نايف الزهراني
New member
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فهذا بحث : ( مَـعَـالِـمُ اَلاسْـتِـنْـبَـاطِ فِـي عِلْمِ الْتَّـفْـسِـيـرِ ) , والمنشور في العدد الرابع من مجلة معهد الإمام الشاطبي , أحببتُ تقريبه بين يدي إخواني في الملتقى ليَكمُلَ على أيديهم تحريراً وتعقيباً , وبالله تعالى التوفيق .
أخوكم أبو بيان نايف بن سعيد الزهراني
صباح الخميس 3/2/1430هـ
* * * *
( ملخص البحث )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذا بحث بعنوان ( معالم الاستنباط في علم التفسير ), يكشف عن جوانب من علمٍ جليلٍ من علوم القرآن الكريم, تأتي مرتبته بعد معرفة ألفاظ القرآن الظاهرة, ومعانيه المباشرة, ويختصُّ بمعاني المعاني, وما وراء الألفاظ من المعاني المتصلة بالآية من غير لفظها المتبادر ومعناها المباشر.
ويهدفُ هذا البحث إلى تأصيل مسائل ومعارف علم الاستنباط في فَنِّ التفسير, من خلال نصوص العلماء وأئمة المفسرين وتطبيقاتهم, مع إبراز مناهجهم في عرض المعاني المستنبطة, وشروط الاستنباط, وآداب المستَنبِط.
وقد تناول البحثُ هذا الموضوع من جانبٍ تمهيدي نظري, ثم تطبيقي عملي؛ وذلك بعرض نموذج تطبيقي من استنباطات الصحابة رضي الله عنهم في التفسير, ثم إبراز مسائل علم الاستنباط منه وتطبيقها عليه من خلال منهج تحليلي نقدي؛ يتناول هذا النموذج بالتحليل ودراسة الأقوال وما بُنيت عليه, ثُمَّ الحكم عليها, وبيان الراجح في موضع الخلاف, مع التعرض لعدد من المسائل الواردة في الرواية, ممَّا له علاقة بعلم التفسير وأصوله.
وقد أبرز البحث عِدَّةَ نتائج تتعلق بفروع من علم التفسير, يُرجَى لها أن تعود بفوائد حسنة - إن شاء الله تعالى - في جانب الدراسات التفسيرية بعامَّة.
( المقدمة )
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين, أما بعد:
فموضوع هذا البحث يرصد جانباً هاماً من جوانب علوم القرآن الكريم, هو من ألصق علومه بعلم التفسير, ويحاول إبراز أصوله وقواعده المبثوثة في كتب التفسير وعلومه, ويتجاوز ألفاظ القرآن ومعانيه المباشرة إلى ما وراءها من معاني وأحكام, فإن الناظر في موضوعات كتب التفسير يجدها قائمة على ثلاثة أنحاء: بيان الألفاظ والمعاني – وهذا صلب التفسير وحَدُّه -, وبيان معاني المعاني – وهذا مجال الاستنباط -, ولا يخرج حديث مفسر ما عن هذه الأنحاء, وقد اهتم العلماء كثيراً ببيان وتحرير الجانب الأول من هذه الموضوعات: ألفاظ القرآن ومفرداته, فظهرت كتب غريب القرآن, وإعراب القرآن, ومتشابه الألفاظ, والوجوه والنظائر, ونحوها ممَّا تناول الألفاظ القرآنية مفردة.
كما ظهر اهتمام العلماء بجانب المعاني في كتب معاني القرآن, ومشكلات القرآن, ومتشابه المعاني, وأحكام القرآن, ومبهمات القرآن, وغيرها من الكتب القائمة على معاني الآيات وأساليبها درساً وإيضاحاً.
أما جانب معاني المعاني, ومستتبعات التراكيب, والاستنباطات القرآنية, فهو بابٌ جليل, لم يأخذ حظَّه من التحرير والتأصيل, مع كون هذا العلم من ألصق العلوم بعلم التفسير, بل هو شطر موضوع كتب التفسير كما سيأتي بيانه.
ومع قيامِ عدد من كتب العلماء على الاستنباط جمعاً وتطبيقاً - كما سيأتي ذكره إن شاء الله - إلا أنها تكاد تكون خالية من حديث مباشر عن هذا العلم؛ يرتقي به إلى أن يكون من علوم القرآن الظاهرة المشهورة, ذات القواعد الثابتة الجامعة لأشتات أفرادها وجزئياتها تحت نظام واحد.
وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية الجليلة, رأيت أقرب طريق يحقق المراد منها: تصفح تفاسير السلف في القرون الثلاثة الأولى المفضلة في كل علم وخير وهدى؛ الذين أدركوا مَنْزلة علم التفسير من الدين فنَزل منهم أشرفَ منْزل وأعلاه, وتفرَّغ له طائفةٌ منهم, فأفنوا فيه أعمارهم تحصيلاً وتأصيلاً, وسلكوا لنشره وتبيينه للناس كُلَّ سبيل, فكان بيانهم أحسن بيان, وجاء استنباطهم أدَقَّ استنباطٍ وألطفه, ولا غرو؛ فهم خير هذه الأمة وأفضلها بشهادة خير البرية صلى الله عليه وسلم(1).
وعمدت من تفاسير السلف إلى تفاسير الصحابة على الخصوص؛ وإن الناظر ليعجب من فقه الصحابة في تفاسيرهم, ودقة استنباطهم رضي الله عنهم, فقد بلغوا في هذا الباب درجة لا تكاد تجد مثلها لمن بعدهم, وليس هذا بمستغرب من مثلهم؛ فباب الاستنباط مبنيٌ على زكاء نفس, وقوة نظر, وجودة قريحة, وصحة فهم, وحسن بيان, وقد جاؤوا من ذلك باللُّبَاب. ومن خلال دراسة بعض أقوالهم في التفسير ظهر لعمر بن الخطاب, وعلي بن أبي طالب, وعبد الله بن عباس رضي الله عنه تميزاً ظاهراً عن غيرهم من الصحابة في هذا الباب؛ ولعل ذلك سببَ عَدِّهم من أعلم الصحابة بالتفسير(2), ولا يبعد ذلك؛ فإذا تساوى كثيرٌ من الصحابة في العلم بمعاني ألفاظ القرآن وأساليبه, تقدم هؤلاء الثلاثة على غيرهم في التقاط الدرر من معاني المعاني, في بديهة تعجب منها الصحابة في مواقف كثيرة.
وإن تميُّز السلف في تناول هذا النوع الدقيق من البيان لَيُبْرِزُ حرصهم على توفيةِ الآيات حَقَّها من المعاني, واستيعاب كُلِّ حقٍّ أشار إليه لفظ الآية, ودَلَّ عليه معناها, وذاك هو علم الاستنباط.
وتتلخَّصُ الغاية المرجوة من دراسة هذا الموضوع في تجلية هذا العلم من علوم القرآن الكريم, وإعلاء معالم يهتدي بها شُداة علم التفسير وقاصدي فهمه, وقد اجتهدت في إبراز ذلك من خلال مقدمات وتمهيدات في المبحث الأول, ثم بعرض نموذج تطبيقي من استنباطات الصحابة في المبحث الثاني, وبالله تعالى التوفيق, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول:
الاستنباطُ تعريفٌ وبيان
أولاً: تعريف الاستنباط:
النون والباء والطاء في لغة العرب كلمةٌ تدلُّ على استخراج الشيء والانتهاء إليه(3), واستنبط الفقيه: إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه(4), قال الزجاج(ت:311): (معنى يستنبطونه في اللغة: يستخرجونه)(5), وقال ابن جرير(ت:310): (وكلُّ من أخرج شيئاً كان مُستَرَّاً عن إبصار العيون, أو عن معارف القلوب = فهو مستنبطٌ له, يقالُ: استنبطتُ الرَّكِيَّةَ(6): إذا استخرجتُ ماءَها, والنَّبَطُ: الماء المستنبطُ من الأرض, ومنه قول الشاعر:
قريبٌ ثَرَاهُ, ما يَنَالُ عَدُوُّه == لَه نَبَطَاً, آبِي الهوانِ, قَطُوبُ )(7).
ويستفادُ من هذه المعاني اللغوية ما يأتي:
أولاً: الاستنباط هو الاستخراج باتفاق أهل اللغة, وهو المعنى المطابق للَّفظ.
ثانياً: أن في الاستنباط نوعُ اجتهادٍ ومعاناةٍ, دلَّ عليه صيغة اللفظ المفتتحة بحروف الطلب (ا, س, ت), وعبارة صاحب « العين »: (والانتهاء إليه)؛ المفيدة لبعده عن طالبه, ثمَّ هذا الاجتهاد والعناء في نيل المستَنبَط واضحٌ في ما يبذله مستنبطُ الماء من البئر, قال ابن القيم(ت:751): (الاستنباط هو: استخراج الشيء الثابت الخفي الذي لا يعثر عليه كل أحد)(8).
ثالثاً: أن الاستنباط أقرب إلى باطن الكلام منه إلى ظاهره, وأقرب إلى المعاني منه إلى الألفاظ, كما قال الأزهري(ت:370): (استنبط الفقيه: إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه), وهو معنى الاستتار والتواري الذي ذكره ابن جرير(ت:310), وقال البغوي(ت:516): (من العِلم ما يُدرَكُ بالتلاوة والرواية, وهو: النصُّ, ومنه ما يُدرَكُ بالاستنباط, وهو: القياس على المعاني المودعةِ في النصوص)(9) والقياس نوعٌ من الاستنباط, وقال ابن القيم(ت:751): (الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستنبطه)(10).
أمَّا الاستنباط في استعمال المفسرين فهو: استخراج ما وراء ظواهر معاني الألفاظ من الآيات القرآنية.
والمُرادُ بظواهر معاني الألفاظ: ما يتوقف فهم القرآن عليها من المعاني المباشرة.
ثانياً: مقدمات وقواعد في علم الاستنباط:
:: مكانةُ علم الاستنباط من علم التفسير:
وَصَفَ ابنُ عاشور(ت:1393) علم التفسير بأنه: (تفسير ألفاظٍ, أو استنباطُ معانٍ)(11), وقال: (موضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه, وما يُستَنبَطُ منه)(12), فالاستنباط بهذه المثابة قسيمٌ لبيان المعاني؛ وذلك بالنظر إلى جمهرة معلومات كتب التفسير التي يذكرها المفسر, وإلا فإن الاستنباط من علوم الآية التي تأتي بعد تمام التفسير - الذي هو بيان المعنى-, ولكن لشدَّة ارتباط هذا العلم بعلم التفسير نظريةً وتطبيقاً, ولكثرة ما أُثيرَ في كتب التفسير, أُلحِق به في بيان علم التفسير وموضوعاته, وربما توسع بعض العلماء فسمَّاه تفسيراً(13)؛ وذلك حين يرتقي هذا المعنى المستنبط الباطن في شدة قربه وظهوره من المعنى الظاهر, وربما أُرِيدَ معه - على ما سيتبين -, فمن هنا يتوجه تسميته تفسيراً لارتباطه بمعنى الآية من هذا الجانب. وقد كان الحالُ كذلك منذ أوَّلِ نشأةِ علم التفسير وظهوره, ولا تكاد تخرج تفاسير السلف عن هذين الوجهين في الأعم الأغلب.
ومن ثَمَّ يتفقُ علم الاستنباط مع التفسير في أنهما بيانٌ للمعنى, ثم يفترقان في المعنى المُبَيَّن في كلٍّ منهما؛ فللتفسير المعنى الظاهر المباشر اللازم لِلَّفظ, وللاستنباط ما وراءه من المعاني الزائدة, وكلاهما من أجلِّ علوم القرآن الكريم, وألصقها بألفاظه.
:: سمَّى الله تعالى الاستنباط علماً, فقال سبحانه: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}(النساء 83), ولولا أن الاستنباط علمٌ معتبَرٌ, وحُجَّةٌ في الشرع, لَمَا أمر اللهُ تعالى عبادَه برَدِّ ما لم يدركوا علمه نَصَّاً إلى من يدركونه بالاستنباط من أهل العلم(14), فالاستنباط من أهمِّ أسباب دَرَكِ العلوم؛ وله من الأصولِ والضوابط التي تجمع جزئياته, وتَلُمُّ متفرِّقاته, ما يجدر معه بأهل العلم إبرازها وتحديدها, بعد جمعها ودرسها.
:: يجب إعطاءُ ألفاظ القرآن حقَّها, وتوفيتها ما لَهَا من المعاني, وحُسنُ الاستنباط وصحته سبيلٌ إلى ذلك, قال ابن القيم(ت:751): (الواجب فيما علَّقَ عليه الشارعُ الأحكامَ من الألفاظ والمعاني = أن لا يُتَجَاوَز بألفاظها ومعانيها, ولا يُقْصَر بِها, ويعطي اللفظَ حقَّه والمعنى حقَّه, وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه, وأخبر أنهم أهل العلم)(15), ومن حقِّ اللفظ والمعنى استيعاب المعاني الصحيحة المتعلقة بهما من جهة نِدِّ المعنى ولوازمه وأشباهه ونظائره.
:: للقرآن ظاهرٌ وباطن(16)؛ أمَّا ظاهره فهو: ظاهر المعنى, والمتبادر من اللفظ. وأمَّا باطنه فهو: المعاني الصحيحة المتَّصِلة بالآية من غير دلالة اللفظ المباشرة(17), وهذا مجال الاستنباط في هذا العلم, وقد يرتفع المعنى الباطن البعيد فيكون مراداً مع المعنى الظاهر القريب لاشتراكهما في الصحة والقبول والدلالة - كما سيأتي في مبحث التطبيق بإذن الله -, لكن لا يصل المعنى الباطن بحالٍ إلى أن يكون مراداً دون المعنى الظاهر, وهذا ما يميز هذا التقسيم عن استعمال الباطنية له؛ فإنهم يؤَصِّلون لهذا التقسيم مع رَدِّهم وإلغائهم للظاهر, والإغراق في معاني باطنة باطلة لا يقبلها نقلٌ صحيح ولا عقلٌ صريح, فيؤول تفسيرهم إلى دعاوى ليست من الظاهر, ولا من الباطن الصحيح في شيء.
:: المعاني المأخوذة بالاستنباط - بطبيعتها - أكثر وأغنى من معاني الألفاظ المباشرة, بل إن من أحكام الحوادث ما لا يُعرَفُ بالنصِّ وإنما بالاستنباط, وكم من سِرٍّ وحُكمٍ نَبَّهت عليهما الإشارة, ولم تبينهما العبارة(18), قال السهيلي(ت:581): (ليس كل حكم يؤخذ من اللفظ, بل أكثرها تؤخذ من جهة المعاني والاستنباط من النصوص)(19)؛ إذ الألفاظ محصورة, ومعانيها محددة, والوقائع والمناسبات متجددة, وقد أنْزل الله تعالى كتابه الكريم صالحاً لكُلِّ زمان ومكان, وتبياناً لِكُلِّ شيء يتوقف عليه التكليف والتعبد, وتستقيم به حياة الناس؛ من العلوم الشرعية, والحقائق العقلية(20), وقد أبان عن هذا ابنُ عاشور(ت:1393) في حديثه عن المقصد الأول من مقاصد القرآن الكريم: (كونه شريعة دائمة, وذلك يقتضي فتح أبواب عباراته لمختلف استنباط المستنبطين؛ لتؤخذ منه أحكام الأولين والآخرين)(21).
:: العلمُ المستَنبَطُ على وجهه أقرب إلى علم النبوة وأعلى درجةً من غيره, قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء 83), فَخَصَّ الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم بعلم حقيقة الأمر من الأمن أو الخوف, وما يُنشَر منه وما لا ينشر, كما خَصَّ بعلمِه أهلَ الاستنباطِ من أولي الأمر – وهم العلماء - دون غيرهم من أهل العلم(22), (والله سبحانه ذمَّ من سمع ظاهراً مجرَّداً فأذاعه وأفشاه, وحَمِدَ من استنبط من أولى العلم حقيقته ومعناه)(23).
ولمَّا كانت مراتب العلماء في فهم المراد متفاوتة؛ كان لأهل العلم بالاستنباط اختصاصٌ بجُملَةِ فضائل لا يشركهم فيها غيرهم من العلماء النَّقَلة الحفظة - على فضلهم -(24), ويوضح منازلَ العلماء تلك حديثُ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً: (مثلُ ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم, كمثلِ غيثٍ أصابَ أرضاً فكان منها طائفةٌ طيبةٌ, قبلت الماءَ فأنبتت الكلأَ والعشبَ الكثير, وكان منها طائفةٌ أجادبَ, أمسكت الماءَ فسقى الناسُ وزرعوا, وأصابَ منها طائفةً أخرى إنما هي قيعانٌ؛ لا تُمسِك ماءً, ولا تُنبِتُ كلأً, فذلك مثلُ من فقه في دين الله تعالى, ونفعه ما بعثني الله به؛ فعَلِمَ وعَلَّم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)(25), ففي هذا الحديث إشارةٌ ظاهرةٌ إلى تفاوت العلماء في ما معهم من الهدى والعلم حملاً وفهماً واستنباطاً, قال ابن القيم(ت:751): (قُسِمَ الناسُ إلى ثلاثةِ أقسام بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه, وفهم معانيه, واستنباط أحكامه, واستخراج حِكَمِه وفوائده:
أحدها: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه, وفهموا معانيه, واستنبطوا وجوه الأحكام والحِكَم والفوائد منه, فهؤلاء بمنْزلة الأرض التي قبلت الماء- وهذا بمنْزلة الحفظ-, فأنبتت الكلأ والعشب الكثير- وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط؛ فإنه بمنْزلة إنبات الكلأ والعشب بالماء-, فهذا مثلُ الحفاظ الفقهاء أهل الرواية والدراية.
القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رُزِقُوا حفظه ونقله وضبطه, ولم يرزقوا تفقهاً في معانيه, ولا استنباطاً ولا استخراجاً لوجوه الحِكَم والفوائد منه, فهم بمنْزلة من يقرأ القرآن ويحفظه ويراعي حروفه وإعرابه, ولم يُرْزَق فيه فهماً خاصاً عن الله, كما قال على ابن أبي طالب رضي الله عنه: (إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه)(26), والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم تفاوت, فَرُبَّ شخصٍ يفهم من النص حكماً أو حكمين, ويفهم منه الآخرُ مئةً أو مئتين, فهؤلاء بمنْزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس, فانتفعوا به؛ هذا يشرب منه, وهذا يسقى, وهذا يزرع.
فهؤلاء القسمان هم السعداء, والأوَّلون أرفع درجةً, وأعلى قدراً, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, والله ذو الفضل العظيم)(27).
فعلمُ الاستنباط علمٌ مبارك, يفيضُ على الأمَّة في كل زمان بكلِّ ما تحتاجه من معرفة الحَقِّ المطابق لوقائعها, والمستمَدِّ من خيرِ بيان وأصدق كلام؛ كتاب الله تعالى.
:: الاستنباط قدرٌ زائدٌ على مجرد إدراك المعنى الظاهر؛ ومن ثَمَّ عزَّ وجوده, وصَعُبَ إدراكه, ولا يؤتاهُ كلُّ أحدٍ, بل هو من مواهب الله تعالى التي يُنعِمُ بِها على من شاء من عباده, وقد امتَنَّ الله تعالى به على المؤمنين, وعصمهم به من اتِّباع غير الحق؛ فقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}(النساء 83), والاجتهاد في نيل العلم المُستَنبَط نوعٌ من الجهاد في سبيل الله, قال الزمخشري(ت:538) عند قوله تعالى {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}(غافر 4): (فأما الجدال في آيات الله لإيضاح ملتبسها, وحَلِّ مشكلها, ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها, ورَدِّ أهل الزيغ بها وعنها, فأعظم جهاد في سبيل الله)(28), كما أنه ميدان تنافس العلماء, وميزان تفاضلهم, قال البيضاوي(ت:685) في قوله تعالى: {وأُخَرُ متشابهات}(آل عمران 7): (محتملات لا يتضح مقصودها - لإجمال أو مخالفة الظاهر - إلا بالفحص و النظر؛ ليظهر فيها فضل العلماء, ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها, وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها, فينالوا بها - وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها, والتوفيق بينها وبين المحكمات - معالي الدرجات)(29).
وقد اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في نيل تلك الفضائل والمنازل, وأصاب كلٌّ منهم ما قُسِمَ له؛ فمستَقِلٌّ ومستكثرٌ, وحين تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شيءٌ من كتاب الله خَفِيَّ المعنى عنهم, بل كُلُّ كتاب الله تعالى - ألفاظه ومعانيه - معلوم المعنى عند مجموع الصحابة رضي الله عنهم, ثُمَّ يتفاوت علم أفرادهم به بحسب ما اختصَّ الله تعالى كُلاًّ منهم, ولمَّا قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ سوى القرآن؟ قال: (لا والذي فلَقَ الحبَّةَ وبَرَأَ النَّسمَة, إلا أن يُعطِي اللهُ عز وجل عبداً فهماً في كتابه)(30), ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: (اللهم فَقِّهُ في الدين, وعلِّمهُ التأويل)(31), ولو كان المراد بهذا الدعاء معرفة معاني الألفاظ الظاهرة لَمَا كان لاختصاص ابن عباس بهذه الدعوة مزيَّة؛ فإنه ممَّا يشترك فيه كثيرٌ من الصحابة, وإنما المراد ما ذكره علي رضي الله عنه مِن الفهم في كتاب الله الذي يفتح الله تعالى به على من شاء من عباده, وقد وصف عليٌّ ابنَ عباس رضي الله عنهما بقوله: (كأنما ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ)(32), ولمَّا بلغَه رأيَ ابن عباس في حادثةِ تحريق من غلو فيه قال: (ويح ابن أم الفضل؛ إنه لغوَّاص)(33), وكان عمر يأذن له مع المهاجرين, ويسأله ويقول: (غُصْ غَوَّاص)(34), وأمَّا عمر رضي الله عنه فهو المُحَدَّثُ المُلهَم(35), وحسبه أنه ممَّن عُنِيَ بقوله تعالى {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء 83), حيثُ قال في سبب نزولها: (فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر)(36).
قال ابن تيمية(ت:728) مبيناً تفاوت الصحابة في الفهم والاستنباط: (وهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة, وترجمان القرآن, مقدار ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ نحو العشرين حديثاً الذي يقول فيه: (سمعت, ورأيت), وسمع الكثيرَ من الصحابة, وبورك في فهمه والاستنباط منه, حتى ملأ الدنيا علماً وفقهاً, قال أبو محمد بن حزم : وجُمِعَت فتاويه في سبعة أسفار كبار. وهي بحسب ما بلغ جامعها, وإلا فعلم ابن عباس كالبحر, وفقهه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس, وقد سمع كما سمعوا, وحفظ القرآن كما حفظوا, ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضي, وأقبلها للزرع, فبذر فيها النصوص, فأنبتت من كل زوج كريم, {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الجمعة:4), وأين تقع فتاوي ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوي أبي هريرة وتفسيره, وأبو هريرة أحفظ منه, بل هو حافظ الأمة على الإطلاق؛ يؤدي الحديث كما سمعه, ويدرسه بالليل درساً, فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه, وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه, والاستنباط, وتفجير النصوص, وشقِّ الأنهار منها, واستخراج كنوزها)(37).
ومن ثَمَّ يشتدُّ حبور العالم وسروره حين يظفر بشيء من فرائد المعاني المستنبطة؛ مستشعراً نعمة الله تعالى وفضله عليه, ومن ذلك قول الشافعي(ت:204) رحمه الله: (استنبطتُ البارحةَ آيتين, فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها)(38).
:: موضوع علم الاستنباط:
إن المعاني المباشرة, وموضوعات الألفاظ ليست غَرَضاً للمستَنبِط, وإنما غرضه ما وراء ظاهر معنى اللفظ, ويسميه بعض العلماء: المعنى الباطن(39), وهو موضوع علم الاستنباط, قال الرازي(ت:604): (والتمسك بالنص لا يسمى استنباطاً)(40). ولبيان: ما الذي يُستَنبَط؟ يقول ابن العربي(ت:543): (ومن علم الباطن – أي: المعاني المستنبطة – أن تستدلَّ من مدلول اللفظ على نظير المعنى, وهذا بابٌ جرى في كتب التفسير كثيراً)(41), ويقول ابن القيم(ت:751): (معلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل, ونسبة بعضها إلى بعض, فيعتبرُ ما يصح منها بصحة مثله ومشْبِهِه ونظيره, ويُلغَى ما لا يصح, هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط)(42), وقال: (الاستنباط كالاستخراج, ومعلومٌ أن ذلك قدرٌ زائدٌ على مجرد فهم اللفظ, فإن ذلك ليس طريقهُ الاستنباط؛ إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط, وإنما تنال به العللُ, والمعانيُ, والأشباه والنظائر, ومقاصد المتكلم. يوَضِّحُه أن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستَنْبِطِه .., ومعلوم أن هذا الفهم قدرٌ زائدٌ على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه, فإن هذا قدرٌ مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب, وإنما هذا فهم لوازم المعنى, ونظائره, ومراد المتكلم بكلامه, ومعرفة حدود كلامه بحيث لا يُدخِل فيها غيرَ المراد, ولا يُخرِج منها شيءٌ من المراد)(43), ويقول الشاطبي(ت:790) معلِّلاً لِصِحَّة وجهٍ من المعاني المستنبطة: (ولكن أتى بما هو نِدٌّ في الاعتبار الشرعي الذي شهد له القرآن)(44).
فيتلخَّصُ من مجموع ذلك أن ما يُستَنبَطُ هو:
نِدُّ المعنى الظاهر ونظيره؛ الذي يوافقه في القصد أو يقاربه, ولوازم المعنى, وعلله؛ ليُلحَق به أشباهه ونظائره, وتتبين معه نسبةُ الألفاظ بعضها إلى بعض, ثُمَّ مقاصد المتكلم ومراده, بحيث لا يُزادُ عليها ولا يُنقَصُ منها.
وهذه أمثلة من استنباطات العلماء؛ جليلةُ المعاني, دقيقةُ المآخذ, توضح هذه الأنحاءَ المستنبطةَ بجلاء:
- قال ابن عباس رضي الله عنه: (الرجم في كتاب الله لا يغوص عليه إلا غواص, وهو قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب}(المائدة 15))(45), ومأخذ ابن عباس في ذلك أن أهل الكتاب أخفَوا حكم الرجم في كتابهم, فبيَّنه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم(46), فطابق وصف الآية حالهم ذلك, فكان حكم الرجم مما جاء به كتاب الله تعالى بهذا الاعتبار. وهذا الاستنباط من ابن عباس رضي الله عنه نِدٌّ للمعنى الظاهر للآية, ويوافقه في القصد والعِلَّة. وقد استنبط الزهري(ت:124) نحواً من ذلك فقال: (فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا}(المائدة 44) كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم)(47).
- قال سفيان بن عيينة(48)(ت:198) في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}(الأنعام 38): (ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم؛ فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد, ومنهم من يعدو عدو الذئب, ومنهم من ينبح نباح الكلب, ومنهم من يتطَوَّس كفعل الطاووس, ومنهم من يشبه الخنازير التي لو أُلقِيَ إليها الطعام عافته, فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه؛ فلذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمةً لم يحفظ واحدة منها, وان أخطأ رجلٌ تَرَوَّاهُ وحفظه)(49). وهذا الاستنباط قريبُ المأخذِ من وجه استنباط ابن عباس السابق؛ قال الخطابي(ت:388): (ما أحسن ما تأوَّل سفيان هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة؛ وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمُهُ مطاوعاً لظاهره وجبَ المصيرُ إلى باطنه(50), وقد أخبر الله عن وجود المماثلةِ بين الإنسان وبين كلِّ طائرٍ ودابةٍ, وذلك ممتنع من جهةِ الخِلْقَة والصورَة, وعُدِمَ من جهة النطق والمعرفة, فوجب أن يكون منصرفاً إلى المماثلةِ في الطباع والأخلاق, وإذا كان الأمر كذلك فاعلم أنك إنما تعاشر البهائم والسباع, فليكن حذرك منهم, ومباعدتك إياهم على حسب ذلك)(51).
