د. شريف طه يونس
New member
مشروع القرآن علم وعمل
الخطوات العملية؛ للانتفاع الأمثل بالقرآن والاستمتاع به
وتحرير التدبر وتأطيره وتيسيره
*أولا: وصف عام للمشروع
برنامج عملي مرتب بصورة ميسرة، يشرح طبيعة العلاقة بالقرآن الكريم، ويحرر العديد من المفاهيم، يهدف إلى إعانة المسلمين على تدبر القرآن والانتفاع الكامل به، مما يؤهلهم للظفر بوصف أهل القرآن، ويضع لذلك خطة أصيلة محكمة يتم من خلالها إحياء منهج النبي وأصحابه في التدبر والعلم والعمل مع الانتفاع بكافة الوسائل الحديثة في التعليم والتدريب.
فقد يسر المشروع التدبر للجميع وجعله في المتناول ووضعه في إطار عملي متكامل.
وقد تم بفضل الله تطبيق البرنامج لمدة تقارب العشر سنوات على ما يجاوز 2000 شخص بصور شتى.
لم يكن المشروع وليد أيام أو حتى شهور بل هو حصيلة سنوات من البحث والاطلاع والترتيب والهيكلة والبلورة ، ثم التجارب الحية والأحداث الواقعية ممزوجة بالخواطر والتأملات ، والفتوحات والاجتهادات..يعلم الله كم أخذ هذا المشروع من وقتي وجهدي وفكري.
*رؤية مشروع القرآن علم وعمل:
أن يطبق كل مسلم في العالم منهج العلم والعمل في التعامل مع القرآن الكريم فيكون قرآنا يمشي على الأرض، وأن يكون تدبر القرآن واتباعه والقيام بحقوقه كاملة كما أراد الله هو طموح المسلم فيما يتعلق بالقرآن في الأجيال القادمة.
*رسالة مشروع القرآن علم وعمل:
تيسير تدبر القرآن واتباعه والانتفاع الأمثل به، وإعانة المسلمين على أن يكونوا من أهل القرآن العالمين العاملين المبدعين، وتعليم المسلمين كيفية القيام بحقوق القرآن كاملة، وتسديد العديد من المفاهيم والممارسات المتعلقة بالقرآن، وإحياء منهج العلم والعمل في كل ربوع الأرض من خلال الوحي الشريف وباستخدام أحدث الوسائل.
*ثانيا: السمات المميزة لهذا المشروع
1. تيسير وتقريب التدبر، ووضعه في إطار تطبيقي مرتب يتكون من ثلاث كلمات (الإسقاط والتفكر والتفاعل) هدفه إشعال شرارة البدء وإيجاد حلقة الوصل بين الأهداف (المستخرجة من التعلم الكامل تلاوة وسماعا وتجويدا وحفظا وفهما) والمشاريع (الاتباع والتعليم والدعوة. (انظر: الملحق الأول)
2. صياغة منظومة تطبيقية متكاملة مرتبة، تنتظم كل واجباتنا تجاه القرآن، بتحرير كامل لها، دون أدنى خلط بينها. فهناك ألفاظ كثيرة كالإيمان، والاستمساك، والتدبر، والتفكر، والعمل، والاتباع، والتعليم، والتعلم، والفهم، والحفظ، والتجويد والتلاوة والاستماع وغيرها، يجهل الناس ماهيتها حتى عدها بعضهم عبارات نظرية لأنهم يعجزون عن بللورتها في قالب عملي تطبيقي. (انظر: الملحق الثاني)
3. الأصالة؛ حيث يعمل المشروع على إحياء المنهج السلفي (منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) في تعلم وتعليم القرآن، والذي لخصه غير واحد من الصحابة، بقولهم: "فتعلمنا العلم والعمل جميعا".
وقد قام منهج العلم والعمل الذي دعا إليه الوحي وطبقه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أركان:
الأول: تعليم القرآن.
الثاني: تعليم تدبره وطريقة العمل به.
الثالث: متابعة الدارس في تطبيق ما تعلمه وتربيته عليه.
ومن المؤسف الآن أن المنهج المبتور المشهور الذي يركز على الحفظ أو الضبط فقط أصبح سائدا، وأضحى المنهج النبوي الأكمل غريبا وشاذا.
4. الالتزام الكامل بمرجعية الدليل وفهم السلف وترجيحات العلماء في صياغة المشروع.
5. إحياء مفهوم المدارسة الجماعية والتدبر الجماعي في إطار منظبط.
6. المتابعة التربوية والتطبيقية الدقيقة للدارسين: من خلال التواصل الفعال بين المعلم والدارس.
7. الاستفادة من مفاهيم ومبادىء التنمية البشرية الحديثة في تقريب التدبر وتيسير الانتفاع بالقرآن.
8. تنمية ملكات التفكير والإبداع في مواجهة التحديات وتجاوز المشكلات وإسقاط القرآن على الواقع الفردي والجماعي في إطار منضبط.
9. مراعاة المقصد الأكبر من القرآن ألا وهو التعريف بالرب المجيد وترسيخ التوحيد، ودمج خطوات تحقيق ذلك المقصد في خطوات المشروع؛ ليؤتي المشروع في النهاية أكله كاملا.
10. الخروج بالتدبر والقرآن خارج محراب النسك والصلاة ليقوم بدوره الفاعل في محراب الحياة.
11. العلاج العملي لمشكلة الانشغال بالكم على حساب الكيف وتقديم العدد على الكفاءة والإتقان.
*رابعا: التجارب الحية ونشأة الفكرة وتطورها
عمر هذا المشروع قرابة عشر سنوات، تطور خلالها تأطيرا وتأصيلا حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن..
بدأ بتجربة شخصية لمحاولة فهم طبيعة العلاقة بالقرآن الكريم وسبر أغوار مراد الله منا فيما يتعلق بكتابه؛ ثم محاولات شخصية لتطبيق التدبر والقيام بحقوق القرآن.
وبعد استقرار تلك المحاولات الشخصية وتأطيرها نسبيا، انتقلت إلى التجربة الجماعية.
وكانت أولى التجارب الحية على مجموعة من المعتكفين في العشر الآواخر من رمضان قارب عددها الخمسين، وفي حوالي عشرة أيام تم عقد عشرة مجالس تدبرية الهدف منها أن يكون المتدربون من أهل سورة تبارك، وأن ينتفعوا بكل بركاتها وخيراتها، وتم استيفاء حقوق السورة العشر (التلاوة-والاستماع-والضبط-والاستظهار-والفهم-واستخراج الوصايا العملية-والتدبر-والاتباع-والدعوة والتعليم)
- وقد كنا نؤثر دوما تدبر الآيات والسور التي يكثر تكررارها في الأذكار الموظفة وماورد بشأنه فضيلة خاصة لاعتقادنا أنه أحرى بالتدبر، ولولا مزيته عند الله وحاجة الإنسان الأكبر له لما شرع الله تكراره والمواظبة عليه، ربما أكثر من عشر مرات في اليوم والليلة.
وكانت بفضل الله نتائج تلك التجربة مبهرة؛ فقد أحدثت نقلة نوعية في حياة الدارسين، وكسرت الحاجز الذي كان بينهم وبين القرآن وزادتهم له حبا وتعظيما وعليه إقبالا.
- فمجموعة الدارسين منهم من ترقى في مستواه العلمي ومنهم من زادت قوته العملية وارتفعت همته ومنهم من رسخت أقدامه على الطريق بعد تردد ومنهم من كانت تلك المجالس بالنسبة له بداية الهداية.
