مشكلات التأويل

إنضم
08/02/2009
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
إن النص القرآني إذا كان سهل التناول ميسّر للذكر واضح البيان من جهة فهو بعيد الغور شديد العمق من جهة أخرى، ولهذا فإن طريق العلم بهذا النص هو التدبر وإعمال العقل وتقليب الفكر والنظر ؛ ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه : "لا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه" وهذا العمق إنما هو صفة لازمة لهذا النص العظيم ؛ إذ أن العقل كلما ازداد فيه تفكراً انفتح له من الآفاق ما لم يكن منفتحا وانقدح له من العلوم -حسب أهليته وقدرته على الفهم - ما لم يكن منقدحا ؛ وإنما تتفتق المعاني وتتكشف الحقائق على قدر القرائح والفهوم؛ ولهذا كان التفسير- كما قال ابن عباس - على أربعة أوجه:
- وجه لا يعذر أحد بجهالته
- وجه تعرفه العرب من كلامها
- وجه يعلمه العلماء
- وجه لا يعلمه إلا الله
وليس ذلك فحسب بل إن للقرآن العظيم - عند تدبره- وجوها كثيرة ومعاني متعددة كما ورد عن كثير من سلف هذه الأمة وعلمائها ؛ يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : "لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها" وقد روي أن عليا كرم الله وجهه قد أرسل ابن عباس لمخاصمة الخوارج ، وأمره آن لا يخاصمهم بالقرآن ؛ فقال ابن عباس : أنا أعلم بكتاب الله منهم ؛ في بيوتنا نزل ؛ فقال علي : "صدقت ، ولكنّ القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ، ولكن خاصمهم بالسنن ؛ فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً" ، فخرج ابن عباس إليهم فخاصمهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة ، وأخرج الدارمي أن عمر بن الخطاب قال : "إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن ؛ فخذوهم بالسنن ؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله " ولما كان الأمر على الوجه الذي ذكر - فقد وقع الاختلاف في تأويل القرآن ، وانقسم الذين اختلفوا إلى فريقين :
1- الفريق الأول وهم :الذين اعتقدوا معاني أرادوا حمل القرآن عليها ولم ينظروا إلى ما يستحقه النص من الدلالة والبيان ؛ فكان تأويلهم بذلك تحريفاً ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : "اتبعوا هذا القرآن ولا يتبعنكم القرآن ؛ فإن من تبع القرآن يهبط به في رياض الجنة ، ومن اتبعه القرآن يزخ على قفاه فيقذفه في جهنم"
2- الفريق الثاني وهم : الذين اختلفوا بحسب اختلاف طرق الاستدلال ، ومعلوم أن هذا النوع من الاختلاف قد وقع بين السلف والصحابة أنفسهم ؛ إلا أنه – كما يقول ابن تيمية – كان اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
مفهوم التأويل:-
التأويل في اللغة هو التفسير وهو المرجع والمصير ، وآل إلى كذا : صار إليه ؛ ومنه قول الأعشى :
على أنها كانت تؤول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا
أي: أن حبها كان صغيرا في قلبه ؛ فلم يزل يكبر حتى عظم أمره كهذا السقب الذي مازال يشب حتى صار كبيراً كأمه ؛ وصار له ابن يصحبه .ويقول الشوكاني "التأويل رجوع الشيء إلى مآله " وقد ورد لفظ "التأويل" في عدة مواضع من كتاب الله تعالى ؛ ومن ذلك قوله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" أي : وأحسن مرجعا ؛ يقول الإمام الطبري "وأحسن تأويلا ؛ يعني : وأحمد موئلا ومغبة وأجمل عاقبة ...... وهو من قولهم آل هذا الأمر إلى كذا أي : رجع" ، ومنه قوله تعالى: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " أي: وأحسن عاقبة ، ومنه أيضا قوله : "هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ .......... "أي يوم تبدو عواقبه ، ومنه أيضاً قوله : "بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ"أي حقيقة ما وعدوا به ، ومنه قوله : " وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين " أي : تفسيرها ، ومنه أيضاَ قوله "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رؤياي مِن قَبْلُ " أي : تحقيقها ، ومنه قوله: " قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا " أي : سأخبرك بعاقبة أفعالي ، ومنه أيضاً قوله : " هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ " أي : تحريفه على ما يريدون.
ومن هنا يتبين أن معنى التأويل في القرآن : هو المرجع والعاقبة أو التحقيق أو التفسير أو التحريف ، وقد ذهب ابن كثير إلى أن التأويل يراد به في القرآن معنيان عامان :
أحدهما : التأويل بمعنى حقيقة الشيء
ثانيهما :التأويل بمعنى التفسير والبيان والتعبير عن الشيء
ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن التأويل هو أحد قسمي التفسير، وهو الرجوع عن ظاهر اللفظ ؛ فالتأويل خاص والتفسير عام، وكل تأويل تفسير وليس كل تفسير تأويل ، وذهب ابن منظور إلى أن : " المراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ" ، وقال ابن رشد : " التأويل هو : إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية ؛ من غير أن يخلّ ذلك بعادة لسان العرب في التحوّز" . والملاحظ أن ابن رشد قد حصر التأويل في الجانب المجازي دون غيره ؛ إلا أن المجاز- وإن كان من أظهر الضروب التي تحتاج إلى التأويل - فهو لا يقتصر عليه دون سواه ؛ بل هناك من الأساليب التي تحتاج إلى التأويل وليس فيها من مجاز أصلاً ؛ إذ إن الأسلوب الذي يكون فيه التأويل هو الذي يحتمل أوجهاً متعددة من المعنى
أنواع التأويل:-
يتبين من خلال التأمل في الآيات السابقة - التي ورد فيها لفظ "التأويل" - أن التأويل منه: ما هو ممنوع وهو الذي يكون في المتشابهات ، ومنه : ما هو جائز وهو الذي يكون في غير ذلك ؛ أما الجائز فقد يكون صحيحاً إذا كان وفق الضوابط والأدلة ، وقد يكون باطلاً إذا كان وفق هوى المستدل ، ومن هنا يتضح أن هنالك مواضع يجوز فيها التأويل ومواضع لا يجوز ، أما المواضع التي يجوز فيها التأويل فإما أن يكون الاستدلال فيها صحيحا أو لا يكون، ويبدو من ذلك أن أغراض المؤولين تختلف ونواياهم تتباين ؛ فقد يهدف المؤول إلى إثارة الفتنة بين الناس وقد يحاول تثبيت رأيه الفاسد بأدلة الكتاب والسنة ، وفي هذين النوعين من الخطورة ما لا يخفى ، أما النوع الثالث فهو الذي ليس لصاحبه من غرض غير معرفة مراد الله . وفي هذه النصوص التي يكون فيها التأويل صحيحاً يكون فيها من الأدلة والضوابط ما يستوجب صرف المعنى عن ظاهره ، وهذه الأقسام المتنوعة للتأويل تفصيلها كالآتي :-
أ – تأويل الآيات المتشابهة :-
اختلف العلماء في المتشابه من القرآن اختلافاً كبيراً ؛ إذ قيل :إن المتشابه هو المجمل ، والمحكم هو المفصل ، وقيل : هو الحروف المقطعة في أوائل السور، وقيل : هو الحلال والحرام ، وقيل غير ذلك ، وذهب بعضهم إلى أن القرآن كله متشابه ؛ لقوله تعالى : "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا" وقال آخرون : القرآن كله محكم؛ لقوله تعالى : "كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ" وهذه الأقوال جميعها فيها نظر ؛ وذلك للأسباب الآتية :-
1- لا يمكن أن يكون المتشابه هو المجمل ، والمحكم هو المفصل ؛ لأن المتشابه المذكور في الآية يمتنع طلب الاجتهاد فيه ، أما المجمل فمطلوب النظر والاجتهاد فيه.
2- لا يمكن أن يكون المتشابه هو الحروف المقطعة التي في أوائل السور ؛ وذلك لأن طلب المعنى فيها لا يثير الفتنة ابتداء ، ثم إن علماء الإسلام قد فسروا هذه الحروف وخرجوا بمعان معقولة ومقبولة
3- استدل من قال : إن المتشابه هو الحلال والحرام بقوله "" : " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس " ويذهب ابن حزم إلى أن ذلك : " دعوى من قائله لا برهان على صحته" وقد ساق ابن حزم أدلة على تفنيد ذلك
4- إذا كان بعض العلماء قد استدلوا على كون القرآن كله متشابه لقوله تعالى : "كِتَابًا مُّتَشَابِهًا" فالمقصود هو أنه متشابه ؛ بحيث أنه يشبه بعضه بعضاً؛ ومنه قوله تعالى : "وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً" أما من استدل بقوله تعالى : "أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ" على أنه كله محكم ؛ فالمقصود بالإحكام هنا : إحكام الرصف و النظم أو المنع من الفساد ، ولو كان هذا الأمر صحيحاً لكان المتشابه نفسه محكماً أو المحكم نفسه متشابهاً ، ولم يكن لهذا التقسيم من معنى . والاشتباه المقصود في الآية هو: الاختلاط والالتباس ؛ ومنه قوله تعالى - على لسان بني إسرائيل - : "إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا" أي: اختلط .
