طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,330
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
مصر وماوراء السطوح..بداية التحرير
طارق منينة
أخيرا قامت ثورة تاريخية كبرى تفكك طبائع الاستبداد وترغم ملئه على الرحيل لتبتدئ عهدا جديدا لتحرير الانسان والحضارة والقيم والواقع، تحرير الحضارة الموارة التي بدأ اجدادنا بها تاريخا جديدا للإنسانية ، فها نحن قد رأينا في بداية قرن التحدي الأكبر لعودة حضارتنا من جديد -القرن ال21م- ان الانسان العربي المسلم قد استعاد نفسه من رماد التجارب المخفقة وصار بماكان يعتمل داخله تحت السطح وفي الأعماق خلقا آخر، كماقال خبير من خبراء الأمة وهو ابراهيم العجلوني يوما وهو على علم بالتفاعلات العميقة داخل النفس العربية المؤمنة ، قال ان ذلك هو ماكان يجري وراء السطوح من الأعمال الموارة والأنهر السرية الصاخبة في البنيان الشعوري للإنسان العربي أو المسلم. والآفاق الروحية والعوالم غير المرئية التي يتحرك فيها وجدانه ويسبّح عقله.. ونبهنا الى أن لا نكتفي بما نراه، فهناك ماهو أكثر سعة مما نعلم من الحيثيات والوقائع.... إذ لا يزال وراء هذا السطح وتحت تلك الجلدة قوى تعتمل وتتميز، وحقائق متصلة الأسباب بأعماق التاريخ وأشواق المستقبل، وحيوات ذوات سورة تريد لتفرض حضورها وتحقق شهودها ولا تبالي بانكسارات السطوح ولا بما ارتسم عليها من علائم الخور التي يراهن أعداء الأمة عليها، أو يطمئنون إلى ثباتها، ويتعاملون معها بقديمهم الجديد من طرائق السيطرة وأساليب الاستحواذ. إن السطوح الخارجية لواقع الأمة مؤهلة للسقوط، طال الزمان أو قصر، وسيكون سقوطها طبيعياً مندرجاً في سياق تدهورها الذاتي، وستبرز حقائق الأشياء بروزاً طبيعياً كذلك. تلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا.(مقاله: سطوح وأعماق،جريدة السبيل الأردنية بتاريخ 14/09/2009 )
فتح وراء فتح
لقد جلب فتح تونس على مصر رياح التغيير والأمل، وذلك بعد ان كنا لانتصور ان يأتي التغيير من بلد كان على وشك الابتلاع الكامل من العلمانية المتوحشة ،وقد كان يعاني معاناة عنيفة تحت وطأة طاغوت هذه العلمانية ونشاطه المخيف الموروث عن اساتذة تخريب الضمائر والعقائد، الا ان هذا الشعب المسلم كانت تتوقد أعماقه في ظل الرقابة الربانية وتنقدح أقداره خلف السطوح الهشة، وتتكون خطوطها الداخلية بمواد وعناصر علمية من علوم وصياغات وصبغات مادية وغيبية وارادات تتصلب وتتمتن يوما بعد يوم تحت رياح التغيير والتثوير والتفقيه بينما كان الجسم الخارجي والسطح الظاهر يُرى ضعيفا يوحي بالانهيار التام، وتتملاه الهيئات والاكاديميات الغربية ومراكز بحوثها ودراساتها وتتندر على ماوصل اليه من الهشاشة، غافلة عن النور المتسلل من تحتها والضوء الضعيف المنبثق من جوفها، مطمئنة الى ماتوصل اليه علماء المادة الغربيون عن مجتمعاتنا بعد تصنيفها،لكنها على كل حال كانت لاتحظى من المعرفة الا بمعرفة السطوح الخارجية وبعض ظواهرها الخادعة فظنت أن الاعماق هشة كالسطوح الرثة واذا بها-ومنذ زمن طويل والى يوم مابعد الحداثة- تدفع بنتائجها وتقاريرها عن السطوح الى مراكز القرار بدون وعي كامل بمايجري في الأعماق من تقلبات وتحولات واستقرار القلب على يقين وتحدي وجرأة وصلابة فالولادة هذه المرة هي لرجل كامل وكأنه أسطورة من الأساطير وحلم من أحلام الحالمين.