ولقد شجعتنا تلك التجربة على مواصلة السير، فكنا نعقد مجالس تدبرية تردد عليها مايربو على 300 دارس في خلال السنوات الثلاث الأولى. ثم أصبح العدد بفضل الله يتزايد باضطراد.
- وكلُ سنة يكون الاعتكاف بمثابة المؤتمر السنوي الذي يتم فيه مناقشة الفكرة وتطويرها وترسيخها، وفي كل عام تتبلور الفكرة وتتطور بصورة أكبر.
ثم بدأ التوسع بعد السنوات الثلاثة الأولى في حجم مشاركة الدارسين ومتابعتهم فيما يخرجون به من المجالس التدبرية.
ثم بدأت مرحلة التوسع في سبر أغوار فكرة التدبر وتحرير مفهومه ووضع مواد علمية يرجع إليها الدارسون.
- ولازالت تلك المواد العلمية تتطور وتتجدد وتنفتح على التجارب الأخرى لأكابر هذا الفن ومتخصصيه حتى وصلت إلى شكلها النهائي.
وقمنا بمحاولة المزج بين طريقة السلف في التعامل مع القرآن وطرق التدريب الحديثة كورش العمل والعصف الذهني وتنمية مهارات التفكير والتواصل وغيرها، واستخدمنا وسائل العرض الحديثة كالباوربوينت وغيرها.
- وفي الحقيقة لقد وجدنا تراث السلف حافلا بكل هاتيك الأشياء وماهو أروع لكنه كان بحاجة إلى إبراز وإعادة ترتيب.
- ومن الأمور العجيبة أننا وضعنا هيكلا لتصور عملي للتدبر في البداية، ثم مع اتساع رقعة البحث والاطلاع والفهم وجدنا تراثنا من الوحي وأحوال السلف يزخر بما هو أروع وأمتع وأبرع.
في البداية كان الهدف مجرد الفهم واستخراج الوصايا العملية والإسقاط ثم انضاف إلى الإسقاط التفكر ثم انضاف إليه التفاعل ثم انضاف إليه التخطيط لاتباع الوصية ثم انضاف إليه عميق التأمل في الألفاظ والتعبيرات والمناسبات.
وبدأنا نلاحظ أن غياب خطوة التجهيز قبل التدبر والتعزيز بعدها يؤثر على الحصيلة التدبرية، فتمت بللورة هاتين الخطوتين في إطار عملي.
ثم بدأنا نزيد بعدا آخر، أكثر عمقا، وهو التأمل في محور السورة العام ومحاورها الفرعية وعلاقة الأفكار والآيات بالمحور العام، وطريقة العرض والانتفاع بها في تطوير الخطاب الدعوي.
ولأن أهم وسائل المعرفة بالله؛ هي التأمل في آيات الكتاب المسطور، والتأمل في آيات الكون المنظور، والتأمل في آيات الواقع والتاريخ المأثور، والقرآن يجمع جميع تلك الوسائل ويحض عليها ويبين كيفية تحقيقها. لكل ما سبق أضفنا بعدا عقديا إيمانيا للتدبر فأصبحنا نتأمل في الأسماء والصفات التي تظهر آثارها في الآية.
ولقد أصبح لدينا الآن تصور عملي كامل لحقيقة التدبر وأدواته ومستوياته وكيفية استثمار ثمراته، حتى أضحى مستوى الحلقات يختلف من حلقة لأخرى حسب المستوى العلمي والإيماني للدارسين والمدرسين، فلم يصبح التدبر اليوم حكرا على طائفة دون أخرى ولم يعد حلما بعيد المنال. (انظر: الملحقين الثاني والثالث)
ثم اجتهدنا في دعوة غيرنا لفكرتنا فكنا نعقد دورات مكثفة للحديث عن القرآن وتدبره ومشروعنا العملي، وانتقلنا بذلك في أماكن عديدة.
واجتهدنا في إدخال فكرتنا على الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم حتى بين الأطفال.
ووفقنا الله لإدخال تلك الطريقة العملية التربوية في التعامل مع القرآن إلى بعض معاهد العلوم الشرعية وتمت بالفعل دراسة سورة الشورى بتلك الطريقة.
بل توسع الأمر بفضل الله وبدأ بعض إخواننا تطبيق ذلك المشروع على بعض طلبة الطب الذين يدرسون لديه على هامش دراستهم الطبية ولاقى الأمر نجاحا كبيرا وإقبالا رائعا.
ولقد ألهمتنا تلك الطريقة في التعامل مع القرآن مشاريع مشابهة كمشروع "الإيمان علم وعمل" ومشروع "السنة علم وعمل" ومشروع "السير والتاريخ علم وعمل" وتم بفضل الله تنفيذ معظم تلك المشاريع لكن على نطاق أضيق من نطاق مشروع القرآن.
وبذلك يكون التدبر قد تحرر لدى الشباب المسلم من أسر الهلامية وتخلص من نير النظرية، وأدى دوره كحلقة وصل وشرارة بدء في تجلية قضايا القرآن السلوكية والإيمانية والفكرية والتربوية والدعوية والعلمية والتنموية، وولد الدافعية الكبرى لاتباع القرآن والحرص على القيام بحقوقه كاملة حتى يتحقق المقصد الأكبر ويكون كل المسلمين أهلا للقرآن الكريم.
ولقد استطعنا بفضل الله وتوفيقه الوقوف عند الحد الفاصل بين ما يعتبر تركه تقاعسا وما يعتبر الخوض فيه تجاوزا للحدود، فمجالس التدبر يديرها أخ ضابط لاعتقاد أهل السنة ومدرك لأصول التفسير الضرورية، ومطلع على كلام أهل العلم في المسألة لكي يسدد الأفهام ويحجزها عن الشطط والأوهام. والدارسون يترسخ لديهم أنهم ليسوا مفسرين، وليسوا علماء من حقهم الاستنباط والقياس واستخراج الأحكام الفقهية، وبذلك يكون فضل الله علينا اكتمل بتجنيبنا ما يكون في هذا الباب من إفراط أو تفريط.
ومشروعنا الآن تمت بللورته في كتاب يتحدث عن كيفية الاستمتاع والانتفاع الكامل بالقرآن، وآخر عنوانه تيسير التدبر، وورقة عمل مختصرة تطبق على كل آية من كتاب الله، وحصيلة تجارب تربو على 5000 آلاف تجربة في خلال عشر سنوات لحوالي 2000 شخص.
وقد تم والحمد لله الآن إنشاء مدرسة قرآن للعلم والعمل، ومعهد للتعامل بنفس طريقة التعامل مع القرآن مع غيره من العلوم كعلوم السنة والسيرة والإيمان أسميناه معهد العلم والعمل.
*آليات العمل وطريقة التطبيق
هناك العديد من صور تطبيق المشروع بآليات متعددة:
أولا: التطبيق الشخصي. (انظر: الملحقين الثالث والرابع)
ثانيا: حلقات التدبر الجماعية. (انظر: الملحقين الخامس والسادس)
ثالثا: مدارس وخلوات القرآن.
رابعا: مادة التفسير التدبري لطلاب المعاهد والجامعات.
خامسا: دورات العصف الذهني التدريبية.
سادسا: معسكرات واعتكافات التدبر.
سابعا: التدبر على هامش الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم.
ثامنا: التدبر على هامش الدورات والمعسكرات العلمية.
تاسعا: التدبر على هامش مناهج العلوم التجريبة، كالطب والهندسة والإدارة وغيرها.
عاشرا: التدبر للأطفال.
حادي عشر: معهد العلم والعمل النوعي التدبري. (الملحق: السابع)
ثاني عشر: استخدام التدبر في الخطابات الدعوية.
