مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
لا يخفى على ذي اطلاع على كتب علوم القرآن ما هي بحاجة إليه من التحرير ، وإن علماءنا ـ رحمهم الله ـ قد بذلوا جهدًا في الجمع والتحرير ، لكن الأمر لا زال بحاجة إلى زيادة بحث وتحرير .
وإن الدعوة إلى التحرير لا تعني نقض ما توصل إليه السابقون برمته ، بل هي دعوة إلى تتميم ما بقي منه بحاجة إلى تقويم وتحرير ، ولو كانت فكرة الاكتفاء بما قدمه السابقون في ذهن أسلافنا لما تقدم العلم ، ولبقيت كثير من المعلومات أشبه بالعلم التوقيفي الذي لا يجوز تقويمه أو الزيادة عليه ، وذلك ما لم يكن في خلدهم رحمهم الله .
وسأدير في هذه المقالة الحديث حول مصطلح المكي والمدني ، وأذكر ما توصلت إليه في هذا المقام ، فأقول :
قال السيوطي رحمه الله تعالى : ( اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة :
أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أوعام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار. أخرج عثمان بن سعيد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهومن المكي. وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهومن المدني. وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحاً.
الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولوبعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، وعلى هذا نثبت الواسطة، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني). الإتقان ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (1 : 23 ) .
وقال في موطن آخر : (سورة النساء زعم النحاس أنها مكية، مستنداً إلى أن قوله: (إن الله يأمركم) الآية، نزلت بمكة اتفاقاً في شأن مفتاح الكعبة، وذلك مستند واه لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية، خصوصاً أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني، ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه. ومما يرد عليه أيضاً ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقاً. وقيل نزلت عند الهجرة). الإتقان ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (1 : 31 ) .
التعليق :
أولاً : لو سار السيوطي ( ت : 911 ) على عبارته الأولى ( اصطلاحات ) لكان أولى ، لكنه رجَّح بين هذه الاصطلاحات في الموطن الآخر ، وجعل الاعتبار الزماني هو المقدَّم .
ثانيًا : لم يذكر من قال بهذه الاصطلاحات ، ولا من قال ـ باعتبار المكان ـ بأن ما لم ينزل بمكة ولا المدينة فليس بمكي ولا مدني ، وذلك قوله : (وعلى هذا نثبت الواسطة، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني ) .
ثالثًا : ما نقله عن يحيى بن سلام البصري موجود في مقدمة مختصريه ( تفسير هود ابن محكم ، وتفسير ابن أبي زمنين ) ، وهذا هو بتمامه : ( قال يحيى : إن ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي عليه السلام المدينة فهو من المكي .
وما نزل على النبي عليه السلام في أسفاره بعدما قدم المدينة فهو من المدني وما كان من القرآن ( يا أيها الذين آمنوا ) فهو مدني ، وما كان ( يا أيها الناس ) ففيه مكي ومدني ، وأكثره مكي ) .
وهذا القول باعتبار الزمان قال به ممن هو في طبقة يحيى بن سلام ( ت : 200 ) ، وهو علي بن الحسين بن واقد ( ت : 211 ) ، فقد أورده السيوطي في الدر المنثور ، قال : ( وأخرج ابن مردويه عن علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه (ت : 211) قال : كل القرآن مكي أو مدني غير قوله { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فإنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين خرج مهاجراً إلى المدينة . فلا هي مكية ولا مدنية ، وكل آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فهي مكية . فنزلت بمكة أو بغيرها من البلدان ، وكل آية نزلت بالمدينة بعد الهجرة فإنها مدنية . نزلت بالمدينة أو بغيرها من البلدان ) .
رابعًا : بالنظر إلى استعمال هذين المصطلحين عند السلف ( الصحابة والتابعين وأتباعهم ) نجد أنهم يُعنون بالمكان ، ويتضمن قولهم الزمان ، بل هم أكثر رعاية لمكان النزول ولو كان خارج هاتين البلدتين ؛ لذا قد يحددون الموضع بدقة ، كالذي أورده السيوطي ـ أثناء حديثه عن المكي والمدني ـ عن عكرمة ، قال : (وقال أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية في القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل ، وأشار إلى سلع. أخرجه أبو نعيم في الحلية ) .
وإن تتبع أقوالهم في المكي والمدني يشير إلى تطبيقات عملية فيها العناية بالمكان واعتبار الزمان ، ولهم في هذا أمثلة ظاهرة جدًا ، منها :
1 ـ قال الطبري : حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر قال: قلت لسعيد بن جبير:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" أهو عبد الله بن سَلام؟ قال: هذه السورة مكية، فكيف يكون عبد الله بن سلام! قال: وكان يقرؤها:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" يقول: مِنْ عند الله ).
