مشكل الوقف والابتداء

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,552
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد فمنذ ثلاث سنوات تقريبا ظهر لي أن أخرج كتابا محررا في الوقف والابتداء يكون جامعا لمسائل الخلاف ، وكنت مترددا في تسميته بين
مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء
أو مسك الختام في معرفة مشكل الوقف والابتداء
وبعد مرور ثلاث سنوات تقريبا رأيت أن يخرج كتابان
الأول : (( مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء)) يكون في المسائل الخلافية عامة
الثاني : ((مشكل الوقف والابتداء)) أقتصر فيه على المواضع التي يكثر السؤال عنها ، وتشكل على طلبة هذا الفن
وهذا الأخير أتوقع أنه من البحوث الجديدة في الطرح خاصة في هذا الفن، ومازال العمل في إخراج البحث أسأل الله أن يتمه على خير وأن يرشدنا إلى ما فيه الخير والصلاح وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والقلب الخاشع ، وأن يجمعنا في مستقر رحمته في ظل عرشه مع النيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وسأقول بحول الله بانتقاء المسائل التي أرى من وجهة نظري أنها من المشكل، والله المستعان وعليه اعتمادنا ، هو نعم المولى ونعم النصير ، إن إريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا الله عليه توكلت وإليه أنيب.
أهداف البحث
· التعرف على أهمية معرفة الوقف والابتداء لقارئ القرآن.
· بيان خصائص الباحث في علم الوقف والابتداء
· بيان أسباب الاختلاف في الوقف والابتداء
· بيان حكم التقيد بعلامات المصاحف الموجودة.
· التطبيق على نماذج متنوعة على مشكل الوقف والابتداء.
· فروض البحث
1. ما أهمية دراسة علم الوقف وما أقسامه؟
2. ما سبب الاختلاف في الوقف والابتداء؟
3. ما سبب اختلاف رموز المصاحف؟
4. ما حكم التقيد بعلامات المصاحف؟
5. ما أبرز المسائل المشكلة في الوقف والابتداء؟
الدراسات السابقة ومنهج البحث
بعد الاطلاع على العديد من مراكز البحوث والدراسات كمركز الملك فيصل وجامعة الإمام بن سعود الإسلامية وغيرها لم أجد كتابا بهذا المسمى، لكن لا شك أن كثير من هذه المسائل تم طرقها في بحوث مختلفة .
منهج البحث
اشتمل على المنهج النقدي:
وبه توصلت إلى إجراء دراسة نقدية ترجيحية لمشكل الوقف والابتداء، ومقارنة بين بعض المصاحف المختارة مع بيان العلة في سبب الاختلاف.
وقد اتبعت الخطوات الآتية: -
- قمت بإعطاء مقدمة موجزة عن البحث
- قمت بإعطاء مقدمة عن الوقف والابتداء وأهميته
- قمت بتعريف موجز عن كتب الوقف وأبرز علماء أهل الوقف
- قمت بترجمة أبرز الرواة في أخر البحث
- قمت باختيار أربع مصاحف وهي كما يلي:
1- مصحف « الحرمين» الشمرلي بالديار المصرية.
2- مصحف « المدينة المنورة « بالديار الحجازية .
3- مصحف « غار حراء» بالديار الشامية .
4- مصحف « الباكستاني» بالديار الباكستانية (دمشق ) .
فمن المسائل التي تم تحريرها بفضل الله تعالى :
1. الوقف على قوله: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا) البقرة: 9
2. الوقف على قوله: (فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) البقرة: 10
3. الوقف على قوله: (أن يضرب مثلا) البقرة: 26
4. الوقف على قوله: ( مثلا ما) البقرة: 26
5. الوقف على قوله: { بهذا مَثَلاً }[ البقرة: 26 ].
6. الوقف على قوله: (على حياة) البقرة:96
7. الوقف على: لفظ الجلالة: [إلا اللَّهُ] (آل عمران: 7)
8. الوقف على قوله: { مُّحْضَراً }[ آل عمران: 30 ].
9. الوقف على قوله: ( ابن مريم) النساء: 157.
