الحمد لله الفتاح العليم، والصلاة والسلام على الرسول الكريم أما بعد:
فمن المطالب المهمة لطالب علم التفسير أن يكتسب العلوم والمهارات التي تعينه على اكتساب ملكة التفسير، وتعينه على تمييز الأقوال الصحيحة من الخاطئة في التفسير بالحجة والبرهان.
وقد كان هذا الأمر (إعداد المفسر) مشروعاً علمياً وحلماً طموحاً أسعى لتحقيقه منذ زمن، وكنت أسعى لإعداد مشاريع علمية تعين على تحقيق هذا المشروع العظيم الذي أرجو أن يكون له آثار عظيمة في نشر العلم النافع والدعوة بالقرآن العظيم على مراد الله جل وعلا ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قطعت في هذا المشروع شوطاً لا بأس به، وأنهيت غالب مراحل التخطيط ولا زال قابلاً للإضافة، وبدأت التنفيذ منذ زمن على روية، وأحب أن أتباحث معكم أيها الفضلاء في تفاصيل هذا المشروع لعل الله تعالى يعين على إتمامه ويبارك فيه، وينتفع به طلاب علم التفسير.
وأنا أحب من الإخوة أن ينبهوني على ما يرون من الملاحظات أو الانتقادات حتى أستدرك ما يحتاج إلى استدراك.
وقد يكون من غير المناسب أن يطرح المشروع جملة فيضيع جملة لتشعب النقاش.
فلعلي أبدأ بحلقات فيه أخصص لكل حلقة موضوعاً محدداً تتم مناقشته، ونستفيد من آرائكم ونقدكم، بارك الله فيكم.
ولا مانع من قطع بعض الحلقات بمواضيع أخرى لغرض التنويع وإذهاب سآمة الرتابة في الطرح.
ولذلك سأذكرها غير مرتبة الأبواب، وبعضها في العلوم وبعضها في المهارات وأقتصر في كل موضوع على مثالٍ أو مثالين حتى لا يكثر الكلام فيملّ.
وأنا أعتذر لكم بادئ الأمر لأني أكتب بعيداً عن مكتبتي وليس لدي إلا محفوظاتي الإلكترونية، مما تم من مجمع التفاسير وغيره وفيه جملة صالحة من الأمثلة لعلها تفي ببيان المراد.
وهذا الموضوع في أهمية علم الصرف للمفسر.
وهو علم جليل القدر عظيم النفع قل من يعتني به، وهو معين على استنباط معانٍ صحيحة ربما لم يطرقها المفسرون، ومعين على معرفة بعض الأقوال الخاطئة في التفسير.
وسأذكر لكم مثالاً يوضح أهمية علم الصرف في تمييز بعض الأقوال الخاطئة في التفسير.
ففي معنى قوله تعالى: (يتساءلون) في سورة النبأ ثلاثة أقوال للمفسرين حسبما اطلعت عليه
وسأذكر لكم أولا ً هذه الأقوال، ثم أذكر ما له صلة بهذه المسألة من كلامهم في إعراب الآية معزواً ومرتباً حسب التسلسل التأريخي
ثم أعقب ذلك بمبحث في علم الصرف في معاني صيغة (تَفَاعَلَ) في كلام العرب، وتعدي هذه الصيغة ولزومها، وأثر دراسة هذا المبحث في معرفة القول الضعيف في الآية.
وقد أرفقت الملف ليقرأه من كان حريصاً على جودة التنسيق ممن كانت لديه الخطوط المستخدمة فيه.
القول الثالث: المفعول محذوف تقديره: يتساءلون الرسولَ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ}: يَسْأَلُ بعضُهم بعضاً، أو يَتَسَاءَلُونَ غيرَهم مِن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنينَ، نحوَ: يَتَدَاعَوْنَهُم ويَتَرَاءَوْنَهم). [الكشاف: 6/294]
قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (والاحتمالُ الثالث: أنهم كانوا يَسألونَ الرسولَ ويَقولون: ما هذا الذي تَعِدُنا به مِن أَمْرِ الآخِرةِ؟). [مفاتيح الغيب: 31/4]
قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِيُّ (ت:691هـ): (والضميرُ لأهْلِ مَكَّةَ، كانوا يَتساءلون عن البَعْثِ فيما بينَهم، أو يَسْأَلُونَ الرَّسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ والمؤمنينَ عنه استهزاءً). [أنوار التنزيل: 2/1124-1125]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ (ت:710هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ}: يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ). [مدارك التنزيل:3/1914]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (ويَجُوزُ أَنْ يكونَ المفعولُ محذوفاً؛ أَيْ: يَتَساءَلُونَ النَّبِيَّ والمُؤْمنِينَ، نَحْوَ: تَرَاءَيْنَا الهِلاَلَ). [غرائب القرآن: 30/6]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (قالَ ابنُ الخَطِيبِ: ويُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرسولَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ ويقولُون: ما هذا الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ أمرِ الآخرَةِ؟). [اللباب: 20/92-93]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت:982هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ} كقَوْلِهم: يَتَدَاعُونَهم أو يُدَعَّونَهُم...فالمعنى: عنْ أيِّ شيءٍ يَسْأَلُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ والمؤمنينَ؟). [إرشاد العقل السليم: 7/84]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القَنُوجِيُّ (ت:1307هـ): (قالَ الرَّازِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أنَّهُم يَسْأَلُونَ الرسولَ وَيقولونَ: ما هذا الذي تَعِدُنَا بهِ مِنْ أمرِ الآخرةِ؟). [فتح البيان: 15/29]
قلت: (وهذا القولُ مبناهُ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ (تَفَاعَلَ) لا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ بينَ مُتَقَابلينِ كِلاهُمَا فَاعِلٌ ومَفعُولٌ كَمَا في تَقَاتَلَ القَومُ وتَرَاءَى الْجَمْعَانِ، بَلْ قَدْ تَكُونُ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي قَولِهم: تَرَاءَوُا الهِلالَ، وَتُفِيدُ هَذِه الصيغَةُ تَكَرُّرَ وُقُوعِ الفِعْلِ).