لقد فتح "فتح تونس" ابواب الحرية على مصراعيها امام المصريين بعد ان قدم مثالا رائعا في المواجهة بالقوة والحق والعدل والإيمان. وان ماكان يعتمل تحت السطوح تحت عين الغيب الرحماني وصياغة المد الرباني ظهرت بوادره ورماله المتحركة بصورة غير متوقعة(والأمر كما قال فاروق جويدة في الأهرام ليوم الجمعة(11 فبراير2012م): لابد أن نعترف بأن هذا الجيل كان أكبر المفاجآت لنا" فاسفر هدوء الأعماق عن ثورة كانت كامنة في الأصلاب المؤمنة ، مادفع الجماهير الحرة ، التي لاطاقة لأي نظام بها ،الى المواجهة المشتعلة بلاتراجع ولاخوف ولاهيبة ولاتردد من نظام سلطوي يقوم على المركزية الطاغية ، هذا النظام الغريب عن مقوماتها وقد جثم على صدور الأمة وأفقرها وعراها أمام العالم بعد ان نزع منها مقدرات حياتها ومقومات شخصيتها.
صبغة الله وماتحت السطوح
وهكذا تحقق ماقاله علماء الأمة ، انه يجب ان لا تخدعنا الظواهر المرئية وان النصر مع الصبر واليقين، فتحت السطوح تتكون ارادات وتتمتن علاقات وتنمو اجيال وتنشأ اختيارات وتنفجر طاقات كحالة البركان تماما، فالبركان في جوف الارض لايخبرك عن نفسه بداية وانما عند حلول ساعة انفجاره وتوقيت انحداره تخرج نشرات الأخبار تخبر عن ظواهره وبعضا مما كان يعتمل داخله ولم يتوقع ثورته!
" أن صمت الأعماق –كما قال الاستاذ ابراهيم العجلوني في نهاية عام 2009م -حافل بالدلالات متكتم على الفجاءات وأن من لا يحسب حسابه لا يُذكر في الحكماء ولا يُصنف في العاقلين... وإن مَثَل ما نرى من صمت مجموع الأمة، هذا الصمت الذي يُخطئ فهمه الغرب المستعمر وصنائعه، كمَثَلِ صمت الأعماق الكظيمة التي تصابر أيامها العجاف، وتجمل لمصائبها المتتالية، ثم لا تلبث أن تتصل أسبابها بعُرام الحياة، وأن تفرض وجودها فَرْضاً، وأن يؤول صمتها المتطاول الى أفعال فصيحة ونصوص مَلْموسة واضحة الأثر لا تقبل التأويل... نقول إن دهاقنة الغرب المستعمر وراسمي سياساته المشرقية، يعلمون علمَ اليقين أن رهانهم على ما «يُفبركونه» أو يصنعونه من تيارات وأحزاب وحكومات، أو على ما يرسمونه من فسيفساء سياسية مخلعة، هو رهان خاسر، لأنه رهان على السطوح لا على الأعماق التي يجهلونها، ويحذرونها في آن.
ومهما يكن الأمر فإننا مطمئنون -اطمئناننا الى أن الله سبحانه يأتي بالشمس من المشرق- الى أن هدوء أعماقنا موّار بالحيوات، حافلٌ بالوعود. وإلى أنه متصّل بأعالي تاريخ هذه الأمة، تتحدر إليه مروءاتها ومكارمها، وتصبُّ فيه أشواقها للحياة على أوفى ما تكون عِزّةً، وكرامةً وأجمل ما تكون قيمةً، وأبعد ما تكونُ إحساناً..
إنهم في سكرةِ اللحظة الغاربة، تَغُطّهُم غَطّاً، فلا يرون الى ما قبلها وما بعدها، ونحن في وعي الأزمنة وتقلّب الحَدَثان. وشتّان شتّان ما بين ضيق اللحظة وبين سَعَة التاريخ..