- قال السُّهَيلي(ت:581) عند قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}(النساء 11): (وانتبه أيها التالي لكتاب الله المأمور بتدبره كيف قال: {يوصيكم الله في أولادكم} بلفظ الأولاد دون لفظ الأبناء, ثم أضاف الأولاد إليهم بقوله: {أولادكم}, ومعلوم أن الولد فلذة الكبد, وذلك موجب للرحمة الشديدة, فمع أنه أضاف الأولاد إليهم جعل الوصية لنفسه دونهم؛ ليدل على أنه أرأف وأرحم بالأولاد من آبائهم, ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول العبد لأخيه: أوصيك في أولادك. لأن أبا الولد أرحم بهم فكيف يوصي غيره بهم؟ وإنما المعروف أن يقول: أوصيك بولدي خيراً. فلما قال الله تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} عُلِمَ أن رب الأولاد أرحم بالأولاد من الوالِدِين لهم حيث أوصى بهم وفيهم, وحسبك بقوله سبحانه: {وهو أرحم الراحمين}(يوسف 64), فالأبوان من الراحمين, فالله تعالى أرحم منهما؛ فلذلك أوصى الآباء بأولادهم)(52), وهذا استنباطٌ حسنٌ أثنى عليه ابن كثير(ت:774) وقال: (وقد استنبط بعض الأذكياء..) ثم ذكره.(53)
- قال القاضي أبو يعلى(ت:458) في قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة 29): (وفي هذا دلالة على أن هؤلاء النصارى الذين يتولون أعمال السلطان, ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين, وأخذ الضرائب = لا ذمة لهم, وأن دماءهم مباحة؛ لأن الله تعالى وصفهم بإعطاء الجزية على وجه الصغار والذل)(54), قال ابن القيم(ت:751): (وهذا الذي استنبطه القاضي من أصح الاستنباط؛ فإن الله سبحانه وتعالى مد القتال إلى غاية وهي إعطاء الجزية مع الصغار, فإذا كانت حالة النصراني وغيره من أهل الجزية منافية للذل والصغار فلا عصمة لدمه, ولا ماله, وليست له ذمة, ومن ها هنا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط التي فيها صغارهم وإذلالهم, وأنهم متى خرجوا عن شيء منها فلا عهد لهم ولا ذمة, وقد حَلَّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل الشقاق والمعاندة)(55).
:: علاقةُ علم الاستنباط بعلم التفسير:
الاستنباط على ما سبق تعريفه من أشد علوم القرآن ارتباطاً بعلم التفسير, ولا يتوصل إليه إلا بعد بناء التفسير وتمامه, وقد قَسَمَ ابنُ القيم(ت:751) التفسيرَ إلى ثلاثةِ أقسام, فقال: (وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول(56):
1- تفسير على اللفظ, وهو الذي ينحُو إليه المتأخرون.
2- وتفسير على المعنى, وهو الذي يذكره السلف.
3- وتفسير على الإشارة والقياس, وهو الذي ينحُو إليه كثير من الصوفية وغيرهم)(57).
والقسم الثالث من هذه الأقسام داخلٌ في علم الاستنباط من معاني الآيات, إذ ليس هو بتفسير على اللفظ ولا على المعنى؛ فإنهما ظاهران مباشران, ويبقى الاجتهاد والتأمُّل في هذا القسم. والاستنباط أعمُّ من القياس, وإنما القياس أحد صوره وأشهرها(58), وعَدُّ هذا القسم من التفسير نوعُ تَوَسُّعٍ سبقت الإشارة إليه(59).
قال ابن تيمية(ت:728) عن هذا الوجه من التفسير: (أما أرباب الإشارات الذين يثبتون ما دلَّ اللفظ عليه, ويجعلون المعنى المُشار إليه مفهوماً من جهة القياس والاعتبار, فحالهم كحال الفقهاء العالمين بالقياس والاعتبار, وهذا حقٌّ إذا كان قياساً صحيحاً لا فاسداً, واعتباراً مستقيماً لا منحرفاً)(60), وقال في طرق دلالة اللفظ على المعنى الصحيح: (القسم الثاني: أن يُجعَل ذلك من باب الاعتبار والقياس, لا من باب دلالة اللفظ, فهذا من نوع القياس, فالذي تسميه الفقهاء قياساً, هو الذي تسميه الصوفية إشارة, وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل, كانقسام القياس إلى ذلك)(61), فالإشارات من باب الاعتبار والقياس, واختصَّ بها في الغالب أرباب السلوك وتزكية النفوس, ومنها صحيحٌ مستقيمٌ, وفاسدٌ منحرفٌ.
:: شروط الاستنباط:
لصِحَّة الاستنباط شروطٌ تعرض لها عددٌ من الأئمة كابن تيمية(ت:728) وابن القيم(ت:751) والشاطبي(ت:790) في مقامات وعبارات متشابهة, وهي تتطابق مع شروط التفسير على الإشارة والقياس التي ذكرها ابن القيم(ت:751) فقال: (وهذا – أي التفسير على الإشارة والقياس - لا بأس به بأربعة شرائط: 1- أن لا يناقض معنى الآية, 2- وأن يكون معنى صحيحاً في نفسه, 3- وأن يكون في اللفظ إشعار به, 4- وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم. فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطاً حسناً)(62), وقال الشاطبي(ت:790): (كون الباطن هو المراد من الخطاب يشترط فيه شرطان, أحدهما: أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب, ويجري على المقاصد العربية. والثاني: أن يكون له شاهدٌ نصَّاً أو ظاهراً في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض)(63), وهذان الشرطان يلتقيان مع الشرط الثاني والثالث عند ابن القيم(ت:751), وهذا بيان جميعها:
أولاً: أن لا يناقض المعنى المُستَنبَط معنى الآية: لأنه تابعٌ لها؛ مبنيٌّ عليها, فإذا عاد على معنى الآية بالنقض لم يعد استنباطاً منها, وانقطعت صلته بها, قال ابن القيم(ت:751): (والمقصود بالأقيسة والاستنباطات فهم المنقول لا تخطئته)(64)؛ لأنها كالشواهد على المعاني, ولا يصح أن يأتي الشاهد بتجريح ولا تكذيب.(65)
ثانياً: وأن يكون معنىً صحيحاً في نفسه: وهذا شرطٌ لقبوله, وما ليس كذلك لا يَصِحُّ منفرداً بنفسه, فضلاً عن أن يُزعَم ارتباطه بآيٍ من كتاب الله تعالى, قال القرطبي(ت:671): (من قال في القرآن بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول فهو مخطئ, ومن استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفق على معناها فهو ممدوح)(66).
وصدقُ القضية, ومطابقة المعنى للواقع, وعدم تناقضه واستحالته, وعدم مخالفته لنصوص الشرع وقواعده = من شروط صحة التفسير به مباشرةً أو استنباطاً, ولهذا الشرط أمثلةٌ كثيرة في تفاسير السلف.(67)
ويتبع هذا الشرط: العناية بتحرير معنى الاستنباط وإيضاحه, ورَدِّ الشُّبَه والإيرادات الواردة عليه, واستفراغ الوُسعِ في الاستدلال عليه وتأصيله.(68)
ثالثاً: وأن يكون في اللفظ إشعارٌ به: فيدخل في تنبيهه وإشارته ومعاني معانيه, ويتبع هذا موافقة المعنى المستنبَط للعربية, وعدمُ خروجه عن لسان العرب وسَنَنِها في كلامها, قال الشاطبي(ت:790): (الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص فلا بد من اشتراط العلم بالعربية)(69), وقال: (كلُّ معنىً مستنبط من القرآن غيرِ جارٍ على اللسان العربي = فليس من علوم القرآن في شيء؛ لا مِمَّا يُستَفاد منه, ولا مِمَّا يُستَفاد به, ومن ادَّعى فيه ذلك فهو في دعواه مبطل)(70)؛ وذلك الاشتراط ليتمكن المفسر من علم وجه دلالة اللفظ وإشارته على المعنى المستنبَط منه؛ إذ اللفظ كالمدخل لهذه المعاني التابعة.
رابعاً: وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم: وهي العلاقة بينهما؛ ليَصِحَّ كونه مستنبطاً منها, وإلا بَقِيَ الاستنباطُ بمعزلٍ عن معنى الآية, ولا علاقة تربطه بها. وهذه العلاقة بين المعنيين هي نسبة المعنى إلى المعنى التي سبق ذكرها في موضوع علم الاستنباط.
ويُضاف إلى تلك الشروط:
خامساً: أن يكون المعنى المستنبَطُ مفيداً, إذ ينبغي صيانةُ كلام الله تعالى عمَّا لا فائدةَ فيه من المعاني تفسيراً أو استنباطاً(71), وما لا فائدة فيه من المعاني يشملُ كُلَّ معنىً أبطل معنى الآية الظاهر, أو نزل ببيان القرآن العالي, أو حَطَّ من إجلاله وتعظيمه الواجب, أو ارتبط بعلوم فاسدة, أو لا فائدة فيها شرعية أو دنيوية(72), قال الرازي(ت:606) في تعليله لأحد المعاني: (ومعلومٌ أن حمل الآية على محملٍ تبقى الآية معه مفيدة, أولى من حملها على محملٍ تبقى الآية معه مجملة)(73), وهذا مُطَّردٌ في عامَّة المعاني المباشرة والمُستَنبَطة.
سادساً: ألاَّ يكون المعنى المستنبَطُ مُتَكَلَّفاً, وهذا شرطُ كمالٍ يصون هذا العلم عن الابتذال(74)؛ إذ المعاني المستنبطة لا تُحَدُّ, ومراتبها في القرب والبعد والظهور والخفاء متفاوتة, فلزمَ ضبط كُلِّ ذلك بصيانة المعنى من التكلف, قال ابن تيمية(ت:728): (إن اللسان له موقع من الدين, والعبارة المَرضِيَّة مندوبٌ إليها, كما أن التعَمُّقَ منهيٌّ عنه)(75), ويعيبُ ابنُ العربي(ت:543) على بعض من وقع في ذلك بقوله: (ومن أحسن ما أُلِّفَ فيه– أي: كتب التفسير القائمة على الاستنباطات– كتاب: «اللطائف والإشارات» للقشيري رضي الله عنه, وإنَّ فيه لَتَكَلُّفاً أوقعه فيه ما سلكه من مقاصد الصوفية) (76).
سابعاً: ألاَّ يَعُدَّ استنباطه من الآية تفسيراً لها بإطلاق, بل يتعيَّن عليه اعتقاده من المعاني التابعة للمعنى الأصلي الظاهر للآية الذي هو تفسيرها, كما يتعيَّن عليه تقييد وصفه لتلك الاستنباطات بالتفسير؛ فيسميها: بالتفسير الإشاري, أو نكت القرآن, أو غيرها ممَّا ميَّز به العلماء هذه الاستنباطات عن غيرها من مؤلفات التفسير الاصطلاحي؛ وذلك لصيانة معاني كتاب الله من التحريف؛ حين يعتقد القارئ مطابقة الاستنباط للفظ الآية.
وهذا ما عبَّر عنه الشاطبي(ت:790) بقوله عن إشارة تفسيرية لأحد المفسرين؛ مُشكِلَةٍ في الظاهر, بعيدةٍ عن السياق: (ولكن له وجهٌ جارٍ على الصِّحَّةِ، وذلك أنه لم يقل إن هذا هو تفسير الآية)(77), ولَمَّا فاتَ أبا عبد الرحمن السلمي(78)(ت:412) الإشارةَ صراحةً إلى هذا الشرط في تفسيره «حقائق التفسير» شَنَّع عليه جماعةٌ من العلماء, حتى قال بعضهم: (إن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر)(79), قال ابن الصلاح(ت:643): (وأنا أقول: الظنُّ بمن يوثق به منهم أنه إذا قال شيئاً من أمثال ذلك أنه لم يذكره تفسيراً, ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم؛ فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية, وإنما ذلك منهم لنظير ما ورد به القرآن؛ فإن النظير يُذكَر بالنظير)(80).
ثامناً: ألاَّ يَقصُرَ معنى الآية عليه؛ لأنه تابع ومترتب على المعنى الأصلي للآية كما سيأتي.
فبهذه الشروط يكمل الاستنباط ويحسن, وباختلالها يؤول الحال إلى ما ذكره ابن القيم(ت:751) عن استنباطٍ لبعض الصوفية اختلت فيه بعض هذه الشروط: (والاستشهاد بهذا من جنس الألغاز)(81), وهكذا هو الاستنباط حين تتخلف فيه هذه الشروط أو بعضها, ينقلب من حق وعلم إلى باطل وجهل؛ لا تصح نسبته إلى كتاب الله تعالى بوجه من الوجوه.
:: بيان معنى اللفظ سابق للاستنباط منه, ولا يصح استنباطٌ إلا على معنىً صحيحٍ ثابتٍ لِلَّفظ, فاللفظ بمنْزلة الأساس, والاستنباط بمنْزلة البنيان, و(لا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر, ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يُحكِم التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب)(82), قال القرطبي(ت:671): (والنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولاً؛ ليتَّقي به مواضع الغلط, ثم بعد ذلك يتَّسعُ الفهم والاستنباط, ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر)(83).
:: تتفاوت المعاني المستنبطة في القرب والبعد من معنى الآية, كما تتفاوت في الظهور والخفاء, وكُلُّ ذلك بحسب المعنى المستنبط, ووجه اتصاله بالمعنى الظاهر, وباستعراض أيٍّ من الكتب المفردة في الاستنباطات القرآنية يتضح ذلك بلا خفاء؛ فبينما ترى استنباطاً على التمام, إذ يتلوه آخرُ موغلاً في الإبهام, ثم يمر بك استنباطٌ في القرب والظهور كأنه المعنى المباشر للَّفظ, ويتبعه آخر في البعد والخفاء بما لا يكاد يسفر لك عن وجه اتصاله بالآية.
وهذا التفاوت في المعاني المستنبطة يستلزم التنبيه على أنه لا يمكن عَدُّ الاستنباط معنىً للآية على الاستقلال مهما اشتد قربه وظهوره من المعنى المباشر؛ لأنه تابعٌ للمعنى الأصلي ومترتب عليه كما سبق بيانه, والتفسير شرطٌ في وجوده ولا عكس.
:: يُعَبَّرُ عن المعاني المستنبطة في كلام العلماء بألفاظ عديدة, من نحو: باطن الآية, ما وراء اللفظ, إشارات الآيات, لطائفُ ومُلح ونُكَتُ الآيات, حقائق المعاني, معاني المعاني, روح المعاني, رموز المعاني, مستَتْبَعات التراكيب, دقائق التفسير, أسرار التأويل, تأملات قرآنية, ظِلالُ الآيات, هداية الآيات, فوائد الآيات .. وغيرها, وبعضها أعمُّ من بعض في الاستعمال.
:: المنهج المُتَّبع لبلوغ درجة الاستنباط المحمودة شرعاً:
إن هذا العلم عزيز, وليس في مقدور عامَّة الناس ولا أكثر علمائهم الخوض فيه, وإنما هو شأن القلَّة التي تمكنت منه بعد جَهدٍ واجتهاد وفتحٍ وتوفيق من الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء 83), قال شمس الدين الأصفهاني(ت:749): (كُلُّ من كان حَظُّه في العلوم أوفر, كان نصيبه من علم القرآن أكثر)(84), وقال ابن القيم(ت:751) في معنى {يَسْتَنبِطُونَهُ}: (أي يستخرجون حقيقته وتدبيره بفطنتهم, وذكائهم, وإيمانهم, ومعرفتهم بمواطن الأمن والخوف)(85), وقال: (ولو رُزِقَ العبدُ تضَلُّعاً من كتاب الله وسنة رسوله, وفهماً تامَّاً في النصوص ولوازمها, لاستغنى بذلك عن كلِّ كلامٍ سواه, ولاستنبط جميع العلوم الصحيحة منه)(86).
ومن رامَ بلوغ شيءٍ من مدارج هذا العلم فلْيُحكِم أولاً الطريق إليه, وهو: العلم بحدود ألفاظ الآيات, وفهم وجوه معانيها, وتصرُّفاتِ أساليبها, ثُمَّ يستظهر بعد ذلك - بآلةٍ راسخة في علوم اللسان والبيان, وأصول الشرع ومقاصده, وبتحقُّقٍ تامٍّ فيما هو بصدد استنباط مسائِله من العلوم – ما تقع عليه بصيرته من دقائق المعاني, ومحاسن الإشارات؛ الأقرب منها فالأقرب إلى معنى الآية, ثمَّ الأقوى منها فالأقوى في الدلالة على مقصده ومُراده, قال ابن جرير(ت:310): (أولى العبارات أن يُعَبَّر بها عن معاني القرآن أقربها إلى فهم سامعيه)(87), وقال الراغب الأصفهاني(ت:بعد500): (إن المائل إلى دقيق المحاجَّة هو العاجز عن إقامة الحُجَّة بالجَليِّ من الكلام؛ فإنَّ من استطاع أن يُفهِمَ بالأوضح الذي يفهمه الكثيرون, لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون, وقد أخرج الله تعالى مخاطباته في أجلى صورة تشتمل على أدقِّ دقيق؛ لتفهم العامَّة من جَلِيِّها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة, ويفهم الخواص من أسرارها ودقائقها)(88), وقال ابن القيم(ت:751): (وإذا دعاك اللفظ إلى المعنى من مكان قريب, فلا تُجِب من دعاك إليه من مكان بعيد)(89).
وإنَّ بذلَ غاية الوُسعِ والاجتهاد في تفحُّصِ معاني الآيات, وتقليب وجوهها, والغوص في مدلولات ألفاظها ومقاصدها وعللها = لهو أعظم شرطٍ لنيلِ المرادِ في هذا البابِ, ولتحقيق ذلك عانى العلماء ما عانوه, ولحِقَهم فيه من المشقَّة والجَهدِ ما لَحِقَهم, وهذه صورة من ذلك يرويها محمد بن سعيد الفاريابي, عن الإمام المُزَنيُّ(ت:264) أو الرَّبيع(ت:270) قال: (كنَّا يوماً عند الشافعي بين الظهر والعصر عند الصحن في الصُّفَّة, والشافعي قد استند – إما قال: إلى اصطوانة, وإما قال إلى غيرها -, إذ جاء شيخ عليه جبة صوف, وعمامة صوف, وإزار صوف, وفي يده عُكَّاز, قال: فقام الشافعي, وسوى عليه ثيابه, واستوى جالساً, قال: وسَلَّمَ الشيخُ وجلس, وأخذ الشافعيُ ينظر إلى الشيخ هيبةً له, إذ قال له الشيخ: أسأل؟ فقال: سل. قال: أيشٍ الحُجَّةُ في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله. قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: من أين قلت: اتفاق الأمة من كتاب الله؟ قال: فتدبر الشافعي ساعةً, فقال للشافعي: يا شيخ, قد أَجَّلْتُك ثلاثةَ أيام ولياليها, فإن جئت بالحُجَّةِ من كتاب الله في الاتفاق وإلا تُبْ إلى الله عز وجل. قال: فتغَيَّرَ لون الشافعي, ثم إنه ذهب فلم يخرج ثلاثةَ أيامٍ ولياليهن, قال: فخرج إلينا اليوم الثالث في ذلك الوقت - يعني بين الظهر والعصر -, وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه, وهو مِسْقَام, فجلس, قال: فلم يكن بأسرعَ أن جاء الشيخُ فسلم وجلس, فقال: حاجتي. فقال الشافعي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم, قال الله عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}(النساء 115), لا يُصلِيه على خلافِ المؤمنين إلا وهو فرضٌ. قال: فقال: صدقت. وقام وذهب. قال الفاريابي: قال المزنيُّ أو الربيعُ: قال الشافعي: لما ذهب الرجلُ قرأتُ القرآنَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ ثلاثَ مراتٍ حتى وقفتُ عليه)(90). وقد كان هذا الاجتهاد دأبُ الشافعي رحمه الله, ومنه قوله: (لَمَّا أردتُ إملاءَ تصنيف أحكام القرآن قرأتُ القرآنَ مائةَ مَرَّة)(91).
وبالتأمُّل في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه السابق: (مثلُ ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثلِ غيثٍ أصابَ أرضاً فكان منها طائفةٌ طيبةٌ, قبلت الماءَ فأنبتت الكلأَ والعشبَ الكثير)(92), ترى جملةً ظاهرةً من أوصاف أهل العلم بالاستنباط احتواها هذا المثل النبوي الجليل, وبيانها: أن قلوبَ هؤلاء العلماء أرضٌ طيبةٌ, قبلت الوحي, واستقر في أعماقها, ثمَّ أنبت الوحي في جوارحهم العمل الصالح الكثير؛ الذي يتعدَّى نفعه أنفسَهم إلى غيرهم. فهم أهل إيمانٍ راسخ, وعملٍ بالعلم ملازم, ونفعٍ للناس دائم.
وهذا يؤكد أنَّ لطهارة الباطن, وزكاء النفس, وعمارة القلب بالتقوى أثرٌ ظاهرٌ في باب الاستنباط, ولهذا المعنى نصيبٌ من قول الله تعالى {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(البقرة 282)؛ ووجه ذلك أن انشغال القلب بمعاني العبودية والتقوى يُقَرِّبه من إشاراتها ودلالاتها في الآيات؛ ذلك أنَّ من اهتَمَّ بشيءٍ غلبَ على تفكيره, وتراءى له في كُلِّ ما يقصده, وقد دَلَّ قوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا}(يـس 69- 70) على أنَّ فهم المراد من القرآن والانتفاع به إنما يحصل لمن هو حيُّ القلب. كما أن هذه الاستنباطات من نِعَمِ الله تعالى على العبد, ولا تُنَال نِعمةُ الله تعالى بغير طاعته وتقواه, وقد أشارت النصوص الشرعية إلى أن أهل هذه الصفات – من الطاعة والتقوى وحياة القلب - أولى بإصابة الحق من غيرهم؛ إذ معهم من أسباب الهداية والإصابة ما يدنيهم من الحقِّ ويُجَلِّيه لهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور, والصدقة برهان, والصبر ضياء)(93), قال ابن تيمية(ت:728): (ومن كان معه نورٌ وبرهانٌ وضياءٌ كيف لا يعرف حقائق الأشياء من فحوى كلام أصحابها؟!, وفي الحديث الصحيح: (لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها)(94), ومن كان توفيق الله له كذلك فكيف لا يكون ذا بصيرةٍ نافذةٍ, ونَفْسٍ فَعَّالَة, وإذا كان القلب معموراً بالتقوى انجلت له الأمور وانكشفت, بخلاف القلب الخراب المُظلم, وكُلَّما قويَ الإيمانُ في القلب قويَ انكشافُ الأمور له, وعرف حقائقها من بواطلها)(95).
وممَّا يُعين المفسِّر على حسن الاستنباط: تفريغ القلب من الشواغل, وجمعه على ما هو بصدده من تأمُّل دقائق المعاني ولطائفها, قال الرازي(ت:606) مبيناً أثر انشغال القلب على الاستنباط: (فهذا جملة الكلام في المسائل الفقهية المستنبطة من هذه الآية, وهي مئةُ مسألة, وقد كتبناها في موضع ما كان معنا شيء من الكتب الفقهية المعتبرة, وكان القلب مشوَّشاً بسبب استيلاء الكفار على بلاد المسلمين, فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرَّهم, وأن يجعل كَدَّنا في استنباط أحكام الله من نَصِّ الله سبباً لرجحان الحسنات على السيئات, إنه أعزُّ مأمول, وأكرم مسؤول)(96).
ولاعتياد الاستنباط والدربة عليه أثرٌ ظاهرٌ في التمكُّن منه وإتقانه, شأنه في هذا شأن سائر العلوم التي لا يتحقق العالم وترسخ فيها قدمه إلا بمعاناتها وإدمان النظر فيها, ومن أحسن الشواهد على هذا في علم الاستنباط حال الإمام الرازي(ت:606) رحمه الله؛ الذي قصد إلى تحقيق استنباط عشرة آلاف مسألة من سورة الفاتحة, فشرع في تفسيره الجليل: التفسير الكبير, ومَلَأَهُ بعجائب العلوم والاستنباطات(97). فيقول شاهداً على أثر معاناة الاستنباط واعتياده, بعد ذكره لطائفة من دقائق المسائل والاستنباطات في قوله تعالى {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء 59): (فهذه المسائل الأصولية استنبطناها من هذه الآية في أقلِّ من ساعتين, ولعل الإنسان إذا استعمل الفكر على الاستقصاء أمكنه استنباط أكثر مسائل أصول الفقه من هذه الآية)(98).
وقد ذكر بعضُ العلماء لزوم المسارعة إلى تقييد ما يسنح بالخاطر من هذه الإشارات واللطائف والمستنبطات؛ فإنها عزيزة الورود, سريعة الزوال, نادرة الرجوع, وفي شرح حديث علي رضي الله عنه: (ما عندنا إلا ما في القرآن, أو فهماً يعطيه الله رجلاً في كتابه, أو ما في هذه الصحيفة)(99), قال ابن حجر(ت:852): (ومراد علي أن الذي عندَه زائداً على القرآن مِمَّا كَتَبَ عنه: الصحيفة المذكورة, وما استنبط من القرآن. كأنه كان يكتب ما يقع له من ذلك لئلا ينساه, بخلاف ما حفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام فإنه يتعاهدها بالفعل والإفتاء بها فلم يخش عليها من النسيان)(100), ولمَّا كانت هذه الاستنباطات من نعم الله على العبد وفضله عليه وجب عليه إكرامها وشكرها؛ ومن ذلك تقييدها وحفظها, وقد تمثل ذلك الإمام الرازي(ت:606) رحمه الله فقال عن إحدى لطائف استنباطاته: (ثم إن ههنا لطيفةٌ فقهية لاحت لهذا الضعيف حالَ تفكُّره في تفسير هذه الآية, فأراد تقييدها هنا؛ فإنها من فضل الله, فيجب عليَّ إكرامها بالتقييد بالكتاب)(101).
:: الاستنباط في كتب التفسير:
لا يكاد يخلو كتابٌ من كتب التفسير الموَسَّعة والمتوسطة من استنباط من الآيات, بل أفردَ بعضهم علم الاستنباط في مصنفات مستقلة عن التفسير, وهذه أمثلةٌ من أشهر هذه المصنفات في خصوص هذا العلم:
- تفسير التستري(ت:283), و(لطائف الإشارات), لأبي القاسم القشيري(ت:465), و(حقائق التفسير), لأبي عبد الرحمن السلمي(ت:412), وموضوعها الإشارات الصوفية, واستنباطات المعاني الإيمانية.(102)
- (نكت القرآن الدالَّة على البيان في أنواع العلوم والأحكام), للقصاب الكرجي(103)(ت:360), وموضوعه استنباطاتٌ في عامة العلوم الشرعية, ويغلب عليها الاستنباطات الفقهية, والعقدية.(104)
- (حُجَجُ القرآن), لأبي الفضائل أحمد بن محمد بن مظفر الرازي(ت:631), استنبط فيه الحُجج الاعتقادية لعامة الفرق الإسلامية من جميع القرآن الكريم.(105)
- (الإكليل في استنباط التنْزيل), للسيوطي(ت:911), وموضوعه استنباطاتٌ فقهية, وأصولية, واعتقادية, وبعضاً ممَّا سوى ذلك, وقرن فيه الاستنباط بتفسير الآية حيث توقف فهم الاستنباط عليها.(106)
ويكاد يكون الاستنباط من الآيات غرض الرازي(ت:602) في تفسيره (التفسير الكبير)(107), فيكون من هذا القبيل من الكتب, لولا ما فيه من التفسير, وقد قيل عنه: (فيه كُلُّ شيء إلا التفسير)(107), ومثله في اعتماد الاستنباط وقصده بجلاء: ابنُ العربي(ت:543) في: (أنوار الفجر في مجالس الذكر)(108), والكرماني(ت:بعد500) في: (غرائب التفسير وعجائب التأويل)(109), والطوفي(ت:716) في: (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية)(110), على تنوعٍ في الموضوعات المستنبطة؛ ما بين عقيدة, وفقه, ولغة, وأصول, وتزكية, وآداب, وغيرها.