سبب حذف المفعول على هذا القول
قالَ مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (فالتساؤلُ مُتَعَدٍّ، ومفعولُه مُقَدَّرٌ هنا، وحُذِفَ لظُهورِه, أو لأنَّ الْمُسْتَعْظَمَ السؤالُ بقَطْعِ النظَرِ عمَّنْ سَأَلَ، أو لِصَوْنِ المسؤولِ عن ذِكْرِه مع هذا السائلِ). [روح المعاني: 29/3]
الصرف
مبحث في صيغة (تفاعل)
معاني صيغة (تفاعل)
المعنى الأول: إفادة وقوع الفعل من طرفين على جهة التقابل
مثاله: تراءى الجمعان، وتقابل الخصمان، وتجادلا، وتناظرا
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت:982هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ} كقَوْلِهم: يَتَدَاعُونَهم أو يُدَعَّونَهُم، وتَحْقِيقُهُ أنَّ صيغةَ التفَاعُلِ في الأفعالِ المُتَعَدِّيَةِ مَوْضُوعَةٌ لإفادةِ صُدُورِ الفعلِ عن المُتَعَدِّدِ وَوُقُوعِهِ عليهِ، بحيثُ يَصِيرُ كُلُّ واحِدٍ مِنْ ذلكَ فاعِلاً ومفعولاً معاً، لكنَّهُ يُرْفَعُ بإسنادِ الفعلِ إليهِ تَرْجيحاً لجانِبِ فاعِلِيَّتِهِ، ويُحَالُ بمفعولِيَّتِهِ على دلالةِ العقلِ، كما في قوْلِكَ: تَراءَى القومُ؛ أيْ: رأَى كلُّ واحِدٍ مِنهم الآخَرَ). [إرشاد العقل السليم: 7/84]
نقله مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ) [روح المعاني: 29/3]
قال عبدُ الملكِ بنُ محمدِ بنِ إسماعيلَ النَّيْسابوريُّ الثَّعالبيُّ (ت: 430هـ) : ( تَفَاعَلَ يكونُ بينَ اثنينِ بينَ الجماعةِ؛ نحوُ: تَجَادَلاَ وتَنَاظَرَا وتَحَاكَمَا. اهـ). [فقهِ اللغةِ: 1/86]
قال يوسُفُ بنُ أبي بكرِ بنِ محمدٍ السَّكَّاكيُّ (ت: 626هـ) : ( تفاعَلَ يكونُ من الجانبينِ صَريحًا؛ نحوُ: تشارَكَا. اهـ). [مِفْتاح العلوم: 1/20]
قال ابنُ الحاجبِ عثمانُ بنُ عمرَ بنِ أبي بكرٍ الدُّوَِينيُّ (ت: 646هـ) : (وتفاعَلَ لمشاركةِ أمرَيْن فصاعدًا في أصلِه صريحًا؛ نحوُ: تَشَارَكَا، ومِن ثَمَّ نقَصَ مفعولاً عن "فاعَلَ". اهـ). [الشافية في علم التصريف: 1/20]
وقال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ الطائيُّ الأَنْدَلُسيُّ (ت: 672هـ) : (وأما تفاعَلَ الذي للاشتراكِ في الفاعليةِ لفظًا، وفيها وفي المفعوليةِ معنًى؛ كـ: تضارَبَ زيدٌ وعمرٌو. فـ (زيدٌ وعمرٌو) شريكان في الفاعليةِ لفظًا، ولذلك رُفِعا، وهما من جهةِ المعنى شريكانِ في الفاعليةِ والمفعوليةِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما قد فعَل بصاحبهِ مثلَ ما فعَلَ به الآخَرُ. اهـ). [شرحِ التسهيلِ: 3/454]
المناسبة:
قلت: (حَمَلَ جَمَاهِيرُ المُفَسِّرينَ قولَه تَعَالَى: {يَتَسَاءَلُونَ} عَلَى هَذَا المعْنَى، أي: يَسْأَلُ بَعْضُهُم بَعْضَاً)
المعنى الثاني: إفادة وقوع الفعل من متعدد في طرف واحد على مفعول واحد
مثاله: تراءوا الهلالَ
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت:982هـ): (وقدْ تُجَرَّدُ عن المعْنَى الثَّانِي، فيُرَادُ بها مُجَرَّدُ صُدُورِ الفعلِ عن المُتَعَدِّدِ عارِياً عن اعْتِبَارِ وُقُوعِهِ عليهِ، فيُذْكَرُ للفعلِ حينَئذٍ مفعولٌ مُتَعَدِّدٌ كما في المثالِ المذكورِ، أوْ واحدٌ كما في قولِكَ: تَراءَوُا الهلالَ.
