أبو عمار المليباري
New member
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
[align=justify]لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة تاجراً ، وأما ما بعد النبوة فنجد أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يزاول التجارة ولكن لم يتفرغ لها كالسابق لأن على عاتقه أعباء الرسالة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى . فهو عليه أن يعتني بأمور المسلمين الدينية والاقتصادية والاجتماعية ..الخ .
وحينما تصفَّحت مصادر السنة وكتب السيرة رأيت العجب العُجاب ، فهو صلى الله عليه وسلم كان يزاول البيعَ والشراء ويتكسَّب مع شغله الشاغل بشؤون الدعوة . وما ذاك إلا لأنه هو الأسوة الحسنة للناس ؛ فهو صلى الله عليه وسلم أرشد أصحابه إلى أن يأكلوا من عمل أيديهم ، وكذا كان دأب الأنبياء والمرسلين . ففي صحيح البخاري من حديث المِقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبيَّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"(1) وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلمٍ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "كان زكريا نجاراً" (2) ، فاسترشد الصحابة بخطا الأنبياء ، واقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم . ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "إن إخوتي من المهاجرين كان يَشغلهم الصَّفْقُ بالأسواق ... وكان يَشغَل إخوتي من الأنصار عملُ أموالهم ..."(3) .
فإذا كان الصحابة هذه طريقتهم في المعاش كيف لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم يعمل ويأكل من عمل يده ؟ وهو قدوتهم وأتقاهم وأخشاهم لله سبحانه وتعالى . ومن هذا المنطلق أردتُّ أن أبحث عن مصادر دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكيف كان يعُول أزواجه رضي الله عنهن . وحينما تتبَّعت مصادر دخْلِه في كتب السنن والسِّير وجدت أنها كالتالي :
1- ما يتكسَّب من مزاولة التجارة . والتجارة هي البيع والشراء . قال ابن منظور في (لسان العرب 4/89) : (تَجَرَ يَتْجُرُ تَجْرَاً و تِجَارَةً : باعَ وشرَى) .
2- نصيبه صلى الله عليه وسلم وحصَّته من الغنائم والفَيْءِ .
3- ما تأتيه من الهبات والهدايا .
وفيما يلي شرح لكل نقطة من الثلاث المذكورة أعلاه :
أولاً : تجارته صلى الله عليه وسلم : قرَّرنا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم زاول التجارة قبل النبوة وبعدها كذلك . ففي صحيح البخاري أن النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال لجابرٍ : "أتبيعني جَمَلَك؟" قلت : نعم ، فاشتراه مني بأوقِيَّة (4) . وقال أبو بكر رضي الله عنه في أثناء الهجرة : يا رسول الله ، إن عندي ناقتين أعددتُّهما للخروج فخذ إحداهما ، قال : "قد أخذتها بالثمن"(5) . وعن جابر بن عبدالله : أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دُبُرٍ(6) ، فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "مَن يشتريه منِّي" فاشتراه نُعيم بن عبدالله بكذا وكذا ، فدفعه إليه (7) ، وقال جابرٌ رضي الله عنه : باعَ النبي صلى الله عليه وسلم المُدَبَّر (8) . وعن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء رجل مشركٌ مُشْعَانٌّ طويل بغنمٍ يسوقها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أبَيْعاً أم عَطِيَّةً؟" أو قال : "أو هِبةً؟" قال : لا ، بل بيعٌ ، فاشترى منه شاةً (9) .
بل أذن صلى الله عليه وسلم لبعض أزواجه بالشراء ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : "اشتري وأعتِقي ، فإنما الولاء لمن أعتق"(10) .