*ما الذي سيثمره ذلك المشروع لمطبقيه؟
1. تزكية النفوس وتنميتها، وتغيرها في اتجاه الأفضل تطهيرا وتطويرا؛ فيصير الإنسان متميزا في محراب النسك والصلاة ومحراب الحياة، يكون بحق إنسان الإيمان وفي ذات الوقت إنسان العمران.
2. زيادة رقعة الإيمان بالله وأسمائه وصفاته في القلب، وتحقيق لوازم التوحيد. قال ابن مسعود: (من أحبَّ أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر: فإن كان يحبُّ القرآن, فهو يحبُّ الله ورسوله)
3. تمكن حب القرآن من القلوب، وتقديره حق قدره، مما يزيد مساحة الاهتداء به، والانتصار له.
4. زيادة الإقبال على القرآن ودوام الأمل في القيام بحقوقه كاملة، حيث إن هذا المشروع يؤثر في المتعلم ويجد من بركته في حياته ما يزيده إقبالا على المصحف وتعلقا به وييسر عليه القيام بحقوقه.
5. تحسين آداء مدارس القرآن وحلقات تعليمه لتكون كما أراد الله لا كما أراد الناس.
6. الحد من انتشار ظاهرة الانفصام الفج بين العلم والعمل وتفشي الصور السيئة لمعلمي ومتعلمي القرآن الذين لا يعرفون منه إلا حروف، فهذا المشروع يحقق مقصد التعليم بالإضافة إلى التربية بالقرآن والتأدب بآدابه.
7. تعميق صلة المسلمين بالمنهج السلفي (منهج النبي () وأصحابه) في تعلم وتعليم القرآن وتحرير انتسابهم له.
8. تسديد مفهوم أهل القرآن، وتوضيح الطريقة العملية للتحقق بهذا الوصف الشريف.
9. زيادة الأمل في أن يكون القرآن حجة لنا يوم القيامة، وفي الحديث: "والقرآن حجة لك أو عليك" فالمشروع يعلمنا في ثناياه كيف يكون القرآن حجة لنا.
10. النجاة – إن شاء الله – من أن نكون من الخاسرين الهاجرين لكتاب الله الداخلين في قول الله: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً" [الفرقان: 30] حيث يجنبنا تطبيق المشروع – إن شاء الله – كل صور الهجران التي تحدث عنها العلماء.
11. التحقق– إن شاء الله - بوصف "الناصح لكتاب الله"، فقد روى مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ () قَالَ:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ (وعند النسائي: إنما)» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ:«لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». والمشروع يقدم أشمل تصور عملي لمفهوم النصيحة.
12. تحقيق الإيمان الكامل بالقرآن، الركن الهام من أركان الإيمان، والذي يُجْمِل واجبنا تجاه القرآن، ويسير بنا مباشرة في طريق التحقق بوصف "أهل القرآن"، ويشرح المشروع معنى الإيمان بالقرآن ويضع ذلك الإيمان في قالب تطبيقي سهل.
13. الفوز بخيرات القرآن الكاملة، وبركاته الفاضلة؛ (فمن يكون لله ولكتابه كما يريد، يعطيه الله من بركاته ويفيض).
*أثر المشروع في المتدربين
وقد تم بفضل الله تطبيق المشروع على ما يربو على ألفي شخص، بحصيلة تجارب حوالي 5000 تجربة، مع تباين واضح في أعمارهم، وجنسهم، ومدة تطبيق البرنامج عليهم، ومستواهم الاجتماعي والعلمي والفكري والثقافي، ومستوى المدرب، ومستوى التأثر، وقد أفرزت التجارب نتائج مبهرة منها:
1- إصلاح العديد من المشكلات لدى المتدربين، كالمشكلات الدراسية والاجتماعية.
2- وضوح الرؤية فيما يتعلق بالعلاقة بالقرآن وكيفية تدبره والتعامل السديد معه.
3- زيادة الدافعية والهمة لدى المتدربين فيما يخص الدعوة إلى الله وطلب العلم والعمل التطوعي وغيرها.
4- إقلاع الكثير من المتدربين عن كثير من الذنوب والمعاصي والعادات السيئة.
5- زيادة الإقبال على القرآن قراءة وتدبرا وتعلما وتعليما مع زيادة رقعة الاهتمام به والانتماء إليه.
6- الاستمتاع بالقرآن والتخلص من المشقة والإحساس بالملل الذي كان يراود بعض المتدربين.
7- صلاح القلب وتزكية النفس والتحرر من العديد من الأخلاقيات السيئة.
8- تحسن العلاقة بالله وزيادة الإقبال على الآخرة والرغبة في تحقيق العبودية.
9- المشاركة الإيجابية الفعالة في الأعمال الجماعية وحل مشكلات المجتمع والأفراد.
10- النجاح في محراب الحياة أضحى قرينا للنجاح في محراب النسك والصلاة.
ولولا ضيق المقام لذكرت نماذج تفصيلية لمن تأثروا بالبرنامج، ولكن سأكتفي بهذه الأمثلة:
1- طالبة في الجامعة كانت ترسب في دراستها لثلاث سنوات متتالية، وبعد دخول المشروع حياتها، تنجح من أول مرة وبتقدير جيد لأول مرة في حياتها؛ لدرجة أن أهلها أرسلوا يشكروننا.
2- مدرس أمراض القلب بالجامعة، يتحدث بعد عشرة أيام من الانتظام في البرنامج قائلا ما فحواه: "لقد أحدث البرنامج نقلة نوعية في حياتي كلها، تغيرت أهدافي واهتماماتي، وأصبحت أنظر للحياة من منظور آخر، أشعر بسعادة غامرة وبأنني ولدت من جديد"
3- طالب بالجامعة كان مجتهدا في الدعوة ومجتهدا في تحصيل الاستقامة، وحصلت له انتكاسة وكان ممن يحاربون البرنامج، ثم ساقه الله إلى البرنامج، فتبدلت حياته تماما، وتعافى من انتكاسته، وزادت انتاجيته الدعوية والتطوعية بشكل ملحوظ، بل ومكنه الله من تجاوز مشاكله الدراسية والاجتماعية، وهو الآن من أشد الداعمين للبرنامج.
4- كان ملتزما مع مجموعة من زملائه بالجامعة ولما عاد لبلدته وجد نفسه وحيدا ففترت همته وهدده شبح الانتكاسة، ثم ساقه الله إلى البرنامج فاشتعلت همته وارتفعت عزيمته، وهو الآن كلما رأيناه مقت إلينا أنفسنا بسبب اجتهاده الفذ وصدقه الفريد وهمته التي جاوزت الثريا.
5- كان من أنشط الناس في الدعوة وطلب العلم ولطالما نفر من البرنامج لكن بعد انتهاء الحياة الجامعية وبداية الحياة العملية تغيرت أحواله وفترت عزيمته، ثم ساقه الله إلى البرنامج فندم على أنه لم يطبقه منذ زمن وتمنى أن لم يكن مما كان شيئا.
6- حفظ القرآن بعد مشقة وعناء وضغط من الوالدين في الثالثة عشرة من عمره، لكنه لما انتظم في البرنامج أحب القرآن وزاد إقباله عليه، بل وتبدلت أخلاقه وتحسن أداؤه الدراسي.