وقدْ يُحْذَفُ لظُهُورِهِ، كما فيما نحنُ فيهِ، فالمعنى: عنْ أيِّ شيءٍ يَسْأَلُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ والمؤمنينَ؟). [إرشاد العقل السليم: 7/84]
نقله مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ) [روح المعاني: 29/3]
المعنى الثالث: إفادة وقوع الفعل من متقابلين على مفعول مشترك
مثاله: تنازعا الحديث، وتعاطيا الكأس، وتقاسما المال
قالَ مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (وذَكَرَ بعضُ الْمُحَقِّقِينَ أنه قد يكونُ لصيغةِ التفاعُلِ على الوَجْهِ الأوَّلِ مفعولٌ أيضًا، لكنَّه غيرُ الذي فَعَلَ به مِثلَ فِعْلِه، كما في: تَعَاطَيَا الكأْسَ، وتَفَاوَضَا الحديثَ. وعليه قولُ امرِئِ القيْسِ:
فلَمَّا تَنَازَعْنا الحديثَ وأَسْمَحَتْ هَصَرَتْ بغُصنٍ ذي شَماريخَ مَيَّالِ). [روح المعاني: 29/3]
قالَ مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (وكذا مَجيئُه مُتَعَدِّيًا إلى غيرِ الذي فُعِلَ به مِثلَ فِعْلِه كما سَمِعْتَ). [روح المعاني: 29/3]
المعنى الرابع: إفادة تكرر وقوع الفعل من فاعل واحد
مثاله: تمارى، تثاءب
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ الطائيُّ الجَيَّانيُّ الأَنْدَلُسيُّ (ت: 672هـ) : (والذي أغْنَى عن المجردِ؛ كـ:تثاءَبَ، وتَمَارَىَ). [شرحِ التسهيلِ: 3/455]
قال عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرِ بنِ محمدٍ السيوطيُّ (ت: 911هـ) : (والإغناء عنه؛ كـ: تثاءَبَ وتَمَارَى). [همعِ الهوامعِ: 3/304]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت:982هـ): (ورُبَّمَا تَجَرَّدَ عنْ صُدُورِ الفعلِ عن المُتَعَدِّدِ أيضاً، فيُرادُ بها تَعَدُّدُهُ باعتبارِ تَعَدُّدِ مُتَعَلَّقِهِ معَ وَحْدَةِ الفاعلِ، كما في قولِهِ تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}). [إرشاد العقل السليم: 7/84]
نقله مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ) [روح المعاني: 29/3]
قالَ مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (فمَن قالَ: إنَّ (تَفاعَلَ) لا يكونُ إلا من اثنين, ولا يكونُ إلا لازِمًا، فقد غَلِطَ، كما قالَ الطبليوسيُّ في شرْحِ أَدَبِ الكاتبِ إن أرادَ ذلك على الإطلاقِ، وَلَيْتَ شِعرِي كيفَ يَصِحُّ ذلك مع أنَّ مَجيءَ تَفَاعَلَ بمعنى فَعَلَ غيرُ مُتَعَدِّدِ الفاعِلِ كتوانَى وتَدَانَى الأمْرُ, وتعالى اللهُ عمَّا يُشرِكون جِدًّا، وكذا مَجيئُه مُتَعَدِّيًا إلى غيرِ الذي فُعِلَ به مِثلَ فِعْلِه كما سَمِعْتَ). [روح المعاني: 29/3]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت:1393هـ): (والتَّساؤُلُ: تَفاعُلٌ، وحقيقةُ صِيغَةِ التَّفاعُلِ تُفيدُ صُدورَ مَعنى المادَّةِ الْمُشْتَقَّةِ منها مِن الفاعِلِ إلى الْمَفعولِ، وصُدورَ مِثْلِه مِن الْمَفعولِ إلى الفاعِلِ، وتَرِدُ كَثيراً:لإفادَةِ تَكَرُّرِ وُقوعِ ما اشْتُقَّتْ منه، نحوُ قولِهم: ساءَلَ، بمعنى: سَأَلَ.
قالَ النابِغَةُ: أُسَائِلُ عنْ سُعْدَى وقدْ مَرَّ بعْدَنـا على عَرَصَاتِ الدارِ سَبْعٌ كوَامِلُ
وقالَ رُوَيْشِدُ بنُ كَثيرٍ الطائِيُّ: يا أيُّها الراكِبُ الْمُزْجِي مَطِيَّتَـهُ سائِلْ بَنِي أسَدٍ ما هذه الصَّوْتُ). [التحرير والتنوير: 30/7-9]
المعنى الخامس: إفادة قوة وقوع الفعل من الفاعل
مثاله: تعالى الله، تبارك الله
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت:1393هـ): (وتَجيءُ لإِفادَةِ قُوَّةِ صُدورِ الفِعْلِ مِنَ الفاعِلِ؛ نَحْوُ قولِهم: عافاكَ اللهُ، وذلك إمَّا كِنايةٌ أو مَجازٌ). [التحرير والتنوير: 30/7-9]
المعنى السادس: تفاعل بمعنى فعل
قال عبدُ الملكِ بنُ محمدِ الثَّعالبيُّ (ت: 430هـ) : (ويكونُ من واحدٍ؛ نحوُ: تَرَاءَى له). [فقهِ اللغةِ: 1/86]
قال محمودُ بنُ عمرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ) : (وبمنزلةِ (فعَلْتُ)؛ كقولِك: توانَيْتُ في الأمرِ، وتَقَاضَيْتُه، وتَجاوَز الغايةَ). [المُفَصَّل: 1/372]
قال يوسُفُ بنُ أبي بكرِ السَّكَّاكيُّ (ت: 626هـ) : (ويمعنى (فعَلَ)؛ نحوُ: تَبَاعَدَ؛ أي: بَعِدَـ). [مفْتاحِ العلومِ: 1/20]
قال ابنُ الحاجبِ عثمانُ بنُ عمرَ الدُّوَِينيُّ (ت: 646هـ) : (وبمعنى (فعَلَ)؛ نحوُ: توانَيْتُ). [الشافيةِ في علمِ التصريفِ: 1/20]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ الطائيُّ (ت: 672هـ) : (والذي لموافقةِ المجردِ؛ كـ:(تعالى وعلا، وتَوانَى ووَنَى). [شرحِ التسهيلِ: 3/455]
المناسبة
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت:1332هـ): (والتفاعُلُ إمَّا على بابِهِ، أوْ هوَ بمعنى (فَعَلَ):
والمعنى على الأوَّلِ: يَتساءلونَ فيما بينَهم.
وعلى الثاني: يَسْأَلُونَ الرسولَ صَلواتُ اللَّهِ عليهِ وسلامُهُ، أو المؤمنينَ.
قيلَ: مَجِيءُ تَفَاعَلَ بمعنى فَعَلَ إذا كانَ في الفاعلِ كَثْرَةٌ، مُراعاةً لِمَعْنَى التَّشَارُكِ بقَدْرِ الإمكانِ.