10. الوقف على قوله: (وَجَعَلَكُمْ مّلُوكاً) المائدة: 30
11. الوقف على قوله: (أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الأنعام آية 151
12. الوقف على قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ }الأعراف184
13. الوقف على: [سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ] التوبة: 40
14. الوقف على قوله: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا) النحل: 5
15. الوقف على قوله : (أَدْعُو إلى الله) يوسف: 108
16. الوقف على قوله: (شَهَادَةً أَبَداً) النور: 4
17. الوقف على قوله: (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) الأحزاب : 32.
18. الوقف على قوله: (ذَلِكَ * وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ) محمد 4
19. الوقف على قوله: ( رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) الحديد 27
20. الوقف على قوله: (فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ) التغابن 6
21. الوقف على قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ) التحريم:4
22. الوقف على قوله: (مِّن كُلِّ أَمْرٍ سلام) [القدر: 4-5]
وقد تزلت بعضا من هذه البحوث في هذا الملتقى المبارك أسأل الله أن يبارك فيه ومنسوبيه والقائمين عليه .
وسيكون البحث على النحو التالي: ( باختصار)
1. ابتدئ غالبا ببيان أراء النحاة على الجملة التي تلي الكلمة التي يحكم بالوقف عليها
2. اذكر أقوال أهل الوقف والابتداء، ونوع الوقف عند كل واحد منهما
3. أبين الموازنة والدراسة بين أقوال النحاة وأهل الوقف والتفسير.
4. أشرح علة كل وقف بناء على ما فهمته من تبريراتهم، و تعريفاتهم للمصطلحات التي اعتمدوها.
5. اربط بين مصحف المدينة والأزهر، والشام، والباكستاني، وقد اخترت تلك المصاحف لشهرتها في بلادها وسعة انتشارها
6. من يتتبع المصاحف يلاحظ أن غالبها لا يشر فيها على رأس الآية بعلامة وقف سوى مصحف الباكستاني .
7. من يتتبع كتب علماء الوقف يلاحظ أنهم لا يذكرون الوقف القبيح غالبا، لكثرته، وخشية تشويش القراء فيكتفون بذكر القواعد العامة في بداية مؤلفاتهم، كما هو معلوم عدم جواز الفصل بين المتعلقات اللفظية، فلا يفصل بين الفعل وفاعله، والمبتدأ وخبره ÷ والصفة والموصوف، .. إلخ ).
يستثنى مما سبق ما يلي:
(أ)- المواضع التي تحتمل الوقف وعدمه، فيذكرها علماء الوقف.
مثال الوقف على + غلام" في قوله تعالى: + يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }مريم7" [سورة مريم: 7]، قال السجاوندي: (لا وقف) لأن الجملة بعده صفة (غلام) وقد يوقف [على استئناف] (لم نجعل) ولا يحسن
(ب)- المواضع التي يكون فيها خلاف بين جواز الوقف وعدمه يعلق عليها، كما في قوله تعالى: + {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً }مريم10" [سورة مريم: 10]
قال النحاس: « قال أحمد بن موسى: (ثلاث ليال". تمام، ثم قال تعالى: +سويا" أي [أنت سوي ليس بك مرض] قال أبو جعفر النحاس: « ليس بتمام، ولوكان كما قال لكان +سويا" مرفوعا، والقول كما قال الأخفش وأبوحاتم: إن في الكلام تقديما وتأخيرا، أي [لا تكلم الناس سويا ثلاث ليال ] (1)
قال الأشموني: « ووقف بعضهم على ثلاث ليال ثم قال سوياً أي أنَّك ليس بك خرس ولا علة (2)
وإن ترجح عدم الوقف في الغالب لا يعلق عليه علماء الوقف، كما هو ملاحظ في هذا الموضع لم يذكر ابن الأنباري والداني والسجاوندي والأنصاري وقفًا.
8. من يتتبع كتب علماء الوقف يلاحظ أن أكثرهم لا يذكرون مصطلح (حسن) الذي يعنى جواز الوقف مع عدم جواز الابتداء، لكثرته، وخشية التشوش على القراء، خلافا لمصطلح (حسن) الذي يعنى الكافي كما عند الأشموني، أو التمام كما عند الأنصاري فهذا يذكر.