:: علاقة علم الاستنباط بعلوم القرآن:
أثَّرَ علمُ الاستنباط في طائفةٍ من علوم القرآن؛ بعضها قائمٌ بأصله عليه, وبعضها آخِذٌ منه بقليلٍ أو كثير, ومن هذه العلوم:
1- أمثالُ القرآن: وهي أفسحُ مجال تتزاحم فيه الاستنباطات والاجتهادات, كما أنها أشبه العلوم بعلم الاستنباط, قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}(العنكبوت 43)؛ (إذ ليس كُلُّ أحدٍ يدرك حقيقة الأمثال, ولا يُصغِي إليها كُلُّ نفور القلب نَكُودِ الحال, والذي تضمَّنَت من الحكمة كثير)(111), ومن حِكَمِ ضرب الأمثال: (أنَّ الله أراد أن يَعَلِّم الخلق كيف يتجاوزون في العِبْرَة من المُشَاهَدَةِ إلى الغيب)(112), وهذا من غايات الاستنباط كما لا يخفى.
2- المناسبات بين السور والآيات: وهو علمٌ استنباطي اجتهادي, تتفاوت فيه مدارك العلماء وأنظارهم دِقَّةً وخفاءً, ووضوحاً وجلاءً, وتكاد تتطابق شروطه مع شروط الاستنباط المذكورة سلفاً, قال السيوطي(ت:911) بعد أن عدَّد وجوهاً من المناسبات: (وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة إلى أسرار القرآن كنقطة من بحر)(113).
3- المتشابه المعنوي في الآيات: وهو مرتبطٌ بالاستنباط من جهة أن غالب وجوه التوفيق بين المعاني المتشابهات ورَدّ دعاوى التخالف عنها = راجعةٌ إلى استنباط المجتهد لتلك الوجوه, وإبداء خفيَّات المعاني التي يأتلف بها ظاهر الكلام في تلك المواطن(114). وفي قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(النساء 82) إشارةٌ ظاهرةٌ إلى سبيل إزالة الاختلاف الموهوم في القرآن, وهو: تدبر القرآن, فإذا حصل التدبر لم يجد الناظر في القرآن اختلاف ألبَتَّة. وهذا التدبر هو باب الاستنباط الأعظم الذي لا بد منه لكل مستنبط.
* * * *
المبحث الثاني:
نموذج تطبيقي من استنباطات الصحابة رضي الله عنهم
* هذه دراسةٌ تطبيقيةٌ على أشهر أمثلة الاستنباط والتفسير على الإشارة في عهد الصحابة رضي الله عنهم(115):
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر, فكأن بعضهم وجدَ في نفسه, فقال(116): لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ حيثُ علمتم. فدعاه ذات يومٍ, فأدخله معهم, فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليُرِيهم, قال: ما تقولون في قول الله تعالى {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1]؟ فقال بعضهم: أُمِرنَا نحمدُ اللهَ ونستغفِرُه إذا نَصَرَنَا وفَتَحَ علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً, فقال لي: أكذاك تقول يا ابنَ عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَه له؛ قال: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1], وذلك علامةُ أَجَلِك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر 3]. فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول)(117).
* دراسةٌ وتحليل:
لَمَّا سأل عمرُ رضي الله عنه الصحابةَ عن معنى قوله تعالى {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر1] سكت بعضهم, وفَسَّر بعضهم الآية بقوله: (أُمِرنَا نحمدُ اللهَ ونستغفِرُه إذا نَصَرَنَا وفَتَحَ علينا), وهذا المعنى مأخوذ من ظاهر الآية, وهو المتبادر منها, قال ابن تيمية(ت:728): (وقد كان عمر يسألُ ويسألُ عن معاني الآيات الدقيقة, وقد سألَ أصحابه عن قوله {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1], فذكروا ظاهر لفظها)(118), وقال الشاطبي(ت:790): (فظاهر هذه السورة أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسبِّح بحمد ربِّه ويستغفره إذ نَصَره الله وفتح عليه)(119).
ثمَّ لَمَّا توجَّه السؤال لابن عباس رضي الله عنه قال بأنَّه: (أجَلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَه له), وهذا خلوصٌ من الظاهر إلى لازم المعنى؛ وذلك أن الله تعالى عَلَّقَ الاستغفار بنعمةٍ يُحدِثها سبحانه وهي: الفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم, ودخول الناس في دينه. وهذا ليس بسببٍ للاستغفار, فَعُلِمَ أن سببَ الاستغفار غيرُه, (وهو حضور الأجل؛ الذي من تمام نعمة الله على عبده توفيقه للتوبة النصوح والاستغفار بين يديه؛ ليلقى ربه طاهراً مُطَهَّراً من كل ذنب, فيقدم عليه مسروراً راضياً مرضياً عنه)(120).
كما أنه قد استقرّ في الشرع وموارد النصوص تشريعُ الاستغفار والتوبة عند تمام الأعمال ونهايتها(121), قال ابن تيمية(ت:728) عن قول ابن عباس في الآية: (وهذا باطن الآية الموافق لظاهرها, فإنه لمَّا أمر بالاستغفار عند ظهور الدين, والاستغفار يؤمر به عند ختام الأعمال, وبظهور الدين حصل مقصود الرسالة؛ علموا أنه إعلام بقرب الأجل مع أمور أُخَر, وفوق كل ذي علم عليم)(122), وقال ابن القيم(ت:751): (يدل عليه أيضاً أنه سبحانه شرع التوبة والاستغفار في خواتيم الأعمال, فشرعها في خاتمة الحج وقيام الليل, وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ من الصلاة استغفر ثلاثاً, وشرع للمُتَوَضِّئ بعد كمال وضوءه أن يقول: (اللهم اجعلني من التَّوَّابين, واجعلني من المتطهِّرين)(123), فعُلِمَ أن التوبة مشروعة عقيب الأعمال الصالحة, فأمر رسوله بالاستغفار عقيب توفيته ما عليه من تبليغ الرسالة والجهاد في سبيله حين دخل الناس في دين الله أفواجاً, فكأنَّ التبليغ عبادة قد أكملها وأدَّاها, فشُرِعَ له الاستغفار عقيبها)(124), وقال أيضاً: (ويدل عليه أيضاً قوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}[النصر 3] وهو صلى الله عليه وسلم كان يُسَبِّح بحمده دائماً, فعُلِمَ أنَّ المأمور به من ذلك التسبيح بعد الفتح ودخول الناس في هذا الدين أمرٌ أكبَر من ذلك المُتَقَدِّم, وذلك مُقَدِّمةٌ بين يدي انتقاله إلى الرفيق الأعلى, وأنه قد بقيت عليه من عبودية التسبيح والاستغفار التي تُرَقِّيه إلى ذلك المقام بقيَّةٌ, فأُمِرَ بتَوْفِيَتِها)(125).
وممَّا أكَّدَ المعنى عند ابن عباس رضي الله عنه اجتهادُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة كأشَدِّ ما يكون اجتهاداً في أمرِ الآخرة(126), وكذلك كونها آخر سورة نزلت جميعاً من القرآن(127).
* حاصلُ الرواية ونتيجتها:
ما فهمه الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنه من الآية هو ظاهرها, وهو المعنى المطابق للفظ الآية, وهو معنى مليحٌ صحيح, سواء أُريد به الحمد والاستغفار باللسان, أو بالصلاة والدعاء, قال ابن كثير(ت:774): (فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين, من أنه: قد أُمِرنا إذا فتح الله علينا المدائنَ والحصونَ أن نحمد اللهَ ونشكرَه ونسبحَه؛ يعني: نصلي له ونستغفره؛ معنى مليحٌ صحيحٌ, وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقتَ الضُّحى ثماني ركعات, فقال قائلون: هي صلاة الضحى, وأُجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها, فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافراً لم ينو الإقامة بمكة؟ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريباً من تسع عشرة يوماً يقصر الصلاة, ويفطر هو وجميع الجيش, وكانوا نحواً من عشرة آلاف. قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح, قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلداً أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات, وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يوم فتح المدائن)(128).
وأمَّا تفسير ابن عباس رضي الله عنه فهو استنباطٌ جليل, من أدقِّ الفهم وألطفه, مُنتَزَعٌ من لفظ الآية, ومُتَبَصِّرٌ بلوازمها ومقاصدها, ولا يُدركه كلُّ أحد, قال ابن حجر(ت:852): (وفيه جواز تأويل القرآن بما يُفهَم من الإشارات, وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمُهُ في العلم؛ ولهذا قال علي رضي الله عنه: (أو فَهماً يؤتيه الله رجلاً في القرآن))(129), ولذا وافقه عليه عمر رضي الله عنه, وهو ما تأوَّلَه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بفعله؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزلت عليه {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1] إلا يقول فيها: (سبحانك ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي), يتأَوَّلُ القرآن)(130). كما تأوَّلها عدد من الصحابة بأنه حضور أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم(131), قال ابن عطية(ت:546): (وهذا المنْزع الذي ذكره ابن عباس, ذكره ابن مسعود وأصحابه, ومجاهد وقتادة والضحاك, وروت معناه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.., وقال لها مَرَّة: (ما أراه إلا حضور أجلي)(132), وتأوَّلَه عمر والعباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصَدَّقَهما)(133).
وعليه جمهور المفسرين(134), كمقاتل(ت:150), وابن جرير(ت:310), والواحدي(ت:468), وابن عطية(ت:546), والرازي(ت:604), وابن تيمية(ت:728), وابن القيم(ت:751), والشاطبي(ت:790).(135)
* من مسائل هذا الأثر في التفسير:
أولاً: اشتمل تفسير الصحابة رضي الله عنهم لهذه الآية على معنيين:
- أحدهما: ظاهرٌ قريبٌ صحيح, وهو المعنى الذي ذكره من حضر من أشياخ بدرٍ من الصحابة رضي الله عنهم.
- والآخرُ باطِنٌ بعيدٌ أصحّ, وهو المعنى الذي ذكره ابن عباس ووافقه عليه عمر رضي الله عنه, وتأوَّله طائفة من الصحابة.
وقد يترجَّح المعنى الباطن البعيد, على المعنى الظاهر القريب, مع اشتراكهما في الصحة والقبول؛ لتفاوتهما في الدلالة على المراد, وكم من إشارةٍ أَغنَتْ عن عبارة.(136)
ثانياً: استكمل استنباطُ ابن عباس رضي الله عنه من هذه الآية شروطَ الاستنباطِ الصحيح, فجاء صحيحاً في نفسه, موافقاً لمقاصد القرآن, مرتبطاً بمعنى الآية غيرَ مناقض لها, مفيداً غير متكَلَّف, ولم يقصر معنى الآية عليه. فكان تفسيره بذلك خيرَ مثالٍ على استيفاء المعنى, وحُسن الاستنباط.
ثالثاً: أن ابن عباس رضي الله عنه لم يتجاوز ظاهر اللفظ إلى ما يستنبط منه إلا بعد معرفة المعنى الظاهر واستقراره, وظهوره في تفسير الصحابة رضي الله عنهم, وقوله: (لا) في جوابه على سؤال عمر: (أكذاك تقول يا ابن عباس؟) ليس نفياً لتفسير الصحابة بالظاهر, وإنما نفياً لاقتصاره عليه دون مراده وما يستنبط منه, وهو تفسيره بدُنُوِّ أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: أنه قد يقوى المعنى الخَفيّ في الآية عند المفَسِّر حتى يغيب معه المعنى الظاهر منها أو يكاد, ففي قول عمر لابن عباس رضي الله عنهما: (ما أعلم منها إلا ما تقول) نفيٌ لما فهمه جلساؤه من الآية وهو ظاهرها, وهذا مُشكِل؛ فإن ما ذكره الصحابة رضي الله عنهم معنى صحيح لا شك فيه, والأخذ بالظاهر أصلٌ جرى عليه التفسير النبوي وتفسير الصحابة رضي الله عنهم - ومنهم عمر وابن عباس - في غيرما موضع. ويُجَاب عنه بأنه ليس في قول عمر رضي الله عنه هنا إبطال لما فهمه الصحابة, أو عدم اعتبار للظاهر, وإنما ذلك منه مبالغة في تصحيح قول ابن عباس, وتأكيد له في مقابل قول جميع من حضر من الصحابة, وفيهم كبارهم من أشياخ بدر, ويشهد له سياق القصة؛ فإن عمر رضي الله عنه قصدَ من ذلك إظهار فضل ابن عباس وعقله وعلمه لَمَّا قالوا له: (لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ حيثُ علمتم), فكان أن وافقه أشد الموافقة بتلك الصيغة, وقد تكررت هذه العبارة من عمر لابن عباس رضي الله عنهما في غير هذا المقام, على نحو هذا المعنى, قال ابن عباس رضي الله عنه: (كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوني مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا. قال: فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر, قال: أرأيتم قول رسول الله: (التمسوها في العشر الأواخر), أيُّ ليلةٍ ترونَها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى. وقال بعضهم: ليلة ثلاث. وقال آخر: خمس. وأنا ساكت, فقال: ما لك لا تتكلم؟! فقلت: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت. قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم. قال: فقلت: أُحدِّثُكُم برأيي. قال: عن ذلك نسألك. قال: فقلت: السبع؛ رأيت اللهَ ذكر سبع سماوات, ومن الأرضين سبعاً, وخلق الإنسان من سبع, وبرز نبت الأرض من سبع. قال: فقال: هذا أخبرتني ما أعلم, أرأيت ما لا أعلم؟ ما قولك: نبت الأرض من سبع؟ قال: فقلت: إن الله يقول: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا}[عبس 26], إلى قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[عبس 31], والأبُّ: نبت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس. قال: فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه بعد؟! إني والله ما أرى القول إلا كما قُلتَ, وقال: قد كنت أمرتك أن لا تتكلم حتى يتكلموا, وإني آمرك أن تتكلم معهم)(137).
خامساً: ما فهمه عمر رضي الله عنه من هذه الآية استنباطاً, يُطابِقُ ما فهمه من قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}(المائدة 3)؛ فإنه لَمَّا نزلت هذه الآيةُ فرح الصحابةُ رضي الله عنهم بهذا التمام, وبكى عمر رضي الله عنه مستشعراً نعيَهُ صلى الله عليه وسلم, وقال: (لم يكمُل شيءٌ إلا نقص)(138), وما عاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إحدى وثمانين يوماً(139). وظاهرٌ اعتماد عمر رضي الله عنه في هذا الاستنباط على لازم معنى اللفظ, قال ابن كثير(ت:774): (ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت: (بدأ الإسلام غريباً, وسيعود غريباً كما بدأ, فطوبى للغرباء)(140))(141).
سادساً: أن الذي مَيَّزَ ابن عباس رضي الله عنه عن غيره من الصحابة في هذا المقام وأمثاله من مقامات التفسير والبيان: دقَّةُ الفهم, وجودة الاستنباط, كما سبقت الإشارة إليه.
سابعاً: الحَثُّ على التأمُّل في معاني المعاني, ولوازمها, وربط الوحي- كتاباً وسُنَّةً- بعضَه ببعض, والغوص فيما وراء الألفاظ؛ للوقوف على مُرادات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, قال الغزالي(ت:505): (من زعم أنه لا معنى للقرآن إلا ما ترجمه ظاهر التفسير فهو مُخبرٌ عن حَدِّ نفسه, وهو مُصيبٌ في الإخبار عن نفسه, مُخطِئٌ في الحكم بردِّ كافَّة الخلق إلى درجته التي هي حَدُّه ومَحَطُّه, بل الأخبار والآثار تدل على أن في القرآن مُتَّسعاً لأرباب الفهم؛ ففيه رموزٌ وإشارات, ومعانٍ وعبارات, وتلويحٌ ودلالات, يختَصُّ بدَرْكها أهلُ الفهم من ذوي العنايات)(142), وقال ابن القيم(ت:751): (والعلم بمُراد المتكلم يُعرَف تارةً من عموم لفظه, وتارةً من عموم عِلَّته, والحَوالَةُ على الأوَّل أوضح لأرباب الألفاظ, وعلى الثاني أوضح لأرباب المعاني والفهم والتدبر)(143), (وإن شِئتَ أدخلتَ هذا في باب معنى المعنى, أي المعاني التي وراء المعاني, ولا ضيرَ أن تكون وراءها بمسافةٍ أبعد, أو أن تكون من باب مُستَتبَعات التراكيب, وهو بابٌ جليلٌ غَيَّبَه غُبارُ العُجمَة)(144).
هذه أبرز مسائل هذا الأثر التفسيري الجليل, وبه يتم ما قصدتُ إليه من هذا البحث, وأختمه بمقالة الإمام الشافعي(ت:204) رحمه الله في الوصية بهذا العلم إذ يقول: (فحَقٌّ على طَلَبة العلم بلوغُ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه, والصبر على كل عارضٍ دون طلبه, وإخلاص النية لله في استدراكِ علمه: نَصَّاً واستنباطاً, والرَّغبةُ إلى الله في العون عليه, فإنه لا يُدرَكُ خيرٌ إلا بعونه)(145).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * * *
( خاتمة البحث )
الحمد لله على إتْمام النعمة, واكتمال مباحث هذا البحث, وأسأله تعالى المزيد من فضله وتوفيقه, وبعد:
فهذا آخرُ هذا البحث وخاتِمَتُه, والتي أعرضُ فيها - بإذن الله - أبرزَ النتائج, وأهمَّ التوصيات, موضِّحاً فيها جُملَةً من القضايا التي تبيَّنَت وتأكَّدَت من خلال معايشة هذا البحث. وتتلخَّصُ هذه النتائج فيما يأتي:
أولاً: قامت موضوعات كتب التفسير على ثلاثة أنحاء: بيان الألفاظ والمعاني, وبيان معاني المعاني. وقد اهتم العلماء كثيراً ببيان وتحرير جانب ألفاظ القرآن ومعانيه, أما جانب معاني المعاني, ومستتبعات التراكيب, والاستنباطات القرآنية, فهو بابٌ جليل, لم يأخذ حظَّه من التحرير والتأصيل, مع كون هذا العلم من ألصق العلوم بعلم التفسير.
ثانياً: لَمَّا كان بيان السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم لمعاني القرآن في الذروة من الإصابة والبيان, كان استنباطهم أدَقَّ استنباطٍ وأصَحَّه وألطفه, وهذا التَّميُّز في تفاسير السلف واستنباطاتهم جزءٌ من مقتضى خيريَّتِهم وتفضيلهم الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: إن تميُّز السلف في تناول هذا النوع الدقيق من البيان, لَيُبْرِزُ حرصهم على توفيةِ الآيات حَقَّها من المعاني, واستيعاب كُلِّ حقٍّ أشار إليه لفظ الآية, ودَلَّ عليه معناها, وذاك هو علم الاستنباط.
رابعاً: أن الاستنباط علمٌ معتبَرٌ, وحُجَّةٌ في الشرع, دَلَّت على اعتباره وتقديمه جملةٌ من أدلة الكتاب والسنة.
خامساً: من حقِّ اللفظ والمعنى في التفسير استيعاب المعاني الصحيحة المتعلقة بهما من جهة نِدِّ المعنى ولوازمه وأشباهه ونظائره.
سادساً: المعاني المأخوذة بالاستنباط - بطبيعتها - أكثر وأغنى من معاني الألفاظ المباشرة, بل إن من أحكام الحوادث ما لا يُعرَفُ بالنصِّ وإنما بالاستنباط, وكم من سِرٍّ وحُكمٍ نَبَّهت عليهما الإشارة, ولم تبينهما العبارة.
سابعاً: الاستنباط قدرٌ زائدٌ على مجرد إدراك المعنى الظاهر؛ ومن ثَمَّ عزَّ وجوده, وصَعُبَ إدراكه, ولا يؤتاهُ كلُّ أحدٍ, بل هو من مواهب الله تعالى التي ينعِمُ بِها على من شاء من عباده.
ثامناً: موضوع علم الاستنباط: نِدُّ المعنى الظاهر ونظيره؛ الذي يوافقه في القصد أو يقاربه, ولوازم المعنى, وعلله؛ ليُلحَق به أشباهه ونظائره, وتتبين معه نسبةُ الألفاظ بعضها إلى بعض, ثُمَّ مقاصد المتكلم ومراده, بحيث لا يُزادُ عليها ولا يُنقَصُ منها.
تاسعاً: بيان معنى اللفظ سابق للاستنباط منه, ولا يصح استنباطٌ إلا على معنىً صحيحٍ ثابتٍ لِلَّفظ, فاللفظ بمنْزلة الأساس, والاستنباط بمنْزلة البنيان, ولا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر.
عاشراً: علمُ الاستنباط علمٌ مبارك, يفيضُ على الأمَّة في كل زمان بكلِّ ما تحتاجه من معرفة الحَقِّ المطابق لوقائعها, والمستمَدِّ من خيرِ بيان وأصدق كلام؛ كتاب الله تعالى.
هذه أبرز نتائج هذا البحث, وقد اشتمل إلى ذلك على بعض التوصيات الهادفة إلى رفع مستوى التأصيل والإيضاح لهذا العلم, وأُجمِلُ جميع ذلك فيما يأتي:
أولاً: الاستنباط من أهمِّ أسباب دَرَكِ العلوم؛ وله من الأصولِ والضوابط التي تجمع جزئياته, وتَلُمُّ متفرِّقاته, ما يجدر معه بأهل العلم إبرازها وتحديدها, بعد جمعها ودرسها.
ثانياً: يلزم العناية بآثار السلف في علم التفسير, مع إبراز أنواع العلوم والمعارف التفسيرية منها, ثمَّ تأصيل علوم التفسير على نَهجها.
ثالثاً: وجوب العناية بتقريب معاني الآيات وتسهيلها للناس, وربط الحوادث المستجدَّة لديهم بمعاني صحيحة من آيات القرآن الكريم, واستثمار علم الاستنباط في نيل هدايات القرآن في كل زمان ومكان.
هذه أبرز النتائج والتوصيات, وبالله تعالى التوفيق, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * * *
( قائمة المراجع )
- الإتقان في علوم القرآن, لجلال الدين السيوطي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- أحكام أهل الذمة, لابن القيم, ت: يوسف بن أحمد البكري, وشاكر بن توفيق العاروري, رمادي للنشر, الدمام, ط1, 1418.
- أحكام القرآن, للشافعي, جمعه البيهقي, ت: عبد الغني عبد الخالق, دار الكتب العلمية, بيروت, 1412.
- أحكام القرآن, للجصاص, ت: عبد السلام شاهين, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1415.
- إحياء علوم الدين, لأبي حامد الغزالي, دار المعرفة, بيروت.
- الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية, للطوفي, ت: حسن بن عباس قطب, الفاروق الحديثة, القاهرة, ط2, 1424.
- الإصابة في تمييز الصحابة, لابن حجر, ت: عادل عبد الموجود, وعلي معوض, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1415.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين, لابن القيم, ت: مشهور بن حسن آل سلمان, دار ابن الجوزي, ط1, 1423.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان, لابن القيم, ت: حسان عبد المنان, وعصام الحرستاني, مؤسسة الرسالة, ط1, 1414.
- الأقوال الشاذَّة في التفسير, لعبد الرحمن بن صالح الدهش, نشر مجلة الحكمة, بريطانيا, ط1, 1425.
- الإكليل في استنباط التنْزيل, للسيوطي, ت: عامر بن علي العرابي, دار الأندلس الخضراء, جدة, ط1, 1422.
- أمالي ابن الشجري, ت: محمود محمد الطناحي, مكتبة الخانجي, القاهرة.
- أنوار التنْزيل وأسرار التأويل, للبيضاوي, تقديم: محمود الأرناؤوط, دار صادر, بيروت, ط1, 2001م.
- البحر المحيط, لأبي حيان الأندلسي, ت: عادل عبد الموجود, وعلي معوض, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1422.
- البحر المحيط في أصول الفقه, للزركشي, ت: محمد محمد تامر, دار الكتب العلمية, ط1, 1421.
- بدائع الفوائد, لابن القيم, ت: علي بن محمد العمران, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة, ط1, 1425.
- تاريخ دمشق, لابن عساكر, ت: عمر بن غرامة العمري, دار الفكر, بيروت, 1995م.
- التبيان في أقسام القرآن, لابن القيم, ت: عصام فارس الحرستاني, ومحمد الزغلي, مؤسسة الرسالة, ط1, 1414.
- التحرير والتنوير, للطاهر ابن عاشور, نشر الدار التونسية.
- تحفة الأبرار بنكت الأذكار, لابن حجر العسقلاني, مطبوع بذيل الأذكار, للنووي, ت: بشير محمد عيون, مكتبة المؤيد, الطائف, ط1, 1408.
- التسهيل لعلوم التنْزيل, لابن جزي الغرناطي, ت: رضا فرج الهمامي, المكتبة العصرية, صيدا, ط1, 1423.
- تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء, لابن تيمية, ت: عبد العزيز بن محمد الخليفة, مكتبة الرشد, الرياض, ط1, 1417.
- تفسير التستري, لسهل بن عبد الله التستري, ت: محمد باسل عيون السود, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1423.
- تفسير سفيان الثوري, ت: امتياز علي عريشي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1403.
- تفسير سفيان بن عيينة, لأحمد صالح محايري, المكتب الإسلامي, ط1, 1403.
- تفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني, ت: محمود محمد عبده, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1419.
- تفسير القرآن العظيم, لابن أبي حاتم, ت: أسعد محمد الطيب, مكتبة نزار الباز, مكة المكرمة, ط3, 1424.
- تفسير القرآن العظيم, لابن كثير, ت: محمد إبراهيم البنا, دار ابن حزم, ط1, 1419.
- التفسير الكبير, لفخر الدين الرازي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- تفسير مقاتل, لمقاتل بن سليمان البلخي, ت: أحمد فريد, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 2003م.
- التكميل في أصول التأويل, ضمن: رسائل الإمام الفراهي, لعبد الرحمن الفراهي, الدائرة الحميدية, أعظم كره, الهند, ط2, 1411.
- تناسق الدرر في تناسب السور, للسيوطي, ت: عبد الله محمد الدرويش, عالم الكتب, بيروت, ط2, 1408.
- تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل, لابن تيمية, ت: علي محمد العمران, ومحمد عزير شمس, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة,ط1, 1425.
- تهذيب اللغة, للأزهري, دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1421.
- التيسير في قواعد علم التفسير, للكافيجي, ت: ناصر بن محمد المطرودي, دار القلم, دمشق, ط1, 1410.
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن, لابن جرير الطبري, ت: مصطفى السقا, وآخرون, دار الفكر, بيروت, 1415, (مصورة عن طبعة مكتبة البابي الحلبي عام 1373). وطبعة: دار هجر, القاهرة, ط1, 1422, ت: عبد المحسن التركي.
- جامع الترمذي, ت: أحمد محمد شاكر, دار إحياء التراث العربي.
- الجامع لأحكام القرآن, للقرطبي, ت: عبد الله بن عبد المحسن التركي, وآخرون, مؤسسة الرسالة, ط1, 1427.
- اجتماع الجيوش الإسلامية, لابن القيم, ت: د. عواد عبد الله المعتق, مكتبة الرشد, الرياض, ط2, 1415.
- جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام, لابن القيم, ت: زائد بن أحمد النشيري, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة, ط1, 1425.
- حاشية ابن القيم على سنن أبي داود, بهامش مختصر سنن أبي داود, للمنذري, ت: محمد حامد الفقي, دار المعرفة, بيروت, لبنان.