7- في تجربة أجريت على بعض الأطفال الذين انتظموا في دورة مكثفة لحفظ القرآن الكريم، طلب من الأطفال أن يتدبر كل واحد منهم في آية واحدة من ورده، فإذا ببعض الأطفال يقول إجابة عن سؤال: مع أي الآيات توقفت؟ "قوله تعالى: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا)" ولما سألناه عن تفاعله مع الآية وما ينوي فعله قال: "لقد كنت أؤذي إخواني وأخواتي فشعرت أن الإيذاء أمر قبيح، ونويت ألا أؤذي أحدا أبدا"
8- كان يعاني من "الأنا" والرياء وغيرها من الأمراض القلبية بصورة ملحوظة، لكنه لما انتظم في البرنامج هذبه وأصلح من شانه وصيره إنسانا جديدا.
9- كانت عنده مشكلات في عمله، أدت إلى مشكلات اجتماعية، وكان يجبن عن أخذ خطوات فيها الحل، لكنه لما انتظم في البرنامج زاد يقينه وتوكله، وبدأ مشروعه الخاص فأصبح الآن تاجرا صدوقا كبيرا، وزالت مشكلاته وتبدلت حياته.
10- عصفت بالبلاد فتنة تجعل الحليم حيرانا؛ شعر معها باضطراب وحيرة؛ تفاعل مع الأمر حسبما يتراءى له؛ حضر معنا "تدبر سورة الإخلاص" وبعد الانتهاء من الحلقة قال مافحواه: "كنت مشتتا لكنني لما تدبرت سورة الإخلاص ونويت التفاعل مع ما تدعو إليه من جعل التوحيد منهج حياة؛ شعرت بهدوء وسكينة وطمأنينة وولى شتاتي وتلاشت حيرتي"
11- لطالما كان يخاف الحسد حتى نفر منه كل من حوله؛ حضر معنا تدبر سورة الفلق؛ لم يكن من المتفاعلين بصورة جيدة؛ لدرجة جعلتني أتوهم أنه لم يستفد شيئا؛ لكنه فاجأني لما قال لي يوما في جلسة خاصة ما فحواه: "جزاكم الله خيرا على تدبر سورة الفلق؛ لقد كنت أعاني من الخوف من الحسد، ولطالما أرقني؛ لكنني اليوم لم أعد أبالي به"
12- أحوال البلد كانت مضطربة، لاسيما أحوالها الأمنية؛ حضر معنا تدبر سورة الفلق؛ فقال مافحواه: "لقد أضحيت أشعر بأمان عجيب، لم أعد أشعر بالخوف من أي شيء، فالاستعاذة قد بددت كل المخاوف"
13- ولا أنسى واحدا من القُرَّاء الذين يُشَار إليهم بالبنان استمع يوما إلى محاضرة تناولتُ فيها فكرة المشروع فجاء - والفضل لله وحده – بعد المحاضرة وأخبرني أن هذه المحاضرة قد حولت مسار حياته وجعلته يندم على ثلاثين سنة مرت من عمره ، وكانت تلك المحاضرة بداية انطلاقة كبيرة في علاقته بالقرآن الكريم.
*أسئلة وردود
*ماهي المعوقات التي واجهتك أثناء سعيك لتحقيق المشروع؟
1. مخالفة الفكرة لكثير مما درج الناس عليه فيما يتعلق بالقرآن.
2. قلة الذين يتبنون الفكرة من العلماء المتخصصين.
3. الإغراق النظري من كثير ممن يتكلمون في الموضوع.
4. عدم وجود وقف خيري يتبنى المشروع ويساعد في تطويره ونشره.
*هل تنصح بأن يكون لكل منا مشروع قرآني يشغله ويسعى لتحقيقه؟
ردا على هذا السؤال الذي وجه إلي أقول: "الحياة بعيدا عن القرآن هي عين الموت وإن كان الإنسان لا يزال يتنفس وقلبه ينبض؛ فوجود مشروع قرآني لكل منا مسألة حتمية؛ فكل منا له مشروعه الدنيوي الذي ينشغل به مع تفاوت في نوايا هذا الانشغال، فلم لا يولي كل منا اهتماما أكبر لمشروع الحياة الخالدة الحقيقية. ما أروع أن نعتبر القرآن مشروعنا ونخطط للمشروع وندأب في تنفيذه ونشره كما ندأب في رعاية مشاريع الدنيا وتطويرها".
*ماهي أهم مقومات نجاح أي مشروع مع كتاب الله؟
المقومات كثيرة لكنني أذكر أهمها باختصار:
*الأول: الإخلاص.
*الثاني: الصدق.
*الثالث: الاستعانة بالله.
*الرابع: التوبة النصوح.
*الخامس: التفاؤل والأمل.
*السادس: الثقة بالنفس.
*السابع: العزيمة والمبادرة.
*الثامن: الإجهاز على المعوقات.
*التاسع: التخطيط والإعداد الجيد.
*العاشر: الصبر.
*الحادي عشر: المجاهدة.
*الثاني عشر: لاتقنع بما دون النجوم (علو الهمة)
*ثالث عشر: تطليق الكسل.
*سادس عشر: الاستحضار الدائم لضرورة المشروع.
*رابع عشر: اغتنام الظروف المناسبة.
*خامس عشر: عدم التأثر السلبي بالآخرين .
*سابع عشر: مجاهدة الفتور.
*ثامن عشر: تحصين نفسك للحفاظ على كنوزك.
*هل هناك مشاريع قرآنية تتعرض للفشل؟ ومتى يكون ذلك؟
قد يحدث ذلك إن غاب مقوم من مقومات نجاحها؛ لكن يندر ذلك مع سلامة النية؛ فالله لشرف كتابه وكرامته عليه يعين ويسدد كل من كان صادقا في خدمته.
*هلا وجهت نصيحة لأهل القرآن ومحبيه!
أقول لكل محبي القرآن:
والله لقد استشعرت كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية لما قال وشمس حياته قد أشرفت على المغيب: "ندمت على تضييع أوقاتي في غير معاني القرآن" (ذيل طبقات الحنابلة:2/402).
كم كنت محروما يوم غفلت عن القرآن ولو لطرفة عين!
يا إخواني! الوحي الشريف من شأنه بخصائصه النورانية (قوته العلمية التي تهدينا وتعصمنا من الضلال والشقاء) وخصائصه الروحية (قوته العملية التي تعيننا على التطهير والتغيير والارتقاء) أن يصنع أكمل إنسان ويصلح كل زمان ومكان، لكن طريقة تعاملنا الخاطئة معه حرمتنا أثره وبركته في حياتنا.
قال الله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]
ولا يخفى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما تعامل مع الوحي بطريقة العلم والعمل، جعل منه هاديا مهديا وصالحا مصلحا، فبلغ الكمال البشري، بل أضحى خير البشر أجمعين، وطفق يصنع بالوحي نماذج سامية بلغت الكمال الإنساني من خلال طريقة العلم والعمل.
ولحملة لواء القرآن من العلماء والقراء والمتخصصين أقول:
يا أهل القرآن! لستم على شيء حتى تقيموا القرآن.
يا أهل القرآن! لن تكونوا أهلا للقرآن إلا إذا تدبرتموه واتبعتموه وأديتم حقوقه؛ فلا يغرنكم ما يصفكم الناس به من أوصاف، الأهم هل أنتم عند الله حقا "أهل قرآن".
يا أهل القرآن! استشعروا قدر الشرف الذي اصطفاكم الله له حين أكرمكم بحمل كتابه وكونوا أهلا لهذا الاصطفاء وذلك التكريم.
يا أهل القرآن! أهل الباطل لايدخرون وسعا في خدمة باطلهم فأنتم أولى بذلك منهم.
يا أهل القرآن! ما أنزل الله هذا الكتاب ليحبس في السطور أو الصدور فاستفرغوا وسعكم في التحرك به بين الناس والتخلق بأخلاقه.
