معارك التحريرات - 3

أحمد كوري

New member
إنضم
13/06/2008
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

معركة الغنة في الراء واللام للأزرق (سنة: 1283هـ):

ذكر ابن الجزري الغنة في إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء لجميع القراء غير شعبة والأخوين، وأطلق ذلك في جميع مؤلفاته ولم يستثن الأزرق، قال في النشر (2/24): "قلت: وقد وردت الغنة مع اللام والراء عن كل من القراء وصحت من طريق كتابنا نصاً وأداء عن أهل الحجاز والشام والبصرة وحفص. وقرأت بها من رواية قالون وابن كثير وهشام وعيسى بن وردان وروح وغيرهم".
وقال في التقريب (131): "وذهب كثير من أهل الأداء إلى الإدغام فيهما مع تبقية الغنة ورووه عن أكثر القراء كنافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وأبي جعفر ويعقوب وغيرهم وهو رواية النهرواني عن نافع وأبي جعفر ويعقوب وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ، وقد صحت عندنا من طرق كتابنا عن أهل الحجاز والشام والبصرة وحفص ، وقرأت بها من رواية قالون وابن كثير وهشام وابن وردان وروح وغيرهم".
وقال في الطيبة (البيت: 275):
وادغـم بلا غنة في لام ورا وهي لغير صحبة أيضا ترى
وأطبق على ذلك شراح الطيبة؛ قال ابن الناظم (شرح الطيبة لابن الناظم: 114): "قوله: "وهي لغير صحبة" أي: والغنة عند اللام والراء تجوز لغير صحبة، يعني: أنها وردت عن نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب وحفص". ومثله في شرح الطيبة للنويري: (3/28).
واتفق على ذلك المحررون المتأخرون كالمنصوري، ت. 1134هـ، (انظر: شرح مختصر قواعد التحرير: 5، والمطلوب: 8) وحتى من بعد الأزميري فقد كانوا يأخذون بها كإبراهيم العبيدي (كان حيا سنة: 1237هـ)، الذي لم يمنعها مطلقا، كما يقول (التحريرات المنتخبة على متن الطيبة: اللوحة: 5أ): "ثم اعلم أن الغنة تمتنع مع الإدغام الكبير لأبي عمرو ويعقوب وعلى وجه المد المنفصل للإصبهاني وعلى قصره لحفص وعلى توسط البدل للأزرق وعلى تفخيم الراء المضمومة له".
وحتى المتولي (ت. 1313هـ) فقد صرح بأنه قرأ بها على جميع شيوخه كما يأتي، أما أول من منعها مطلقا فهو الأزميري (ت. 1155هـ)، كما يقول مثلا (عمدة العرفان : 16 – 17): "قوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم إلى آخر الآية: فيه للأزرق بحسب التركيب ثمانية أوجه يصح منها خمسة، ويختص ترقيق اللام في ظلمتم بوجه الفتح في موسى والترقيق في خير، وقد عرفتك أنه ليس له الغنة في خير لكم".
ثم تأثر به المتولي فمنعها، وصار يتهم المنصوري بالضعف في معرفة الأسانيد، كما يقول في رسالته "الشهاب الثاقب للغاسق الواقب" (نقلا عن: الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 91): "فالحاصل أن الغنة من طريق الأزرق ممتنعة ، لا نعلم لها أثرا ، ولا ندري لها خبرا ، إلا ما وقع فيه المنصوري ومن تابعه من الضعفاء من من قصرت همته عن معرفة الطرق، وإن كنا قرأنا بها متبعين لهم فقد رجعنا عنها تأسيا بالنصوص النشرية وما وافقها من التفحيصات الإزميرية ". ويقول (نقلا عن: الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 343 - 344): " اعلم أخي – وفقني الله وإياك لمرضاته – أني قرأت القرآن العظيم كله بالغنة في النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتها اللام والراء لورش من طريق الأزرق عند قصر البدل ومده دون توسطه ، وعند توسط شيء دون مده، وعند ترقيق الراء المضمومة دون تفخيمها اعتمادا على ما وقع في كلام بعضهم واشتهر ... وقد تتبعت كلام النشر في أحكام النون الساكنة والتنوين فلم أجدها وردت عن الأزرق في طريق من الطرق التي قدمها في بحث الطرق" "وقد كان ذلك في سنة: 1283هـ".
مع أن المتولي ليس له سند إلى الأزميري، بل يتصل سنده بالعبيدي والمنصوري (انظر سند المتولي في: الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 107 - 111).
لكن يبدو أن منع الأزميري لهذا الوجه لم يشتهر كثيرا في عصره وبعده؛ إذ لم يأخذ به المقرئون ولم يثر أي نقاش، وبعد قرن وثلث أحياه المتولي ودافع عنه، فأثار بذلك هذه المعركة التي كان طرفها الثاني قراء القاهرة وطنطا الذين كانوا يدافعون عن هذا الوجه الذي تلقوه عن شيوخهم ونص عليه ابن الجزري وجميع شراح كتبه ولم يمنعه أحد قبل الأزميري، ثم حسمت المعركة في ما يبدو لصالح منع هذا الوجه بعد سيطرة مذهب المتولي على جميع نواحي الشرق الإسلامي، حتى صار تحرير هذه المسألة منسوبا إلى المتولي لا إلى الأزميري، كما يقول الشيخ محمد تميم الزعبي (طيبة النشر ط. الزعبي: 50هـ): "لأن الأزرق ليس له الغنة في اللام والراء، كما حققه العلامة المتولي"، مع أن الأزميري هو أول من حرر هذا الوجه.
يقول الدكتور إبراهيم الدوسري عن هذه المعركة (الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 199):"وهذا الكتاب [الشهاب الثاقب للغاسق الواقب للمتولي] عبارة عن مجموعة رسائل تولدت بعد تأليف "البرهان الأصدق والصراط المحقق في منع الغنة للأزرق" الآنف الذكر ؛ وذلك أن المتولي لما ألف البرهان الأصدق وافقه أعيان القراء بالقاهرة وارتضوا ما اشتمل عليه وانتهى إليه مؤلفه من التحقيق ، إلا أن بعضهم خالفه ذاهبا إلى القول بجواز الغنة ، فألف المتولي الرسالة الأولى للرد عليه وعلى من عول عليهم ، وعلى رأسهم المنصوري والميهي ، ثم قرئت هذه الرسالة على أكابر القراء بالقاهرة ومنهم المخالف بمحضر من شيخ الأزهر مصطفى العروسي ، فأجمع قراء القاهرة على ما حرره المتولي ولم يشذ منهم أحد بذلك. ولما سمع قراء طنطا بما قرره المتولي أعظموا القيل والقال ؛ لأنه خلاف ما درجوا عليه ، وبعثوا رسالة ضمنوها محاولة تصحيح ما درجوا عليه ، فرفع المتولي القضية إلى شيخ الأزهر ، فأمر بأن يرسل إليهم المتولي نسخة من الرسالة التي رد فيها على المخالف من أهل القاهرة بادئ الأمر؛ ليجمع القراء الأحمديين فيكتبوا عليها بالإجازة أو يردوا بوجه صحيح ، وكان ذلك في السنة الثانية (1284 هـ - 1867م). وبعد سنتين جاء الجواب منهم ، فأثبته المتولي في هذا المجموع ، ثم أردفه بالرد عليه وبيان الحق بمنع خلط الطرق وتلفيقها ومنع قراءة القرآن بالاحتمالات والاجتهادات من غير نص وثيق يجب المصير إليه والتعويل عليه".

