بشير عبدالعال
Member
بسم1
خلاصةُ القولِ في مَعنى {قد} وحَقيقتِها عندَ أهلِ العلمِ واللغةِ:
قال ابنُ كثيرٍ رحمه اللهُ :قوله تعالى :{قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} و"قَدْ" لِلتَّحْقِيقِ.
ولقد جمعَ رحمه اللهُ آياتٍ كثيرةً فيها {قد} مضافةً له تعالى ثم قال - فَكُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ فِيهَا تَحْقِيقُ الْفِعْلِ بِـ"قَدْ"، كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ تَحْقِيقًا وَثُبُوتًا: "قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ" فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَيْ: هُوَ عَالِمٌ بِهِ، مُشَاهِدٌ لَهُ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ.
وقال الشوكاني رحمه الله : وَيَعْلَمُ هَاهُنَا: بِمَعْنَى عَلِمَ .
قال في التحرير والتنوير :
وَقد تَحْقِيقٌ لِلْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ، فَهُوَ فِي تَحْقِيقِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ (إِنَّ) فِي تَحْقِيقِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ. فَحَرْفُ قَدْ مُخْتَصٌّ بِالدُّخُولِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُتَصَرِّفَةِ الْخَبَرِيَّةِ الْمُثْبَتَةِ الْمُجَرَّدَةِ مَنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ، وَمَعْنَى التَّحْقِيقِ مُلَازِمٌ لَهُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولُهَا مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا، وَلَا يَخْتَلِفُ مَعْنَى قَدْ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِعْلَيْنِ. وَقَدْ شَاعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ قَدْ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمُضَارِعِ أَفَادَ تَقْلِيلَ حُصُولِ الْفِعْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَمِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ سِيبَوَيْهِ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى أَنَّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّقْلِيلِ لَكِنْ بِالْقَرِينَةِ وَلَيْسَتْ بِدَلَالَةٍ أَصْلِيَّةٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدِي.
وَلِذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ قَدْ عَلَى فِعْلِ الْمُضِيِّ وَدُخُولِهِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي إِفَادَةِ تَحْقِيقِ الْحُصُولِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ النُّورِ [64] . فَالتَّحْقِيقُ يُعْتَبَرُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي إِنْ كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَ قَدْ فِعْلَ مُضِيٍّ، وَفِي زَمَنِ الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ إِنْ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ (قَدْ) فِعْلًا مُضَارِعًا مَعَ مَا يُضَمُّ إِلَى التَّحْقِيقِ مِنْ دَلَالَةِ الْمَقَامِ، مِثْلَ تَقْرِيبِ زَمَنِ الْمَاضِي مِنَ الْحَالِ فِي نَحْوِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. وَهُوَ كِنَايَةٌ تَنْشَأُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِتَحْقِيقِ فِعْلٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشُكَّ السَّامِعُ فِي أَنَّهُ يَقَعُ.
فَلِلتَّوْكِيدِ بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ مَوْقِعٌ. وَدُخُولُ قَدْ عَلَّى الْمُضَارِعِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مَعْنَى التَّحْقِيقِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَنَّ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنَ التَّقْلِيلِ إِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا مِنْ دَلَالَةِ قَدْ، وَمِثْلُهُ إِفَادَةُ التَّكْثِيرِ.
وَ (قَدْ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِلتَّحْقِيقِ أَلَا تَرَى أَهْلَ الْمَعَانِي نَظَّرُوا هَلْ فِي الِاسْتِفْهَامِ بِقَدْ فِي الْخَبَرِ فَقَالُوا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إِنَّ هَلْ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ فَحَرْفُ قَدْ يُفِيدُ تَحْقِيقَ الْفِعْلِ فَهِيَ مَعَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ إِنَّ مَعَ الْأَسْمَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ إِنَّهَا جَوَابٌ لِقَوْمٍ يَنْتَظِرُونَ الْخَبَرَ وَلَوْ أَخْبَرُوهُمْ لَا يَنْتَظِرُونَهُ لَمْ يَقُلْ قَدْ فَعَلَ كَذَا اهـ.وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ مَعَ (قَدْ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْمَقْصُودُ تَجَدُّدُ لَازِمِهِ لِيَكُونَ تَأْكِيدًا لِذَلِكَ اللَّازِمِ وَهُوَ الْوَعْدُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ غَلَبَ عَلَى قَدِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُضَارِعِ أَنْ تَكُونَ لِلتَّكْثِيرِ مِثْلَ رُبَّمَا يَفْعَلُ.