كما أنهم لا يَنْفذُوُن الى ما وراء قشرة الواقع التي سرعان ما تتفتت وتذروها الرياح.( مقاله"عن هدوء الأعماق.. وعن وعودها بتاريخ" (06/12/2009
ان الامة تغيرت والتحولات التي تمت في النفوس كانت تحولات ضخمة جدا، وكمية العلوم التي سكنت قلوبها قومت شخصيتها حتى انقلبت على سلوكيات الخنوع والرهبة والذلة وعلمت ان الله أكبر حقا وأعلى خبرا وصدقا وفعلا، وانها يمكنها هي نفسها التغيير وان التغيير وان كان بإرادة الله الا ان الله قال ان العمل عمل الإنسان والله خالق الفعل والارادة والطاقة وله خلق كل شيء وهو رب كل شيء ومليكه.
ايضا فإن الدعاء لله والقرب منه ومن شرعه وفهم خبره وصور التربية والعلم والمعرفة وفهم الواقع ونتائج التكنولوجيا وثورة الاتصالات والمعرفة بالسياسات والمجتمعات ووصول قدر لابأس به من العلم الحقيقي بالاسلام الى الشباب قلب اوضاع الامة الى ماهو خير لها وفجر طاقاتها فيما ليس ينتظر!
ان ظهور هامات علمية كبيرة غير في نفسية الأمة وعقلها ووجدانها الذي حاولت اجهزة الطغيان على مر عصور أن تجهله وتسفهه وترده الى مهاوي الخنوع والذل.
وان ماشاهدته الامة من اهانة لها في العالم واستهانة بقدرها ونهب ثرواتها وقتل ابناءها والسخرية من دينها وعقيدتها وتزوير صورتها وحقيقتها وتحميل اسلامها وزر حكامها، اشعل الارواح وكوى الاجساد والهب النفوس وثور القلوب واشعل العقول وأوقد جذوتها وهز الوجدان وشكل الاعماق وقوى الإرادات حتى راينا تونس تنفجر أولا مما يحدث فيها وحولها ومما يحدث لابناء اسلامها في كل مكان هذا فوق اهانة التفقير واهانة النساء والعفة وغير ذلك.
في مقال العجلوني لشهر اكتوبر 2009م اي قبل الحدث الكوني للثورة الحالية الكلية المتواصلة ، قال تحت عنوان(العقل الغربي الاستشراقي: أوهامه وألوان قصوره):"يظنون أنهم يعرفون كل متحرك وساكن في بلادنا. تغرهم هذه التقارير المرفوعة إليهم، وهذه الاستطلاعات التي يبذلون فيها الملايين، وهذه المراكز والجمعيات والأكاديميات التي جعلت مهمتها الرئيسة أن تظهرهم على ما هو كائن في أرض العروبة والإسلام، وأن تتنبأ بما سيكون حتى لا يفاجأ القوم بما لم يكونوا يحتسبون..
يعتقدون أنهم أعرف منا بدواخلنا، وأنهم أعلم بالسر وأخفى مما يدور في عقولنا وضمائرنا. يعتقدون ذلك على نحو يفضي بهم إلى الغرور، وإلى أن يستيقنوا واهمين أنهم قادرون على أن يضعوا في أفواهنا ما نقول، وفي أذهاننا ما نفكر، وفي إراداتنا ما نجهد أن يكون، وأن يحددوا بالجملة مستقبلنا ويتحكموا في مصايرنا كيفما يبتغون..
ذلك هو ظنهم، وتلك هي سمادير أحلامهم، ولو كانوا يعقلون حقاً لما اطمأنوا إلى ما يتناهى إليهم من ظاهر أمرنا، ولا إلى ما تصوره لهم رغائبهم وأمانيهم من قدرتهم على أن يصبونا -كما سنظل، شاؤوا أم أبوا، عصيين على أفهامهم، وستظل احتمالات أفعالنا في منطقة لا تصلها كاشفاتهم بحال، وسيظل العربي المسلم مفاجئاً لهم في كل حين..
