه:
• كان رحمه الله لا يعتمد عليها في تفسيره، بل يذكرها في الغالب لينبه عليها ويبطل ما فيها من أكاذيب وأباطيل.
• غالبا ما يتعرض للإسرائيليات الواردة في تفسير آيات العقائد والقصص والأخبار.
• تارة يذكر الرواية كاملة، وتارة يقتصر على طرفها أو ما يشير إليها ثم ينقدها جملة وتفصيلا.
• يعتمد في نقده للروايات الإسرائيلية على ما قاله أهل العلم، وخاصة العلامة ابن كثير رحمه الله في تفسيره: تفسير القرآن العظيم.
ومن أمثلته : قوله تعالىوَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الحج الآية:52
ذكر رحمه الله ما جاء من رواية الشيطان الذي ألقى على لسان النبي ، تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى: ورد هذا القول بأدلة كثيرة مستفيضة.
قال رحمه الله : " اعلم أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعا، ودلالة القرآن على بطلانها، لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج ". وقال أيضا "...لا يخفى أنه باطل لا أصل له وأنه لا يليق بمقام النبوة وهو من الإسرائيليات " .
6 - موقفه من القراءات.
معالم منهجه فيه:
قال رحمه الله:
* " وقد التزمنا أن لا نبين القرآن إلا بقراءة سبعية " .
* " وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهادا للبيان بقراءة سبعية " .
* وكان رحمه الله لا يتوسع كثيرا في ذكر القراءة الشاذة، إلا بقدر ما يستفيد منها في تفسير الآيات القرآنية.
أ . عزو القراءة لصاحبها: ( اسنادها إليه )
مثال ذلك: قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ المائدة الآية:53. قال رحمه الله : " هناك ثلاث قراءات سبعيات : الأولى: يقول بلا واو مع الرفع. وبها قرأ نافع وابن كثير وابن عامر. الثانية بإثبات الواو مع رفع الفعل أيضا: يقولوا. وبها قرأ عاصم وحمزة والكسائي.
الثالثة: بإثبات الواو ونصب يقولَ عطفا فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ المائدة الآية:52. وبها قرأ عاصم وأبو عمرو.
ب . بيان القراءة وتوجيهها:
يذكر رحمه الله القراءات ويتعرض لها بالتوجيه. ليبين ما جاء في القرآن الكريم أو بعض جوانبه...من البيان.
مثاله: قوله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً الإسراء الآية:106.قال: قرأ عامة القراء: فَرَقْنَاهُ بالتخفيف، أي: بيناه وأوضحناه وفصلناه، وفرقنا فيه بين الحق والباطل. وقرأ بعض الصحابة فرﱠقناه بالتشديد أي أنزلناه مفرقا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة.
ج . الجمع بين القراءات:
عندما يكون اختلاف في القراءات، فإن المؤلف رحمه الله بما حباه الله من رسوخ في العلم يجمع بينها، ليزيل هذا الاختلاف، ويبين غايته وثمرته وأسبابه.
ومثال ذلك : قوله تعالى حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً الكهف الآية:85.
ذكر هنا ما جاء في قراءة حَمِئَةٍ بلا ألف وحامية بالألف .فالأولى هي الطين الأسود والثانية هي العين الحارة.
ثم قال رحمه الله " ولا منافاة بين القراءتين، لأن العين المذكورة حارة وذات ماء وطين اسود فكلتا القراءتين حق...".
د - مباحث أخرى ضمن التفسير بالمأثور.
ومنه الناسخ والمنسوخ -الحروف المقطعة - أسباب النزول - الشاذ من القراءات...
ومثل هذه المباحث وغيرها، لم يتوسع فيها المؤلف رحمه الله كثيرا.