- حقائق التفسير (تفسير السلمي), لأبي عبد الرحمن السلمي, ت: سيد عمران, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- الدر المنثور, الدر المنثور في التفسير بالمأثور, للسيوطي, ت: نجدت نجيب, دار إحياء التراث العربي, ط1, 1421.
- درء تعارض العقل والنقل, لابن تيمية, ت: محمد رشاد سالم, دار الكنوز الأدبية, الرياض, 1391.
- الرسالة, للشافعي, ت: أحمد محمد شاكر, المكتبة العلمية, بيروت.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, للآلوسي, ت: محمد الأمد, وعمر عبد السلام, إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1420.
- زاد المسير في علم التفسير, لابن الجوزي, المكتب الإسلامي, بيروت, ط1, 1423.
- زاد المعاد, لابن القيم, ت: شعيب الأرناؤوط, وعبد القادر الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة, بيروت, ط3, 1419.
- سرُّ الاستغفار, للقاسمي, ضمن مجموع: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم (8), دار البشائر الإسلامية, ط1, 1421.
- سنن أبي داود, ت: محمد محي الدين عبد الحميد, دار الفكر, بيروت.
- السنن الكبرى, للبيهقي, ت: عبد السلام بن محمد علوش, مكتبة الرشد, الرياض, ط1, 1425.
- سنن النسائي الكبرى, للنسائي, ت: عبد الغفار البنداري, وسيد كسروي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1411.
- سير أعلام النبلاء, للذهبي, ت: شعيب الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة, ط11, 1417.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب, ت: عبد القادر الأرناؤوط, ومحمود الأرناؤوط, دار ابن كثير, دمشق, ط1, 1406.
- شرح الكوكب المنير, لابن النجار, ت: محمد الزحيلي, ونزيه حماد, مكتبة العبيكان, 1418.
- شفاء الصدور (المقدمة), لأبي بكر النقاش محمد بن الحسن بن محمد (ت:351), مخطوط برقم 3389 ف.
- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل, لابن القيم, ت: محمد بدر الدين الحلبي, دار الفكر, بيروت, 1398.
- صحيح البخاري, لأبي عبد الله إسماعيل بن إبراهيم, مطبوع مع شرحه فتح الباري, ت: محمد فؤاد عبد الباقي, المكتبة السلفية, القاهرة, ط3, 1407.
- صحيح ابن خزيمة, ت: محمد مصطفى الأعظمي, المكتب الإسلامي, بيروت, 1390.
- صحيح مسلم, لأبي الحجاج مسلم بن الحجاج, مطبوع مع شرحه للنووي دار الخير, بيروت, ط3, 1416.
- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة, لابن القيم, ت: علي بن محمد الدخيل الله, دار العاصمة, الرياض, ط3, 1418.
- طبقات الشافعية الكبرى, للسبكي, ت: محمود الطناحي, وعبد الفتاح الحلو, نشر هجر, مصر, ط2, 1413.
- طبقات المفسرين, للسيوطي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1403.
- طريق الهجرتين وباب السعادتين, لابن القيم, ت: عمر بن محمود أبو عمر, دار ابن القيم, الدمام, ط2, 1414.
- العين, للخليل بن أحمد, ت: عبد الحميد هنداوي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1424.
- غرائب التفسير وعجائب التأويل, للكرماني, ت: شمران سركال العجلي, دار القبلة للثقافة الإسلامية, جدة, ط1, 1408.
- فضائل الصحابة, لأحمد بن حنبل, ت: وصي الله عباس, مؤسسة الرسالة, بيروت, ط1, 1403.
- فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري, لابن حجر, ت: محمد فؤاد عبد الباقي, المكتبة السلفية, القاهرة, ط3, 1407.
- الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي, للمناوي, ت: أحمد مجتبى بن نذير عالم السلفي, دار العاصمة, الرياض, ط1, 1409.
- الفوائد, لابن القيم, ت: بشير محمد عيون, مكتبة المؤيد, ط2, 1408.
- القاموس المحيط, للفيروزابادي, ت: يوسف الشيخ محمد البقاعي, دار الفكر, بيروت, 1415.
- قانون التأويل, لابن العربي, ت: محمد السليماني, دار الغرب الإسلامي, بيروت, ط2, 1990م.
- قراءة في الأدب القديم, لمحمد محمد أبو موسى, مكتبة وهبة, القاهرة, ط2, 1419.
- كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية, للسهيلي, ت: د.محمد إبراهيم البنا, المكتبة الفيصلية, مكة المكرمة, ط2, 1405.
- الكشاف عن حقائق غوامض التنْزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, للزمخشري, ت: محمد عبد السلام شاهين, دار الكتب العلمية, بيروت, طط1, 1415.
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون, لحاجي خليفة, دار إحياء التراث العربي, بيروت.
- الكشف والبيان, للثعلبي, ت: أبو محمد بن عاشور, دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1422.
- الكلمات البيِّنات, لمرعي الكرمي, ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم (62), دار البشائر الإسلامية, ط1, 1421.
- مجالس في تفسير قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ}(آل عمران 164), لابن ناصر الدين الدمشقي, ت: محمد عوامة, دار القبلة للثقافة الإسلامية, جدة, ط1, 1421.
- المجالسة وجواهر العلم, للدينوري, ت: يوسف أحمد, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- مجموع الفتاوى, لابن تيمية, ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم, 1418.
- المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث, لأبي موسى المديني الأصفهاني, ت: عبد الكريم العزباوي, نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى, مكة المكرمة, ط1, 1406.
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز, لابن عطية, ت: عبد السلام عبد الشافي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1422.
- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين, لابن القيم, ت: عبد العزيز ناصر الجليل, دار طيبة, الرياض, ط1, 1423.
- مذكرة أصول الفقه, لمحمد الأمين الشنقيطي, دار عالم الفوائد, ط1, 1426.
- المستدرك على الصحيحين, للحاكم النيسابوري, ت: مصطفى عبد القادر عطا, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1411.
- مسند ابن راهويه, ت: عبد الغفور عبد الحق البلوشي, مكتبة الإيمان, المدينة المنورة, ط1, 1412.
- مسند أحمد بن حنبل, مؤسسة قرطبة, القاهرة. وطبعة: دار المعارف, القاهرة, ط1, ت: أحمد شاكر.
- المسودة في أصول الفقه, لآل تيمية, ت: أحمد بن إبراهيم الذروي, دار الفضيلة, ط1, 1422.
- المصنف, لابن أبي شيبة, ت: كمال يوسف الحوت, مكتبة الرشد, الرياض, ط1, 1409.
- المصنف, لعبد الرزاق الصنعاني, ت: حبيب الرحمن الأعظمي, المكتب الإسلامي, بيروت, ط2, 1403.
- معالم التنْزيل, لمحيي السنة البغوي, ت: محمد عبد الله النمر, وزميلاه, دار طيبة, الرياض, ط4, 1417.
- معاني القرآن وإعرابه, للزجاج أبي إسحاق ابن السري, ت: عبد الجليل عبده شلبي, عالم الكتب, بيروت, ط1, 1408.
- معجم المفسرين من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر, عادل نويهض, مؤسسة نويهض الثقافية, ط3, 1409.
- معجم الطبراني الكبير, ت: حمدي عبد المجيد السلفي, مكتبة العلوم والحكم, المدينة المنورة, ط2, 1404.
- معجم الطبراني الأوسط, ت: طارق عوض الله محمد, وعبد المحسن الحسيني, دار الحرمين, القاهرة, 1415.
- معجم مقاييس اللغة, لابن فارس, ت: إبراهيم شمس الدين, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1420.
- مفتاح دار السعادة, لابن القيم, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1413.
- مقدمات تفسير الأصفهاني (ت:749) دراسة وتحقيق, لإبراهيم بن سليمان الهويمل, بحث أكاديمي, نسخة المحقق, 1420.
- مقدمة جامع التفاسير مع تفسير الفاتحة ومطالع البقرة, للراغب الأصفهاني, ت: أحمد حسن فرحات, دار الدعوة, الكويت, ط1, 1405.
- ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنْزيل, لابن الزبير الغرناطي, ت: سعيد الفلاّح, دار الغرب الإسلامي, بيروت, ط1, 1403.
- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية, لابن تيمية, ت: محمد رشاد سالم, ط1, 1406.
- الموافقات, للشاطبي, ت: مشهور حسن آل سلمان, دار ابن عفان, الخبر, ط1, 1417.
- نكت القرآن الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام, لمحمد بن علي القصاب, ت: علي بن غازي التويجري, وآخرون, دار ابن القيم, الدمام, ط1, 1424.
- الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب, لابن القيم, ت: عبد الرحمن بن حسن بن قائد, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة, ط1, 1425.
- الوافي بالوفيات, للصفدي, ت: س. ديدرينغ, نشر فرانز شتايز, فيسبادن, 1394.
- الوجيز في تفسير الكتاب العزيز, للواحدي, ت: صفوان داوودي, دار القلم, دمشق, ط1, 1415.
[line][/line]
(1) ينظر: مجموع الفتاوى 4/157, وإعلام الموقعين 2/150.
(2) ينظر: شفاء الصدور (مخطوط, لوحة:17, 18), ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص:271), والتيسير في قواعد علم التفسير (ص:246).
(3) ينظر: العين 4/184, ومقاييس اللغة 2/537.
(4) ينظر: تهذيب اللغة 13/250.
(5) معاني القرآن وإعرابه 2/83.
(6) الرَّكِيَّة هي: البئر. ينظر: القاموس المحيط (ص:1161).
(7) جامع البيان 7/255, وتبعه في تعريفه ابن الشجري(ت:542) في أماليه 1/220.
(8) مفتاح دار السعادة (ص:423).
(9) معالم التنْزيل 2/255.
(10) إعلام الموقعين 1/397.
(11) التحرير والتنوير 1/12, وسبقه ابن العربي(ت:543) إلى قريب من ذلك في «قانون التأويل» (ص:367).
(12) المرجع السابق, وينظر: معالم التنْزيل 2/255.
(13) كما فعل ابن القيم في تقسيمه لما يذكره الناس من التفسير في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) (ص:84), ومثله عبارة الطاهر ابن عاشور هذه في وصف علم التفسير. وبنحو هذا التصرُّف في مصطلح الاستنباط عند بعض المفسرين تصَرَّف جمهرةٌ من الأصوليين؛ فتناولوا هذا العلم محصوراً في طرف منه هو: (القياس), ومباحث العلة فيه على الخصوص. ينظر: أصول السرخسي 1/241, و2/140, والبحر المحيط في الأصول 4/9, 21, ومذكرة في أصول الفقه (ص:392).
(14) ينظر: أحكام القرآن, للجصاص 2/270, والتفسير الكبير 10/159, ومجموع الفتاوى 5/163.
(15) إعلام الموقعين 1/397, وينظر: أحكام القرآن, للشافعي 1/21, والإتقان في علوم القرآن 2/368.
(16) قَرَّرَ ذلك وفصَّله طائفة من العلماء, كما في: قانون التأويل (ص:191, 196- 207), ومجموع الفتاوى 13/230- 248, وشفاء العليل 1/77, والموافقات 4/208- 255. وورد فيه حديث مرفوع عن ابن مسعود رضي الله عنه, أخرجه أبو يعلى في مسنده 9/80 (5149), وابن جرير في تفسيره 1/22 طبعة التركي, والطبراني في الكبير 10/105 (10107), وإسناده حسن, وله متابعات وشواهد تُنظَر في: الأقوال الشاذَّة في التفسير (ص:30- 33).
(17) عَرَّف ابن العربي(ت:543) الظاهر والباطن فقال: (نعني بالظاهر: ما تبادر إلى الأفهام من الألفاظ, ونعني بالباطن: ما يفتقر إلى نظر) قانون التأويل (ص:191), ويلاحظ في تعريفه للباطن أنه تعريف بالوصف لا بالحدِّ؛ فإنه ذكر طريق الوصول إلى المعنى الباطن ولم يزد عليه. كما عَرَّفهما الشاطبيُّ(ت:790) بقوله: (المراد بالظاهر هو: المفهوم العربي, والباطن هو: مراد الله تعالى من كلامه وخطابه) الموافقات 4/210, والملاحظ هنا تخصيصه للباطن بأنه مراد الله تعالى من خطابه. وهذا التخصيص لا يتطابق مع طائفة من الأمثلة التي ذكرها في هذا الموضع, كما لا يتوافق مع تفصيله للباطن بعد ذلك (ص:231)؛ إذ ذكر شرطي قبول المعنى الباطن وهما: موافقة اللغة, وشهادة الشرع. وليس فيهما أنه مراد الله تعالى, ولا يلزم منهما ذلك.
(18) ينظر: التفسير الكبير 10/159, والموافقات 4/202, وروح المعاني 6/489.
(19) كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية (ص:77).
(20) ينظر: قانون التأويل (ص:196), والموافقات 2/127- 131.
(21) التحرير والتنوير 3/158.
(22) ينظر: أحكام القرآن, للجصاص 2/270, والتفسير الكبير 10/159, والتحرير والتنوير 23/252- 253.
(23) إعلام الموقعين 1/397.
(24) ينظر: التيسير في قواعد علم التفسير (ص:222).
(25) رواه البخاري في صحيحه 1/211 (79), ومسلم في صحيحه 5/445 (2282).
(26) رواه البخاري في صحيحه 6/193 (3047), ومسلم في صحيحه 3/497 (1370), وسيأتي بتمامه.
(27) مفتاح دار السعادة (ص:60), وينظر: درء تعارض العقل والنقل 4/98, ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص:263), واجتماع الجيوش الإسلامية (ص:72), والوابل الصيب (ص:135).
(28) الكشاف 4/146.
(29) أنوار التنْزيل 1/154.
(30) رواه البخاري في صحيحه 6/193 (3047), ومسلم في صحيحه 3/497 (1370).
(31) رواه ابن راهويه في مسنده 4/230 (2038), وأحمد في المسند 1/314 (2881), وسنده صحيح. وينظر: قانون التأويل (ص:367).
(32) المجالسة وجواهر العلم 1/254, وينظر: شفاء الصدور, للنقاش (مخطوط, لوحة:20), ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص:272).
(33) الإصابة 4/146.
(34) شفاء الصدور, للنقاش (مخطوط, لوحة:20), وينظر: مختصر تاريخ دمشق 1/1735.
(35) ينظر: صحيح البخاري 6/591 (3469).
(36) رواه مسلم في صحيحه 4/66 (1479).
(37) مجموع الفتاوى 4/94, ونقله عنه ابن القيم في الوابل الصيب (ص:138), وينظر: الجامع لأحكام القرآن 1/58, ومفتاح دار السعادة (ص:60), والمقدمة الثالثة من مقدمات التحرير والتنوير.
(38) أحكام القرآن 2/180.
(39) ينظر: قانون التأويل (ص:191), والموافقات 4/208-214.
(40) التفسير الكبير 10/160, وينظر: البحر المحيط في الأصول 4/488.
(41) قانون التأويل (ص:207), وأكَّدَ ذلك ابن ناصر الدين الدمشقي(ت:842) في كتابه: مجالس في تفسير قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ}, (ص:367).
(42) إعلام الموقعين 1/397.
(43) المرجع السابق.
(44) الموافقات 4/242- 245, بتصرف يسير.
(45) زاد المعاد 5/32- 34.
(46) جاء ذلك من حديث ابن عمر في صحيحي البخاري 12/131 (6819), ومسلم 4/351 (1699).
(47) سنن أبي داود 2/560 (4450), وينظر: زاد المعاد 5/34.
(48) اشتهر ابن عيينة(ت:198) رحمه الله بالاستنباطات الحسنة, والمَنَازِع المستَحسَنَة من الآيات, وله فيها نماذج عديدة, ينظر منها: جامع البيان 9/96 (11766), وتفسير ابن أبي حاتم 5/1571 (9008), والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث 2/562, وسير أعلام النبلاء 8/458, والفوائد (ص:159), وتفسير ابن عيينة (ص:356).
(49) شفاء العليل 1/77, وينظر: التفسير الكبير 12/177, والبحر المحيط 4/125.
(50) هذا صحيحٌ في غير هذا المقام؛ إذ حُكمُ الكلام هنا مُطَاوِعٌ لظاهره؛ وذلك أنَّ دوابَّ الأرض أُمَمٌ أمثالنا: في الخلق والإيجاد, والتسبيح والعبادة, والحشر والبعث. وهو الوارد عن السلف في معناها, واستنباط ابن عيينة مبنيٌّ على هذا المعنى الظاهر الصحيح. ينظر: جامع البيان 9/232, ومعالم التنْزيل 3/141, والمحرر الوجيز 2/289.
(51) شفاء العليل 1/77.
(52) كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية (ص:30) بتصرف يسير.
(53) تفسير القرآن العظيم 2/859.
(54) أحكام أهل الذمة 1/122.
(55) المرجع السابق.
(56) ذكر قريباً منها ابن عاشور في حديثه عن طرائق المفسرين, في المقدمة الرابعة لتفسيره التحرير والتنوير 1/42, وينظر: تفسير آيات أشكلت 1/149.
(57) التبيان في أقسام القرآن (ص:84), وينظر: مدارج السالكين 3/273.
(58) ينظر: قانون التأويل (ص:223), والتفسير الكبير 10/159, والمُسَوَّدة في أصول الفقه 2/830, ومذكرة أصول الفقه (ص:225).
(59) ينظر (ص:7), وابن القيم هنا يصف حال تفاسير الناس ولا يؤصل لأقسام علم التفسير, فلا إشكال في تقسيمه وتوسعه في الإطلاق.
(60) مجموع الفتاوى 2/28, وينظر منه: 6/377.
(61) مجموع الفتاوى 13/341, وينظر: قانون التأويل (ص:191, 196, 207).
(62) التبيان في أقسام القرآن (ص:84), وينظر: مدارج السالكين 3/248, والوابل الصيب (ص:179).
(63) الموافقات 4/231- 232.
(64) بدائع الفوائد 4/985.
(65) ينظر: قانون التأويل 351, والبحر المحيط في الأصول 2/509, وشرح الكوكب المنير 3/465.
(66) الجامع لأحكام القرآن 1/58, وينظر: أحكام القرآن, للجصاص 2/112, والكشف والبيان 1/87.
(67) ينظر: تفسير الثوري (ص:83)(173), وتفسير عبد الرزاق 2/220 (1329), وصحيح البخاري 8/426 (4818), وتفسير ابن أبي حاتم 2/355 (1869), ومنهاج السنة النبوية 7/17.
(68) ينظر في التمثيل لذلك: نكت القرآن 1/204, والتفسير الكبير 29/168.
(69) الموافقات 5/124, وينظر منه: 3/250, والتسهيل لعلوم التنْزيل 1/18.
(70) الموافقات 4/224.
(71) إغاثة اللهفان 1/92.
(72) وأكثر الخلل الواقع في استنباطات ما يسمى (الإعجاز العلمي أو العددي في القرآن) راجعٌ إلى الإخلال بهذا الشرط.
(73) التفسير الكبير 11/127.
(74) ينظر: قانون التأويل (ص:207, 367- 368), والتكميل في أصول التأويل, للفراهي (ص:270).
(75) تنبيه الرجل العاقل 1/271.
(76) قانون التأويل (ص:207).
(77) الموافقات 4/242- 243, 247. وينظر: الإتقان 2/367.
(78) محمد بن الحسين بن موسى الأزدي, أبو عبد الرحمن السلمي, شيخ الصوفية وعالمهم بخراسان, صنف: حقائق التفسير, وغيره, توفي سنة (412). ينظر: طبقات الشافعية الكبرى 4/143, وطبقات المفسرين, للسيوطي (ص:85), وشذرات الذهب 5/67.
(79) فتاوى ابن الصلاح 1/196, وينظر: الإتقان في علوم القرآن 2/365.
(80) المرجع السابق, وينظر: روح المعاني 1/11.
(81) طريق الهجرتين (ص:507), وفي التمثيل لبعض الاستنباطات المردودة وأسباب ردِّها ينظر: الجامع لأحكام القرآن 7/289, وبدائع الفوائد 2/151, وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود 8/75- 76, وطبقات الشافعية الكبرى 4/147, وفتح الباري 12/395. وقد أطال الشاطبي(ت:790) في عرض نماذج من استنباطات مردودة مع التعليق عليها في كتابه الموافقات 4/235.
(82) الإتقان في علوم القرآن 2/367.
(83) الجامع لأحكام القرآن 1/59.
(84) مقدمات تفسير الأصفهاني (ص:264).
(85) مفتاح دار السعادة (ص:423).
(86) زاد المعاد 4/379.
(87) جامع البيان 17/16.
(88) مقدمة جامع التفاسير (ص:75) بتصرف يسير, ونقل هذا النص كاملاً عن الراغب: شمسُ الدين الأصفهاني(ت:749) في مقدمات تفسيره (ص:264), والكافيجي(ت:879) في التيسير في قواعد علم التفسير (ص:218).
(89) التبيان في أقسام القرآن (ص:216).
(90) مجالس في تفسير قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ}, (ص:366), وينظر: تاريخ دمشق 51/362, وسير أعلام النبلاء 10/83.
(91) تاريخ دمشق 51/363.
(92) سبق تخريجه.
(93) رواه مسلم في صحيحه 1/455 (223).
(94) رواه البخاري في صحيحه 11/348 (6502).
(95) مجموع الفتاوى 20/43- 45 بتصرف.
(96) التفسير الكبير 11/138.
(97) ينظر: التفسير الكبير 1/15.
(98) التفسير الكبير 1/122, وينظر: التحرير والتنوير 3/158.
(99) سبق تخريجه.
(100) فتح الباري 12/257.
(101) التفسير الكبير 29/168.
(102) ينظر: تفسير التستري (ص:15- 17), وحقائق التفسير 1/20, وكشف الظنون 2/1551.
(103) محمد بن علي بن محمد الكَرَجيّ, أبو أحمد القَصَّاب؛ لكثرة ما قتل في مغازيه, إمام حافظ, صَنَّفَ: نكت القرآن, والسنة, وغيرها, مات في حدود (360). ينظر: السير 16/213, والوافي بالوفيات 4/114.
(104) ينظر: نكت القرآن 1/59, 77.
(105) ينظر: معجم المفسرين 1/65.
(106) ينظر: الإكليل في استنباط التنْزيل 1/282, ويطابقه في موضوعه: (فصلٌ في معان مستنبطة من سورة النور), لابن تيمية في مجموع الفتاوى 15/281, وكتابَيْ: (فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأحكام المستنبطة من القرآن), لعبد الرحمن السعدي – وهو من أبرز المعاصرين المعتنين بهذا العلم-, و(المعاني المستنبطة من سورة الفاتحة), لأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري.
(107) ينظر: التفسير الكبير 1/15, 22- 23.
(108) نقل هذه العبارة غيرُ واحدٍ من المصنفين, وأعلى من نُسِبَت إليه: شيخ الإسلام ابن تيمية(ت:728) رحمه الله. ينظر: البحر المحيط 1/511, والوافي بالوفيات 4/254.
(109) قال ابن العربي في باب (ذكر الباطن من علوم القرآن): (وقد كنت في إملاء «أنوار الفجر في مجالس الذكر» أسلك هذا الباب كثيراً – أي: باب استنباط المعاني الباطنة – وأورِدُ فيه عظيماً). قانون التأويل (ص:206).
(110) ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل 1/88.
(111) ينظر: الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية 1/204.
(112) قانون التأويل (ص:261).
(113) المرجع السابق (ص:262), وينظر: إعلام الموقعين 1/329.
(114) تناسق الدرر في تناسب السور (ص:69).
(115) ينظر: قانون التأويل (ص:198- 205), وملاك التأويل 1/146- 147.
(116) ينظر: الموافقات 4/210.
(117) القائل هو: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, كما في رواية الترمذي في الجامع 5/450 (3362).
(118) رواه البخاري في صحيحه 8/606 (كتاب 65- التفسير, باب 110- قوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر 3], برقم: 4970).
(119) مجموع الفتاوى 16/417.
(120) الموافقات 4/211, وينظر: المحرر الوجيز 5/532.
(121) إعلام الموقعين 3/124. وينظر: جلاء الأفهام (ص:164).
(122) ينظر: مدارج السالكين 3/263, وطريق الهجرتين (ص:429), وسرُّ الاستغفار (ص:27), ضمن مجموع: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم (8).
(123) مجموع الفتاوى 16/418, وينظر: الموافقات 4/211.
(124) رواه الترمذي 1/78 (55), والطبراني في الأوسط 5/140 (4895), وعبد الرزاق في المصنف 1/186 (731), وكذا ابن أبي شيبة 1/13 (20), عن عمر مرفوعاً, وعن علي موقوفاً, وأصله في مسلم 1/471 (234), وذكر الترمذي فيه اضطراباً, وله شواهد يرتقي بها إلى القبول, ذكرها ابن حجر في تحفة الأبرار (ص:41).
(125) إعلام الموقعين 3/126, وينظر: مدارج السالكين 1/260, 328, والصواعق المرسلة 2/507, وفتح الباري 8/606.
(126) إعلام الموقعين 3/124.
(127) صَحَّ ذلك برواية ابن عباس في سنن النسائي الكبرى 6/525 (11712).
(128) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: (يا ابن عتبة: أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعاً؟ قلت نعم, {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قال: صدقت). رواه مسلم في صحيحه 6/441 (3024). وينظر في بقية الأدلة على هذا الوجه من التأويل: التفسير الكبير 32/151.
(129) تفسير القرآن العظيم 8/3885.
(130) فتح الباري 8/608, وينظر: إعلام الموقعين 3/124, والوابل الصيب (ص:137), والتيسير في قواعد علم التفسير (ص:222).
(131) رواه البخاري في صحيحه 8/605 (4968), ومسلم في صحيحه 2/150 (484). وينظر: التسهيل 4/430.
(132) كأبي بكر, وعلي, وعائشة, وأبي هريرة, وابن عباس, وابن عمر رضي الله عنهم. ينظر: فتح الباري 8/608, والدر المنثور 8/601, ونقل الرازي اتفاق الصحابة على دلالة هذه السورة على نعي الرسول صلى الله عليه وسلم. التفسير الكبير 32/151.
(133) رواه البخاري في صحيحه 8/658 مُعَلَّقاً بصيغة الجزم.
(134) المحرر الوجيز 5/532, وينظر: الفتح السماوي 3/1133.
(135) زاد المسير (ص:1599).
(136) ينظر: تفسير مقاتل 3/530, وجامع البيان 30/433, والوجيز 2/1238, والمحرر الوجيز 5/532, والتفسير الكبير 32/151, ومجموع الفتاوى 16/418, وإعلام الموقعين 3/124, والصواعق المرسلة 2/509, ومدارج السالكين1/328, والموافقات 4/210.
(137) ينظر: الموافقات 4/202.
(138) رواه أحمد في فضائل الصحابة 2/970 (1904), وابن جرير في تفسيره 30/75 (28188), وابن خزيمة في صحيحه 3/322 (2172), والحاكم في مستدركه 1/604 (1597), والبيهقي في السنن 4/313 (8342), وإسناده صحيح, وصححه الحاكم, وابن حجر في الفتح 13/285.
(139) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7/88 (34408), وابن جرير في تفسيره 8/81 طبعة: التركي.
(140) ينظر: جامع البيان 8/81 طبعة: التركي, وتفسير ابن كثير 3/1101, والموافقات 4/211.
(141) رواه مسلم 1/333 (145).
(142) تفسير القرآن العظيم 3/1101.
(143) إحياء علوم الدين 1/289 باختصار وتصرُّف, وينظر: الكلمات البيِّنات, لمرعي الكرمي, ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم: 62, (ص: 22).
(144) إعلام الموقعين 2/387.
(145) قراءة في الأدب القديم, للدكتور محمد أبو موسى (ص:34), وينظر: التحرير والتنوير 1/42.
(146) الرسالة (ص:19).