المراجع:

- الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات - تأليف : د. إبراهيم بن سعيد بن حمد الدوسري – مكتبة الرشد – الرياض – ط 1 – 1420 هـ 1999م .
- التحارير المنتخبة على متن الطيبة – تأليف : إبراهيم العبيدي – محفوظ بمكتبة الأزهر – برقم : (1111 خصوصي 32836 عمومي، قراءات).
- تقريب النشر في القراءات العشر : ابن الجزري ( شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ) - تحقيق: إبراهيم عطوة عوض – دار الحديث – القاهرة – 1425 هـ / 2004 م .
- شرح طيبة النشر في القراءات العشر – تأليف: ابن الناظم (شهاب الدين أبي بكر أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الجزري ) - تحقيق: أنس مهرة – منشورات محمد علي بيضون / دار الكتب العلمية – بيروت – ط 1 – 1418هـ / 1997م .
- شرح طيبة النشر في القراءات العشر – تأليف: النويري ( أبي القاسم محب الدين محمد بن محمد بن محمد المالكي ) - تحقيق: جمال الدين محمد شرف – دار الصحابة للتراث بطنطا – طنطا – ط1 – 1425 هـ 2004م .
- شرح مختصر قواعد التحرير لطيبة النشر – تأليف : محمد بن جابر المصري – تصحيح: عبد الفتاح القاضي – المكتبة الأزهرية للتراث – القاهرة.
- طيبة النشر في القراءات العشر – تأليف: ابن الجزري ( شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ) - تحقيق: محمد تميم الزعبي – مكتبة دار الهدى – جدة – ط 1 – 1414هـ / 1994م.
- عمدة العرفان في تحرير أوجه القرآن - تأليف : الأزميري (مصطفى بن عبد الرحمن) – تحقيق : محمد محمد جابر ، و/ عبد العزيز الزيات – مكتبة الجندي – القاهرة .
- المطلوب في الكلمات المختلف فيها عن أبي يعقوب – تأليف: الضباع (علي محمد) – مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
- النشر في القراءات العشر – تأليف: ابن الجزري ( شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ) - تحقيق: علي محمد الضباع – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت .
 
ما شاء الله شيخنا على هذه النفحات المباركات والتي نستخرج منها الفوائد والعبر كما في الجملة الأخيرة وهي :

ثم أردفه بالرد عليه وبيان الحق بمنع خلط الطرق وتلفيقها ومنع قراءة القرآن بالاحتمالات والاجتهادات من غير نص وثيق يجب المصير إليه والتعويل عليه".
ها هو العلامة المتولّي الملقّب بابن الجزريّ الصغير إمام الفنّ في وقته بلا منازع ، يؤصّل قاعدة عند النزاع وهو الاعتماد على النصّ الوثيق المعتبر عند الخلاف وعدم الالتفات إلى الاحتمالات والاجتهادات التي أساسها الرأي المحض المؤدّي إلى الشكّ والظنّ وبالتالي مجانبة الصواب.
فاعتبروا يا أولي الأبصار ويا تلاميذ المتولّي في الإسناد.
وهذا نموذخ لأحد أعلام مصر بلا منازع في اعتمادهم على النصوص بالدرجة الأولى ، فقد سبقوا غيرهم في ذلك ، ولكن للأسف يُلام من اتّبع هذا السبيل القويم.
 
السلام عليكم
يا شيخ محمد الكل يعتمد علي النصوص ، ولكن لا يعتمدون عليها اعتمادا كليا ، ولا تجد قارئا إلا وخرج في موضع من أجل الشهرة أو الاستفاضة . ولقد أوردت لك قديما نصوصا عن المتولي والأزميري وهم يقولون في بعض المسائل بـ ( الاحتمال ) .

أما في مسألتنا هذه : في حقيقة الأمر أنا أُقرئ بالغنة للأزرق التي قرأ بها الأجيال منذ عهد ابن الجزري إلي يومنا هذا وهو ما أخذ به المنصوري والطباخ والإبياري ، واذكر مقالة للخليجي قال عند هذه المسألة : ولا عبرة بمن منعه . والشيخ عبد الحميد السكندري وغيرهم .

وأنا عندي المخطوطة التي رد فيها العلامة المتولي علي المشايخ ، ولا أراها كافية في منع وجه مشهور كهذا ، فقد جزم به ابن الجزري في نشره وطيبته إلا أن هناك إشكالا فقط في تقريب النشر في عبارة ساقها العلامة ابن الجزري ، يسهل الرد عليها .

فليس كل أمر يحتاج فيه لنص .والله أعلم
والسلام عليكم
 
عودة
أعلى