وقد ذهب صاحب روضة الناظر إلى أن : " الصحيح أن المتشابه : ما ورد في صفات الله سبحانه مما يجب الإيمان به ويحرم التعرض لتأويله ... فهذا اتفق السلف رحمهم الله على الإقرار به وإمراره على وجهه ... فإن قيل كيف يخاطب الله الخلق بما لا يعرفونه أم كيف ينزل على رسوله ما لا يطلع على تأويله؟ قلنا : يجوز أن يكلفهم بالإيمان بما لا يطلعون على تأويله ليختبر طاعتهم كما قال تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وكما قال : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس "
ب-التأويل الجائز :
التأويل الجائز هو في مقابل التأويل الممنوع ، ويرتبط الجواز والمنع بالمواضع ؛ إذ يتعلق الممنوع بالآيات المتشابهة التي يفضي تأويلها إلى إثارة الفتنة ، أما التأويل الجائز فهو بخلاف ذلك ، وهذا النوع الأخير له قسمان أيضاً ؛ هما :
1-التأويل الصحيح :-
هذا التأويل من شأن صاحبه محاولة معرفة مراد الله تعالى دون أن يكون له هوى أو غرض آخر ؛ ولذلك فهو يهتم بالقرائن والضوابط والأدلة ؛ فإذا حتم ذلك التأويل وكان المعنى لا يستقيم بغير ذلك مال إليه ؛ وإلا فهو لا يؤول ما لا يقبل التأويل ولا يقول بالمجاز في المواضع التي لا تحتمل المجاز ، ولا يصرف المعنى عن ظاهره إذا كانت الدلائل تشير إلى أن المعنى الظاهر هو المقصود، وإذا كان المؤول يتغلغل وراء الظواهر والألفاظ مستخرجاً منها المعاني الحسان والدقائق الفريدة فهذا وجه مطلوب لا يهتدي إليه إلا من آتاه الله بصيرة ثاقبة وعقلاً لماحاً وطبعاً صحيحاً وفهماً عالياً وإدراكاً متميزاً ، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن العباس - وهو حبر الأمة- بقوله: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "
2- التأويل الباطل :-
التأويل الباطل بخلاف التأويل الصحيح ، إذ يكون فيه لي أعناق النصوص حتى توافق غرض المستدل بها ، وهنا يلوح للمستدل معنى ما كان ليلوح له لولا الغرض والهوى ، أو قد لا يكون للمستدل غرض أو هوى ، ولكنه يخطئ في إدراك المعنى لأمر توهمه ولم تنهض الأدلة أبداً لإثباته أو تعضيده ؛ ولهذا قال ابن حنبل : " أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس"

والحق أن ظاهرة المجاز التي هي من أكبر الظواهر التي يدخل بها التأويل ، وهي ظاهرة أسلوبية فنية عالية يذهب بذهابها شطر الحسن من الكلام كما ذكر بعض العلماء - قد نظر علماء الإسلام إليها من وجهتين :
- كونها سمة جمالية جرى عليها كلام العرب ووقعت في القرآن والسنة ؛ يقول الشوكاني: " المجاز واقع في لغة العرب عند جمهور العلماء ... ووقوعه في اللغة أشهر من نار على علم وأوضح من شمس النهار ..." ولهذا لا يمكن إدراك المعاني المقصودة دون فهمها ومراعاتها ، إذ يكون للكلام معنى ويكون لهذا المعنى معنى آخر؛ ومن هنا كان قبولها ، ولذلك لم يرفض هذه الظاهرة في هذا الإطار حتى أولئك العلماء الذين تشددوا فيها كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن حزم الظاهري كما سيأتي.
- كونها سمة لها خطورتها على مستوى اللغة والفكر والدين والعقيدة ؛ حيث يمكن أن يقول كل من شاء - استناداً عليها ـ ما شاء ؛ مستدلاً بالقرآن مؤولا ً له تأويلات بعيدة ومن هنا كان التشدد فيها .
 
التأويل والفلسفة :-
كان الفلاسفة اليونانيون – على كثرة فرقهم - ثلاثة أقسام : وهم الدهريون الذين جحدوا الصانع المدبر وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً ، والقسم الثاني : هم الطبيعيون الذين بحثوا في عالم الطبيعة وعجائب الحيوان ، والقسم الثالث : هم الإلهيون ؛ مثل : سقراط وأفلاطون وأرسطو، وقد رد الإلهيون - وهم المتأخرون من الفلاسفة- على الصنفين الأوائل وكشفوا فضائحهم ، ثم رد الإلهيون أنفسهم على بعضهم إذ " رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبلهم من الإلهيين رداً لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم " ورغم كل ذلك فإن كلام هؤلاء الفلاسفة المتأخرين في الإلهيات قليل ، وفيه من الاضطراب والتناقض ما فيه
وقد دخلت الفلسفة إلى ديار المسلمين في خلافة بني العباس ، وقد كان ابن المقفع الأديب المشهور هو أول من قام بالترجمة في ذلك ثم تبعه حنين بن إسحاق وأبو عثمان الدمشقي ويوحنا البطريق وابن الناعمة الحمصي، ثم أخذ الاهتمام بالفلسفة يزداد يوماً بعد يوم في الملة الإسلامية فدخلت في المذاهب الكلامية ، ومن الملاحظ أن المعتزلة والإسماعلية وكل الذين توسعوا في المجاز أو قالوا بأن الحقائق الواردة في النصوص القرآنية أو الحديثية هي رموز وإشارات قد كان لهم ارتباط وثيق بالفلسفة ؛ يقول ابن سينا : " كان أبي وأخي من أهل دعوتهم " أي الإسماعيلية" ولهذا اشتغلت بالفلسفة " ومن الملاحظ أيضاً أن الفلاسفة المسلمين قد أنكروا بعض الصفات الإلهية كما أنكرتها المعتزلة والجهمية ؛ يقول ابن تيمية : " المتفلسفة حقيقة أمرهم أنهم يؤمنون ببعض الصفات ويكفرون ببعض"
والحق أن فلاسفة المسلمين قد حاولوا بعقولهم المجردة معرفة صفات الله تعالى ؛ فأدى ذلك بهم إلى التعطيل وتكليف العقل من الأمور ما لا طاقة له به ؛ يقول سيد قطب : " لما أراد بعض المتفلسفة متأثرين بأصداء الفلسفة الإغريقية - على وجه خاص- أن يتطاولوا إلى ذلك المرتقى باءوا بالتعقيد والتخليط كما باء أساتذتهم الإغريق ، فدسوا في التفكير الإسلامي ما ليس من طبيعته وفي التصور الإسلامي ما ليس من حقيقته ؛ وذلك هو المصير المحتوم لكل محاولة للعقل البشري وراء مجاله وفوق طبيعة خلقه وتكوينه"
وقد خاص فلاسفة المسلمين في الإلهيات بمنهجهم العقلي ؛ فأفضى ذلك بهم إلى أمور كفرهم فيها الإمام الغزالي في كتابه " تهافت الفلاسفة " وقد ذهب هولاء الفلاسفة إلى أن ما جاء في القرآن من تصوير الحشر وأحوال المعاد إنما هو تخييل للعامة وتقريب للجمهور ؛ وهذا تأويل بعيد ؛ ولهذا يقول ابن تيمية إن الفلاسفة قد ذهبوا إلى " أن الرسل تكذب لمصلحة العالم ، وإذا حسنوا العبارة قالوا : إنهم يخيلون الحقائق في أمثال خيالية ، وقالوا خاصة النبوة تخييل الحقائق للمخاطبين ، وأنه لا يمكن مخاطبة الجمهور إلا بهذا الطريق ، كما يزعم الفارابي"
وقد أفرد ابن رشد للتأويل فصلاً في كتابه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ، وقد حاول في هذا الكتاب التوفيق بين الشرع والفلسفة ؛ فدافع عن الفلاسفة دفاعاً شديداً ؛ بل رد على الغزالي في هذا الكتاب وفي كتابه " تهافت التهافت" وذكر أنه لا يمكن التكفير في التأويل ؛ يقول : " لم يجب التكفير بخرق الإجماع في التأويل ، إذ لا يتصور في ذلك إجماع" وذهب إلى أنه إذا كان الفقهاء يؤولون فصاحب البرهان أحق منهم في ذلك ، يقول : " إن كان الفقيه يفعل ذلك في كثير من الأحكام الشرعية فكم بالحري أن يفعل ذلك صاحب البرهان ، فإن الفقيه إنما عنده قياس ظني والعارف عنده قياس يقيني" وليس ذلك فحسب بل يذهب ابن رشد إلى أن ما ناقض البرهان من الأمور الشرعية فإنه يجب تأويله يقول : " كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فإن ذلك الظاهر يقبل التأويل .... وهذه القضية لا يشك فيها مسلم ولا يرتاب مؤمن"
 
التأويل ومبدأ اللغة:-
