مصادر القرآن الكريم " أساطير الأولين

إنضم
25/04/2010
المشاركات
170
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مكـة المكرمة
دانيال ، نورمان


مصادر القرآن الكريم " أساطير الأولين"


من الشبهات الأخرى التي يثيرها المستشرقون أمثال نورمان دانيال ومن نحا نحوهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) ما جاء بجديد في القرآن وإنما أخذ بعضاً من اليهودية، وبعضاً من النصرانية، وبعضاً من قصص الفرس , فكان القرآن. وقد ذكر لنا ربنا جل جلاله هذا في كتابه الكريم فقال سبحانه :-

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً ) (الفرقان:4)
( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (الفرقان:5)


( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) (النحل:103)


الـــــــــــــرد

إن عنصر المعجزة لا يفارق القرآن ، فإذا ثبت أن محتويات القرآن مقتبسة من اليهود والنصارى والفرس فإن صياغة القرآن ليست منهم لأن لغاتهم أعجمية، ولغة القرآن عربية في مستوى الإعجاز. وإذا بقي عنصر المعجزة في القرآن ـ ولو من ناحية واحدة، وهي ناحية الصياغة ـ يكون دليلاً على أنه من الله، ولا تبقى حاجة إلى إثبات أن القرآن معجزة في محتواه، كما هو معجزة في صياغته.
وقد اختلطت التهمة بالدفاع، فـ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) (النحل:103) وهذا يعبر عن مدى صدمة القرآن لعقلية الجزيرة العربية.
والواقع: أن القرآن معجزة واضحة في صياغته، وهذه.. ما فهمتها الجزيرة العربية ومن ورائها الأدباء العرب في كل مكان وزمان.

ولكنه: معجزة أضخم في محتواه وهذه.. ما تفهمها العقول العلمية والقانونية إلى يوم القيامة.

غير أن الشبهة التي وسوست في الصدور ولا تزال نتجت من ملاحظة أن الناس شاهدوا في بعض آيات القرآن ما كانوا يتلقونه من ألسنة الأحبار والرهبان ـ بفارق بسيط ـ وما تتبادله الأمم من أمثلة وحكم.
ولا تزال الطوائف والشعوب تحتفظ في تراثها الديني والقومي بأمثال وقصص وحكم وردت في القرآن، وتاريخها يرجع جذورها إلى ما قبل نزول القرآن، فهي لم تأخذها من القرآن، فلا بد أن القرآن اقتبسها منها ونسبها إلى نفسه بعد أن طوّرها وأجرى عليها بعض التعديلات .

والجواب على هذه الشبهة :

إن التراث الديني الذي يحتفظ به الأحبار والرهبان وكل علماء الأديان من تركة الأنبياء (عليهم السلام).
وهذا ما لا ينكره علماء الأديان، وإنما يتبارون في تأكيد انتسابه إلى الأنبياء.
وأما التراث القومي الذي تحتفظ به الشعوب فلا يصح تجاهل تأثره بالأنبياء إلى حد بعيد، وخاصة في لمعاته الذكية لأن العناصر المفكرة في كل الشعوب، لم تكن بعيدة عن الأنبياء، لأن الله كان يواتر أنبياءه إلى كل الشعوب، والعناصر المفكرة كانت تأخذ منهم ـ آمنت أم لم تؤمن بهم ـ فترسبت تركة الأنبياء في مشاعر الشعوب، واحتفظت ببعضها في التراث، وإن لم تحتفظ بسلسلة سند كل قصة وحكمة.


ولهذا نجد في التراث القومي لكل شعب، لفتات روحية لا شك أنها من رواسب تعاليم الأنبياء. بل لو قارن الباحث خطوات الشعوب نحو الأمام مع حركة الرسالات؛ يتأكد من أن كل خير نالته البشرية عليه بصمة أحد الأنبياء، وإن طالت الفترة بين انبثاقه من النبوة ونضوجه كظاهرة على سطح الحياة .

فخير ما في التراث الديني وغيره للشعوب، هو تراث الأنبياء. والأنبياء جميعاً أخذوا عن الله. والله تعالى أعطى لكل نبي بمقدار استعداد قومه للأخذ، وأعطى لمحمد بن عبد الله r أكثر مما أعطى لغيره. فكان في القرآن الكريم ما تركته الأنبياء لشعوبهم وزيادة فوجود مواد من التراث الديني وغيره لسائر الشعوب في القرآن؛ إن دلّ على شيءٍ فإنما يدل على وحدة المصدر، وهو الله سبحانه وتعالى .