ثانياً : سهْمُه صلى الله عليه وسلم من الغنائم والفيءِ : إن النبي صلى الله عليه وسلم له سَهـمٌ من الغنيمة ، وذلك أن الغنيـمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيـجاف الخيل
والرِّكاب ويقسَّم إلى خمسةِ أسهمٍ : أربعة أسهمٍ منها للمجاهدين والسهم الخامس يقسَّم أيضاً إلى خمسة أسهم وهي : 1- لله ولرسوله(11) 2- لذوي القربي 3- لليتامى 4- للمساكين 5- لابن السبيل .
وأما الفيء فهو كل مالٍ أُخذ من الكفارِ من غير قتالٍ ولا إيجاف خيلٍ ولا رِكاب كأموال بني النضير (12) . وتقسيم الفيء هو كما قال الإمام الشافعي رحمه الله : (ما حصل من أموال الكفار بغير قتالٍ قُسِّم على خمسة أسهم : أربعةٌ منها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم وكان الخمسُ الباقي على خمسة أسهمٍ : سهمٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً وسهمٌ لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب لأنهم مُنعوا الصدقة فجُعل لهم حق في الفيء ، وسهمٌ لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل)(13) . فعُلم أن الأسهم التي يحصلُ عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة والفيء دخلٌ وفير يكفيه وأهله ، وفي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كانت أموالُ بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجِفِ المسلمون عليه بِخَيْلٍ ولا رِكاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّة . وكان ينفقُ على أهله نفقة سنتِهِ ثم يَجعلُ ما بقي في السلاح والكُراعِ(14) عدَّةً في سبيل الله . وبوَّب الإمام ابن هشام رحمه الله في (السيرة النبوية 4/325) باباً : ذِكر ما أَعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءَه من قَمح خيبر : قسَّم لهن مائةً وثمانين وَسَقًا(15) ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسةً وثمانين وسقًا .
ثالثاً : الهباتُ والهدايَا التي أعطيت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يرشدُ أصحابه إلى التهادي(16) ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يا نساءَ المسلماتِ لا تَحقِرَنَّ جارةٌ لجارتها
ولو فِرْسِنَ(17) شاةٍ"(18) . وقال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : "لو دُعيتُ إلى ذراعٍ أو كُراعٍ لأجبتُ ، ولو أهديَ إليَّ ذراعٌ أو كراعٌ(19) لقبِلْتُ"(20) .
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال : "أنْفَجْنا(21) أرنباً بمَرِّ الظهرانِ فسَعى القومُ فلَغِبُوا(22) فأدركتُها فأخذتُها فأتيتُ بها أبا طلحةَ فذبَحَها وبعثَ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بورِكِها أو فَخِذَيْها فقَبِلَه . قلت : وأكل منه ..)(23) . وعن الصَّعبِ بن جَثَّامَةَ الليثِي : أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلمَ حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بِوَدَّان ، فردَّه عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : "إنَّا لم نردَّه عليك إلا أنا حُرُمٌ"(24) . وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال : أهْدَتْ أم حفيدٍ خالةُ ابن عباسٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقِطاً وسمْناً وأَضُبًّا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الضبَّ تقذُّراً . قال ابنُ عباسٍ فأُكِل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراماً ما أُكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم(25) .
فهذه الأحاديث دلَّت على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعطَى كثيراً من الهدايا والهبات بحيث اعتبرْناها أحد مصادر الدخلِ لدى النبي صلى الله عليه وسلم .
تحريراً في يوم الأحد 2/7/1426هـ
1- رقم الحديث (2072) .
2- رقم الحديث (2379) .
3- رقم الحديث (2047) .
4- رقم الحديث (2097) . والْأُوقِيَّةُ بضم الهمزة وتشديد الياء وهي : أربعون درهماً .
5- رواه البخاري برقم (2138) .
6- أي العبد المُدَبَّر وهو : العبد الذي علَّق مالكه عِتقه بموت مالكه سمي بذلك أن الموت دُبُر الحياة . انظر (فتح الباري (4/531) .
7- رواه البخاري برقم (2141) .
8- رقم الحديث (2230) .