اختلف العلماء المسلمون اختلافاً كبيراً في كون اللغة توقيف ووحي وإلهام أم اصطلاح ومواضعة ؟ ولعل هولاء العلماء ما اختلفوا في هذه القضية إلا لكونها شديدة الارتباط بقضية المجاز والتأويل وقد ذكر الإمام السيوطي ذلك صراحة ؛ إذ يقول إن فائدة البحث في قضية مبدأ اللغات هذه : "النظر في جواز قلب اللغة، فحكى عن بعض القائلين بالتوقيف منع ذلك مطلقاً، فلا يجوز تسمية الفرس ثوباً والثوب فرساً ؛ وعن القائلين بالاصطلاح تجويزها ".ومعلوم أنه يلزم من القول بكون اللغة اصطلاح ومواضعة – جواز النقل؛ فأهل اللغة قد سموا الفرس فرساً مع إمكان أن يسموه حجراً أو إنساناً أو رأساً أو مبرداً أو غير ذلك ، كما يلزم عنه أنه ليست لغة قوم بعينهم بأولى في الاحتجاج من لغة قوم آخرين ؛ إذ أن اللغة اختراع وتواضع واصطلاح ، فإذا ثبت بأن قوماً قد اخترعوا ألفاظاً فليسوا هم بأحق في ذلك من غيرهم ، وهذا المذهب قد قال به المعتزلة المتوسعون في المجاز والتأويل ، وذهب ابن جني – وهو من المعتزلة- إلى أن أصل اللغات إنما هو من أصوات المسموعات الطبيعية. ولا يتوسع ابن جني في المجاز فحسب ، بل يزعم أن اللغة كلها أو أكثرها مجاز لا حقيقة يقول ابن جني في ذلك : " اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة ، ألا ترى أن نحو قام زيد معناه : كان منه القيام ، أي هذا الجنس من الفعل ، ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام ، والجنس يطلق على جميع الماضي وجميع الحاضر وجميع الآتي من الكائنات من كل من وجد منه القيام " ويرد ضياء الدين ابن الأثير على كل من قال أن اللغة كلها مجاز أو من قال كلها حقيقة، يقول : " وذهب قوم إلى أن اللغة كلها مجاز ، وذهب آخرون إلى أنها كلها حقيقة ، وكلا هذين المذهبين فاسد عندي "
وقد تمسك المعتزلة بقضية الاصطلاح والتواضع ؛ لأن القول بذلك يفضي إلى التوسع والتأويل والمجاز الذي يتمكنون به من تسويغ ما يخالف ظاهر القرآن من اعتقاداتهم وأفكارهم ومبادئهم ؛ ولهذا ربط الإمام السيوطي بين القول بالاصطلاح والفكر الاعتزالي ؛ يقول : " قال ابن جني – وكان هو وشيخه أبو على الفارسي معتزليين- : وهذا موضع محوج إلى فضل تأمل ، غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي توقيف" ويقول أيضاً "ذهب المعتزلة إلى أن اللغات بأسرها تثبت اصطلاحاً" وقد تنبه العلماء إلى خطورة القول بالاصطلاح والتوسع في نفل دلالات اللغة بالتجوز ، إذ أن قلب اللفظ يؤدي إلى مزالق في غاية الخطورة ، يقول المازري : " هذا كله يؤدي قلبه إلى فساد النظام وتغييره واختلاف الأحكام"
 
التأويل والأدب:
ارتبطت قضية التأويل ارتباطاً وثيقاً بما ظهر من تجديد في الشعر العربي في القرن الثالث الهجري ، إذ ظهرت المباعدة بين الطرفين في التشبيهات والغرابة في المجازات والاستعارات ، وكانت هذه الألوان تعدّ فيما سمي بالبديع الذي يدل لغوياً على الحداثة والتجديد- خلافاً للتقسيم البلاغي المتأخر - وبذلك خالف الشعراء المحدثون والمولدون طريقة العرب القدماء في التعبير ، ولهذا قامت المعركة الشهيرة بين أنصار القديم وأنصار الحديث ، وقد كان موقف أنصار القديم مبنياً على المحافظة على المعيار العربي الأصيل الذي جرى عليه أسلوب القرآن الذي مثّل القمة الشماء التي لا تدرك في البلاغة والإعجاز ، ولهذا رفض كثير من البلاغيين والنقاد أن تكون هذه المعايير الجديدة مقياساً للإجادة ومعياراً للاستحسان لما فيها من تكلف بيّن؛ يقول الرازي : " فصاحة القرآن ليس لأجل هذه التكلفات ؛ بل لقوة المعاني وجزالة الألفاظ"
ولما كانت المباعدة بين الطرفين في التشبيه والمجاز والاستعارة من شأنها أن تشكل في التعبير غموضاً وتجعل في الأسلوب من التعقيد ما لا يتضح معه المعنى – فقد شكا كثير من البلاغيين والنقاد العرب من فرط شغف المحدثين بالبديع الذي يصيب الكلام بالغموض حتى لينسى الأديب أو الشاعر أنه يتكلم ليفهم ويقول ليبين، وقيل أن أعرابياً - تعوّد على الكلام العربي الواضح - قال لأبي تمام : " لم لا تقول من الشعر ما يفهم؟"فرد عليه أبو تمام : " وأنت لم لا تفهم من الشعر ما يقال؟".
ولئن كان أبو تمام هو أشهر شعراء المحدثين الذين كلفوا بالبديع فخرجوا عن الطريقة العربية المألوفة ؛ فهو ليس من ابتدع هذه الطريقة ، وإنما اختط هذه الطريقة مسلم بن الوليد؛ إلا أبا تمام مثّل مركزاً قائماً برأسه فيها ومن النماذج التي ذهب فيها أبو تمام مذهباً بعيداً قوله:
فضربت الشتـــاء في أخدعـيـه ضربة غادرته عوداً ركــوبا
فجعل للشتاء أخدعين يضرب فيهما
وقوله:
لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي
فجعل للملام ماء
وقد روي : أن أحد المجان أرسل إلى أبي تمام قارورة فقال : "ابعث إليّ في هذه شيئاً من ماء الملام" فأرسل إليه أبو تمام قائلاً : "إذا بعثت إليّ بريشة من جناح الذل بعثت إليك شيئاً من ماء الملام " وقد رد ابن الأثير على مقارنة أبي تمام لبيته العجيب بالآية الكريمة
ولما كانت طريقة المحدثين والمولدين ليست طريقة العرب الأوائل الذي يستشهد بأقوالهم على معاني القرآن والسنة - فقد رفض أهل اللغة الاستشهاد بأقوال المحدثين والمولدين ، إلا أن المعتزلة من علماء اللغة قد أجازوا ذلك ؛ بل واستشهدوا بذلك أيضاً والحق أن الاستعارات والمجازات قد وقعت للعرب الأوائل الذين يستشهد بكلامهم ، لكن طريقتهم التي تأتت بالسليقة والطيع الجيد والتي قامت على المقاربة بين الطرفين في التشبيه والمجاز وخلت من التعسف والتكلف - غير طريقة المحدثين والمولدين
يقول صاحب خزانة الأدب : " من كلام العرب استنبط كل فن ؛ فإنهم ولاة هذا الشأن ، لكنهم كانوا يؤثرون عدم التكلف ، ولا يرتكبون من فنون البديع إلا ما خلا من التعسف" ، ويقول الجاحظ : " ولم أجد في خطب السلف الصالح ولا الأعراب الأقحاح ألفاظاً مسخوطة ، ولا معان مدخولة ، ولا طبعاً رديئاً ، ولا قولاً مستكرهاً ، وأكثر ما نجد ذلك في خطب المولدين ومن البلديين المتكلفين ومن أهل الصناعة المتأدبين ، سواء كان ذلك منهم على جهة الارتجال والاقتضاب أو كان من نتاج التحبير والتفكير " ، ويقول القاضي عبد العزيز الجرجاني - عن أبي تمام - : " إنه تعسف ما أمكن وتغلغل في التصعّب كيف قدر ، ولم يرض بذلك حتى أضاف إليه طلب البديع فتحمله من كل وجه ، وتوصل إليه بكل سبب ، ولم يرض بهاتين الخلتين حتى اجتلب المعاني الغامضة وقصد الأغراض الخفية ؛ فاحتمل بها كل غث ثقيل وأرصد لها الأفكار بكل سبيل ؛ فصار هذا الجنس من شعره إذا قرع السمع لم يصل إلى القلب إلا بعد إتعاب الفكر وكدّ الخاطر ؛ فإن ظفر به فذلك من بعد العناء والمشقة وحين حسره الإعياء وأوهن قوته الكلال ، وتلك حال لا تهش بها النفس للاستماع بحسن والاستلذاذ بمستطرف " القاضي ويقول عنه أيضاً : " وللنفس عن التصنع نفرة ، ومن مفارقة الطبع قلة الحلاوة وذهاب الرونق وإخلاق الديباجة ، وربما كان ذلك سبباً لطمس المحاسن كالذي نجدهـ كثيراً في شعر أبي تمام"
 
التأويل والبلاغة :-
اهتم البلاغيون بالمجاز اهتماماً خاصاً وأفردوا له علماً كاملاً من علومهم الثلاثة ، وهو علم البيان ؛ يقول ابن الأثير - عن المجاز - : " هذا الفصل مهم كبير من مهمات علم البيان ؛ بل هو علم البيان بأجمعه" ولما كان الأمر كذلك فقد وضع البلاغيون لهذا العلم أصوله وقواعده حسب رؤاهم ؛ وليس ذلك فحسب بل ردوا على بعض الأصوليين الذين توسعوا فيه، وذلك نحو رد ضياء الدين بن الأثير على الإمام الغزالي كما سيأتي.
