مصادر المستشرقين (المعتزلة) أنموذجا

إنضم
04/11/2023
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
23
الإقامة
المملكة العربية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
فقد امتن الله تعالى على هذه الأمة بنعم كثيرة دون سواها من الأمم، ومن أعظم هذه النعم إكمال الدين قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] "فهذه من أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه"(1).
و إن الصراع بين الحق والباطل، قائم منذ الأزل، وما ذاك إلا أنه سنة من سنن الله عز وجل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ولقد تكالب أعداء الإسلام على الدين الحق من كل حدب وصوب، بقيادة اليهود والنصارى حيث لم يعلموا وسيلة إلا استخدموها، ولا طريقة إلا سلكوها، قال تعالى :﴿وَكَذلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يوحي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا وَلَو شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلوهُ فَذَرهُم وَما يَفتَرونَ﴾ [الأنعام: ١١٢].
وهذا البغض للإسلام والمسلمين توارثه رجال الكنيسة اليهودية والنصرانية جيلا بعد جيل، يقول المستشرق جوزيف شاخت عن أهداف الكنيسة النصرانية في مواجهة الإسلام، وصد المسلمين عن الدعوة لهذا الدين "كان هدف العلماء في الغرب أن ينشروا تحليلهم للإسلام لكي يقاوموا ما يمكن أن يكون له من تأثير على الشعوب اليهودية والنصرانية"(2)
وكانت من وسائل اليهود والنصارى للنيل من هذا الدين، الاستشراق، وهو من أخطر الوسائل، وذلك لزعمهم أنه فكر نير ملتزم بالموضوعية، والأمانة العلمية في البحث والدراسات الإسلامية.
وقد اهتم المستشرقون بالمعتزلة اهتماماً بالغاً، ظهر في تمجيدهم لرجال هذه الفرقة، ونشر مؤلفاتهم، والمبالغة في الثناء عليهم وعلى أفكارهم، وبيان أنهم أكثر المنتسبين إلى الإسلام فهماً للإسلام.

التعريف بالمعتزلة.

اسم يطلق على فرقة ظهرت في الإسلام في أوائل القرن الثاني، وسلكت منهجا عقليا متطرفا في بحث العقائد الإسلامية(3)، وهم أصحاب واصل(4) بن عطاء الغزال الذي اعتزل عن مجلس الحسن البصري(5).

التعريف بالإستشراق.

هو دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون كافرون من أهل الكتاب بوجه خاص للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وتاريخا ونظما وثروات وإمكانيات؛ بهدف تشويه الإسلام، ومحاولة تشكيك المسلمين فيه وتضليلهم عنه, وفرض التبعية للغرب عليهم, ومحاولة تسويغ هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي(6).
إعجاب المستشرقين بمذهب المعتزلة.
هكذا مجد المستشرقون المعتزلة لأنهم وجدوا في مذهبهم تحقيقا لمآربهم ونواياهم التي تهدف لمحاولة تغيير نصوص القرآن لموافقة آرائهم وأهوائهم ، وقد فتح لهم المعتزلة الباب فكانوا موقع إعجاب المستشرقين الذين أمطروهم بوابل المديح، وأهدوهم شهادات الإحسان والإكبار، فالمدرسة الاستشراقية هي في الحقيقة امتداد في بعض القضايا من المدرسة الاعتزالية في التعامل مع نصوص القرآن بما يوافق مقاصدهم.
حيث قال جولد تسيهر في وصفه للمعتزلة: "المفكرون الأحرار في الإسلام"(7). وقال: "ولاريب أن هؤلاء الناس الأتقياء، ويسمون المعتزلة(8). وقال أيضا: "وبداية هذا المذهب الاعتزالي تدلنا على الأقل على نزعة التحرر من القيود الثقيلة المتبعة، وعلى القضاء على الفهم السني الصارم للحياة.... لقد كان الأوائل الذين وسعوا معين المعرفة الدينية بأن أدخلوا فيها عنصرا آخر قيما وهو العقل(9).