9- رواه البخاري برقم (2216) . ومعنى (مُشعانٌّ) طويل شعثُ الشعر ، انظر (الفتح 4/518) .
10- والولاءُ هو : حق ميراث المُعتِق من العبد المُعتَق ، انظر (فتح الباري 5/207) .
11- اختلف في السهم الذي هو لله : فقال بعضهم هو الذي يجعل في الكعبة ، وقال كثير من المفسرين السهم الذي لله ولرسوله واحد وهو الصحيح إن شاء الله ، انظر تفسير ابن كثير (2/410) .
12- انظر تفسير ابن كثير (4/428) .
13- انظر تفسير القرطبي (18/14) .
14- الكراع : اسمٌ لجميعِ الخيلِ ، انظر (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ) .
15- والوسق : ستون صاعاً ، انظر (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/184) .
16- التهادي هو أن يُهديَ بعضهم بعضاً ، انظر (مختار الصحاح للرازي 1/288) .
17- الفِرْسن : عَظْمٌ قَليل اللَّحْم , وهو خُفُّ البَعير , كالحاَفر للدّابة . (انظر النهاية في غريب الحديث 3/429) .
18- رقم الحديث (2566) .
19- ومعنَى الكراعِ هنا : هو مُسْتَدَقُّ الساقِ العاري من اللـحم، والـجمعُ : أَكْرُعُ ثم أَكارِعُ . وفـي الـمَثلِ : أُعْطِيَ العَبْدُ كُراعاً فطَلَب ذِراعاً ، لأَنَّ الذراعَ فـي الـيدِ وهو أَفضل من الكُراعِ فـي الرِّجْل (لسان العرب 8/307) .
20- رقم الحديث (2568) .
21- أي أثرنا الأرنب فوثَبتْ (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ 313) .
22- أي تعبوا (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ 289) .
23- رقم الحديث (2572) .
24- رواه البخاري برقم (2573) .
25- رقم الحديث 2575) .[/align]
[align=justify]لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة تاجراً ، وأما ما بعد النبوة فنجد أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يزاول التجارة ولكن لم يتفرغ لها كالسابق لأن على عاتقه أعباء الرسالة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى . فهو عليه أن يعتني بأمور المسلمين الدينية والاقتصادية والاجتماعية ..الخ .
وحينما تصفَّحت مصادر السنة وكتب السيرة رأيت العجب العُجاب ، فهو صلى الله عليه وسلم كان يزاول البيعَ والشراء ويتكسَّب مع شغله الشاغل بشؤون الدعوة . وما ذاك إلا لأنه هو الأسوة الحسنة للناس ؛ فهو صلى الله عليه وسلم أرشد أصحابه إلى أن يأكلوا من عمل أيديهم ، وكذا كان دأب الأنبياء والمرسلين . ففي صحيح البخاري من حديث المِقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبيَّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"(1) وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلمٍ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "كان زكريا نجاراً" (2) ، فاسترشد الصحابة بخطا الأنبياء ، واقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم . ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "إن إخوتي من المهاجرين كان يَشغلهم الصَّفْقُ بالأسواق ... وكان يَشغَل إخوتي من الأنصار عملُ أموالهم ..."(3) .
فإذا كان الصحابة هذه طريقتهم في المعاش كيف لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم يعمل ويأكل من عمل يده ؟ وهو قدوتهم وأتقاهم وأخشاهم لله سبحانه وتعالى . ومن هذا المنطلق أردتُّ أن أبحث عن مصادر دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكيف كان يعُول أزواجه رضي الله عنهن . وحينما تتبَّعت مصادر دخْلِه في كتب السنن والسِّير وجدت أنها كالتالي :
1- ما يتكسَّب من مزاولة التجارة . والتجارة هي البيع والشراء . قال ابن منظور في (لسان العرب 4/89) : (تَجَرَ يَتْجُرُ تَجْرَاً و تِجَارَةً : باعَ وشرَى) .