ويقال إن أول من تناول قضية المجاز أبو عبيدة بن المثنى ؛ وذلك أنه قد أرسل إليه الفضل بن الربيع من البصرة ؛ فلما قدم سأله أحد كتاب الفضل – وهو إبراهيم بن إسماعيل – عن قوله تعالى : " طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ" وقال : إنما يقع الوعد بما عرف مثله ؛ وهذا لم يعرف مثله ، فقال أبو عبيدة : إنما كلّم العرب على قدر كلامهم ؛ أما سمعت قوله امري القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل ، ويقول أبو عبيدة - معلقاً على هذه القصة - : " وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن في هذا و أشباهه ، وما يحتاج إليه من علمه ؛ فلما رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سميته المجاز" وهذه القصة التي أوردها التعالبي وياقوت الحموي فيها نظر ؛ وذلك لأسباب كثيرة منها أن المجاز لم يكن عند أبي عبيدة غير الشرح ولم يعن به هذا المصطلح المتأخر والحق أن أول من تناول المجاز - كما هو ثابت – عمرو بن بحر الجاحظ .
هذا وقد ظل المجاز محور اهتمام البلاغيين فيما بعد حتى أنه أفردت له المصنفات نحو مصنف الشريف الرضي وغبره ، إلا أن البلاغيين أنفسهم قد اختلفوا في حدود هذا المجاز ، فمنهم من ضيق ، ومنهم من وسع كالإمام الرازي الذي جعل للمجاز اثني عشر وجهاً ؛ بعضها مقبول لا غبار عليه ؛ وبعضها غير مقبول ؛ مثل : التجوز بالمضادة كتسمية السيئة جزاء ، والتحوز بالعرف ، والتجوز بالزيادة والنقصان
وقد ردّ ابن الأثير على من زعم أن في القرآن لفظاً زائداً رداً شديداً ؛ يقول : " إذا كانت " أي الزيادة" دالة ؛ فكيف يسوغ أن يقال أنها زائدة .. ولو كانت زائدة لكان ذلك قدحا في كلام الله تعالى ؛ وذلك أنه قد نطق بزيادة في كلامه لا حاجة إليها والمعنى يتم بدونها ؛ فحينئذ لا يكون معجزاً ؛ إذ من شرط الإعجاز عدم التطويل الذي لا حاجة إليه ، وأن التطويل عيب في الكلام فكيف يكون ما هو عيب في الكلام من باب الإعجاز ، هذا محال". والحق أن النحويين هم الذين يقولون بالزيادة ؛ إلا أنهم يقصدون الزيادة في التركيب ؛ لأنهم ينظرون إلى الإعراب وليس دقيق المعاني ؛ ولهذا يقول ابن الأثير : " وهذه رموز لا تؤخذ من النحاة ؛ لأنها ليست من شأنهم"
ومعلوم أن المجاز له حدوده وأبعاده التي لا يدخل فيها ما ليس منه ، وكما ذم البلاغيون من جعل ما ليس بمجاز مجازاً فقد ذموا أيضاً من أنكر المجاز على إطلاقه ؛ لأن ذلك مخالف لطبيعة اللسان العربي نفسه ؛ وقد سمى الإمام الطبري من أنكروا المجاز في مواضعه بذوي الجهالة والغباء والبلادة
ورغم أن البلاغيين قد ردوا على غيرهم وثبتوا للمجاز حدوده وقواعده ؛ إلا أننا يمكن أن ننظر إلى قواعدهم المشهورة تلك فنعرضها على أقوال أهل اللغة والمفسرين وغيرهم ونقوم بنقدها بناء على ذلك ؛ وتفصيل هذا كالنحو الآتي:-
أ/ المجاز المرسل : -
حدد البلاغيون للمجاز المرسل عدة علاقات منها الآتي:
1- المسببية حيث يطلق المسبب ويراد السبب ، ومن ذلك قوله : "وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا" إذ أطلق الرزق وأراد المطر ؛ يقول الإمام القرطبي - داعماً هذا المعنى - : " هو المطر بدليل قوله ‘ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا " ولم يشاهد ينزل من السماء على الخلق أطباق الخبز ولا جفان اللحم ؛ بل الأسباب أصل في وجود ذلك" وهذا المثال فيه نظر؛ إذ أن تسمية المطر رزقاً باعتبار أنه هو السبب فيه وليس هو - ليست أمرا مطردا ؛ لأن الرزق هو العطاء مطلقاً ؛ قال تعالى : "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ" والميراث المرزوق منه لا يكون - في الغالب - خبزاً أو لحماً .
2- المحلية حيث يطلق المحل ويراد الحال ؛ مثل قوله : "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ" وقوله : "فَلْيَدْعُ نَادِيَه" وإنما أراد أهل القرية وأهل النادي. وهذا المثال أيضا فيه نظر ، وللعلماء في ذلك أقوال مختلفة ؛ منها الآتي:
أ‌- ذهب بعضهم إلى المراد واسأل القرية نفسها ؛ يقول الإمام القرطبي : " قيل المعنى : واسأل القرية – وإن كانت جماداً – فأنت نبي الله وهو ينطق الجماد لك " ويرد ابن حزم على من قال ذلك بقوله: " بلى هو القادر على ما يشاء وكل ما يتشكل في الفكر ، ولكن كل مالم يأتنا به نص أنه خرق فيه ما تمت به كلماته من المعهودات فهو مكذب"
ب‌- ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية فيها حذف للمضاف وهو لفظ " أهل" وقد بالغ عبد القاهر الجرجاني في النكير على من أطلق المجاز على الحذف ، وقد اعترض الإمام القرطبي على مسالة الحذف في هذه الآية محتجاً بكلام سيبويه ؛ يقول الإمام القرطبي : " لا حاجة إلى إضمار " حذف" ؛ قال سيبويه : لا يجوز كلَّم هنداً وأنت تريد غلام هند"
ج- ذهب بعضهم إلى أن في الآية مجاز ؛ حيث أطلق المحل وأراد الحال فيه ؛ وهو أهله.
والحق أن هذه الأقوال جميعاً فيها نظر ؛ إذ لم يرد – عند الباحث- سؤال الجماد ، كما أن الآية ليس فيها من حذف ولا مجاز ، ومعلوم أن القرية لا تطلق على الأرض دون البشر ؛ وكذلك النادي ؛ إذ أن القرية مشتقة من قرَّ بالمكان ومنه الاستقرار ، أما النادي فيقول ابن منظور : " النادي لا يسمى نادياً حتى يكون فيه أهله ، وإن تفرقوا لم يكن نادياً " ويقول صاحب مختار الصحاح: " النادي مجلس القوم ومتحدثهم ، فإن تفرق القوم فليس بناد" وبذلك فإنه أراد القرية نفسها والنادي نفسه باعتبار أنهما بشر ثم أرض ، والحق أن قاعدة المجاز في إطلاق الجماد وإرادة البشر - إن صحت جدلا - فهي غير مطردة ؛ يقول ابن الأثير : "لا يصح ذلك إلا في بعض الجمادات دون بعض ؛ إذ المراد أهل القرية ممن يصح سؤالهم ، ولا يجوز اسأل الحجر أو التراب" ، ومعلوم أن الاطراد دليل صحة القاعدة فإن انتفى فليست بقاعدة .