 

بارك الله بك استاذة المعتزة بالله على هذا الموضوع ولعل التشابه في بعض الأمور الدينية بين الأديان السماوية الثلاث ناتج عن وحدة المصدر ، ومن المتعذر أن يكون نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قد اقتبس تعاليمه من الإنجيل وقد اعترف بعض المستشرقين بذلك ، فقد قال البروفيسور مونتجمري واط : إن من المستبعد أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم قد قرأ الكتب الدينية اليهودية أو النصرانية ومن الأرجح أنه لم يقرأ أي كتاب آخر .فقد كان نبي الإسلام أُمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، ولم يكن لديه أي اتصال بأي مسئول ديني ، كما لم تتوفر لديه فرصة لتلقي العلم من أحدهم.
هذا ما يقوله الأعداء جلياً واضحاً فهل يكون له أثر في قلوبنا فنمسك بالقرآن ونحافظ عليه ونتعاهده ؟؟؟
 
ما (( تم اكتشافه )) من قبل المستشرقين من موافقة بعض عقائد وتشريعات وقصص القرآن الكريم، والاكتشافات الحديثة لعقائد وتشريعات وقصص الشعوب القديمة...
في حقيقته إثبات إضافي لصحة القرآن الكريم.
أي: كلما اكتشفوا موافقة جديدة كانت مطمورة مع الآثار، فقد اكتشفوا صدق القرآن الكريم أكثر!!
هل عرفتم كيف ذاك؟!
 
إنَّ ما ذُكِرَ من مشابهة بعض العقائد والشرائع والقصص في القرآن الكريم لِما عرفته الشعوب السابقة هو أمر قرره القرآن الكريم في أكثر من موضع، ومن ذلك:
- "وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ.." [البقرة: 41].
- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة: 183]
- "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الزمر: 65].
- "مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ" [فصلت: 43].
- "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى.." [الشورى: 13].
- "وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ" [الشعراء: 196]
- " بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ" [الصافات: 37].
- "إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى(18)صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى(19)" [الأعلى].
* وبناءً عليه، يكون غاية جهدهم مبذولاً من أجل إثبات صحة ما قرره القرآن الكريم، ودليل صدقه، فشكراً لهم..
وصَدَق الله العظيم في وصفهم: "وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" [البقرة: 101].
صدق الله العلي العظيم
وأشهد بأن القرآن الكريم حق
 
وقد ذكر لنا ربنا جل جلاله هذا في كتابه الكريم فقال سبحانه :-
( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (الفرقان:5)
أظن أن المنظار الذي نظرت به إلى موضوع (الأساطير) -إن كان اللفظ جمعا لا واحد له- منظار أنثروبولوجي لهذا توصلت إلى تلك النتائج، لكن ماذا إن تأكد عندنا أن هذا اللفظ معرّب فيكون معناه الخرافات والأكاذيب/الأباطيل لا قصص/أخبار من مضى؟ وماذا إن ظهر أن اللفظ معرّب فمن يثبت أن المعرب هنا اللفظ والمعنى معا لا اللفظ وحده ثم من يثبت لنا أن العرب لم تستخدم هذا بدلالات متنوعة تختلف حسب مناسبة الكلام؟ هذه الأسئلة مهمة قد توصلنا إلى تقييم صحة ربط تلك الشبهات بالآية الكريمة حتى يستقيم لنا القول: "وقد سبق ذكر هذا في القرآن المجيد".

أظن أن الأصح هو أن الأساطير أباطيل و خرافات وذلك لأن المخالفين من العرب فهموا أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدعي أنه نوع فريد (بشر رسول) وفي نفس الوقت كانوا يعتقدون أنه جاء بعجاب ما سمعوا به من قبل بل هو إختلاق، لكن من جهة أخرى هذا المذهب في تحديد مفهوم (الأساطير) لا يتناقض مع المدلول الآخر الذي يعتبر الأساطير قصص و أخبار عن الماضيين، ولكي نرفع التناقض عن هذا التقريب علينا أن ندّعي أن المخالفين من العرب نظروا إلى مضامين الدعوة المحمدية على أنها " قصص و أخبار عن الماضيين أو قصص وأخبار الماضيين الذين كانوا يعتقدون بالأباطيل والخرافات"، إذن فلسان الحال أن الأصل هو ما هم عليه من شرك وإلحاد ودهريّة، وما عداه خرافات وأباطيل يتلوها محمد صلى الله عليه وسلم ويكرر بهذا ما كان يفعله الآخرون في الماضي على شاكلته.