يا أهل القرآن! الدنيا كلها تنتظركم، فاصلحوا، وأصلحوا دنيا الناس ودنياهم وأخراهم بالنور الذين بين أيديكم.
برنامج عملي مرتب بصورة ميسرة، يشرح طبيعة العلاقة بالقرآن الكريم، ويحرر العديد من المفاهيم، يهدف إلى إعانة المسلمين على تدبر القرآن والانتفاع الكامل به، مما يؤهلهم للظفر بوصف أهل القرآن، ويضع لذلك خطة أصيلة محكمة يتم من خلالها إحياء منهج النبي وأصحابه في التدبر والعلم والعمل مع الانتفاع بكافة الوسائل الحديثة في التعليم والتدريب.
فقد يسر المشروع التدبر للجميع وجعله في المتناول ووضعه في إطار عملي متكامل.
وقد تم بفضل الله تطبيق البرنامج لمدة تقارب العشر سنوات على ما يجاوز 2000 شخص بصور شتى.
لم يكن المشروع وليد أيام أو حتى شهور بل هو حصيلة سنوات من البحث والاطلاع والترتيب والهيكلة والبلورة ، ثم التجارب الحية والأحداث الواقعية ممزوجة بالخواطر والتأملات ، والفتوحات والاجتهادات..يعلم الله كم أخذ هذا المشروع من وقتي وجهدي وفكري.
*رؤية مشروع القرآن علم وعمل:
أن يطبق كل مسلم في العالم منهج العلم والعمل في التعامل مع القرآن الكريم فيكون قرآنا يمشي على الأرض، وأن يكون تدبر القرآن واتباعه والقيام بحقوقه كاملة كما أراد الله هو طموح المسلم فيما يتعلق بالقرآن في الأجيال القادمة.
*رسالة مشروع القرآن علم وعمل:
تيسير تدبر القرآن واتباعه والانتفاع الأمثل به، وإعانة المسلمين على أن يكونوا من أهل القرآن العالمين العاملين المبدعين، وتعليم المسلمين كيفية القيام بحقوق القرآن كاملة، وتسديد العديد من المفاهيم والممارسات المتعلقة بالقرآن، وإحياء منهج العلم والعمل في كل ربوع الأرض من خلال الوحي الشريف وباستخدام أحدث الوسائل.
*ثانيا: السمات المميزة لهذا المشروع
1. تيسير وتقريب التدبر، ووضعه في إطار تطبيقي مرتب يتكون من ثلاث كلمات (الإسقاط والتفكر والتفاعل) هدفه إشعال شرارة البدء وإيجاد حلقة الوصل بين الأهداف (المستخرجة من التعلم الكامل تلاوة وسماعا وتجويدا وحفظا وفهما) والمشاريع (الاتباع والتعليم والدعوة. (انظر: الملحق الأول)
2. صياغة منظومة تطبيقية متكاملة مرتبة، تنتظم كل واجباتنا تجاه القرآن، بتحرير كامل لها، دون أدنى خلط بينها. فهناك ألفاظ كثيرة كالإيمان، والاستمساك، والتدبر، والتفكر، والعمل، والاتباع، والتعليم، والتعلم، والفهم، والحفظ، والتجويد والتلاوة والاستماع وغيرها، يجهل الناس ماهيتها حتى عدها بعضهم عبارات نظرية لأنهم يعجزون عن بللورتها في قالب عملي تطبيقي. (انظر: الملحق الثاني)
3. الأصالة؛ حيث يعمل المشروع على إحياء المنهج السلفي (منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) في تعلم وتعليم القرآن، والذي لخصه غير واحد من الصحابة، بقولهم: "فتعلمنا العلم والعمل جميعا".
وقد قام منهج العلم والعمل الذي دعا إليه الوحي وطبقه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أركان:
الأول: تعليم القرآن.
الثاني: تعليم تدبره وطريقة العمل به.
الثالث: متابعة الدارس في تطبيق ما تعلمه وتربيته عليه.
ومن المؤسف الآن أن المنهج المبتور المشهور الذي يركز على الحفظ أو الضبط فقط أصبح سائدا، وأضحى المنهج النبوي الأكمل غريبا وشاذا.
4. الالتزام الكامل بمرجعية الدليل وفهم السلف وترجيحات العلماء في صياغة المشروع.
5. إحياء مفهوم المدارسة الجماعية والتدبر الجماعي في إطار منظبط.
6. المتابعة التربوية والتطبيقية الدقيقة للدارسين: من خلال التواصل الفعال بين المعلم والدارس.
7. الاستفادة من مفاهيم ومبادىء التنمية البشرية الحديثة في تقريب التدبر وتيسير الانتفاع بالقرآن.
8. تنمية ملكات التفكير والإبداع في مواجهة التحديات وتجاوز المشكلات وإسقاط القرآن على الواقع الفردي والجماعي في إطار منضبط.
9. مراعاة المقصد الأكبر من القرآن ألا وهو التعريف بالرب المجيد وترسيخ التوحيد، ودمج خطوات تحقيق ذلك المقصد في خطوات المشروع؛ ليؤتي المشروع في النهاية أكله كاملا.
10. الخروج بالتدبر والقرآن خارج محراب النسك والصلاة ليقوم بدوره الفاعل في محراب الحياة.
11. العلاج العملي لمشكلة الانشغال بالكم على حساب الكيف وتقديم العدد على الكفاءة والإتقان.
*رابعا: التجارب الحية ونشأة الفكرة وتطورها
عمر هذا المشروع قرابة عشر سنوات، تطور خلالها تأطيرا وتأصيلا حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن..
بدأ بتجربة شخصية لمحاولة فهم طبيعة العلاقة بالقرآن الكريم وسبر أغوار مراد الله منا فيما يتعلق بكتابه؛ ثم محاولات شخصية لتطبيق التدبر والقيام بحقوق القرآن.
وبعد استقرار تلك المحاولات الشخصية وتأطيرها نسبيا، انتقلت إلى التجربة الجماعية.
وكانت أولى التجارب الحية على مجموعة من المعتكفين في العشر الآواخر من رمضان قارب عددها الخمسين، وفي حوالي عشرة أيام تم عقد عشرة مجالس تدبرية الهدف منها أن يكون المتدربون من أهل سورة تبارك، وأن ينتفعوا بكل بركاتها وخيراتها، وتم استيفاء حقوق السورة العشر (التلاوة-والاستماع-والضبط-والاستظهار-والفهم-واستخراج الوصايا العملية-والتدبر-والاتباع-والدعوة والتعليم)
- وقد كنا نؤثر دوما تدبر الآيات والسور التي يكثر تكررارها في الأذكار الموظفة وماورد بشأنه فضيلة خاصة لاعتقادنا أنه أحرى بالتدبر، ولولا مزيته عند الله وحاجة الإنسان الأكبر له لما شرع الله تكراره والمواظبة عليه، ربما أكثر من عشر مرات في اليوم والليلة.
وكانت بفضل الله نتائج تلك التجربة مبهرة؛ فقد أحدثت نقلة نوعية في حياة الدارسين، وكسرت الحاجز الذي كان بينهم وبين القرآن وزادتهم له حبا وتعظيما وعليه إقبالا.
- فمجموعة الدارسين منهم من ترقى في مستواه العلمي ومنهم من زادت قوته العملية وارتفعت همته ومنهم من رسخت أقدامه على الطريق بعد تردد ومنهم من كانت تلك المجالس بالنسبة له بداية الهداية.
ولقد شجعتنا تلك التجربة على مواصلة السير، فكنا نعقد مجالس تدبرية تردد عليها مايربو على 300 دارس في خلال السنوات الثلاث الأولى. ثم أصبح العدد بفضل الله يتزايد باضطراد.