3- الحاليّة حيث يطلق الحال ويراد المحل ، ومن ذلك قوله تعالى : "وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" وقوله : "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ" إذ أطلق الحال وهو الرحمة والنعيم وأراد الجنة. وهذا المثال أيضا فيه نظر ؛ إذ أن قوله تعالى : "فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ" معناه أنهم في رحمة الله بحيث لا يسخط عليهم أبداً، أما الحرف "في" الذي أوهم أنهم حالون في مكان ما ؛ هو الجنة – فيمكن أن يكون الرد عليه : أن التعبير القرآني قد يأتي بمثل هذه الحروف لإيصال معنى دقيق ؛ وقد جاء الحرف "في" في الأسلوب القرآني مع الأمور المعنوية كما في هذه الآية ، ومثل ذلك أيضاً قوله تعالى: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" فقد جاء بالحرف " على" مع الهدى وكأن المهتدي معتلياً دابة ينظر في الطريق الذي يسلكه فلا يضل - كما أشار الزمخشري ؛ أما الحرف " في" فقد صور الضلال وكأنه بئر مظلمة يغطي الظلام من وقع فيها من كل جانب ، وقد جاء الحرف " في" مع الرحمة للدلالة على الإسباغ بالرحمة والانغماس فيها بالكلية . ومثل ذلك قوله تعالى : "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ" فالنعيم أمر معنوي كالرحمة ولا يمكن حلوله في مكان هو الجنة ، ولو كان النعيم هو الجنة فهل قوله تعالى بعدها : "تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ"بمعنى نضرة الجنة ؛ ومعلوم أن ما يلقاه الأبرار في الآخرة هو أكبر وأحسن من الجنة ؛ قال تعالى : "وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" أي: أكبر من الجنة ومثله قوله تعالى : "لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" والحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه ربهم ، ولذلك تراه قرن بين النعيم البادي في الوجوه وبين رؤية الله تعالى في قوله "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ" فـ"النعيم"الأولى من الآية هي "النعيم"الثانية وليس هما بمتغايرتين ، وليس من الضرورة أن يكون النعيم والنعمة أمراً حسياً ؛ ومثال ذلك أيضاً قوله تعالى : "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً " فسمى التحبيب والتكريه فضلاً ونعمة ، ولهذا فإن النعيم الذي فيه الأبرار يمكن أن يشمل كل ما يناله الأبرار من تكريم ونظر إلى وجه ربهم ، وهذا الأخير هو أفضل شيء ينالوه على الإطلاق ؛ يقول الإمام الطبري : " يتجلى لهم تبارك وتعالى فيصغر عندهم كل شيء أعطوه ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يكشف الحجاب فيتجلى لهم ؛ فو الله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجهه "
4- الكلية حيث يطلق الكل ويراد الجزء ؛ نحو قوله تعالى : "يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم" إذ أطلق الأصبع كله وأراد جزءاً منه ؛ ويدعم هذا المعنى قول الشوكاني:" إطلاق الأصبع على بعضها مجاز مشهور ، والعلاقة الجزئية والكلية ؛ لأن الذي يجعل في الأذن إنما هو رأس الأصبع لا كلها " وهذا المثال أيضا فيه نظر؛ إذ أن مسألة إطلاق الكل وإرادة الجزء في الآية أمر معروف ومعتاد وشائع في اللغة ؛ فإذا قلت " ضرب زيد عمراً " لم يكن في ذلك مجاز ؛ وإن لم يضرب زيد عمراً كله وإنما ضرب رأسه أو صدره أو رجله أو غيرها . ولو صح ذلك لكانت اللغة كلها مجازا كما يقول ابن جني .
5- الجزئية حيث يطلق الجزء ويراد الكل ؛ نحو قوله تعالى "فَكُّ رَقَبَةٍ" إذ أطلق الرقبة وأراد الإنسان كله ، وهذا المثال أيضا فيه نظر ؛ إذ لو صح ذلك لسمي الحر رقبة أيضاً ؛ إذ له رقبة كما للعبد أيضاً ، ولا يمكن تخيّل الرقبة بمعزل عن بقية الجسم في إنسان سواء كان حرا أو عبدا ، ولكن هناك معنى دقيق شديد الأهمية ؛ وهو : أن الأمر لما كان مقتصراً على العبد دون الحر ؛ فهذا ذم للعبودية التي صورت في الآية وكأنها معاملة للحيوان المربوط من الرقبة ؛ ألا ترى أنه قرن الـ " فك" بالرقبة فيتخيل السامع - بإعتاق العبد - فك رقبة الحيوان المربوط وتحريره ، وهذا أقرب إلى الاستعارة منه إلى المجاز المرسل ، وهذا المعنى الأخير هو أبلغ في ذلك من مسألة الجزئية هذه.
6- المجاورة حيث يطلق الشيء ويراد ما يجاوره ؛ نحو قوله تعالى : "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ" إذ أطلق الثياب وأراد القلب ، وقيل أراد الجسم وقيل النفس وقيل الخلق وغيرها ، وهذا المثال أيضا فيه نظر ، ومعلوم أن طهارة الثياب أمر مطلوب في العبادة ، ثم أنه ليس هنالك من علاقة بين الثياب والجسوم أو القلوب ، أما ادعاء المجاورة فبعيد ؛ يقول ابن الأثير :" ليس بين الثياب والقلب وصف جامع ، ولو كان بينهما وصف جامع لكان التأويل صحيحاً" وقد بالغ ابن حزم الأندلسي النكير على من زعم المجاز في هذه الآية التي ليس فيها دليل عليه ؛ يقول : " وأعجب العجب أن هؤلاء القوم يأتون إلى الألفاظ اللغوية فينقلونها عن موضوعها بغير دليل ؛ فيقولون معنى قوله تعالى : وثيابك فطهر - ليس الثياب المعهودة وإنما هو القلب "
ب/ ً المجاز العقلي:
المجاز العقلي عند البلاغيين هو : إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس هو غير ما له بتأويل ، وقيل هو : الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم لضرب من التأويل ، وقد استغل المعتزلة هذا النوع من المجاز استغلالاً واسعاً في محاولة تأويل الآيات التي أسند فيها الفعل لله فخالفت أقوالهم في وجوب الصلاح والأصلح والعدل والتخيير وغيرها . وقد أنكر القزويني هذا النوع من المجاز وأوّل أمثلته بالاستعارة المكنية؛ يقول : " والذي عندي هو نظمه في سلك الاستعارة بالكناية" وقد حدد بعض البلاغيين للمجاز العقلي أشكالاً ؛ منها الآتي:
1- إطلاق اسم الفاعل وإرادة اسم المفعول ؛ وذلك نحو قوله تعالى:"مِن مَّاء دَافِقٍ" أي : مدفوق ، وقوله : "فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ" أي : مرضية ، وقوله : "لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ" أي : لا معصوم ، ومنه قول الحطيئة أيضاً:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي : المطعوم المكسو .
وهذه القاعدة فيها نظر ؛ إذ أن لفظ دافق وراض وعاصم ليس بمعنى مدفوق ومرضي ومعصوم عند أهل اللغة ، بل هي عندهم بمعنى ذو دفق وذو رضا وذو عصمة ؛ ومنه قولهم : فارس وتارس ودارع ونابل ورامح وشاحم ولاحم ؛ بمعنى : ذو فرس وذو ترس وذو درع وذو نبل وذو رمح وذو شحم وذو لحم ، وهذا مذهب سيبويه والزجاج ومنه أيضاً قول الحطيئة.
وغررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر
أي ذو لبن وذو تمر
أما قوله : " الطاعم الكاسي " فالمراد به السخرية بعكس الصفة ؛ ومنه قوله تعالى : "ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ" أي الذليل المهان ، ويقول الإمام الطبري : " لم يضطرنا شيء إلى أن نجعل عاصماً في معنى معصوم ، ومعنى ذلك لا منجى اليوم من عذابه ، وهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم " ويقول الإمام القرطبي في قوله : "لاَ عَاصِمَ "أي : " لا مانع منه ؛ فإنه يوم حق فيه العذاب على الكفار "
2-إطلاق اسم المفعول وإرادة اسم الفاعل ؛ نحو قوله تعالى : "جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا" أي : ساتراً . وهذه القاعدة أيضا فيها نظر ؛ إذ ذهب بعضهم إلى أنه : " لا يجوز أن يكون مفعول بمعنى فاعل كقوله : حجاباً مستوراً ؛ لأنه سماعي لا يجوز فيه القياس" وهذا دليل على أن هذه القاعدة غير مطردة ؛ إذ قصروها على هذه الآية ، ولكن هذه الآية نفسها - كما ذهب بعض العلماء - لا تجوز فيها هذه القاعدة أيضاً ؛ يقول الإمام الطبري راداً على من ادعى ذلك : " وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول - في قوله تعالى حِجَابًا مَّسْتُورًا - : حجاباً ساتراً ولكنه أخرج – وهو فاعل – في لفظ مفعول ... وكان غيره من أهل العربية يقول : معناه حجاباً مستوراً عن العباد فلا يرونه ، وهذا القول الثاني أظهر بمعنى : أن المستور هو الحجاب " وهذا المعنى أبلغ من ذلك الأول ، ومعلوم أن المجاز إذا لم تكن فيه زيادة فائدة لا يمال إليه.