اتحاد آرائهم في تصدير العقل على النقل.

من منهج المعتزلة في الاستدلال تقديم العقل على النقل، ويقولون بوجوب تأويل ظاهر النص بما يتفق مع معطيات العقل وحججه، حيث اعتبروا أن هناك ثلاث حجج احتج بها المعبود على العباد،وهي العقل، والكتاب، والرسول، فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود، وجاءت حجة الكتاب المعرفة التعبد، وجاءت حجة الرسول بمعرفة العباد، والعقل أصل الححجتين الأخيرتين لأنهما عرفا به ولم يعرف بهما، فجعلوا بذلك العقل حاكما على الكتاب والسنة، فما وافق العقل عندهم قبل، وما خالفه رد(10)،ويعتبر العقل عند المعتزلة ينبوع المعرفة حيث جعلوا العقل حاكما لا محكوما وقصدوا في زعمهم من وراء ذلك تطهير الفكر. كما أدى بهم هذا الأمر إلى رد كثير من النصوص ويظهر هذا جليا في كتاباتهم التي يشيدون فيها بالعقل أيما إشادة ويذمون من يدعو إلى العناية بنصوص الوحي من غير إفراط في استخدام العقل والمعتزلة بنوا مذهبهم بتقديم ما يرونه عقلاً على النصوص المحكمة من الكتاب والسنة، والمعقولات لديهم هو ما ورثوه من الفلسفة اليونانية؛ فالعقل له القدرة غير المحدودة على المعرفة وعلى فهم الشريعة.
قال أبو علي الجبائي: "إن سائر ما ورد به القرآن في التوحيد، والعدل، ورد مؤكدا لما في العقول(11).
قال القاضي عبد الجبار فصل في بيان الأدلة: "أولها: دلالة العقل لأن به يميز بين الحسن والقبيح، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة، والإجماع، وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم فيظن أن الأدلة هي الكتاب والسنة، والاجماع فقط، وليس الأمر كذلك لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة، والاجماع، فهو الأصل في هذا الباب (12)وقال: "فكيف يصح فيما طريقه الدين أن نتبع قول الكثير وقد أتانا الله من العقل ما نعرف به البصيرة (13)، ثم ذكر أنواع الأدلة مرتبة، فقال: "حجة العقل، والكتاب، والسنة، والإجماع، ومعرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل.
وهذا القول الخطير اقتبسه المستشرقون عن سلفهم من أهل الاعتزال فقالوا به ودعوا إليه لصرف النصوص عن حقيقتها، وفهمها فهما عصريا.
_ قال جولد تسيهر: "وبداية هذا المذهب الاعتزالي تدلنا على الأقل على نزعة التحرر من القيود الثقيلة المتبعة، وعلى القضاء على الفهم السني الصارم للحياة.... لقد كان الأوائل الذين وسعوا معين المعرفة الدينية بأن أدخلوا فيها عنصرا آخر قيما وهو العقل(14).
_ وقال المستشرق الفريد جيوم: "وإن أجل خدمة قدمها المعتزلة للعالم المتمدين قامت على جهرهم بإخضاع الدين للنظر العقلي أكثر "(15).
_ وقال المستشرق دي لاسي أوليري: "إن تقديم العقل على النقل مما أخذه المعتزلة من فلاسفة اليونان فزادوا من سلطانه وانفراده، وقال بعض المستشرقين فيما نقل رشيد رضا عنهم: "وخلاصة القول في هذا الموضوع أنه يجب علينا الاقتصار على كتاب الله تعالى مع استعمال العقل والتصرف(16).
_وقال المستشرق جان بول سارتر : إن اليهود متهمون بتهم ثلاث كبرى هي عبادة الذهب، وتعرية الجسم البشري، ونشر العقلانية المضادة للإلهام الديني، ثم قدم لكل تهمة ما يقدر عليه من المعاذير وخاصة التهمة الثالثة .... فقال أما إذا زال الدين من الأرض، وتعامل البشر بعقولهم فعقل اليهودي كعقل غير اليهودي، ويومئذ لن يتميز اليهود بكونهم يهودا وسيعشون بسلام مع اليهود(17).
موقف المستشرقين من تفاسير المعتزلة.
المستشرقون يؤكدون بوضوح على أهمية الفرق المنشقة عن الإسلام لنفي وحدة الأمة في الماضي تمهيداً إلى نفي هذه الوحدة حاضراً ومستقبلاً، واتهام الإسلام بالصورة المشوهة حين يعرض في قوالب تلك الفرق، مع إبراز أهل النزعات كأصحاب فكر تحرري متبعين المنهج الانتقائي.
فمن ذلك محاولة المستشرق (جولد تسيهر) في دراسته للفرق أن يظهر أن التفسير القرآني كان يتبع مصلحة الفرق الدينية ومبادئهم الأساسية .
حيث قال: (( إن كل فرقة كانت تحاول إيجاد الدليل على عقيدتها ونظرياتها السياسية من القرآن الكريم وتفسير النصوص القرآنية هذا الغرض الذي أرادوا تحقيقه وإثباته وضرب على ذلك أمثلة كفرقة الخوارج، والشيعة ، وما تفرع عنهما من الفرق كالإسماعيلية الفاطمية ، والبابية ، وغير ذلك من الفرق ))(18).
الرد والتعليق :
هذه الفرق تعتبر ممن انحرف بتفسير القرآن الكريم بشكل بين متكلف لتأييد آرائهم وتثبيت أفكارهم و مذاهبهم الاجتهادية حيث حملوا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لنصرة مذاهبهم وحملوها مالا تحتمل(19).