فهذا بحث : ( مَـعَـالِـمُ اَلاسْـتِـنْـبَـاطِ فِـي عِلْمِ الْتَّـفْـسِـيـرِ ) , والمنشور في العدد الرابع من مجلة معهد الإمام الشاطبي , أحببتُ تقريبه بين يدي إخواني في الملتقى ليَكمُلَ على أيديهم تحريراً وتعقيباً , وبالله تعالى التوفيق .
أخوكم أبو بيان نايف بن سعيد الزهراني
صباح الخميس 3/2/1430هـ
* * * *
( ملخص البحث )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذا بحث بعنوان ( معالم الاستنباط في علم التفسير ), يكشف عن جوانب من علمٍ جليلٍ من علوم القرآن الكريم, تأتي مرتبته بعد معرفة ألفاظ القرآن الظاهرة, ومعانيه المباشرة, ويختصُّ بمعاني المعاني, وما وراء الألفاظ من المعاني المتصلة بالآية من غير لفظها المتبادر ومعناها المباشر.
ويهدفُ هذا البحث إلى تأصيل مسائل ومعارف علم الاستنباط في فَنِّ التفسير, من خلال نصوص العلماء وأئمة المفسرين وتطبيقاتهم, مع إبراز مناهجهم في عرض المعاني المستنبطة, وشروط الاستنباط, وآداب المستَنبِط.
وقد تناول البحثُ هذا الموضوع من جانبٍ تمهيدي نظري, ثم تطبيقي عملي؛ وذلك بعرض نموذج تطبيقي من استنباطات الصحابة رضي الله عنهم في التفسير, ثم إبراز مسائل علم الاستنباط منه وتطبيقها عليه من خلال منهج تحليلي نقدي؛ يتناول هذا النموذج بالتحليل ودراسة الأقوال وما بُنيت عليه, ثُمَّ الحكم عليها, وبيان الراجح في موضع الخلاف, مع التعرض لعدد من المسائل الواردة في الرواية, ممَّا له علاقة بعلم التفسير وأصوله.
وقد أبرز البحث عِدَّةَ نتائج تتعلق بفروع من علم التفسير, يُرجَى لها أن تعود بفوائد حسنة - إن شاء الله تعالى - في جانب الدراسات التفسيرية بعامَّة.
( المقدمة )
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين, أما بعد:
فموضوع هذا البحث يرصد جانباً هاماً من جوانب علوم القرآن الكريم, هو من ألصق علومه بعلم التفسير, ويحاول إبراز أصوله وقواعده المبثوثة في كتب التفسير وعلومه, ويتجاوز ألفاظ القرآن ومعانيه المباشرة إلى ما وراءها من معاني وأحكام, فإن الناظر في موضوعات كتب التفسير يجدها قائمة على ثلاثة أنحاء: بيان الألفاظ والمعاني – وهذا صلب التفسير وحَدُّه -, وبيان معاني المعاني – وهذا مجال الاستنباط -, ولا يخرج حديث مفسر ما عن هذه الأنحاء, وقد اهتم العلماء كثيراً ببيان وتحرير الجانب الأول من هذه الموضوعات: ألفاظ القرآن ومفرداته, فظهرت كتب غريب القرآن, وإعراب القرآن, ومتشابه الألفاظ, والوجوه والنظائر, ونحوها ممَّا تناول الألفاظ القرآنية مفردة.
كما ظهر اهتمام العلماء بجانب المعاني في كتب معاني القرآن, ومشكلات القرآن, ومتشابه المعاني, وأحكام القرآن, ومبهمات القرآن, وغيرها من الكتب القائمة على معاني الآيات وأساليبها درساً وإيضاحاً.
أما جانب معاني المعاني, ومستتبعات التراكيب, والاستنباطات القرآنية, فهو بابٌ جليل, لم يأخذ حظَّه من التحرير والتأصيل, مع كون هذا العلم من ألصق العلوم بعلم التفسير, بل هو شطر موضوع كتب التفسير كما سيأتي بيانه.
ومع قيامِ عدد من كتب العلماء على الاستنباط جمعاً وتطبيقاً - كما سيأتي ذكره إن شاء الله - إلا أنها تكاد تكون خالية من حديث مباشر عن هذا العلم؛ يرتقي به إلى أن يكون من علوم القرآن الظاهرة المشهورة, ذات القواعد الثابتة الجامعة لأشتات أفرادها وجزئياتها تحت نظام واحد.
وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية الجليلة, رأيت أقرب طريق يحقق المراد منها: تصفح تفاسير السلف في القرون الثلاثة الأولى المفضلة في كل علم وخير وهدى؛ الذين أدركوا مَنْزلة علم التفسير من الدين فنَزل منهم أشرفَ منْزل وأعلاه, وتفرَّغ له طائفةٌ منهم, فأفنوا فيه أعمارهم تحصيلاً وتأصيلاً, وسلكوا لنشره وتبيينه للناس كُلَّ سبيل, فكان بيانهم أحسن بيان, وجاء استنباطهم أدَقَّ استنباطٍ وألطفه, ولا غرو؛ فهم خير هذه الأمة وأفضلها بشهادة خير البرية صلى الله عليه وسلم(1).
وعمدت من تفاسير السلف إلى تفاسير الصحابة على الخصوص؛ وإن الناظر ليعجب من فقه الصحابة في تفاسيرهم, ودقة استنباطهم رضي الله عنهم, فقد بلغوا في هذا الباب درجة لا تكاد تجد مثلها لمن بعدهم, وليس هذا بمستغرب من مثلهم؛ فباب الاستنباط مبنيٌ على زكاء نفس, وقوة نظر, وجودة قريحة, وصحة فهم, وحسن بيان, وقد جاؤوا من ذلك باللُّبَاب. ومن خلال دراسة بعض أقوالهم في التفسير ظهر لعمر بن الخطاب, وعلي بن أبي طالب, وعبد الله بن عباس رضي الله عنه تميزاً ظاهراً عن غيرهم من الصحابة في هذا الباب؛ ولعل ذلك سببَ عَدِّهم من أعلم الصحابة بالتفسير(2), ولا يبعد ذلك؛ فإذا تساوى كثيرٌ من الصحابة في العلم بمعاني ألفاظ القرآن وأساليبه, تقدم هؤلاء الثلاثة على غيرهم في التقاط الدرر من معاني المعاني, في بديهة تعجب منها الصحابة في مواقف كثيرة.
وإن تميُّز السلف في تناول هذا النوع الدقيق من البيان لَيُبْرِزُ حرصهم على توفيةِ الآيات حَقَّها من المعاني, واستيعاب كُلِّ حقٍّ أشار إليه لفظ الآية, ودَلَّ عليه معناها, وذاك هو علم الاستنباط.
وتتلخَّصُ الغاية المرجوة من دراسة هذا الموضوع في تجلية هذا العلم من علوم القرآن الكريم, وإعلاء معالم يهتدي بها شُداة علم التفسير وقاصدي فهمه, وقد اجتهدت في إبراز ذلك من خلال مقدمات وتمهيدات في المبحث الأول, ثم بعرض نموذج تطبيقي من استنباطات الصحابة في المبحث الثاني, وبالله تعالى التوفيق, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول:
الاستنباطُ تعريفٌ وبيان
أولاً: تعريف الاستنباط:
النون والباء والطاء في لغة العرب كلمةٌ تدلُّ على استخراج الشيء والانتهاء إليه(3), واستنبط الفقيه: إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه(4), قال الزجاج(ت:311): (معنى يستنبطونه في اللغة: يستخرجونه)(5), وقال ابن جرير(ت:310): (وكلُّ من أخرج شيئاً كان مُستَرَّاً عن إبصار العيون, أو عن معارف القلوب = فهو مستنبطٌ له, يقالُ: استنبطتُ الرَّكِيَّةَ(6): إذا استخرجتُ ماءَها, والنَّبَطُ: الماء المستنبطُ من الأرض, ومنه قول الشاعر:
قريبٌ ثَرَاهُ, ما يَنَالُ عَدُوُّه == لَه نَبَطَاً, آبِي الهوانِ, قَطُوبُ )(7).
ويستفادُ من هذه المعاني اللغوية ما يأتي:
أولاً: الاستنباط هو الاستخراج باتفاق أهل اللغة, وهو المعنى المطابق للَّفظ.
ثانياً: أن في الاستنباط نوعُ اجتهادٍ ومعاناةٍ, دلَّ عليه صيغة اللفظ المفتتحة بحروف الطلب (ا, س, ت), وعبارة صاحب « العين »: (والانتهاء إليه)؛ المفيدة لبعده عن طالبه, ثمَّ هذا الاجتهاد والعناء في نيل المستَنبَط واضحٌ في ما يبذله مستنبطُ الماء من البئر, قال ابن القيم(ت:751): (الاستنباط هو: استخراج الشيء الثابت الخفي الذي لا يعثر عليه كل أحد)(8).
ثالثاً: أن الاستنباط أقرب إلى باطن الكلام منه إلى ظاهره, وأقرب إلى المعاني منه إلى الألفاظ, كما قال الأزهري(ت:370): (استنبط الفقيه: إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه), وهو معنى الاستتار والتواري الذي ذكره ابن جرير(ت:310), وقال البغوي(ت:516): (من العِلم ما يُدرَكُ بالتلاوة والرواية, وهو: النصُّ, ومنه ما يُدرَكُ بالاستنباط, وهو: القياس على المعاني المودعةِ في النصوص)(9) والقياس نوعٌ من الاستنباط, وقال ابن القيم(ت:751): (الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستنبطه)(10).
أمَّا الاستنباط في استعمال المفسرين فهو: استخراج ما وراء ظواهر معاني الألفاظ من الآيات القرآنية.
والمُرادُ بظواهر معاني الألفاظ: ما يتوقف فهم القرآن عليها من المعاني المباشرة.
ثانياً: مقدمات وقواعد في علم الاستنباط:
:: مكانةُ علم الاستنباط من علم التفسير:
وَصَفَ ابنُ عاشور(ت:1393) علم التفسير بأنه: (تفسير ألفاظٍ, أو استنباطُ معانٍ)(11), وقال: (موضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه, وما يُستَنبَطُ منه)(12), فالاستنباط بهذه المثابة قسيمٌ لبيان المعاني؛ وذلك بالنظر إلى جمهرة معلومات كتب التفسير التي يذكرها المفسر, وإلا فإن الاستنباط من علوم الآية التي تأتي بعد تمام التفسير - الذي هو بيان المعنى-, ولكن لشدَّة ارتباط هذا العلم بعلم التفسير نظريةً وتطبيقاً, ولكثرة ما أُثيرَ في كتب التفسير, أُلحِق به في بيان علم التفسير وموضوعاته, وربما توسع بعض العلماء فسمَّاه تفسيراً(13)؛ وذلك حين يرتقي هذا المعنى المستنبط الباطن في شدة قربه وظهوره من المعنى الظاهر, وربما أُرِيدَ معه - على ما سيتبين -, فمن هنا يتوجه تسميته تفسيراً لارتباطه بمعنى الآية من هذا الجانب. وقد كان الحالُ كذلك منذ أوَّلِ نشأةِ علم التفسير وظهوره, ولا تكاد تخرج تفاسير السلف عن هذين الوجهين في الأعم الأغلب.
ومن ثَمَّ يتفقُ علم الاستنباط مع التفسير في أنهما بيانٌ للمعنى, ثم يفترقان في المعنى المُبَيَّن في كلٍّ منهما؛ فللتفسير المعنى الظاهر المباشر اللازم لِلَّفظ, وللاستنباط ما وراءه من المعاني الزائدة, وكلاهما من أجلِّ علوم القرآن الكريم, وألصقها بألفاظه.
:: سمَّى الله تعالى الاستنباط علماً, فقال سبحانه: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}(النساء 83), ولولا أن الاستنباط علمٌ معتبَرٌ, وحُجَّةٌ في الشرع, لَمَا أمر اللهُ تعالى عبادَه برَدِّ ما لم يدركوا علمه نَصَّاً إلى من يدركونه بالاستنباط من أهل العلم(14), فالاستنباط من أهمِّ أسباب دَرَكِ العلوم؛ وله من الأصولِ والضوابط التي تجمع جزئياته, وتَلُمُّ متفرِّقاته, ما يجدر معه بأهل العلم إبرازها وتحديدها, بعد جمعها ودرسها.
:: يجب إعطاءُ ألفاظ القرآن حقَّها, وتوفيتها ما لَهَا من المعاني, وحُسنُ الاستنباط وصحته سبيلٌ إلى ذلك, قال ابن القيم(ت:751): (الواجب فيما علَّقَ عليه الشارعُ الأحكامَ من الألفاظ والمعاني = أن لا يُتَجَاوَز بألفاظها ومعانيها, ولا يُقْصَر بِها, ويعطي اللفظَ حقَّه والمعنى حقَّه, وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه, وأخبر أنهم أهل العلم)(15), ومن حقِّ اللفظ والمعنى استيعاب المعاني الصحيحة المتعلقة بهما من جهة نِدِّ المعنى ولوازمه وأشباهه ونظائره.
:: للقرآن ظاهرٌ وباطن(16)؛ أمَّا ظاهره فهو: ظاهر المعنى, والمتبادر من اللفظ. وأمَّا باطنه فهو: المعاني الصحيحة المتَّصِلة بالآية من غير دلالة اللفظ المباشرة(17), وهذا مجال الاستنباط في هذا العلم, وقد يرتفع المعنى الباطن البعيد فيكون مراداً مع المعنى الظاهر القريب لاشتراكهما في الصحة والقبول والدلالة - كما سيأتي في مبحث التطبيق بإذن الله -, لكن لا يصل المعنى الباطن بحالٍ إلى أن يكون مراداً دون المعنى الظاهر, وهذا ما يميز هذا التقسيم عن استعمال الباطنية له؛ فإنهم يؤَصِّلون لهذا التقسيم مع رَدِّهم وإلغائهم للظاهر, والإغراق في معاني باطنة باطلة لا يقبلها نقلٌ صحيح ولا عقلٌ صريح, فيؤول تفسيرهم إلى دعاوى ليست من الظاهر, ولا من الباطن الصحيح في شيء.
:: المعاني المأخوذة بالاستنباط - بطبيعتها - أكثر وأغنى من معاني الألفاظ المباشرة, بل إن من أحكام الحوادث ما لا يُعرَفُ بالنصِّ وإنما بالاستنباط, وكم من سِرٍّ وحُكمٍ نَبَّهت عليهما الإشارة, ولم تبينهما العبارة(18), قال السهيلي(ت:581): (ليس كل حكم يؤخذ من اللفظ, بل أكثرها تؤخذ من جهة المعاني والاستنباط من النصوص)(19)؛ إذ الألفاظ محصورة, ومعانيها محددة, والوقائع والمناسبات متجددة, وقد أنْزل الله تعالى كتابه الكريم صالحاً لكُلِّ زمان ومكان, وتبياناً لِكُلِّ شيء يتوقف عليه التكليف والتعبد, وتستقيم به حياة الناس؛ من العلوم الشرعية, والحقائق العقلية(20), وقد أبان عن هذا ابنُ عاشور(ت:1393) في حديثه عن المقصد الأول من مقاصد القرآن الكريم: (كونه شريعة دائمة, وذلك يقتضي فتح أبواب عباراته لمختلف استنباط المستنبطين؛ لتؤخذ منه أحكام الأولين والآخرين)(21).
:: العلمُ المستَنبَطُ على وجهه أقرب إلى علم النبوة وأعلى درجةً من غيره, قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء 83), فَخَصَّ الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم بعلم حقيقة الأمر من الأمن أو الخوف, وما يُنشَر منه وما لا ينشر, كما خَصَّ بعلمِه أهلَ الاستنباطِ من أولي الأمر – وهم العلماء - دون غيرهم من أهل العلم(22), (والله سبحانه ذمَّ من سمع ظاهراً مجرَّداً فأذاعه وأفشاه, وحَمِدَ من استنبط من أولى العلم حقيقته ومعناه)(23).
ولمَّا كانت مراتب العلماء في فهم المراد متفاوتة؛ كان لأهل العلم بالاستنباط اختصاصٌ بجُملَةِ فضائل لا يشركهم فيها غيرهم من العلماء النَّقَلة الحفظة - على فضلهم -(24), ويوضح منازلَ العلماء تلك حديثُ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً: (مثلُ ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم, كمثلِ غيثٍ أصابَ أرضاً فكان منها طائفةٌ طيبةٌ, قبلت الماءَ فأنبتت الكلأَ والعشبَ الكثير, وكان منها طائفةٌ أجادبَ, أمسكت الماءَ فسقى الناسُ وزرعوا, وأصابَ منها طائفةً أخرى إنما هي قيعانٌ؛ لا تُمسِك ماءً, ولا تُنبِتُ كلأً, فذلك مثلُ من فقه في دين الله تعالى, ونفعه ما بعثني الله به؛ فعَلِمَ وعَلَّم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)(25), ففي هذا الحديث إشارةٌ ظاهرةٌ إلى تفاوت العلماء في ما معهم من الهدى والعلم حملاً وفهماً واستنباطاً, قال ابن القيم(ت:751): (قُسِمَ الناسُ إلى ثلاثةِ أقسام بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه, وفهم معانيه, واستنباط أحكامه, واستخراج حِكَمِه وفوائده:
أحدها: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه, وفهموا معانيه, واستنبطوا وجوه الأحكام والحِكَم والفوائد منه, فهؤلاء بمنْزلة الأرض التي قبلت الماء- وهذا بمنْزلة الحفظ-, فأنبتت الكلأ والعشب الكثير- وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط؛ فإنه بمنْزلة إنبات الكلأ والعشب بالماء-, فهذا مثلُ الحفاظ الفقهاء أهل الرواية والدراية.
القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رُزِقُوا حفظه ونقله وضبطه, ولم يرزقوا تفقهاً في معانيه, ولا استنباطاً ولا استخراجاً لوجوه الحِكَم والفوائد منه, فهم بمنْزلة من يقرأ القرآن ويحفظه ويراعي حروفه وإعرابه, ولم يُرْزَق فيه فهماً خاصاً عن الله, كما قال على ابن أبي طالب رضي الله عنه: (إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه)(26), والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم تفاوت, فَرُبَّ شخصٍ يفهم من النص حكماً أو حكمين, ويفهم منه الآخرُ مئةً أو مئتين, فهؤلاء بمنْزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس, فانتفعوا به؛ هذا يشرب منه, وهذا يسقى, وهذا يزرع.
فهؤلاء القسمان هم السعداء, والأوَّلون أرفع درجةً, وأعلى قدراً, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, والله ذو الفضل العظيم)(27).
فعلمُ الاستنباط علمٌ مبارك, يفيضُ على الأمَّة في كل زمان بكلِّ ما تحتاجه من معرفة الحَقِّ المطابق لوقائعها, والمستمَدِّ من خيرِ بيان وأصدق كلام؛ كتاب الله تعالى.
:: الاستنباط قدرٌ زائدٌ على مجرد إدراك المعنى الظاهر؛ ومن ثَمَّ عزَّ وجوده, وصَعُبَ إدراكه, ولا يؤتاهُ كلُّ أحدٍ, بل هو من مواهب الله تعالى التي يُنعِمُ بِها على من شاء من عباده, وقد امتَنَّ الله تعالى به على المؤمنين, وعصمهم به من اتِّباع غير الحق؛ فقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}(النساء 83), والاجتهاد في نيل العلم المُستَنبَط نوعٌ من الجهاد في سبيل الله, قال الزمخشري(ت:538) عند قوله تعالى {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}(غافر 4): (فأما الجدال في آيات الله لإيضاح ملتبسها, وحَلِّ مشكلها, ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها, ورَدِّ أهل الزيغ بها وعنها, فأعظم جهاد في سبيل الله)(28), كما أنه ميدان تنافس العلماء, وميزان تفاضلهم, قال البيضاوي(ت:685) في قوله تعالى: {وأُخَرُ متشابهات}(آل عمران 7): (محتملات لا يتضح مقصودها - لإجمال أو مخالفة الظاهر - إلا بالفحص و النظر؛ ليظهر فيها فضل العلماء, ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها, وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها, فينالوا بها - وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها, والتوفيق بينها وبين المحكمات - معالي الدرجات)(29).
وقد اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في نيل تلك الفضائل والمنازل, وأصاب كلٌّ منهم ما قُسِمَ له؛ فمستَقِلٌّ ومستكثرٌ, وحين تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شيءٌ من كتاب الله خَفِيَّ المعنى عنهم, بل كُلُّ كتاب الله تعالى - ألفاظه ومعانيه - معلوم المعنى عند مجموع الصحابة رضي الله عنهم, ثُمَّ يتفاوت علم أفرادهم به بحسب ما اختصَّ الله تعالى كُلاًّ منهم, ولمَّا قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ سوى القرآن؟ قال: (لا والذي فلَقَ الحبَّةَ وبَرَأَ النَّسمَة, إلا أن يُعطِي اللهُ عز وجل عبداً فهماً في كتابه)(30), ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: (اللهم فَقِّهُ في الدين, وعلِّمهُ التأويل)(31), ولو كان المراد بهذا الدعاء معرفة معاني الألفاظ الظاهرة لَمَا كان لاختصاص ابن عباس بهذه الدعوة مزيَّة؛ فإنه ممَّا يشترك فيه كثيرٌ من الصحابة, وإنما المراد ما ذكره علي رضي الله عنه مِن الفهم في كتاب الله الذي يفتح الله تعالى به على من شاء من عباده, وقد وصف عليٌّ ابنَ عباس رضي الله عنهما بقوله: (كأنما ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ)(32), ولمَّا بلغَه رأيَ ابن عباس في حادثةِ تحريق من غلو فيه قال: (ويح ابن أم الفضل؛ إنه لغوَّاص)(33), وكان عمر يأذن له مع المهاجرين, ويسأله ويقول: (غُصْ غَوَّاص)(34), وأمَّا عمر رضي الله عنه فهو المُحَدَّثُ المُلهَم(35), وحسبه أنه ممَّن عُنِيَ بقوله تعالى {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء 83), حيثُ قال في سبب نزولها: (فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر)(36).
قال ابن تيمية(ت:728) مبيناً تفاوت الصحابة في الفهم والاستنباط: (وهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة, وترجمان القرآن, مقدار ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ نحو العشرين حديثاً الذي يقول فيه: (سمعت, ورأيت), وسمع الكثيرَ من الصحابة, وبورك في فهمه والاستنباط منه, حتى ملأ الدنيا علماً وفقهاً, قال أبو محمد بن حزم : وجُمِعَت فتاويه في سبعة أسفار كبار. وهي بحسب ما بلغ جامعها, وإلا فعلم ابن عباس كالبحر, وفقهه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس, وقد سمع كما سمعوا, وحفظ القرآن كما حفظوا, ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضي, وأقبلها للزرع, فبذر فيها النصوص, فأنبتت من كل زوج كريم, {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الجمعة:4), وأين تقع فتاوي ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوي أبي هريرة وتفسيره, وأبو هريرة أحفظ منه, بل هو حافظ الأمة على الإطلاق؛ يؤدي الحديث كما سمعه, ويدرسه بالليل درساً, فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه, وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه, والاستنباط, وتفجير النصوص, وشقِّ الأنهار منها, واستخراج كنوزها)(37).
ومن ثَمَّ يشتدُّ حبور العالم وسروره حين يظفر بشيء من فرائد المعاني المستنبطة؛ مستشعراً نعمة الله تعالى وفضله عليه, ومن ذلك قول الشافعي(ت:204) رحمه الله: (استنبطتُ البارحةَ آيتين, فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها)(38).
:: موضوع علم الاستنباط:
إن المعاني المباشرة, وموضوعات الألفاظ ليست غَرَضاً للمستَنبِط, وإنما غرضه ما وراء ظاهر معنى اللفظ, ويسميه بعض العلماء: المعنى الباطن(39), وهو موضوع علم الاستنباط, قال الرازي(ت:604): (والتمسك بالنص لا يسمى استنباطاً)(40). ولبيان: ما الذي يُستَنبَط؟ يقول ابن العربي(ت:543): (ومن علم الباطن – أي: المعاني المستنبطة – أن تستدلَّ من مدلول اللفظ على نظير المعنى, وهذا بابٌ جرى في كتب التفسير كثيراً)(41), ويقول ابن القيم(ت:751): (معلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل, ونسبة بعضها إلى بعض, فيعتبرُ ما يصح منها بصحة مثله ومشْبِهِه ونظيره, ويُلغَى ما لا يصح, هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط)(42), وقال: (الاستنباط كالاستخراج, ومعلومٌ أن ذلك قدرٌ زائدٌ على مجرد فهم اللفظ, فإن ذلك ليس طريقهُ الاستنباط؛ إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط, وإنما تنال به العللُ, والمعانيُ, والأشباه والنظائر, ومقاصد المتكلم. يوَضِّحُه أن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستَنْبِطِه .., ومعلوم أن هذا الفهم قدرٌ زائدٌ على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه, فإن هذا قدرٌ مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب, وإنما هذا فهم لوازم المعنى, ونظائره, ومراد المتكلم بكلامه, ومعرفة حدود كلامه بحيث لا يُدخِل فيها غيرَ المراد, ولا يُخرِج منها شيءٌ من المراد)(43), ويقول الشاطبي(ت:790) معلِّلاً لِصِحَّة وجهٍ من المعاني المستنبطة: (ولكن أتى بما هو نِدٌّ في الاعتبار الشرعي الذي شهد له القرآن)(44).
فيتلخَّصُ من مجموع ذلك أن ما يُستَنبَطُ هو:
نِدُّ المعنى الظاهر ونظيره؛ الذي يوافقه في القصد أو يقاربه, ولوازم المعنى, وعلله؛ ليُلحَق به أشباهه ونظائره, وتتبين معه نسبةُ الألفاظ بعضها إلى بعض, ثُمَّ مقاصد المتكلم ومراده, بحيث لا يُزادُ عليها ولا يُنقَصُ منها.
وهذه أمثلة من استنباطات العلماء؛ جليلةُ المعاني, دقيقةُ المآخذ, توضح هذه الأنحاءَ المستنبطةَ بجلاء:
- قال ابن عباس رضي الله عنه: (الرجم في كتاب الله لا يغوص عليه إلا غواص, وهو قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب}(المائدة 15))(45), ومأخذ ابن عباس في ذلك أن أهل الكتاب أخفَوا حكم الرجم في كتابهم, فبيَّنه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم(46), فطابق وصف الآية حالهم ذلك, فكان حكم الرجم مما جاء به كتاب الله تعالى بهذا الاعتبار. وهذا الاستنباط من ابن عباس رضي الله عنه نِدٌّ للمعنى الظاهر للآية, ويوافقه في القصد والعِلَّة. وقد استنبط الزهري(ت:124) نحواً من ذلك فقال: (فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا}(المائدة 44) كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم)(47).
- قال سفيان بن عيينة(48)(ت:198) في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}(الأنعام 38): (ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم؛ فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد, ومنهم من يعدو عدو الذئب, ومنهم من ينبح نباح الكلب, ومنهم من يتطَوَّس كفعل الطاووس, ومنهم من يشبه الخنازير التي لو أُلقِيَ إليها الطعام عافته, فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه؛ فلذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمةً لم يحفظ واحدة منها, وان أخطأ رجلٌ تَرَوَّاهُ وحفظه)(49). وهذا الاستنباط قريبُ المأخذِ من وجه استنباط ابن عباس السابق؛ قال الخطابي(ت:388): (ما أحسن ما تأوَّل سفيان هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة؛ وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمُهُ مطاوعاً لظاهره وجبَ المصيرُ إلى باطنه(50), وقد أخبر الله عن وجود المماثلةِ بين الإنسان وبين كلِّ طائرٍ ودابةٍ, وذلك ممتنع من جهةِ الخِلْقَة والصورَة, وعُدِمَ من جهة النطق والمعرفة, فوجب أن يكون منصرفاً إلى المماثلةِ في الطباع والأخلاق, وإذا كان الأمر كذلك فاعلم أنك إنما تعاشر البهائم والسباع, فليكن حذرك منهم, ومباعدتك إياهم على حسب ذلك)(51).