 
أصول الفقه والتأويل :-
كانت دلالات الألفاظ والقواعد اللغوية في القرآن والسنة من المباحث التي دار حولها الأصوليون ، وما ذاك إلا لأن المعاني المستقاة من الألفاظ إنما هي مبتغى كل من أراد دراسة القرآن والسنة سواء كان من اللغويين أو البلاغيين أو المفسرين أو الأصوليين أو غيرهم ، وقد اهتم الأصوليون بالمجاز والتأويل وغيره من الأمور البلاغية الطابع ؛ ولذلك يقول السكاكي : " إن الأصول من العلوم التي تجتنى منها ثمرات البلاغة" ولأجل ذلك فلا غرو أن نجد - في مضمار المجاز - مناقشات شديدة الأهمية بين الأصوليين والبلاغيين ؛ ومن ذلك أن ضياء الدين بن الأثير عندما درس المجاز نظر فيما كتبه الأصوليون فأقرَّ بعضه ورفض الآخر؛ يقول : " وكنت اطلعت في كتاب من مصنفات الغزالي – رحمه الله- ألفه في أصول الفقه ، ووجدته قد ذكر الحقيقة والمجاز وقسم المجاز إلى أربعة عشر قسماً ... والتقسيم لا يصح في شيء من الأشياء إلا إذا اختص كل قسم من الأقسام بصفة لا يختص بها غيره ؛ وإلا كان التقسيم لغواً لا فائدة فيه ، وسأورد ما ذكره وأبين فساده" ولهذا رفض ابن الأثير كثيرا من أنواع المجاز عند الغزالي نحو تسمية الشيء باسم فرعه كتسمية الرطب تمراً ، وتسمية الشيء باسم أصله كتسمية الآدمي مضغة ، وتسمية الشيء باسم دواعيه كتسمية الاعتقاد قولاً ، وتسمية الشيء باسم مكانه كتسمية المطر سماء ، وتسمية الشيء باسم ضده كتسمية الأبيض والأسود جوناً ، و تسمية الشيء باسم فعله كتسمية الخمر سكراً ، وتسمية الشيء باسم حكمه كتسمية النكاح هبة ، وإدخال الزيادة والحذف في المجاز .
والحق أننا إذا تأملنا مصنفات الأصوليين نجد أن مفهوم المجاز متسع عندهم جداً ؛ وليس له حدود معينة معروفة كما هو عند البلاغيين ؛ ولذلك قد نجدهم أحياناً يعدون كل ما خرج عن مقتضى الظاهر مجازاً ؛ وبهذا يدخل المجاز - عندهم - في علم المعاني أيضاً ؛ ولهذا يوجد المجاز عندهم بصورة واضحة في أغراض الأمر والنهي والاستفهام وغيره ، وإذا كان الغزالي قد جعل علاقات المجاز أربع عشرة علاقة - فإن بعض الأصوليين قد جعلها خمسة وعشرين نوعاً ، وقد يبالغ بعضهم حتى يجعلها أربعين علاقة ، ولما كانت دراسة المجاز من أهم دراسات البلاغيين من جهة فإنها من جهة أخرى لم تكن أهم دراسات الأصوليين ، وإن اهتموا بها اهتماماً واضحاً ، ولهذا عذر ابن الأثير الإمام الغزالي باعتبار أنه ليس من أهل البلاغة ؛ يقول : "ولا يعرف ذلك إلا أهله من علماء الفصاحة والبلاغة ، أما الغزالي رحمه الله فهو معذور عندي في أن لا يعرف ذلك ؛ لأنه ليس فنه" والحق أن دراسة المجاز تختلف من حيث المجال الذي تدرس فيه من ناحية وتختلف باختلاف العلماء في المجال الواحد من ناحية أخرى ، فالأصوليون لم يكونوا في دراسة المجاز على شاكلة واحدة ولا على وجهة متفقة ؛ شأنهم في ذلك شأن البلاغيين أيضاً ، ولا شك أن هذا المضمار يضيق عن مثل هذه التفاصيل .
 
التفسير والتأويل:
سبق أن التأويل بمعناه العام أحد فروع التفسير ونوع منه ، إلا أننا إذا نظرنا إلى المجاز وصرف اللفظ عن الظاهر ؛ فإننا نجد أن المجاز قد اختلف باختلاف المفسرين ؛ إذ نجد منهم من وسع ومنهم من ضيق ، وإن كان الأصل هو الأخذ بالظاهر وعدم الميل إلى المجاز إلا عند الضرورة. ورغم أن ابن كثير من الذين قللوا من الميل إلى المجاز في تفسيره إلا أنه قد اعتنى به خاصة في المواضع التي رد فيها على الظاهرية ومن نحى نحوهم أما ابن الجوزي فقد ذهب في تفسيره " زاد المسير " إلى أن المجاز من ضروب التعبير المستحلاة عند العرب وهو – عنده – من وجوه الإعجاز أيضاً ؛ إذ لو اقتصر القرآن على الحقيقة دون المجاز لقال العرب : هلا جاء بالضرب المستحسن عندنا . أما الإمام القرطبي صاحب الجامع لأحكام القرآن فقد قبل المجاز وفسّر به بعض الآيات وأبان جمال التعبير المجازي فيها ، وليس ذلك فحسب بل أورد أدلة على وجوده في القرآن وكلام العرب ، إلا أن الإمام القرطبي لا يقبل المجاز إلا إذا قام دليله ولم تنهض الأدلة المعارضة لإثبات خلافه .
ورغم أن أكثر المفسرين بصورة عامة قد قللوا من المجاز إلى حد ما ، إلا أن الإمام الزمخشري الذي كان داعية للاعتزال قد أكثر من استخدامه وتوسع فيه ، وقد اعتبر الإمام علم البيان - الذي يشتمل على المجازات - أعظم أركان المفسر ، ولا شك أن لاعتزال الإمام دوراً مقدراً في ذهابه هذا المذهب حتى ينتصر لمذهبه ويؤول ما يناقض أصوله من آيات القرآن ، ولم يقتصر الإمام على تسويغ آراء المعتزلة ، بل تراه قد سبّ أهل السنة والحديث في تفسيره ، ولم يكتف الإمام الزمخشري بالتوسع في المجاز بتفسيره " الكشاف" بل أنه قد ألف معجماً سماه " أساس البلاغة" تناول فيه معاني المفردات عند استعمالها على الحقيقة أو المجاز ، وهذا دليل واضح على توسعه الشديد في هذه القضية.
 
التأويل في رأي مدرسة ابن تيمية:-
لا توجد طائفة من طوائف الإسلام ولا فرقة من فرقه إلا ولجأت للتأويل وقالت بالمجاز؛ وإن تفاوتت في ذلك تفاوتاً بيناً ، ولما كان الأمر كما سبق فإن تسمية "نفاة المجاز" قد كانت مسألة نسبية إلى حد كبير ؛ إذ نرى ابن حزم الظاهري يرد على الذين يجعلون المجاز حقيقة والحقيقة مجازاً كما تراه يرد رداً شديداً على خويز منداذ في إنكاره المجاز في بعض المواضع من القرآن وإذا كان ابن حزم قد ردّ على خويز منداذ – فإن ابن كثير قد ردّ على ابن حزم أيضاً في إنكاره المجاز في بعض المواضع وهكذا ، وإذا كان الأمر على ذلك الوجه فإن ابن تيمية وتلاميذه - رغم ردهم الشديد على التوسع في المجاز - إلا أنهم لم ينكروهـ وإنما أنكروا جعله مسوغاً للأفكار الفاسدة فحسب ، كما أنهم كرهوا آراء الذين تأولوا القرآن على غير تأويله ، ولم ينفوا مطلق التأويل ، ويذكر ابن تيمية أن التأويل لا يعاب بل يحمد ، أما التأويل المذموم والباطل –عنده - فهو تأويل أهل التحريف والبدع ، الذين يدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله دون دليل يوجب ذلك، ومن الأدلة على قول ابن تيمية بالمجاز والتأويل الآتي :
أ- ذكر ابن تيمية أن من لم يفرق بين أنواع التأويل - اضطربت أقواله ؛ مثل طائفة تقول إن التأويل باطل ، وأنه يجب إجراء اللفظ على ظاهره ، ويحتجون بقوله تعالى : "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ" على إبطال التأويل , وهذا تناقض منهم ؛ لأن هذه الآية تقتضي أن هناك تأويلا لا يعلمه إلا الله وهم ينفون التأويل مطلقا
ب - رغم أن ابن تيمية قد هاجم المجاز وفند الأدلة فيه ،إلا أنه قد رد على نفاة المجاز في غير ما موضع من كتابه "الفتاوى" وهو كما هاجم المتوسعين في المجاز - قد هاجم المنكرين له أيضاً ؛ كأنما ينكر من يجعل الحقيقة الثابتة مجازاً والمجاز الثابت حقيقة.
