معالم في علم التفسير 8

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
بسم1​

قالَ صاحبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
كَانَ مِنْ سُوءِ حَظِّ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا كُتِبَ فِي التَّفْسِيرِ يَشْغَلُ قَارِئَهُ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْعَالِيَةِ، وَالْهِدَايَةِ السَّامِيَةِ، فَمِنْهَا مَا يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ بِمَبَاحِثِ الْإِعْرَابِ وَقَوَاعِدِ النَّحْوِ، وَنُكَتِ الْمَعَانِي وَمُصْطَلَحَاتِ الْبَيَانِ، وَمِنْهَا مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ بِجَدَلِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَتَخْرِيجَاتِ الْأُصُولِيِّينَ، وَاسْتِنْبَاطَاتِ الْفُقَهَاءِ الْمُقَلِّدِينَ، وَتَأْوِيلَاتِ الْمُتَصَوِّفِينَ، وَتَعَصُّبِ الْفِرَقِ وَالْمَذَاهِبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَبَعْضُهَا يَلْفِتُهُ عَنْهُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ، وَمَا مُزِجَتْ بِهِ مِنْ خُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَقَدْ زَادَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ صَارِفًا آخَرَ عَنِ الْقُرْآنِ هُوَ مَا يُورِدُهُ فِي تَفْسِيرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ الْحَادِثَةِ فِي الْمِلَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ، كَالْهَيْئَةِ الْفَلَكِيَّةِ الْيُونَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ بِإِيرَادِ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ هَذَا الْعَصْرِ وَفُنُونِهِ الْكَثِيرَةِ الْوَاسِعَةِ، فَهُوَ يَذْكُرُ فِيمَا يُسَمِّيهِ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فُصُولًا طَوِيلَةً بِمُنَاسَبَةِ كَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ عُلُومِ الْفَلَكِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، تَصُدُّ قَارِئَهَا عَمَّا أَنْزَلَ اللهُ لِأَجْلِهِ الْقُرْآنَ .
نَعَمْ إِنَّ أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ مِنْ وَسَائِلِ فَهْمِ الْقُرْآنِ، فُنُونُ الْعَرَبِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَاصْطِلَاحَاتُ الْأُصُولِ وَقَوَاعِدُهُ الْخَاصَّةُ بِالْقُرْآنِ ضَرُورِيَّةٌ أَيْضًا، كَقَوَاعِدِ النَّحْوِ وَالْمَعَانِي، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْكَوْنِ وَسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِيهِ - كُلُّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمَأْثُورَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَعُلَمَاءِ التَّابِعِينَ فِي التَّفْسِيرِ فَمِنْهَا مَا هُوَ ضَرُورِيٌّ أَيْضًا لِأَنَّ مَا صَحَّ مِنَ الْمَرْفُوعِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَلِيهِ مَا صَحَّ عَنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ أَوْ عَمَلِ عَصْرِهِمْ، وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا وَذَاكَ قَلِيلٌ.
 
عودة
أعلى