- قال السُّهَيلي(ت:581) عند قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}(النساء 11): (وانتبه أيها التالي لكتاب الله المأمور بتدبره كيف قال: {يوصيكم الله في أولادكم} بلفظ الأولاد دون لفظ الأبناء, ثم أضاف الأولاد إليهم بقوله: {أولادكم}, ومعلوم أن الولد فلذة الكبد, وذلك موجب للرحمة الشديدة, فمع أنه أضاف الأولاد إليهم جعل الوصية لنفسه دونهم؛ ليدل على أنه أرأف وأرحم بالأولاد من آبائهم, ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول العبد لأخيه: أوصيك في أولادك. لأن أبا الولد أرحم بهم فكيف يوصي غيره بهم؟ وإنما المعروف أن يقول: أوصيك بولدي خيراً. فلما قال الله تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} عُلِمَ أن رب الأولاد أرحم بالأولاد من الوالِدِين لهم حيث أوصى بهم وفيهم, وحسبك بقوله سبحانه: {وهو أرحم الراحمين}(يوسف 64), فالأبوان من الراحمين, فالله تعالى أرحم منهما؛ فلذلك أوصى الآباء بأولادهم)(52), وهذا استنباطٌ حسنٌ أثنى عليه ابن كثير(ت:774) وقال: (وقد استنبط بعض الأذكياء..) ثم ذكره.(53)
- قال القاضي أبو يعلى(ت:458) في قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة 29): (وفي هذا دلالة على أن هؤلاء النصارى الذين يتولون أعمال السلطان, ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين, وأخذ الضرائب = لا ذمة لهم, وأن دماءهم مباحة؛ لأن الله تعالى وصفهم بإعطاء الجزية على وجه الصغار والذل)(54), قال ابن القيم(ت:751): (وهذا الذي استنبطه القاضي من أصح الاستنباط؛ فإن الله سبحانه وتعالى مد القتال إلى غاية وهي إعطاء الجزية مع الصغار, فإذا كانت حالة النصراني وغيره من أهل الجزية منافية للذل والصغار فلا عصمة لدمه, ولا ماله, وليست له ذمة, ومن ها هنا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط التي فيها صغارهم وإذلالهم, وأنهم متى خرجوا عن شيء منها فلا عهد لهم ولا ذمة, وقد حَلَّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل الشقاق والمعاندة)(55).
:: علاقةُ علم الاستنباط بعلم التفسير:
الاستنباط على ما سبق تعريفه من أشد علوم القرآن ارتباطاً بعلم التفسير, ولا يتوصل إليه إلا بعد بناء التفسير وتمامه, وقد قَسَمَ ابنُ القيم(ت:751) التفسيرَ إلى ثلاثةِ أقسام, فقال: (وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول(56):
1- تفسير على اللفظ, وهو الذي ينحُو إليه المتأخرون.
2- وتفسير على المعنى, وهو الذي يذكره السلف.
3- وتفسير على الإشارة والقياس, وهو الذي ينحُو إليه كثير من الصوفية وغيرهم)(57).
والقسم الثالث من هذه الأقسام داخلٌ في علم الاستنباط من معاني الآيات, إذ ليس هو بتفسير على اللفظ ولا على المعنى؛ فإنهما ظاهران مباشران, ويبقى الاجتهاد والتأمُّل في هذا القسم. والاستنباط أعمُّ من القياس, وإنما القياس أحد صوره وأشهرها(58), وعَدُّ هذا القسم من التفسير نوعُ تَوَسُّعٍ سبقت الإشارة إليه(59).
قال ابن تيمية(ت:728) عن هذا الوجه من التفسير: (أما أرباب الإشارات الذين يثبتون ما دلَّ اللفظ عليه, ويجعلون المعنى المُشار إليه مفهوماً من جهة القياس والاعتبار, فحالهم كحال الفقهاء العالمين بالقياس والاعتبار, وهذا حقٌّ إذا كان قياساً صحيحاً لا فاسداً, واعتباراً مستقيماً لا منحرفاً)(60), وقال في طرق دلالة اللفظ على المعنى الصحيح: (القسم الثاني: أن يُجعَل ذلك من باب الاعتبار والقياس, لا من باب دلالة اللفظ, فهذا من نوع القياس, فالذي تسميه الفقهاء قياساً, هو الذي تسميه الصوفية إشارة, وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل, كانقسام القياس إلى ذلك)(61), فالإشارات من باب الاعتبار والقياس, واختصَّ بها في الغالب أرباب السلوك وتزكية النفوس, ومنها صحيحٌ مستقيمٌ, وفاسدٌ منحرفٌ.
:: شروط الاستنباط:
لصِحَّة الاستنباط شروطٌ تعرض لها عددٌ من الأئمة كابن تيمية(ت:728) وابن القيم(ت:751) والشاطبي(ت:790) في مقامات وعبارات متشابهة, وهي تتطابق مع شروط التفسير على الإشارة والقياس التي ذكرها ابن القيم(ت:751) فقال: (وهذا – أي التفسير على الإشارة والقياس - لا بأس به بأربعة شرائط: 1- أن لا يناقض معنى الآية, 2- وأن يكون معنى صحيحاً في نفسه, 3- وأن يكون في اللفظ إشعار به, 4- وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم. فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطاً حسناً)(62), وقال الشاطبي(ت:790): (كون الباطن هو المراد من الخطاب يشترط فيه شرطان, أحدهما: أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب, ويجري على المقاصد العربية. والثاني: أن يكون له شاهدٌ نصَّاً أو ظاهراً في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض)(63), وهذان الشرطان يلتقيان مع الشرط الثاني والثالث عند ابن القيم(ت:751), وهذا بيان جميعها:
أولاً: أن لا يناقض المعنى المُستَنبَط معنى الآية: لأنه تابعٌ لها؛ مبنيٌّ عليها, فإذا عاد على معنى الآية بالنقض لم يعد استنباطاً منها, وانقطعت صلته بها, قال ابن القيم(ت:751): (والمقصود بالأقيسة والاستنباطات فهم المنقول لا تخطئته)(64)؛ لأنها كالشواهد على المعاني, ولا يصح أن يأتي الشاهد بتجريح ولا تكذيب.(65)
ثانياً: وأن يكون معنىً صحيحاً في نفسه: وهذا شرطٌ لقبوله, وما ليس كذلك لا يَصِحُّ منفرداً بنفسه, فضلاً عن أن يُزعَم ارتباطه بآيٍ من كتاب الله تعالى, قال القرطبي(ت:671): (من قال في القرآن بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول فهو مخطئ, ومن استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفق على معناها فهو ممدوح)(66).
وصدقُ القضية, ومطابقة المعنى للواقع, وعدم تناقضه واستحالته, وعدم مخالفته لنصوص الشرع وقواعده = من شروط صحة التفسير به مباشرةً أو استنباطاً, ولهذا الشرط أمثلةٌ كثيرة في تفاسير السلف.(67)
ويتبع هذا الشرط: العناية بتحرير معنى الاستنباط وإيضاحه, ورَدِّ الشُّبَه والإيرادات الواردة عليه, واستفراغ الوُسعِ في الاستدلال عليه وتأصيله.(68)
ثالثاً: وأن يكون في اللفظ إشعارٌ به: فيدخل في تنبيهه وإشارته ومعاني معانيه, ويتبع هذا موافقة المعنى المستنبَط للعربية, وعدمُ خروجه عن لسان العرب وسَنَنِها في كلامها, قال الشاطبي(ت:790): (الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص فلا بد من اشتراط العلم بالعربية)(69), وقال: (كلُّ معنىً مستنبط من القرآن غيرِ جارٍ على اللسان العربي = فليس من علوم القرآن في شيء؛ لا مِمَّا يُستَفاد منه, ولا مِمَّا يُستَفاد به, ومن ادَّعى فيه ذلك فهو في دعواه مبطل)(70)؛ وذلك الاشتراط ليتمكن المفسر من علم وجه دلالة اللفظ وإشارته على المعنى المستنبَط منه؛ إذ اللفظ كالمدخل لهذه المعاني التابعة.
رابعاً: وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم: وهي العلاقة بينهما؛ ليَصِحَّ كونه مستنبطاً منها, وإلا بَقِيَ الاستنباطُ بمعزلٍ عن معنى الآية, ولا علاقة تربطه بها. وهذه العلاقة بين المعنيين هي نسبة المعنى إلى المعنى التي سبق ذكرها في موضوع علم الاستنباط.
ويُضاف إلى تلك الشروط:
خامساً: أن يكون المعنى المستنبَطُ مفيداً, إذ ينبغي صيانةُ كلام الله تعالى عمَّا لا فائدةَ فيه من المعاني تفسيراً أو استنباطاً(71), وما لا فائدة فيه من المعاني يشملُ كُلَّ معنىً أبطل معنى الآية الظاهر, أو نزل ببيان القرآن العالي, أو حَطَّ من إجلاله وتعظيمه الواجب, أو ارتبط بعلوم فاسدة, أو لا فائدة فيها شرعية أو دنيوية(72), قال الرازي(ت:606) في تعليله لأحد المعاني: (ومعلومٌ أن حمل الآية على محملٍ تبقى الآية معه مفيدة, أولى من حملها على محملٍ تبقى الآية معه مجملة)(73), وهذا مُطَّردٌ في عامَّة المعاني المباشرة والمُستَنبَطة.
سادساً: ألاَّ يكون المعنى المستنبَطُ مُتَكَلَّفاً, وهذا شرطُ كمالٍ يصون هذا العلم عن الابتذال(74)؛ إذ المعاني المستنبطة لا تُحَدُّ, ومراتبها في القرب والبعد والظهور والخفاء متفاوتة, فلزمَ ضبط كُلِّ ذلك بصيانة المعنى من التكلف, قال ابن تيمية(ت:728): (إن اللسان له موقع من الدين, والعبارة المَرضِيَّة مندوبٌ إليها, كما أن التعَمُّقَ منهيٌّ عنه)(75), ويعيبُ ابنُ العربي(ت:543) على بعض من وقع في ذلك بقوله: (ومن أحسن ما أُلِّفَ فيه– أي: كتب التفسير القائمة على الاستنباطات– كتاب: «اللطائف والإشارات» للقشيري رضي الله عنه, وإنَّ فيه لَتَكَلُّفاً أوقعه فيه ما سلكه من مقاصد الصوفية) (76).
سابعاً: ألاَّ يَعُدَّ استنباطه من الآية تفسيراً لها بإطلاق, بل يتعيَّن عليه اعتقاده من المعاني التابعة للمعنى الأصلي الظاهر للآية الذي هو تفسيرها, كما يتعيَّن عليه تقييد وصفه لتلك الاستنباطات بالتفسير؛ فيسميها: بالتفسير الإشاري, أو نكت القرآن, أو غيرها ممَّا ميَّز به العلماء هذه الاستنباطات عن غيرها من مؤلفات التفسير الاصطلاحي؛ وذلك لصيانة معاني كتاب الله من التحريف؛ حين يعتقد القارئ مطابقة الاستنباط للفظ الآية.
وهذا ما عبَّر عنه الشاطبي(ت:790) بقوله عن إشارة تفسيرية لأحد المفسرين؛ مُشكِلَةٍ في الظاهر, بعيدةٍ عن السياق: (ولكن له وجهٌ جارٍ على الصِّحَّةِ، وذلك أنه لم يقل إن هذا هو تفسير الآية)(77), ولَمَّا فاتَ أبا عبد الرحمن السلمي(78)(ت:412) الإشارةَ صراحةً إلى هذا الشرط في تفسيره «حقائق التفسير» شَنَّع عليه جماعةٌ من العلماء, حتى قال بعضهم: (إن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر)(79), قال ابن الصلاح(ت:643): (وأنا أقول: الظنُّ بمن يوثق به منهم أنه إذا قال شيئاً من أمثال ذلك أنه لم يذكره تفسيراً, ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم؛ فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية, وإنما ذلك منهم لنظير ما ورد به القرآن؛ فإن النظير يُذكَر بالنظير)(80).
ثامناً: ألاَّ يَقصُرَ معنى الآية عليه؛ لأنه تابع ومترتب على المعنى الأصلي للآية كما سيأتي.
فبهذه الشروط يكمل الاستنباط ويحسن, وباختلالها يؤول الحال إلى ما ذكره ابن القيم(ت:751) عن استنباطٍ لبعض الصوفية اختلت فيه بعض هذه الشروط: (والاستشهاد بهذا من جنس الألغاز)(81), وهكذا هو الاستنباط حين تتخلف فيه هذه الشروط أو بعضها, ينقلب من حق وعلم إلى باطل وجهل؛ لا تصح نسبته إلى كتاب الله تعالى بوجه من الوجوه.
:: بيان معنى اللفظ سابق للاستنباط منه, ولا يصح استنباطٌ إلا على معنىً صحيحٍ ثابتٍ لِلَّفظ, فاللفظ بمنْزلة الأساس, والاستنباط بمنْزلة البنيان, و(لا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر, ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يُحكِم التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب)(82), قال القرطبي(ت:671): (والنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولاً؛ ليتَّقي به مواضع الغلط, ثم بعد ذلك يتَّسعُ الفهم والاستنباط, ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر)(83).
:: تتفاوت المعاني المستنبطة في القرب والبعد من معنى الآية, كما تتفاوت في الظهور والخفاء, وكُلُّ ذلك بحسب المعنى المستنبط, ووجه اتصاله بالمعنى الظاهر, وباستعراض أيٍّ من الكتب المفردة في الاستنباطات القرآنية يتضح ذلك بلا خفاء؛ فبينما ترى استنباطاً على التمام, إذ يتلوه آخرُ موغلاً في الإبهام, ثم يمر بك استنباطٌ في القرب والظهور كأنه المعنى المباشر للَّفظ, ويتبعه آخر في البعد والخفاء بما لا يكاد يسفر لك عن وجه اتصاله بالآية.
وهذا التفاوت في المعاني المستنبطة يستلزم التنبيه على أنه لا يمكن عَدُّ الاستنباط معنىً للآية على الاستقلال مهما اشتد قربه وظهوره من المعنى المباشر؛ لأنه تابعٌ للمعنى الأصلي ومترتب عليه كما سبق بيانه, والتفسير شرطٌ في وجوده ولا عكس.
:: يُعَبَّرُ عن المعاني المستنبطة في كلام العلماء بألفاظ عديدة, من نحو: باطن الآية, ما وراء اللفظ, إشارات الآيات, لطائفُ ومُلح ونُكَتُ الآيات, حقائق المعاني, معاني المعاني, روح المعاني, رموز المعاني, مستَتْبَعات التراكيب, دقائق التفسير, أسرار التأويل, تأملات قرآنية, ظِلالُ الآيات, هداية الآيات, فوائد الآيات .. وغيرها, وبعضها أعمُّ من بعض في الاستعمال.
:: المنهج المُتَّبع لبلوغ درجة الاستنباط المحمودة شرعاً:
إن هذا العلم عزيز, وليس في مقدور عامَّة الناس ولا أكثر علمائهم الخوض فيه, وإنما هو شأن القلَّة التي تمكنت منه بعد جَهدٍ واجتهاد وفتحٍ وتوفيق من الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء 83), قال شمس الدين الأصفهاني(ت:749): (كُلُّ من كان حَظُّه في العلوم أوفر, كان نصيبه من علم القرآن أكثر)(84), وقال ابن القيم(ت:751) في معنى {يَسْتَنبِطُونَهُ}: (أي يستخرجون حقيقته وتدبيره بفطنتهم, وذكائهم, وإيمانهم, ومعرفتهم بمواطن الأمن والخوف)(85), وقال: (ولو رُزِقَ العبدُ تضَلُّعاً من كتاب الله وسنة رسوله, وفهماً تامَّاً في النصوص ولوازمها, لاستغنى بذلك عن كلِّ كلامٍ سواه, ولاستنبط جميع العلوم الصحيحة منه)(86).
ومن رامَ بلوغ شيءٍ من مدارج هذا العلم فلْيُحكِم أولاً الطريق إليه, وهو: العلم بحدود ألفاظ الآيات, وفهم وجوه معانيها, وتصرُّفاتِ أساليبها, ثُمَّ يستظهر بعد ذلك - بآلةٍ راسخة في علوم اللسان والبيان, وأصول الشرع ومقاصده, وبتحقُّقٍ تامٍّ فيما هو بصدد استنباط مسائِله من العلوم – ما تقع عليه بصيرته من دقائق المعاني, ومحاسن الإشارات؛ الأقرب منها فالأقرب إلى معنى الآية, ثمَّ الأقوى منها فالأقوى في الدلالة على مقصده ومُراده, قال ابن جرير(ت:310): (أولى العبارات أن يُعَبَّر بها عن معاني القرآن أقربها إلى فهم سامعيه)(87), وقال الراغب الأصفهاني(ت:بعد500): (إن المائل إلى دقيق المحاجَّة هو العاجز عن إقامة الحُجَّة بالجَليِّ من الكلام؛ فإنَّ من استطاع أن يُفهِمَ بالأوضح الذي يفهمه الكثيرون, لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون, وقد أخرج الله تعالى مخاطباته في أجلى صورة تشتمل على أدقِّ دقيق؛ لتفهم العامَّة من جَلِيِّها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة, ويفهم الخواص من أسرارها ودقائقها)(88), وقال ابن القيم(ت:751): (وإذا دعاك اللفظ إلى المعنى من مكان قريب, فلا تُجِب من دعاك إليه من مكان بعيد)(89).
وإنَّ بذلَ غاية الوُسعِ والاجتهاد في تفحُّصِ معاني الآيات, وتقليب وجوهها, والغوص في مدلولات ألفاظها ومقاصدها وعللها = لهو أعظم شرطٍ لنيلِ المرادِ في هذا البابِ, ولتحقيق ذلك عانى العلماء ما عانوه, ولحِقَهم فيه من المشقَّة والجَهدِ ما لَحِقَهم, وهذه صورة من ذلك يرويها محمد بن سعيد الفاريابي, عن الإمام المُزَنيُّ(ت:264) أو الرَّبيع(ت:270) قال: (كنَّا يوماً عند الشافعي بين الظهر والعصر عند الصحن في الصُّفَّة, والشافعي قد استند – إما قال: إلى اصطوانة, وإما قال إلى غيرها -, إذ جاء شيخ عليه جبة صوف, وعمامة صوف, وإزار صوف, وفي يده عُكَّاز, قال: فقام الشافعي, وسوى عليه ثيابه, واستوى جالساً, قال: وسَلَّمَ الشيخُ وجلس, وأخذ الشافعيُ ينظر إلى الشيخ هيبةً له, إذ قال له الشيخ: أسأل؟ فقال: سل. قال: أيشٍ الحُجَّةُ في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله. قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: من أين قلت: اتفاق الأمة من كتاب الله؟ قال: فتدبر الشافعي ساعةً, فقال للشافعي: يا شيخ, قد أَجَّلْتُك ثلاثةَ أيام ولياليها, فإن جئت بالحُجَّةِ من كتاب الله في الاتفاق وإلا تُبْ إلى الله عز وجل. قال: فتغَيَّرَ لون الشافعي, ثم إنه ذهب فلم يخرج ثلاثةَ أيامٍ ولياليهن, قال: فخرج إلينا اليوم الثالث في ذلك الوقت - يعني بين الظهر والعصر -, وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه, وهو مِسْقَام, فجلس, قال: فلم يكن بأسرعَ أن جاء الشيخُ فسلم وجلس, فقال: حاجتي. فقال الشافعي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم, قال الله عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}(النساء 115), لا يُصلِيه على خلافِ المؤمنين إلا وهو فرضٌ. قال: فقال: صدقت. وقام وذهب. قال الفاريابي: قال المزنيُّ أو الربيعُ: قال الشافعي: لما ذهب الرجلُ قرأتُ القرآنَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ ثلاثَ مراتٍ حتى وقفتُ عليه)(90). وقد كان هذا الاجتهاد دأبُ الشافعي رحمه الله, ومنه قوله: (لَمَّا أردتُ إملاءَ تصنيف أحكام القرآن قرأتُ القرآنَ مائةَ مَرَّة)(91).
وبالتأمُّل في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه السابق: (مثلُ ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثلِ غيثٍ أصابَ أرضاً فكان منها طائفةٌ طيبةٌ, قبلت الماءَ فأنبتت الكلأَ والعشبَ الكثير)(92), ترى جملةً ظاهرةً من أوصاف أهل العلم بالاستنباط احتواها هذا المثل النبوي الجليل, وبيانها: أن قلوبَ هؤلاء العلماء أرضٌ طيبةٌ, قبلت الوحي, واستقر في أعماقها, ثمَّ أنبت الوحي في جوارحهم العمل الصالح الكثير؛ الذي يتعدَّى نفعه أنفسَهم إلى غيرهم. فهم أهل إيمانٍ راسخ, وعملٍ بالعلم ملازم, ونفعٍ للناس دائم.
وهذا يؤكد أنَّ لطهارة الباطن, وزكاء النفس, وعمارة القلب بالتقوى أثرٌ ظاهرٌ في باب الاستنباط, ولهذا المعنى نصيبٌ من قول الله تعالى {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(البقرة 282)؛ ووجه ذلك أن انشغال القلب بمعاني العبودية والتقوى يُقَرِّبه من إشاراتها ودلالاتها في الآيات؛ ذلك أنَّ من اهتَمَّ بشيءٍ غلبَ على تفكيره, وتراءى له في كُلِّ ما يقصده, وقد دَلَّ قوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا}(يـس 69- 70) على أنَّ فهم المراد من القرآن والانتفاع به إنما يحصل لمن هو حيُّ القلب. كما أن هذه الاستنباطات من نِعَمِ الله تعالى على العبد, ولا تُنَال نِعمةُ الله تعالى بغير طاعته وتقواه, وقد أشارت النصوص الشرعية إلى أن أهل هذه الصفات – من الطاعة والتقوى وحياة القلب - أولى بإصابة الحق من غيرهم؛ إذ معهم من أسباب الهداية والإصابة ما يدنيهم من الحقِّ ويُجَلِّيه لهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور, والصدقة برهان, والصبر ضياء)(93), قال ابن تيمية(ت:728): (ومن كان معه نورٌ وبرهانٌ وضياءٌ كيف لا يعرف حقائق الأشياء من فحوى كلام أصحابها؟!, وفي الحديث الصحيح: (لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها)(94), ومن كان توفيق الله له كذلك فكيف لا يكون ذا بصيرةٍ نافذةٍ, ونَفْسٍ فَعَّالَة, وإذا كان القلب معموراً بالتقوى انجلت له الأمور وانكشفت, بخلاف القلب الخراب المُظلم, وكُلَّما قويَ الإيمانُ في القلب قويَ انكشافُ الأمور له, وعرف حقائقها من بواطلها)(95).
وممَّا يُعين المفسِّر على حسن الاستنباط: تفريغ القلب من الشواغل, وجمعه على ما هو بصدده من تأمُّل دقائق المعاني ولطائفها, قال الرازي(ت:606) مبيناً أثر انشغال القلب على الاستنباط: (فهذا جملة الكلام في المسائل الفقهية المستنبطة من هذه الآية, وهي مئةُ مسألة, وقد كتبناها في موضع ما كان معنا شيء من الكتب الفقهية المعتبرة, وكان القلب مشوَّشاً بسبب استيلاء الكفار على بلاد المسلمين, فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرَّهم, وأن يجعل كَدَّنا في استنباط أحكام الله من نَصِّ الله سبباً لرجحان الحسنات على السيئات, إنه أعزُّ مأمول, وأكرم مسؤول)(96).
ولاعتياد الاستنباط والدربة عليه أثرٌ ظاهرٌ في التمكُّن منه وإتقانه, شأنه في هذا شأن سائر العلوم التي لا يتحقق العالم وترسخ فيها قدمه إلا بمعاناتها وإدمان النظر فيها, ومن أحسن الشواهد على هذا في علم الاستنباط حال الإمام الرازي(ت:606) رحمه الله؛ الذي قصد إلى تحقيق استنباط عشرة آلاف مسألة من سورة الفاتحة, فشرع في تفسيره الجليل: التفسير الكبير, ومَلَأَهُ بعجائب العلوم والاستنباطات(97). فيقول شاهداً على أثر معاناة الاستنباط واعتياده, بعد ذكره لطائفة من دقائق المسائل والاستنباطات في قوله تعالى {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء 59): (فهذه المسائل الأصولية استنبطناها من هذه الآية في أقلِّ من ساعتين, ولعل الإنسان إذا استعمل الفكر على الاستقصاء أمكنه استنباط أكثر مسائل أصول الفقه من هذه الآية)(98).
وقد ذكر بعضُ العلماء لزوم المسارعة إلى تقييد ما يسنح بالخاطر من هذه الإشارات واللطائف والمستنبطات؛ فإنها عزيزة الورود, سريعة الزوال, نادرة الرجوع, وفي شرح حديث علي رضي الله عنه: (ما عندنا إلا ما في القرآن, أو فهماً يعطيه الله رجلاً في كتابه, أو ما في هذه الصحيفة)(99), قال ابن حجر(ت:852): (ومراد علي أن الذي عندَه زائداً على القرآن مِمَّا كَتَبَ عنه: الصحيفة المذكورة, وما استنبط من القرآن. كأنه كان يكتب ما يقع له من ذلك لئلا ينساه, بخلاف ما حفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام فإنه يتعاهدها بالفعل والإفتاء بها فلم يخش عليها من النسيان)(100), ولمَّا كانت هذه الاستنباطات من نعم الله على العبد وفضله عليه وجب عليه إكرامها وشكرها؛ ومن ذلك تقييدها وحفظها, وقد تمثل ذلك الإمام الرازي(ت:606) رحمه الله فقال عن إحدى لطائف استنباطاته: (ثم إن ههنا لطيفةٌ فقهية لاحت لهذا الضعيف حالَ تفكُّره في تفسير هذه الآية, فأراد تقييدها هنا؛ فإنها من فضل الله, فيجب عليَّ إكرامها بالتقييد بالكتاب)(101).
:: الاستنباط في كتب التفسير:
لا يكاد يخلو كتابٌ من كتب التفسير الموَسَّعة والمتوسطة من استنباط من الآيات, بل أفردَ بعضهم علم الاستنباط في مصنفات مستقلة عن التفسير, وهذه أمثلةٌ من أشهر هذه المصنفات في خصوص هذا العلم:
- تفسير التستري(ت:283), و(لطائف الإشارات), لأبي القاسم القشيري(ت:465), و(حقائق التفسير), لأبي عبد الرحمن السلمي(ت:412), وموضوعها الإشارات الصوفية, واستنباطات المعاني الإيمانية.(102)
- (نكت القرآن الدالَّة على البيان في أنواع العلوم والأحكام), للقصاب الكرجي(103)(ت:360), وموضوعه استنباطاتٌ في عامة العلوم الشرعية, ويغلب عليها الاستنباطات الفقهية, والعقدية.(104)
- (حُجَجُ القرآن), لأبي الفضائل أحمد بن محمد بن مظفر الرازي(ت:631), استنبط فيه الحُجج الاعتقادية لعامة الفرق الإسلامية من جميع القرآن الكريم.(105)
- (الإكليل في استنباط التنْزيل), للسيوطي(ت:911), وموضوعه استنباطاتٌ فقهية, وأصولية, واعتقادية, وبعضاً ممَّا سوى ذلك, وقرن فيه الاستنباط بتفسير الآية حيث توقف فهم الاستنباط عليها.(106)
ويكاد يكون الاستنباط من الآيات غرض الرازي(ت:602) في تفسيره (التفسير الكبير)(107), فيكون من هذا القبيل من الكتب, لولا ما فيه من التفسير, وقد قيل عنه: (فيه كُلُّ شيء إلا التفسير)(107), ومثله في اعتماد الاستنباط وقصده بجلاء: ابنُ العربي(ت:543) في: (أنوار الفجر في مجالس الذكر)(108), والكرماني(ت:بعد500) في: (غرائب التفسير وعجائب التأويل)(109), والطوفي(ت:716) في: (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية)(110), على تنوعٍ في الموضوعات المستنبطة؛ ما بين عقيدة, وفقه, ولغة, وأصول, وتزكية, وآداب, وغيرها.