قد يقول قائل هنا، أو يسأل سائل: «وما بال الاستشراق الذي تتواصل كيوده وجهوده منذ قرون، وما بال كليات الدراسات الشرقية، وما بال مئات الخبراء المشتغلين بدأب لا يفتر في وزارات الدفاع وقيادات الجيوش في الدول الاستعمارية وما بال مراكز الدراسات المنتشرة في الأرض ترصد نبض الإسلام، وترقب بوادره، وما بال الصنائع منا والمضاهئين والمهزومين والمتهافتين.. أليس لكل ذلك -مجتمعاً- أثره في أن يعرف الغرب المستعمر من أحوالنا ما لا نعرفه نحن، وأن يتأدى به ذلك إلى مزيد تحكم بنا وسيطرة على حاضرنا وأن يملك بالفعل رسم مسار أيامنا القادمات..
إن هذه الجهود كلها لا تحقق للغرب إلا معرفة بسطوح الأشياء. وهي معرفة قاصرة حتى عن فهم دلالات هذه السطوح، أو ما يمكن أن يُستدل به منها على الأعمال الموارة والأنهر السرية الصاخبة في البنيان الشعوري للإنسان العربي أو المسلم. أو على الآفاق الروحية والعوالم غير المرئية التي يتحرك فيها وجدانه ويسبّح عقله..
وعلى افتراض بعيد بأن بعض الراصدين للعرب والمسلمين استطاعوا معرفة شيء من ذلك، فإن من نتائج هذه المعرفة إذا كانت أنهم سيطلعون على جانب من ديباجة معجبة تضطرب عندها موازينهم وتحار ألبابهم، وأنهم سيكونون مضطرين إلى مواجهة أخلاقية صعبة مع أنفسهم، شأن كثير ممن درسوا الإسلام في سياق حَرْبِه ثم ما لبثوا أن تمثلوا عظمة رسالته وبالغ افتقار العالم إليه، فكانوا به من المؤمنين، وسطروا في ذلك الصفحات المئين..
ونقول، طلباً لمزيد من التحوّط، أن كثيراً من مسؤولي مراكز الدراسات الغربية، أو الهيئات الأكاديمية والعسكرية والسياسية التي تنتهي الى التقارير في شأن العرب والمسلمين، لا يطمئنون إلى ما يتراكم بين أيديهم من «معلومات» ولا إلى ما يجتمع من رؤى وتصورات فهم يستشعرون أن ثمة أشياء لا يستطيع رافعو التقارير دركها، وظواهر لا يملكون تفسيرها، وأقوالاً لا يحيطون بمعانيها، وإشارات تخفى عليهم دلالاتها..
ثم إنهم -من قبل ومن بعد- أمام معطيات حضارية متراكبة طبقاً عن طبق في ثنايا تاريخ متطاول. آخذ بعضها بأطراف بعض، غير منفصل بعضها عن بعض، بحيث لا يملكون أن يستنبئوا أياً منها عما وراءه أو أن يتبعوا له سبباً.
لا نقول في خلاصة الكلام إن عالم الإسلام سر مغلق تستحيل معرفته على «العقل الغربي المعاصر» أو على السادة المستعمرين وصنائعهم جُملة. بل نقول إنه عالم واضح جلي. ولكنه في مرتقى أخلاقي وذوقي يعلو على الذهن الذرائعي الاستشراقي الاستعماري.
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.."
حقا انه كما قال في مقاله(دار الظالمين.. ودار الهاملين)"إن الحرية هي قهر الضرورة بعد وعيها. إذ الوعي وحده، مهما تعاظم ليس شرطاً كافياً لدفع الضرورة أو تجاوزها. ولا بد من العمل الدائب المضاد لذلك.إن الظلم -في ضوء هذا الفهم- لا يدفع بمزيد من إدراك معنى العدالة وأهميتها، بقدر ما يدفع بالمواجهة بعد المواجهة. ولما كان أمد هذه المواجهات منوطاً بتوافر أسبابها؛ فإن «دار الظالمين» قد تستمر في الزمان، وإن كان استمرارها صُورياً، لا تلبث دابة الأرض أن تأكل مِنْسَأته، فتهوي دفعة واحدة كأن لم تغْنَ بالأمس، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً"..