ونُوقِشَ بأنَّ (تَفَاعَلَ) يكونُ بمعنى (فَعَلَ) كثيراً وإنْ لم يَتَعَدَّدْ فَاعِلُهُ؛ كَتَوَانَى زيدٌ وتَدَانَى الأمرُ، بلْ حيثُ لا يُمْكِنُ التَّعَدُّدُ؛ نحوُ: {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}). [محاسن التأويل: 9/ 388] (؟؟)
المعنى السابع: إفادة تدرج وقوع الفعل
مثاله: تعافى المريض، وتوافد القوم، وتناسى الأمر
قال أحمدُ بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الحَمَلاويُّ (ت: 1351هـ) : (وثالثُها: حصولُ الشيءِ تدريجًا؛ كـ: تَزَايَدَ النِّيلُ، وتوارَدَتِ الإبلُ؛ أي: حصَلَتِ الزيادةُ بالتدريجِ شيئًا فشيئًا). [شَذَا العَرْفِ: 36]
قال محمدٌ أمينُ بنُ عبدِ اللهِ الأثيوبيُّ الهرريُّ: (ومنها وقوعُ الفعلِ تدريجيًّا؛ نحوُ: توارَدَ القومُ؛ أي: ورَدُوا دفعةً بعدَ أخرى). [شرحِ لاميةِ الأفعالِ: ]
المعنى الثامن: إظهار خلاف الحقيقة
مثاله: تمارض، وتماوت، وتغافل، وتغابى، وتعاظم، وتجاهل
قال المُبَرِّدُ محمدُ بن يزيدَ الثُمًالِيُّ(ت: 285هـ) : (ويكونُ على ضَرْبٍ آخرَ، وهو أن يُظْهِرَ لك من نفسِه ما ليس عندَه؛ وذلك نحوُ: تَعَاقَلَ وتَغَابَى وتَغَافَل، كما قال: إذا تَخَازَرْتُ وما بي مِن خَزَرْ). [المُقْتَضَب: 1/78] (وتخازر: تكَلَّف الخَزَر، وهو النظر بمُؤْخِر العين)
قال عبدُ الملكِ بنُ محمدِ الثَّعالبيُّ (ت: 430هـ) : (ويكونُ بمعنى (أظْهَرَ)؛ نحوُ: تَغَافَلَ وتَجَاهَلَ وتَمَارَضَ وتَسَاكَرَ؛ إذا أظْهَرَ غَفْلةً وجهلاً ومرضًا وسُكرًا، وليس بغافلٍ، ولا جاهلٍ، ولا مريضٍ، ولا سَكْرانَ. اهـ). [فقهِ اللغةِ: 1/86]
قال محمودُ بنُ عمرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ) : (ويَجِيءُ لِيُرِيَكَ الفاعلُ أنه في حالٍ ليس فيها؛ نحوُ: تَغَافَلْتُ وتعامَيْتُ وتجاهَلْتُ، قال: إذا تَخَازَرْتُ وما بي مِن خَزَرْ). [المُفَصَّلِ: 1/372]
قال يوسُفُ بنُ أبي بكرٍ السَّكَّاكيُّ (ت: 626هـ): (ولإظهارِكَ من نفسِكَ مَا لَيسَ لكَ؛ نحوُ: تجاهَلْتُ). [مِفْتاحِ العلومِ: 1/20]
قال ابنُ الحاجبِ عثمانُ بنُ عمرَ الدُّوَِينيُّ (ت: 646هـ): (ولِيَدُلَّ على أنَّ الفاعلَ أظْهَرَ أن أصلَه حاصلٌ له، وهو مُنْتَفٍ؛ نحوُ: تجاهَلَ وتَغَافَلَ. اهـ). [الشافيةِ في علمِ التصريفِ: 1/20]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ الطائيُّ الأَنْدَلُسيُّ (ت: 672هـ) : (والذي لتخييلِ تاركِ الفعلِ كونَه فاعلاً؛ كـ: تَغَافَلَ زيدٌ. إذا ظَهَر بصورةِ غافلٍ، وهو غيرُ غافلٍ، وكذلك تجاهَلَ، وتبالَهَ، وتَطَارَشَ وتَلاَكَنَ وتَمَارَضَ، ومنه قولُ الراجزِ: إذا تَخَازَرْتُ وما بي مِن خَزَرْ). [شرحِ التسهيلِ: 3/454، 455]
قال جَلالُ الدينِ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ) : (والتجهيلِ؛ كـ: تَغَافَلَ وتجاهَلَ وتبالَهَ وتَمارَضَ وتَطَارَشَ. اهـ). [همعِ الهوامعِ: 3/304]
قال أحمدُ بنُ محمدٍ الحَمَلاويُّ (ت: 1351هـ): (ثانِيها: التظاهُرُ بالفعلِ دونَ حقيقتِه؛ كـ: تَنَاوَمَ، وتَغَافَلَ، وتَعَامَى؛ أي: أظْهَرَ النومَ والغفلةَ والعمى، وهي منتفيةٌ عنه، قال الشاعرُ: ليس الغَبِيُّ بسَيِّدٍ في قومِهِ لكنَّ سيدَ قومِه المُتَغابِي). [شَذَا العَرْفِ: 36]
المعنى التاسع: مُطاوَعَةُ (فاعَلَ) الذي بمعنى (أَفْعَلَ):
قال المُبَرِّدُ محمدُ بن يزيدَ الثماليُّ(ت: 285هـ): (المطاوعةُ، وذلك نحوُ: ناوَلْتُه فتَنَاوَلَ. وليس كقولِك: كسَرْتُه فانكَسَر؛ لأنك لم تُخْبِرْ في قولِك: انْكَسَرَ. بفعلٍ منه على الحقيقةِ، وأنت إذا قلتَ: قدَّمْتَه فتقَدَّم، وناوَلْتَه فتَنَاوَلَ. تُخْبِرُ أنه قد فعَلَ على الحقيقةِ ما أرَدْتَ منه، فإنما هذا كقولك: أدْخَلْتُه فدَخَل). [المُقْتَضَب: 1/78]
قال محمودُ بنُ عمرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ) : (وَمُطَاوعُ فاعَلْتُ؛ نحوُ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ). [المُفَصَّلِ: 1/372]