التفسير بالدراية
1 . إيراده لمسائل الفقه:
• كان رحمه الله ذا نزعة فقهية عالية، بدت في تفسيره واضحة للعيان. وكما هو معلوم فإن ذلك راجع إلى نظام الدراسة ببلده الأصلي وتأثره رحمه الله ببيئته : موريتانيا
• استوعب معظم الموضوعات الفقهية المعروفة. وقد فصل في البعض واختصر في البعض الآخر بحسب الحاجة ارتباطا بما حدده من مقاصد من وراء تأليف هذا التفسير المبارك.
• جعل رحمه الله مقصده الثاني من هذا التفسير بيان الأحكام الفقهية : قال رحمه الله: ''والثاني بيان الأحكام الفقهية في جميع الآيات المبينة بالفتح في هذا الكتاب" " ...بيان الأحكام، ذكر الأدلة، آراء العلماء، الترجيح من غير تعصب لمذهب معين.." .
أ - مدخله الفقهي للآية:
معالم منهجه فيه:
* هو من الصناعة الفنية التي اعتمدها المفسر ضمن تفسيره للآيات القرآنية.
* كان المفسر رحمه الله يستهل كلامه بقوله: تنبيه أو تنبيهان أو تنبيهات.. ثم يشرع في بيان ما فيها من أحكام فقهية .
* عند تحريره للمسائل الفقهية يستهل كلامه بقوله: مسألة أو مسائل. وأحيانا يفرع المسألة الواحدة إلى تفريعات عدة.
* يستهل كلامه تارة بذكر فروع خاصة بالمسألة الفقهية التي يتعرض لها ضمن تفسيره للآية. وفي الغالب يكون تحريره لهذه المسائل الفقهية على صيغة سؤال أو عدة أسئلة، ثم يجيب عن كل سؤال على حدة.
* وتارة يقرر المسألة الفقهية ويحددها، ثم يفصل أقوال العلماء فيها، كما أنه بعد هذا التفصيل وعند ذكره للراجح أو لخلاصة الأقوال يبدأ كلامه رحمه الله بقوله : قال مقيده ( ويقصد بذلك نفسه رحمه الله ).
ب - الفقه المقارن
• أكثر منه رحمه الله واعتمده في تفسيره عند تحريره للمسائل الفقهية.
• تجنب ذكر المذهب الذي عليه المفسر رحمه الله، إلا في بعض المواضع التي توسع في ذكر المذهب المالكي فيها ، لكن هذا التوسع لا يكون على حساب الدليل.
ومن الأمثلة على هذا : قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
• فذكر رحمه الله أقوال أهل العلم في أحكام الزنى ثم قال: " وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فهذه تفاصيل أدلتهم..." ثم قال في آخره :"...وإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة وحججهم، فاعلم أن كل طائفة منهم ترجح قولها على قول الأخرى" .
ج - الترجيح:
ومن أمثلته قوله رحمه الله في مسألة الزنى : " دليل كل منها قوي وأقربهما عندي أنه يرجم فقط، ولا يجلد مع الرجم لأمور منها..."
وفي مثال آخر يستعرض رحمه الله أقوال المذاهب ثم يقول: " وإذا عرفت مذاهب الأمة في حكم قص المحرم أظافره وما يلزمه من ذلك فاعلم أني لا أعلم لأقوالهم مستندا من النصوص..."
وقال رحمه الله في ترجيح لزوم الحلق للمحصر: " قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل هو ما ذهب إليه مالك وأصحابه من لزوم الحلق لقوله تعالى وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة الآية:195. ولما ثبت في الأحاديث الصحيحة عنه ..."
* منهجيته في الترجيح:
• يحدد رحمه الله المسألة الفقهية التي هي محل النزاع والخلاف، ثم يذكر أقوال ومذاهب العلماء فيها، ثم يثني بذكر أدلة كل فريق، ويقارن بين الأدلة ويناقشها بالنقد والتحليل، ثم بعد ذلك يعمد إلى الترجيح بحسب قوة الدليل كما ذكرنا في مسألة الزنى.