النتيجة: لا أرى أي إختلاف أو تناقض ضروري بين الأقوال المتنوعة في مدلول (الأساطير).

كما أظن أن هناك شيء آخر يمكن أن يبطل هذه النتيجة ظاهر في إختلاف العطاء الأنثربولوجي الذي يبحث في مطابقة القصص والأخبار للتاريخ عن العطاء الأدبي القصصي (الأدبي الفني) الذي يبحث في البلاغة التخيّليّة و العطاء الإبستيمولوجي الذي يفصل المحتوى المعرفي عن الغاية.
 
يبدو أن الأساطير عندهم = الباطل
- جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس:
(سطر) السين والطاء والراء أصلٌ مطّرد يدلُّ على اصطفافِ الشيء، كالكتاب والشجر، وكلِّ شيء اصطَفَّ. فأمَّا الأساطير فكأنها أشياءُ كُتبت من الباطل فصار ذلك اسماً لها، مخصوصاً بها. يقال سَطَّر فلانٌ علينا تسطيراً، إذا جاء بالأباطيل. وواحد الأساطير إسطار وأُسطورة

- وقال ابن منظور في لسان العرب:
حكى الضرير عن الأَعرابي: أَسْطَرَ اسمي أَي جاوز السَّطْرَ الذي هو فيه
والأَساطِيرُ الأَباطِيلُ، والأَساطِيرُ أَحاديثُ لا نظام لها، واحدتها إِسْطارٌ وإِسْطارَةٌ بالكسر وأُسْطِيرٌ وأُسْطِيرَةٌ وأُسْطُورٌ وأُسْطُورَةٌ بالضم.
وقال قوم: أَساطِيرُ جمعُ أَسْطارٍ وأَسْطارٌ جمعُ سَطْرٍ
وقال أَبو عبيدة: جُمِعَ سَطْرٌ على أَسْطُرٍ ثم جُمِعَ أَسْطُرٌ على أَساطير
وقيل: يجمع إِلى العشرة أَسْطاراً ثم أَساطيرُ جمعُ الجمعِ
وسَطَّرَها: أَلَّفَها
وسَطَّرَ علينا: أَتانا بالأَساطِيرِ
قال الليث: سَطَّرَ فلانٌ علينا يُسَطْرُ إِذا جاء بأَحاديث تشبه الباطل
يقال: هو يُسَطِّرُ ما لا أَصل له أَي يؤلف
وفي حديث الحسن سأَله الأَشعث عن شيء من القرآن، فقال له: والله إِنك ما تُسَيْطِرُ عَلَيَّ بشيء (أَي ما تُرَوِّجُ)
يقال: سَطَّرَ فلانٌ على فلان : إِذا زخرف له الأَقاويلَ ونَمّقَها
ويقال عن تلك الأَقاويلُ : الأَساطِيرُ