- وكلُ سنة يكون الاعتكاف بمثابة المؤتمر السنوي الذي يتم فيه مناقشة الفكرة وتطويرها وترسيخها، وفي كل عام تتبلور الفكرة وتتطور بصورة أكبر.
ثم بدأ التوسع بعد السنوات الثلاثة الأولى في حجم مشاركة الدارسين ومتابعتهم فيما يخرجون به من المجالس التدبرية.
ثم بدأت مرحلة التوسع في سبر أغوار فكرة التدبر وتحرير مفهومه ووضع مواد علمية يرجع إليها الدارسون.
- ولازالت تلك المواد العلمية تتطور وتتجدد وتنفتح على التجارب الأخرى لأكابر هذا الفن ومتخصصيه حتى وصلت إلى شكلها النهائي.
وقمنا بمحاولة المزج بين طريقة السلف في التعامل مع القرآن وطرق التدريب الحديثة كورش العمل والعصف الذهني وتنمية مهارات التفكير والتواصل وغيرها، واستخدمنا وسائل العرض الحديثة كالباوربوينت وغيرها.
- وفي الحقيقة لقد وجدنا تراث السلف حافلا بكل هاتيك الأشياء وماهو أروع لكنه كان بحاجة إلى إبراز وإعادة ترتيب.
- ومن الأمور العجيبة أننا وضعنا هيكلا لتصور عملي للتدبر في البداية، ثم مع اتساع رقعة البحث والاطلاع والفهم وجدنا تراثنا من الوحي وأحوال السلف يزخر بما هو أروع وأمتع وأبرع.
في البداية كان الهدف مجرد الفهم واستخراج الوصايا العملية والإسقاط ثم انضاف إلى الإسقاط التفكر ثم انضاف إليه التفاعل ثم انضاف إليه التخطيط لاتباع الوصية ثم انضاف إليه عميق التأمل في الألفاظ والتعبيرات والمناسبات.
وبدأنا نلاحظ أن غياب خطوة التجهيز قبل التدبر والتعزيز بعدها يؤثر على الحصيلة التدبرية، فتمت بللورة هاتين الخطوتين في إطار عملي.
ثم بدأنا نزيد بعدا آخر، أكثر عمقا، وهو التأمل في محور السورة العام ومحاورها الفرعية وعلاقة الأفكار والآيات بالمحور العام، وطريقة العرض والانتفاع بها في تطوير الخطاب الدعوي.
ولأن أهم وسائل المعرفة بالله؛ هي التأمل في آيات الكتاب المسطور، والتأمل في آيات الكون المنظور، والتأمل في آيات الواقع والتاريخ المأثور، والقرآن يجمع جميع تلك الوسائل ويحض عليها ويبين كيفية تحقيقها. لكل ما سبق أضفنا بعدا عقديا إيمانيا للتدبر فأصبحنا نتأمل في الأسماء والصفات التي تظهر آثارها في الآية.
ولقد أصبح لدينا الآن تصور عملي كامل لحقيقة التدبر وأدواته ومستوياته وكيفية استثمار ثمراته، حتى أضحى مستوى الحلقات يختلف من حلقة لأخرى حسب المستوى العلمي والإيماني للدارسين والمدرسين، فلم يصبح التدبر اليوم حكرا على طائفة دون أخرى ولم يعد حلما بعيد المنال. (انظر: الملحقين الثاني والثالث)
ثم اجتهدنا في دعوة غيرنا لفكرتنا فكنا نعقد دورات مكثفة للحديث عن القرآن وتدبره ومشروعنا العملي، وانتقلنا بذلك في أماكن عديدة.
واجتهدنا في إدخال فكرتنا على الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم حتى بين الأطفال.
ووفقنا الله لإدخال تلك الطريقة العملية التربوية في التعامل مع القرآن إلى بعض معاهد العلوم الشرعية وتمت بالفعل دراسة سورة الشورى بتلك الطريقة.
بل توسع الأمر بفضل الله وبدأ بعض إخواننا تطبيق ذلك المشروع على بعض طلبة الطب الذين يدرسون لديه على هامش دراستهم الطبية ولاقى الأمر نجاحا كبيرا وإقبالا رائعا.
ولقد ألهمتنا تلك الطريقة في التعامل مع القرآن مشاريع مشابهة كمشروع "الإيمان علم وعمل" ومشروع "السنة علم وعمل" ومشروع "السير والتاريخ علم وعمل" وتم بفضل الله تنفيذ معظم تلك المشاريع لكن على نطاق أضيق من نطاق مشروع القرآن.
وبذلك يكون التدبر قد تحرر لدى الشباب المسلم من أسر الهلامية وتخلص من نير النظرية، وأدى دوره كحلقة وصل وشرارة بدء في تجلية قضايا القرآن السلوكية والإيمانية والفكرية والتربوية والدعوية والعلمية والتنموية، وولد الدافعية الكبرى لاتباع القرآن والحرص على القيام بحقوقه كاملة حتى يتحقق المقصد الأكبر ويكون كل المسلمين أهلا للقرآن الكريم.
ولقد استطعنا بفضل الله وتوفيقه الوقوف عند الحد الفاصل بين ما يعتبر تركه تقاعسا وما يعتبر الخوض فيه تجاوزا للحدود، فمجالس التدبر يديرها أخ ضابط لاعتقاد أهل السنة ومدرك لأصول التفسير الضرورية، ومطلع على كلام أهل العلم في المسألة لكي يسدد الأفهام ويحجزها عن الشطط والأوهام. والدارسون يترسخ لديهم أنهم ليسوا مفسرين، وليسوا علماء من حقهم الاستنباط والقياس واستخراج الأحكام الفقهية، وبذلك يكون فضل الله علينا اكتمل بتجنيبنا ما يكون في هذا الباب من إفراط أو تفريط.
ومشروعنا الآن تمت بللورته في كتاب يتحدث عن كيفية الاستمتاع والانتفاع الكامل بالقرآن، وآخر عنوانه تيسير التدبر، وورقة عمل مختصرة تطبق على كل آية من كتاب الله، وحصيلة تجارب تربو على 5000 آلاف تجربة في خلال عشر سنوات لحوالي 2000 شخص.
وقد تم والحمد لله الآن إنشاء مدرسة قرآن للعلم والعمل، ومعهد للتعامل بنفس طريقة التعامل مع القرآن مع غيره من العلوم كعلوم السنة والسيرة والإيمان أسميناه معهد العلم والعمل.
*آليات العمل وطريقة التطبيق
هناك العديد من صور تطبيق المشروع بآليات متعددة:
أولا: التطبيق الشخصي. (انظر: الملحقين الثالث والرابع)
ثانيا: حلقات التدبر الجماعية. (انظر: الملحقين الخامس والسادس)
ثالثا: مدارس وخلوات القرآن.
رابعا: مادة التفسير التدبري لطلاب المعاهد والجامعات.
خامسا: دورات العصف الذهني التدريبية.
سادسا: معسكرات واعتكافات التدبر.
سابعا: التدبر على هامش الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم.
ثامنا: التدبر على هامش الدورات والمعسكرات العلمية.
تاسعا: التدبر على هامش مناهج العلوم التجريبة، كالطب والهندسة والإدارة وغيرها.
عاشرا: التدبر للأطفال.
حادي عشر: معهد العلم والعمل النوعي التدبري. (الملحق: السابع)
ثاني عشر: استخدام التدبر في الخطابات الدعوية.