قال ابنُ الحاجبِ عثمانُ بنُ عمرَ الدُّوَِينيُّ (ت: 646هـ) : (وَمُطَاوِعُ (فاعَلَ)؛ نحوُ: باعَدَتُه فتَبَاعَدَ). [الشافيةِ: 1/20]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ الطائيُّ الأَنْدَلُسيُّ (ت: 672هـ): (والذي لمطاوعةِ (فاعَلَ) فكـ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ، وضاعَفْتُ الحسابَ فتَضَاعَفَ). [شرحِ التسهيلِ: 3/455]
قال جَلالُ الدينِ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ) : (ومطاوعةِ (فاعَلَ)؛ كـ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ، وضاعَفْتُ الحسابَ فتَضَاعَفَ). [همع الهوامع: 3/304]
قال أحمدُ بنُ محمدٍ الحَمَلاويُّ (ت: 1351هـ): (مطاوعةُ (فاعَلَ)؛ كـ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ). [شَذَا العَرْفِ: 36]
لزوم الفعل المتعدي إلى مفعول واحد بعد دخول التاء عليه
قال محمودُ بنُ عمرَ بنِ محمدٍ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ) : (ولا يَخْلُو من أن يكونَ من (فاعَلَ) المتعدِّي إلى مفعولٍ، أو المتعدِّي إلى مفعولين، فإن كان من المتعدِّي إلى مفعولٍ؛ كـ: ضارَبَ. لم يَتَعَدَّ). [المُفَصَّلِ: 1/371]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ مالكٍ الطائيُّ (ت: 672هـ) : (فلو كان التعدِّي دونَ التاءِ إلى واحدٍ لَعُدِمَ بوجودِها؛ نحوُ: ضارَبَ زيدٌ عَمْرًا، وتَضَارَبَ زيدٌ وعمرٌو، وأدَّبْتُ الصبيَّ، وتأدَّب الصبيُّ). [شرحِ التسهيلِ:؟؟ ]
قال ابنُ هشامٍ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ الأنصاريُّ (ت: 761هـ) : (وإن كانَ متَعدِّيًا إلى واحدٍ فإنه يَصِيرُ قاصِرًا؛ نحوُ: تَضَارَبَ زيدٌ وعمرٌو، إلا قليلاً؛ نحوُ: جاوَزْتُ زيدًا وتجاوَزْتُه). [مغني اللبيبِ: 2/599]
قصر المتعدي إلى مفعولين على مفعول واحد
قال محمودُ بنُ عمرَ بنِ محمدٍ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ) : (وإن كان من المتعدِّي إلى مفعولين؛ نحوُ: نازَعْتُه الحديثَ، وجاذَبْتُه الثوبَ، وناسَيْتُه البغضاءَ، تعَدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ؛ كقولِك: تَنَازَعْنا الحديثَ، وتجاذَبْنا الثوبَ، وتناسَيْنا البغضاءَ). [المُفَصَّلِ: 1/371]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ مالكٍ الطائيُّ (ت: 672هـ) : (وَإنْ كَانَ (تَفَاعَلَ) أو (تفَعَّل) متَعَدِّيًا دونَ التَّاءِ إلى مفعُولَينِ، تَعَدَّى بالتَّاءِ إلَى مفعُولٍ واحِدٍ: فمنْ مثلِ ذلك في (تفاعَلَ): نازَعْتُه الحديثَ، وناسَيْتُه البغضاءَ، وتنازَعْنا الحديثَ، وتناسَيْنا البغضاءَ، ومن مثلِ ذلك في (تفَعَّلَ): عَلَّمْتُه الرمايةَ فتعَلَّمَها، وجنَّبْتُه الشرَّ فتجَنَّبَه؛ فَصَارَ (تَنَاسَى) وَ(تَنَازَع) متعدِّيَيْنِ إلى مَفعُولٍ واحِدٍ حينَ وُجِدَت التاءُ؛ لأنَّهُمَا كَانَا قَبلَ وُجُودِها مُتَعَدِّيَيْنِ إلى مفعُولَيْنِ، وَكَذَا (تعَلَّم) وَ(تجَنَّب)). [شرحِ التسهيلِ:؟؟ ]
قال ابنُ هشامٍ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ الأنصاريُّ (ت: 761هـ) : (إن كانَ قبلَ دخولِ التاءِ متعدِّيًا إلى اثنينِ فإنَّه يَبْقَى بعدَ دخولِها متعدِّيًا إلى واحدٍ؛ نحوُ: عاطَيْتُه الدَّرَاهِمَ، وتَعَاطَيْنا الدَّرَاهِمَ). [مغني اللبيبِ: 2/599]
مناسبة إيراد هذه المسألة
قلت: (أَصلُ (يَتَسَاءَلُونَ) (سَاءَل) وَهُو مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، فَلا يَتَعَدَّى بَعْدَ دُخُولِ التَّاءِ؛ فَيكُونُ مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ احْتِمَالاً في تَفسيرِ الآيَةِ وَنَصَرَهُ أَبُو السُّعُودِ مِنْ أَنَّ المعْنَى: يَتَسَاءَلونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ والمُؤْمِنينَ، خِلافاً لِمُقتَضَى قَواعِدِ اللغَةِ وَدَلالاتِهَا، وَالمعْنَى الصَّحِيحُ: يَسْأَلُ بَعضُهم بَعضاً، وَهُو الَّذِي عَليهِ جمهور المفَسِّرينَ.
وهذه بخلاف ساءل التي فيها معنى الطلب كما يقال: ساءل بنو زيد بني عمروٍ أموالهم؛ ومنه قوله تعالى: (ولا يسألكم أموالكم) فإنها عند دخول التاء عليها تقصر على مفعول واحدٍ يلزم ذكره، فيقال: يتساءلون أموالهم، ويقال في الاستفهام: ماذا يتساءلون؟
ولا يقال -عند إرادة هذا المعنى -:عم يتساءلون؟).