:: علاقة علم الاستنباط بعلوم القرآن:
أثَّرَ علمُ الاستنباط في طائفةٍ من علوم القرآن؛ بعضها قائمٌ بأصله عليه, وبعضها آخِذٌ منه بقليلٍ أو كثير, ومن هذه العلوم:
1- أمثالُ القرآن: وهي أفسحُ مجال تتزاحم فيه الاستنباطات والاجتهادات, كما أنها أشبه العلوم بعلم الاستنباط, قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}(العنكبوت 43)؛ (إذ ليس كُلُّ أحدٍ يدرك حقيقة الأمثال, ولا يُصغِي إليها كُلُّ نفور القلب نَكُودِ الحال, والذي تضمَّنَت من الحكمة كثير)(111), ومن حِكَمِ ضرب الأمثال: (أنَّ الله أراد أن يَعَلِّم الخلق كيف يتجاوزون في العِبْرَة من المُشَاهَدَةِ إلى الغيب)(112), وهذا من غايات الاستنباط كما لا يخفى.
2- المناسبات بين السور والآيات: وهو علمٌ استنباطي اجتهادي, تتفاوت فيه مدارك العلماء وأنظارهم دِقَّةً وخفاءً, ووضوحاً وجلاءً, وتكاد تتطابق شروطه مع شروط الاستنباط المذكورة سلفاً, قال السيوطي(ت:911) بعد أن عدَّد وجوهاً من المناسبات: (وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة إلى أسرار القرآن كنقطة من بحر)(113).
3- المتشابه المعنوي في الآيات: وهو مرتبطٌ بالاستنباط من جهة أن غالب وجوه التوفيق بين المعاني المتشابهات ورَدّ دعاوى التخالف عنها = راجعةٌ إلى استنباط المجتهد لتلك الوجوه, وإبداء خفيَّات المعاني التي يأتلف بها ظاهر الكلام في تلك المواطن(114). وفي قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(النساء 82) إشارةٌ ظاهرةٌ إلى سبيل إزالة الاختلاف الموهوم في القرآن, وهو: تدبر القرآن, فإذا حصل التدبر لم يجد الناظر في القرآن اختلاف ألبَتَّة. وهذا التدبر هو باب الاستنباط الأعظم الذي لا بد منه لكل مستنبط.
* * * *
المبحث الثاني:
نموذج تطبيقي من استنباطات الصحابة رضي الله عنهم
* هذه دراسةٌ تطبيقيةٌ على أشهر أمثلة الاستنباط والتفسير على الإشارة في عهد الصحابة رضي الله عنهم(115):
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر, فكأن بعضهم وجدَ في نفسه, فقال(116): لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ حيثُ علمتم. فدعاه ذات يومٍ, فأدخله معهم, فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليُرِيهم, قال: ما تقولون في قول الله تعالى {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1]؟ فقال بعضهم: أُمِرنَا نحمدُ اللهَ ونستغفِرُه إذا نَصَرَنَا وفَتَحَ علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً, فقال لي: أكذاك تقول يا ابنَ عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَه له؛ قال: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1], وذلك علامةُ أَجَلِك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر 3]. فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول)(117).
* دراسةٌ وتحليل:
لَمَّا سأل عمرُ رضي الله عنه الصحابةَ عن معنى قوله تعالى {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر1] سكت بعضهم, وفَسَّر بعضهم الآية بقوله: (أُمِرنَا نحمدُ اللهَ ونستغفِرُه إذا نَصَرَنَا وفَتَحَ علينا), وهذا المعنى مأخوذ من ظاهر الآية, وهو المتبادر منها, قال ابن تيمية(ت:728): (وقد كان عمر يسألُ ويسألُ عن معاني الآيات الدقيقة, وقد سألَ أصحابه عن قوله {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1], فذكروا ظاهر لفظها)(118), وقال الشاطبي(ت:790): (فظاهر هذه السورة أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسبِّح بحمد ربِّه ويستغفره إذ نَصَره الله وفتح عليه)(119).
ثمَّ لَمَّا توجَّه السؤال لابن عباس رضي الله عنه قال بأنَّه: (أجَلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَه له), وهذا خلوصٌ من الظاهر إلى لازم المعنى؛ وذلك أن الله تعالى عَلَّقَ الاستغفار بنعمةٍ يُحدِثها سبحانه وهي: الفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم, ودخول الناس في دينه. وهذا ليس بسببٍ للاستغفار, فَعُلِمَ أن سببَ الاستغفار غيرُه, (وهو حضور الأجل؛ الذي من تمام نعمة الله على عبده توفيقه للتوبة النصوح والاستغفار بين يديه؛ ليلقى ربه طاهراً مُطَهَّراً من كل ذنب, فيقدم عليه مسروراً راضياً مرضياً عنه)(120).
كما أنه قد استقرّ في الشرع وموارد النصوص تشريعُ الاستغفار والتوبة عند تمام الأعمال ونهايتها(121), قال ابن تيمية(ت:728) عن قول ابن عباس في الآية: (وهذا باطن الآية الموافق لظاهرها, فإنه لمَّا أمر بالاستغفار عند ظهور الدين, والاستغفار يؤمر به عند ختام الأعمال, وبظهور الدين حصل مقصود الرسالة؛ علموا أنه إعلام بقرب الأجل مع أمور أُخَر, وفوق كل ذي علم عليم)(122), وقال ابن القيم(ت:751): (يدل عليه أيضاً أنه سبحانه شرع التوبة والاستغفار في خواتيم الأعمال, فشرعها في خاتمة الحج وقيام الليل, وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ من الصلاة استغفر ثلاثاً, وشرع للمُتَوَضِّئ بعد كمال وضوءه أن يقول: (اللهم اجعلني من التَّوَّابين, واجعلني من المتطهِّرين)(123), فعُلِمَ أن التوبة مشروعة عقيب الأعمال الصالحة, فأمر رسوله بالاستغفار عقيب توفيته ما عليه من تبليغ الرسالة والجهاد في سبيله حين دخل الناس في دين الله أفواجاً, فكأنَّ التبليغ عبادة قد أكملها وأدَّاها, فشُرِعَ له الاستغفار عقيبها)(124), وقال أيضاً: (ويدل عليه أيضاً قوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}[النصر 3] وهو صلى الله عليه وسلم كان يُسَبِّح بحمده دائماً, فعُلِمَ أنَّ المأمور به من ذلك التسبيح بعد الفتح ودخول الناس في هذا الدين أمرٌ أكبَر من ذلك المُتَقَدِّم, وذلك مُقَدِّمةٌ بين يدي انتقاله إلى الرفيق الأعلى, وأنه قد بقيت عليه من عبودية التسبيح والاستغفار التي تُرَقِّيه إلى ذلك المقام بقيَّةٌ, فأُمِرَ بتَوْفِيَتِها)(125).
وممَّا أكَّدَ المعنى عند ابن عباس رضي الله عنه اجتهادُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة كأشَدِّ ما يكون اجتهاداً في أمرِ الآخرة(126), وكذلك كونها آخر سورة نزلت جميعاً من القرآن(127).
* حاصلُ الرواية ونتيجتها:
ما فهمه الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنه من الآية هو ظاهرها, وهو المعنى المطابق للفظ الآية, وهو معنى مليحٌ صحيح, سواء أُريد به الحمد والاستغفار باللسان, أو بالصلاة والدعاء, قال ابن كثير(ت:774): (فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين, من أنه: قد أُمِرنا إذا فتح الله علينا المدائنَ والحصونَ أن نحمد اللهَ ونشكرَه ونسبحَه؛ يعني: نصلي له ونستغفره؛ معنى مليحٌ صحيحٌ, وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقتَ الضُّحى ثماني ركعات, فقال قائلون: هي صلاة الضحى, وأُجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها, فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافراً لم ينو الإقامة بمكة؟ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريباً من تسع عشرة يوماً يقصر الصلاة, ويفطر هو وجميع الجيش, وكانوا نحواً من عشرة آلاف. قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح, قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلداً أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات, وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يوم فتح المدائن)(128).
وأمَّا تفسير ابن عباس رضي الله عنه فهو استنباطٌ جليل, من أدقِّ الفهم وألطفه, مُنتَزَعٌ من لفظ الآية, ومُتَبَصِّرٌ بلوازمها ومقاصدها, ولا يُدركه كلُّ أحد, قال ابن حجر(ت:852): (وفيه جواز تأويل القرآن بما يُفهَم من الإشارات, وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمُهُ في العلم؛ ولهذا قال علي رضي الله عنه: (أو فَهماً يؤتيه الله رجلاً في القرآن))(129), ولذا وافقه عليه عمر رضي الله عنه, وهو ما تأوَّلَه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بفعله؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزلت عليه {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر 1] إلا يقول فيها: (سبحانك ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي), يتأَوَّلُ القرآن)(130). كما تأوَّلها عدد من الصحابة بأنه حضور أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم(131), قال ابن عطية(ت:546): (وهذا المنْزع الذي ذكره ابن عباس, ذكره ابن مسعود وأصحابه, ومجاهد وقتادة والضحاك, وروت معناه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.., وقال لها مَرَّة: (ما أراه إلا حضور أجلي)(132), وتأوَّلَه عمر والعباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصَدَّقَهما)(133).
وعليه جمهور المفسرين(134), كمقاتل(ت:150), وابن جرير(ت:310), والواحدي(ت:468), وابن عطية(ت:546), والرازي(ت:604), وابن تيمية(ت:728), وابن القيم(ت:751), والشاطبي(ت:790).(135)
* من مسائل هذا الأثر في التفسير:
أولاً: اشتمل تفسير الصحابة رضي الله عنهم لهذه الآية على معنيين:
- أحدهما: ظاهرٌ قريبٌ صحيح, وهو المعنى الذي ذكره من حضر من أشياخ بدرٍ من الصحابة رضي الله عنهم.
- والآخرُ باطِنٌ بعيدٌ أصحّ, وهو المعنى الذي ذكره ابن عباس ووافقه عليه عمر رضي الله عنه, وتأوَّله طائفة من الصحابة.
وقد يترجَّح المعنى الباطن البعيد, على المعنى الظاهر القريب, مع اشتراكهما في الصحة والقبول؛ لتفاوتهما في الدلالة على المراد, وكم من إشارةٍ أَغنَتْ عن عبارة.(136)
ثانياً: استكمل استنباطُ ابن عباس رضي الله عنه من هذه الآية شروطَ الاستنباطِ الصحيح, فجاء صحيحاً في نفسه, موافقاً لمقاصد القرآن, مرتبطاً بمعنى الآية غيرَ مناقض لها, مفيداً غير متكَلَّف, ولم يقصر معنى الآية عليه. فكان تفسيره بذلك خيرَ مثالٍ على استيفاء المعنى, وحُسن الاستنباط.
ثالثاً: أن ابن عباس رضي الله عنه لم يتجاوز ظاهر اللفظ إلى ما يستنبط منه إلا بعد معرفة المعنى الظاهر واستقراره, وظهوره في تفسير الصحابة رضي الله عنهم, وقوله: (لا) في جوابه على سؤال عمر: (أكذاك تقول يا ابن عباس؟) ليس نفياً لتفسير الصحابة بالظاهر, وإنما نفياً لاقتصاره عليه دون مراده وما يستنبط منه, وهو تفسيره بدُنُوِّ أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: أنه قد يقوى المعنى الخَفيّ في الآية عند المفَسِّر حتى يغيب معه المعنى الظاهر منها أو يكاد, ففي قول عمر لابن عباس رضي الله عنهما: (ما أعلم منها إلا ما تقول) نفيٌ لما فهمه جلساؤه من الآية وهو ظاهرها, وهذا مُشكِل؛ فإن ما ذكره الصحابة رضي الله عنهم معنى صحيح لا شك فيه, والأخذ بالظاهر أصلٌ جرى عليه التفسير النبوي وتفسير الصحابة رضي الله عنهم - ومنهم عمر وابن عباس - في غيرما موضع. ويُجَاب عنه بأنه ليس في قول عمر رضي الله عنه هنا إبطال لما فهمه الصحابة, أو عدم اعتبار للظاهر, وإنما ذلك منه مبالغة في تصحيح قول ابن عباس, وتأكيد له في مقابل قول جميع من حضر من الصحابة, وفيهم كبارهم من أشياخ بدر, ويشهد له سياق القصة؛ فإن عمر رضي الله عنه قصدَ من ذلك إظهار فضل ابن عباس وعقله وعلمه لَمَّا قالوا له: (لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ حيثُ علمتم), فكان أن وافقه أشد الموافقة بتلك الصيغة, وقد تكررت هذه العبارة من عمر لابن عباس رضي الله عنهما في غير هذا المقام, على نحو هذا المعنى, قال ابن عباس رضي الله عنه: (كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوني مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا. قال: فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر, قال: أرأيتم قول رسول الله: (التمسوها في العشر الأواخر), أيُّ ليلةٍ ترونَها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى. وقال بعضهم: ليلة ثلاث. وقال آخر: خمس. وأنا ساكت, فقال: ما لك لا تتكلم؟! فقلت: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت. قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم. قال: فقلت: أُحدِّثُكُم برأيي. قال: عن ذلك نسألك. قال: فقلت: السبع؛ رأيت اللهَ ذكر سبع سماوات, ومن الأرضين سبعاً, وخلق الإنسان من سبع, وبرز نبت الأرض من سبع. قال: فقال: هذا أخبرتني ما أعلم, أرأيت ما لا أعلم؟ ما قولك: نبت الأرض من سبع؟ قال: فقلت: إن الله يقول: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا}[عبس 26], إلى قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[عبس 31], والأبُّ: نبت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس. قال: فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه بعد؟! إني والله ما أرى القول إلا كما قُلتَ, وقال: قد كنت أمرتك أن لا تتكلم حتى يتكلموا, وإني آمرك أن تتكلم معهم)(137).
خامساً: ما فهمه عمر رضي الله عنه من هذه الآية استنباطاً, يُطابِقُ ما فهمه من قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}(المائدة 3)؛ فإنه لَمَّا نزلت هذه الآيةُ فرح الصحابةُ رضي الله عنهم بهذا التمام, وبكى عمر رضي الله عنه مستشعراً نعيَهُ صلى الله عليه وسلم, وقال: (لم يكمُل شيءٌ إلا نقص)(138), وما عاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إحدى وثمانين يوماً(139). وظاهرٌ اعتماد عمر رضي الله عنه في هذا الاستنباط على لازم معنى اللفظ, قال ابن كثير(ت:774): (ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت: (بدأ الإسلام غريباً, وسيعود غريباً كما بدأ, فطوبى للغرباء)(140))(141).
سادساً: أن الذي مَيَّزَ ابن عباس رضي الله عنه عن غيره من الصحابة في هذا المقام وأمثاله من مقامات التفسير والبيان: دقَّةُ الفهم, وجودة الاستنباط, كما سبقت الإشارة إليه.
سابعاً: الحَثُّ على التأمُّل في معاني المعاني, ولوازمها, وربط الوحي- كتاباً وسُنَّةً- بعضَه ببعض, والغوص فيما وراء الألفاظ؛ للوقوف على مُرادات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, قال الغزالي(ت:505): (من زعم أنه لا معنى للقرآن إلا ما ترجمه ظاهر التفسير فهو مُخبرٌ عن حَدِّ نفسه, وهو مُصيبٌ في الإخبار عن نفسه, مُخطِئٌ في الحكم بردِّ كافَّة الخلق إلى درجته التي هي حَدُّه ومَحَطُّه, بل الأخبار والآثار تدل على أن في القرآن مُتَّسعاً لأرباب الفهم؛ ففيه رموزٌ وإشارات, ومعانٍ وعبارات, وتلويحٌ ودلالات, يختَصُّ بدَرْكها أهلُ الفهم من ذوي العنايات)(142), وقال ابن القيم(ت:751): (والعلم بمُراد المتكلم يُعرَف تارةً من عموم لفظه, وتارةً من عموم عِلَّته, والحَوالَةُ على الأوَّل أوضح لأرباب الألفاظ, وعلى الثاني أوضح لأرباب المعاني والفهم والتدبر)(143), (وإن شِئتَ أدخلتَ هذا في باب معنى المعنى, أي المعاني التي وراء المعاني, ولا ضيرَ أن تكون وراءها بمسافةٍ أبعد, أو أن تكون من باب مُستَتبَعات التراكيب, وهو بابٌ جليلٌ غَيَّبَه غُبارُ العُجمَة)(144).
هذه أبرز مسائل هذا الأثر التفسيري الجليل, وبه يتم ما قصدتُ إليه من هذا البحث, وأختمه بمقالة الإمام الشافعي(ت:204) رحمه الله في الوصية بهذا العلم إذ يقول: (فحَقٌّ على طَلَبة العلم بلوغُ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه, والصبر على كل عارضٍ دون طلبه, وإخلاص النية لله في استدراكِ علمه: نَصَّاً واستنباطاً, والرَّغبةُ إلى الله في العون عليه, فإنه لا يُدرَكُ خيرٌ إلا بعونه)(145).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * * *
( خاتمة البحث )
الحمد لله على إتْمام النعمة, واكتمال مباحث هذا البحث, وأسأله تعالى المزيد من فضله وتوفيقه, وبعد:
فهذا آخرُ هذا البحث وخاتِمَتُه, والتي أعرضُ فيها - بإذن الله - أبرزَ النتائج, وأهمَّ التوصيات, موضِّحاً فيها جُملَةً من القضايا التي تبيَّنَت وتأكَّدَت من خلال معايشة هذا البحث. وتتلخَّصُ هذه النتائج فيما يأتي:
أولاً: قامت موضوعات كتب التفسير على ثلاثة أنحاء: بيان الألفاظ والمعاني, وبيان معاني المعاني. وقد اهتم العلماء كثيراً ببيان وتحرير جانب ألفاظ القرآن ومعانيه, أما جانب معاني المعاني, ومستتبعات التراكيب, والاستنباطات القرآنية, فهو بابٌ جليل, لم يأخذ حظَّه من التحرير والتأصيل, مع كون هذا العلم من ألصق العلوم بعلم التفسير.
ثانياً: لَمَّا كان بيان السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم لمعاني القرآن في الذروة من الإصابة والبيان, كان استنباطهم أدَقَّ استنباطٍ وأصَحَّه وألطفه, وهذا التَّميُّز في تفاسير السلف واستنباطاتهم جزءٌ من مقتضى خيريَّتِهم وتفضيلهم الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: إن تميُّز السلف في تناول هذا النوع الدقيق من البيان, لَيُبْرِزُ حرصهم على توفيةِ الآيات حَقَّها من المعاني, واستيعاب كُلِّ حقٍّ أشار إليه لفظ الآية, ودَلَّ عليه معناها, وذاك هو علم الاستنباط.
رابعاً: أن الاستنباط علمٌ معتبَرٌ, وحُجَّةٌ في الشرع, دَلَّت على اعتباره وتقديمه جملةٌ من أدلة الكتاب والسنة.
خامساً: من حقِّ اللفظ والمعنى في التفسير استيعاب المعاني الصحيحة المتعلقة بهما من جهة نِدِّ المعنى ولوازمه وأشباهه ونظائره.
سادساً: المعاني المأخوذة بالاستنباط - بطبيعتها - أكثر وأغنى من معاني الألفاظ المباشرة, بل إن من أحكام الحوادث ما لا يُعرَفُ بالنصِّ وإنما بالاستنباط, وكم من سِرٍّ وحُكمٍ نَبَّهت عليهما الإشارة, ولم تبينهما العبارة.
سابعاً: الاستنباط قدرٌ زائدٌ على مجرد إدراك المعنى الظاهر؛ ومن ثَمَّ عزَّ وجوده, وصَعُبَ إدراكه, ولا يؤتاهُ كلُّ أحدٍ, بل هو من مواهب الله تعالى التي ينعِمُ بِها على من شاء من عباده.
ثامناً: موضوع علم الاستنباط: نِدُّ المعنى الظاهر ونظيره؛ الذي يوافقه في القصد أو يقاربه, ولوازم المعنى, وعلله؛ ليُلحَق به أشباهه ونظائره, وتتبين معه نسبةُ الألفاظ بعضها إلى بعض, ثُمَّ مقاصد المتكلم ومراده, بحيث لا يُزادُ عليها ولا يُنقَصُ منها.
تاسعاً: بيان معنى اللفظ سابق للاستنباط منه, ولا يصح استنباطٌ إلا على معنىً صحيحٍ ثابتٍ لِلَّفظ, فاللفظ بمنْزلة الأساس, والاستنباط بمنْزلة البنيان, ولا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر.
عاشراً: علمُ الاستنباط علمٌ مبارك, يفيضُ على الأمَّة في كل زمان بكلِّ ما تحتاجه من معرفة الحَقِّ المطابق لوقائعها, والمستمَدِّ من خيرِ بيان وأصدق كلام؛ كتاب الله تعالى.
هذه أبرز نتائج هذا البحث, وقد اشتمل إلى ذلك على بعض التوصيات الهادفة إلى رفع مستوى التأصيل والإيضاح لهذا العلم, وأُجمِلُ جميع ذلك فيما يأتي:
أولاً: الاستنباط من أهمِّ أسباب دَرَكِ العلوم؛ وله من الأصولِ والضوابط التي تجمع جزئياته, وتَلُمُّ متفرِّقاته, ما يجدر معه بأهل العلم إبرازها وتحديدها, بعد جمعها ودرسها.
ثانياً: يلزم العناية بآثار السلف في علم التفسير, مع إبراز أنواع العلوم والمعارف التفسيرية منها, ثمَّ تأصيل علوم التفسير على نَهجها.
ثالثاً: وجوب العناية بتقريب معاني الآيات وتسهيلها للناس, وربط الحوادث المستجدَّة لديهم بمعاني صحيحة من آيات القرآن الكريم, واستثمار علم الاستنباط في نيل هدايات القرآن في كل زمان ومكان.
هذه أبرز النتائج والتوصيات, وبالله تعالى التوفيق, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * * *
( قائمة المراجع )
- الإتقان في علوم القرآن, لجلال الدين السيوطي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- أحكام أهل الذمة, لابن القيم, ت: يوسف بن أحمد البكري, وشاكر بن توفيق العاروري, رمادي للنشر, الدمام, ط1, 1418.
- أحكام القرآن, للشافعي, جمعه البيهقي, ت: عبد الغني عبد الخالق, دار الكتب العلمية, بيروت, 1412.
- أحكام القرآن, للجصاص, ت: عبد السلام شاهين, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1415.
- إحياء علوم الدين, لأبي حامد الغزالي, دار المعرفة, بيروت.
- الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية, للطوفي, ت: حسن بن عباس قطب, الفاروق الحديثة, القاهرة, ط2, 1424.
- الإصابة في تمييز الصحابة, لابن حجر, ت: عادل عبد الموجود, وعلي معوض, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1415.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين, لابن القيم, ت: مشهور بن حسن آل سلمان, دار ابن الجوزي, ط1, 1423.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان, لابن القيم, ت: حسان عبد المنان, وعصام الحرستاني, مؤسسة الرسالة, ط1, 1414.
- الأقوال الشاذَّة في التفسير, لعبد الرحمن بن صالح الدهش, نشر مجلة الحكمة, بريطانيا, ط1, 1425.
- الإكليل في استنباط التنْزيل, للسيوطي, ت: عامر بن علي العرابي, دار الأندلس الخضراء, جدة, ط1, 1422.
- أمالي ابن الشجري, ت: محمود محمد الطناحي, مكتبة الخانجي, القاهرة.
- أنوار التنْزيل وأسرار التأويل, للبيضاوي, تقديم: محمود الأرناؤوط, دار صادر, بيروت, ط1, 2001م.
- البحر المحيط, لأبي حيان الأندلسي, ت: عادل عبد الموجود, وعلي معوض, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1422.
- البحر المحيط في أصول الفقه, للزركشي, ت: محمد محمد تامر, دار الكتب العلمية, ط1, 1421.
- بدائع الفوائد, لابن القيم, ت: علي بن محمد العمران, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة, ط1, 1425.
- تاريخ دمشق, لابن عساكر, ت: عمر بن غرامة العمري, دار الفكر, بيروت, 1995م.
- التبيان في أقسام القرآن, لابن القيم, ت: عصام فارس الحرستاني, ومحمد الزغلي, مؤسسة الرسالة, ط1, 1414.
- التحرير والتنوير, للطاهر ابن عاشور, نشر الدار التونسية.
- تحفة الأبرار بنكت الأذكار, لابن حجر العسقلاني, مطبوع بذيل الأذكار, للنووي, ت: بشير محمد عيون, مكتبة المؤيد, الطائف, ط1, 1408.
- التسهيل لعلوم التنْزيل, لابن جزي الغرناطي, ت: رضا فرج الهمامي, المكتبة العصرية, صيدا, ط1, 1423.
- تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء, لابن تيمية, ت: عبد العزيز بن محمد الخليفة, مكتبة الرشد, الرياض, ط1, 1417.
- تفسير التستري, لسهل بن عبد الله التستري, ت: محمد باسل عيون السود, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1423.
- تفسير سفيان الثوري, ت: امتياز علي عريشي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1403.
- تفسير سفيان بن عيينة, لأحمد صالح محايري, المكتب الإسلامي, ط1, 1403.
- تفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني, ت: محمود محمد عبده, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1419.
- تفسير القرآن العظيم, لابن أبي حاتم, ت: أسعد محمد الطيب, مكتبة نزار الباز, مكة المكرمة, ط3, 1424.
- تفسير القرآن العظيم, لابن كثير, ت: محمد إبراهيم البنا, دار ابن حزم, ط1, 1419.
- التفسير الكبير, لفخر الدين الرازي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- تفسير مقاتل, لمقاتل بن سليمان البلخي, ت: أحمد فريد, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 2003م.
- التكميل في أصول التأويل, ضمن: رسائل الإمام الفراهي, لعبد الرحمن الفراهي, الدائرة الحميدية, أعظم كره, الهند, ط2, 1411.
- تناسق الدرر في تناسب السور, للسيوطي, ت: عبد الله محمد الدرويش, عالم الكتب, بيروت, ط2, 1408.
- تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل, لابن تيمية, ت: علي محمد العمران, ومحمد عزير شمس, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة,ط1, 1425.
- تهذيب اللغة, للأزهري, دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1421.
- التيسير في قواعد علم التفسير, للكافيجي, ت: ناصر بن محمد المطرودي, دار القلم, دمشق, ط1, 1410.
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن, لابن جرير الطبري, ت: مصطفى السقا, وآخرون, دار الفكر, بيروت, 1415, (مصورة عن طبعة مكتبة البابي الحلبي عام 1373). وطبعة: دار هجر, القاهرة, ط1, 1422, ت: عبد المحسن التركي.
- جامع الترمذي, ت: أحمد محمد شاكر, دار إحياء التراث العربي.
- الجامع لأحكام القرآن, للقرطبي, ت: عبد الله بن عبد المحسن التركي, وآخرون, مؤسسة الرسالة, ط1, 1427.
- اجتماع الجيوش الإسلامية, لابن القيم, ت: د. عواد عبد الله المعتق, مكتبة الرشد, الرياض, ط2, 1415.
- جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام, لابن القيم, ت: زائد بن أحمد النشيري, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة, ط1, 1425.
- حاشية ابن القيم على سنن أبي داود, بهامش مختصر سنن أبي داود, للمنذري, ت: محمد حامد الفقي, دار المعرفة, بيروت, لبنان.