• يذكر أقوال العلماء في مسائل فقهية لا دليل لهم عليها ثم يلخص كلامهم ويقرب الراجح منها.وأما في المسائل التي لا خلاف فيها بين أهل العلم فالإعتماد فيها عند المؤلف رحمه الله على الدليل فقط .
• الترجيح بين الأقوال المختلفة في مسائل التفسير العديدة، وخصوصا في المسائل الفقهية التي جاءت أكثر وضوحا وبروزا من غيرها.
• التزم في ترجيحاته عدم التعصب مع التزام الدليل وبذل الجهد للوصول إلى الحق.
• اعتمد في ترجيحاته على الكتاب والسنة، ودلالات الأصول واللغة العربية، وعلى الأدلة العقلية المختلفة..
• ويلاحظ في ترجيحاته رحمه الله عدم التقيد بمذهب معين، بل يلتزم بما يترجح لديه بالدليل النقلي أو بالنظر العقلي في ضوء الشرع وأصوله...
ولمثل هذه الأسباب كان هذا التفسير المبارك سهل التناول خاصة في الفقه.
د - الاستدلال والاستنباط :
• يلاحظ في تفسيره رحمه الله دقة الاستدلال بالنصوص وقوة الاستباط منها لذا تجد في ثنايا هذا الكتاب إشارات لطيفة ودقائق فقهية بديعة، تؤكد على تبحر المفسر رحمه الله وقوته العلمية وفقهه العميق والدقيق.
• كان رحمه الله يستعمل ويستخدم كل قواه العلمية عند التعامل مع نصوص الوحي بالاستدلال والاستنباط.
ومن الأمثلة قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف الآية:32.
تحدث رحمه الله في تفسيره للآية عن المذهب الاشتراكي الشيوعي والأنظمة المتبنية له والدائرة في فلكه، وعن الاقتصاد وركنيه - اكتساب المال وصرفه في مصارفه - وقال بعده، " فاعلم أن كل واحد من هذين الأصلين لابد له من أمرين ضروريين : معرفة حكم الله فيه، ومعرفة الطرق الكفيلة باكتساب المال.." .
هـ - الاستدلال بالمأثور
1 - عند تعرضه رحمه الله للمسائل الفقهية ركز كثيرا على الاستدلال بالمأثور وتوسع فيه. وكأنه رحمه الله جعل شعاره فيه: لا فقه بدون نصوص من المأثور.
2 - يركز رحمه الله كثيرا على القرآن باعتباره المصدر الأول في التشريع الإسلامي. وعلى السنة باعتبارها فصلت معظم الأحكام الشرعية، ثم يسترسل بعد ذلك في ذكر أقوال الصحابة والتابعين على قدر الحاجة وبدون توسع.
3 - اعتمد في الغالب على صحيح السنة، وعلى الخصوص ما أخرج الشيخان. كما اهتم كذلك بنقد الحديث، وتوسع فيه.
4 - توسع في الصناعة الحديثية. وكان فيها دقيقا وأكثر توثيقا. وتوقف معها طويلا، خاصة عندما تكون الحاجة ماسة لذلك. فكان رحمه الله يتعرض لسند الحديث، ويتكلم عن رجاله، ويذكر الروايات والطرق العديدة له، ويذكر كل ما جاء فيه من تصحيح وتضعيف، ثم يجمع ويرجح بين الأقوال، ويعمد إلى إزالة أي تعارض إن وجد.
5 - التوسع الكبير في التعرض للمسائل الفقهية واستدلاله عليها بما جاء من نصوص السنة المطهرة.
خصائص منهجه الفقهي رحمه الله:
- الاستيعاب للمذاهب الفقهية.
- التعرض لأدلة المذاهب وأقوالهم.
- دقة المناقشة للأقوال مع ربطها بأدلتها.
- قوة الاستنباط والاستدلال.
- قوة الترجيح.
- البعد عن التعصب المذهبي.