طارق منينة
أخيرا قامت ثورة تاريخية كبرى تفكك طبائع الاستبداد وترغم ملئه على الرحيل لتبتدئ عهدا جديدا لتحرير الانسان والحضارة والقيم والواقع، تحرير الحضارة الموارة التي بدأ اجدادنا بها تاريخا جديدا للإنسانية ، فها نحن قد رأينا في بداية قرن التحدي الأكبر لعودة حضارتنا من جديد -القرن ال21م- ان الانسان العربي المسلم قد استعاد نفسه من رماد التجارب المخفقة وصار بماكان يعتمل داخله تحت السطح وفي الأعماق خلقا آخر، كماقال خبير من خبراء الأمة وهو ابراهيم العجلوني يوما وهو على علم بالتفاعلات العميقة داخل النفس العربية المؤمنة ، قال ان ذلك هو ماكان يجري وراء السطوح من الأعمال الموارة والأنهر السرية الصاخبة في البنيان الشعوري للإنسان العربي أو المسلم. والآفاق الروحية والعوالم غير المرئية التي يتحرك فيها وجدانه ويسبّح عقله.. ونبهنا الى أن لا نكتفي بما نراه، فهناك ماهو أكثر سعة مما نعلم من الحيثيات والوقائع.... إذ لا يزال وراء هذا السطح وتحت تلك الجلدة قوى تعتمل وتتميز، وحقائق متصلة الأسباب بأعماق التاريخ وأشواق المستقبل، وحيوات ذوات سورة تريد لتفرض حضورها وتحقق شهودها ولا تبالي بانكسارات السطوح ولا بما ارتسم عليها من علائم الخور التي يراهن أعداء الأمة عليها، أو يطمئنون إلى ثباتها، ويتعاملون معها بقديمهم الجديد من طرائق السيطرة وأساليب الاستحواذ. إن السطوح الخارجية لواقع الأمة مؤهلة للسقوط، طال الزمان أو قصر، وسيكون سقوطها طبيعياً مندرجاً في سياق تدهورها الذاتي، وستبرز حقائق الأشياء بروزاً طبيعياً كذلك. تلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا.(مقاله: سطوح وأعماق،جريدة السبيل الأردنية بتاريخ 14/09/2009 )
فتح وراء فتح
لقد جلب فتح تونس على مصر رياح التغيير والأمل، وذلك بعد ان كنا لانتصور ان يأتي التغيير من بلد كان على وشك الابتلاع الكامل من العلمانية المتوحشة ،وقد كان يعاني معاناة عنيفة تحت وطأة طاغوت هذه العلمانية ونشاطه المخيف الموروث عن اساتذة تخريب الضمائر والعقائد، الا ان هذا الشعب المسلم كانت تتوقد أعماقه في ظل الرقابة الربانية وتنقدح أقداره خلف السطوح الهشة، وتتكون خطوطها الداخلية بمواد وعناصر علمية من علوم وصياغات وصبغات مادية وغيبية وارادات تتصلب وتتمتن يوما بعد يوم تحت رياح التغيير والتثوير والتفقيه بينما كان الجسم الخارجي والسطح الظاهر يُرى ضعيفا يوحي بالانهيار التام، وتتملاه الهيئات والاكاديميات الغربية ومراكز بحوثها ودراساتها وتتندر على ماوصل اليه من الهشاشة، غافلة عن النور المتسلل من تحتها والضوء الضعيف المنبثق من جوفها، مطمئنة الى ماتوصل اليه علماء المادة الغربيون عن مجتمعاتنا بعد تصنيفها،لكنها على كل حال كانت لاتحظى من المعرفة الا بمعرفة السطوح الخارجية وبعض ظواهرها الخادعة فظنت أن الاعماق هشة كالسطوح الرثة واذا بها-ومنذ زمن طويل والى يوم مابعد الحداثة- تدفع بنتائجها وتقاريرها عن السطوح الى مراكز القرار بدون وعي كامل بمايجري في الأعماق من تقلبات وتحولات واستقرار القلب على يقين وتحدي وجرأة وصلابة فالولادة هذه المرة هي لرجل كامل وكأنه أسطورة من الأساطير وحلم من أحلام الحالمين.