2 ـ قال الطبري : حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال الضحاك بن مزاحم: هذه السورة بينها وبين النساء( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ) ثمان حجج. وقال ابن جُرَيج: وأخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جُبير: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة؟ فقال: لا فقرأ عليه هذه الآية كلها، فقال سعيد بن جُبير: قرأتها على ابن عباس كما قرأتها علي، فقال: هذه مكية، نسختها آية مدنية، التي في سورة النساء
وهناك أمثلة أخرى غيرها ، ويكفي في هذا المقام مثل هذين المثالين .
ومما يحسن لفت النظر إليه ـ في هذا الموضوع ـ ما يأتي :
الأول : أن الاعتماد في التفريق على مصطلح الهجرة متأخر عن زمانهم ، فلم يكن إلا في طبقة صغار أتباع التابعين من أبناء الجيل الثاني من القرن الثاني ، والذين ورد عنهم هذا المصطلح يحيى بن سلام ( ت : 200 ) ، وعلى بن الحسين بن واقد ( ت : 211 ) هم من أبناء هذا الجيل .
الثاني : أن في عمل السلف في اعتبارالمكان المتضمن للزمان أمر مهم ، وهو تحديد مكان النزول بدقة ، وهذه الفائدة لا تتأتى لو اعتبرت الزمان فحسب ؛ لأن مكان نزولها لن يكون مقصدًا للباحث باعتبار الزمان .
الثالث : أننا لسنا أمام قولين مختلفين ، بل هما قولان متداخلان من وجه ، لذا لسنا بحاجة إلى الترجيح في هذا المقام ، بل بيان وجه الارتباط بينهما ، الرابع : أن يكون عندنا فكرة البناء على ما عمله السلف ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ، وفي هذا المقام فإن العمل بالقولين واعتبارهما وإعمالهما معًا ـ مع صحتهما ـ أولى من إبطال أحدهما باعتماد الآخر .
وهذا يعني أن نتفهَّم مصطلح السلف ، وكيف تعاملوا مع هذه المسألة العلمية ، وهذا التفهم يعيننا على بيان تطور المصطلحات ، واختلافها من طبقة إلى طبقة ، ومعرفة كل قول على وجهه الذي أراده المتكلم به .
وإن الدعوة إلى التحرير لا تعني نقض ما توصل إليه السابقون برمته ، بل هي دعوة إلى تتميم ما بقي منه بحاجة إلى تقويم وتحرير ، ولو كانت فكرة الاكتفاء بما قدمه السابقون في ذهن أسلافنا لما تقدم العلم ، ولبقيت كثير من المعلومات أشبه بالعلم التوقيفي الذي لا يجوز تقويمه أو الزيادة عليه ، وذلك ما لم يكن في خلدهم رحمهم الله .
وسأدير في هذه المقالة الحديث حول مصطلح المكي والمدني ، وأذكر ما توصلت إليه في هذا المقام ، فأقول :
قال السيوطي رحمه الله تعالى : ( اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة :
أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أوعام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار. أخرج عثمان بن سعيد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهومن المكي. وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهومن المدني. وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحاً.
الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولوبعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، وعلى هذا نثبت الواسطة، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني). الإتقان ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (1 : 23 ) .
وقال في موطن آخر : (سورة النساء زعم النحاس أنها مكية، مستنداً إلى أن قوله: (إن الله يأمركم) الآية، نزلت بمكة اتفاقاً في شأن مفتاح الكعبة، وذلك مستند واه لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية، خصوصاً أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني، ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه. ومما يرد عليه أيضاً ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقاً. وقيل نزلت عند الهجرة). الإتقان ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (1 : 31 ) .
التعليق :
أولاً : لو سار السيوطي ( ت : 911 ) على عبارته الأولى ( اصطلاحات ) لكان أولى ، لكنه رجَّح بين هذه الاصطلاحات في الموطن الآخر ، وجعل الاعتبار الزماني هو المقدَّم .
ثانيًا : لم يذكر من قال بهذه الاصطلاحات ، ولا من قال ـ باعتبار المكان ـ بأن ما لم ينزل بمكة ولا المدينة فليس بمكي ولا مدني ، وذلك قوله : (وعلى هذا نثبت الواسطة، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني ) .