- إعذار أصحاب الأقوال المخالفة والتأدب معهم.
- العرض المنهجي المبسط.
- التوسع في طرح المسائل الفقهية.
2 – ايراده للمسائل الأصولية:
غرضه من تناول المسائل الأصولية:
1- تسخيره مسائل أصول الفقه لخدمة مقصده العام الذي هو: بيان معاني كتاب الله تعالى وإظهار محاسنه وإزالة الإشكال عما أشكل منه .
2- ذكر المسائل الأصولية للتحقيق والتدقيق.
3- ذكرها أيضا لتقوية الدليل وما يذهب إليه من الأقوال.
4- اعتماده عليها كذلك في عملية الترجيح.
5- ذكرها أثناء الشرح والتوضيح لتعم الفائدة بها وليعلم القارئ كيف يتعامل مع النصوص.
منهجه في تناول المسائل الأصولية
* برع رحمه الله في ذكر المسائل الأصولية.
* تعرض رحمه الله إلى أمرين أساسيين في علم الأصول:
* الحكم الشرعي وأقسامه .
* مباحث علم أصول الفقه .
* التزم التحقيق والتدقيق ورد المسائل الفرعية إلى أصولها.
* ضرب الأمثلة العديدة من الكتاب والسنة.
* تجنب التخمينات الظنية الافتراضية.
* توسع في بعض المباحث الأصولية كثيرا مثل: القياس والتقليد والاجتهاد...
* التوسط في طرح بعض المسائل.
* الاختصار في مواضع قليلة نادرة.
أسلوبه فيها رحمه الله:
لأسلوبه رحمه الله في تناول المسائل الأصولية صورتان:
الصورة الأولى : مسائل أصولية من صلب التفسير متعلقة بالآية المفسرة مباشرة ومبينة لها.
الصورة الثانية : مسائل أصولية ليست من صلب التفسير لكنها ذكرت استطرادا ضمن المسائل الفقهية أو مسائل أخرى، ولا تكون متعلقة بالآية مباشرة.
مسائل أصولية من صلب التفسير:
كان رحمه الله يذكر بعض المسائل الأصولية في تفسير الآية، أو بعبارة أخرى ما للآية من دلالة على المسائل الأصولية..وهذا قليل نادر .
التمثيل للمسائل الأصولية:
اجتهد رحمه الله في إزالة وهم الكثير من الناس الذين يظنون أن المسائل الأصولية مسائل عقلية لا علاقة لها بالنقل البتة. وأن البعض من هذه المسائل مجرد من المثال والدليل، وإنما تذكر كأمثلة افتراضية بعيدة عن نصوص الوحي والواقع.
وكان رحمه الله كثيرا ما يمثل للمسائل الأصولية الفقهية، بما جاء في القرآن الكريم.
ومن الأمثلة على ذلك: مسألة" الأمر المجرد من القرائن" فذكر قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ النور الآية:63. ثم قال رحمه الله : " هذه الآية الكريمة قد استدل بها الأصوليون على أن الأمر المجرد من القرائن يقتضي الوجوب..." واستطرد في الكلام عن هذه المسألة ليخلص في الأخير إلى: " أن الأمر للوجوب ما لم يصرفه عنه صارف لأن غير الواجب لا يستوجب تركه الوعيد الشديد والتحذير" .
تحقيق المسائل الأصولية
يعمد رحمه الله إلى تحقيق المسائل الأصولية الداخلة ضمن بيان الآيات القرآنية أو المتعلقة بذلك... بشيء من التفصيل والتدقيق ليزيل ما فيها من اختلاف ويبين الحق والصواب فيها.
ومثاله: قوله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ المائدة الآية:2
تعرض رحمه الله هنا إلى ذكر مسألة أصولية وحققها وهي :" الأمر بالشيء بعد تحريمه ":
فقال رحمه الله: " الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب " .
الصورة الثانية: مسائل أصولية ضمنها كلامه عن القضايا الفقهية...