- وقد حمل د. جواد علي الأساطير المقصودة ( اصطلاحاً ) على ما يتعلق بنظرة عرب الجاهلية إلى الإلهيات
وبسط رأيه حول ذلك في الجزء الحادي عشر من كتابه: المفصل في أحوال العرب قبل الإسلام، ومما قال:
والأساطير (MYTHOS = Myth ) ونعني بها هنا الخرافات والأقاصيص المتعلقة بالآلهة (Legend) هي مصدر مهم لمعرفة تطور الأديان وتطور فكرة الألوهية عند الشعوب.
وهي قد تكون شعرًا، وقد تكون نثرًا، وفي كلتا الحالتين تكون مادة خصبة للباحثين.
ومعارفنا عن الأساطير العربية الدينية قليلة جدًّا. وهذا مما حمل بعض المستشرقين على القول بأن العرب لم تكن لهم أساطير دينية عن آلهتهم، كما كان عند غيرهم من الأمم كاليونان والرومان والفرس وعند بقية الآريين، بل حتى عند بعض الشعوب السامية الأخرى مثل البابليين.
وفي رأيي أننا لا نستطيع أن نجزم في مثل هذه الأمور؛ لأن أحكامنا عن اليونان والرومان والبابليين إنما استنبطناها من نصوص ومؤلفات وصلت إلينا.
أما العرب الجاهليون، فلم يصل إلينا منهم حتى الآن نص ما في هذا الموضوع، يمكننا من الحكم بعدم وجود الأساطير الدينية عند العرب الوثنيين.
ومشكلتنا أننا لا نملك كما قلت نصوصًا دينية جاهلية، ولا كتبًا كتبها يونان أو لاتين أو سريان أو غيرهم عن أساطير العرب في الجاهلية نستطيع استخراج حكم منها عن أساطير العرب. ولكن هذا الوضع لا يخولنا نفي وجود الأساطير عند العرب، بحجة بداوتهم وضيق أفقهم وبساطة تفكيرهم، كما أنه لا يخولنا أيضًا الحكم بوجود أساطير عندهم من طراز عالٍ كما نجده عند اليونان مثلًا. ويتبين من بعض روايات الأخباريين، وهي قليلة. ا. هـ
ثم أخذ يذكر طرفاً من تلك الأساطير.
 
إن صح مذهب د. جواد في ذلك فهذا يؤكد تلك النتيجة التي وضعتها من باب الإفتراض بأن (الاسطورة) معرّب لفظي (historia) ثم حمّلوه معنى (mythos) أي أن تلك الأساطير فعلا مطابقة للتاريخ، وهذا ما يشير إليه ذكرهم للأولين ولم يكتفوا بالقول أنها أساطير فقط بل هي أساطير الأولين، لكنها خرافات وأباطيل صدرت عن المتأخرين (أهل الكتاب والنبي محمد صلى الله عليه وسلم) كما صدرت عن المتقدمين.

علماء الأساطير (الأنثروبولوجيين) لا يبحثون في صدق تلك القصص والأخبار بل يبحثون في مطابقتها للتاريخ.
أما ما يتوصل إليه علماء الأحافير (الأركيولوجيين) فمنه ما يخدم علم الأساطير ومنه ما يمكن أن يثبت صدق بعض من تلك القصص والأخبار.

من الناحيّة الإسلامية لا يمكن التسليم بنتائج هؤلاء ولا أولئك على سبيل الجزم والتحديد كما كتب من قبل أخي عماد العباسي: صيانة القرآن عن هواجس تحديد أمكنة أحداثه وقصصه على سبيل الجزم.

فهل يصح أن نشكرهم أو هل يصح أن نقول أن هذه الشبهة سبق وأن ذكرها القرآن الكريم على لسان ملاحدة العرب؟
هناك معطيات يقدمها علم الاساطير وعلم الأحافير لعلماء مقارنة الأديان منهم من توصل إلى أن الأصل في الأديان الوثنية هو التوحيد، فهل نشكرهم أيضا؟

نعم و لا، المهم المنظار الذي تستخدمه.

لا، لأن القرآن يثبت نفسه (أصله الربّاني) وهو متواتر قراءة ونصّا، فهو بهذا أعلى قدرا وشأنا وصدقا من نظريات هذا العلم أو ذاك.

نعم، لأن الله تبارك وتعالى قال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، ولكن هنا لابد من تحديد مفهوم الأسطورة فنسأل هل في القرآن أساطير؟ نعم في القرآن أساطير أي نعم في القرآن قصص وأخبار من مضى بشرطين: 1) هذه القصص والأخبار مطابقة للتاريخ ثم 2) صادقة أيضا. بدون الشرطين لا أساطير في القرآن.

الشرط الثاني كذّبه ملاحدة قريش وأوله الفلاسفة القدماء تأويلا متطرفا حيث ذهبوا إلى أقصى حدود التطرف في رسم معالم "معهود العرب وما يعتادون في الخطاب" جاعلين نظرية "المزج بين الخيال و الحقيقة أو بين الدين و الفلسفة" تسبح بين باطنية الفارابي يمينا و حتميّة إبن رشد يسارا، فما بقي لأصحاب الأدب الفني و أصحاب التفسير المادي في هذا الموضوع إلا السباحة بين ملاحدة قريش و قدماء المتفلسفة.
 
