معارك التحريرات – 2

أحمد كوري

New member
إنضم
13/06/2008
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


معركة ترقيق لام "الله" بعد الراء المرققة لورش (أواخر القرن: 8هـ وأوائل القرن: 9هـ):

أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله القيجاطي الكناني البلوي الأندلسي (730 - 811هـ)، من المتأثرين كثيرا بالتحريرات، ومن تحريراته وجوب ترقيق لام "الله" بعد الراء المرققة من طريق الأزرق عن ورش مثل: "أفغير الله" "ولذكر الله" ويتجلي منهج المحررين عند القيجاطي في عدم اعتباره ما جرى به العمل وما أجمع عليه الناس، وفي ادعائه أن مذهبه هذا هو ما تنص عليه أصول الشاطبية والدرر اللوامع.
وجَّهَ القيجاطي تحريره هذا، بأن الراء إذا رققت فإن فتحتها وضمتها لا بد أن ترقق تبعا لها، والترقيق إمالة؛ وعليه فقد وقعت لام "الله" هنا بعد إمالة فوجب ترقيقها، فـ"إن الحركة الممالة بين بين في جلب الترقيق إلى الراء مثل الكسرة المحضة سواء، كما أن الألف الممالة بين بين في جلب الترقيق أيضا مثل الياء المحضة"، واحتج لترقيق الحركة بأن العرب ترقق أو تميل حركة غير الراء مثل إمالتهم الضمة في قولهم: "عجبت من السمر" و"شربت من المنقر" و"هذا ابن مذعور"، واستدل بترقيق الراء الثانية من "بشرر" لورش وقفا بسبب ترقيق الأولى، فكذلك اللام في رأيه يجب ترقيقها إذا كان قبلها راء مرقق. واستدل بترقيق اللام في: "نرى الله" للسوسي، ولما اعترض عليه بعض المقرئين في هذه المسألة بأن هذا قياس محض، أجابهم بأنه لم يخالف نصا؛ لأنه لا يوجد نص يدل على تفخيم اللام، وبأن المقرئين يرجعون إلى القياس في بعض المسائل واستشهد على ذلك بكلام لأبي شامة، واستدل بأن تغليظ اللام هنا تحريف للقرآن ولحن واللحن لا يجوز أن يقع في القراءة؛ لأن من شروط صحة القراءة موافقة اللغة، ورد على أبي شامة في نصه على تغليظ اللام في هذا الموضع، وأوَّلَ نص ابن شريح على تغليظها في "ولذكر الله" بأنه يعني غير ورش من القراء؛ لأن الراء عند ورش – في رأي القيجاطي – غير مضمومة بل هي ممالة إلى الكسر، واستدل بأن ابن مقسم وابن أشتة والأهوازي والطبري وابن يعلى وابن الباذش قد رووا عن بعض القراء ترقيق لام "الله" مطلقا حتى بعد فتحة أو ضمة (انظر: شرح المنتوري للدرر اللوامع: 628 - 670).
وقد استمر العمل بتحرير القيجاطي هذا وبغيره من اختياراته في الأندلس حتى سقوطها في أواخر القرن 9هـ وأوائل القرن 10هـ (انظر: قراءة الإمام نافع عند المغاربة: 2/302 – 309).
ووافق ابنُ المجراد القيجاطيَّ على تحريره هذا، (انظر: قراءة الإمام نافع عند المغاربة: 2/302 – 309)، ووافقه أيضا تلميذه المنتوري وتحمس للدفاع عنه وأطال في ذلك (انظر: شرح المنتوري للدرر اللوامع: 628 - 670)، ومن ما قاله في عرض مذهب شيخه (شرح المنتوري للدرر اللوامع: 628): "وأخذ علي شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي – رضي الله عنه – بترقيق اللام من اسم الله تعالى لورش إذا كانت قبله فتحة ممالة أو ضمة ممالة، نحو "أفغير الله" "ولذكر الله" وشبههما؛ لأن الفتحة والضمة الممالتين حكمهما حكم الكسرة الخالصة كما تقدم في باب الراءات، فإذا كانتا تخرجان الراء عن أصلها – وهو التفخيم – إلى الترقيق، فأحرى وأولى أن تبقى اللام التي أصلها الترقيق معهما على أصلها، لأن سبب التفخيم قد عارضه ما هو أقوى منه وهو الخروج من تسفل إلى تفخيم".