- حقائق التفسير (تفسير السلمي), لأبي عبد الرحمن السلمي, ت: سيد عمران, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- الدر المنثور, الدر المنثور في التفسير بالمأثور, للسيوطي, ت: نجدت نجيب, دار إحياء التراث العربي, ط1, 1421.
- درء تعارض العقل والنقل, لابن تيمية, ت: محمد رشاد سالم, دار الكنوز الأدبية, الرياض, 1391.
- الرسالة, للشافعي, ت: أحمد محمد شاكر, المكتبة العلمية, بيروت.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, للآلوسي, ت: محمد الأمد, وعمر عبد السلام, إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1420.
- زاد المسير في علم التفسير, لابن الجوزي, المكتب الإسلامي, بيروت, ط1, 1423.
- زاد المعاد, لابن القيم, ت: شعيب الأرناؤوط, وعبد القادر الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة, بيروت, ط3, 1419.
- سرُّ الاستغفار, للقاسمي, ضمن مجموع: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم (8), دار البشائر الإسلامية, ط1, 1421.
- سنن أبي داود, ت: محمد محي الدين عبد الحميد, دار الفكر, بيروت.
- السنن الكبرى, للبيهقي, ت: عبد السلام بن محمد علوش, مكتبة الرشد, الرياض, ط1, 1425.
- سنن النسائي الكبرى, للنسائي, ت: عبد الغفار البنداري, وسيد كسروي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1411.
- سير أعلام النبلاء, للذهبي, ت: شعيب الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة, ط11, 1417.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب, ت: عبد القادر الأرناؤوط, ومحمود الأرناؤوط, دار ابن كثير, دمشق, ط1, 1406.
- شرح الكوكب المنير, لابن النجار, ت: محمد الزحيلي, ونزيه حماد, مكتبة العبيكان, 1418.
- شفاء الصدور (المقدمة), لأبي بكر النقاش محمد بن الحسن بن محمد (ت:351), مخطوط برقم 3389 ف.
- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل, لابن القيم, ت: محمد بدر الدين الحلبي, دار الفكر, بيروت, 1398.
- صحيح البخاري, لأبي عبد الله إسماعيل بن إبراهيم, مطبوع مع شرحه فتح الباري, ت: محمد فؤاد عبد الباقي, المكتبة السلفية, القاهرة, ط3, 1407.
- صحيح ابن خزيمة, ت: محمد مصطفى الأعظمي, المكتب الإسلامي, بيروت, 1390.
- صحيح مسلم, لأبي الحجاج مسلم بن الحجاج, مطبوع مع شرحه للنووي دار الخير, بيروت, ط3, 1416.
- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة, لابن القيم, ت: علي بن محمد الدخيل الله, دار العاصمة, الرياض, ط3, 1418.
- طبقات الشافعية الكبرى, للسبكي, ت: محمود الطناحي, وعبد الفتاح الحلو, نشر هجر, مصر, ط2, 1413.
- طبقات المفسرين, للسيوطي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1403.
- طريق الهجرتين وباب السعادتين, لابن القيم, ت: عمر بن محمود أبو عمر, دار ابن القيم, الدمام, ط2, 1414.
- العين, للخليل بن أحمد, ت: عبد الحميد هنداوي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1424.
- غرائب التفسير وعجائب التأويل, للكرماني, ت: شمران سركال العجلي, دار القبلة للثقافة الإسلامية, جدة, ط1, 1408.
- فضائل الصحابة, لأحمد بن حنبل, ت: وصي الله عباس, مؤسسة الرسالة, بيروت, ط1, 1403.
- فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري, لابن حجر, ت: محمد فؤاد عبد الباقي, المكتبة السلفية, القاهرة, ط3, 1407.
- الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي, للمناوي, ت: أحمد مجتبى بن نذير عالم السلفي, دار العاصمة, الرياض, ط1, 1409.
- الفوائد, لابن القيم, ت: بشير محمد عيون, مكتبة المؤيد, ط2, 1408.
- القاموس المحيط, للفيروزابادي, ت: يوسف الشيخ محمد البقاعي, دار الفكر, بيروت, 1415.
- قانون التأويل, لابن العربي, ت: محمد السليماني, دار الغرب الإسلامي, بيروت, ط2, 1990م.
- قراءة في الأدب القديم, لمحمد محمد أبو موسى, مكتبة وهبة, القاهرة, ط2, 1419.
- كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية, للسهيلي, ت: د.محمد إبراهيم البنا, المكتبة الفيصلية, مكة المكرمة, ط2, 1405.
- الكشاف عن حقائق غوامض التنْزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, للزمخشري, ت: محمد عبد السلام شاهين, دار الكتب العلمية, بيروت, طط1, 1415.
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون, لحاجي خليفة, دار إحياء التراث العربي, بيروت.
- الكشف والبيان, للثعلبي, ت: أبو محمد بن عاشور, دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1422.
- الكلمات البيِّنات, لمرعي الكرمي, ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم (62), دار البشائر الإسلامية, ط1, 1421.
- مجالس في تفسير قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ}(آل عمران 164), لابن ناصر الدين الدمشقي, ت: محمد عوامة, دار القبلة للثقافة الإسلامية, جدة, ط1, 1421.
- المجالسة وجواهر العلم, للدينوري, ت: يوسف أحمد, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1421.
- مجموع الفتاوى, لابن تيمية, ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم, 1418.
- المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث, لأبي موسى المديني الأصفهاني, ت: عبد الكريم العزباوي, نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى, مكة المكرمة, ط1, 1406.
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز, لابن عطية, ت: عبد السلام عبد الشافي, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1422.
- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين, لابن القيم, ت: عبد العزيز ناصر الجليل, دار طيبة, الرياض, ط1, 1423.
- مذكرة أصول الفقه, لمحمد الأمين الشنقيطي, دار عالم الفوائد, ط1, 1426.
- المستدرك على الصحيحين, للحاكم النيسابوري, ت: مصطفى عبد القادر عطا, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1411.
- مسند ابن راهويه, ت: عبد الغفور عبد الحق البلوشي, مكتبة الإيمان, المدينة المنورة, ط1, 1412.
- مسند أحمد بن حنبل, مؤسسة قرطبة, القاهرة. وطبعة: دار المعارف, القاهرة, ط1, ت: أحمد شاكر.
- المسودة في أصول الفقه, لآل تيمية, ت: أحمد بن إبراهيم الذروي, دار الفضيلة, ط1, 1422.
- المصنف, لابن أبي شيبة, ت: كمال يوسف الحوت, مكتبة الرشد, الرياض, ط1, 1409.
- المصنف, لعبد الرزاق الصنعاني, ت: حبيب الرحمن الأعظمي, المكتب الإسلامي, بيروت, ط2, 1403.
- معالم التنْزيل, لمحيي السنة البغوي, ت: محمد عبد الله النمر, وزميلاه, دار طيبة, الرياض, ط4, 1417.
- معاني القرآن وإعرابه, للزجاج أبي إسحاق ابن السري, ت: عبد الجليل عبده شلبي, عالم الكتب, بيروت, ط1, 1408.
- معجم المفسرين من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر, عادل نويهض, مؤسسة نويهض الثقافية, ط3, 1409.
- معجم الطبراني الكبير, ت: حمدي عبد المجيد السلفي, مكتبة العلوم والحكم, المدينة المنورة, ط2, 1404.
- معجم الطبراني الأوسط, ت: طارق عوض الله محمد, وعبد المحسن الحسيني, دار الحرمين, القاهرة, 1415.
- معجم مقاييس اللغة, لابن فارس, ت: إبراهيم شمس الدين, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1420.
- مفتاح دار السعادة, لابن القيم, دار الكتب العلمية, بيروت, ط1, 1413.
- مقدمات تفسير الأصفهاني (ت:749) دراسة وتحقيق, لإبراهيم بن سليمان الهويمل, بحث أكاديمي, نسخة المحقق, 1420.
- مقدمة جامع التفاسير مع تفسير الفاتحة ومطالع البقرة, للراغب الأصفهاني, ت: أحمد حسن فرحات, دار الدعوة, الكويت, ط1, 1405.
- ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنْزيل, لابن الزبير الغرناطي, ت: سعيد الفلاّح, دار الغرب الإسلامي, بيروت, ط1, 1403.
- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية, لابن تيمية, ت: محمد رشاد سالم, ط1, 1406.
- الموافقات, للشاطبي, ت: مشهور حسن آل سلمان, دار ابن عفان, الخبر, ط1, 1417.
- نكت القرآن الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام, لمحمد بن علي القصاب, ت: علي بن غازي التويجري, وآخرون, دار ابن القيم, الدمام, ط1, 1424.
- الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب, لابن القيم, ت: عبد الرحمن بن حسن بن قائد, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة, ط1, 1425.
- الوافي بالوفيات, للصفدي, ت: س. ديدرينغ, نشر فرانز شتايز, فيسبادن, 1394.
- الوجيز في تفسير الكتاب العزيز, للواحدي, ت: صفوان داوودي, دار القلم, دمشق, ط1, 1415.
[line][/line]
(1) ينظر: مجموع الفتاوى 4/157, وإعلام الموقعين 2/150.
(2) ينظر: شفاء الصدور (مخطوط, لوحة:17, 18), ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص:271), والتيسير في قواعد علم التفسير (ص:246).
(3) ينظر: العين 4/184, ومقاييس اللغة 2/537.
(4) ينظر: تهذيب اللغة 13/250.
(5) معاني القرآن وإعرابه 2/83.
(6) الرَّكِيَّة هي: البئر. ينظر: القاموس المحيط (ص:1161).
(7) جامع البيان 7/255, وتبعه في تعريفه ابن الشجري(ت:542) في أماليه 1/220.
(8) مفتاح دار السعادة (ص:423).
(9) معالم التنْزيل 2/255.
(10) إعلام الموقعين 1/397.
(11) التحرير والتنوير 1/12, وسبقه ابن العربي(ت:543) إلى قريب من ذلك في «قانون التأويل» (ص:367).
(12) المرجع السابق, وينظر: معالم التنْزيل 2/255.
(13) كما فعل ابن القيم في تقسيمه لما يذكره الناس من التفسير في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) (ص:84), ومثله عبارة الطاهر ابن عاشور هذه في وصف علم التفسير. وبنحو هذا التصرُّف في مصطلح الاستنباط عند بعض المفسرين تصَرَّف جمهرةٌ من الأصوليين؛ فتناولوا هذا العلم محصوراً في طرف منه هو: (القياس), ومباحث العلة فيه على الخصوص. ينظر: أصول السرخسي 1/241, و2/140, والبحر المحيط في الأصول 4/9, 21, ومذكرة في أصول الفقه (ص:392).
(14) ينظر: أحكام القرآن, للجصاص 2/270, والتفسير الكبير 10/159, ومجموع الفتاوى 5/163.
(15) إعلام الموقعين 1/397, وينظر: أحكام القرآن, للشافعي 1/21, والإتقان في علوم القرآن 2/368.
(16) قَرَّرَ ذلك وفصَّله طائفة من العلماء, كما في: قانون التأويل (ص:191, 196- 207), ومجموع الفتاوى 13/230- 248, وشفاء العليل 1/77, والموافقات 4/208- 255. وورد فيه حديث مرفوع عن ابن مسعود رضي الله عنه, أخرجه أبو يعلى في مسنده 9/80 (5149), وابن جرير في تفسيره 1/22 طبعة التركي, والطبراني في الكبير 10/105 (10107), وإسناده حسن, وله متابعات وشواهد تُنظَر في: الأقوال الشاذَّة في التفسير (ص:30- 33).
(17) عَرَّف ابن العربي(ت:543) الظاهر والباطن فقال: (نعني بالظاهر: ما تبادر إلى الأفهام من الألفاظ, ونعني بالباطن: ما يفتقر إلى نظر) قانون التأويل (ص:191), ويلاحظ في تعريفه للباطن أنه تعريف بالوصف لا بالحدِّ؛ فإنه ذكر طريق الوصول إلى المعنى الباطن ولم يزد عليه. كما عَرَّفهما الشاطبيُّ(ت:790) بقوله: (المراد بالظاهر هو: المفهوم العربي, والباطن هو: مراد الله تعالى من كلامه وخطابه) الموافقات 4/210, والملاحظ هنا تخصيصه للباطن بأنه مراد الله تعالى من خطابه. وهذا التخصيص لا يتطابق مع طائفة من الأمثلة التي ذكرها في هذا الموضع, كما لا يتوافق مع تفصيله للباطن بعد ذلك (ص:231)؛ إذ ذكر شرطي قبول المعنى الباطن وهما: موافقة اللغة, وشهادة الشرع. وليس فيهما أنه مراد الله تعالى, ولا يلزم منهما ذلك.
(18) ينظر: التفسير الكبير 10/159, والموافقات 4/202, وروح المعاني 6/489.
(19) كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية (ص:77).
(20) ينظر: قانون التأويل (ص:196), والموافقات 2/127- 131.
(21) التحرير والتنوير 3/158.
(22) ينظر: أحكام القرآن, للجصاص 2/270, والتفسير الكبير 10/159, والتحرير والتنوير 23/252- 253.
(23) إعلام الموقعين 1/397.
(24) ينظر: التيسير في قواعد علم التفسير (ص:222).
(25) رواه البخاري في صحيحه 1/211 (79), ومسلم في صحيحه 5/445 (2282).
(26) رواه البخاري في صحيحه 6/193 (3047), ومسلم في صحيحه 3/497 (1370), وسيأتي بتمامه.
(27) مفتاح دار السعادة (ص:60), وينظر: درء تعارض العقل والنقل 4/98, ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص:263), واجتماع الجيوش الإسلامية (ص:72), والوابل الصيب (ص:135).
(28) الكشاف 4/146.
(29) أنوار التنْزيل 1/154.
(30) رواه البخاري في صحيحه 6/193 (3047), ومسلم في صحيحه 3/497 (1370).
(31) رواه ابن راهويه في مسنده 4/230 (2038), وأحمد في المسند 1/314 (2881), وسنده صحيح. وينظر: قانون التأويل (ص:367).
(32) المجالسة وجواهر العلم 1/254, وينظر: شفاء الصدور, للنقاش (مخطوط, لوحة:20), ومقدمات تفسير الأصفهاني (ص:272).
(33) الإصابة 4/146.
(34) شفاء الصدور, للنقاش (مخطوط, لوحة:20), وينظر: مختصر تاريخ دمشق 1/1735.
(35) ينظر: صحيح البخاري 6/591 (3469).
(36) رواه مسلم في صحيحه 4/66 (1479).
(37) مجموع الفتاوى 4/94, ونقله عنه ابن القيم في الوابل الصيب (ص:138), وينظر: الجامع لأحكام القرآن 1/58, ومفتاح دار السعادة (ص:60), والمقدمة الثالثة من مقدمات التحرير والتنوير.
(38) أحكام القرآن 2/180.
(39) ينظر: قانون التأويل (ص:191), والموافقات 4/208-214.
(40) التفسير الكبير 10/160, وينظر: البحر المحيط في الأصول 4/488.
(41) قانون التأويل (ص:207), وأكَّدَ ذلك ابن ناصر الدين الدمشقي(ت:842) في كتابه: مجالس في تفسير قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ}, (ص:367).
(42) إعلام الموقعين 1/397.
(43) المرجع السابق.
(44) الموافقات 4/242- 245, بتصرف يسير.
(45) زاد المعاد 5/32- 34.
(46) جاء ذلك من حديث ابن عمر في صحيحي البخاري 12/131 (6819), ومسلم 4/351 (1699).
(47) سنن أبي داود 2/560 (4450), وينظر: زاد المعاد 5/34.
(48) اشتهر ابن عيينة(ت:198) رحمه الله بالاستنباطات الحسنة, والمَنَازِع المستَحسَنَة من الآيات, وله فيها نماذج عديدة, ينظر منها: جامع البيان 9/96 (11766), وتفسير ابن أبي حاتم 5/1571 (9008), والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث 2/562, وسير أعلام النبلاء 8/458, والفوائد (ص:159), وتفسير ابن عيينة (ص:356).
(49) شفاء العليل 1/77, وينظر: التفسير الكبير 12/177, والبحر المحيط 4/125.
(50) هذا صحيحٌ في غير هذا المقام؛ إذ حُكمُ الكلام هنا مُطَاوِعٌ لظاهره؛ وذلك أنَّ دوابَّ الأرض أُمَمٌ أمثالنا: في الخلق والإيجاد, والتسبيح والعبادة, والحشر والبعث. وهو الوارد عن السلف في معناها, واستنباط ابن عيينة مبنيٌّ على هذا المعنى الظاهر الصحيح. ينظر: جامع البيان 9/232, ومعالم التنْزيل 3/141, والمحرر الوجيز 2/289.
(51) شفاء العليل 1/77.
(52) كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية (ص:30) بتصرف يسير.
(53) تفسير القرآن العظيم 2/859.
(54) أحكام أهل الذمة 1/122.
(55) المرجع السابق.
(56) ذكر قريباً منها ابن عاشور في حديثه عن طرائق المفسرين, في المقدمة الرابعة لتفسيره التحرير والتنوير 1/42, وينظر: تفسير آيات أشكلت 1/149.
(57) التبيان في أقسام القرآن (ص:84), وينظر: مدارج السالكين 3/273.
(58) ينظر: قانون التأويل (ص:223), والتفسير الكبير 10/159, والمُسَوَّدة في أصول الفقه 2/830, ومذكرة أصول الفقه (ص:225).
(59) ينظر (ص:7), وابن القيم هنا يصف حال تفاسير الناس ولا يؤصل لأقسام علم التفسير, فلا إشكال في تقسيمه وتوسعه في الإطلاق.
(60) مجموع الفتاوى 2/28, وينظر منه: 6/377.
(61) مجموع الفتاوى 13/341, وينظر: قانون التأويل (ص:191, 196, 207).
(62) التبيان في أقسام القرآن (ص:84), وينظر: مدارج السالكين 3/248, والوابل الصيب (ص:179).
(63) الموافقات 4/231- 232.
(64) بدائع الفوائد 4/985.
(65) ينظر: قانون التأويل 351, والبحر المحيط في الأصول 2/509, وشرح الكوكب المنير 3/465.
(66) الجامع لأحكام القرآن 1/58, وينظر: أحكام القرآن, للجصاص 2/112, والكشف والبيان 1/87.
(67) ينظر: تفسير الثوري (ص:83)(173), وتفسير عبد الرزاق 2/220 (1329), وصحيح البخاري 8/426 (4818), وتفسير ابن أبي حاتم 2/355 (1869), ومنهاج السنة النبوية 7/17.
(68) ينظر في التمثيل لذلك: نكت القرآن 1/204, والتفسير الكبير 29/168.
(69) الموافقات 5/124, وينظر منه: 3/250, والتسهيل لعلوم التنْزيل 1/18.
(70) الموافقات 4/224.
(71) إغاثة اللهفان 1/92.
(72) وأكثر الخلل الواقع في استنباطات ما يسمى (الإعجاز العلمي أو العددي في القرآن) راجعٌ إلى الإخلال بهذا الشرط.
(73) التفسير الكبير 11/127.
(74) ينظر: قانون التأويل (ص:207, 367- 368), والتكميل في أصول التأويل, للفراهي (ص:270).
(75) تنبيه الرجل العاقل 1/271.
(76) قانون التأويل (ص:207).
(77) الموافقات 4/242- 243, 247. وينظر: الإتقان 2/367.
(78) محمد بن الحسين بن موسى الأزدي, أبو عبد الرحمن السلمي, شيخ الصوفية وعالمهم بخراسان, صنف: حقائق التفسير, وغيره, توفي سنة (412). ينظر: طبقات الشافعية الكبرى 4/143, وطبقات المفسرين, للسيوطي (ص:85), وشذرات الذهب 5/67.
(79) فتاوى ابن الصلاح 1/196, وينظر: الإتقان في علوم القرآن 2/365.
(80) المرجع السابق, وينظر: روح المعاني 1/11.
(81) طريق الهجرتين (ص:507), وفي التمثيل لبعض الاستنباطات المردودة وأسباب ردِّها ينظر: الجامع لأحكام القرآن 7/289, وبدائع الفوائد 2/151, وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود 8/75- 76, وطبقات الشافعية الكبرى 4/147, وفتح الباري 12/395. وقد أطال الشاطبي(ت:790) في عرض نماذج من استنباطات مردودة مع التعليق عليها في كتابه الموافقات 4/235.
(82) الإتقان في علوم القرآن 2/367.
(83) الجامع لأحكام القرآن 1/59.
(84) مقدمات تفسير الأصفهاني (ص:264).
(85) مفتاح دار السعادة (ص:423).
(86) زاد المعاد 4/379.
(87) جامع البيان 17/16.
(88) مقدمة جامع التفاسير (ص:75) بتصرف يسير, ونقل هذا النص كاملاً عن الراغب: شمسُ الدين الأصفهاني(ت:749) في مقدمات تفسيره (ص:264), والكافيجي(ت:879) في التيسير في قواعد علم التفسير (ص:218).
(89) التبيان في أقسام القرآن (ص:216).
(90) مجالس في تفسير قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ}, (ص:366), وينظر: تاريخ دمشق 51/362, وسير أعلام النبلاء 10/83.
(91) تاريخ دمشق 51/363.
(92) سبق تخريجه.
(93) رواه مسلم في صحيحه 1/455 (223).
(94) رواه البخاري في صحيحه 11/348 (6502).
(95) مجموع الفتاوى 20/43- 45 بتصرف.
(96) التفسير الكبير 11/138.
(97) ينظر: التفسير الكبير 1/15.
(98) التفسير الكبير 1/122, وينظر: التحرير والتنوير 3/158.
(99) سبق تخريجه.
(100) فتح الباري 12/257.
(101) التفسير الكبير 29/168.
(102) ينظر: تفسير التستري (ص:15- 17), وحقائق التفسير 1/20, وكشف الظنون 2/1551.
(103) محمد بن علي بن محمد الكَرَجيّ, أبو أحمد القَصَّاب؛ لكثرة ما قتل في مغازيه, إمام حافظ, صَنَّفَ: نكت القرآن, والسنة, وغيرها, مات في حدود (360). ينظر: السير 16/213, والوافي بالوفيات 4/114.
(104) ينظر: نكت القرآن 1/59, 77.
(105) ينظر: معجم المفسرين 1/65.
(106) ينظر: الإكليل في استنباط التنْزيل 1/282, ويطابقه في موضوعه: (فصلٌ في معان مستنبطة من سورة النور), لابن تيمية في مجموع الفتاوى 15/281, وكتابَيْ: (فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأحكام المستنبطة من القرآن), لعبد الرحمن السعدي – وهو من أبرز المعاصرين المعتنين بهذا العلم-, و(المعاني المستنبطة من سورة الفاتحة), لأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري.
(107) ينظر: التفسير الكبير 1/15, 22- 23.
(108) نقل هذه العبارة غيرُ واحدٍ من المصنفين, وأعلى من نُسِبَت إليه: شيخ الإسلام ابن تيمية(ت:728) رحمه الله. ينظر: البحر المحيط 1/511, والوافي بالوفيات 4/254.
(109) قال ابن العربي في باب (ذكر الباطن من علوم القرآن): (وقد كنت في إملاء «أنوار الفجر في مجالس الذكر» أسلك هذا الباب كثيراً – أي: باب استنباط المعاني الباطنة – وأورِدُ فيه عظيماً). قانون التأويل (ص:206).
(110) ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل 1/88.
(111) ينظر: الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية 1/204.
(112) قانون التأويل (ص:261).
(113) المرجع السابق (ص:262), وينظر: إعلام الموقعين 1/329.
(114) تناسق الدرر في تناسب السور (ص:69).
(115) ينظر: قانون التأويل (ص:198- 205), وملاك التأويل 1/146- 147.
(116) ينظر: الموافقات 4/210.
(117) القائل هو: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, كما في رواية الترمذي في الجامع 5/450 (3362).
(118) رواه البخاري في صحيحه 8/606 (كتاب 65- التفسير, باب 110- قوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر 3], برقم: 4970).
(119) مجموع الفتاوى 16/417.
(120) الموافقات 4/211, وينظر: المحرر الوجيز 5/532.
(121) إعلام الموقعين 3/124. وينظر: جلاء الأفهام (ص:164).
(122) ينظر: مدارج السالكين 3/263, وطريق الهجرتين (ص:429), وسرُّ الاستغفار (ص:27), ضمن مجموع: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم (8).
(123) مجموع الفتاوى 16/418, وينظر: الموافقات 4/211.
(124) رواه الترمذي 1/78 (55), والطبراني في الأوسط 5/140 (4895), وعبد الرزاق في المصنف 1/186 (731), وكذا ابن أبي شيبة 1/13 (20), عن عمر مرفوعاً, وعن علي موقوفاً, وأصله في مسلم 1/471 (234), وذكر الترمذي فيه اضطراباً, وله شواهد يرتقي بها إلى القبول, ذكرها ابن حجر في تحفة الأبرار (ص:41).
(125) إعلام الموقعين 3/126, وينظر: مدارج السالكين 1/260, 328, والصواعق المرسلة 2/507, وفتح الباري 8/606.
(126) إعلام الموقعين 3/124.
(127) صَحَّ ذلك برواية ابن عباس في سنن النسائي الكبرى 6/525 (11712).
(128) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: (يا ابن عتبة: أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعاً؟ قلت نعم, {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قال: صدقت). رواه مسلم في صحيحه 6/441 (3024). وينظر في بقية الأدلة على هذا الوجه من التأويل: التفسير الكبير 32/151.
(129) تفسير القرآن العظيم 8/3885.
(130) فتح الباري 8/608, وينظر: إعلام الموقعين 3/124, والوابل الصيب (ص:137), والتيسير في قواعد علم التفسير (ص:222).
(131) رواه البخاري في صحيحه 8/605 (4968), ومسلم في صحيحه 2/150 (484). وينظر: التسهيل 4/430.
(132) كأبي بكر, وعلي, وعائشة, وأبي هريرة, وابن عباس, وابن عمر رضي الله عنهم. ينظر: فتح الباري 8/608, والدر المنثور 8/601, ونقل الرازي اتفاق الصحابة على دلالة هذه السورة على نعي الرسول صلى الله عليه وسلم. التفسير الكبير 32/151.
(133) رواه البخاري في صحيحه 8/658 مُعَلَّقاً بصيغة الجزم.
(134) المحرر الوجيز 5/532, وينظر: الفتح السماوي 3/1133.
(135) زاد المسير (ص:1599).
(136) ينظر: تفسير مقاتل 3/530, وجامع البيان 30/433, والوجيز 2/1238, والمحرر الوجيز 5/532, والتفسير الكبير 32/151, ومجموع الفتاوى 16/418, وإعلام الموقعين 3/124, والصواعق المرسلة 2/509, ومدارج السالكين1/328, والموافقات 4/210.
(137) ينظر: الموافقات 4/202.
(138) رواه أحمد في فضائل الصحابة 2/970 (1904), وابن جرير في تفسيره 30/75 (28188), وابن خزيمة في صحيحه 3/322 (2172), والحاكم في مستدركه 1/604 (1597), والبيهقي في السنن 4/313 (8342), وإسناده صحيح, وصححه الحاكم, وابن حجر في الفتح 13/285.
(139) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7/88 (34408), وابن جرير في تفسيره 8/81 طبعة: التركي.
(140) ينظر: جامع البيان 8/81 طبعة: التركي, وتفسير ابن كثير 3/1101, والموافقات 4/211.
(141) رواه مسلم 1/333 (145).
(142) تفسير القرآن العظيم 3/1101.
(143) إحياء علوم الدين 1/289 باختصار وتصرُّف, وينظر: الكلمات البيِّنات, لمرعي الكرمي, ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام, رسالة رقم: 62, (ص: 22).
(144) إعلام الموقعين 2/387.
(145) قراءة في الأدب القديم, للدكتور محمد أبو موسى (ص:34), وينظر: التحرير والتنوير 1/42.
(146) الرسالة (ص:19).