ج -ذكر ابن تيمية - رحمه الله - صراحة أن من الخطورة بمكان تبديل الحقائق عن طريق المجاز وتسويغ المعاني الفاسدة بذلك ؛ يقول " وأكثر هؤلاء يعدون ما ليس بمجاز مجازاً "
د- يهاجم ابن تيمية في كتابه "الإيمان" المجاز هجوماً شديداً وكذلك يفعل تلميذه ابن القيم في كتابه "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة " إلا إنهما يقولان به في مواضع أخرى شريطة أن ينهض فيه الدليل ، وما موقف ابن تيمية وتلميذه إلا كموقف ابن عقيل الذي يقول عنه ابن تيمية : "ومما ينبغي أن يعلم أن ابن عقيل - مع مبالغته في الرد على من يقول ليس في القرآن مجاز - في موقع آخر ينصر أنه ليس في اللغة مجاز ولا في القرآن ولا غيرهما "
هـ - تناول ابن تيمية بعض أنواع المجاز وأورد لها أمثلة ؛ ثم قال : "إن تحرير هذا الباب هو علم البيان الذي يعرف به الإنسان بعض قدر القرآن " كما تناول الاستعارة التمثيلية وأورد فيها أمثلة أيضاً ، ثم قال : "وهذه الأمثال موجودة في القرآن معلنة ببلاغة لفظه ونظمه وبراعة بيانه اللفظي ، والذين يتكلمون في علم البيان وإعجاز القرآن يتكلمون في مثل ذلك "
و - وضع ابن تيمية للمجاز شروطاً وضوابط نحو الجريان على قانون اللسان العربي وقيام الدليل وصحة النفي ونحوها كما سيأتي ، ولا يمكن أن يقول أحد بضوابط شئ إلا إذا كان يقبله بتلك الضوابط .
ز- يقول ابن تيمية : "نحن نقول بالمجاز الذي قام دليله وبالتأويل الجاري على نهج السبيل، ولم يوجد شئ في كلامنا أو كلام أحد منا أنا لا نقول بالمجاز والتأويل ، ولكن ننكر من ذلك ما خالف الحق والصواب وما فتح الباب لهدم السنة والكتاب واللحاق بمحرفة أهل الكتاب "
ضوابط التأويل عند ابن تيمية :
إن المجاز ظاهرة أسلوبية وقعت في القرآن والسنة وكلام العرب ؛ إلا أنها من جانب آخر ظاهرة بالغة الخطورة ؛ إذ يفضى الغلط والتوسع فيها إلى مزالق جمة وتأويلات فاسدة ومعان مردودة ، وهذه الظاهرة قد أدت إلى التأويل الذي بسببه قامت الفرق وبسببه نشأت الصراعات الكلامية المتعددة . والحق أن التأويل المتسع الذي به تسوغ الآراء المنكرة والآراء الفاسدة - أمر لا يمكن أن يقبله عاقل ؛ يقول ابن عبد البر :" لو ساغ المجاز لكل مدع ما ثبت شئ من العبارات ، وجل الله عزّ وجلّ أن يخاطبنا إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين" ولهذا لا يقبل من أحد دعوى المجاز إلا عند إقامة الدليل عليه ؛ يقول ابن الأثير : "اعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه ، ومن يذهب إلى التأويل يحتاج إلى دليل " ولما كان الأمر كذلك فقد وضع العلماء للمجاز ضوابط وشروطا منها الآتي :
أ-الجريان على قانون اللسان العربي:
لما جعل الله تعالى القرآن والسنة عربيين فقد اتفق العلماء على عدم مخالفة قانون لسان العرب أو الخروج عن مناحى طرقهم في التعبير عند محاولة فهم الكتاب والسنة ، ولهذا كان من شروط المجاز أن يكون جارياً على هذا القانون ، وإلا بطل الاستدلال به ؛ يقول ابن تيمية أن من شروط المجاز : " أن يكون اللفظ جارياً في اللسان العربي بمعناه ؛ لأنه لا يجوز أن يراد بشئ من القرآن والسنة خلافاً للسان العرب ، وإلا فيمكن لكل مبطل أن يفسر بكل معنى سنح له وإن لم يكن له أصل في اللغة " . وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز إطلاق المجاز إلا إذا أطلقته العرب ؛يقول الجصاص : "المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن يكون مسموعاً من العرب" ب-احتمال السياق وقيام الدليل:
للسياق دور فاعل وأثر واضح في تحديد دلالات الألفاظ ومعرفة معانيها المقصودة ، ولا شك أن احتمال السياق للمعنى من الضوابط المهمة في المجاز ؛ وإلا فلا يجوز صرف المعاني عن ظواهرها إلى تلك المعاني الباطنة إذا لم ينتصب الدليل الذي يقوم شاهداً عليها، ولآجل ذلك كان من شروط المجاز : "أن يكون مع المستدل دليل يوجب صرف اللفظ من حقيقته إلى مجازه " ولهذا كانت القرائن السياقية التي تؤكد المجاز وتعضده من الأمور المهمة في قبوله.
ج- السلامة من الدليل المعارض :
قد يقوم في السياق دليل يصرف المعنى عن الظاهر إلى المجاز ؛ فإذا سلم هذا الدليل من المعارض الأقوى صحّ المجاز ؛ وإلا رفض ، ولأجل ذلك عدّ ابن تيمية من شروط المجاز : "أن يسلم الدليل عن معارض " ولما كان الأمر على الوجه الذي ذكرنا - فإن الإمام القرطبي قد رفض المعنى المجازى الذي ذهب إليه مجاهد وابن نجيح في قوله تعالى : "قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ". حيث ذهبا إلى أن الشاهد هو "قد القميص" ؛ يقول الإمام القرطبي معتمداً على معارض المعنى المجازي: "هذا مجاز صحيح من جهة اللغة ؛ إلا أن قول الله بعد "من أهلها " يبطل أن يكون القميص هو الشاهد "
د- صحة نفى العبارة المجازية :
ذهب ابن تيمية إلى أن : "من علامات المجاز صحة إطلاق نفيه " وذلك بمعنى أنك إذا قلت : أراد الجدار أن يسقط ؛ صحَّ أن تقول أن الجدار ليس له إرادة فكان إطلاق ذلك عن طريق المجاز ، أما إذا قلت أراد فلان أن يسقط لم يكن مجازا ؛ لأنه لا يصح أن تقول : فلان ليس له إرادة ؛ فتأويل ذلك عن طريق المجاز قول بلا دليل .
هـ - عدم التوكيد بالمصادر :
من الأمور المهمة في تثبيت الحقيقة في الكلام ونفى المجاز عنه التوكيد بالمصدر ؛ وذلك لأن تكرير الكلام وتوكيده يدل على أنه مراد بعينه ، فإذا قلت : "ضربت زيداً ضرباً" كان هذا التوكيد مانعاً للمعنى المجازي ومثبتاً للمعنى الحقيقي " ولهذا يقول ابن تيمية : "قال غير واحد من العلماء التوكيد بالمصادر ينفي المجاز " ولهذا لا يمكن ادعاء المجاز في مثل قوله تعالى : "وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" " أو قوله : "وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً" أو قوله : "فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" "لأن المصدر يؤكد أن هذا الأفعال قد وقعت على الحقيقة لا المجاز.
 
أسوأ أنواع التأويل في هذا العصر :
سبق أن ظاهرة المجاز قد نظر علماء الإسلام إليها من وجهتين : من حيث كونها سمة جمالية جرى عليها كلام العرب ووقعت في القرآن والسنة ؛ ومن حيث كونها سمة لها خطورتها على مستوى اللغة والفكر والدين والعقيدة ؛ خاصة إذا تم بها لي أعناق الآيات وحملت على مراد المستدل وأهوائه وأغراضه ؛ وحينئذ يمكن أن يقول كل من شاء - استناداً عليها ـ ما شاء ؛ مستدلاً بالقرآن مؤولا ً له تأويلات بعيدة ، ومن هنا كان التشدد فيها ووضع الضوابط لها ، إلا أن الاتساع التأويلي - عن طريق المجاز - لم يقتصر على بعض الفرق أو الأفراد في تراثنا الإسلامي ؛ بل تعداه إلى واقعنا الفكري المعاصر ؛ حيث نشأت تيارات تأويلية فاقت كل الفرق التراثية ، ومن ذلك تيار الحداثة وما بعد الحداثة ، والحداثة مصطلح عسير التحديد مضطرب الحدود محمل بمعان ومضامين فيها كثير من الخطورة ، ورغم اختلاف التعريفات في ذلك ؛ إلا أن هذه التعريفات تتفق جميعها في القضاء على فكرة الثابت والمؤسسي واستبدالها بفكرة الصيرورة الدائمة والتحول المستمر ؛ إذ أن الإنسان المستقل – عندهم - هو المركز والمصدر والمنطلق وهو المعيار والمقياس لكل شيء ، ومن هنا نشأت قضايا مثل " موت المؤلف " و " انتهاء المتعاليات " و " أنسنة المقدس " ونحوها . وفي هذا المضمار أيضاً نشأ النقد الثقافي الذي هو عبارة عن رؤية شمولية معززة بآليات نقدية مثل المجاز الكلي والتورية الثقافية ونحوها ، وهنا يتم تحميل النص ما لم يرده قائله . وقد دارت هذه الفكرة عموماً على الهدم والتقويض ؛ وكان لها أدواتها في ذلك ؛ مثل:
أ-الأدوات اللغوية مثل " تفجير اللغة" الذي يهدف إلى القضاء على التعبير الثابت ؛ وتحويله عن طريق المجاز والتأويل الشامل.