ثالثًا : ما نقله عن يحيى بن سلام البصري موجود في مقدمة مختصريه ( تفسير هود ابن محكم ، وتفسير ابن أبي زمنين ) ، وهذا هو بتمامه : ( قال يحيى : إن ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي عليه السلام المدينة فهو من المكي .
وما نزل على النبي عليه السلام في أسفاره بعدما قدم المدينة فهو من المدني وما كان من القرآن ( يا أيها الذين آمنوا ) فهو مدني ، وما كان ( يا أيها الناس ) ففيه مكي ومدني ، وأكثره مكي ) .
وهذا القول باعتبار الزمان قال به ممن هو في طبقة يحيى بن سلام ( ت : 200 ) ، وهو علي بن الحسين بن واقد ( ت : 211 ) ، فقد أورده السيوطي في الدر المنثور ، قال : ( وأخرج ابن مردويه عن علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه (ت : 211) قال : كل القرآن مكي أو مدني غير قوله { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فإنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين خرج مهاجراً إلى المدينة . فلا هي مكية ولا مدنية ، وكل آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فهي مكية . فنزلت بمكة أو بغيرها من البلدان ، وكل آية نزلت بالمدينة بعد الهجرة فإنها مدنية . نزلت بالمدينة أو بغيرها من البلدان ) .
رابعًا : بالنظر إلى استعمال هذين المصطلحين عند السلف ( الصحابة والتابعين وأتباعهم ) نجد أنهم يُعنون بالمكان ، ويتضمن قولهم الزمان ، بل هم أكثر رعاية لمكان النزول ولو كان خارج هاتين البلدتين ؛ لذا قد يحددون الموضع بدقة ، كالذي أورده السيوطي ـ أثناء حديثه عن المكي والمدني ـ عن عكرمة ، قال : (وقال أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية في القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل ، وأشار إلى سلع. أخرجه أبو نعيم في الحلية ) .
وإن تتبع أقوالهم في المكي والمدني يشير إلى تطبيقات عملية فيها العناية بالمكان واعتبار الزمان ، ولهم في هذا أمثلة ظاهرة جدًا ، منها :
1 ـ قال الطبري : حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر قال: قلت لسعيد بن جبير:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" أهو عبد الله بن سَلام؟ قال: هذه السورة مكية، فكيف يكون عبد الله بن سلام! قال: وكان يقرؤها:"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ" يقول: مِنْ عند الله ).
2 ـ قال الطبري : حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال الضحاك بن مزاحم: هذه السورة بينها وبين النساء( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ) ثمان حجج. وقال ابن جُرَيج: وأخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جُبير: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة؟ فقال: لا فقرأ عليه هذه الآية كلها، فقال سعيد بن جُبير: قرأتها على ابن عباس كما قرأتها علي، فقال: هذه مكية، نسختها آية مدنية، التي في سورة النساء
وهناك أمثلة أخرى غيرها ، ويكفي في هذا المقام مثل هذين المثالين .
ومما يحسن لفت النظر إليه ـ في هذا الموضوع ـ ما يأتي :
الأول : أن الاعتماد في التفريق على مصطلح الهجرة متأخر عن زمانهم ، فلم يكن إلا في طبقة صغار أتباع التابعين من أبناء الجيل الثاني من القرن الثاني ، والذين ورد عنهم هذا المصطلح يحيى بن سلام ( ت : 200 ) ، وعلى بن الحسين بن واقد ( ت : 211 ) هم من أبناء هذا الجيل .
الثاني : أن في عمل السلف في اعتبارالمكان المتضمن للزمان أمر مهم ، وهو تحديد مكان النزول بدقة ، وهذه الفائدة لا تتأتى لو اعتبرت الزمان فحسب ؛ لأن مكان نزولها لن يكون مقصدًا للباحث باعتبار الزمان .
الثالث : أننا لسنا أمام قولين مختلفين ، بل هما قولان متداخلان من وجه ، لذا لسنا بحاجة إلى الترجيح في هذا المقام ، بل بيان وجه الارتباط بينهما ، الرابع : أن يكون عندنا فكرة البناء على ما عمله السلف ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ، وفي هذا المقام فإن العمل بالقولين واعتبارهما وإعمالهما معًا ـ مع صحتهما ـ أولى من إبطال أحدهما باعتماد الآخر .
وهذا يعني أن نتفهَّم مصطلح السلف ، وكيف تعاملوا مع هذه المسألة العلمية ، وهذا التفهم يعيننا على بيان تطور المصطلحات ، واختلافها من طبقة إلى طبقة ، ومعرفة كل قول على وجهه الذي أراده المتكلم به .