2- نصيبه صلى الله عليه وسلم وحصَّته من الغنائم والفَيْءِ .
3- ما تأتيه من الهبات والهدايا .
وفيما يلي شرح لكل نقطة من الثلاث المذكورة أعلاه :
أولاً : تجارته صلى الله عليه وسلم : قرَّرنا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم زاول التجارة قبل النبوة وبعدها كذلك . ففي صحيح البخاري أن النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال لجابرٍ : "أتبيعني جَمَلَك؟" قلت : نعم ، فاشتراه مني بأوقِيَّة (4) . وقال أبو بكر رضي الله عنه في أثناء الهجرة : يا رسول الله ، إن عندي ناقتين أعددتُّهما للخروج فخذ إحداهما ، قال : "قد أخذتها بالثمن"(5) . وعن جابر بن عبدالله : أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دُبُرٍ(6) ، فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "مَن يشتريه منِّي" فاشتراه نُعيم بن عبدالله بكذا وكذا ، فدفعه إليه (7) ، وقال جابرٌ رضي الله عنه : باعَ النبي صلى الله عليه وسلم المُدَبَّر (8) . وعن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء رجل مشركٌ مُشْعَانٌّ طويل بغنمٍ يسوقها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أبَيْعاً أم عَطِيَّةً؟" أو قال : "أو هِبةً؟" قال : لا ، بل بيعٌ ، فاشترى منه شاةً (9) .
بل أذن صلى الله عليه وسلم لبعض أزواجه بالشراء ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : "اشتري وأعتِقي ، فإنما الولاء لمن أعتق"(10) .
ثانياً : سهْمُه صلى الله عليه وسلم من الغنائم والفيءِ : إن النبي صلى الله عليه وسلم له سَهـمٌ من الغنيمة ، وذلك أن الغنيـمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيـجاف الخيل
والرِّكاب ويقسَّم إلى خمسةِ أسهمٍ : أربعة أسهمٍ منها للمجاهدين والسهم الخامس يقسَّم أيضاً إلى خمسة أسهم وهي : 1- لله ولرسوله(11) 2- لذوي القربي 3- لليتامى 4- للمساكين 5- لابن السبيل .
وأما الفيء فهو كل مالٍ أُخذ من الكفارِ من غير قتالٍ ولا إيجاف خيلٍ ولا رِكاب كأموال بني النضير (12) . وتقسيم الفيء هو كما قال الإمام الشافعي رحمه الله : (ما حصل من أموال الكفار بغير قتالٍ قُسِّم على خمسة أسهم : أربعةٌ منها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم وكان الخمسُ الباقي على خمسة أسهمٍ : سهمٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً وسهمٌ لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب لأنهم مُنعوا الصدقة فجُعل لهم حق في الفيء ، وسهمٌ لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل)(13) . فعُلم أن الأسهم التي يحصلُ عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة والفيء دخلٌ وفير يكفيه وأهله ، وفي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كانت أموالُ بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجِفِ المسلمون عليه بِخَيْلٍ ولا رِكاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّة . وكان ينفقُ على أهله نفقة سنتِهِ ثم يَجعلُ ما بقي في السلاح والكُراعِ(14) عدَّةً في سبيل الله . وبوَّب الإمام ابن هشام رحمه الله في (السيرة النبوية 4/325) باباً : ذِكر ما أَعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءَه من قَمح خيبر : قسَّم لهن مائةً وثمانين وَسَقًا(15) ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسةً وثمانين وسقًا .
ثالثاً : الهباتُ والهدايَا التي أعطيت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يرشدُ أصحابه إلى التهادي(16) ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يا نساءَ المسلماتِ لا تَحقِرَنَّ جارةٌ لجارتها
ولو فِرْسِنَ(17) شاةٍ"(18) . وقال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : "لو دُعيتُ إلى ذراعٍ أو كُراعٍ لأجبتُ ، ولو أهديَ إليَّ ذراعٌ أو كراعٌ(19) لقبِلْتُ"(20) .