لقد فتح "فتح تونس" ابواب الحرية على مصراعيها امام المصريين بعد ان قدم مثالا رائعا في المواجهة بالقوة والحق والعدل والإيمان. وان ماكان يعتمل تحت السطوح تحت عين الغيب الرحماني وصياغة المد الرباني ظهرت بوادره ورماله المتحركة بصورة غير متوقعة(والأمر كما قال فاروق جويدة في الأهرام ليوم الجمعة(11 فبراير2012م): لابد أن نعترف بأن هذا الجيل كان أكبر المفاجآت لنا" فاسفر هدوء الأعماق عن ثورة كانت كامنة في الأصلاب المؤمنة ، مادفع الجماهير الحرة ، التي لاطاقة لأي نظام بها ،الى المواجهة المشتعلة بلاتراجع ولاخوف ولاهيبة ولاتردد من نظام سلطوي يقوم على المركزية الطاغية ، هذا النظام الغريب عن مقوماتها وقد جثم على صدور الأمة وأفقرها وعراها أمام العالم بعد ان نزع منها مقدرات حياتها ومقومات شخصيتها.
صبغة الله وماتحت السطوح
وهكذا تحقق ماقاله علماء الأمة ، انه يجب ان لا تخدعنا الظواهر المرئية وان النصر مع الصبر واليقين، فتحت السطوح تتكون ارادات وتتمتن علاقات وتنمو اجيال وتنشأ اختيارات وتنفجر طاقات كحالة البركان تماما، فالبركان في جوف الارض لايخبرك عن نفسه بداية وانما عند حلول ساعة انفجاره وتوقيت انحداره تخرج نشرات الأخبار تخبر عن ظواهره وبعضا مما كان يعتمل داخله ولم يتوقع ثورته!
" أن صمت الأعماق –كما قال الاستاذ ابراهيم العجلوني في نهاية عام 2009م -حافل بالدلالات متكتم على الفجاءات وأن من لا يحسب حسابه لا يُذكر في الحكماء ولا يُصنف في العاقلين... وإن مَثَل ما نرى من صمت مجموع الأمة، هذا الصمت الذي يُخطئ فهمه الغرب المستعمر وصنائعه، كمَثَلِ صمت الأعماق الكظيمة التي تصابر أيامها العجاف، وتجمل لمصائبها المتتالية، ثم لا تلبث أن تتصل أسبابها بعُرام الحياة، وأن تفرض وجودها فَرْضاً، وأن يؤول صمتها المتطاول الى أفعال فصيحة ونصوص مَلْموسة واضحة الأثر لا تقبل التأويل... نقول إن دهاقنة الغرب المستعمر وراسمي سياساته المشرقية، يعلمون علمَ اليقين أن رهانهم على ما «يُفبركونه» أو يصنعونه من تيارات وأحزاب وحكومات، أو على ما يرسمونه من فسيفساء سياسية مخلعة، هو رهان خاسر، لأنه رهان على السطوح لا على الأعماق التي يجهلونها، ويحذرونها في آن.
ومهما يكن الأمر فإننا مطمئنون -اطمئناننا الى أن الله سبحانه يأتي بالشمس من المشرق- الى أن هدوء أعماقنا موّار بالحيوات، حافلٌ بالوعود. وإلى أنه متصّل بأعالي تاريخ هذه الأمة، تتحدر إليه مروءاتها ومكارمها، وتصبُّ فيه أشواقها للحياة على أوفى ما تكون عِزّةً، وكرامةً وأجمل ما تكون قيمةً، وأبعد ما تكونُ إحساناً..
إنهم في سكرةِ اللحظة الغاربة، تَغُطّهُم غَطّاً، فلا يرون الى ما قبلها وما بعدها، ونحن في وعي الأزمنة وتقلّب الحَدَثان. وشتّان شتّان ما بين ضيق اللحظة وبين سَعَة التاريخ..