الأساطير القرآنية ورؤية المرحوم الجابري محمد عابد

الأساطير القرآنية ورؤية المرحوم الجابري محمد عابد

أشرت في المشاركة الأخيرة إلى موقف ملاحدة قريش ودهرييها من الأساطير القرآنية أنهم يثبتون، أو على الأقل لا ينكرون، تاريخيتها مع تكذيبهم بصدقها، ثم ذكرت رؤية متقدمي الفلاسفة أنهم يثبتون تاريخيتها مع تأويلهم لصدقها وهذا التأويل يحدث شرخا بين ظاهر (الأسطورة) وباطنها كل ومنهجه في ذلك كما هو معروف. ومن يريد أن يتعرّف على موقف أصحاب الأدب الفني أو الأدب القصصي من الأساطير القرآنية يكفيه أن ينظر في (الفن القصصي في القرآن) لمحمد احمد خلف الله والفكرة بايجاز مفادها أن القرآن لا ينفي (الخياليّة) عن قصصه وأن القصص القرآني عمل من الأعمال الفنيّة التي تمزج بين الحقيقة والخيال دون الالتزام بتاريخيتها وهذا يعني أنهم يؤمنون بجانب من صدق تلك الأساطير ويكذبون بالجانب الآخر فأما الأول فهو الحقيقة والثاني يعتبر خيالا.

فماذا عن أصحاب الرؤية الايبيستيمولوجيّة أو التفسير الوضعي (اللاإيديولوجي)؟
هذه الرؤية تحدث نوعا من الشرخ بين المحتوى المعرفي للأسطورة وغايتها التربوية (للعبرة والوعظ) والبلاغيّة (البلاغة هنا بمعنى الأسلوب الإقناعي لا التخييل و تجميل الكلام).
إذا بحثنا عن رمز يمثل هذه الرؤية فربما لن نجد من هو أفضل من المرحوم محمدعابد الجابري، فما مذهبه؟
يقول المرحوم عن القسم الأخير من كتابه (مدخل إلى القرآن) أنه بمثابة مرآة تعكس ما تقدم من أقسام وفصول في هذا الكتاب وأنه سلك مسلكا آخر غير مسلك القدماء ممن تعامل مع القصص القرآني كأحداث تاريخيّة اتخذوا مرجعيّة لها ما عرف بالاسرائيليات بدل التعامل مع هذه الاساطير كأحداث قرآنيّة لها أسباب نزول خاصة بها وبالتالي أهداف ومقاصد خاصة.

فهل نحن بحاجة إلى إسرائيليات القدامى أو إسرائيليات العصر (العلميّات التي تخرج من الاسطوريات والحفريات - علم الاساطير وعلم الاحافير) حتى نسلم بتاريخيّة القصص القرآني، وهل التعامل مع القصص القرآني كأحداث تاريخيّة فيه ما يكذّب أو ينقص أو ينقض التعامل مع هذه الاساطير كأحداث قرآنيّة، وهل يجوز هذا التّعميم: هل كل المفسرين والعلماء القدامى كانوا جاهلين بقيمة القصص في القرآن وهل كانوا جميعا على رأي أو موقف واحد من الاسرائيليّات ..؟

وهناك سؤال آخر أهم من كل هذه الأسئلة: ماذا إن تحول التراث الإسلامي (بعد تنقيته من الشوائب التي تعلّقت به بتفسير جيوسياسي) كله إلى (أسطورة) نثبت تاريخيّته ويبقى صدقه من عدمه قضية إيمان وتسليم لا مسـألة علمية (على حد تعبير الجابري).

طرح المرحوم في نفس الكتاب بعض الأسئلة وختمها بقوله: أسئلة تستعيد المنهج/الرؤية الذي تبنيته منذ "نحن والتراث" والذي يتلخّص في جملة واحدة: جعل المقروء معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا في الوقت ذاته.