• توسع فيها رحمه الله وذكر منها الشيء الكثير.
• كان رحمه الله غالبا ما يذكر ذلك لترجيح وتقوية ما يذهب إليه أو لتحقيق تلك المسائل الأصولية والخروج من الخلاف والنزاع، وترجيح ما يراه حقا وصوابا حسب دلالة الأدلة وقوتها.
مثال ذلك: قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ المومنون الآية:5
رجح رحمه الله في آية إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ المومنون الآية:6 جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين في التسري بهما معا.
• كان يناقش رحمه الله المسائل الفقهية بأسلوب أصولي واضح ورزين يزيل الاعترضات، ويرجح القوي منها حسب الصناعة الأصولية.
3 - منهجه في إيراد مسائل العقيدة
• اعتمد رحمه الله النقل والرواية في ذكره ونقاشه لمسائل العقيدة.
• أوجز الكلام في غالب المسائل العقدية ما عدا مبحث الأسماء والصفات.
• كان يتوقف عند كل موضع من القرآن الكريم يتعرض لجانب العقائد خاصة المسائل التي لها علاقة مباشرة بالواقع المعاصر.
• التزم منهج أهل السنة والجماعة فناصره وانتصر له .
• كان رحمه الله يقرر المسألة العقدية التي دلت عليها الآية، ثم يوضح الحق والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة في تلك المسألة مع ذكر الأدلة من النقل والعقل، وبعدها يتعرض للمذاهب المخالفة والشبهات الواردة فيرد عليها ويبطلها ويدحضها في نقاش وحوار هادئ رزين وبأدب عال.
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله : " أما في العقيدة فقد بلورها منطقا ودليلا، ثم لخصها في محاضرة آيات الأسماء والصفات، ثم بسطها ووضحها إيضاحا شافيا في أخريات حياته...".
أ - الأسماء والصفات
• فصل في مسألة الأسماء والصفات وتوسع فيها وأطال الكلام حولها في مواضع عدة من تفسيره.
• ذكر في هذا الجانب: مسألة التأويل ومسألة ظاهر القرآن.
فعند تفسيره لقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ آل عمران الآية:7 ذكر الإطلاقات للتأويل وحالاته الثلاث.
وفي قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا محمد الآية: 24 رد على من قال: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، وبين الحق في هذه المسألة فقال رحمه الله : " لا يجوز العدول عن ظاهر الكتاب ولا سنة رسول الله في حال من الأحوال وبوجه من الوجوه حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح..."
وبين بحق بطلان قول من ادعى أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها لا تليق بالله تعالى: لأنه من باب تشبيه صفات الله بصفات خلقه.
ب - الشفاعة
• لم يتوسع كثيرا في مناقشة ما يتعلق بها.
• بين أهم عناصرها باختصار.
فعند تفسيره لقوله تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ البقرة الآية:47
بين رحمه الله: أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار والتي هي بدون إذن رب السموات والأرض وكذلك استثنى رحمه الله شفاعته لعمه أبي طالب التي هي: شفاعة تخفيف .
وقسمها رحمه الله إلى: شفاعة لأهل الإيمان- شفاعة تخفيف- شفاعة ممتنعة- شفاعة بإذن الله.
ج - رؤية الله سبحانه وتعالى:
اختصر رحمه الله الحديث عن رؤية الله تعالى اختصارا موفيا بالغرض.
مثاله : قوله تعالى قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي الأعراف الآية:142 بين رحمه الله أن:
- الرؤية المنفية هي الرؤية في الدنيا.
- ثم رد قول المعتزلة النافين لرؤية الله تعالى في الآخرة بالأبصار.
د - الولاء والبراء:
• ركز رحمه الله على هذه المسألة وحقق القول فيها، وبين مذهب أهل السنة والجماعة.