وقد رفض أكثر المغاربة - كما هو متوقع - هذا التحرير لأنه مخالف لما جرى به العمل، فردوا على القيجاطي، ومنهم أبو وكيل ميمون الفخار وابن القاضي (انظر: قراءة الإمام نافع عند المغاربة: 2/302 – 309)، بل يفهم من كلام القيجاطي أن بعضهم قد كاد يكفره لقوله هذا؛ لأنه يلزم منه أنه لم يفخم اسم الله تعالى ولم يعظمه (انظر: شرح المنتوري للدرر اللوامع: 669)، وقد رد عليه ميمون الفخار بأن ضمة الراء وفتحها لم يتغيرا، وإنما تغير الراء فرقق، والتفخيم يتعلق بالضمة والفتحة لا بالراء، فتفخيم اللام باق على حاله، واحتج بنص أبي شامة والجعبري (انظر: قراءة الإمام نافع عند المغاربة: 2/305 – 306).
واستمرت المعركة إلى ما بعد وفاة القيجاطي، ثم انتقلت إلى المشرق؛ فرد عليه ابن الجزري، بمثل ما رد به ميمون، واحتج بنص ابن شريح وأبي شامة والجعبري وابن عبد المؤمن الواسطي، واستدل بإجماع الناس على تفخيم اللام في هذه المسألة وبأن القيجاطي لم يقرأ بذلك على أحد من شيوخه.
قال ابن الجزري في النشر: (2/117 – 118): "إذا رققت الراء لورش من طريق الأزرق في نحو قوله تعالى: "أفغير الله أبتغي" "أغير الله تدعون" "ولذكر الله" و"يبشر الله"، وجب تفخيم اللام من اسم الله تعالى بعدها بلا نظر؛ لوقوعها بعد فتحة وضمة خالصة، ولا اعتبار بترقيق الراء قبل اللام في ذلك (..) وهو من ما لا يحتاج إلى زيادة التنبيه عليه وتأكيد الإشارة إليه لظهوره ووضوحه، ولولا أن بعض أهل الأداء من أهل عصرنا بلغنا عنه أنه رأى ترقيق اسم الله تعالى بعد الراء المرققة فأجرى الراء المرققة في ذلك مجرى الراء الممالة، وبنى أصله على أن الضمة تمال كما تمال الفتحة لأن سيبويه - رحمه الله - حكى ذلك في "مذعور"، و"السمر"، و"المنقر" واستدل بإطلاقهم على الترقيق إمالة، واستنتج من ذلك ترقيق اللام بعد المرققة، وقطع بأن ذلك هو القياس الذي لا ينبغي أن يخالف، مع اعترافه بأنه لم يقرأ بذلك على أحد من شيوخه ولكنه شيء ظهر له من جهة النظر فاتبعه لعدم وجود النص بخلافه على ما ادعاه، وذلك كله غير مسلم له ولا موافق عليه، فأما ادعاؤه أن الضمة تمال في "مذعور" فإنه غير ما نحن فيه؛ فإن حركة الضمة التي هي على العين قربت إلى الكسر ولفظ بها كذلك وذلك مشاهد حساً، والضمة التي هي على الراء في "يبشر" لم تقرب إلى الكسرة ولا غيرت عن حالتها، ولو غيرت ولفظ بها كما لفظ بـ"مذعور" على لغة من أمال لكان لحنا وغير جائز في القراءة، وإنما التغيير وقع على الراء فقط لا على حركتها، وهذا هو الذي حكاه ابن سفيان وغيره من أن الراء المضمومة تكون عند ورش بين اللفظين؛ فعبروا عن الراء ولم يقولوا إن الضمة تكون بين اللفظين، ومن زعم أن الضمة في ذلك تكون تابعة للراء فهو مكابر في المحسوس. وأما كون الترقيق إمالة أو غير إمالة فقد تقدم الفرق بين الترقيق والإمالة في أول باب الراءات؛ وإذا ثبت ذلك بطل القياس على "نرى الله". وأما ادعاؤه عدم النص فقد ذكرنا نصوصهم على التفخيم وقول ابن شريح: إنه لم يختلف في تفخيم اللام في ذلك. والناس كلهم في سائر الأعصار وأقطار الأمصار من من أدركناهم وأخذنا عنهم وبلغتنا روايتهم ووصلت إلينا طرقهم لم يختلفوا في ذلك ولا حكوا فيه وجهاً ولا احتمالا ضعيفاً ولا قوياً؛ فالواجب الرجوع إلى ما عليه إجماع الأئمة وسلف الأمة والله يوفقنا جميعاً لفهم الحق واتباعه وسلوك سبيله بمنه وكرمه".
وقال في غاية النهاية (2/244، في ترجمة: أبي عبد الله القيجاطي رقم: (3423): " وحدثنا [أبو الحسن علي بن عيسى بن محمد الفهري الأندلسي البسطي] عنه [أي: عن القيجاطي] برسالة كتبها في تجويز ترقيق اسم الله تعالى بعد ترقيق الراء لورش في نحو "ولذكر الله" و"أفغير الله"، وهي رسالة وهم فيها وقاس الترقيق على الكسر والتزم أنه هو الإمالة حقيقة، مع اعترافه بأنه لم يسبقه إلى هذا القول أحد، ولكنه احتج فيه بمجرد القياس وصمم على أن هذا القياس هو الصواب الذي لا يجوز غيره، وهو من القياس الممنوع لما بيناه في النشر".
لكن احتجاج الإمام ابن الجزري هنا بإجماع الناس ومخالفة المقرئ لسنده وشيوخه، يصلح للرد على جميع المحررين.