المقروء في فكر الأستاذ طه عبدالرحمن إصطلح عليه بالمأصول، ويرى طه عبد الرحمان أن الابداع الموصول كفيل بترك المأصول أصيلا وجعل المنقول المعاصر إبداعا من خلال تتبع الخطوات الانتقادية المأصولة، فكيف يمكن (جعل المقروء معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا في الوقت ذاته) عند الجابري؟
 
شكراً لك أخي شايب..
سؤال: ما مآل تلك النتيجة التي وصل إليها الجابري (عامله الله بعدله) ؟
 
أظن، أستاذنا عبدالرحيم، أن المرحوم الجابري لا يحيد عن توجهات الإستشراق الحديث، الاوروبي خاصة أما الاستشراق الأمريكي ففيه منعرجات تسببها وجود تيار ديني متعصب إلى جانب جهات صهيونصليبيّة، وهو خاض في خوضهم وسار على نهجهم. هذا الإستشراق الحديث يعتبر القرآن نصا (دينيّا) وهذا النص "وثيقة تاريخية" خرجت من اللاوجود أو من الصمت إلى الوجود أو القراءة وفق مسار تاريخي أو بمعنى آخر والذي يرتضيه الجابري "نزل متفرّقا" على مقتضى الحال.

فيما يخص تلك الرؤية المعاصرة بالمعنين والتي تبناها منذ تحول معاناته الفلسفية إلى "نحن والتراث" فقد طرحت في المشاركة الأخيرة السؤال "كيف يمكن ذلك" ونحن نجد الجابري يطرح السؤال أيضا من الناحيّة المنهجية فيجيب عليه بأنه ارتضى لنفسه مقولة "القرآن يشرح بعضه بعضا" وبتعبير أحد المستشرقين "القرآن يتحدّث عن نفسه ليُخبر عن أصله" وهذا يؤكد مذهبي في تفسير رؤية الجابري للظاهرة القرآنية، مصطلح أخذه من المرحوم مالك بن نبي على ما يبدو إلا أنه يصيغه بشكل مختلف ويسقط مفهوم الظاهرة في العلوم الوضعيّة على دلائل النبوة عندما يتعلق الأمر هنا بالقرآن، على أنها رؤية تتبنى نهج الإستشراق الحديث: القرآن نص وكفى بتاريخيّته شهيدا. ثم يعود الجابري إلى هذه الرؤية المعاصرة بالمعنين بعد سرده لمعلومات، إختار لنفسه في تنظيمها مسلكا تاريخانيّا، حول محيط الظاهرة القرآنيّة ويقصد بها الرؤية المعاصرة للدعوة المحمدية أي معاصرة لزمانيتها وفضائها الثقافي، ومعاصرة لنا نحن في القرن 21 على صعيد الفهم والمعقولية.

فما هي هذه المعقوليّة؟
رغم أن المرحوم أراد نقدا على طريقة فقه المعرفة أي نقدا ابستيمولوجيا لا النقد الفكراني (الايديولوجي) أو بمعنى آخر أراد إحراج ما هو سياسي (ويدخل فيه ما هو مذهبي فقولك مثلا القرآن غير مخلوق أو معجزة يعتبر قولا مذهبيّا) بما هو تاريخي لا العكس، إلا أنه ساقط فيما هو ايديولوجي لا محالة، وهذا ظاهر في تعليقه على أسئلة الكون والتكوين قائلا إن هذه الأسئلة غير اسئلة الاصل لان الاصل هنا وحي والوحي ينتمي الى منطقة التسليم و الايمان وليس الى ميدان البحث والبرهان، ثم يعود مرّة أخرى بتلميح لا تصريح ليقول أن الإيمان بعقيدة دينية يكفي نفسه بنفسه لا يحتاج إلى برهان عقلي أو تاريخي. هذا طبعا هو موقف الايديولوجيّة الوضعيّة سواء المتقدّمة أو المتأخرة، ثم هذا هو المقصود بالقرآن كوثيقة تاريخيّة في الإستشراق الحديث، لا شيء آخر.

