بشير عبدالعال
Member
بسم1
تتمةُ القولِ في كلمةِ {رُبَمَا}- بعد الانتهاءِ من توضيحِ استخداماتِ {قد}في المَعلَمِ السابق:هذه تتمةُ كلامٍ سبقَ ذكرُه في معنى كلمةِ {رُبَمَا}-وهل نأخذُ باللغةِ أم بالحقيقةِ الشرعيةِ .
قال تعالى في سُورة الأحزابِ {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)}
قال ابن ُكثيرٍ رحمه الله :وَقَالَ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الْحِجْرِ: 2] ، هَكَذَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي حَالَتِهِمْ هَذِهِ أَنَّهُمْ يَوَدُّونَ أَنْ لَوْ كَانُوا أَطَاعُوا اللَّهَ، وَأَطَاعُوا الرَّسُولَ فِي الدُّنْيَا..
قال القرطبي رحمه الله : وَأَصْلُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الْقَلِيلِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكَثِيرِ، أَيْ يَوَدُّ الْكُفَّارُ فِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ. ومنه قول الشاعر:
أَلَا رُبَّمَا أَهْدَتْ لَكَ الْعَيْنُ نَظْرَةً ... قُصَارَاكَ مِنْهَا أَنَّهَا عَنْكَ لَا تُجْدِي { أي لا تغنى}
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هي للتقليلِ في هذا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا فِي كُلِّهَا، لِشُغْلِهِمْ بِالْعَذَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وهاهنا قولُه تعالى في سُورَة التَّغَابُنِ :{وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)}
فهل قولُه تعالى {وَاسْتَغْنَى } يَقعُ عليه لغةً ما يقعُ على قوله تعالى { وَإِذِ اسْتَسْقَى } وغيرها؟
قال ابنُ عطية رحمه الله : وبسببِ ظهورِ هلاكهِم بعد أن لم يكن ظاهراً , ساغَ استعمالُ هذا البناءِ مسنداً إلى اسم الله تعالى ، لأن بناءَ استفعل إنما هو لطلبِ الشيء وتحصيله بالطلب .
قال في التحرير والتنوير : وَاسْتَغْنَى غَنِيَ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى [عبس: 5]
قال في اللباب : قوله: {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ } استغنى بمعنى المُجرد. قال الزمخشري: -ظَهَر غناه- فالسين ليست للطلب - ومعناه أنه ظهرَ استغناءُ اللهِ حيثُ لم يلجِئْهم إلى الإيمانِ ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك.
قال السعدي رحمه الله : {فَكَفَرُوا} بالله {وَتَوَلَّوْا} عن طاعة الله، {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} عنهم، فلا يبالي بهم، ولا يضره ضلالهم شيئًا.
أقولُ : والذي عليه العقلُ والعملُ هو صرفُ المعنى على دلالته الشرعية لا اللغوية-والله أعلم.