الخلاصة:
معنى قوله تعالى: (يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضاً، وتفيد هذه الصيغة تكرر وقوع الفعل منهم، وهو أسلوب معروف عند العرب، قال الكلحبة العرني:
تُسائلني بنو جشم بن بكر أغراء العرادة أم بهيمُ
هي الفرس التي كرت عليهم عليها الشيخُ كالأسد الكليمُ
وقال السمهري العكلي وعداده في شطار الإسلاميين:
لقد جمع الحداد بين عصابة تساءل في الأسجان ماذا ذنوبها
فائدة:
بتأمل أقوال المفسرين في القول الثاني يتبين أن كتاب اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي من المصادر التي اعتمد عليها الشوكاني في تفسيره، وذلك أن الرازي لما قال عقب شرحه لكلام الفراء: وهذا قول الفراء، ظن ابن عادل أنه نص كلام الفراء فنسبه إليه، وتبعه على ذلك الشوكاني.
معنى ( يتساءلون )
1- يسأل بعضهم بعضا ، وعليه فالفعل لازم فلا مفعول له .
2- يتحدثون ، والمفعول : جملة ( عن النبأ العظيم ).
3- يتساءلون الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنون ، والمفعول محذوف .
مبحث في صيغة (تفاعل)
معاني صيغة (تفاعل) المعنى الأول: إفادة وقوع الفعل من طرفين على جهة التقابل
مثاله: تراءى الجمعان، وتقابل الخصمان، وتجادلا، وتناظرا المعنى الثاني: إفادة وقوع الفعل من متعدد في طرف واحد على مفعول واحد
مثاله: تراءوا الهلالَ المعنى الثالث: إفادة وقوع الفعل من متقابلين على مفعول مشترك
مثاله: تنازعا الحديث، وتعاطيا الكأس، وتقاسما المال المعنى الرابع: إفادة تكرر وقوع الفعل من فاعل واحد
مثاله: تمارى، تثاءب المعنى الخامس: إفادة قوة وقوع الفعل من الفاعل
مثاله: تعالى الله، تبارك الله المعنى السادس: تفاعل بمعنى فعل ، مثاله: تراءى ، توانى . المعنى السابع: إفادة تدرج وقوع الفعل .
مثاله: تعافى المريض، وتوافد القوم، وتناسى الأمر المعنى الثامن: إظهار خلاف الحقيقة
مثاله: تمارض، وتماوت، وتغافل، وتغابى، وتعاظم، وتجاهل المعنى التاسع: مُطاوَعَةُ (فاعَلَ) الذي بمعنى (أَفْعَلَ): ناولته فتناول ، باعدته فتباعد .
تَعَدِّي صيغة (تَفَاعَلَ) ولُزُومُها:
لزوم الفعل المتعدي إلى مفعول واحد بعد دخول التاء عليه .
قصر المتعدي إلى مفعولين على مفعول واحد.
وعليه يكون المعنى من يتساءلون : يسأل بعضهم بعضا ، وهي فعل لازم ، ودلالة صيغة ( تفاعل )
دلالة على تكرر وقوع الفعل منهم ,
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل ، استفدت كثيرا من هذا المبحث ، سأعيد قراءته مرة أخرى للاستفسار عن بعض الأمور
أجزل الله لكم الأجر والمثوبة ، ولعل فضيلتكم يتابع مثل هذه المباحث النافعة .
الخلاصة:
معنى قوله تعالى: (يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضاً، وتفيد هذه الصيغة تكرر وقوع الفعل منهم، وهو أسلوب معروف عند العرب، قال الكلحبة العرني: تُسائلني بنو جشم بن بكر أغراء العرادة أم بهيمُ
هي الفرس التي كرت عليهم عليها الشيخُ كالأسد الكليمُ
الذي في الأصل أعلاه والمؤمنين بالياء ، لأن الكفار يتساءلون الرسول والمؤمنين أي يسألونهم ، فيبدو أن كتابتها بالرفع (والمؤمنون) وهمٌ من الأخت أمة الرحمن غفر الله لنا ولها
الذي في الأصل أعلاه والمؤمنين بالياء ، لأن الكفار يتساءلون الرسول والمؤمنين أي يسألونهم ، فيبدو أن كتابتها بالرفع (والمؤمنون) وهمٌ من الأخت أمة الرحمن غفر الله لنا ولها
فضيلة الشيخ : عبدالرحمن الصالح
نعم وهمتُ ، والصواب ما ذكرتموه
جزاكم الله خيرا على التنبيه
فضيلة الشيخ : عبد العزيز الداخل
لدي بعض الاستفسارات وفقكم الله
1 - ( يتساءلون ) : على المعنى الأول والثاني فعل لازم ، فلا يكون لها مفعول به ، أليس كذلك ؟
2- هل يصح في النحو أن يكون المفعول به شبه جملة ؟ لأننا ذكرنا أن شبه الجملة ( عن النبأ العظيم ) مفعول به على قول السجاوندي والأشموني - رحمهما الله - ؟
3- أحمد بن عبد الكريم الأشموني ( ت: ق 11هـ ) لو توضحون المقصود بـ(ق) هل هي قبل أو قرن ؟
4- عنوان الموضوع : مشروع ( إعداد المفسر ) كيف يمكن الاستفادة من هذا المشروع ؟
وبارك فيكم ونفع بكم وبعلمكم
المعنى الثاني: إفادة وقوع الفعل من متعدد في طرف واحد على مفعول واحد
مثاله: تراءوا الهلالَ
المعنى الثالث: إفادة وقوع الفعل من متقابلين على مفعول مشترك
مثاله: تنازعا الحديث، وتعاطيا الكأس، وتقاسما المال
الاختلاف في الثاني في الفاعل بمعني أنه يمكن القول -تعاطوا الكأس فتكون كالمعني الثاني
المعنى السادس: تفاعل بمعنى فعل ، مثاله: تراءى ، توانى اللللللللل[/quote
ولماذا لم تكن فعل مالفائدة من استخدام تفاعل هنا فنقول إنها للتدرج أو للقوة أو للتكرار وكلها لا تصلح لها فعل
أعتذر عن التأخر لعوارض أسأل الله تعالى أن يعجل بزوالها
أمة الرحمن:
أولاً: أحسنت بالتلخيص بارك الله فيك.