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال : "أنْفَجْنا(21) أرنباً بمَرِّ الظهرانِ فسَعى القومُ فلَغِبُوا(22) فأدركتُها فأخذتُها فأتيتُ بها أبا طلحةَ فذبَحَها وبعثَ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بورِكِها أو فَخِذَيْها فقَبِلَه . قلت : وأكل منه ..)(23) . وعن الصَّعبِ بن جَثَّامَةَ الليثِي : أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلمَ حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بِوَدَّان ، فردَّه عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : "إنَّا لم نردَّه عليك إلا أنا حُرُمٌ"(24) . وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال : أهْدَتْ أم حفيدٍ خالةُ ابن عباسٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقِطاً وسمْناً وأَضُبًّا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الضبَّ تقذُّراً . قال ابنُ عباسٍ فأُكِل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراماً ما أُكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم(25) .
فهذه الأحاديث دلَّت على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعطَى كثيراً من الهدايا والهبات بحيث اعتبرْناها أحد مصادر الدخلِ لدى النبي صلى الله عليه وسلم .
تحريراً في يوم الأحد 2/7/1426هـ
1- رقم الحديث (2072) .
2- رقم الحديث (2379) .
3- رقم الحديث (2047) .
4- رقم الحديث (2097) . والْأُوقِيَّةُ بضم الهمزة وتشديد الياء وهي : أربعون درهماً .
5- رواه البخاري برقم (2138) .
6- أي العبد المُدَبَّر وهو : العبد الذي علَّق مالكه عِتقه بموت مالكه سمي بذلك أن الموت دُبُر الحياة . انظر (فتح الباري (4/531) .
7- رواه البخاري برقم (2141) .
8- رقم الحديث (2230) .
9- رواه البخاري برقم (2216) . ومعنى (مُشعانٌّ) طويل شعثُ الشعر ، انظر (الفتح 4/518) .
10- والولاءُ هو : حق ميراث المُعتِق من العبد المُعتَق ، انظر (فتح الباري 5/207) .
11- اختلف في السهم الذي هو لله : فقال بعضهم هو الذي يجعل في الكعبة ، وقال كثير من المفسرين السهم الذي لله ولرسوله واحد وهو الصحيح إن شاء الله ، انظر تفسير ابن كثير (2/410) .
12- انظر تفسير ابن كثير (4/428) .
13- انظر تفسير القرطبي (18/14) .
14- الكراع : اسمٌ لجميعِ الخيلِ ، انظر (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ) .
15- والوسق : ستون صاعاً ، انظر (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/184) .
16- التهادي هو أن يُهديَ بعضهم بعضاً ، انظر (مختار الصحاح للرازي 1/288) .
17- الفِرْسن : عَظْمٌ قَليل اللَّحْم , وهو خُفُّ البَعير , كالحاَفر للدّابة . (انظر النهاية في غريب الحديث 3/429) .
18- رقم الحديث (2566) .
19- ومعنَى الكراعِ هنا : هو مُسْتَدَقُّ الساقِ العاري من اللـحم، والـجمعُ : أَكْرُعُ ثم أَكارِعُ . وفـي الـمَثلِ : أُعْطِيَ العَبْدُ كُراعاً فطَلَب ذِراعاً ، لأَنَّ الذراعَ فـي الـيدِ وهو أَفضل من الكُراعِ فـي الرِّجْل (لسان العرب 8/307) .
20- رقم الحديث (2568) .
21- أي أثرنا الأرنب فوثَبتْ (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ 313) .
22- أي تعبوا (هدي الساري للحافظ ابن حجرْ 289) .
23- رقم الحديث (2572) .
24- رواه البخاري برقم (2573) .
25- رقم الحديث 2575) .[/align]