كما أنهم لا يَنْفذُوُن الى ما وراء قشرة الواقع التي سرعان ما تتفتت وتذروها الرياح.( مقاله"عن هدوء الأعماق.. وعن وعودها بتاريخ" (06/12/2009
ان الامة تغيرت والتحولات التي تمت في النفوس كانت تحولات ضخمة جدا، وكمية العلوم التي سكنت قلوبها قومت شخصيتها حتى انقلبت على سلوكيات الخنوع والرهبة والذلة وعلمت ان الله أكبر حقا وأعلى خبرا وصدقا وفعلا، وانها يمكنها هي نفسها التغيير وان التغيير وان كان بإرادة الله الا ان الله قال ان العمل عمل الإنسان والله خالق الفعل والارادة والطاقة وله خلق كل شيء وهو رب كل شيء ومليكه.
ايضا فإن الدعاء لله والقرب منه ومن شرعه وفهم خبره وصور التربية والعلم والمعرفة وفهم الواقع ونتائج التكنولوجيا وثورة الاتصالات والمعرفة بالسياسات والمجتمعات ووصول قدر لابأس به من العلم الحقيقي بالاسلام الى الشباب قلب اوضاع الامة الى ماهو خير لها وفجر طاقاتها فيما ليس ينتظر!
ان ظهور هامات علمية كبيرة غير في نفسية الأمة وعقلها ووجدانها الذي حاولت اجهزة الطغيان على مر عصور أن تجهله وتسفهه وترده الى مهاوي الخنوع والذل.
وان ماشاهدته الامة من اهانة لها في العالم واستهانة بقدرها ونهب ثرواتها وقتل ابناءها والسخرية من دينها وعقيدتها وتزوير صورتها وحقيقتها وتحميل اسلامها وزر حكامها، اشعل الارواح وكوى الاجساد والهب النفوس وثور القلوب واشعل العقول وأوقد جذوتها وهز الوجدان وشكل الاعماق وقوى الإرادات حتى راينا تونس تنفجر أولا مما يحدث فيها وحولها ومما يحدث لابناء اسلامها في كل مكان هذا فوق اهانة التفقير واهانة النساء والعفة وغير ذلك.
في مقال العجلوني لشهر اكتوبر 2009م اي قبل الحدث الكوني للثورة الحالية الكلية المتواصلة ، قال تحت عنوان(العقل الغربي الاستشراقي: أوهامه وألوان قصوره):"يظنون أنهم يعرفون كل متحرك وساكن في بلادنا. تغرهم هذه التقارير المرفوعة إليهم، وهذه الاستطلاعات التي يبذلون فيها الملايين، وهذه المراكز والجمعيات والأكاديميات التي جعلت مهمتها الرئيسة أن تظهرهم على ما هو كائن في أرض العروبة والإسلام، وأن تتنبأ بما سيكون حتى لا يفاجأ القوم بما لم يكونوا يحتسبون..
يعتقدون أنهم أعرف منا بدواخلنا، وأنهم أعلم بالسر وأخفى مما يدور في عقولنا وضمائرنا. يعتقدون ذلك على نحو يفضي بهم إلى الغرور، وإلى أن يستيقنوا واهمين أنهم قادرون على أن يضعوا في أفواهنا ما نقول، وفي أذهاننا ما نفكر، وفي إراداتنا ما نجهد أن يكون، وأن يحددوا بالجملة مستقبلنا ويتحكموا في مصايرنا كيفما يبتغون..
ذلك هو ظنهم، وتلك هي سمادير أحلامهم، ولو كانوا يعقلون حقاً لما اطمأنوا إلى ما يتناهى إليهم من ظاهر أمرنا، ولا إلى ما تصوره لهم رغائبهم وأمانيهم من قدرتهم على أن يصبونا -كما سنظل، شاؤوا أم أبوا، عصيين على أفهامهم، وستظل احتمالات أفعالنا في منطقة لا تصلها كاشفاتهم بحال، وسيظل العربي المسلم مفاجئاً لهم في كل حين..