وهذه بعض التوضيحات اليسيرة أرجو أن تفيد في استدراك بعض العبارات الواردة في تلخيصك:
الفعل (سأل) في لغة العرب له استعمالان مشهوران:
الأول: (سأل) العلمية التي يراد بها الاستعلام والاستفهام.
وهذا النوع يتعدى إلى مفعول واحد، كما في قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) فضمير الخطاب (الكاف) في (سألك) في محل نصب مفعول به.
وربما حُذِفَ المفعول لفائدة بلاغية ومن أشهر الفوائد البلاغية في حذف المفعول إرادة العموم كما في قوله تعالى: (يسألون عن أنبائكم) حذف المفعول لإرادة العموم أي يسألون كل أحد، وحينئذ يقدر المفعول تقديراً في الإعراب.
وإذا دخلت تاء التفاعل على هذا الفعل صيرته لازماً
الاستعمال الثاني: (سأل) الطلبية وهي التي فيها معنى الطلب كما في قوله تعالى:
وقوله: (ولا يسألكم أموالكم) وهذا النوع يتعدى إلى مفعولين
فالكاف في محل نصب مفعول أول، و(أموال) مفعول ثانٍ
وعند دخول تاء التفاعل على هذا الفعل تقصره على مفعول واحد كما سبق توضيحه
والنوع الوارد في هذه الآية هو النوع الأول، وعليه فالصحيح أن الفعل يتساءلون فعل لازم
والذين قالوا بأن المفعول جملة (عن النبأ العظيم) لهم مذهب آخر في الإعراب يأتي توضيحه في جواب سؤالك.
وأما بالنسبة لا ستفساراتك:
1: نعم هو كذلك وعليه جمهور أهل العلم.
2: هذا مذهب لبعض النحاة يجعلون الجار والمجرور في مثل هذا المثال في موضع نصب لأنها تؤول بمفرد كما قالوا في التعجب في نحو قول القائل : أكرم بزيد، بعضهم يجعل الجار والمجرور في موضع نصب ويقدر في الفعل ضميراً يكون فاعلاً.
3: (ق11) أي في القرن الحادي عشر
4: مشروع إعداد المفسر يمكن الاستفادة منه بعدة أوجه، وانا عازم على طباعته في كتاب بإذن الله تعالى، وكذلك تضمينه في موقع إلكتروني تعليمي، وكذلك التعاون مع بعض الجهات العلمية ليتمكنوا من الاستفادة.
ولي عودة لإجابة الإخوة الفضلاء بإذن الله تعالى
د. عبد الرحمن الصالح
أشكرك على ملاحظاتك الدقيقة والسديدة
توضيح:
كتاب مجمع التفاسير كتاب كبير قصدت فيه جمع أقوال العلماء فيما يتعلق بآيات الكتاب العزيز بنصوصها على طريقة التصنيف العلمي
فكل مسألة تجمع فيها أقوال العلماء ذات الصلة وترتب على التسلسل التاريخي، لما وجدته في هذه الطريقة من فوائد عظيمة ربما أخصص موضوعاً لبعض فوائدها
لذلك لم يكن بد من اتباع طريقة العمل المؤسسي في إعداد هذا الكتاب
فقسمت العمل فيه على فرق عمل في الإعداد العلمي والنسخ والمقابلة والتشكيل والمراجعة والضبط والتقسيم والتصنيف العام
وتوليت ما يتعلق بالتصنيف الخاص داخل العلوم والتحرير العلمي وأسأل الله الإعانة والتوفيق
والحمد لله على ما وفقنا وهدانا إليه فقد اختصرنا بهذه الطريقة كثيراً من الجهد والوقت وتيسر لنا جمع مادة علمية كبيرة ولله الحمد والمنة
فما جمع في سورة النبأ فقط جاوز أربعة آلاف نقل عن العلماء في مختلف الفنون
فمن المتعذر أن أتولى الضبط بنفسي لكني أسأل عما أستغربه، فإذا وجدت له مستنداً أقررت عملهم حتى يأتيني ما هو أرجح منه فأثبته، ولذلك أحببت أن أتدارس معكم بعض مباحث الكتاب لأستفيد من ملاحظاتكم ونقدكم فإن تدارس العلم مع أهله من أفضل سبل التعلم ، وأدعى لإتقان العمل وهذا ما أنشده، وقد أمرنا الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، والعلم النافع هو سبيل معرفة البر والتقوى، وهو من البر والتقوى.
وكنت قد استغربت ضبط الإخوة في لجنة الضبط لاسم ابن جزي، حيث كان المعروف لدي أنه تصغير لاسم (جَزْء) وهو من الأسماء المعروفة عند العرب، وممن سمي بذلك جزء بن ضرار الفزاري أخو الشماخ الذي رثى عمر بقصيدته الجميلة التي فيها البيت المشهور:
عليك سلام من إمام وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق
ومنهم أيضاً المؤسِّي جزء بن الحارث من حكماء العرب
وجزء بن سنان، وجزء بن الحدرجان صحابي وغيرهم كثير
فسألت الإخوة فأفادوني بأنهم لم يجدوا ضبط اسمه تحديداً عند رجوعهم لعدة كتب ترجمت له فرجعوا إلى كتب المعاجم لمعرفة الضبط الشائع لهذا الاسم، وهذه طريقة يسلكها بعض المحققين عند تعذر ضبط الاسم المعين، والحاصل أنهم وجدوا بعض النقول التي توصلوا بها إلى هذا الضبط ومنها ما قاله الزبيدي في تاج العروس: ( ( وجزي بالكسر وكسُمَي وعَلِيٍّ أسماء ) فمن الأول: خزيمة بن جزي صحابي؛ قال الدارقطني: أهل الحديث يكسرون الجيم، وقال الخطيب: هو بسكون الزاي، والصواب أنه كعَلِيٍّ...).