إذن كيف يوفق الجابري بين هذه الرؤية المعقوليّة وما عليه الناس في بيئتهم الثقافيّة؟ يسلك الجابري مسلك النصارى الذين طرحوا قضية "النبي المنتظر" تهرّبا من الأسئلة المذهبيّة التي تتيح للخائضين في طبيعة المسيح فسحة الدفاع الإيديولوجي وهذا الدفاع الإيديولوجي في فكر الجابري ليس إلا عقلنة اللامعقول، وهذا التهرب ممكن من خلال إعتبار القرآن نص يشرح نفسه بنفسه ومن ثم طرح أسئلة جديدة يتمنى من خلالها كل من ترعرع في أحضان المعسكر العلماني الاشتراكي المغاربي والعربي أن تتحول عبر الزمن إلى أسئلة يقبلها العقل العربي المعاصر الذي سيتطور كما تطور نظيره الأوروبي ليصبح جزء من البنية الثقافيّة الجديدة وعندها ستظهر خرقات في صفوف الدفاع الإيديولوجي ويصبح النبي نبيّا من الناحيّة الاسطوريّة أي كان هناك شخص في حقبة تاريخية معيّنة لُقب بالنبي أما مؤقتا فالنبي نبي يتصل بالسماء عند البعض وهو نبي بالواقعيّة التاريخيّة لأنه جاء بشريعة صالحة أو بشريعة لم يقدرها على الإتيان بها شخص آخر عند البعض الآخر ويكون محمد صلى الله عليه وسلم نبي و غلام أحمد القادياني نبي و بهاء الله نبي و كارل ماركس نبي إلى آخره، أما المعجزة فأعمال شكسبير معجزة إذ لا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها وهكذا .. ديدن الوضعيين الذين نقلوا واقع الحداثة الغربية بدل نقل روح هذه الحداثة.

سأعود إلى (الأسطورة) مرّة أخرى لأقول أن الجابري يثبت تاريخيتها كما أثبتها ملاحدة قريش إلا أنه يرى صدقها قضية إيمانية تسليميّة، والفرق هو أن التراث كله تحول عند الجابري إلى (أسطورة) فكلامه في القصص القرآني لا يختلف عن كلامه في النبوة والإعجاز ودلائل النبوة والآيات الكونيّة القرآنية إلا من الناحية التعبيرية الشكليّة أما من ناحية التأسيس الفلسفي فالقول قول واحد على ما أظن والله أعلم.
 
هكذا ربطتُ تلك المعقوليّة بالرؤية الوضعيّة للإيمان رغم أن الجابري محمدعابد قد وضّح بنفسه المقصود بهذه المعقوليّة في كتابه نحن والتراث عندما قال: (ان اضفاء "المعقوليّة" على المقروء من طرف القارئ معناه نقل المقروء إلى مجال إهتمام القارئ، الشيء الذي يسمح بتوظيفه من طرف هذا الأخير في إغناء ذاته أو حتى في إعادة بناءها.)، فيكون الآن بهذا الجمع بين الفصل والوصل لاشيء إلا الإستغراق في الذاتيّة، في حين يرى الجابري أن الأسطورة القرآنية ليست مجرد أخبار وحكايات بل بيان وبرهان أي وسيلة في الإقناع تدعو للاحتكام إلى العقل بعيدا عن أساليب اللاعقل!

ويحقّ لي أن أسأل كيف نحتكم إلى العقل في ميدان غير ميدان البحث والبرهان؟ هذا سؤال مشروع لإن إعمال العقل في مجال التسليم والإيمان معناه رفض الرؤية الوضوعيّة التي أشار إليها في تعليقه على أسئلة الكون والتكوين، وعلى هذا تكون المحاولة التي تجمع بين المتناقضات محاولة من أساليب اللاعقل!

وربما ليس هناك ما يبرر الرابط الذي إختلقته لأن المرحوم الجابري يرى أن الحق الذي يميز الإسلام، كتابا ورسولا، عن باقي الأديان هو خلوه من ثقل الميستيري (الاسرار اللامفهومة) التي تجعل المعرفة بالدين تقع خارج تناول العقل.

فماذا يجعل المعرفة بالدين تقع في متناول العقل إذن؟ وماذا يجعل (الأسطورة) معقولة؟
هل تاريخيّتها وواقعيّتها أم صدقها وإثبات صوابها؟
هل تاريخيّتها وصدقها؟
..

سأضع في الحسبان كل الإمكانيّات بما أن الجابري ترك للقارئ (حرية "التركيب"). ما أركبه أنا ليس ما تركّبه أنت ولا ما تركبه النخبة المثقّفة من العلمانيين الاشتراكيين و لا غيرهم من العلمانيين.