ب-التشكيك في الحقائق التاريخية الثابتة ومحاولة إحياء فكر الأقليات المنحرفة ؛ نحو الباطنية والقرامطة والصوفية المتطرفة وغيرها من الفرق المشتطة في تأويلاتها ؛ ولهذا صار من مفاهيم الحداثة " الصراع بين النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة على تغيير هذا النظام".
وفي هذا الإطار نشأ مصطلح النص المفتوح – وهو من مصطلحات ما بعد الحداثة ، وهذا المصطلح يعني أن النص قابل للتأويل المستمر والتحول الدائم ؛ إذ أنه يتعدد بتعدد القراء ، ولا شك أن القراء ليسوا على شاكلة واحدة ؛ إذ تختلف طبائعهم وثقافاتهم ونفسياتهم وأحوالهم ، وهم يحملون سائر هذه الأحوال إلى النص الذي غدا النظر إليه نسبياً غير موضوعي ؛ وبذلك يحمّل من المعاني والمضامين ما لم يرده قائله حتى ليقول فيه من شاء ما شاء ، فالقراءة - عندهم - هي خلق جديد للنص واكتشاف أبعاد فيه ربما لم تكن مقصودة في نشأته الأولى ، وبهذا يتغير معنى النص ويتم تأويله حسب الأحوال والفروق والبيئات والحضارات والعصور ، وقد ألفت كثير من الكتب التي تناولت النص الديني من هذه الوجهة
والحق أن هذه الرؤية الحداثية التي انتقلت إلينا من الفكر الغربي ، وإن بدأت بالنص الأدبي ثم تحولت إلى النص الديني ؛ فإنها في الفكر الغربي لم تكن نتاج النظريات الأدبية في القرن العشرين ؛ وإنما انطلقت - ومنذ تاريخ طويل - من الدين، حيث نشأت في إطار الجدل الذي ثار حول النظر إلى الإنجيل حينما حطم لوثر النظام القائم ، ودعا إلى مسألة تعدد المعاني في الكتاب المقدس ، وهذا يعني أن كل اختلاف في التأويل إنما هو موجود أصلاً في النص ، وبهذا يتحول معنى النص لصالح المعنى الذي عند المتلقي ؛ فيترسخ لذلك مبدأ الحرية في التأويل ويحطم المرجع الواحد الذي تحاكم على أساسه التأويلات وتقام مقامه مرجعيات متعددة بتعدد الذوات المؤولة ، وهو ما يسميه تودورف Todorov" بالعدمية ، وهذه العدمية – عنده – تجيء بشكل مباشر من انهيار العقائد المشتركة لكل المجتمع ، وبذلك يصبح النص مفتوحاً وقابلاً لكل التأويلات المتقاربة بل و المتناقضة أيضا
مصادر الدراسة :
1/ ابن الأثير : ضياء الدين : المثل السائر تحقيق محمد محي الدين ط/1 المكتبة العصرية بيروت 1995م.
2/ الازراري : تقي الدين أبو بكر بن عبد الله الحموي خزانة الأدب تحقيق عصام شيعتو ط / مكتبة الهلال بيروت 1987م.
3/ الأصفهاني : أبو الفرج الأغاني : تحقيق سمير جابر ط/ دار الفكر بيروت.
4/ الإمام البخاري : محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، تحقيق مصطفى ديب البغا ط/3 دار ابن كثير بيروت سنة1987م ،
5/ البيضاوي : عبد الله بن عمر الشيرازي : تفسير البيضاوي ط/ دار الفكر بيروت 1996م.
6/ التلمساني : أحمد ببن مجمد : نقح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: دار صادر بيروت 1968م
7/ ابن تيمية :
- العقيدة الأصفهانية تحقيق إبراهيم سعيداى ط/ 1 مكتبة الرشيد الرياض 1415هـ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ط/ مكة 1404هـ.
8/ الثعالبي : عبد الملك بن محمد : ثمار القلوب في المضاف والمنسوب تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط/ القاهرة 1965م.
9/ ابن حبان : محمد بن حبان التميمي البستي: صحيح ابن حبان: تحقيق شعيب الأرنؤوط ط/ 2 مؤسسة الرسالة بيروت 1993م .
10/ الجاحظ : البيان والتبيين تحقيق عبد السلام هارون ط/ الخانجي القاهرة 1985م.
11/ ابن جني : أبو الفتح : الخصائص : تحقيق محمد على النجار ط/ دار الكتب والمعرفة القاهرة 1952م.
12/ الجصاص :أحمد بن على الرازي : أحكام القرآن : تحقيق محمد الصادق قمحاوي : ط / دار إحياء التراث العربي بيروت ، سنة 1405هـ
13/ ابن حزم : على بن أحمد : الإحكام أصول الأحكام : ط/1 دار الحديث القاهرة سنة 1404هـ .
14/ الدارمي : عبد الله بن عبد الرحمن : سنن الدارمي تحقيق فواز أحمد ط/ 1 دار الكتاب العربي بيروت 1407 هـ
15/ أبو داود : سليمان بن الأشعث السحستاني : سنن أبي داود : تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد .
16/ الذهبي : شمس الدين : سير أعلام النبلاء تحقيق محمد نعيم .
17/ الرازي : محمد بن أبي بكر : مختار الصحاح ، تحقيق محمود خاطر ط/ بيروت 1995م .
18/ الزركشي : بدر الدين بن محمد بن بهادر : البرهان ط/ دار الجيل بيروت 1988م.
19/ الزمخشري : جار الله محمود بن عمر : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل ، ط/ دار الفكر سنة 1977م
20/ السبكي : بهاء الدين : عروس الأفراح ط/ دار السرور .
21/ السكاكي : أبو يعقوب يوسف بن محمد : مفتاح العلوم ط/ دار التقدم القاهرة.
22/ -سيد قطب:
أ/ التصوير الفني في القرآن، ط/دار الشروق
ب/ النقد الأدبي ، ط/دار الشروق " بدون تاريخ"
23/ السيوطي : جلال الدين : المزهر تحقيق فؤاد على منصور ط/ دار الكتب العلمية بيروت 1998م.
24/ الشوكاني : محمد بن على :
أ/ إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول : تحقيق محمد سعيد البدري ط/ دار الفكر بيروت 1993م.
ب/ فتح القدير ط/ دار الفكر بيروت " د.ت"
25/ الإمام الطبري :محمد بن جرير: جامع البيان : ط/ دار الفكر بيروت سنة 1405
26/ ابن عبد البر : التمهيد : تحقيق مصطفى بن أحمد الطبري ط/ وزارة عموم الشئون الإسلامية المغرب .
27/ أبو عبيدة : معمر بن المثنى : مجاز القرآن تحقيق قؤاد شركين.
28/ ابن قتيبة : عبد الله بن مسلم : أدب الكاتب تحقيق محمد محي الدين ط/ المكتبة التجارية 1963م.
29/ ابن قدامة المقدسي : روضة الناظر وجنة المناظر : تحقيق عبد العزيز عبد الرحمن السعيد ،ط/ 2 جامعة محمد بن سعود الرياض 1399هـ
30/ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن : تحقيق عبد العليم البردوني ط/2 دار الكتب المصرية .
31/ القزويني : جلال الدين : الإيضاح ط/ دار إحياء العلوم بيروت 1998 م.
32/ القسطنطيني : خبر الكلام في التقصي عن أغلاط العوام ، تحقيق حاتم صالح الضامن ط/2مؤسسة الرسالة بيروت 1982م
33/ القلقشندي : محمد بن على : صبح الأعشى تحقيق يوسف على الطويل ط/ دار الفكر دمشق 1987م.
34/ ابن قيم الجوزية :
أ/ الصواعق المرسلة : تحقيق على بن محمد الدخيل الله ط/3 دار العاصمة الرياض 1998م.
ب/ أحكام أهل الذمة :تحقيق أحمد البكري و شاكر توفيق العاروري ط /1 ، دار ابن حزم ، بيروت سنة1997م
35/ القنوجى : أبجد العلوم والوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم ط/ دار الكتب العلمية بيروت .
36/ ابن كثير : إسماعيل بن عمر : تفسير القرآن العظيم ط/ دار الفكر 1981م.
37/ ابن ماجة : محمد بن يزيد القزويني : سنن ابن ماجة ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط/ دار الفكر بيروت "دت " .
38/ الإمام مالك : مالك بن أنس الأصبحي : موطأ الإمام مالك تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط/ دار إحياء التراث العربي.
39/ الإمام مسلم : مسلم بن الحجاج القشيري : صحيح مسلم : تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط/ دار إحياء التراث العربي
40/ ابن منظور :جمال الدين : لسان العرب ط/ دار صادر للطباعة والنشر 1990م .
41/ ياقوت الحموي : شهاب الدين بن عبدالله : معجم البلدان ، بإشراف أحمد الرفاعي.
 
أسئل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجزيك أحسن الجزاء و يثيبك أفضل الثواب و يبيض وجهك في الآخرين ... يا شيخ جمال ... و لا تضن علينا بما من الله عليك ...
 
عودة
أعلى