قد يقول قائل هنا، أو يسأل سائل: «وما بال الاستشراق الذي تتواصل كيوده وجهوده منذ قرون، وما بال كليات الدراسات الشرقية، وما بال مئات الخبراء المشتغلين بدأب لا يفتر في وزارات الدفاع وقيادات الجيوش في الدول الاستعمارية وما بال مراكز الدراسات المنتشرة في الأرض ترصد نبض الإسلام، وترقب بوادره، وما بال الصنائع منا والمضاهئين والمهزومين والمتهافتين.. أليس لكل ذلك -مجتمعاً- أثره في أن يعرف الغرب المستعمر من أحوالنا ما لا نعرفه نحن، وأن يتأدى به ذلك إلى مزيد تحكم بنا وسيطرة على حاضرنا وأن يملك بالفعل رسم مسار أيامنا القادمات..
إن هذه الجهود كلها لا تحقق للغرب إلا معرفة بسطوح الأشياء. وهي معرفة قاصرة حتى عن فهم دلالات هذه السطوح، أو ما يمكن أن يُستدل به منها على الأعمال الموارة والأنهر السرية الصاخبة في البنيان الشعوري للإنسان العربي أو المسلم. أو على الآفاق الروحية والعوالم غير المرئية التي يتحرك فيها وجدانه ويسبّح عقله..
وعلى افتراض بعيد بأن بعض الراصدين للعرب والمسلمين استطاعوا معرفة شيء من ذلك، فإن من نتائج هذه المعرفة إذا كانت أنهم سيطلعون على جانب من ديباجة معجبة تضطرب عندها موازينهم وتحار ألبابهم، وأنهم سيكونون مضطرين إلى مواجهة أخلاقية صعبة مع أنفسهم، شأن كثير ممن درسوا الإسلام في سياق حَرْبِه ثم ما لبثوا أن تمثلوا عظمة رسالته وبالغ افتقار العالم إليه، فكانوا به من المؤمنين، وسطروا في ذلك الصفحات المئين..
ونقول، طلباً لمزيد من التحوّط، أن كثيراً من مسؤولي مراكز الدراسات الغربية، أو الهيئات الأكاديمية والعسكرية والسياسية التي تنتهي الى التقارير في شأن العرب والمسلمين، لا يطمئنون إلى ما يتراكم بين أيديهم من «معلومات» ولا إلى ما يجتمع من رؤى وتصورات فهم يستشعرون أن ثمة أشياء لا يستطيع رافعو التقارير دركها، وظواهر لا يملكون تفسيرها، وأقوالاً لا يحيطون بمعانيها، وإشارات تخفى عليهم دلالاتها..
ثم إنهم -من قبل ومن بعد- أمام معطيات حضارية متراكبة طبقاً عن طبق في ثنايا تاريخ متطاول. آخذ بعضها بأطراف بعض، غير منفصل بعضها عن بعض، بحيث لا يملكون أن يستنبئوا أياً منها عما وراءه أو أن يتبعوا له سبباً.
لا نقول في خلاصة الكلام إن عالم الإسلام سر مغلق تستحيل معرفته على «العقل الغربي المعاصر» أو على السادة المستعمرين وصنائعهم جُملة. بل نقول إنه عالم واضح جلي. ولكنه في مرتقى أخلاقي وذوقي يعلو على الذهن الذرائعي الاستشراقي الاستعماري.
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.."
حقا انه كما قال في مقاله(دار الظالمين.. ودار الهاملين)"إن الحرية هي قهر الضرورة بعد وعيها. إذ الوعي وحده، مهما تعاظم ليس شرطاً كافياً لدفع الضرورة أو تجاوزها. ولا بد من العمل الدائب المضاد لذلك.إن الظلم -في ضوء هذا الفهم- لا يدفع بمزيد من إدراك معنى العدالة وأهميتها، بقدر ما يدفع بالمواجهة بعد المواجهة. ولما كان أمد هذه المواجهات منوطاً بتوافر أسبابها؛ فإن «دار الظالمين» قد تستمر في الزمان، وإن كان استمرارها صُورياً، لا تلبث دابة الأرض أن تأكل مِنْسَأته، فتهوي دفعة واحدة كأن لم تغْنَ بالأمس، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً"..