• تكلم عن مسألة الولاء والبراء في واقعنا المعاصر دون الخروج عن إطار إعادة الأمة إلى دينها الحق وعقيدتها الخالصة.
• بين رحمه الله : * الولاء الحق .
* ثمرة الولاء الحق.
هـ - زيادة الإيمان ونقصانه:
رجح رحمه الله مذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بزيادة الإيمان ونقصانه أثناء تفسيره قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الأنفال الآية:2
و - إنكار البداء على الله عز وجل:
رد قول اليهود والمشركين بإنكار النسخ في قوله تعالى : وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ النحل الآية:101 .
4 - مسائل اللغة:
معالم منهجه فيه:
• قوته اللغوية وبراعته فيها واستيعابه لمختلف جوانبها.
• مباحث لغوية قوية وذات قوة علمية فائقة.
• براعة عالية في صياغة المسائل اللغوية ومناقشتها بأسلوب علمي.
• تسخير اللغة لبيان بعض الجوانب التفسيرية للقرآن.
• التعرض لبعض التحقيقات اللغوية.
• مناقشة اللغويين في كثير من المسائل.
• مجيئه بفوائد لغوية علمية نادرة.
أ – الصرف:
تعرض لهذا الباب في مواضع عدة، وبين فيه ما يتعلق بصياغة الكلمة وأصلها في ضوء قواعد هذا العلم . فركز على الاشتقاق من حيث بيان أصل الكلمة وأوزانها واشتقاقاتها، كما تعرض لبعض ما يلحق الكلمات من التغييرات بالزيادة أو بالنقص. مع التحقيق أيضا في بعض المسائل الصرفية.
* معالم منهجه في الاشتقاق:
- توقف مع الكلمات القرآنية مبينا أصلها ومصدرها ووزنها واشتقاقاتها...
مثال ذلك: كلمة موئلا في قوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً الكهف للآية:58
وكذلك كلمة جهنم في قوله تعالى: وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ التوبة الآية:81.
- لم يطل الكلام حول الاشتقاق، لكنه حقق الغرض من إيراده في تفسيره رحمه الله .
ب - النحو:
• ركز كثيرا على المسائل النحوية وتوقف معها في مواضع عدة .
• لم يطل الكلام فيها بحيث يستطرد في اختلافات النحويين.
• كان يكتفي بما عليه الاتفاق أو ما ترجح عنده أو ما اشتهر من الأقوال في المسألة.
1.الحروف:
مثال تطرقه لحرف لو في قوله تعالى وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ البقرة الآية:95
2.الفعل:
توسع قليلا في قضايا الفعل وما يتعلق به.
مثاله : " وإما نرينك " تطرق فيها إلى الفعل المضارع بعد إن الشرطية المدغمة في ما الزائدة لتوكيد الشرط المقترن بنون التوكيد الثقيلة وذلك في قوله تعالى: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ يونس الآية:46
3.الإعراب:
كان رحمه الله لا يتوسع كثيرا في إعراب الكلمات. ويقتصر فيه على الجوانب المهمة التي تساعد على بيان كتاب الله تعالى .
ج - البلاغة:
التزم الاختصار الشديد وعدم التوسع في ذكر مسائل البلاغة وأقسامها.
1. المعاني:
أمثلته : قال رحمه الله في قوله تعالى: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة الآية:5 وقد تقرر في المعاني في مبحث القصر أن تقديم المعمول من صيغ الحصر" .
وقال في قوله تعالى رحمه الله " لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ النحل الآية:55 وقد تقرر في فن المعاني في مبحث الإنشاء -والأمر منه- أن من المعاني التي تأتي لها صيغة إفعل التهديد.
2 . البيان:
قال رحمه الله في قوله تعالى: " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ يونس الآية:24 التشبيه في الآيات المذكورة عند البلاغيين من التشبيه المركب التمثيلي ..."
وفي قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ الحج الآية:3
قال رحمه الله : " وكلام البلاغيين في ذلك : بأن فيه استعارة عنادية وتقسيم العنادية إلى تهكمية وتلميحية..."