هل الأسطورة في رؤية الجابري معقولة؟
من ناحية تاريخيّتها تعتبر الأسطورة معقولة.
من ناحية صدقها أو صوابها تعتبر الأسطورة مسلّمة (داخل المجال التداولي الإسلامي).
من ناحية منهجيّة الجابري في حفر التراث القائمة على إعمال الفصل والوصل يمكن إضفاء المعقوليّة على الأسطورة عندما تقوم بتوظيفها لإغناء ذاتك أو حتى إعادة بناءها؟

لكن كيف يصبح هذا الإضفاء ممكنا والجابري قام بتخصيص القصص القرآني وتخصيص أهدافه أي قام بتحديد قيمة الأساطير داخل مربع الفضاء الثقافي الذي تشكّل عبر مسار تاريخي محدود؟

هذه أسئلة نتعرف من خلالها على رؤية الجابري وموقفه من القصص القرآني.
هناك من يرى أن موقفه هو موقف الأدباء الفنيين. هذا غير صحيح.
تحليله مختلف تماما عن التحليلات الثلاثة (الرؤية القرشية، الفلسفة القديمة والأدب الفني).

وفي نفس الوقت تحمل هذه الأسئلة من المتناقضات تجعلك أمام خيّارين: إما القول بأن الجابري أراد إحداث قطيعة تامّة مع التراث من خلال أرخنة التراث أي جعله كليّا أسطورة، وإما القول بالذاتيّة بمعنى أن الحل هو حرية التركيب كل واحد يركّب كما يشاء ويحلو له.

والذي يحلو لنا نحن أو نعتقد أنه يتماشى مع روح القرآن وعالميّته وصلاحيّته لكل الأمكنة والأزمنة هو أن القصص القرآني لا يمكن أرخنته بل يبقى مصدرا ربّانيا لأخذ العبرة والموعظة وإستنباط السنن الإلهية في الإجتماع وإستخراج الجواهر الأخلاقيّة التي تسيّر وتقوّم أي نظرية إنسانية علميّة في فهم الإنسان وحركته وتطور عقله ومعارفه وبيئته. هذا ما يقوم به المجددون أو هذا ما يجب أن يقوم به المجددون المصلحون لا من يثيرون "الفتنة المعرفيّة" و "الشؤم المفهومي" حين يتركون حريّة التركيب والاستنتاج لكل من هبّ ودبّ فيما له علاقة بالإنسان لا مع نفسه فهذا ليس بمشكل بل فيما له علاقة بالإنسان مع رأس ماله، و هو دينه، ومع مجتمعه ومع العالم والتصور الذي يرتضيه لهذا العالم.
 
أستاذي الدكتور عبدالرحيم،، بارك الله فيك، سؤال حضرتك مهم جدا وقد أشرت في المشاركات الأخيرة إلى بعض ما يمكن أن يكون جوابا على هذا السؤال، لكن كما تعلم المرحوم الجابري مفكر وفيلسوف، ولغة الفكر والفلسفة لا تحدد لأنها مختلفة عن لغة العلم والتقانة فاللغة الأولى لا تتعاطف مع الأمثلة المخصّصة والنماذج المحددة، لكنها تخلق نوعا من الفضوليّة وتجر بك إما إلى ترف فكري أو تعايش مع النص الذي تقدّمه لك، والجابري تجده غالبا يكرر في كتاباته كلاما من نوع: أترك التعليق للقارئ وأفسح المجال للتركيب وأصف لا أنظّر وما شابه.

هناك رسالة للمفكر المصري الكبير محمّد عمّارة في ثناياها ما يتعلق بالسؤال وهذا الرجل إستنتج أن الجابري ينكر المصداقية التاريخية للقصص القرآني و أنه يوافق محمد أحمد خلف الله ثم يرى أنه متناقض لأنه يثبت التاريخية في سياق آخر.

هذا ممكن لكن أنا شخصيّا لم أصل إلى مثل هذا الإستنتاج بل أرى أن منهج الجابري في التعامل مع القصص القرآني يختلف عن الرؤية الأدبية الفنية لمحمد أحمد خلف الله. الجابري يفرّق بين وظيفة القصص القرآني ومصداقيّته فالمصداقيّة أي تاريخية تلك القصص ومطابقتها للواقع الذي مضى في أزمنة مختلفة جزء من الوحي والوحي ينتمي الى منطقة التسليم و الايمان وليس الى ميدان البحث والبرهان.
 
عودة
أعلى