*ما الذي سيثمره ذلك المشروع لمطبقيه؟
1. تزكية النفوس وتنميتها، وتغيرها في اتجاه الأفضل تطهيرا وتطويرا؛ فيصير الإنسان متميزا في محراب النسك والصلاة ومحراب الحياة، يكون بحق إنسان الإيمان وفي ذات الوقت إنسان العمران.
2. زيادة رقعة الإيمان بالله وأسمائه وصفاته في القلب، وتحقيق لوازم التوحيد. قال ابن مسعود: (من أحبَّ أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر: فإن كان يحبُّ القرآن, فهو يحبُّ الله ورسوله)
3. تمكن حب القرآن من القلوب، وتقديره حق قدره، مما يزيد مساحة الاهتداء به، والانتصار له.
4. زيادة الإقبال على القرآن ودوام الأمل في القيام بحقوقه كاملة، حيث إن هذا المشروع يؤثر في المتعلم ويجد من بركته في حياته ما يزيده إقبالا على المصحف وتعلقا به وييسر عليه القيام بحقوقه.
5. تحسين آداء مدارس القرآن وحلقات تعليمه لتكون كما أراد الله لا كما أراد الناس.
6. الحد من انتشار ظاهرة الانفصام الفج بين العلم والعمل وتفشي الصور السيئة لمعلمي ومتعلمي القرآن الذين لا يعرفون منه إلا حروف، فهذا المشروع يحقق مقصد التعليم بالإضافة إلى التربية بالقرآن والتأدب بآدابه.
7. تعميق صلة المسلمين بالمنهج السلفي (منهج النبي () وأصحابه) في تعلم وتعليم القرآن وتحرير انتسابهم له.
8. تسديد مفهوم أهل القرآن، وتوضيح الطريقة العملية للتحقق بهذا الوصف الشريف.
9. زيادة الأمل في أن يكون القرآن حجة لنا يوم القيامة، وفي الحديث: "والقرآن حجة لك أو عليك" فالمشروع يعلمنا في ثناياه كيف يكون القرآن حجة لنا.
10. النجاة – إن شاء الله – من أن نكون من الخاسرين الهاجرين لكتاب الله الداخلين في قول الله: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً" [الفرقان: 30] حيث يجنبنا تطبيق المشروع – إن شاء الله – كل صور الهجران التي تحدث عنها العلماء.
11. التحقق– إن شاء الله - بوصف "الناصح لكتاب الله"، فقد روى مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ () قَالَ:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ (وعند النسائي: إنما)» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ:«لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». والمشروع يقدم أشمل تصور عملي لمفهوم النصيحة.
12. تحقيق الإيمان الكامل بالقرآن، الركن الهام من أركان الإيمان، والذي يُجْمِل واجبنا تجاه القرآن، ويسير بنا مباشرة في طريق التحقق بوصف "أهل القرآن"، ويشرح المشروع معنى الإيمان بالقرآن ويضع ذلك الإيمان في قالب تطبيقي سهل.
13. الفوز بخيرات القرآن الكاملة، وبركاته الفاضلة؛ (فمن يكون لله ولكتابه كما يريد، يعطيه الله من بركاته ويفيض).
*أثر المشروع في المتدربين
وقد تم بفضل الله تطبيق المشروع على ما يربو على ألفي شخص، بحصيلة تجارب حوالي 5000 تجربة، مع تباين واضح في أعمارهم، وجنسهم، ومدة تطبيق البرنامج عليهم، ومستواهم الاجتماعي والعلمي والفكري والثقافي، ومستوى المدرب، ومستوى التأثر، وقد أفرزت التجارب نتائج مبهرة منها:
1- إصلاح العديد من المشكلات لدى المتدربين، كالمشكلات الدراسية والاجتماعية.
2- وضوح الرؤية فيما يتعلق بالعلاقة بالقرآن وكيفية تدبره والتعامل السديد معه.
3- زيادة الدافعية والهمة لدى المتدربين فيما يخص الدعوة إلى الله وطلب العلم والعمل التطوعي وغيرها.
4- إقلاع الكثير من المتدربين عن كثير من الذنوب والمعاصي والعادات السيئة.
5- زيادة الإقبال على القرآن قراءة وتدبرا وتعلما وتعليما مع زيادة رقعة الاهتمام به والانتماء إليه.
6- الاستمتاع بالقرآن والتخلص من المشقة والإحساس بالملل الذي كان يراود بعض المتدربين.
7- صلاح القلب وتزكية النفس والتحرر من العديد من الأخلاقيات السيئة.
8- تحسن العلاقة بالله وزيادة الإقبال على الآخرة والرغبة في تحقيق العبودية.
9- المشاركة الإيجابية الفعالة في الأعمال الجماعية وحل مشكلات المجتمع والأفراد.
10- النجاح في محراب الحياة أضحى قرينا للنجاح في محراب النسك والصلاة.
ولولا ضيق المقام لذكرت نماذج تفصيلية لمن تأثروا بالبرنامج، ولكن سأكتفي بهذه الأمثلة:
1- طالبة في الجامعة كانت ترسب في دراستها لثلاث سنوات متتالية، وبعد دخول المشروع حياتها، تنجح من أول مرة وبتقدير جيد لأول مرة في حياتها؛ لدرجة أن أهلها أرسلوا يشكروننا.
2- مدرس أمراض القلب بالجامعة، يتحدث بعد عشرة أيام من الانتظام في البرنامج قائلا ما فحواه: "لقد أحدث البرنامج نقلة نوعية في حياتي كلها، تغيرت أهدافي واهتماماتي، وأصبحت أنظر للحياة من منظور آخر، أشعر بسعادة غامرة وبأنني ولدت من جديد"
3- طالب بالجامعة كان مجتهدا في الدعوة ومجتهدا في تحصيل الاستقامة، وحصلت له انتكاسة وكان ممن يحاربون البرنامج، ثم ساقه الله إلى البرنامج، فتبدلت حياته تماما، وتعافى من انتكاسته، وزادت انتاجيته الدعوية والتطوعية بشكل ملحوظ، بل ومكنه الله من تجاوز مشاكله الدراسية والاجتماعية، وهو الآن من أشد الداعمين للبرنامج.
4- كان ملتزما مع مجموعة من زملائه بالجامعة ولما عاد لبلدته وجد نفسه وحيدا ففترت همته وهدده شبح الانتكاسة، ثم ساقه الله إلى البرنامج فاشتعلت همته وارتفعت عزيمته، وهو الآن كلما رأيناه مقت إلينا أنفسنا بسبب اجتهاده الفذ وصدقه الفريد وهمته التي جاوزت الثريا.
5- كان من أنشط الناس في الدعوة وطلب العلم ولطالما نفر من البرنامج لكن بعد انتهاء الحياة الجامعية وبداية الحياة العملية تغيرت أحواله وفترت عزيمته، ثم ساقه الله إلى البرنامج فندم على أنه لم يطبقه منذ زمن وتمنى أن لم يكن مما كان شيئا.
6- حفظ القرآن بعد مشقة وعناء وضغط من الوالدين في الثالثة عشرة من عمره، لكنه لما انتظم في البرنامج أحب القرآن وزاد إقباله عليه، بل وتبدلت أخلاقه وتحسن أداؤه الدراسي.
7- في تجربة أجريت على بعض الأطفال الذين انتظموا في دورة مكثفة لحفظ القرآن الكريم، طلب من الأطفال أن يتدبر كل واحد منهم في آية واحدة من ورده، فإذا ببعض الأطفال يقول إجابة عن سؤال: مع أي الآيات توقفت؟ "قوله تعالى: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا)" ولما سألناه عن تفاعله مع الآية وما ينوي فعله قال: "لقد كنت أؤذي إخواني وأخواتي فشعرت أن الإيذاء أمر قبيح، ونويت ألا أؤذي أحدا أبدا"
8- كان يعاني من "الأنا" والرياء وغيرها من الأمراض القلبية بصورة ملحوظة، لكنه لما انتظم في البرنامج هذبه وأصلح من شانه وصيره إنسانا جديدا.