3 . المجاز:
من أبرز القضايا التي عالجها المفسر وناقشها المجاز حيث كان له فيه توجه خاص، وألف فيه رسالة مستقلة سماها: منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز .
• كان كلامه في ذلك مختصرا إلا أنه بين مذهبه فيه.
• ذهابه إلى أنه لا يجوز إطلاق المجاز في القرآن مطلقا. قال رحمه الله: " والذي ندين الله به ويلزم قبوله كل منصف محقق أنه لا يجوز إطلاق المجاز في القرآن مطلقا على كلا القولين.
• الرد على بعض الشبهات الواردة في مسألة الأسماء والصفات.
4 . البديع
• تعرض لهذا الجانب في مواطن قليلة نادرة من تفسيره رحمه الله.
مثاله : قوله تعالى الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف الآية:104 قال رحمه الله: " ...الجناس المسمى عند أهل البديع: تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فرقا بين الكلمتين..." .
د - المفردات اللغوية:
• توقف رحمه الله كثيرا مع المفردات القرآنية موضحا معانيها.
• كان يختصر تارة وأحيانا يتوسع بحسب المقام والحاجة. وغالبا ما كان كلامه في ذلك كله وسطا بين التطويل الممل والاختصار المخل.
مثال ذلك توقفه رحمه الله مع كلمة أساطير وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين.
• بهذا البيان كان يعطي للآية المفسرة سهولة في فهمها وسلاسة في إدراك معناها.
منهجه في التعامل مع المصادر والنقل منها
كان رحمه الله يتعامل مع المصادر بمنهجية خاصة حيث كان رحمه الله:
• في الغالب يذكر المصدر وصاحبه صراحة.
• يسند النص المنقول لصاحبه.
• يبين بداية النص المنقول ونهايته.
• أحيانا يقتصر على ذكر المصدر فقط أو المؤلف لا غير.
• تارة ينقل من غير تصرف، وأحيانا يتصرف ولا يشير لذلك.
• يوجه معاني بعض الآيات وينقل بعض المسائل اللغوية - البحر المحيط لأبي حيان مثلا- .
• واعتمد رحمه الله أساسا في النقل من كتب التفسير ثلاث مراجع تعتبر من أحسن ما ألف في بابها :
1- تفسير ابن جرير الطبري-من الكتب التي اعتمد عليها كثيرا-.
2 - تفسير القرطبي: وهو من مراجعه رحمه الله في تفسير آيات الأحكام والمسائل الفقهية.
3- الدر المنثور للسيوطي: وهو مما اعتمده في الروايات المسندة.
التزامه رحمه الله بمنهج إيضاح القرآن بالقرآن
وتطابق العنوان مع مضمون التفسير.
في المقدمة:
• تركيزه على تفسير القرآن بالقرآن.
• إرجاع الأمة إلى كتابها.
• بيان الأحكام الفقهية.
• ذكر الأدلة من السنة وسبره لأسانيدها.
• التعرض للمسائل الأصولية واللغوية من (صرف، نحو، شعر إلخ...).
نتائج هذا البحث:
• التفسير حافل ببيان القرآن بالقرآن.
• بذل المؤلف رحمه الله قصارى جهده في جمعه وتحريره.
• جعل بيان القرآن بالقرآن عمدة لتفسيره وأساسا لمنهجه.
• اهتم بالمأثور والمعقول من التفسير إلا أن تركيزه على المأثور وعلى التفسير بالقرآن كان أكثر من غيره.
• لم يذكر أنه سيقتصر فقط على تفسير القرآن بالقرآن بل صرح بخلافه: أنه رحمه الله سيلتزم بالتفسير بالمأثور والمعقول معا، مع تحقيق الهداية المطلوبة بهذا الكتاب المبين.
• لم يقصد رحمه الله بتسمية الكتاب أن تكون منهجا يلتزم به.