9. إذا قيل: [لا وقف] على رأس الآية فهو من حيث النظر إلى صناعة الوقف والتعلق اللفظي، إما باعتباره أنه رأس أية فيجوز لفعل النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك.
10. إذا قلت للاتصال اللفظي، فمعناه: للاتصال اللفظي والمعنوي لأنه إذا اتصل لفظا فقد اتصل معنا، بخلاف الاتصال في المعنى، فلا يعنى الاتصال في اللفظ، كالوقف الكافي.
11. لا يعني قول العلماء (لا وقف) عدم الوقف بالكلية، فقد يكون الوقف حسنا، أي يؤدي معنى صحيحا، مع تعلقه لفظا، فيكون المراد الوقف الذي يترتب عليه ابتداء بعد الوقف.
والله الهادي إلى سواء السبيل
(1) انظر: القطع والائتناف: (ص: 314 ).(2) انظر: منار الهدى: (ص: 476 ).
وكتبه الفقير الى ربه المنان/ جمال بن إبراهيم القرش الرياض الثاني من شهر ذي القعدة 1437 هـ
 

الوقف على قوله: ( مثلا ما) البقرة: 26

من قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }البقرة26
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف على {ما} يكون بالنظر إلى إعراب ( بعوضة) بالنصب.
وفيها أقوال: أن تكون (بعوضة) [1] :
1. صفة لـ «ما»
2. بدلا من «مثلًا»، أو عطف بيان منه.
3. مفعولا لـ «يضرب».
4. مفعولا ثانيًا لـ «يضرب».
5. منصوبة على إسقاط «بين»
6. منصوبة بفعل محذوف، أعنى بعوضة.
مناقشة التوجيهات:
وتوجيه الإعراب السابق بالنظر إلى التقدير التالي:
الأول: يضرب مثلًا شيئاً من الأشياءِ، بعوضة فما فوقها.
الثاني: يضرب مثلا بعوضة.
الثالث: يمثل مثلا، كما يقال: إِنَّ مَعْنَى ضَرَبْتُ لَهُ مَثَلًا، مَثَّلْتُ لَهُ مَثَلا[2]، وتكون «مثلًا» حال تقدمت عليها.
الرابع: تكون ما نكرة موصوفة في تقدير شيء. ويضرب بمعنى يجعل: أي: يجعل مثلا شيئا من الأشياء [3]
الخامس: ويُعْزى هذا للكسائي والفراء وغيرِهم من الكوفيين، أي : ما بين بعوضة، وتكون َفيه الْفَاءُ بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ إِلَى مَا فَوْقَهَا، وأنكر أبو العباس وابن أبي الربيع هذا الوجه[4]
السادس: أي: أعني بعوضة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: والذي يترجح أن ما صلة مخصصة كما تقول جئتك في أمر ما فتفيد النكرة تخصيصا وتقريبا، وبعوضة على هذا مفعول ثان[5]
قال أبو حيان (745هـهـ) « وَالْأَصَحُّ أَنَّ ضَرَبَ لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا، فَيَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، وَبُطْلَانُ هَذَا الْمَذْهَبِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ . [6]
قال ابن كثير (ت:774هـ) : « فقوله: (مثلاً ما بعوضة) الصحيح فيه أن بعوضة بدل من (ما) أو وصف لـ (ما). [7]
وتوجيه ( يضرب ) لها توجيهان أن تتعدي:
الأول: أن تتعدى لمفعول واحد على معنى: يُبَيِّنُ، أو يَذْكُرُ، أو يَضَعُ كقوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّة
الثاني: أن تتعدى لمفعولين: على معنى يجعل أو يصيركقوله: ضَرَبْتُ الطِّينَ لَبِنًا.
قال السمين الحلبي (756 هـ: « والصوابُ من ذلك كلّهِ أن يكونَ «ضَرَبَ» متعدياً لواحدٍ بمعنى بَيَّن، و «مثَلاً» مفعولٌ به، بدليلِ قولِه: {ضُرِبَ مَثَلٌ} [الحج: 73]، و «ما» صفةٌ للنكرة، و «بعوضةً» بدلٌ لا عطفُ بيان، لأن عطفَ البَيان ممنوعٌ عند جمهور البصريين في النكراتِ».[8]
أقوال علماء الوقف:
الأول : كاف، وهو قول الأشموني[9]
الثاني: حسن، وهو قول أحمد بن جعفر الدينوري، وأحمد بن محمد النحاس. [10]
الثالث: جائز، وهو قول الأنصاري [11]
الرابع: لا وقف، وهو قول الداني[12].
مناقشة الاختيارات:
يمكن أن نقسم الاختيارات السابقة إلى قسمينن
الأول : من جوز
الثاني : من منع.
على التفصيل التالي:
الأول : من جوز واختار أن يكون الوقف الكافي. نظر إلى التقدير الأخير، على تقدير أعنى بعوضة.
ومن اختار الوقف الحسن الذي هو في مرتبة الكافي، فيكون على نفس التقدير السابق|.
وضعفه الداني قال: وليس كما قالوا لأن ((ما)) زائدة مؤكدة، فلا يبتدأ بها، ولأن ((بعوضة)) بدل من قوله: ((مثلاً)) فلا يقطع منه [13].
وضعفه الأنصاري، قال: وليس بحسن فمثلا مفعول يضرب وما صفة لمثلا زادت النكرة شياعا وبعوضة بدل من ما »[14].
وقال أبو جعفر النحاس:، والقطع على ما : لعمري حسن، كما قال : لشيء ما يود ما يود، ولكن الائتناف بما بعدها قبيح لأنه منصوب مردود على ما قبله أو بمعنى ما بين بعوضة » [15]
الثاني: من اختار عدم الوقف: نظر إلى التعلق اللفظي لـ ( بعوضة) بما قبلها، وهذا يظهر في الأوجه الإعرابية الخمسة الأولى فكلها ترتبط بما قبلها من جهة الإعراب فلا يفصل بين الصفة والموصوف والبدل والمبدل منه، والفعل، ومفعوله، ولا بين الجار المسقط ومعموله
ترجيح الاقوال:
بعد استعراض الأقوال يظهر أن الأولى والأحسن هو عدم الوقف لما يلي :
1. أن التوجيهات الخمسة الأولى في الإعراب كلها تحتاج إلى ما سبق، لشدة تعلق ما بعدها بما قبلها، فلا يفصل بنها وبين ما قبلها.
2. ترجيح السمين الحلبي لوجه الإعراب وهو أن تكون «ما» صفةٌ للنكرة، و «بعوضةً» بدلٌ» وعليه فلا يفصل بينها وبين ما قبلها لأنه لا يفصل بين البدل والمبدل منه[16]
3. جوز الأشموني الوقف على ( مثلا ما) والابتداء بـ (بعوضة)، على تقدير: أعني بعوضة، ولم يصرح بهذا التوجيه أكثر علماء الوقف كابن الأنباري والنحاس، والداني، والسجاوندي، والأنصاري، ما يظهر ذلك أن ذلك الوجه مرجوحا.
4. قال الأخفش: إن شئت وقفت مثلا ما بعوضة، وقال أبو حاتم : فما فوقها، قال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح الأقوال ))[17]
5. أكثر المصاحف الممختارة لم ترمز لعلامة وقف على ( مثلا ما) مما يؤيد ترجيح ارتباط العلاقة اللفظية.
[1] انظر الأوجه في البحر المحيط: 1/ 197-199، و تفسير ابن عطية: 110، المنار بتخليص المرشد: 14
[2] تفسير القرطبي: 1/243
[3] تفسير القرطبي: 1/243
[4] تفسير ابن عطية: 110، وتفسير الكتاب العزيز وإعرابه للإشبيلي: 347
[5] تفسير ابن عطية: 110
[6] البحر المحيط: 1/ 197
[7] ابن كثير 24 /6
[8] الدر المصون: 1/ 223- 226
[9] المنار بتخليص المرشد: 14
[10] القطع والإتناف: 47
[11] المنار بتخليص المرشد: 14
[12] المكتفى: 20
[13] المكتفى: 20
[14] المنار بتخليص المرشد: 14
[15] القطع والإتناف: 47
[16] الدر المصون: 1/ 223- 226
[17] القطع والإتناف: 47
 

الوقف على قوله: (على حياة) البقرة:96

من قوله تعالى:{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ }البقرة:96
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف يكون بالنظر إلى إعراب (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ..) والمشهور فيها قولان:
1. أن تكون الواو عاطفة
2. أَنَّ الواو مستأنفة.
مناقشة التوجيهات:
القول الأول: وهو قَوْلُ مقاتل150هـ، والْفَرَّاءِ 207هـ والطبري310هـ، والزجاج311هـ، وابن الأنباري328هـ، والنحاس 338هـ والداني444هـ، والواحدي468هـ والأشموني1100هـ، وابن عثيمين1421هـ[1]
والجار «من الذين» متعلق بـ «أحرص» مقدرا، أي وأحرص من الذين.
ومَعْطُوفَةٌ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَعْنَى، ويكون َالْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَأَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا.كَقَوْلِكَ: هُوَ أَسْخَى النَّاسِ وَمِنْ حَاتِمٍ.
والتخصيص بعد العموم، مبالغة في توبيخ اليهودِ لأن المشركين لا يؤمنون بعاقبة، واليهود معترفون بالجزاء والحساب، ولذلك كانوا أشد الناس حرصا على الدنيا، لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار إذا ماتوا[2]
القول الثاني: وهو قول أَبُو الْعَالِيَةِ 93 هـ وَالرَّبِيعُ 140 هـ، ونافع169 هـ، وجوزه البغوي 510 هـ، والزمخشري538هـ، وابن عطية 541 هـ، وأبو البقاء 616هـ، والأشموني 1100 هـ والشوكاني1250هـ [3]
ويكون {وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} خبراً مقدَّماً.، و «يَوَدُّ أحدُهم» صفةً لمبتدأ محذوفٍ تقديرُه: ومن الذين أَشْركوا قومٌ أو فريقٌ يَوَدُّ أحدُهم [4]
ويكون المعنى : وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أُنَاسٌ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصَّافَّاتِ: 164]، وسُمُّوا مُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. يَوَدُّ: يُرِيدُ وَيَتَمَنَّى، أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ، يَعْنِي: تَعْمِيرَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَهِي تَحِيَّةُ الْمَجُوسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَقُولُونَ: عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ أَلْفٍ نَيْرُوزٌ ومهرجان[5]
وضعفه الواحدي 468هـ من جهتين:
إحداهما: أن المراد بالآية بيان حرص اليهود على الحياة، فلا يحسن قطع الكلام عند قوله: {عَلَى حَيَاةٍ} ثم الإخبار عن غيرهم بحب التعمير.
أنه لا يجوز حذف الموصول وترك صلته، واستقصاء هذا مذكور عند قوله: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} في سورة [النساء: 46] )) [6]،
وعقب الكرماني 505هـ بقوله : ومن جعله مستانفا، أي ومن الذين أشركوا من يود، أو قوم يود، ففي قوله بعد، لأنه لا يجوز حذف الموصول، وإقامة الصلة مقامه أصلاً، ولا يجوز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، إذا كانت جملة، وإنما يجوز إذا كانت اسماً مثله. [7]
قال النحاس338هـ : يجوز في العربية مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ بمعنى من الذين أشركوا قوم يودّ أحدهم إلا أنّ المعنى في الآية لا يحتمل هذا [8].
وقال ابن عثيمين1421هـ: وهذا وإن كان محتملاً لفظاً، لكنه في المعنى بعيد جداً[9]
أقوال علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في حكم الوقف على ( على حياة) على أقوال:
الأول: لا وقف.
الثاني: تام .
الثالث: التفصيل بين الوقف وعدم الوقف.
مناقشة الأقوال :
الأول : لا وقف : باعتبار العطف
وهو قول أبو حاتم، وابن الأنباري، والنحاس، والداني. ورجحه الأشموني[10]
الثاني: تام، باعتبار أن الواو مستأنفة، على أن يكون (ومن الذين أشركوا) في موضع رفع خبرا مقدّما تقديره ومن الذين أشركوا قوم يودّ أحدهم لو يعمر ألف سنة.
أو لأن قوله: يودّ أحدهم عنده جملة في موضع الحال من قوله: ومن الذين أشركوا،
وهو قول نافع.
الثالث: التفصيل بين جواز الوقف وعدم الوقف، وهو قول السجاوندي، والأشموني، والأنصاري. [11]
القول الراجح:
الراجح هو أن تكون الواو عاطفة على الناس، وعليه فلا وقف على حياة، ويكون المعنى: أَنَّ الْيَهُودَ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَأَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، لما يلي:
1. أن المراد بالآية بيان حرص اليهود على الحياة، فلا يحسن قطع الكلام عند قوله: {عَلَى حَيَاةٍ} ثم الإخبار عن غيرهم بحب التعمير[12]،
2. أنه لا يجوز حذف الموصول وترك صلته، واستقصاء هذا مذكور عند قوله: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} في سورة [النساء: 46] )) [13]،
3. أن العطف أَبْلَغَ فِي إِبْطَالِ دعوى اليهود وَفِي إِظْهَارِ كَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةُ لَنَا لَا لِغَيْرِنَا [14]
4. أنه قول عموم أهل اللغة والتفسير والوقف، قال النحاس: (( ...وهذا قول أهل التأويل، وأهل القراءة، واللغة إلا نافعا.[15]
5. قال الزجاج: 311هـ (وَمِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا) أي وَلَتَجِدَنَهُمْ أحْرَصَ من الذين أشركوا، وهذا نهاية في التمثيل.والذين أشركوا هم المجوس ومن لا يُؤمن بالبعث[16].
6. قال ابن الأنباري328هـ: أي ولتجدن اليهود أحرص الناس على حياة وأحرص من الذين أشركوا، يعني المجوس » [17]
7. قال الداني444هـ: وأحرص من الذين أشركوا، ثم استأنف الخبر عن جميعهم بقوله {يود أحدهم}[18]
8. قال فخر الدين الرازي 606هـ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْقِصَّةُ فِي شَأْنِ الْيَهُودِ خَاصَّةً فَالْأَلْيَقُ بِالظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: وَلَتَجِدَنَّ الْيَهُودَ أَحْرَصَ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِبْطَالِ دَعْوَاهُمْ وَفِي إِظْهَارِ كَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ. إِنَّ الدار الآخرة لنا لِغَيْرِنَا[19].
9. قال الأشموني1100هـ: والأكثر على أن الوقف على أشركوا وهم المجوس)) [20]
10. قال ابن عثيمين1421هـ:وهذا القول هو الصواب.. [21]
رموز المصاحف: عموم المصاحف لم تشر بعلامة وقف على (حياة ) دليل على ترجيح وجه العطف وهو ما أميل إليه.
[1] تفسير مقاتل بن سليمان: 125، معاني القرآن للفراء: 1/ 62، تفسير الطبري: 2 /370، معاني القرآن للزجاج: 1/ 103، إيضاح الوقف والابتداء: 525، إعراب القرآن للنحاس: 1/ 69،، التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167،، المكتفى: 1/ 24، المنار بتخليص المرشد: 105،، تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة : 1/309
[2] الوجيز للواحدي : 119
[3] معالم التنزيل: 1/ 144.، الكشاف :1/ 168 والمحرر الوجيز: 1/ 182، التبيان في إعراب القرآن : 1/96، المنار بتخليص المرشد: 105، فتح القدير : 125.
[4] الدر المصون: 2/13
[5] معالم التنزيل: 1/ 144
[6] التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167- 168
[7] غرائب التفسير:1/ 160
[8] إعراب القرآن للنحاس: 1/ 69
[9] تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة : 1/309
[10]إيضاح الوقف والابتداء: 525، و القطع والإتناف: 71، و المكتفى: 1/ 24، و المنار بتخليص المرشد: 105
[11] علل الوقوف : 218 و المنار بتخليص المرشد: 105
[12] التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167- 168
[13] التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167- 168
[14] معالم التنزيل: 1/ 144
[15] القطع والإتناف: 71
[16] معاني القرآن للزجاج : 1/ 178
[17]إيضاح الوقف والابتداء: 525
[18] المكتفى: 1/ 24
[19] اثر اختلاف الإعراب في تفسير القرآن: 53
[20] المنار بتخليص المرشد: 105
[21] تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة : 1/309
 
عودة
أعلى