وقال ابن ماكولا في الإكمال : (وأما جزى بكسر الجيم يقوله أصحاب الحديث - قاله الدارقطني، وقال الخطيب: بسكون الزاي ولم يذكر حركة الجيم، وقال عبد الغني: جزى - بفتح الجيم وكسر الزاي فهو جزي أبو خزيمة وحبان له صحبة ورواية).
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة (ويجوز جزي بكسر الزاي وتشديد المثناة تحت).
فأقررت عملهم لما أفادوني به لاشتغالي بما هو أهم.
ولما سألتني بحثت فوجدت الضبطين شائعين وهو بالضم أشهر، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه عدداً من الرواة ضبهم بالضم والتصغير
ووجدت أيضاً ما هو نص في المسألة وهو ما تفضل بالإرشاد إليه الإخوة الفضلاء ياسر القحطاني ود.عبد الرحمن الشهري على هذا الرابط http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=1335
إلا أنه ضبطه هكذا: (يُعْرفُ بابن جُزَيّء بضم الجيم وفتح الزاي بعدها ياء ساكنة بعدها همزة)
بالتشديد ولا وجه له إلا أن يكون خطأ طباعياً
ولذلك سأصوب تسميته في الكتاب
فجزاك الله خيراً على هذا التنبيه، وجزى الله الإخوة الفضلاء خيراً على ما أفادونا به.
وأما بالنسبة للشاهد الشعري الأول (تسائلني بنو جشم بن بكر...) فأحسنت بالتنبيه فهو لا يصح شاهداً وإن كان يدل على معنى التكرار، ولاشتغال الذهن بمعنى التكرار تبادر هذا الشاهد إلى ذهني فذكرته.
ويعجبني أن يكون في الملتقى من يتنبه لمثل هذا.
وما ذُكر في الخلاصة ليس في كتاب مجمع التفاسير وإنما أضفته للتوضيح وكتبت الشاهد من حفظي على عجالة وهو صدر القصيدة الثالثة من المفضليات، والشاهد الثاني صحيح كاف في الدلالة.
أحسن الله إليكم جميعاً على هذه الفوائد المتتابعة ، وأجزل الله لكم الأجر أيها الأخ الداخل على هذه الهمة العالية، والتحرير الظاهر لمسائل العلم ، وبمثل هذه الهمم بإذن الله نبلغ في تحقيق العلم مبلغاً إن شاء الله، وأسأل الله أن يحقق لك مرادك في إنجاز هذا المشروع العلمي وغيره ، وأن يزيدك توفيقاً وسداداً ، والحمد لله أن هداكم لهذا الأمر وأعانكم عليه .
الأخوة الأفاضل
ألا يمكن اختصار هذه المعاني مثل
المعنى الثاني: إفادة وقوع الفعل من متعدد في طرف واحد على مفعول واحد
مثاله: تراءوا الهلالَ
المعنى الثالث: إفادة وقوع الفعل من متقابلين على مفعول مشترك
مثاله: تنازعا الحديث، وتعاطيا الكأس، وتقاسما المال
الاختلاف في الثاني في الفاعل بمعني أنه يمكن القول -تعاطوا الكأس فتكون كالمعني الثاني
لو قلت: تعاطوا الكأس لأصبح كالمعنى الثاني، وبقي مثال: تعاطيا الكأس منطبقاً على المعنى الثالث
وهذه المعاني قسمت هكذا لغرض التوضيح والبيان، والمعاني الثلاث الأولى بينها تقارب من وجه واختلاف دقيق من وجه آخر لذلك أحببت التنبه لها
وكنت أود أن أسهب في انتقاد المثال الذي ذكره الزمخشري ولكن خشيت أن يتشعب بنا البحث ويطول الكلام فيمل
المعنى السادس: تفاعل بمعنى فعل ، مثاله: تراءى ، توانى
ولماذا لم تكن فعل مالفائدة من استخدام تفاعل هنا فنقول إنها للتدرج أو للقوة أو للتكرار وكلها لا تصلح لها فعل
علماء الصرف جعلوا هذا النوع مستقلاً لأنه لم يجدوا تلك الصيغة تفيد أياً من المعاني السابق ذكرها
وبعض الأمثلة يدخلها التنازع وبعضها مستقيم على ما ذكروه
ومما يستقيم على ما ذكروه قول قيس بن الخطيم:
[poem=font="Simplified Arabic,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ولم أرها إلا ثلاثاً على منى = وعهدي بها عذراء ذات ذوائب
تبدَّت لنا كالشمس تحت غمامة = بدا حاجب منها وضنت بحاجب [/poem]
فقوله: (تبدت) لا يفيد التكرار ولا التدرج ولا القوة ، وإنما رآها على عجالة رؤية غير تامة كما ترى الشمس ودونها غمامة تستر جانباً منها ويظهر جانب.
فهي في معنى بدت.
والعلماء الذين ينفون الترادف في اللغة لا يقرون بذلك، ولهم أمثلة أجادوا في تحريرها وتقرير الفروق بين ما ادعي فيه الترادف، وأمثلة أخرى ظهر في ادعائهم الفرق شيء من التكلف
واللغة لا يحيط بها إلا نبي كما قال الشافعي رحمه الله.
ومما ينبغي التنبيه عليه الفرق بين (تراءى الشيءَ) و(تراءى لأحد)
فالأولى: هو الرائي وتفيد الصيغة محاولة الرؤية وفيها معنى تكرار النظر لمحاولة الرؤية.
والثانية: هو المرئي وإنما تراءى له ليمكنه من رؤيته، وهذه لا يلزم فيها التكرار، ولذلك مثل بها في تفاعل بمعنى فعل
أحسن الله إليكم جميعاً على هذه الفوائد المتتابعة ، وأجزل الله لكم الأجر أيها الأخ الداخل على هذه الهمة العالية، والتحرير الظاهر لمسائل العلم ، وبمثل هذه الهمم بإذن الله نبلغ في تحقيق العلم مبلغاً إن شاء الله، وأسأل الله أن يحقق لك مرادك في إنجاز هذا المشروع العلمي وغيره ، وأن يزيدك توفيقاً وسداداً ، والحمد لله أن هداكم لهذا الأمر وأعانكم عليه .