المراجع:
- شرح الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع : تأليف : المنتوري (أبي عبد الله محمد بن عبد الملك القيسي) – تحقيق : الصديقي سيدي فوزي – مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء - ط 1 – 1421 هـ / 2001 م .
- غاية النهاية في طبقات القراء – تأليف: ابن الجزري ( شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ) - تحقيق: ج. برجستراسر – دار الكتب العلمية – بيروت – ط 2 – 1400هـ / 1980م.
- قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش – د. عبد الهادي حميتو – منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المملكة المغربية – 1424هـ / 2003 م .
- النشر في القراءات العشر – تأليف: ابن الجزري (شمس الدين محمد بن محمد بن محمد) - تصحيح: علي محمد الضباع – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت .
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

يبدو أنّ مرادكم بالتحرير هنا هو تحرير المسائل لا تحرير الطرق والأوجه كما هو صنيع المحررين كالأزميري والمتولي وغيرهما.

وهذا النقل المبارك يدلّ على أنّ القياس المحض لم يكن يوماً ما مصدراً معتبراً عند الأئمّة بل كان ممقوتاً عندهم في الجملة إلاّ ما وقع فيه البعض منهم سهواً عليهم رحمة الله ، فتداركه الجهابذة من بعدهم كما فعل ابن الجزريّ وغيره في هذه المسألة. فالعبرة بما ثبت بالنصّ والأداء المشهور وتناقله الأئمّة عبر الأجيال.

جزاك الله خيراً شيخنا على هذه النقول ، وأرجو المواصلة.
 
جزاكم الله خيرا

جزاكم الله خيرا

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا يا فضيلة الشيخ على المشاركة والإفادة، وها أنا أنشر الحلقة الثالثة من هذه السلسلة، طاعة لأمركم الكريم.
وفقكم الله.
 
عودة
أعلى