9- كانت عنده مشكلات في عمله، أدت إلى مشكلات اجتماعية، وكان يجبن عن أخذ خطوات فيها الحل، لكنه لما انتظم في البرنامج زاد يقينه وتوكله، وبدأ مشروعه الخاص فأصبح الآن تاجرا صدوقا كبيرا، وزالت مشكلاته وتبدلت حياته.
10- عصفت بالبلاد فتنة تجعل الحليم حيرانا؛ شعر معها باضطراب وحيرة؛ تفاعل مع الأمر حسبما يتراءى له؛ حضر معنا "تدبر سورة الإخلاص" وبعد الانتهاء من الحلقة قال مافحواه: "كنت مشتتا لكنني لما تدبرت سورة الإخلاص ونويت التفاعل مع ما تدعو إليه من جعل التوحيد منهج حياة؛ شعرت بهدوء وسكينة وطمأنينة وولى شتاتي وتلاشت حيرتي"
11- لطالما كان يخاف الحسد حتى نفر منه كل من حوله؛ حضر معنا تدبر سورة الفلق؛ لم يكن من المتفاعلين بصورة جيدة؛ لدرجة جعلتني أتوهم أنه لم يستفد شيئا؛ لكنه فاجأني لما قال لي يوما في جلسة خاصة ما فحواه: "جزاكم الله خيرا على تدبر سورة الفلق؛ لقد كنت أعاني من الخوف من الحسد، ولطالما أرقني؛ لكنني اليوم لم أعد أبالي به"
12- أحوال البلد كانت مضطربة، لاسيما أحوالها الأمنية؛ حضر معنا تدبر سورة الفلق؛ فقال مافحواه: "لقد أضحيت أشعر بأمان عجيب، لم أعد أشعر بالخوف من أي شيء، فالاستعاذة قد بددت كل المخاوف"
13- ولا أنسى واحدا من القُرَّاء الذين يُشَار إليهم بالبنان استمع يوما إلى محاضرة تناولتُ فيها فكرة المشروع فجاء - والفضل لله وحده – بعد المحاضرة وأخبرني أن هذه المحاضرة قد حولت مسار حياته وجعلته يندم على ثلاثين سنة مرت من عمره ، وكانت تلك المحاضرة بداية انطلاقة كبيرة في علاقته بالقرآن الكريم.
*أسئلة وردود
*ماهي المعوقات التي واجهتك أثناء سعيك لتحقيق المشروع؟
1. مخالفة الفكرة لكثير مما درج الناس عليه فيما يتعلق بالقرآن.
2. قلة الذين يتبنون الفكرة من العلماء المتخصصين.
3. الإغراق النظري من كثير ممن يتكلمون في الموضوع.
4. عدم وجود وقف خيري يتبنى المشروع ويساعد في تطويره ونشره.
*هل تنصح بأن يكون لكل منا مشروع قرآني يشغله ويسعى لتحقيقه؟
ردا على هذا السؤال الذي وجه إلي أقول: "الحياة بعيدا عن القرآن هي عين الموت وإن كان الإنسان لا يزال يتنفس وقلبه ينبض؛ فوجود مشروع قرآني لكل منا مسألة حتمية؛ فكل منا له مشروعه الدنيوي الذي ينشغل به مع تفاوت في نوايا هذا الانشغال، فلم لا يولي كل منا اهتماما أكبر لمشروع الحياة الخالدة الحقيقية. ما أروع أن نعتبر القرآن مشروعنا ونخطط للمشروع وندأب في تنفيذه ونشره كما ندأب في رعاية مشاريع الدنيا وتطويرها".
*ماهي أهم مقومات نجاح أي مشروع مع كتاب الله؟
المقومات كثيرة لكنني أذكر أهمها باختصار:
*الأول: الإخلاص.
*الثاني: الصدق.
*الثالث: الاستعانة بالله.
*الرابع: التوبة النصوح.
*الخامس: التفاؤل والأمل.
*السادس: الثقة بالنفس.
*السابع: العزيمة والمبادرة.
*الثامن: الإجهاز على المعوقات.
*التاسع: التخطيط والإعداد الجيد.
*العاشر: الصبر.
*الحادي عشر: المجاهدة.
*الثاني عشر: لاتقنع بما دون النجوم (علو الهمة)
*ثالث عشر: تطليق الكسل.
*سادس عشر: الاستحضار الدائم لضرورة المشروع.
*رابع عشر: اغتنام الظروف المناسبة.
*خامس عشر: عدم التأثر السلبي بالآخرين .
*سابع عشر: مجاهدة الفتور.
*ثامن عشر: تحصين نفسك للحفاظ على كنوزك.
*هل هناك مشاريع قرآنية تتعرض للفشل؟ ومتى يكون ذلك؟
قد يحدث ذلك إن غاب مقوم من مقومات نجاحها؛ لكن يندر ذلك مع سلامة النية؛ فالله لشرف كتابه وكرامته عليه يعين ويسدد كل من كان صادقا في خدمته.
*هلا وجهت نصيحة لأهل القرآن ومحبيه!
أقول لكل محبي القرآن:
والله لقد استشعرت كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية لما قال وشمس حياته قد أشرفت على المغيب: "ندمت على تضييع أوقاتي في غير معاني القرآن" (ذيل طبقات الحنابلة:2/402).
كم كنت محروما يوم غفلت عن القرآن ولو لطرفة عين!
يا إخواني! الوحي الشريف من شأنه بخصائصه النورانية (قوته العلمية التي تهدينا وتعصمنا من الضلال والشقاء) وخصائصه الروحية (قوته العملية التي تعيننا على التطهير والتغيير والارتقاء) أن يصنع أكمل إنسان ويصلح كل زمان ومكان، لكن طريقة تعاملنا الخاطئة معه حرمتنا أثره وبركته في حياتنا.
قال الله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]
ولا يخفى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما تعامل مع الوحي بطريقة العلم والعمل، جعل منه هاديا مهديا وصالحا مصلحا، فبلغ الكمال البشري، بل أضحى خير البشر أجمعين، وطفق يصنع بالوحي نماذج سامية بلغت الكمال الإنساني من خلال طريقة العلم والعمل.
ولحملة لواء القرآن من العلماء والقراء والمتخصصين أقول:
يا أهل القرآن! لستم على شيء حتى تقيموا القرآن.
يا أهل القرآن! لن تكونوا أهلا للقرآن إلا إذا تدبرتموه واتبعتموه وأديتم حقوقه؛ فلا يغرنكم ما يصفكم الناس به من أوصاف، الأهم هل أنتم عند الله حقا "أهل قرآن".
يا أهل القرآن! استشعروا قدر الشرف الذي اصطفاكم الله له حين أكرمكم بحمل كتابه وكونوا أهلا لهذا الاصطفاء وذلك التكريم.
يا أهل القرآن! أهل الباطل لايدخرون وسعا في خدمة باطلهم فأنتم أولى بذلك منهم.
يا أهل القرآن! ما أنزل الله هذا الكتاب ليحبس في السطور أو الصدور فاستفرغوا وسعكم في التحرك به بين الناس والتخلق بأخلاقه.
يا أهل القرآن! الدنيا كلها تنتظركم، فاصلحوا، وأصلحوا دنيا الناس ودنياهم وأخراهم بالنور الذين بين أيديكم.
*** الملحقات ***