(1) تفسير القرآن العظيم (٢/١٤).
(2) تراث الإسلام – شاخت و بوزوث – (1/ ٣٠).
(3) دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية (ص:83).
(4)الملل والنحل (١/ ٥٠).
(5)وفيات الأعيان (٢/ ٧١).
(6) رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد (ص:171)
(7)جولد تسيهر، "العقيدة والشريعة في الاسلام"،". ترجمة محمد يوسف، علي حسن، تقديم محمد عوني، (ط۲، بغداد، مصر، دار الكتب الحديثة، مكتبة المثنى)، ١٠١. (۳).
(8) جولد تسيهر، "مذاهب التفسير الإسلامي"، ت عبد الحليم النجار، مصر، بغداد، مكتبة الخانجي، مكتبة المثنى ١٣٧٤هـ)، ١٢١
(9) جولد تسيهر، "العقيدة والشريعة في الاسلام ١٠١.
(10) أصول العدل والتوحيد القاسم الرسي 96/1 (ضمن موجز رسائل العدل والتوحيد)
(11) القاضي عبد الجبارة "المغني في أبواب التوحيد والعدل"، تحقيق خضر محمد (بيروت، دار الكتب العلمية، ٢٠٠١) (٤/ ١٧٢).
(12) القاضي عبد الجبار فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة تحقيق فؤاد سيد، تونس، الدار التونسية للنشر)، ١٣٩
(13) القاضي عبد الجبار "المغني في أبواب التوحيد والعدل"، (4/ 172).
(14)جولد تسيهر، "العقيدة والشريعة"، ١٠١
(15) الفريد جيوم، "تراث الإسلام"، ١ ٢٧٦
(16) محمد توفيق "الإسلام هو القرآن وحده . مجلة المنار، العدد ٩. (رجب ١٣٢٤)515
(17)حامد، "العصرانيون بين مزاعم التجديد" 214.
(18) مذاهب التفسير الإسلامي (ص: 286)
(19) آراء المستشرقين حول القرآن الكريم دراسة ونقد، عمر رضوان (ص:١٧١).
 
عودة
أعلى