• جاءت تسمية الكتاب على سبيل التغليب. وفي القاعدة: الحكم للغالب.
• جعل التسمية تشرفا بهذا اللون من التفسير الذي أعطاه حيزا كبيرا من حجم تفسيره.
• حاول جهده واستطاعته الالتزام بما قصد إليه من وراء تفسيره القرآن بالقرآن.
• حاول رحمه الله جاهدا أن يضع الأسس والمرتكزات لهذا الأسلوب البديع من ألوان التفسير، وأن يقدمه في أكمل صورة بحسب استطاعته.
• أتم مقاصد التفسير الأخرى التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال، وإلا كان الإخلال بالتفسير وقواعده واقعا مؤلفه المبارك...
• جمع نفائس التفسير وفضائله التي تشد طالب العلم إليها وتبصره بما فيها.
• تفسيره رحمه الله جامع بين المأثور والمعقول.
خصائص تفسير أضواء البيان:
• تفسير خاص على منهج مختص به وهو تفسير ما أجمل من الآيات أيا كان سبب الإجمال
• المرجع الضخم الذي يعد مدرسة كاملة تتحدث عن نفسها
• يظهر أثر التفسير بالمأثور فيه
• يتميز بغلبة طابع التفسير بالمأثور مع اشتماله على التفسير بالرأي.
• أصل رحمه الله لمسالك مبتكرة لخدمة التفسير وألف في بعض منها كتبا مثل: (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب - آداب البحث والمناظرة - المنطق - الأصول..)
• انفراده بهذا اللون من التفسير كما وكيفا...
• خلوه من الإسرائيليات تماما.
• التنبيه على الموضوع والضعيف من الحديث.
• اسناد الأدلة عند الاستدلال بها.
• عدم التركيز على الغرائب الباطلة في التفسير.
• الترجيح بين الأقوال المتباينة.
• الموضوعية والجدية في إعادة الأمة إلى كتاب ربها.
• الاهتمام بالنافع المفيد وتجنب كل تعقيد.
• الإبداع في التفسير وقد نفع وأجاد رحمه الله في هذا بابه وجاء بالجديد المفيد.
• التزامه بمنهجه العام الذي تصدى إليه في المقدمة.
• تحليه رحمه الله بأخلاقيات المفسر من : تواضع وأدب ودفاع عن الأئمة الأعلام...
• التحامل على بعض أهل العلم من المتأخرين ممن لم يرتض آراءهم.
• التوسع في الفقه وأدلته.
• وأخيرا فالكتاب يعتبر حلقة وصل بين التفاسير المتقدمة والمعاصرة.
المؤاخذات
كل ما يمكن أن يؤاخذ على هذا التفسير المبارك:
• استطراده في بعض قضايا التفسير المتمثلة في: المسائل الفقهية والأصولية والحديثية.
• تعرضه لمسائل عديدة بالبحث والدراسة لم تكن من صلب منهجه الذي التزمه في تفسيره.
• تركه لآيات عديدة بدون تفسير ولا بيان وهذا في معظم السور.
• عدم عرضه لأدلة المخالفين بكيفية وافية في بعض المواضع.
• سوقه لأسانيد الصحيحين، تطويل غير لازم.
• كان الأولى تسميت هذا الكتاب : بأضواء البيان في إيضاح القرآن .
وهذه المؤاخذات، وإن كانت تؤثر على مدى التزام المفسر رحمه الله بمنهجه، إلا أنها لا تخرم القاعدة ولا تسقط المنهج بكامله. لأن استطراده رحمه الله كان في موضوعات هي من صلب منهجه، وهي على كلٍ موضوعات محدودة مقارنة بحجم التفسير. تعرﱠض لها بحسب الحاجة والضرورة.
وبالتالي يمكننا أن نقول: إن المؤلف رحمه الله التزم بمنهجه العام الذي حدده إلى حد كبير.
هذا وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين.