مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، وعلى تابعيهم إلى يوم الدين ، أما بعد :
فلقد كنت أظنُّ أن تحرير المصطلحات من فضول العلم ، لكني لما رأيت ما يقع من التخبُّطِ أحيانًا ، ومن الاختلاف ، أو من الجناية على الحقائق العلمية أحيانًا أخرى ، رأيت أن أكتب في هذه الفكرة تذكرة لي ولإخواني ،وإني لأسأل الله أن يوفقني ويلهمني الصواب ، إنه سميع مجيب .
أقول : لقد برز في عصرنا الحاضر تسميات ( مصطلحات ) لبعض المسائل العلمية ، أو بعض الأساليب الكتابية ، واتخذها بعض الباحثين على أنها مسلّمات ، وذهبوا يصححون ويضعفون بناءً على بعضها ، ويصوبون ويخطئون بناء على بعضها الآخر ، ويبنون مسائل علمية على تقسيمات فنية شكلية = ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أبدأ الموضوع منذ بدايته ، وهو تعريف المصطلحات قبل الإضافات ، ثم التعريج على الإضافات بعد ذلك .
وإنَّ مِمَّا ظهر في عصرنا هذا المصطلحاتُ الآتية : ( التفسير التحليلي ، والتفسير الإجمالي ، والتفسير المقارن ، والتفسير الموضوعي ) ، فما حقيقة هذه المصطلحات ، وهل لها أثر علمي ، أو هي تدخل في التقسيم الفني ؟
وهل هي في أسلوب الكتابة ، أو هي تجديد في معاني القرآن الكريم ؟
وهل يختلف معنى الآية عند المفسر التحليلي عنه عند المفسر المقارن ، وكذا عند المفسر الإجمالي عنه عند المفسر الموضوعي ؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى أن يتأمل الباحث ، هل نحن بحاجة إلى مثل هذه التقسيمات ؟ وهل لها أثر فعلي ؟ ، وهذا التأمل أرجو أن يصل إلى الصواب .
أولاً : تعريف التفسير :
التفسير في اللغة يدور على معنى الكشف والبيان ، ومنه قولهم : كشف عن ذراعه ؛ إذا أبانها وأظهرها بعد استتارها .
والتفسير في الاصطلاح له تعريفات متعددة ، وأقربها في رأيي : ( بيان معاني القرآن ) ، فالمراد من التفسير بيان المعاني فحسب ، وما كان وراء بيان المعاني في كتب التفسير فإنه إما أن يكون من علوم القرآن سوى التفسير ، وإما أن يكون من الاستنباطات والفوائد ، وإما أن يكون من علوم شتى من العلوم الإسلامية وغيرها ، وكوني أقول بأن هذه المعلومات التي هي خارجة عن حدِّ البيان ليست من صلب التفسير ، لا يعني أنها غير مفيدة ، أو غير مُرَادة للمفسر عند كتابته لتفسيره ، لكن المراد هنا بيان حدِّ المصطلح فحسب .
والأمثلة الموضحة لذلك كثيرة جدًّا ، ولأضرب لك هذه الأمثلة :
1 ـ قال الشوكاني ( ت : 1250 ) : ((قوله : { قَدْ سَمِعَ الله } قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإدغام الدال في السين ، وقرأ الباقون بالإظهار . قال الكسائي : من بيَّن الدال عند السين ، فلسانه أعجميّ وليس بعربيّ )) .
وقال : (({ وَمَا هُوَ } أي : محمد { عَلَى الغيب } يعني : خبر السماء وما اطلع عليه مما كان غائباً علمه من أهل مكة { بِضَنِينٍ } بمتهم أي : هو ثقة فيما يؤدّي عن الله سبحانه . وقيل : { بضنين } ببخيل أي : لا يبخل بالوحي ، ولا يقصر في التبليغ ، وسبب هذا الاختلاف اختلاف القراء ، فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي : « بظنين » بالظاء المشالة أي : بمتهم ، والظنة التهمة ، واختار هذه القراءة أبو عبيد قال : لأنهم لم يُبَخِّلوا ولكن كذبوه . وقرأ الباقون { بضنين } بالضاد أي : ببخيل ، من ضننت بالشيء أضنّ ضناً : إذا بخلت . قال مجاهد أي : لا يضن عليكم بما يعلم بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه . وقيل : المراد جبريل إنه ليس على الغيب بضنين ، والأوّل أولى )).
إنك ـ في هذين المثالين ـ أمام معلومتين من علم واحد ، وهو علم القراءات ، لكن تأمَّل الآتي :
لو لم تكن تعلم أن في قوله تعالى : ( قد سمع ) الإظهار والإدغام ، أيكون المعنى مشكلاً عندك ؟
لا شك أن الجواب : لا ، فالمعنى بالإظهار والإدغام سواءٌ .
لكن في المثال الثاني لا يمكن أن تقول بنفي التهمة أونفي البخل إلا بمعرفة معنى القراءة ، فاختلاف القراءة في هذا الموطن له أثر في اختلاف المعنى ، وهي ترجع إلى علم المفردات ، فجهل معنى ظنين أو ضنين يُفقدك التفسير المتعلق بها .
واختصار القول : إن أي معلومة لها أثر في بيان المعنى ، فهي من صلب التفسير ، وأي معلومة ليس لها أثر في بيان المعنى ، فليست من صلب التفسير ، ثم يمكن أن تكون من علوم القرآن أو من غيره كما مرَّ التنبيه على ذلك سابقًا .
2 ـ قال ابن كثير ( ت : 774 ) في قوله تعالى :{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ) : (( وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال: { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ . تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 77 -80] وقال: { كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11 -16]؛ ولهذا استنبط العلماء، رحمهم الله، من هاتين الآيتين: أن المُحدِثَ لا يمس المصحف )) .
فهذا الاستنباط ليس من صلب التفسير ؛ لأن المقصودين بالطهارة هنا الملائكة ، ولو كان المقصود بالمطهرين البشر لكان تفسيرًا .
فإن قلت ما الفرق ؟
فالجواب : تأمل المعنى الأول : لا يمسه إلا الملائكة .
هنا انتهى المعنى ، ولم يَرِدْ ذِكْرٌ لحكم مسِّ المُحْدِث للمصحف ، فهذا الحكم من الاستنباط الذي لو لم يعرفه القارئ لما أشكل عليه فهم الآية ، إذا كان يعرف أن المراد بالمطهرين الملائكة .
لكن إذا فُسِّر (المطهرون ) بالبشر ، فالمعنى : لا يمسه إلا من تطهر من الحدث ، وهذا يكون من صلب التفسير ، وليس استنباطًا ؛ لأنه هو المعنى المراد باللفظة مباشرة ..
ولعل في هذين المثالين غُنية للتنبيه على مصطلح ( التفسير ) .
فإن قلت : ههنا مسألتان :
الأولى : إننا نجد بعض تعريفات العلماء للتفسير قد توسعت في مراده ، ومن أشهرها تعريف أبي حيان الأندلسي ( ت : 745 ) ، قال : (( التفسير : علم يُبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ، ومدلولاتها ، وأحكامها الإفرادية والتركيبية ، ومعانيها التي تُحمل عليها حال التركيب ، وتتمات ذلك )) .
الثانية : إننا نجد مسائل كتب التفسير أوسع من تعريفك الذي اخترته ، فما معنى ذلك ؟
فالجواب عن الأولى : إن الاختلاف في تعريفات العلماء للتفسير واضح وظاهر ، وليس أمامك إلا الترجيح بين تعريفاتهم ، وما ذكرت لك هو خلاصة ما خرجت به من تعريفاتهم ؛ لأن بعضهم أدخل ما ليس من علم التفسير في علم التفسير ، كقول أبي حيان ( ت : 745 ) : ( عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ) وهذا من علم الأداء ، وليس من علم التفسير. وليست هذه المقالة محلاً للاستدراك على كل ما في التعريفات مما لا يدخل في ماهية التفسير.
والجواب عن الثانية : إن مما يحسن التفريق بينه ؛ المنهج الذي أراد المفسر أن يسير عليه في كتابه ، ومصطلح التفسير .
فالمفسر أراد أن يكون كتابه في التفسير مليئًا بهذه المعلومات ، لكن وجودها في كتابه لا يعني أنها من علم التفسير ، لذا قيل في تفسير الرازي ( ت : 604 ) : فيه كل شيء إلا التفسير ، ومرادهم أنه أدخل في كتابه كثيرًا من القضايا التي ليست من علم التفسير ، وفقدها لا يؤثر في فهم معاني كلام الله .
ولهذا لو تتبعت استدراكات المفسرين على بعضهم في هذه المسألة لوجدت أمثلة كثيرة من استدراكاتهم أو تنبيهاتهم على عدم دخول بعض المعلومات في كتب التفسير ؛ لأنها ـ في نظرهم ـ ليست من التفسير ، ولئلا أطيل عليك أذكر لك استدراكًا واحدًا فقط .
قال الشوكاني ( ت : 1250 ) في تفسير أول آية من سورة الإسراء : ((واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها ، وليس في ذلك كثير فائدة ، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث ، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، وهو مبحث آخر ، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز ، وذكر أسباب النزول ، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية ، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة )) .
وهذا يعني أن مجال الاستدراك بين المفسرين موجود في مجال المعلومات التي تدخل في كتب التفسير ، وإن كان يُعتذر لهم بأن الأمر يعود إلى أن هذا هو المنهج الذي أراداه في كتابيهما ، ولم يَدَّعِيا أن هذا من مقصود التفسير وصلبه ، لكنه هو الموافق لمنهجهم في كتبهم .
ولا أطيل بأكثر من هذا في معنى التفسير في الاصطلاح .
ثانيًا : تعريف الموضوعي :
الموضوعي نسبة إلى الموضوع ، وهو من مادة وضع ؛ أي : خفض، ضدها : رفع ، والموضوع : الشيء الذي وُضِع في مكانٍ ما ؛ حسيًا كان أو معنويًّا.
ومن الخفض قول ذو الرمة :
[align=center]يُقَطِّعُ موضوعَ الحديثِ ابتسامُها** تقطع ماء المزن في نزف الخمر[/align]
قال الإمام أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي ـ في شرح ديوان ذي الرمة ـ : (( موضوع الحديث : مخفوضُهُ ، يقول : تَحَدَّثُ موضوعًا من الحديث وتبتسم بين ذلك )) شرح الباهلي لديوان ذي الرمة ، تحقيق الدكتور عبد القدوس أبو صالح ( ص : 952 ) .
ومن الثاني قول الفرزدق :
[align=center]وأصبح موضوعُ الصَّقيعِ كأَنَّه ** على سروات النِّيبِ قُطنٌ مُندَّفُ[/align]
والمراد بالموضوع في عرف العلماءِ معروف ، وهو إما أن يطلق على مسألة واحدة وإما على أكثر من مسألة .
والمراد بالموضوعي في اصطلاح أصحاب التفسير الموضوعي إما موضوع من خلال سورة ، وإما موضوع من خلال القرآن ، مثلاً : ( الأخلاق من خلال سورة الحجرات ) ، أو ( الأخلاق من خلال القرآن ) .
وأما دراسة لفظة من خلال القرآن ، فإن كانت دراستها من جهة الدلالة والمعنى المراد بها في القرآن ، فإنها لا تدخل في مسمى ( الموضوع ) ، وإن كان المراد دراستها من جهة كونها موضوعًا ، فإنها انتقلت من البحث الدلالي إلى البحث الموضوعي .
وإليك هذا المثال :
لو كنت تبحث عن لفظة ( الخير ) باعتبارها مفردة قرآنية ، وتتبعت هذه اللفظة لتعرف معانيها في كلام الله ، فأنت تبحث في جميع أماكن ورودها ، وتتعرف على معناها في كل سياق ، وهذا البحث الدلالي هو عين ما قام به علماء الوجوه والنظائر ، وليس هذا من التفسير الموضوعي في شيء بناءً على مصطلح أصحابه ، ومن ثمَّ ، فإنه لا علاقة لكتب الوجوه والنظائر بالتفسير الموضوعي ، وليست هذه الكتب لبنةً من لبناته.
لكن لو كنت تبحث عن موضوع ( الخير ) في القرآن ، فإنك ستتعدى لفظة الخير إلى كل ما يتعلق بالخير ، سواءًً أكانت ألفاظًا أم موضوعات ، وهذا يدخل في شرط أصحاب التفسير الموضوعي ، بل هو الذي ينصرف إليه الذهن إذا قيل : التفسير الموضوعي .
تنبيه :
من عجيب ما وقفت عليه من خلال البحث عن مصطلح ( التفسير الموضوعي ) عبر محركات البحث في الانترنت = أن الرافضة لهم في ذلك بحوث كثيرة جدًا جدًا ، وهي أكثر من بحوث أهل السنة ، وقد تساءلت عن سبب اعتنائهم بهذا الأسلوب في تقديم القرآن الكريم ؟! ولا زلت أنتظر الجواب .
ثالثًا : التحليلي :
التحليلي نسبة إلى التحليل ، والمراد به : تفكيك الكلام على الآية لفظة لفظة ، والكلام على ما فيها من معانٍ وإعراب وأحكام وغيرها ، ثم الانتقال إلى ما بعدها ، وهكذا .وعلى هذا جمهور كتب التفسير ، بل يكاد أن يكون غيره بالنسبة إليه لا يذكر من جهة كثرة التأليف .
رابعًا : الإجمالي
الإجمالي نسبة إلى أجمل ، وهذه الصيغة ( أفعل ) بمعنى دخل في الإجمال،فالهمزة في ( أجمل ) همزة الجعل ؛ أي : جعلته مجملاً ، والإجمال : الإيجاز ، والإيجاز مظنة الإبهام ؛ لذا أخذ الأصوليون هذا في مصطلح ( المجمل والمبين ) ، قال الزركشي : ((الْمُجْمَلُ لُغَةً : الْمُبْهَمُ ، مِنْ أَجْمَلَ الأَمْرَ أَيْ أَبْهَمَ )) .البحر المحيط ( 4 : 344 ) .
وليس هذا هو المراد في مصطلح ( التفسير الإجمالي ) ، وإنما هو مما قال ابن دريد ( ت : 321 ) : ((وأجملتُ الشيء إجمالاً إذا جمعته عن تفرّقه، وأكثر ما يُستعمل ذلك في الكلام الموجز، يقال: أجمل فلان الجوابَ )) جمهرة اللغة 1 : 245 .
ويجوز أن يكون المصطلح ( التفسير الجملي ) نسبة إلى الجملة لا الإجمال ، جاء في مادة ( جمل ) من تاج العروس : (( وجمل يجمل جملاً : إذا جمع )) وجاء فيه أيضًا : (( والجُملَةُ بالضمّ : جَماعَةُ الشيء كأنها اشتُقَّت مِن جُمْلَة الحَبلِ ؛ لأنها قُوًى كثيرةٌ جُمِعَتْ فأَجْمَلَتْ جُمْلةً . وقال الراغب : واعتُبِر معنى الكَثْرةِ فقِيل لكُلِّ جَماعةٍ غيرُ منفصِلة : جُملَةٌ . قلت : ومنه أَخذ النَّحويّون الجُملَة لِمُرَّكبٍ من كلمتين أُسْنِدت إحداهما للأُخرى . وفي التنزيل : ( قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيهِ الْقُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) ؛ أي : مُجْتَمِعاً لا كما أُنْزِل نُجُوماً مُفْتَرِقة .. )) .
وهذا التعبير ( التفسير الجملي ) قد استخدمه بعض المعاصرين ـ مثل المراغي في تفسيره ـ لكن اشتهر مصطلح ( التفسير الإجمالي ) ، واستحوذ على مصطلح ( التفسير الجملي ) .ومعنى هذا المصطلح أن المفسر يفسر الآية جملة واحدة ، ولا يفكك ألفاظها ويفسرها لفظة لفظة كما يُفعل في التحليلي .
خامسًا : المقارن :
وهو مأخوذ من قرن ، والمراد بالمقارن : الموازن ، وليس في لغة العرب قارن بمعنى وازن ، لكنه خطأ مشهور ، والصواب : الموازن ؛ لأنك تقول : قرن بين كذا وكذا إذا ربطهما ببعض ، والمراد بعملك هنا هو الموازنة ، وليس مجرد الربط .
وقد اختلف مراد من اصطلح على هذا المصطلح في ما يكون فيه المقارنة ( الموازنة ) ، فذهب بعضهم إلى أن المراد : المقارنة ( الموازنة ) بين الأقوال التفسيرية لإخراج الراجح من المرجوح ، وتوسع آخرون فأدخلوا فيه : المقارنة ( الموازنة ) بين القرآن و الكتب السماوية ، وغيرها .
وبعد بيان المصطلحات أدخل إلى مسائل لتوضيح ما وقع في هذا التقسيم من نظر ، فأقول :
أولاً : لا يخلو تفسير من التفاسير المطولة من أن يكون فيه مثل هذه الأنواع ، فإذا كان تفسير القرآن بالقرآن يدخل في التفسير الموضوعي عند بعضهم ، فتفسير الطبري ( ت : 310 ) تحليلي إجمالي مقارن موضوعي ، وكذا غيره من مطولات التفسير .
فإن قال قائل : هذا ليس عيبًا .
فأقول : إنما أردت أن أنبه إلى أن الطبري لم يخل من هذه الأقسام المذكورة ، ولا تخلو منه مطولات التفسير أيضًا .
ثانيًا : إن هذا التقسيم لا يُبنى عليه علمٌ ، وهو في الحقيقة تقسيم فنيٌّ لأسلوب الكتابة في التفسير ، وليس تقسيمًا للتفسير .
ثالثًا : إذا كان قد تبين لك معنى التفسير على ما ذكرت لك ، فإن من المشكل إضافة هذه الأنواع الأربعة إلى التفسير ؛ لأنه يُفهم من هذا التقسيم أن التفسير منقسم ، والتفسير شيء واحد ، وليس بمنقسم ، وإنما الذي ينقسم طريقة التعبير عن التفسير ، وهي لا تقف عند هذه الأربعة ، بل يمكن الزيادة عليها بإطلاقات ذكرها المعاصرون في غير هذا المجال ؛ كالتفسير الأدبي ، والتفسير الاجتماعي ، والتفسير التربوي وغيرها .
وإذا كنت معي في أن التفسير : بيان معاني القرآن الكريم ، فما معنى الإضافة إلى هذه الأنواع الأربعة وغيرها إذًا ؟!
حَلِّلْ هذه الإضافة ( التفسير الموضوعي ) بناءً على ما ذكرت لك من معنى التفسير .
كأن المعنى سيكون : بيان معاني القرآن الموضوعي ؟! ( أي : التفسير الذي يؤخذ من قبل الموضوع القرآني .
ويأتي السؤال : هل في عرض ( الموضوع القرآني) بيان معان تفسيرية جديدة ؟
أو إن فيه بيانًا خارجًا عن حَدِّ التفسير كالفوائد والاستنباطات ؟.
وكذا الحال في التفسير الإجمالي ، هل سيأتي من يسلك هذا الأسلوب بجديد من جهة المعاني ، أو إن الجديد بأسلوب التعبير عن التفسير ، من حيث سهولة عبارته وسلاستها من عدم ذلك .
إن الصحيح في تسمية هذه المصطلحات أن تسمى باسم ( أساليب كتابة التفسير ) ، وليس بإضافتها للتفسير كما هو قائم الآن ؛ لأن ( مفهوم التفسير ) قد أُدرِك معناه ، ومن ثمَّ فإن الخلوص إلى مسمى يناسب أسلوب الكتابة الجديدة التي ذكرها المعاصرون هو المطلوب.
ولا يُظنُّ أن الاختلاف لفظي ، وأنه لا مشاحة في الاصطلاح ، لا يظن ذلك ؛ لأنه يُفهم من مصطلح (التفسير الموضوعي) أن من يسلكه ، فإنه قد أتى بجديد من المعاني ، وهو ليس كذلك ، فليس هناك معنى كان خافيًا ، فأُدرك بالتفسير الموضوعي ، وذلك واضح من اعتماد من اعتمد هذا النوع على تفاسير العلماء السابقين ، وصدوره عنها ، مما يدل على أنه لا يأتي بجديد في تفسير المعاني ، وإنما جديده في الفوائد والاستنباطات والاستنتاجات وجمع الآيات المتناظرات للموضوعات المختلفات .
وكذا الحال في (التفسير الإجمالي) ، فإنه من حيث إيجاد جديد من المعاني لا يلزم استخدام (التفسير الإجمالي) ، وإنما الحال في استخدام العبارات واختيارها .
وأما (التفسير المقارن) فإنه ينتج عن سلوكه اختيار تفسير من التفاسير المختلفة ، فهو في الحقيقة ( طريقة اختيار تفسير ) ، ولا يصلح أن تسمى طريقة اختيار التفسير تفسيرًا ، فالطريقة للوصول إلى المعنى الراجح هي المقارنة ( الموازنة ) بين الأقوال المختلفة في التفسير بناءً على القواعد العلمية ، وكما تلاحظ لا يكون ذلك إلا في حال اختلاف المفسرين .
وأما (التفسير التحليلي) فيدخله كثير من المعلومات التي هي خارجة عن حدِّ التفسير كما لا يخفى على الناظر في كتب التفسير .
والمقصود أن الوصول إلى معاني الآيات لا يلزم باستخدام نوع من هذه الأنواع دون نوع ، بل الحال أن إدراك التفسير له طريقه المعروف ، وسواء أكتبت بأسلوب التحليل أم الإجمال أم الموضوع أم المقارن ، فالحال واحدة .
وبما أنني قد أشرت إلى إضافات أخرى فأرى أن من تمام الموضوع التنبيه عليها ، فأقول:
لقد ظهرت إضافة التفسير إلى غير هذه الأربعة ، منها : التفسير الأدبي ، والتفسير الاجتماعي ، والتفسير البياني ... الخ .
وهذه الإضافات كسابقاتها الأربعة ، ليس فيها جديد من جهة التفسير الذي هو بيان المعنى ، وقد تأملتها ووجدتها لا تخرج عن الآتي :
الأول : أن يكون الأمر متعلقًا بأسلوب الكتابة الذي اعتمده المؤلف ؛ كالتفسير الأدبي ، إنما هو بالنظر إلى الأسلوب الكتابي الذي انتهجه المؤلف ، مع ملاحظة قلة الكتب التي يمكن أن تُدرج في هذا الأسلوب الكتابي .
ومما يُمثَّل به للتفسير الأدبي كتاب ( في ظلال القرآن ) للأستاذ سيد قطب .
والجديد في هذا الكتاب من جهتين :
الجهة الأولى : الأسلوب الكتابي الذي انتهجه المؤلف وكتابه ، إذ كتبه بلغة أدبية راقية.
الجهة الثانية : اتجاهه نحو تطبيق الآيات على واقع الحياة التي عاشها سيد ، وتصوراته للطريقة المثلى للعيش مع القرآن الكريم ، وكيفية إنشاء المجتمع المسلم من خلال القرآن ... الخ من الأفكار التي طرحها سيد ، وهي تأتي بعد فهم المعنى وبيانه الذي هو التفسير .
الثاني : أن يكون الأمر متعلقًا بالاتجاه العلمي أو الفكري أو العقدي أو المذهبي أو ما سوى ذلك من الاتجاهات التي تؤثر على معلومات المفسر خلال كتابته للتفسير ، كالاتجاه الاجتماعي في ( تفسير المنار ) ، فهو قصد أن يقدم دراسات اجتماعية من خلال تفسيره للقرآن ، لذا نقد سلوكيات المجتمع الإسلامي ، واجتهد في بيان الأسلوب الأمثل في الرقي بالأمة الإسلامية ، وكل هذا إنما يأتي بعد التفسير ، وليس فيه إضافة على معاني القرآن ، وإنما فيه إضافات استنباطية وربط الواقع الاجتماعي (السلبي أو الإيجابي) بالآيات .
فإن قلت : أليس يُطلق مثل هذه المصطلحات ؛ كالتفسير النبوي ، والتفسير اللغوي ، فهل شانها كشأن الأوليات ؟
والجواب : لا .
والسبب أن الإضافة إلى ما يكون من باب البيان تخصيص لجزء من المعنى العام ( التفسير ) بالمصدر الذي يكون فيه بيان ( كالتفسير النبوي ) ، أي : التفسير الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
لكن لو قلت : التفسير الأدبي ، فإن الأدب ليس مصدرًا يتبين به كلام الله كما هو الحال في التفسير النبوي أو التفسير اللغوي اللذين يكون بهما بيان لكلام الله ، ومعنى هذا أن إضافة لفظة ( التفسير ) إلى مصدر من مصادره ليست كإضافته إلى طريقة التأليف أو طريقة الكتابة ، فتلك لا يصلح فيها مثل هذه الإضافة .
وقس على ذلك غيرها مما يضاف إليه التفسير من المصطلحات .
وخلاصة القول : إن التفسير علم قائم بذاته ، وله معالمه المحدودة ، وله تعريفه الواضح ، وليس كل ما كُتب تحت اسم التفسير يكون من التفسير ، ولا كل ما أضيف إلى التفسير يكون منه ، ولا كل ما في كتب التفسير يكون منه أيضًا .
وإذا كان ذلك صحيحًا ، فإن على من يقسم التفسير إلى هذه الاعتبارات أن يحرر مراده بالتفسير ، ثم يثبت صلة هذه المضافات إليه به .
وفي نظري أن استخدام مصطلح الأسلوب ، والاتجاه وأمثالها يرفع المشكل ، ويكون الأمر منضبطًا بإذن الله .
فإذا كان النظر إلى الأسلوب الكتابي قيل : الأسلوب الأدبي مثلاً .
وإذا كان النظر إلى المعلومات التي حشدها المفسر في كتابه ، وأضافها على التفسير ، قيل : الاتجاه النحوي مثلاً ، الاتجاه الفقهي ، الاتجاه الاجتماعي ... الخ .
وخلاصة القول : إننا في التخصص العلمي بحاجة إلى تحرير المصطلحات ، وأن لا تضيق صدورنا بالنقد والتحليل والتقويم ، وأن يكون القصد الوصول إلى الحق ، ولا مانع من الاختلاف مع حسن الأدب ، فالاختلاف لا يفسد للود قضية ، وما ذكرته هاهنا هو خلاصة ما أراه في هذه المصطلحات ، فإن كان من حقي أن أقول ما أراه صوابًا ، فإني أعرف أنه ليس من قدرتي ـ فضلا عن أن يكون من حقي ـ أن أقنعك بما أقول ، والله الموفق .
فلقد كنت أظنُّ أن تحرير المصطلحات من فضول العلم ، لكني لما رأيت ما يقع من التخبُّطِ أحيانًا ، ومن الاختلاف ، أو من الجناية على الحقائق العلمية أحيانًا أخرى ، رأيت أن أكتب في هذه الفكرة تذكرة لي ولإخواني ،وإني لأسأل الله أن يوفقني ويلهمني الصواب ، إنه سميع مجيب .
أقول : لقد برز في عصرنا الحاضر تسميات ( مصطلحات ) لبعض المسائل العلمية ، أو بعض الأساليب الكتابية ، واتخذها بعض الباحثين على أنها مسلّمات ، وذهبوا يصححون ويضعفون بناءً على بعضها ، ويصوبون ويخطئون بناء على بعضها الآخر ، ويبنون مسائل علمية على تقسيمات فنية شكلية = ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أبدأ الموضوع منذ بدايته ، وهو تعريف المصطلحات قبل الإضافات ، ثم التعريج على الإضافات بعد ذلك .
وإنَّ مِمَّا ظهر في عصرنا هذا المصطلحاتُ الآتية : ( التفسير التحليلي ، والتفسير الإجمالي ، والتفسير المقارن ، والتفسير الموضوعي ) ، فما حقيقة هذه المصطلحات ، وهل لها أثر علمي ، أو هي تدخل في التقسيم الفني ؟
وهل هي في أسلوب الكتابة ، أو هي تجديد في معاني القرآن الكريم ؟
وهل يختلف معنى الآية عند المفسر التحليلي عنه عند المفسر المقارن ، وكذا عند المفسر الإجمالي عنه عند المفسر الموضوعي ؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى أن يتأمل الباحث ، هل نحن بحاجة إلى مثل هذه التقسيمات ؟ وهل لها أثر فعلي ؟ ، وهذا التأمل أرجو أن يصل إلى الصواب .
أولاً : تعريف التفسير :
التفسير في اللغة يدور على معنى الكشف والبيان ، ومنه قولهم : كشف عن ذراعه ؛ إذا أبانها وأظهرها بعد استتارها .
والتفسير في الاصطلاح له تعريفات متعددة ، وأقربها في رأيي : ( بيان معاني القرآن ) ، فالمراد من التفسير بيان المعاني فحسب ، وما كان وراء بيان المعاني في كتب التفسير فإنه إما أن يكون من علوم القرآن سوى التفسير ، وإما أن يكون من الاستنباطات والفوائد ، وإما أن يكون من علوم شتى من العلوم الإسلامية وغيرها ، وكوني أقول بأن هذه المعلومات التي هي خارجة عن حدِّ البيان ليست من صلب التفسير ، لا يعني أنها غير مفيدة ، أو غير مُرَادة للمفسر عند كتابته لتفسيره ، لكن المراد هنا بيان حدِّ المصطلح فحسب .
والأمثلة الموضحة لذلك كثيرة جدًّا ، ولأضرب لك هذه الأمثلة :
1 ـ قال الشوكاني ( ت : 1250 ) : ((قوله : { قَدْ سَمِعَ الله } قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإدغام الدال في السين ، وقرأ الباقون بالإظهار . قال الكسائي : من بيَّن الدال عند السين ، فلسانه أعجميّ وليس بعربيّ )) .
وقال : (({ وَمَا هُوَ } أي : محمد { عَلَى الغيب } يعني : خبر السماء وما اطلع عليه مما كان غائباً علمه من أهل مكة { بِضَنِينٍ } بمتهم أي : هو ثقة فيما يؤدّي عن الله سبحانه . وقيل : { بضنين } ببخيل أي : لا يبخل بالوحي ، ولا يقصر في التبليغ ، وسبب هذا الاختلاف اختلاف القراء ، فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي : « بظنين » بالظاء المشالة أي : بمتهم ، والظنة التهمة ، واختار هذه القراءة أبو عبيد قال : لأنهم لم يُبَخِّلوا ولكن كذبوه . وقرأ الباقون { بضنين } بالضاد أي : ببخيل ، من ضننت بالشيء أضنّ ضناً : إذا بخلت . قال مجاهد أي : لا يضن عليكم بما يعلم بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه . وقيل : المراد جبريل إنه ليس على الغيب بضنين ، والأوّل أولى )).
إنك ـ في هذين المثالين ـ أمام معلومتين من علم واحد ، وهو علم القراءات ، لكن تأمَّل الآتي :
لو لم تكن تعلم أن في قوله تعالى : ( قد سمع ) الإظهار والإدغام ، أيكون المعنى مشكلاً عندك ؟
لا شك أن الجواب : لا ، فالمعنى بالإظهار والإدغام سواءٌ .
لكن في المثال الثاني لا يمكن أن تقول بنفي التهمة أونفي البخل إلا بمعرفة معنى القراءة ، فاختلاف القراءة في هذا الموطن له أثر في اختلاف المعنى ، وهي ترجع إلى علم المفردات ، فجهل معنى ظنين أو ضنين يُفقدك التفسير المتعلق بها .
واختصار القول : إن أي معلومة لها أثر في بيان المعنى ، فهي من صلب التفسير ، وأي معلومة ليس لها أثر في بيان المعنى ، فليست من صلب التفسير ، ثم يمكن أن تكون من علوم القرآن أو من غيره كما مرَّ التنبيه على ذلك سابقًا .
2 ـ قال ابن كثير ( ت : 774 ) في قوله تعالى :{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ) : (( وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال: { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ . تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 77 -80] وقال: { كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11 -16]؛ ولهذا استنبط العلماء، رحمهم الله، من هاتين الآيتين: أن المُحدِثَ لا يمس المصحف )) .
فهذا الاستنباط ليس من صلب التفسير ؛ لأن المقصودين بالطهارة هنا الملائكة ، ولو كان المقصود بالمطهرين البشر لكان تفسيرًا .
فإن قلت ما الفرق ؟
فالجواب : تأمل المعنى الأول : لا يمسه إلا الملائكة .
هنا انتهى المعنى ، ولم يَرِدْ ذِكْرٌ لحكم مسِّ المُحْدِث للمصحف ، فهذا الحكم من الاستنباط الذي لو لم يعرفه القارئ لما أشكل عليه فهم الآية ، إذا كان يعرف أن المراد بالمطهرين الملائكة .
لكن إذا فُسِّر (المطهرون ) بالبشر ، فالمعنى : لا يمسه إلا من تطهر من الحدث ، وهذا يكون من صلب التفسير ، وليس استنباطًا ؛ لأنه هو المعنى المراد باللفظة مباشرة ..
ولعل في هذين المثالين غُنية للتنبيه على مصطلح ( التفسير ) .
فإن قلت : ههنا مسألتان :
الأولى : إننا نجد بعض تعريفات العلماء للتفسير قد توسعت في مراده ، ومن أشهرها تعريف أبي حيان الأندلسي ( ت : 745 ) ، قال : (( التفسير : علم يُبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ، ومدلولاتها ، وأحكامها الإفرادية والتركيبية ، ومعانيها التي تُحمل عليها حال التركيب ، وتتمات ذلك )) .
الثانية : إننا نجد مسائل كتب التفسير أوسع من تعريفك الذي اخترته ، فما معنى ذلك ؟
فالجواب عن الأولى : إن الاختلاف في تعريفات العلماء للتفسير واضح وظاهر ، وليس أمامك إلا الترجيح بين تعريفاتهم ، وما ذكرت لك هو خلاصة ما خرجت به من تعريفاتهم ؛ لأن بعضهم أدخل ما ليس من علم التفسير في علم التفسير ، كقول أبي حيان ( ت : 745 ) : ( عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ) وهذا من علم الأداء ، وليس من علم التفسير. وليست هذه المقالة محلاً للاستدراك على كل ما في التعريفات مما لا يدخل في ماهية التفسير.
والجواب عن الثانية : إن مما يحسن التفريق بينه ؛ المنهج الذي أراد المفسر أن يسير عليه في كتابه ، ومصطلح التفسير .
فالمفسر أراد أن يكون كتابه في التفسير مليئًا بهذه المعلومات ، لكن وجودها في كتابه لا يعني أنها من علم التفسير ، لذا قيل في تفسير الرازي ( ت : 604 ) : فيه كل شيء إلا التفسير ، ومرادهم أنه أدخل في كتابه كثيرًا من القضايا التي ليست من علم التفسير ، وفقدها لا يؤثر في فهم معاني كلام الله .
ولهذا لو تتبعت استدراكات المفسرين على بعضهم في هذه المسألة لوجدت أمثلة كثيرة من استدراكاتهم أو تنبيهاتهم على عدم دخول بعض المعلومات في كتب التفسير ؛ لأنها ـ في نظرهم ـ ليست من التفسير ، ولئلا أطيل عليك أذكر لك استدراكًا واحدًا فقط .
قال الشوكاني ( ت : 1250 ) في تفسير أول آية من سورة الإسراء : ((واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها ، وليس في ذلك كثير فائدة ، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث ، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، وهو مبحث آخر ، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز ، وذكر أسباب النزول ، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية ، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة )) .
وهذا يعني أن مجال الاستدراك بين المفسرين موجود في مجال المعلومات التي تدخل في كتب التفسير ، وإن كان يُعتذر لهم بأن الأمر يعود إلى أن هذا هو المنهج الذي أراداه في كتابيهما ، ولم يَدَّعِيا أن هذا من مقصود التفسير وصلبه ، لكنه هو الموافق لمنهجهم في كتبهم .
ولا أطيل بأكثر من هذا في معنى التفسير في الاصطلاح .
ثانيًا : تعريف الموضوعي :
الموضوعي نسبة إلى الموضوع ، وهو من مادة وضع ؛ أي : خفض، ضدها : رفع ، والموضوع : الشيء الذي وُضِع في مكانٍ ما ؛ حسيًا كان أو معنويًّا.
ومن الخفض قول ذو الرمة :
[align=center]يُقَطِّعُ موضوعَ الحديثِ ابتسامُها** تقطع ماء المزن في نزف الخمر[/align]
قال الإمام أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي ـ في شرح ديوان ذي الرمة ـ : (( موضوع الحديث : مخفوضُهُ ، يقول : تَحَدَّثُ موضوعًا من الحديث وتبتسم بين ذلك )) شرح الباهلي لديوان ذي الرمة ، تحقيق الدكتور عبد القدوس أبو صالح ( ص : 952 ) .
ومن الثاني قول الفرزدق :
[align=center]وأصبح موضوعُ الصَّقيعِ كأَنَّه ** على سروات النِّيبِ قُطنٌ مُندَّفُ[/align]
والمراد بالموضوع في عرف العلماءِ معروف ، وهو إما أن يطلق على مسألة واحدة وإما على أكثر من مسألة .
والمراد بالموضوعي في اصطلاح أصحاب التفسير الموضوعي إما موضوع من خلال سورة ، وإما موضوع من خلال القرآن ، مثلاً : ( الأخلاق من خلال سورة الحجرات ) ، أو ( الأخلاق من خلال القرآن ) .
وأما دراسة لفظة من خلال القرآن ، فإن كانت دراستها من جهة الدلالة والمعنى المراد بها في القرآن ، فإنها لا تدخل في مسمى ( الموضوع ) ، وإن كان المراد دراستها من جهة كونها موضوعًا ، فإنها انتقلت من البحث الدلالي إلى البحث الموضوعي .
وإليك هذا المثال :
لو كنت تبحث عن لفظة ( الخير ) باعتبارها مفردة قرآنية ، وتتبعت هذه اللفظة لتعرف معانيها في كلام الله ، فأنت تبحث في جميع أماكن ورودها ، وتتعرف على معناها في كل سياق ، وهذا البحث الدلالي هو عين ما قام به علماء الوجوه والنظائر ، وليس هذا من التفسير الموضوعي في شيء بناءً على مصطلح أصحابه ، ومن ثمَّ ، فإنه لا علاقة لكتب الوجوه والنظائر بالتفسير الموضوعي ، وليست هذه الكتب لبنةً من لبناته.
لكن لو كنت تبحث عن موضوع ( الخير ) في القرآن ، فإنك ستتعدى لفظة الخير إلى كل ما يتعلق بالخير ، سواءًً أكانت ألفاظًا أم موضوعات ، وهذا يدخل في شرط أصحاب التفسير الموضوعي ، بل هو الذي ينصرف إليه الذهن إذا قيل : التفسير الموضوعي .
تنبيه :
من عجيب ما وقفت عليه من خلال البحث عن مصطلح ( التفسير الموضوعي ) عبر محركات البحث في الانترنت = أن الرافضة لهم في ذلك بحوث كثيرة جدًا جدًا ، وهي أكثر من بحوث أهل السنة ، وقد تساءلت عن سبب اعتنائهم بهذا الأسلوب في تقديم القرآن الكريم ؟! ولا زلت أنتظر الجواب .
ثالثًا : التحليلي :
التحليلي نسبة إلى التحليل ، والمراد به : تفكيك الكلام على الآية لفظة لفظة ، والكلام على ما فيها من معانٍ وإعراب وأحكام وغيرها ، ثم الانتقال إلى ما بعدها ، وهكذا .وعلى هذا جمهور كتب التفسير ، بل يكاد أن يكون غيره بالنسبة إليه لا يذكر من جهة كثرة التأليف .
رابعًا : الإجمالي
الإجمالي نسبة إلى أجمل ، وهذه الصيغة ( أفعل ) بمعنى دخل في الإجمال،فالهمزة في ( أجمل ) همزة الجعل ؛ أي : جعلته مجملاً ، والإجمال : الإيجاز ، والإيجاز مظنة الإبهام ؛ لذا أخذ الأصوليون هذا في مصطلح ( المجمل والمبين ) ، قال الزركشي : ((الْمُجْمَلُ لُغَةً : الْمُبْهَمُ ، مِنْ أَجْمَلَ الأَمْرَ أَيْ أَبْهَمَ )) .البحر المحيط ( 4 : 344 ) .
وليس هذا هو المراد في مصطلح ( التفسير الإجمالي ) ، وإنما هو مما قال ابن دريد ( ت : 321 ) : ((وأجملتُ الشيء إجمالاً إذا جمعته عن تفرّقه، وأكثر ما يُستعمل ذلك في الكلام الموجز، يقال: أجمل فلان الجوابَ )) جمهرة اللغة 1 : 245 .
ويجوز أن يكون المصطلح ( التفسير الجملي ) نسبة إلى الجملة لا الإجمال ، جاء في مادة ( جمل ) من تاج العروس : (( وجمل يجمل جملاً : إذا جمع )) وجاء فيه أيضًا : (( والجُملَةُ بالضمّ : جَماعَةُ الشيء كأنها اشتُقَّت مِن جُمْلَة الحَبلِ ؛ لأنها قُوًى كثيرةٌ جُمِعَتْ فأَجْمَلَتْ جُمْلةً . وقال الراغب : واعتُبِر معنى الكَثْرةِ فقِيل لكُلِّ جَماعةٍ غيرُ منفصِلة : جُملَةٌ . قلت : ومنه أَخذ النَّحويّون الجُملَة لِمُرَّكبٍ من كلمتين أُسْنِدت إحداهما للأُخرى . وفي التنزيل : ( قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيهِ الْقُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) ؛ أي : مُجْتَمِعاً لا كما أُنْزِل نُجُوماً مُفْتَرِقة .. )) .
وهذا التعبير ( التفسير الجملي ) قد استخدمه بعض المعاصرين ـ مثل المراغي في تفسيره ـ لكن اشتهر مصطلح ( التفسير الإجمالي ) ، واستحوذ على مصطلح ( التفسير الجملي ) .ومعنى هذا المصطلح أن المفسر يفسر الآية جملة واحدة ، ولا يفكك ألفاظها ويفسرها لفظة لفظة كما يُفعل في التحليلي .
خامسًا : المقارن :
وهو مأخوذ من قرن ، والمراد بالمقارن : الموازن ، وليس في لغة العرب قارن بمعنى وازن ، لكنه خطأ مشهور ، والصواب : الموازن ؛ لأنك تقول : قرن بين كذا وكذا إذا ربطهما ببعض ، والمراد بعملك هنا هو الموازنة ، وليس مجرد الربط .
وقد اختلف مراد من اصطلح على هذا المصطلح في ما يكون فيه المقارنة ( الموازنة ) ، فذهب بعضهم إلى أن المراد : المقارنة ( الموازنة ) بين الأقوال التفسيرية لإخراج الراجح من المرجوح ، وتوسع آخرون فأدخلوا فيه : المقارنة ( الموازنة ) بين القرآن و الكتب السماوية ، وغيرها .
وبعد بيان المصطلحات أدخل إلى مسائل لتوضيح ما وقع في هذا التقسيم من نظر ، فأقول :
أولاً : لا يخلو تفسير من التفاسير المطولة من أن يكون فيه مثل هذه الأنواع ، فإذا كان تفسير القرآن بالقرآن يدخل في التفسير الموضوعي عند بعضهم ، فتفسير الطبري ( ت : 310 ) تحليلي إجمالي مقارن موضوعي ، وكذا غيره من مطولات التفسير .
فإن قال قائل : هذا ليس عيبًا .
فأقول : إنما أردت أن أنبه إلى أن الطبري لم يخل من هذه الأقسام المذكورة ، ولا تخلو منه مطولات التفسير أيضًا .
ثانيًا : إن هذا التقسيم لا يُبنى عليه علمٌ ، وهو في الحقيقة تقسيم فنيٌّ لأسلوب الكتابة في التفسير ، وليس تقسيمًا للتفسير .
ثالثًا : إذا كان قد تبين لك معنى التفسير على ما ذكرت لك ، فإن من المشكل إضافة هذه الأنواع الأربعة إلى التفسير ؛ لأنه يُفهم من هذا التقسيم أن التفسير منقسم ، والتفسير شيء واحد ، وليس بمنقسم ، وإنما الذي ينقسم طريقة التعبير عن التفسير ، وهي لا تقف عند هذه الأربعة ، بل يمكن الزيادة عليها بإطلاقات ذكرها المعاصرون في غير هذا المجال ؛ كالتفسير الأدبي ، والتفسير الاجتماعي ، والتفسير التربوي وغيرها .
وإذا كنت معي في أن التفسير : بيان معاني القرآن الكريم ، فما معنى الإضافة إلى هذه الأنواع الأربعة وغيرها إذًا ؟!
حَلِّلْ هذه الإضافة ( التفسير الموضوعي ) بناءً على ما ذكرت لك من معنى التفسير .
كأن المعنى سيكون : بيان معاني القرآن الموضوعي ؟! ( أي : التفسير الذي يؤخذ من قبل الموضوع القرآني .
ويأتي السؤال : هل في عرض ( الموضوع القرآني) بيان معان تفسيرية جديدة ؟
أو إن فيه بيانًا خارجًا عن حَدِّ التفسير كالفوائد والاستنباطات ؟.
وكذا الحال في التفسير الإجمالي ، هل سيأتي من يسلك هذا الأسلوب بجديد من جهة المعاني ، أو إن الجديد بأسلوب التعبير عن التفسير ، من حيث سهولة عبارته وسلاستها من عدم ذلك .
إن الصحيح في تسمية هذه المصطلحات أن تسمى باسم ( أساليب كتابة التفسير ) ، وليس بإضافتها للتفسير كما هو قائم الآن ؛ لأن ( مفهوم التفسير ) قد أُدرِك معناه ، ومن ثمَّ فإن الخلوص إلى مسمى يناسب أسلوب الكتابة الجديدة التي ذكرها المعاصرون هو المطلوب.
ولا يُظنُّ أن الاختلاف لفظي ، وأنه لا مشاحة في الاصطلاح ، لا يظن ذلك ؛ لأنه يُفهم من مصطلح (التفسير الموضوعي) أن من يسلكه ، فإنه قد أتى بجديد من المعاني ، وهو ليس كذلك ، فليس هناك معنى كان خافيًا ، فأُدرك بالتفسير الموضوعي ، وذلك واضح من اعتماد من اعتمد هذا النوع على تفاسير العلماء السابقين ، وصدوره عنها ، مما يدل على أنه لا يأتي بجديد في تفسير المعاني ، وإنما جديده في الفوائد والاستنباطات والاستنتاجات وجمع الآيات المتناظرات للموضوعات المختلفات .
وكذا الحال في (التفسير الإجمالي) ، فإنه من حيث إيجاد جديد من المعاني لا يلزم استخدام (التفسير الإجمالي) ، وإنما الحال في استخدام العبارات واختيارها .
وأما (التفسير المقارن) فإنه ينتج عن سلوكه اختيار تفسير من التفاسير المختلفة ، فهو في الحقيقة ( طريقة اختيار تفسير ) ، ولا يصلح أن تسمى طريقة اختيار التفسير تفسيرًا ، فالطريقة للوصول إلى المعنى الراجح هي المقارنة ( الموازنة ) بين الأقوال المختلفة في التفسير بناءً على القواعد العلمية ، وكما تلاحظ لا يكون ذلك إلا في حال اختلاف المفسرين .
وأما (التفسير التحليلي) فيدخله كثير من المعلومات التي هي خارجة عن حدِّ التفسير كما لا يخفى على الناظر في كتب التفسير .
والمقصود أن الوصول إلى معاني الآيات لا يلزم باستخدام نوع من هذه الأنواع دون نوع ، بل الحال أن إدراك التفسير له طريقه المعروف ، وسواء أكتبت بأسلوب التحليل أم الإجمال أم الموضوع أم المقارن ، فالحال واحدة .
وبما أنني قد أشرت إلى إضافات أخرى فأرى أن من تمام الموضوع التنبيه عليها ، فأقول:
لقد ظهرت إضافة التفسير إلى غير هذه الأربعة ، منها : التفسير الأدبي ، والتفسير الاجتماعي ، والتفسير البياني ... الخ .
وهذه الإضافات كسابقاتها الأربعة ، ليس فيها جديد من جهة التفسير الذي هو بيان المعنى ، وقد تأملتها ووجدتها لا تخرج عن الآتي :
الأول : أن يكون الأمر متعلقًا بأسلوب الكتابة الذي اعتمده المؤلف ؛ كالتفسير الأدبي ، إنما هو بالنظر إلى الأسلوب الكتابي الذي انتهجه المؤلف ، مع ملاحظة قلة الكتب التي يمكن أن تُدرج في هذا الأسلوب الكتابي .
ومما يُمثَّل به للتفسير الأدبي كتاب ( في ظلال القرآن ) للأستاذ سيد قطب .
والجديد في هذا الكتاب من جهتين :
الجهة الأولى : الأسلوب الكتابي الذي انتهجه المؤلف وكتابه ، إذ كتبه بلغة أدبية راقية.
الجهة الثانية : اتجاهه نحو تطبيق الآيات على واقع الحياة التي عاشها سيد ، وتصوراته للطريقة المثلى للعيش مع القرآن الكريم ، وكيفية إنشاء المجتمع المسلم من خلال القرآن ... الخ من الأفكار التي طرحها سيد ، وهي تأتي بعد فهم المعنى وبيانه الذي هو التفسير .
الثاني : أن يكون الأمر متعلقًا بالاتجاه العلمي أو الفكري أو العقدي أو المذهبي أو ما سوى ذلك من الاتجاهات التي تؤثر على معلومات المفسر خلال كتابته للتفسير ، كالاتجاه الاجتماعي في ( تفسير المنار ) ، فهو قصد أن يقدم دراسات اجتماعية من خلال تفسيره للقرآن ، لذا نقد سلوكيات المجتمع الإسلامي ، واجتهد في بيان الأسلوب الأمثل في الرقي بالأمة الإسلامية ، وكل هذا إنما يأتي بعد التفسير ، وليس فيه إضافة على معاني القرآن ، وإنما فيه إضافات استنباطية وربط الواقع الاجتماعي (السلبي أو الإيجابي) بالآيات .
فإن قلت : أليس يُطلق مثل هذه المصطلحات ؛ كالتفسير النبوي ، والتفسير اللغوي ، فهل شانها كشأن الأوليات ؟
والجواب : لا .
والسبب أن الإضافة إلى ما يكون من باب البيان تخصيص لجزء من المعنى العام ( التفسير ) بالمصدر الذي يكون فيه بيان ( كالتفسير النبوي ) ، أي : التفسير الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
لكن لو قلت : التفسير الأدبي ، فإن الأدب ليس مصدرًا يتبين به كلام الله كما هو الحال في التفسير النبوي أو التفسير اللغوي اللذين يكون بهما بيان لكلام الله ، ومعنى هذا أن إضافة لفظة ( التفسير ) إلى مصدر من مصادره ليست كإضافته إلى طريقة التأليف أو طريقة الكتابة ، فتلك لا يصلح فيها مثل هذه الإضافة .
وقس على ذلك غيرها مما يضاف إليه التفسير من المصطلحات .
وخلاصة القول : إن التفسير علم قائم بذاته ، وله معالمه المحدودة ، وله تعريفه الواضح ، وليس كل ما كُتب تحت اسم التفسير يكون من التفسير ، ولا كل ما أضيف إلى التفسير يكون منه ، ولا كل ما في كتب التفسير يكون منه أيضًا .
وإذا كان ذلك صحيحًا ، فإن على من يقسم التفسير إلى هذه الاعتبارات أن يحرر مراده بالتفسير ، ثم يثبت صلة هذه المضافات إليه به .
وفي نظري أن استخدام مصطلح الأسلوب ، والاتجاه وأمثالها يرفع المشكل ، ويكون الأمر منضبطًا بإذن الله .
فإذا كان النظر إلى الأسلوب الكتابي قيل : الأسلوب الأدبي مثلاً .
وإذا كان النظر إلى المعلومات التي حشدها المفسر في كتابه ، وأضافها على التفسير ، قيل : الاتجاه النحوي مثلاً ، الاتجاه الفقهي ، الاتجاه الاجتماعي ... الخ .
وخلاصة القول : إننا في التخصص العلمي بحاجة إلى تحرير المصطلحات ، وأن لا تضيق صدورنا بالنقد والتحليل والتقويم ، وأن يكون القصد الوصول إلى الحق ، ولا مانع من الاختلاف مع حسن الأدب ، فالاختلاف لا يفسد للود قضية ، وما ذكرته هاهنا هو خلاصة ما أراه في هذه المصطلحات ، فإن كان من حقي أن أقول ما أراه صوابًا ، فإني أعرف أنه ليس من قدرتي ـ فضلا عن أن يكون من حقي ـ أن أقنعك بما أقول ، والله الموفق .